مقدمات في المقاصد الشرعية
مقدمات في المقاصد الشرعية
مقدمات في المقاصد الشرعية
1
ﺗﻘﺪﱘ
ﺍﳊﻤﺪ ﷲ ﻭ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻰ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﷲ ﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻪ ﻭ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻭ ﺃﺗﺒﺎﻋﻪ ﺇﱃ
ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ؛ ﺃﻣﺎ ﺑﻌﺪ...
ﻓﻬﺬﻩ ﻣﺬﻛﺮﺓ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﰲ ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ،ﺃﻋﺪﺩﺎ ﻹﺧﻮﰐ ﻃﻠﺒﺔ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﻣﻘﺪﻣ ﹰﺔ
ﻭ ﺃﺻﻼﹰ ﳍﻢ ﰲ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﻃﺮﻳﻘﻬﻢ ﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻦ ﺍﳉﻠﻴﻞ؛ ﻷﻧﻪ ﻛﻤﺎ ﻗﻴﻞ" :ﻣﻦ ﺣﺮﻡ
ﺍﻷﺻﻮﻝ ﺣﺮﺡ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ".
ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺫﻟﻚ ﲰﻴﺘﻬﺎ )ﻣﻘﺪﻣﺎﺕ ﰲ ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ( .ﻭﻣﺎﻫﻲ ﺇﻻ ﳏﺎﻭﻟﺔ ﺬﻳﺐ ﻭ
ﺍﺧﺘﺼﺎﺭ ﻟﻜﺘﺎﺏ ﻟﻄﻴﻒ ﻧﻔﻴﺲ ﰲ ﺍﻟﻔﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﹶﻟﱠﻔﹶﻪ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻳﻮﺳﻒ ﺍﻟﺸﺒﻴﻠﻲ
–ﺣﻔﻈﻪ ﺍﷲ ﺗﻌﺎﱃ -ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ :ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ –ﻧﻔﻊ ﺍﷲ ﺑﻪ ﻭ ﲟﺆﻟﻔﻪ.-
ﻫﺬﺍ ﻭﺃﺳﺄﻝ ﺍﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﺃﻥ ﳚﻌﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﳌﺘﻮﺍﺿﻊ ﺧﺎﻟﺼﺎ ﻟﻮﺟﻬﻪ ﺍﻟﻜﺮﱘ .ﻭﺻﻠﻰ
ﺍﷲ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﳏﻤﺪ ﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻪ ﻭ ﺻﺤﺒﻪ ﺃﲨﻌﲔ.
ﺃﻋﺪﻩ:
2
ﻣﻘﺪﻣﺔ ﰲ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﻋﻠﻢ ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ
ﻋﻠﻢ ﺍﳌﻘﺎﺻﺪ ﻫﻮ ﻋﻠﻢ ﻳﺪﺭﺱ ﺍﻷﺩﻟﺔ ﺇﲨﺎﻻﹰ ﻭﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﺍﳋﺎﺻـﺔ ﻭﻳﻌـﺘﲏ
ﺑﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﳌﻌﺎﱐ ﻭﺍﳊﻜﻢ ﺍﻟﱵ ﻣﻦ ﺃﺟﻠﻬﺎ ﺷﺮﻋﺖ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻭﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﻋﺎﻣﺔ
ﻭﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﺧﺎﺻﺔ .ﻓﻌﻠﻢ ﺍﳌﻘﺎﺻﺪ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻫﻮ ﻋﻠﻢ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺄﹸﺻﻮﻝ ﺍﻟﻔﻘـﻪ ﻭﺑﺎﻟﻔﻘـﻪ
ﻣﻌﺎﹰ.
ﻓﻤﺜﻼﹰ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ :ﺍﻟﺘﻴﺴﲑ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﻜﻠﻔﲔ -ﻭﺍﻷﻋﻤـﺎﻝ ﺑﺎﻟﻨﻴـﺎﺕ-
ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺍﺕ ﺗﺒﻴﺢ ﺍﶈﺬﻭﺭﺍﺕ.
ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻜﻞ ﺣﻜﻢ ﺗﻜﻠﻴﻔﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﺪﻩ ،ﻓﻤﺜﻼﹰ ﺍﳌﻘﺼﺪ ﺍﻟﺸﺮﻋﻲ ﻣـﻦ
ﻣﺸﺮﻭﻋﻴﺔ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻫﻮ ﺃﺎ ﺗﻨﻬﻰ ﻋﻦ ﺍﻟﻔﺤﺸﺎﺀ ﻭﺍﳌﻨﻜﺮ ﻭﻓﻴﻬﺎ ﺗﺰﻛﻴﺔ ﻟﻠﻨﻔﻮﺱ.
ﻭﻋﻠﻢ ﺍﳌﻘﺎﺻﺪ ﻫﻮ ﺃﻳﻀﺎﹰ ﻋﻠﻢ ﺍﳌﺼﺎﱀ ﻭﺍﳌﻔﺎﺳﺪ ﻭﻳﻬﺘﻢ ﺑﺎﻟﻀﻮﺍﺑﻂ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﺍﻟﱵ ﺗﻮﺍﺯﻥ
ﺑﲔ ﺍﳌﺼﺎﱀ ﻭﺍﳌﻔﺎﺳﺪ ﻋﻨﺪ ﺗﻌﺎﺭﺿﻬﺎ.
3
ﻗﻮﻝ ﺍﷲ ﺗﻌﺎﱃ ":ﻳﺮﻳﺪ ﺍﷲ ﺑﻜﻢ ﺍﻟﻴﺴﺮ ﻭﻻ ﻳﺮﻳﺪ ﺑﻜﻢ ﺍﻟﻌﺴﺮ" ﰲ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﱃ
ﻣﻘﺼﺪ ﻋﺎﻡ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺘﻴﺴﲑ ﻭﺭﻓﻊ ﺍﳊﺮﺝ.
ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ،ﺃﻥ ﺍﻟﻨﱯ ﺻﻠﻰ ﺍﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﳌﺎ ﺑﻌﺚ ﻣﻌﺎﺫ ﺑﻦ ﺟﺒﻞ
ﻭﺃﺑﺎ ﻣﻮﺳﻰ ﺍﻷﺷﻌﺮﻱ ﺇﱃ ﺍﻟﻴﻤﻦ ،ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻭﺻـﻴﺘﻪ ﻋﻠﻴـﻪ ﺍﻟﺼـﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴـﻼﻡ
ﳍﻤﺎ":ﻳﺴﺮﺍ ﻭﻻ ﺗﻌﺴﺮﺍ ﻭﺑﺸﺮﺍ ﻭﻻ ﺗﻨﻔﺮﺍ".
4
ﺑﺎﺏ ﺍﳌﺼﺎﱀ ﺍﳌﺮﺳﻠﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻋﻠﻢ ﺍﳌﻘﺎﺻﺪ ﰲ ﺍﳊﻘﻴﻘﺔ ،ﻫـﻮ ﻋﻠـﻢ ﺍﳌﺼـﺎﱀ
ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ،ﻭﺿﻮﺍﺑﻄﻬﺎ .
5
ﻭﳑﻦ ﺃﻟﻒ ﺑﻌﺪﻩ ﰲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮ ﺑﻦ ﻋﺎﺷﻮﺭ ﻣﻦ ﺗﻮﻧﺲ ،ﻭﻛﺘﺎﺑـﻪ ) ﻣﻘﺎﺻـﺪ
ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ( ،ﻭﺃﻟﻒ ﻛﺬﻟﻚ ﻋﻼﻝ ﺍﻟﻔﺎﺳﻲ )ﻣﻦ ﺍﳌﻐﺮﺏ( ،ﻛﺘﺎﺑﻪ )ﻣﻘﺎﺻـﺪ
ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ( .
ﰒ ﺟﺎﺀ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﻢ ﺃﲪﺪ ﺍﻟﺮﻳﺴﻮﱐ ﻭﺃﻟﻒ ﻛﺘﺎﺏ )ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺍﳌﻘﺎﺻـﺪ ﻋﻨـﺪ ﺍﻹﻣـﺎﻡ
ﺍﻟﺸﺎﻃﱯ(.
ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ،ﻟﻐﺔﹰ :ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﰲ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ )ﺍﻟﺸﺮﻉ ﻭﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻭﺍﳌﺸﺮﻋﺔ ﻫﻲ ﺍﳌﻮﺍﺿﻊ ﺍﻟـﱵ
ﻳﻨﺤﺪﺭ ﺍﳌﺎﺀ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻭﺍﻟﺸﺮﻋﺔ ﻭﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﰲ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻫﻲ ﺷﺮﻋﺔ ﺍﳌﺎﺀ(...
ﻭﺍﺻﻄﻼﺣﺎﹰ :ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﻪ ﺭﲪﻪ ﺍﷲ )ﺍﺳﻢ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻭﺍﻟﺸﺮﻉ ﻭﺍﻟﺸﺮﻋﺔ ﻳﻨﺘﻈﻢ ﻛـﻞ
ﻣﺎ ﺷﺮﻋﻪ ﺍﷲ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﻭﺍﻷﻋﻤﺎﻝ(.
6
ﺃﻗﺴﺎﻡ ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ
-1ﻣﻘﺎﺻﺪ ﻛﻠﻴﺔ ﻭﻫﻲ ﺍﳊﻜﻢ ﻭﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺇﲨﺎﻻﹰ ،ﻭﳝﻜﻦ
ﺣﺼﺪﻫﺎ ﰲ ﺟﻠﺐ ﺍﳌﺼﺎﱀ ﻭﺩﺭﺀ ﺍﳌﻔﺎﺳﺪ.
-2ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻭﻫﻲ ﺍﳊﻜﻢ ﻭﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﻣﻦ ﺗﺸﺮﻳﻊ ﻛﻞ ﺣﻜﻢ.
7
ﺍﳌﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ
ﻫﻲ ﺍﻷﻫﺪﺍﻑ ﻭﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﱵ ﺟﺎﺀﺕ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﳊﻔﻈﻬﺎ ﻭﻣﺮﺍﻋﺎﺎ ﰲ ﲨﻴﻊ ﺃﺑﻮﺍﺏ
ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﻭﳎﺎﻻﺗﻪ ﺃﻭ ﺃﻏﻠﺒﻬﺎ.
ﻭﺳﻮﻑ ﻧﺪﺭﺱ ﲟﺸﻴﺌﺔ ﺍﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻘﺎﺻﺪ ﻋﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ
،ﻭﻫﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺤﻮ ﺍﻟﺘﺎﱄ :
-1ﺟﻠﺐ ﺍﳌﺼﺎﱀ ﻭﺩﻓﻊ ﺍﳌﻔﺎﺳﺪ.
-2ﺭﻓﻊ ﺍﳊﺮﺝ ﻭﺍﻟﺘﻴﺴﲑ ﻋﻠﻰ ﺍﳋﻠﻖ.
ﻣﺮﺍﻋﺎﺓ ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺍﳌﻜﻠﻔﲔ. -3
ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻗﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﺟﻠﺐ ﺍﳌﺼﺎﱀ ﻭﺩﺭﺀ ﺍﳌﻔﺎﺳﺪ ،ﻳﻘﻮﻝ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ" :ﺃﺳﺎﺱ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ
ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺟﻠﺐ ﻛﻞ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺗﻨﻔﻊ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ ﻭﺩﺭﺀ ﻛﻞ ﻣﻔﺴﺪﺓ ﺗﻀﺮ ﻢ" .ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻣﺮ
ﻣﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻨﺪ ﻋﺎﻣﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻭﺍﻷﺻﻮﻟﻴﲔ ﻭﺍﻟﺒﺎﺣﺜﲔ.
8
ﻭﳑﺎ ﺳﺒﻖ ﻳﺘﻀﺢ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ:
(1ﺃﻥ ﺍﳌﺼﻠﺤﺔ ﻫﻲ ﺍﶈﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺼﻮﺩ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﲝﻔﻆ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ﺍﳋﻤﺲ.
(2ﺃﻥ ﺍﳌﺼﻠﺤﺔ ﻻ ﺗﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻹﳚﺎﺩ ﺑﻞ ﺗﺸﻤﻞ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻹﻋﺪﺍﻡ ﻭﺫﻟـﻚ
ﺑﺪﺭﺀ ﺍﳌﻔﺎﺳﺪ.
(3ﺃﻥ ﺍﳌﺼﺎﱀ ﻗﺴﻤﺎﻥ:
ﺃ( ﻣﺼﺎﱀ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﻫﻲ ﺍﳌﺼﻠﺤﺔ ﺍﳌﻘﺼﻮﺩﺓ ﺑﺬﺍﺎ ،ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺼﻼﺓ ،ﻭﺍﻟﺰﻛـﺎﺓ
،ﻭﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ،ﻭﳓﻮ ﺫﻟﻚ .
ﺏ( ﻣﺼﺎﱀ ﳎﺎﺯﻳﺔ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﱵ ﺗﻜﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎﹰ ﰲ ﲢﻘﻴﻖ ﺍﳌﺼﻠﺤﺔ ﺍﳊﻘﻴﻘﻴﺔ ،ﻣﺜـﻞ
ﻗﻄﻊ ﻳﺪ ﺍﻟﺴﺎﺭﻕ ،ﻭﺭﺟﻢ ﺍﻟﺰﺍﱐ ،ﻓﺈﻥ ﻇﺎﻫﺮﻫﺎ ﺃﺎ ﻣﻔﺎﺳﺪ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺍﻋﺘﱪﺕ
ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺷﺮﻋﻴﺔ ﻟﻜﻮﺎ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺇﱃ ﲢﻘﻴﻖ ﺍﳌﺼﻠﺤﺔ ﺍﳌﻘﺼﻮﺩﺓ ،ﻭﻫـﻲ ﺭﺩﻉ
ﺍﺮﻣﲔ ,ﻭﺍﻧﺘﺸﺎﺭ ﺍﻷﻣﻦ ﰲ ﺍﺘﻤﻌﺎﺕ .ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﻓـﺈﻥ ﺩﺭﺀ ﺍﳌﻔﺎﺳـﺪ ﰲ
ﺍﳊﻘﻴﻘﺔ ﻳﺴﻤﻰ ﻣﺼﻠﺤﺔ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻋﺪﻣﻴﺔ.
ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﳌﺼﺎﱀ
ﺗﻨﻘﺴﻢ ﺍﳌﺼﺎﱀ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﺍﺕ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ :
ﻓﻤﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻌﻤﻮﻡ ﻭﺍﳋﺼﻮﺹ ﺗﻨﻘﺴﻢ ﺇﱃ :
-1ﻣﺼﺎﱀ ﻋﺎﻣﺔ :
ﻭﻫﻲ ﺍﻟﱵ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻌﻤﻮﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻭ ﺃﻏﻠﺒﻬﻢ ،ﻣﺜﻞ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺎﳌﻌﺮﻭﻑ ﻭﺍﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ ﺍﳌﻨﻜﺮ ،
ﻭﺍﳉﻬﺎﺩ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﷲ ،ﻭﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺇﱃ ﺍﷲ ،ﻭﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ،ﻭﳓﻮﺫﻟﻚ .
-2ﻣﺼﺎﱀ ﺧﺎﺻﺔ :
9
ﻭﻫﻲ ﺍﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺸﺨﺺ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺼﻼﺓ ،ﻭﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ،ﻭﺣﻔﻆ ﻣﺎﻝ ﺍﻟﺸﺨﺺ
ﻧﻔﺴﻪ ،ﻭﳓﻮ ﺫﻟﻚ .
10
ﺿﻮﺍﺑﻂ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﳌﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ:
ﺛﺎﻧﻴﺎﹰ :ﺃﻥ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﺳﺎﺱ ﻟﻠﻤﺼﺎﱀ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻭﻣﻘﺪﻣﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻴﺠﺐ ﺍﻟﺘﻀﺤﻴﺔ
ﲟﺎ ﺳﻮﺍﻫﺎ ﺇﺫﺍ ﻋﺎﺭﺿﺘﻬﺎ ﺇﺑﻘﺎﺀ ﳌﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﺪﻳﻦ.
ﻳﻘﻮﻝ ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﻪ ﺭﲪﻪ ﺍﷲ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﳝﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﻌﺎﺭﺽ ﺍﻟﻨﺺ ﻣﻊ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﻜﻦ
ﻗﺪ ﻳﻌﺎﺭﺽ ﻣﺼﺎﱀ ﻣﻮﻫﻮﻣﺔ.
11
ﻭﻣﻦ ﺃﻣﺜﻠﺔ ﻫﺬﺍ ﺃﻥ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻗﺪ ﻳﻈﻦ ﺃﻥ ﰲ ﺍﻟﺮﺑﺎ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻭﻳﻘﺪﻡ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﻪ ﻋﻠـﻰ
ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﺼﺮﳛﺔ ﺍﶈﺮﻣﺔ ﻟﻪ ،ﻭﺍﻟﺼﻮﺍﺏ ﺃﻥ ﺍﳌﺼﻠﺤﺔ ﰲ ﺍﻟﺮﺑﺎ ﻣﻮﻫﻮﻣﺔ ﻓﻬﻮ ﺳـﺒﺐ
ﻟﻔﺴﺎﺩ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﳌﺎﱄ ﻭﺗﻌﺎﻇﻢ ﺍﻟﺘﻀﺨﻢ.
ﺛﺎﻟﺜﺎﹰ :ﺃﻥ ﻻ ﺗﻼﺯﻡ ﺑﲔ ﺍﳌﺼﻠﺤﺔ ﻭﺍﻟﻠﺬﺓ ﻓﻘﺪ ﺗﻮﺟﺪ ﺇﺣﺪﺍﳘﺎ ﻭﻻ ﺗﻮﺟـﺪ ﺍﻷﺧـﺮﻯ،
ﻭﻫﺬﺍ ﲞﻼﻑ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﲔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﱵ ﺗﺮﺑﻂ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ.
ﺭﺍﺑﻌﺎﹰ :ﺃﻥ ﺍﳌﺼﻠﺤﺔ ﻭﺍﳌﻔﺴﺪﺓ ﰲ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﳏﺪﻭﺩﺓ ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻘﻂ ﺑﻞ ﺗﺸـﻤﻞ
ﺍﳌﺼﺎﱀ ﰲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻵﺧﺮﺓ ،ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺬﻱ ﳝﻴﺰ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻹﺳـﻼﻣﻴﺔ ﻋـﻦ ﺍﻷﻧﻈﻤـﺔ
ﺍﻟﻮﺿﻌﻴﺔ.
ﻭﻣﻦ ﺍﻷﻣﺜﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﳊﺪﻭﺩ ﻭﺍﻟﻘﺼﺎﺹ ،ﻓﺈﻥ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﳊﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺼﻠﺤﺔﻟﻪ ﰲ
ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺮﺩﻋﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﻗﻮﻉ ﰲ ﺍﻟﺬﻧﺐ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺃﺧﺮﻭﻳﺔ ﺃﻋﻈﻢ
ﻫﻲ ﺗﻜﻔﲑ ﺍﻟﺬﻧﺐ .ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﳝﻴﺰ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﻈﻢ ﺍﻟﻮﺿﻌﻴﺔ ،ﺍﻟﱵ ﺗﻨﻈﺮ
ﺇﱃ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺃﺎ ﻣﺼﺎﺩﻣﺔ ﳊﻘﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻴﻌﺘﱪﻭﻥ ﻗﻄﻊ ﻳﺪ ﺍﻟﺴـﺎﺭﻕ
ﺗﺸﻮﻳﻬﺎﹰ ،ﻭﻗﺘﻞ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ ﺇﺯﻫﺎﻗﺎﹰ ﻟﻠﻨﻔﺲ ،ﻭﺟﻠﺪ ﺷﺎﺭﺏ ﺍﳋﻤﺮ.
ﺧﺎﻣﺴﺎ :ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﰲ ﺣﺪ ﺫﺍﺗﻪ ﻣﺼﻠﺤﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻠﺤـﻖ ﺑﺎﳌﻔﺎﺳـﺪ ﳌـﺎ
ﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﳌﻔﺎﺳﺪ ﺍﻟﱵ ﺗﻔﻮﻕ ﺗﻠﻚ ﺍﳌﺼﻠﺤﺔ ،ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻴﻪ ﺃﻫـﻞ ﺍﻟﻌﻠـﻢ
ﺑـ"ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺳﺪ ﺍﻟﺬﺭﺍﺋﻊ " ﺃﻭ ﻗﺎﻋﺪﺓ ":ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﳍﺎ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﳌﻘﺎﺻﺪ " .
ﻭﳍﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻣﻦ ﺍﻷﳘﻴﺔ ﲟﻜﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﻨﻈﺮ ﺍﺘﻬﺪ ﺃﻭ ﺍﳌﻔﱵ ﺇﱃ ﻋﻮﺍﻗﺐ ﻓﺘـﻮﺍﻩ ،ﻓﻘـﺪ
ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﰲ ﻃﺎﻫﺮﻩ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻟﻜﻦ ﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻔﺎﺳﺪ ﻗﻴﻜﻮﻥ ﳏﺮﻣـﺎﹰ ،ﺳـﺪﺍﹰ
ﻟﻠﺬﺭﻳﻌﺔ .
12
ﻭﻫﺬﺍ ﺃﺻﻞ ﻋﻈﻴﻢ ﻣﻦ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﻗﺪ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺭﲪـﻪ ﺍﷲ ﺗﺴـﻌﺔ
ﻭﺗﺴﻌﲔ ﺩﻟﻴﻼﹰ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺃﻋﻼﻡ ﺍﳌﻮﻗﻌﲔ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻗﺎﻋﺪ ﺳـﺪ ﺍﻟـﺬﺭﺍﺋﻊ ﻣﻌﺘـﱪﺓ ﰲ
ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ،ﻣﻨﻬﺎ :ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ } :ﻭﻻ ﺗﺴﺒﻮﺍ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺪﻋﻮﻥ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﷲ ﻓﻴﺴـﺒﻮﺍ ﺍﷲ
ﻋﺪﻭﺍ ﺑﻐﲑ ﻋﻠﻢ { ﻓﺤﺮﻡ ﺍﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﺳﺐ ﺁﳍﺔ ﺍﳌﺸﺮﻛﲔ -ﻣﻊ ﻛﻮﻥ ﺍﻟﺴﺐ ﻏﻴﻈـﺎ
ﻭﲪﻴﺔ ﷲ ﻭﺇﻫﺎﻧﺔ ﻵﳍﺘﻬﻢ -ﻟﻜﻮﻧﻪ ﺫﺭﻳﻌﺔ ﺇﱃ ﺳﺒﻬﻢ ﺍﷲ ﺗﻌﺎﱃ ،ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼـﻠﺤﺔ
ﺗﺮﻙ ﻣﺴﺒﺘﻪ ﺗﻌﺎﱃ ﺃﺭﺟﺢ ﻣﻦ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺳﺒﻨﺎ ﻵﳍﺘﻬﻢ ،ﻭﻫﺬﺍ ﻛﺎﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﺑﻞ ﻛﺎﻟﺘﺼـﺮﻳﺢ
ﻋﻠﻰ ﺍﳌﻨﻊ ﻣﻦ ﺍﳉﺎﺋﺰ ﻟﺌﻼ ﻳﻜﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎ ﰲ ﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﻻ ﳚﻮﺯ .
13
ﻓﺎﻟﻌﻤﻞ ﻋﻨﺪ ﺗﻌﺎﺭﺽ ﺍﳌﺼﺎﱀ ﻛﺎﻟﺘﺎﱄ :
ﺍﳊﺎﻟﺔ ﺍﻷﻭﱃ :ﺇﺫﺍ ﺗﻌﺎﺭﺿﺖ ﻣﺼﻠﺤﺘﺎﻥ ﺃﻭ ﺃﻛﺜﺮ ،ﻓﺈﻥ ﺃﻣﻜﻦ ﲢﺼﻴﻠﻬﺎ ﲨﻴﻌﺎﹰ ﻓﻌﻠﻨﺎ،
ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ..." :ﻓﺈﻥ ﺃﻣﻜﻦ ﲢﺼﻴﻠﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﺣﺼﻠﺖ ،ﻭﺇﻥ ﱂ ﻳﻜﻦ ﲢﺼﻴﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ
ﺇﻻ ﺑﺘﻔﻮﻳﺖ ﺍﻟﺒﻌﺾ ،ﻗﹸﺪﻡ ﺃﻛﻤﻠﻬﺎ ﻭﺃﳘﻬﺎ ﻭﺃﺷﺪﻫﺎ ﻃﻠﺒﺎﹰ ﻟﻠﺸﺎﺭﻉ".
ﻭﻣﻦ ﺃﻣﺜﻠﺔ ﺫﻟﻚ :
-1ﻫﻞ ﺍﻷﻓﻀﻞ ﻟﻠﺸﺨﺺ ﺃﻥ ﻳﻘﺮﺃ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺃﻭ ﻳﺼﻠﻲ ؟ ﻭﺍﳉﻮﺍﺏ ﺃﻥ ﺍﻷﻓﻀﻞ ﺃﻥ
ﻳﻘﺮﺃ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻫﻮ ﻳﺼﻠﻲ ﻓﻴﺠﻤﻊ ﺑﲔ ﺍﳌﺼﻠﺤﺘﲔ .
-2ﺍﳉﻤﻊ ﺑﲔ ﻃﻠﺐ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺸﺮﻋﻲ ﻭﻏﲑﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ ﻛﱪ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ،
ﻭﺍﻟﺘﻜﺴﺐ ،ﻭﳓﻮ ﺫﻟﻚ .
-3ﻭﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺫﻛﺮ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﻭﻫﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﱵ ﻭﺭﺩﺕ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﺓ
ﺃﻭﺟﻪ ﻓﻴﺴﺘﺤﺐ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﻊ ﰲ ﺃﺩﺍﺋﻬﺎ :ﻛﺄﺫﻛﺎﺭ ﺍﻟﺼﻠﻮﺍﺕ ،ﻭﺍﻟﻮﺗﺮ ،ﻭﺍﻟﺘﺸﻬﺪ ،ﻭﺃﺩﻋﻴﺔ
ﺍﻻﺳﺘﻔﺘﺎﺡ ،ﻭﻣﺜﻠﻬﺎ ﺃﻳﻀﺎ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﳋﲑ ﺑﺸﱴ ﺃﻧﻮﺍﻋﻬﺎ ﻓﻴﺴﺘﺤﺐ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﻷﺟﻞ
ﺃﻥ ﳛﻮﺯ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻓﻀﺎﺋﻠﻬﺎ ﲨﻴﻌﺎﹰ .
ﺍﳊﺎﻟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ :ﺇﺫﺍ ﱂ ﳝﻜﻦ ﺍﳉﻤﻊ ﺑﲔ ﺍﳌﺼﺎﱀ ﻋﻨﺪ ﺗﻌﺎﺭﺿﻬﺎ ،ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻋﺪﺓ ﺿﻮﺍﺑﻂ
ﻓﺮﻋﻴﺔ ﻟﻠﻤﻮﺍﺯﻧﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ ،ﻭﻣﻦ ﺫﻟﻚ:
ﺍﻟﻀﺎﺑﻂ ﺍﻷﻭﻝ :ﺍﳌﺼﻠﺤﺔ ﺍﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺬﺍﺕ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﺼﻠﺤﺔ ﺍﳌﺘﻌﻠﻘﺔ
ﺑﺰﻣﺎﻧﻪ ﺃﻭ ﻣﻜﺎﻧﻪ :
ﻭﻟﻠﺘﻤﺜﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﻧﺬﻛﺮ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ:
ﲢﺼﻴﻞ ﺍﻟﺼﻒ ﺍﻷﻭﻝ-ﻟﻠﺮﺟﺎﻝ -ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻣﻄﻠﻮﺑﺔ ﺷﺮﻋﺎﹰ ﻟﻜﻦ ﺇﺫﺍ ﺗﺮﺗـﺐ (1
ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺗﻔﻮﻳﺖ ﺍﳋﺸﻮﻉ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﺰﺣﺎﻡ ﻓﺎﻷﻓﻀﻞ ﻟﻠﻤﺼـﻠﻲ ﺃﻥ ﻳﺘـﺄﺧﺮ ،ﻓﻬﻨـﺎ
ﺗﻌﺎﺭﺿﺖ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﳌﻜﺎﻥ ﻣﻊ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺫﺍﺗﻪ.
14
ﺍﻷﻓﻀﻞ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﻄﻮﻑ ﻗﺮﻳﺒﺎﹰ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ ﻣﺎ ﱂ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺯﺣﺎﻡ ﳜﻞ (2
ﺑﺎﳋﺸﻮﻉ ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺍﻟﺒﻌﺪ ﺃﻓﻀﻞ .
15
ﺃﻣﺎ ﺍﳌﺼﺎﱀ ﺍﻟﺘﺤﺴﻴﻨﻴﺔ ﻓﺈﺎ ﻟﻮ ﻓﻘﺪﺕ ﳌﺎ ﳊﻖ ﺑﺎﻟﻨﺎﺱ ﻋﻨﺖ ﺃﻭ ﻣﺸﻘﺔ ﻭﻟﻜﻨـﻬﺎ ﺗﻘـﻊ
ﻣﻮﻗﻊ ﺍﻟﺘﺤﺴﲔ ﻭﺍﻟﺘﺠﻤﻴﻞ ﳊﻴﺎﺓ ﺍﻟﻨﺎﺱ.
ﺃﻭﻻﹰ :ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ
ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺍﻟﺸﺮﻋﻲ ﻟﻠﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ﻓﻘﺪ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﺎﻃﱯ :ﻫﻲ ﻣﺎ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ ﺣﻔـﻆ
ﻣﺼﺎﱀ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﲝﻴﺚ ﺇﺫﺍ ﻓﻘﺪﺕ ﱂ ﲡﺮ ﻣﺼﺎﱀ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﺑﻞ ﻋﻠـﻰ
ﻓﺴﺎﺩ ﻭﺎﺭﺝ ﻭﻓﻮﺕ ﺣﻴﺎﺓ ،ﻭﰲ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻓﻮﺕ ﺍﻟﻨﺠﺎﺓ ﻭﺍﻟﻨﻌﻴﻢ ﻭﺍﻟﺮﺟﻮﻉ ﺑﺎﳋﺴﺮﺍﻥ
ﺍﳌﺒﲔ.
ﻭﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ﺍﳋﻤﺲ – ﻛﻤﺎ ﻣﺮ ﻣﻌﻨﺎ -ﻫﻲ ﺣﻔﻆ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ:
ﻩ( ﺍﻟﻌﺮﺽ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺴﻞ. ﺩ( ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺝ( ﺍﳌﺎﻝ ﺏ( ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺃ( ﺍﻟﺪﻳﻦ
16
ﺍﳌﻘﺼﺪ ﺍﻷﻭﻝ :ﺣﻔﻆ ﺍﻟﺪﻳﻦ
ﻓﻤﻦ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﳌﺸﺮﻭﻋﺔ ﳊﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﺪﻳﻦ :
ﺃ( ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ،ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺷﺮﻉ ﺍﷲ ﻋﺪﺓ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﻣﻨﻬﺎ:
ﺃﻭﻻﹰ:ﺃﻥ ﺍﷲ ﺷﺮﻉ ﺍﻹﳝﺎﻥ ﺑﻪ ﻭﲟﻼﺋﻜﺘﻪ ﻭﻛﺘﺒﻪ ﻭﺭﺳﻠﻪ ﻭﺑﺎﻟﻴﻮﻡ ﺍﻵﺧﺮ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭ.
ﺛﺎﻧﻴﺎﹰ :ﺃﻥ ﺍﷲ ﺃﻭﺟﺐ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻜﻠﻒ.
ﺛﺎﻟﺜﺎﹰ :ﺃﻥ ﺍﷲ ﺃﻭﺟﺐ ﺍﻟﺘﺤﺎﻛﻢ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺟﻌﻞ ﺍﻟﺘﺤﺎﻛﻢ ﺇﱃ ﻏﲑﻩ ﻛﻔﺮﺍﹰ.
ﺭﺍﺑﻌﺎﹰ :ﺃﻥ ﺍﷲ ﺷﺮﻉ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺇﱃ ﺳﺒﻴﻠﻪ.
ﺧﺎﻣﺴﺎﹰ :ﺗﺸﺮﻳﻊ ﺍﳉﻬﺎﺩ ﳊﻔﻆ ﺍﻟﺪﻳﻦ.
ﺳﺎﺩﺳﺎﹰ :ﻣﺸﺮﻭﻋﻴﺔ ﺍﳍﺠﺮﺓ.
ﺏ -ﻭﻣﻦ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﶈﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻌﺪﻡ ،ﻣﺎ ﻳﻠﻲ:
ﺃﻭﻻﹰ :ﻭﺟﻮﺏ ﻗﺘﻞ ﺍﳌﺮﺗﺪ
ﺛﺎﻧﻴﺎﹰ :ﻭﺟﻮﺏ ﺇﺗﻼﻑ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﳌﺨﻠﺔ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ .
ﺛﺎﻟﺜﺎﹰ :ﻭﺟﻮﺏ ﺍﻟﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﺒﺘﺪﻉ
17
ﺃﻭﻻﹰ :ﲢﺮﱘ ﺍﻻﻋﺘﺪﺍﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻔﺲ.
ﺛﺎﻧﻴﺎﹰ:ﻣﺸﺮﻭﻋﻴﺔ ﺩﻓﻊ ﺍﻟﺼﺎﺋﻞ.
ﺛﺎﻟﺜﺎﹰ :ﺳﺪ ﺍﻟﺬﺭﺍﺋﻊ ﺍﳌﺆﺩﻳﺔ ﺇﱃ ﻗﺘﻞ ﺍﻟﻨﻔﺲ:
ﺭﺍﺑﻌﺎﹰ :ﻣﺸﺮﻭﻋﻴﺔ ﺍﻟﺪﻳﺔ.
ﺧﺎﻣﺴﺎﹰ :ﻣﺸﺮﻭﻋﻴﺔ ﺍﻟﻘﺼﺎﺹ ﰲ ﺍﻷﻧﻔﺲ ﻭﺍﻷﻃﺮﺍﻑ ﰲ ﺍﳉﻨﺎﻳﺔ ﺍﻟﻌﻤﺪ.
18
-2ﻭﺑﻌﻀﻬﻢ ﳚﻌﻠﻪ ﺍﻟﻨﺴﻞ :ﻭﻫﺬﻩ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻐﺰﺍﱄ ﻭﺍﻵﻣﺪﻱ ﻭﺍﻟﺸﺎﻃﱯ
ﻭﲨﻬﻮﺭ ﺍﻷﺻﻮﻟﻴﲔ.
ﻭﺍﻷﻗﺮﺏ ﺃﻥ ﺣﻔﻆ ﺍﻟﻨﺴﺐ ﺩﺍﺧﻞ ﰲ ﺣﻔﻆ ﺍﻟﻨﺴﻞ ،ﻭﺣﻔﻆ ﺍﻟﻨﺴﻞ ﺃﻋﻢ ،ﻓﺎﻷﻭﱃ
ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﳌﻘﺼﺪ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻫﻮ ﺣﻔﻆ ﺍﻟﻨﺴﻞ ،ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺣﻔﻆ ﺍﻟﻨﺴﺐ ﺩﺍﺧﻼﹰ ﻓﻴﻪ .
19
ﺃﻭﻻ :ﲢﺮﱘ ﺍﻟﻘﺬﻑ ﻭﺇﳚﺎﺏ ﺣﺪ ﺍﻟﻔﺮﻳﺔ ﻓﻴﻪ.
ﺛﺎﻧﻴﺎ :ﺍﻟﺘﻐﻠﻴﻆ ﰲ ﺣﺮﻣﺔ ﺍﻷﻋﺮﺍﺽ.
ﺛﺎﻟﺜﺎ :ﺃﻥ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺃﺟﺎﺯﺕ ﺑﺬﻝ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﳊﻤﺎﻳﺔ ﺍﻷﻋﺮﺍﺽ.
20
ﻣﺴﺄﻟﺔ:ﺍﻟﺘﺮﺗﻴﺐ ﺑﲔ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ :
21
-4ﺃﻥ ﺣﻔﻆ ﻣﺎ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺇﳕﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻘﺼﻮﺩﹰﺍ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺣﻔﻆ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﻟﻴﺲ
ﻣﻘﺼﻮﺩﺍﹰ ﻟﺬﺍﺗﻪ ﻭﺇﳕﺎ ﻣﻘﺼﻮﺩ ﻟﻐﲑﻩ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﲟﻔﻬﻮﻣﻬﺎ ﺍﻟﺸﺎﻣﻞ،
22
ﺏ( ﺃﻥ ﺍﳌﻔﺴﺪﺓ ﺍﳊﺎﺻﻠﺔ ﺑﺎﻟﺘﻔﺮﻳﻂ ﰲ ﺣﻔﻆ ﺍﻟﻨﺴﻞ ﺃﺧﻄﺮ ﻣﻦ ﺍﳌﻔﺴﺪﺓ ﺍﳊﺎﺻﻠﺔ
ﺑﺎﻟﺘﻔﺮﻳﻂ ﰲ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﳌﺎﻝ.
ﳌﺎﺫﺍ ﻗﹸﺪﻡ ﺣﻔﻆ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﻔﻆ ﺍﳌﺎﻝ؟
ﻷﻧﻪ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ ﳝﻴﺰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﲔ ﺍﳋﲑ ﻭﺍﻟﺸﺮ ،ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﺑﻪ ﻣﻨﺎﻁ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ،ﻛﻤﺎ ﺃﻥ
ﺣﻔﻆ ﺍﳌﺎﻝ ﻣﺮﻫﻮﻥ ﲝﻔﻆ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺳﻼﻣﺘﻪ.
ﺛﺎﻧﻴﺎﹰ :ﺍﳊﺎﺟﻴﺎﺕ
ﻣﺄﺧﻮﺫﺓ ﻣﻦ ﺍﳊﺎﺟﺔ ،ﻭﺍﳊﺎﺟﺔ ﻟﻐﺔ ﺗﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺣﺘﻴﺎﺝ ﻭﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻴﻪ.
ﻭﺍﺻﻄﻼﺣﺎﹰ ،ﻋﺮﻓﻬﺎ ﺍﻟﺸﺎﻃﱯ :ﺑﺄﺎ ﺍﳌﺼﺎﱀ ﺍﻟﱵ ﻳﻔﺘﻘﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺘﻮﺳﻌﺔ
ﻭﺭﻓﻊ ﺍﻟﻀﻴﻖ ﺍﳌﺆﺩﻱ ﺇﱃ ﺍﳊﺮﺝ ﻭﺍﳌﺸﻘﺔ ﺍﻟﻼﺣﻘﺔ ﺑﻔﻮﺍﺕ ﺍﳌﻄﻠﻮﺏ ،ﻓﺈﺫﺍ ﱂ ﺗﺮﺍﻉ-
ﺗﻠﻚ ﺍﳊﺎﺟﻴﺎﺕ -ﺩﺧﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﻜﻠﻔﲔ -ﻋﻠﻰ ﺍﳉﻤﻠﺔ -ﺍﳊﺮﺝ ﻭﺍﳌﺸﻘﺔ ﻭﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﺒﻠﻎ
ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﺍﻟﻌﺎﺩﻱ ﺍﳌﺘﻮﻗﻊ ﰲ ﺍﳌﺼﺎﱀ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ )ﺃﻱ ﺍﳌﺼﺎﱀ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺔ(.
ﻭﻗﻮﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﳉﻤﻠﺔ ﻷﻥ ﺍﳊﺮﺝ ﻭﺍﳌﺸﻘﺔ ﻗﺪ ﻳﻠﺤﻖ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺩﻭﻥ ﺑﻌﺾ ﲞﻼﻑ
ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ،ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﺍﻟﻨﺎﺟﻢ ﻋﻦ ﺍﻹﺧﻼﻝ ﺎ ﻳﻄﻮﻝ ﻛﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ.
23
-1ﺃﻥ ﺍﳊﺎﺟﺔ ﻣﻔﺘﻘﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺘﻮﺳﻌﺔ ﻭﺍﻟﺘﻴﺴﲑ ﻭﺭﻓﻊ ﺍﻟﻀﻴﻖ ﺍﳌﺆﺩﻱ ﺇﱃ
ﺍﳊﺮﺝ ،ﻭﺍﻟﻴﺴﺮ ﻭﺩﻓﻊ ﺍﳌﺸﻘﺔ ﻭﺍﳊﺮﺝ ﰲ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ .
-2ﺃﻥ ﺍﳊﺎﺟﻴﺎﺕ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﺩﱏ ﺭﺗﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻥ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ
ﻫﻲ ﺍﻷﺻﻞ ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﳊﺎﺟﻴﺎﺕ ﻣﻜﻤﻠﺔ ﳍﺎ ،ﻭﺍﶈﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ،ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺗﺮﻙ ﺍﳊﺎﺟﻴﺎﺕ ﻳﺆﺩﻱ ﰲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺇﱃ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ،
ﻷﻥ ﺍﳌﺘﺠﺮﺉ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺧﻼﻝ ﺑﺎﻷﺧﻒ ﻣﻌﺮﺽ ﻟﻠﺘﺠﺮﺅ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺳﻮﺍﻩ ،ﻓﺎﳌﺘﺠﺮﺉ
ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺧﻼﻝ ﺑﺎﳊﺎﺟﻴﺎﺕ ﻳﺘﺠﺮﺃ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺧﻼﻝ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ،ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻗﺼﺪ
ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﺍﶈﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﺜﻼﺙ ) ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺔ ،ﻭﺍﳊﺎﺟﻴﺔ ،ﻭﺍﻟﺘﺤﺴﻴﻨﻴﺔ (
ﻭﻫﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻻ ﻳﺮﺗﺎﺏ ﰲ ﺛﺒﻮﺎ ﺷﺮﻋﺎ ﺃﺣﺪ ﳑﻦ ﻳﻨﺘﻤﻲ ﺇﱃ ﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ
ﺍﻟﺸﺮﻉ ﻭﺃﻥ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﻣﻘﺼﻮﺩ ﻟﻠﺸﺮﻉ .
24
ﺑﻌﺾ ﺻﻮﺭ ﺍﳌﻌﺎﻣﻼﺕ ﻻ ﻏﲎ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺿﺮﻭﺭﻳﺎﹰ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺒﻴﻊ ،ﻭﺑﻌﺾ ﺻﻮﺭ
ﺍﳌﻌﺎﻣﻼﺕ ﺣﺎﺟﻲ ﻷﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻴﺴﲑﺍﹰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ،ﻭﻻ ﺗﺼﻞ ﺣﺎﺟﺘﻬﺎ ﺇﱃ ﺣﺪ
ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ،ﻭﻣﻦ ﺫﻟﻚ :ﻣﺸﺮﻭﻋﻴﺔ ﻋﻘﻮﺩ ﺍﳌﺸﺎﺭﻛﺔ ﻭ ﻋﻘﻮﺩ ﺍﳌﺪﺍﻳﻨﺔ :ﻛﺎﻟﻘﺮﺽ ،
ﻭﺍﻟﺴﻠﻢ.
-4ﻭﰲ ﺍﻟﻨﻜﺎﺡ :ﻓﺈﻥ ﺃﺻﻞ ﻣﺸﺮﻭﻋﻴﺔ ﺍﻟﻨﻜﺎﺡ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ﻟﻜﻦ
ﺷﺮﻉ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﱵ ﺗﻌﺪ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺍﳊﺎﺟﻴﺎﺕ ﻭﻣﻦ ﺫﻟﻚ :
-1ﺍﺷﺘﺮﺍﻁ ﺍﻟﻮﱄ
-2ﻭﺍﺷﺘﺮﺍﻁ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ،ﺃﻭ ﺇﻋﻼﻥ ﺍﻟﻨﻜﺎﺡ.
-3ﺍﺷﺘﺮﺍﻁ ﺍﻟﻜﻔﺎﺀﺓ ﰲ ﺍﻟﻨﻜﺎﺡ
-4ﻣﺸﺮﻭﻋﻴﺔ ﺍﳌﻌﺎﺷﺮﺓ ﺑﺎﳌﻌﺮﻭﻑ
-5ﻭﰲ ﺍﳉﻨﺎﻳﺎﺕ :
ﻓﺈﻥ ﺃﺻﻞ ﻣﺸﺮﻭﻋﻴﺔ ﺍﻟﻘﺼﺎﺹ ﺃﻣﺮ ﺿﺮﻭﺭﻱ ،ﻭﻟﻜﻦ ﺷﺮﻉ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﺃﹸﻣﻮﺭﺍﹰ ﺗﻌﺪ ﻣﻦ
ﺑﺎﺏ ﺍﳊﺎﺟﻴﺎﺕ ﻣﺜﻞ ﻛﻮﻥ ﺩﻳﺔ ﺍﳋﻄﺄ ﺗﺘﺤﻤﻠﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﻗﻠﺔ ﲣﻔﻴﻔﺎﹰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ ﺧﻄﺄ.
ﺛﺎﻟﺜﺎﹰ :ﺍﻟﺘﺤﺴﻴﻨﺎﺕ
ﻟﻐﺔﹰ :ﲨﻊ ﲢﺴﻴﲏ ﻭﻫﻮ ﻣﺄﺧﻮﺫ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺤﺴﲔ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺘﺠﻤﻴﻞ ﻭﺍﻟﺘﺰﻳﲔ.
ﺍﺻﻄﻼﺣﺎﹰ :ﺍﳌﺼﺎﱀ ﺍﳌﺸﺮﻭﻋﺔ ﺑﻘﺼﺪ ﺍﻟﺘﺤﺴﲔ ﻭﺍﻟﺘﻜﻤﻴﻞ ﳌﺼﺎﱀ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ
ﻭﺍﳊﺎﺟﻴﺎﺕ ﻓﻼ ﻳﻠﺤﻖ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ ﺣﺮﺝ ﺑﺘﺮﻛﻬﺎ ﻭﻻ ﻳﻨﺎﳍﻢ ﺿﺮﺭ ﺑﺬﻟﻚ ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻘﺼﺪ
ﻷﺟﻞ ﺍﻟﺘﺠﻤﻞ ﻭﺍﻟﺘﺰﻳﻦ.
ﻭﺍﻷﺻﻞ ﰲ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺟﺎﺀﺕ ﺑﻘﺼﺪ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻭﺍﻹﺭﺗﻔﺎﻉ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﱃ
ﻣﻜﺎﺭﻡ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﻭﻣﻌﺎﻟﻴﻬﺎ ،ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﺍﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ" :ﺇﳕﺎ ﺑﻌﺜﺖ ﻷﲤﻢ
ﻣﻜﺎﺭﻡ ﺍﻷﺧﻼﻕ" ،ﻳﻘﻮﻝ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ :ﺍﳋﻠﻖ ﻫﻮ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻓﻤﻦ ﻧﻘﺺ ﺩﻳﻨﻪ ﻓﻘﺪ ﻧﻘﺺ
ﺧﻠﻘﻪ .ﺍﻧﺘﻬﻰ ﻛﻼﻣﻪ.
25
ﻭﻣﻦ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﺍﻟﱵ ﺗﻌﺪ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺘﺤﺴﻴﻨﻴﺎﺕ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ:
-1ﰲ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ :ﺍﻟﻨﻮﺍﻓﻞ ﺍﳌﻄﻠﻘﺔ ﻭﺍﳌﻘﻴﺪﺓ ﰲ ﺍﻟﺼﻼﺓ ،ﻭﺻﻮﻡ ﺍﻟﻨﻔﻞ
ﻭﳓﻮﻫﺎ.
ﰲ ﺍﻟﻌﺎﺩﺍﺕ :ﻓﻤﻦ ﺍﳌﺂﻛﻞ ﻭﺍﳌﺸﺎﺭﺏ ﻭﺍﻟﻠﺒﺎﺱ ﻭﺍﻟﺴﻜﻦ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ -2
ﲢﺴﻴﻨﻴﺎﹰ ﻛﻤﺎ ﺳﺒﻖ ،ﻭﻟﻮ ﺃﺧﺬﻧﺎ ﺍﻟﻠﺒﺎﺱ ﻓﺈﻥ ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺿﺮﻭﺭﻳﺎﹰ ،ﻭﻣﻨﻬﺎ
ﻣﺎ ﻫﻮ ﲢﺴﻴﲏ ﺃﻭ ﺣﺎﺟﻲ.
ﺍﻟﺘﻴﺴﲑﻟﻐﺔ :ﻣﺼﺪﺭ ﻳﺴﺮ ،ﻳﻘﺎﻝ ﻳﺴﺮ ﺇﺫﺍ ﺳﻬﻞ ﺍﻷﻣﺮ ﻭﱂ ﻳﻌﺴﺮﻩ ،ﻭﺍﻟﻴﺴﺮ ﰲ ﺍﻟﻠﻐﺔ
ﺍﻟﻠﲔ ﻭﺍﻻﻧﻘﻴﺎﺩ ،ﻳﻘﺎﻝ ﻳﺎﺳﺮ ﻓﻼﻥ ﻓﻼﻧﺎﹰ ﺇﺫﺍ ﻻﻳﻨﻪ ،ﻭﻣﻨﻪ ﻗﻴﻞ ﻟﻠﻔﱴ ﻳﺴﺮ ﻭﻣﻴﺴﺮﺓ.
ﻭﻣﻦ ﻣﻌﺎﱐ ﺍﻟﻴﺴﺮ ﰲ ﺍﻟﻠﻐﺔ ،ﺍﻟﺘﻬﻴﺌﺔ ،ﻭﻣﻨﻪ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ":ﻓﺴﻨﻴﺴﺮﻩ ﻟﻠﻴﺴﺮﻯ".
ﻭﺍﺻﻄﻼﺣﺎﹰ :ﺍﻟﺘﻴﺴﲑ ﻳﻌﲏ ﺍﻟﺘﺨﻔﻴﻒ ﰲ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﲟﺎ ﻻ ﻳﺸﻖ ﻋﻠﻰ
ﺍﳌﻜﻠﻔﲔ،
ﺣﻜﻢ ﺍﻟﺘﻴﺴﲑ
ﺍﻟﻴﺴﺮ ﻭﺍﻧﺘﻔﺎﺀ ﺍﳊﺮﺝ ﺻﻔﺘﺎﻥ ﺃﺳﺎﺳﻴﺘﺎﻥ ﰲ ﺩﻳﻦ ﺍﻹﺳﻼﻡ ،ﻭﺍﻟﺘﻴﺴﲑ ﻣﻘﺼﺪ ﻣﻦ
ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺑﺪﻻﻟﺔ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺍﻹﲨﺎﻉ.
26
ﺃ( ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ":ﻫﻮ ﺍﺟﺘﺒﺎﻛﻢ ﻭﻣﺎ ﺟﻌﻞ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﰲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﺣﺮﺝ"،
ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ :ﺇﳕﺎ ﺫﻟﻚ ﺳﻌﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﻣﺎ ﺟﻌﻞ ﺍﷲ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ
ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻭﺍﻟﻜﻔﺎﺭﺍﺕ.
ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ":ﻳﺮﻳﺪ ﺍﷲ ﺑﻜﻢ ﺍﻟﻴﺴﺮ ﻭﻻ ﻳﺮﻳﺪ ﺑﻜﻢ ﺍﻟﻌﺴﺮ" ﺏ(
ﻗﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ":ﺑﻌﺜﺖ ﺑﺎﳊﻨﻴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺴﻤﺤﺔ" ،ﺃﻱ ﺕ(
ﺍﻟﺴﻬﻠﺔ ﺍﻟﻠﻴﻨﺔ .
ﻗﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ":ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳﺴﺮ ﻭﻟﻦ ﻳﺸﺎﺩ ﺙ(
ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﺣﺪ ﺇﻻ ﻏﻠﺒﻪ ﻓﺴﺪﺩﻭﺍ ﻭﻗﺎﺭﺑﻮﺍ".
27
ﺃﻱ ﻳﺘﻀﻤﺮ ﻭﺗﻀﻴﻖ ،ﻓﻘﻴﺪ ﺍﷲ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺑﺄﺎ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﳌﺨﻤﺼﺔ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﱵ ﺗﺆﺩﻱ ﺇﱃ
ﺍﳍﻼﻙ .
ﻣﻨﻬﺎ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ } :ﺇﳕﺎ ﺣﺮﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺍﳌﻴﺘﺔ ﻭﺍﻟﺪﻡ ﻭﳊﻢ ﺍﳋﱰﻳﺮ ﻭﻣﺎ ﺃﻫﻞ ﺑﻪ ﻟﻐﲑ ﺍﷲ
ﻓﻤﻦ ﺍﺿﻄﺮ ﻏﲑ ﺑﺎﻍ ﻭﻻ ﻋﺎﺩ ﻓﻼ ﺇﰒ ﻋﻠﻴﻪ ﺇﻥ ﺍﷲ ﻏﻔﻮﺭ ﺭﺣﻴﻢ { .
ﻭﻣﻌﲎ ﺫﻟﻚ :ﺃﻥ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﻳﺮﺍﻋﻲ ﰲ ﺗﺸﺮﻳﻌﻪ ﻗﺼﺪ ﺍﳌﻜﻠﻒ ﻓﻘﺼﺪ ﺍﳌﻜﻠﻒ ﻳﺆﺛﺮ ﰲ
ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ .ﻭﻳﺘﻀﺢ ﻫﺬﺍ ﺍﳌﻘﺼﻮﺩ ﺑﺎﻷﻣﺜﻠﺔ ﺍﻵﺗﻴﺔ :
-1ﺣﺪﻳﺚ ﻋﻤﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﱯ ﺻﻠﻰ ﺍﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ":ﺇﳕﺎ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺑﺎﻟﻨﻴﺎﺕ" ﻓﻤﻌﲎ
ﻫﺬﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻻ ﻳﺼﺢ ﻭﻻ ﻳﺘﺮﺗﺐ ﺃﺛﺮﻩ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﻨﻴﺔ ،ﺃﻱ ﺃﻥ ﻧﻴﺔ ﺍﳌﻜﻠﻒ ﺗﺆﺛﺮ ﰲ ﺍﻟﻌﻤﻞ
ﺻﺤﺔ ﻭﻓﺴﺎﺩﺍﹰ ﻭﺛﻮﺍﺑﺎﹰ ﻭﻋﻘﺎﺑﺎﹰ ،ﻓﻼ ﻳﻜﻔﻲ ﻋﻤﻞ ﺍﳉﻮﺍﺭﺡ ﰲ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﺍﻷﺛﺮ ﺑﻞ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ
ﺍﻗﺘﺮﺍﻥ ﺍﻟﻨﻴﺔ.
28
-2ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﳌﻘﺮﺭﺓ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﱪﺓ ﰲ ﺍﻟﻌﻘﻮﺩ ﺑﺎﳌﻘﺎﺻﺪ ﻭﺍﳌﻌﺎﱐ ﻻ ﺑﺎﻷﻟﻔﺎﻅ ﻭﺍﳌﺒﺎﱐ،
ﻭﻣﻦ ﺗﻄﺒﻴﻘﺎﺎ :ﺃﻥ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ :ﺧﻠﻴﺘﻚ ﻭﻧﻮﻯ ﺍﻟﻄﻼﻕ ،ﺃﻭ ﻧﻮﻯ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﻭﻗﺎﻝ
ﻣﻠﻜﺘﻚ ﺍﺑﻨﱵ ﻓﻴﻘﻊ ﺍﻟﻄﻼﻕ ﻭﺍﻟﻨﻜﺎﺡ.
ﻓﺎﺋﺪﺓ :ﻟﻮ ﻃﻠﻖ ﻫﺎﺯﻻﹰ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻘﻊ ﻃﻼﻗﻪ ،ﻷﻧﻪ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻗﺼﺪ ﺍﻟﻄﻼﻕ ﻭﱂ ﻳﻘﺼﺪ ﺃﺛﺮﻩ.
-3ﲢﺮﱘ ﺍﳊﻴﻞ ﻭﻫﻲ ﺗﺼﺮﻓﺎﺕ ﻇﺎﻫﺮﻫﺎ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﻳﻘﺼﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﱃ ﺃﻣﺮ ﳏﺮﻡ،
ﻓﺎﳊﻴﻞ ﳏﺮﻣﺔ ﻷﻥ ﻗﺼﺪ ﺍﳌﻜﻠﻒ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﺎﺳﺪ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻇﺎﻫﺮ ﺗﺼﺮﻓﻪ ﺻﺤﻴﺤﺎﹰ ،ﻭﻟﺬﺍ
ﺭﻭﻯ ﺍﺑﻦ ﺑﻄﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﱯ ﺻﻠﻰ ﺍﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ":ﻻ ﺗﺮﺗﻜﺒﻮﺍ ﻣﺎ ﺍﺭﺗﻜﺒﺖ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ
ﻓﺘﺴﺘﺤﻠﻮﺍ ﳏﺎﺭﻡ ﺍﷲ ﺑﺄﺩﱏ ﺍﳊﻴﻞ".
-4ﺗﺮﺗﺐ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﻭﺍﻟﻌﻘﺎﺏ ﺑﺎﻟﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺼﺪ ﻭﺇﻥ ﱂ ﻳﻌﻤﻞ ﺍﳌﻜﻠﻒ ؛ ﻭﺍﻟﺪﻟﻴﻞ" :ﺇﻥ
ﺑﺎﳌﺪﻳﻨﺔ ﺭﺟﺎﻻﹰ ﻣﺎ ﺳﻠﻜﺘﻢ ﻃﺮﻳﻘﺎﹰ ﻭﻻ ﻗﻄﻌﺘﻢ ﻭﺍﺩﻳﺎﹰ ﺇﻻ ﺷﺮﻛﻮﻛﻢ ﰲ ﺍﻷﺟﺮ ﺣﺒﺴﻬﻢ
ﺍﻟﻌﺬﺭ"؛ ﻭﻣﺜﻠﻪ "ﺇﺫﺍ ﻣﺮﺽ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺃﻭ ﺳﺎﻓﺮ ﻛﺘﺐ ﺍﷲ ﻟﻪ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﻤﻠﻪ ﻭﻫﻮ ﺻﺤﻴﺢ
ﻣﻘﻴﻢ".
ﺃﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻺﰒ ﻓﻴﺪﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺪﻳﺚ ﺃﰊ ﺑﻜﺮﺓ ﻗﺎﻝ ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﷲ ﺻﻠﻰ ﺍﷲ ﻋﻠﻴﻪ
ﻭﺳﻠﻢ ﺇﺫﺍ ﺗﻮﺍﺟﻪ ﺍﳌﺴﻠﻤﺎﻥ ﺑﺴﻴﻔﻴﻬﻤﺎ ﻓﻜﻼﳘﺎ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻗﻴﻞ ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ ﻓﻤﺎ
ﺑﺎﻝ ﺍﳌﻘﺘﻮﻝ ﻗﺎﻝ ﺇﻧﻪ ﺃﺭﺍﺩ ﻗﺘﻞ ﺻﺎﺣﺒﻪ )ﻣﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ(
ﻭ ﺍﳊﻤﺪ ﷲ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﳌﲔ
29