دراسات في الحب
دراسات في الحب
دراسات في الحب
ﺍﳊﺐ ﺩﺭﺍﺳﺎﺕ
-١-
-٢-
ﺩﺭﺍﺳــﺎﺕ ﻓـﻲ ﺍﳊـﺐ
ﺗﺄﻟﻴـﻒ :ﺧﻮﺳِﻪ ﺃﻭﺭﺗِﻐﺎ ﺇﻱ ﻏﺎﺳﻴﺖ
ﺗﺮﲨﺔ :ﻋـﻠﻰ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴـﻢ ﺃﺷــﻘﺮ
-٤-
ﻧﺒﺬﺓ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﻭﺭﺗِﻐﺎ ﺇﻱ ﻏﺎﺳﻴﺖ
-٦-
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﱠﺒﻌﺔ )ﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﰲ ﺍﳊﺐ( ﻷﻭﺭﺗِﻐﺎ ﺇﻱ ﻏﺎﺳّﻴﺖ Ortega y Gassetﻫﻲ
ﺃﻛﻤﻞ ﺍﻟﻄﱠﺒﻌﺎﺕ ،ﻓﻘﺪ ﺿﻤﱠﺖ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﳌﺆﻟﱢﻒ ﺍﳋﺎﺻﱠﺔ ﺑﺎﳊﺐّ ﻛﻠّﻬﺎ ،ﻭﺍﳌﺒﻌﺜﺮﺓ ﰲ ﻛﺘﺐ
ﺃﺧﺮﻯ ﻭﰲ ﻃﺒﻌﺎﺕ ﺃﺧﺮﻯ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﺫﺍﺗﻪ ﻣﺎ ﻋﺪﺍ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜﻞ ﺟﺰﺀﺍً ﻛﺎﻣﻼً ﻭﺃﺳﺎﺳﻴﱠﺎً
ﻣﻦ ﻣﺆﻟﱠﻔﺎﺕ ﺃﺧﺮﻯ .ﻭﻟﻘﺪ ﻧُﺸﺮﺕ ﺃﻭﱠﻝ ﻃﺒﻌﺔ ﺇﺳﺒﺎﻧﻴﱠﺔ ﻋﺎﻡ ١٩٤٠ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺘﱠﺮﺟﻤﺔ ﺍﻷﳌﺎﻧﻴﱠﺔ
ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ .uber die liebe :ﻭﺍﻟﻄﱠﺒﻌﺔ ﺍﳊﺎﻟﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺜﱠﺎﻟﺜﺔ ﻋﺸﺮﺓ .ﻭﻳﺒﻴﱢﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﳌُﻌﻄﻰ
ﺷﻬﺮﺓ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺪﱠﺍﺋﻤﺔ .ﻋﻤﻞ ﺗﺒﺮﺯ ﰲ ﻋﻨﻮﺍﻧﻪ ﺧﺎﺻﻴﱠﺔ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﳌﺆﻟﱢﻒ ﻛﻠّﻪ.
"ﻓﺪﺭﺍﺳﺎﺕ" ﺗﻌﻨﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ،ﺑﺤﺜﺎً ﻭﺗﺄﻣﱡﻼً ﻭﻧﻈﺮﻳﱠﺔ؛ ﻭ "ﺣﺐّ" ﺗﻌﻨﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ
ﺣﺪﺛﺎً ﺩﺍﺋﻤﺎً ﰲ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﱠﺔ ،ﻭﺷﻌﻮﺭﺍً ﻻ ﳝﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﰲ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﱠﺔ
ﺍﻟﺴﱠﺎﺑﻘﺔ ﻏﻴﺮ ﺧﻠﻴﻂ ﻣﺸﻮﱠﺵ ﻭﻏﺎﻣﺾ ،ﻻ ﳝﻜﻦ ﺇﺟﺮﺍﺀ ﺑﺤﺚ ﻓﻜﺮﻱ ﺣﻮﻟﻪ .ﻭﰲ ﻫﺬﻩ
"ﺍﻟﺪﱢﺭﺍﺳﺎﺕ" ﻛﻤﺎ ﰲ ﻋﻤﻞ ﺍﳌﺆﻟﱢﻒ ﻛﻠّﻪ ﻳﻔﻲ ﺃﻭﺭﺗِﻐﺎ ﺇﻱ ﻏﺎﺳّﻴﺖ ﺑﺎﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻵﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ
ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﺻﺎﻏﻪ ﰲ ﺍﻠﱠﺪ ﺍﻷﻭﱠﻝ ﻣﻦ ﺍﳌﺸﺎﻫﺪ " :(١٩١٦) El Espectadorﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻨﱠﻈﺮﻳﱠﺔ ﺃﻥ ﺗﻔﺘﺢ ﻋﻴﻨﻬﺎ ﺍﻟﺼﱠﺎﻓﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺍﻟﺘﻠﻘﺎﺋﻴﱠﺔ ﻣﻦ ﺣﲔ ﻵﺧﺮ " ...ﻓﺎﳌﺸﺎﻫﺪ"
ﻳﺨﻤﱢﻦ ﻭﻳﻨﻈﺮ؛ ﻟﻜﻦّ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﺮﺍﻩ ﻫﻮ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻛﻤﺎ ﺗﺘﺪﻓﱠﻖ ﺃﻣﺎﻣﻪ".
ﻭﻳﻘﻮﻝ ﰲ ﺍﻠﱠﺪ ﺫﺍﺗﻪ ﻣﻦ ﺍﳌﺸﺎﻫﺪ" :ﺇﻧﱢﻲ ﺃﺗﺒﻨﱠﻰ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﺃﻥﱠ ﻋﺼﺮﻧﺎ ﺳﻮﻑ
ﻳﻬﺘﻢّ ﺑﺎﳊﺐ ﺑﺠﺪﱟ ﺃﻛﺒﺮ ﻗﻠﻴﻼً ﳑﱠﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﺘﺎﺩ...ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻹﻳﺮﻭﺳﻴﱠﺔ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ
ﻛﻠّﻬﺎ ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﻨﻈﺎﻡ ﻣﻦ ﺍﻹﺧﻔﺎﺀ .ﻭﺍﳌﺸﺎﻫﺪ ﻳﺮﻓﺾ ﻗﺒﻮﻝ ﻭﺟﻮﺩ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﺤﻈﻮﺭﺓ ﰲ
ﻣﺸﻬﺪ ﺍﳊﻴﺎﺓ .ﺳﻮﻑ ﻧﺘﻜﻠﱠﻢ ﺇﺫﺍً ،ﺑﺸﻜﻞ ﺷﺎﺋﻊ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ،ﻭﻫﻲ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ
ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﺳﻘﺮﺍﻁ Sócratesﻳﻌﻠﻦ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﺍﺧﺘﺼﺎﺻﻴﱠﺎً ﻓﻴﻬﺎ" .ﻭﻟﻘﺪ
ﺗﺤﺪﱠﺙ ﻋﻦ ﺍﳊﺐ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻓﻴﻠﺴﻮﻓُﻨﺎ ﺍﳌُﻔﺘﻘﺪ ﻃﻴﻠﺔ ﻋﻤﻠﻪ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﻛﻠﻪ ،ﻟﻜﻨﱠﻪ ﻳﻌﺰﻝ ﰲ
ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻣﺎﻫﻴﱠﺔ ﺍﳊﺐ ﻭﻳﻨﻘﱢﻴﻬﺎ ،ﻧﺎﺯﻋﺎً ﻋﻨﻪ ﺍﻹﺿﺎﻓﺎﺕ ﻛﻠّﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘّﻢ ﻋﻠﻰ
ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻴﱠﺔ ﻭﺗﻌﻘّﺪ ﺳﻴﺮﻭﺭﺗﻪ .ﺇﻧﱠﻪ ﺍﳊﺐّ ﺍﳌُﻔﺴﱠﺮ ﺍﺳﺘﻨﺎﺩﺍً ﺇﻟﻰ ﺑﺤﺚ ﺳﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻲ
ﻭﻇﺎﻫﺮﺍﺗﻲ ﰲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ ،ﻭﺣﺘﱠﻰ ﺇﻟﻰ ﺑﺤﺚ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﳌﱠﺎ ﻋﺪﱠ ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ ﰲ ﺍﳊﺐ ﺃﺣﺪ
ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﻓﻌﺎﻟﻴﱠﺔً ﰲ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺦ.
ﺍﻟﻨﺎﺷﺮﻭﻥ
-٧-
ﻣﻼﺣﻈﺔ
ﻟﻘﺪ ﺧﻀﻊ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﻓﺼﻮﻝ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺑﺴﻴﻂ ،ﻷﻥﱠ ﺍﳌﺆﻟﱢﻒ ﺭﺗﱠﺒﻬﺎ ﺣﺴﺐ
ﺗﺴﻠﺴﻞ ﺻﺪﻭﺭﻫﺎ ﺍﻟﺰﱠﻣﻨﻲ ﰲ ﺍﻟﺼّﺤﻒ ﻭﺍﻼﱠﺕ .ﻓﺮﺃﻳﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺮﺗّﺒﻬﺎ ﺣﺴﺐ ﺗﺴﻠﺴﻞ
ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ ﻭﺍﻹﺣﺎﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﺳﺒﻖ .ﻭﺻﺎﺭﺕ ﻫﻜﺬﺍ :ﻣﻼﻣﺢ ﺍﳊﺐ ،ﺳﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ
ﺍﳉﺬﱠﺍﺏ ،ﺍﳊﺐّ ﻋﻨﺪ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ ،ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ ﰲ ﺍﳊﺐّ ،ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﳊﺐّ ،ﺧﺎﲤﺔ
ﻟﻜﺘﺎﺏ :ﻣﻦ ﻓﺮﻧﺴﻴﺴﻜﺎ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺎﺗﺮﻳﺲ ،ﻣﻨﻈﺮ ﻣﻊ ﻇﺒﻴﺔ ﰲ ﺍﳋﻠﻔﻴﱠﺔ.
-٨-
ﻣﻼﻣــﺢ ﺍﳊــﺐ
) (١ﻫــﻲ ﺍﻟــﺮﻳﺢ ﺍﳉﻨﻮﺑﻴﱠــﺔ ﺍﻟ ـﺸﱠﺮﻗﻴﱠﺔ ﺍﻟﺘــﻲ ﺗﻬ ـﺐّ ﻋﻠــﻰ ﺇﺳــﺒﺎﻧﻴﺔ .ﻭﺍﳌﻔــﺮﺩﺓ ﻣــﻦ ﺃﺻــﻞ ﻋﺮﺑــﻲ ) =xorucﺷــﺮﻭﻕ(.
ﻭﺷــﺮﻗﺖ ﺍﻷﺭﺽ ،ﺣــﺴﺐ ﺍﳌﻌﺠــﻢ ﺍﻟﻮﺳــﻴﻂ ،ﺟﻔﱠــﺖ ﻣــﻦ ﻋــﺪﻡ ﺍﻟ ـﺮﱠﻱ - .ﻭﺷ ـﺮﱠﻗﺖ :ﻣُﻨــﻊ ﻋﻨﻬــﺎ ﺍﻟ ـﺮﱠﻱّ ﺣﺘﱠــﻰ
ﺟﻔﱠــﺖ - .ﻭﺍﻟــﺸﺮﺍﻗﻲ ﺑﻜــﻼﻡ ﺃﻫــﻞ ﻣــﺼﺮ :ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺘــﻲ ﻟــﻢ ﻳــﺼﻠﻬﺎ ﻣــﺎﺀ ﺍﻟﻨﻴــﻞ .ﻭﻛﻠﱠﻬــﺎ ﻣُﻮﻟﱠــﺪﺓ .ﻭﺭﺑﱠﻤــﺎ ﺃﻃﻠــﻖ
ﺍﻷﻧﺪﻟــﺴﻴﱡﻮﻥ ﻭﺑﻌــﺪَﻫﻢ ﺍﻹﺳــﺒﺎﻥ ﺑــﺎﻟﻄﱠﺒﻊ ،ﻫــﺬﺍ ﺍﻻﺳــﻢ ﻋﻠــﻰ ﺗﻠــﻚ ﺍﻟــﺮﻳﺢ ﻣــﻦ ﻟــﻮﻥ ﺍﻟﺘــﺮﺍﺏ ﺍﻟــﺬﻱ ﺗﺤﻤﻠــﻪ.
ﻳُﻘــﺎﻝ :ﺷ ـﺮِﻕ ﻟﻮﻧُــﻪ ﺷــﺮﻗﺎً :ﺍﺣﻤ ـﺮﱠ -ﻭﻳُﻘــﺎﻝ ﺷ ـﺮِﻕ ﺍﻟــﺒﻠﺢ :ﻟ ـﻮﱠﻥ ﺑﺤﻤــﺮﺓ - .ﻭﺷــﺮﻗﺖ ﺍﻟﻌــﲔ ﺑﺎﻟ ـﺪﱠﻡ :ﺍﻣــﺘﻸﺕ
ﺑﻪ .ﻭﺷﺮﻗﺖ ﺍﻟﺸﻤﺲ :ﻟﻮّﻧﺖ ﺑﻜﺪﺭﺓ )ﺃﺳﺎﺱ ﺍﻟﺒﻼﻏﺔ( - .ﺍﳌﺘﺮﺟﻢ.
-١٥-
ﻳﻘﺎﻝ ﻋﺒﺜﺎً :ﺇﻥّ َﺍﳌﺮﺀ ﻓﺮِﺡ ،ﻭﺇﻧﱠﻪ ﺣﺰﻳﻦ .ﻫﻤﺎ ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺣﺎﻟﺘﺎﻥ ﻭﻟﻴﺴﺎ ﺟﻬﺪﻳﻦ ﻭﻻ
ﻧﺸﺎﻃﲔ .ﻓﺎﳊﺰﻳﻦ ﻻ ﻳﻌﻤﻞ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﺎﺩﺍﻡ ﺣﺰﻳﻨﺎً ،ﻭﻻ ﺍﻟﻔﺮﺡ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﺮِﺣﺎً .ﺃﻣﱠﺎ
ﺍﳊﺐّ ﻓﻌﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ،ﻳﺼﻞ ﺑﺘﻤﺪّﺩ ﺷﻌﺎﻉ ﺍﻟﺒﺼﺮ ﻫﺬﺍ ﺣﺘﱠﻰ ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ ﻭﻳﻨﻬﻤﻚ ﰲ
ﻋﻤﻞ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﻈﻮﺭ ،ﻟﻜﻨﱠﻪ ﻋﻤﻞ ﺇﻟﺁﻬﻲ ،ﻭﻫﻮ ﺃﻋﻈﻢ ﺍﻷﻧﺸﻄﺔ ﺍﳌﻤﻜﻨﺔ :ﺇﻧﱠﻪ ﻳﻨﺸﻐﻞ ﰲ
ﺗﻌﺰﻳﺰ ﻣﻮﺿﻮﻋﻪ .ﻓﻜﱢﺮﻭﺍ ﻳﺎ ﺳﺎﺩﺓ ،ﻓﻴﻤﺎ ﻫﻮ ﺣﺐّ ﺍﻟﻔﻦّ ﺃﻭ ﺍﻟﻮﻃﻦ؛ ﺇﻧﱠﻪ ﻛﻌﺪﻡ ﺍﻟﺸّﻚّ
ﳊﻈﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﰲ ﺣﻘﱢﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ،ﻫﻮ ﻛﺎﻹﻗﺮﺍﺭ ﻭﺍﻟﺘﱠﺄﻛﻴﺪ ﻛﻞّ ﳊﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﱠﻬﻤﺎ
ﺟﺪﻳﺮﺍﻥ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ .ﻭﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﺪﺭ ﺍﳊﻜﻢ ﻣﻘﺮّﺍً ﺑﺤﻖﱟ ﻣﺎ،
ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﺍﳊﻜﻢ ﺍﳌﻼﺋﻢ ﻣﺪﺍﺧﻠﺔ ﻭﺗﻨﻔﻴﺬﺍً ﰲ ﺁﻥٍ ﻭﺍﺣﺪ .ﻭﺍﻟﺒﻐﺾ
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﱠﻘﻴﺾ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ،ﻗﺘﻞُ ﻣﺎ ﻧﺒﻐﻀﻪ ﺿﻤﻨﺎً ،ﻭﺇﻓﻨﺎﺅﻩ ﰲ ﺍﻟﻨﻴﱠﺔ ﻭﻣﺤﻮ ﺣﻘّﻪ ﰲ
ﺍﻟﺘﱠﻨﻔّﺲ .ﻭﺑﻐﺾ ﺃﺣﺪٍ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺸﱡﻌﻮﺭ ﺑﺎﻟﻬﻴﺎﺝ ﺮﱠﺩ ﻭﺟﻮﺩﻩ .ﻭﻻ ﻳُﺮﺿﻲ ﺍﻟﺒﻐﺾَ
ﺳﻮﻯ ﺍﺧﺘﻔﺎﺋﻪ ﺍﺧﺘﻔﺎﺀً ﻛﻠﱢﻴﱠﺎً.
ﻭﻻ ﺃﺣﺴﺐ ﻭﺟﻮﺩ ﻋَﺮَﺽٍ ﰲ ﺍﳊﺐّ ﻭﺍﻟﺒﻐﺾ ﺃﻫﻢّ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌَﺮَﺽ ﺍﻷﺧﻴﺮ.
ﻓﺤﺐﱡ ﺷﻲﺀٍ ﻫﻮ ﺑﺬﻝ ﺟﻬﺪ ﻛﻴﻤﺎ ﻳﻮﺟﺪ ،ﻭﻋﺪﻡُ ﻗﺒﻮﻝ ﻋﺎﻟﻢ ﻳﻐﻴﺐ ﻋﻨﻪ ﺫﻟﻚ ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ
ﺇﻥ ﺗﻌﻠﱠﻖ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺸﺨﺺ .ﻟﻜﻦ ،ﻻﺣﻆْ ﺃﻥﱠ ﺫﻟﻚ ﻳﺴﺎﻭﻱ ﺑﺎﻟﻀﱠﺒﻂ ﻣﻨﺤَﻪُ ﺍﳊﻴﺎﺓَ ﰲ
ﺍﻟﻨﻴﱠﺔ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ،ﺇﺫﺍ ﺗﻌﻠﱠﻖَ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﻨﺎ .ﻭﺍﳊﺐّ ﺇﺣﻴﺎﺀ ﺩﺍﺋﻢ ﻟﻠﻤﺤﺒﻮﺏ ﻭﺧﻠﻖٌ ﻟﻪ ﻭﺣﻔﺎﻅ
ﻋﻠﻴﻪ .ﻭﺍﻟﺒﻐﺾ ﺇﻟﻐﺎﺀ ﻭﺍﻏﺘﻴﺎﻝ ﻣﻀﻤﺮ ،ﻟﻜﻨﱠﻪ ﻟﻴﺲ ﺍﻏﺘﻴﺎﻻً ﻳُﻨﻔﱠﺬُ ﻣﺮﱠﺓً ﻭﺍﺣﺪﺓ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻫﻮ
ﺍﻏﺘﻴﺎﻝ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺭﺍﺣﺔ ﳝﺤﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺒﻐﻀﻪ.
ﻓﺈﺫﺍ ﳋﱠﺼﻨﺎ ﰲ ﻫﺬﺍ ﺍﳌﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺼﱢﻔﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﺸﱠﻔﺖ ﻟﻨﺎ ﰲ ﺍﳊﺐّ ،ﻧﻘﻮﻝ ﺇﻧﱠﻪ
ﻓﻌﻞٌ ﻧﺎﺑﺬٌ ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺬﻫﺐ ﺑﺎﺗﱢﺠﺎﻩ ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ ﰲ ﺗﺪﻓﱡﻖ ﻣﺴﺘﻤﺮّ ﻭﺗﻠﻔّﻪ
ﺑﺘﺄﻳﻴﺪ ﺣﺎﺭّ ﻣﺘﱠﺤﺪﻳﻦ ﺑﻪ ﻣﺆﻛﱢﺪﻳﻦ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﻓﻌﻠﻴﱠﺎً) .ﺍﺑﻔﺎﻧﺪﺭ(.
-١٦-
ﳓﻮ ﺳﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﳉﺬﱠﺍﺏ
I
ﻻ ﺷﻲﺀ ﺃﺑﻌﺚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﱡﺮﻭﺭ ﻟﺬَﻛَﺮٍ ﻛﺴﻤﺎﻋﻪ ﻗﻮﻝَ ﺍﻟﻨﱢﺴﺎﺀ ﻋﻨﻪ ﺇﻧﱠﻪ ﺭﺟﻞ ﺟﺬﱠﺍﺏ.
ﻟﻜﻦ ،ﻣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﺭﺟﻞٌ ﺟﺬﱠﺍﺑﺎً ﰲ ﻧﻈﺮ ﺍﻣﺮﺃﺓ؟ ﺍﳌﺴﺄﻟﺔ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺃﺩﻕّ ﺍﳌﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﳝﻜﻦ
ﻃﺮﺣﻬﺎ؛ ﻟﻜﻨﱠﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﺻﻌﺒﻬﺎ ﺃﻳﻀﺎً ﰲ ﺁﻥٍ ﻭﺍﺣﺪ .ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﱠﺮﻭﺭﻱ ﳌﻮﺍﺟﻬﺘﻬﺎ
ﺑﺸﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﱢﻗﱠﺔ ،ﺃﻥ ﻧﻌﺮِﺽ ﻣﺬﻫﺒﺎً ﺟﺪﻳﺪﺍً ،ﻟﻢ ﻳﺤﺎﻭﻟﻪ ﺃﺣﺪ ﺣﺘﱠﻰ ﺍﻵﻥ ،ﻭﻳﺸﻐﻠﻨﻲ
ﻭﻳﻬﻤّﻨﻲ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﲔ ﻋﺪﱠﺓ .ﻭﻗﺪ ﺍﻋﺘﺪﺕ ﺃﻥ ﺃﺳﻤﱢﻴﻪ )ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ( ﺃﻭ ﺃﻧﺘﺮﻭﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ
)ﺃﻭ ﺇﻧﺎﺳﺔ( ﻓﻠﺴﻔﻴﱠﺔ .ﻭﻫﺬﺍ ﺍﳌﺬﻫﺐ ﻳﻌﻠﱢﻤﻨﺎ ﺃﻥﱠ ﻟﻠﻨﻔﻮﺱ ﺃﺷﻜﺎﻻً ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻛﻤﺎ
ﻟﻸﺟﺴﺎﻡ .ﻓﻨﺤﻦ ﻧﺪﺭﻙ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﰲ ﺗﻌﺎﻣﻠﻨﺎ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﳌﻈﻬﺮ ﺍﳌﺘﻨﻮﱢﻉ ﺍﳊﻤﻴﻢ
ﻟﻸﺷﺨﺎﺹ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﻳﻘﻞﱡ ﺃﻭ ﻳﻜﺜﺮ ﺣﺴﺐ ﻧﺒﺎﻫﺔ ﻛﻞّ ﻣﻨﱠﺎ .ﻟﻜﻦ ،ﻳﻜﻠﱢﻔﻨﺎ ﺟﻬﺪﺍً ﻛﺒﻴﺮﺍً
ﺗﺤﻮﻳﻞُ ﺇﺩﺭﺍﻛﻨﺎ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ﺇﻟﻰ ﺗﺼﻮﱡﺭﺍﺕ )ﺃﻭ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ( ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻭﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ .ﺇﻧﱠﻨﺎ
ﻧﺸﻌﺮ ﺑﺎﻵﺧﺮﻳﻦ ﻟﻜﻨﱠﻨﺎ ﻻ ﻧﻌﺮﻓﻬﻢ.
ﻭﻗﺪ ﺭﺍﻛﻤﺖِ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﳌﺘﺪﺍﻭﻟﺔ ،ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ،ﻛﻨﺰﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻤﺢ ﺍﻟﺪﱠﻗﻴﻘﺔ ،ﺗﺤﻔﻆ ﰲ
"ﻛﺒﺴﻮﻻﺕ" ﻟﻔﻈﻴﱠﺔ ﺫﺍﺕ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﻣﻮﺣﻴﺔ .ﻳﺠﺮﻱ ﺍﻟﻜﻼﻡ ،ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﻋﻦ ﻧﻔﻮﺱ
ﺟﺎﻓﻴﺔ ،ﻭﻧﻔﻮﺱ ﻟﻄﻴﻔﺔ ،ﻭﻋﻦ ﻧﻔﻮﺱ "ﻋﻔِﺼﺔ" ﻭﻧﻔﻮﺱ ﺣﻠﻮﺓ ،ﻭﻋﻤﻴﻘﺔ ﻭﺳﻄﺤﻴﱠﺔ،
ﻗﻮﻳﱠﺔ ﻭﺿﻌﻴﻔﺔ ،ﺛﻘﻴﻠﺔ ﻭﺧﻔﻴﻔﺔ .ﻭﻧﺘﻜﻠﱠﻢ ﻋﻦ ﺭﺟﺎﻝ ﻛﺒﺎﺭ ﻭﺟﺒﻨﺎﺀ .ﻣﻘﺮﱢﻳﻦ ﺑﺬﻟﻚ
ﺑﺤﺠﻢ ﻟﻠﻨﻔﻮﺱ ﻛﻤﺎ ﻟﻸﺟﺴﺎﻡ .ﻳُﻘﺎﻝ ﻋﻦ ﺃﺣﺪ ﻣﺎ ﺇﻧﱠﻪ ﺭﺟﻞ ﻋﻤﻞ ﺃﻭ ﻫﻮ ﺭﺟﻞ ﺗﺄﻣﱡﻠﻲّ
ﺃﻭ ﻫﻮ "ﻣﻔﻜﱢﺮ "Cerebralﺃﻭ ﻋﺎﻃﻔﻲ ،ﺇﻟﺦ ...ﻭﻟﻢ ﻳﻬﺘﻢّ ﺃﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﻘﱠﻖ ﻣﻨﻬﺠﻴﱠﺎً ﻣﻦ
ﺍﳌﻌﻨﻰ ﺍﻟﺪﱠﻗﻴﻖ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺘﱠﺴﻤﻴﺎﺕ ﺍﳌﺨﺘﻠﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﻠﻤﺢ ﻭﺭﺍﺀﻫﺎ ﺗﻨﻮﱡﻉ ﺍﳌﻤﻠﻜﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﱠﺔ،
ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ .ﻭﻛﻞّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﱠﻌﺎﺑﻴﺮ ﻻ ﺗﻌﻤﻞ ﺍﻵﻥ ﺷﻴﺌﺎً ﺳﻮﻯ ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﺧﺘﻼﻑ ﰲ
ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺸﱠﺨﺼﻴﱠﺔ ﺍﻟﺪﱠﺍﺧﻠﻴﱠﺔ ،ﻭﺍﳊﺚّ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﺎﺀ ﺗﺸﺮﻳﺢ ﺳﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻲ .ﻭﳓﻦ ﻧﻌﻠﻢ ﺃﻥﱠ
ﺩﺭﺍﺴﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺏ ﻡ ٢- -١٧-
ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻄّﻔﻞ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻀﱠﺮﻭﺭﺓ ﺑﻨﻴﺔٌ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻦ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻌﺠﻮﺯ .ﻭﺇﻥﱠ ﺍﻟﻄﱠﻤﻮﺡ ﳝﺘﻠﻚ
ﺷﻜﻼً ﻣﺨﺘﻠﻔﺎً ﻋﻦ ﺷﻜﻞ ﺣﺎﻟﻢ .ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﱢﺭﺍﺳﺔ ،ﻭﻗﺪ ﲤﱠﺖ ﺑﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﱠﻨﻈﻴﻢ،
ﺗﻘﻮﺩﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﻋﻠﻢ ﻃﺒﺎﻉ ﻣﻠﺢّ ﺫﻱ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺟﺪﻳﺪ ،ﺑﻔﻀﻠﻪ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﺼﻒ ﺑﺪﻗﱠﺔ
ﻏﻴﺮِ ﻣﺸﻜﻮﻙ ﻓﻴﻬﺎ ،ﺗﻨﻮﱡﻉ ﺍﻟﺪﱠﺧﻴﻠﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﱠﺔ .ﻭﻳﺒﺮﺯ ﻭﺳﻂ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﻨﻮﱡﻉ :ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ
ﺍﳉﺬﱠﺍﺏ ﰲ ﻧﻈﺮ ﺍﳌﺮﺃﺓ.
ﻭﺇﻥﱠ ﻣﺤﺎﻭﻟﺘﻲ ﺍﻟﺘﱠﻐﻠﻐﻞ ﺑﻌﻤﻖٍ ﰲ ﺗﺤﻠﻴﻠﻪ ،ﺗُﺤﺪﺙُ ﰲﱠ ﺭﻋﺒﺎً ،ﻷﻧﱠﻨﺎ ﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ
ﳒﺪ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻣﺤﺎﻃﲔ ﺑﻐﺎﺑﺔٍ ﺣﻴﺚ ﻛﻞّ ﺷﻲﺀ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺸﻜﻠﺔ .ﻷﻥﱠ ﺃﻭﱠﻝ ﻣﺎ ﳝﻜﻦ ﻗﻮﻟﻪ
ﻋﻦ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺍﳉﺬﱠﺍﺏ ﻭﺃﻗﺼﺎﻩ :ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺍﳉﺬﱠﺍﺏ ﻫﻮ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺘﻌﻠﱠﻖ ﺑﻪ ﺍﻟﻨﱢﺴﺎﺀ.
ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻳﻀﻴﱢﻌﻨﺎ ﺑﻘﺬﻓﻨﺎ ﻭﺳﻂ ﺃﻛﺒﺮ ﺍﳌﺨﺎﻃﺮ .ﺇﻧﱠﻨﺎ ﻧﺴﻘﻂ ﻭﺳﻂ ﻏﺎﺑﺔ ﺍﳊﺐّ.
ﻭﻭﺍﻗﻊ ﺍﳊﺎﻝ ﻫﻮ ﺃﻧﱠﻪ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﰲ ﺍﻟﻄﻮﺑﻮﻏﺮﺍﻓﻴﺎ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﱠﺔ ﻣﻨﻄﻘﺔٌ ﺍﻟﻨﱠﺎﺱُ ﺃﻗﻞّ ﺍﺭﺗﻴﺎﺩﺍً
ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻐﺮﺍﻣﻴﱠﺎﺕ .ﻭﳝﻜﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇﻥﱠ ﻛﻞّ ﺷﻲﺀ ﻟﻢ ﻳُﻘﻞ ﺑﻌﺪُ ،ﺑﺎﳊﺮﻱّ ،ﺇﻥﱠ ﻛﻞّ
ﺷﻲﺀ ﻟﻢ ﻳُﻔﻜﱠﺮ ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺪ.
ﻟﻘﺪ ﺍﺳﺘﻘﺮﱠﺕ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﻔﺠﱠﺔ ﰲ ﺍﻟﺮّﺅﻭﺱ ،ﻭﲤﻨﻊ ﻣﻦ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ
ﺑﻮﺿﻮﺡ ﻣﻘﺒﻮﻝ .ﻭﻛﻞّ ﺫﻟﻚ ﻣﺸﻮﱠﺵ ﻭﻣﻀﻄﺮﺏ؛ ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﻣﺘﻌﺪﱢﺩﺓ ﻛﻴﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ
ﻛﺬﻟﻚ .ﻓﺎﻟﻐﺮﺍﻣﻴﱠﺎﺕ ﺑﺠﻮﻫﺮﻫﺎ ﺣﻴﺎﺓ ﺳﺮﱢﻳﱠﺔ ﰲ ﺍﳌﻘﺎﻡ ﺍﻷﻭﱠﻝ .ﻭﺇﻥﱠ ﺣﺒﱠﺎً ﻻ ﻳُﻤﻜﻦ ﺃﻥ
ﻳُﻘﺺّ :ﻓﻬﻮ ﻋﻨﺪ ﻧﻘﻠﻪ ،ﻳﺘﻼﺷﻰ ﻭﻳﺘﻄﺎﻳﺮ .ﻭﻛﻞّ ﺍﻣﺮﺉ ﻳﺘﻨﺒﱠﻪ ﺇﻟﻰ ﲡﺮﺑﺘﻪ ﺍﻟﺸﱠﺨﺼﻴﱠﺔ
ﺍﻟﻀﱠﺌﻴﻠﺔ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ،ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﱠﻬﻞ ﻣﺮﺍﻛﻤﺔ ﲡﺮﺑﺔ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ .ﻓﻤﺎﺫﺍ ﻋﺴﺎﻫﺎ
ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺀ ﻟﻮ ﺃﻥﱠ ﻛﻞ ﻓﻴﺰﻳﺎﺋﻲ ﳝﺘﻠﻚ ﺃﻓﻜﺎﺭﻩ ﺍﻟﺸﱠﺨﺼﻴﱠﺔ ﻓﻘﻂ؟ ﻟﻜﻦ ،ﻳﺤﺪﺙ ﰲ
ﺍﳌﻘﺎﻡ ﺍﻟﺜﱠﺎﻧﻲ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺮﱢﺟﺎﻝ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴﺮ ﻋﺎﺩﺓً ﰲ ﺍﳊﺐّ ،ﻫﻢ ﻣﻦ ﺃﻗﻞّ ﺍﻟﻨﱠﺎﺱ
ﻋﻴﺸﺎً ﻟﻪ؛ ﻭﻣﻦ ﻋﺎﺷﻪ ﻫﻢ ﻋﺎﺟﺰﻭﻥ ﰲ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﻋﻦ ﺃﻥ ﻳﻔﻜﱢﺮﻭﺍ ﻓﻴﻪ ،ﻭﻳﺤﻠﱢﻠﻮﺍ ﺑﺪﻗﱠﺔ
ﻣﻈﻬﺮﻩ ﺍﻟﺼﱠﻌﺐ ﻭﺍﳌﻠﺘﺒﺲ ﺩﺍﺋﻤﺎً .ﻭﺇﻥﱠ ﺑﺤﺜﺎً ﰲ ﺍﳊﺐّ ،ﺃﺧﻴﺮﺍً ،ﻋﻤﻞ ﻻ ﻳُﺸﻜﺮ ﻋﻠﻴﻪ
ﺍﳌﺮﺀ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻔﺮﻁ .ﻭﻟﻮ ﺗﺤﺪﱠﺙ ﻃﺒﻴﺐ ﻋﻦ ﺍﻟﻬﻀﻢ ﻻﺳﺘﻤﻊ ﺍﻟﻨﱠﺎﺱ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺘﻮﺍﺿﻊ
ﻭﻓﻀﻮﻝ .ﻟﻜﻦ ،ﺇﻥْ ﺗﻜﻠﱠﻢَ ﻋﺎﻟﻢ ﻧﻔﺲ ﻋﻦ ﺍﳊﺐّ ،ﻻﺳﺘﻤﻌﻮﺍ ﺇﻟﻴﻪ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﺑﺎﺯﺩﺭﺍﺀ ،ﺃﻭ
ﺑﻘﻮﻝ ﺃﻓﻀﻞ ،ﻻ ﻳﺴﻤﻌﻮﻧﻪ ﻭﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ ﺃﻥ ﻳﻌﻠﻤﻮﺍ ﺷﻴﺌﺎً ﳑﺎ ﻳﻌﻠﻨﻪ ،ﻷﻧﱠﻬﻢ ﻳﺤﺴﺒﻮﻥ
ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﻋﻠﻤﺎﺀ ﰲ ﺍﳌﺎﺩﱠﺓ .ﻭﻗﻠﱠﻤﺎ ﺗﻈﻬﺮ ﺑﺠﻼﺀ ﻛﺒﻴﺮ ﻛﻤﺎ ﺗﻈﻬﺮ ﰲ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ،
ﺣﻤﺎﻗﺔُ ﺍﻟﻨﱠﺎﺱ ﺍﳌﺄﻟﻮﻓﺔ .ﻭﻛﺄﻥﱠ ﺍﳊﺐّ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ،ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﳌﻄﺎﻑ ،ﻣﻮﺿﻮﻋﺎً ﻧﻈﺮﻳﱠﺎً ﻣﻦ
-١٨-
ﺳﻼﻟﺔ ﺍﳌﻮﺍﺿﻴﻊ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺫﺍﺗﻬﺎ ،ﺑﺎﻟﺘﱠﺎﻟﻲ ،ﻫﻮ ﻣﻐﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻻ ﻳﻘﺘﺮﺏ ﻣﻨﻪ ﺑﺄﺩﻭﺍﺕ
ﻓﻜﺮﻳﱠﺔ ﺣﺎﺩﱠﺓ! ﻭﺍﻷﻣﺮ ﺫﺍﺗﻪ ﻳﺤﺪﺙ ﻣﻊ ﺩﻭﻥ ﺧﻮﺍﻥ .ﻓﻜﻞّ ﺍﻟﻨﱠﺎﺱ ﺗﺤﺴﺐ ﺃﻧﱠﻬﺎ ﲤﺘﻠﻚ
ﺍﻟﻨﱠﻈﺮﻳﱠﺔ )ﺃﻭ ﺍﳌﺬﻫﺐ( ﺍﳊﻘﻴﻘﻴﱠﺔ ﻋﻨﻪ -ﺣﻮﻝ ﺩﻭﻥ ﺧﻮﺍﻥ ﺍﳌﺸﻜﻠﺔ ﺑﻞ ﺃﺧﻔﻰ ﻣﺸﺎﻛﻞ
ﻋﺼﺮﻧﺎ ﻭﺃﺩﻗّﻬﺎ ﻭﺃﻛﺜﺮﻫﺎ ﲡﺮﻳﺪﺍً . -ﺫﻟﻚ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﳝﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﻘﺴﻤﻮﺍ ﻣﻊ
ﺍﺳﺘﺜﻨﺎﺀﺍﺕ ﻗﻠﻴﻠﺔ ،ﺇﻟﻰ ﺛﻼﺙ ﻓﺌﺎﺕ :ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻈﻨﱡﻮﻥ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﺩﻭﻥ ﺧﻮﺍﻧﻴّﲔ ،ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ
ﻳﻈﻨﱡﻮﻥ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﺃﻧﱠﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺆﻣﻨﻮﻥ ﺃﻧﱠﻬﻢ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻛﺬﻟﻚ،
ﻟﻜﻨﱠﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺸﺎﺅﻭﺍ .ﻭﻫﺆﻻﺀ ﺍﻷﺧﻴﺮﻭﻥ ﻫﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﳝﻴﻠﻮﻥ ﺑﻨﻴﱠﺔٍ ﻃﻴﱢﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻬﺎﺟﻤﻮﺍ
ﺩﻭﻥ ﺧﻮﺍﻥ ،ﻭﺭﺑﱠﻤﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻘﺮﱢﺭﻭﺍ ﺇﺣﺎﻟﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﳌﻌﺎﺵ.
ﺗﻮﺟﺪ ﺇﺫﺍً ،ﺃﺳﺒﺎﺏ ﻓﺎﺋﻀﺔ ﻛﻴﻤﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﳌﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺰﻋﻢ ﺍﻟﻨﱠﺎﺱ ﻓﻬﻤﻬﺎ ﰲ
ﺍﳊﺐﱢ ﻭﺍﻟﺴﱢﻴﺎﺳﺔ ،ﺃﻗﻞّ ﺍﳌﺴﺎﺋﻞ ﺗﻘﺪﱡﻣﺎً .ﻭﻟﻘﺪ ﺁﺛﺮ ﺃﻥ ﻳﺴﻜﺖ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳُﺤﺴﻨﻮﻥ
ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻋﻨﻬﺎ ﻟﺌﻼ ﻳﺴﺘﻤﻌﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﱠﻔﺎﻫﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺒﺎﺩﺭ ﺳﻔﻠﺔ ﺍﻟﻨﱠﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﺇﺻﺪﺍﺭﻫﺎ ﻣﺎ
ﺇﻥ ﺗُﺘﻨﺎﻭﻝ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻣﻨﻬﺎ.
ﻳﺠﺪﺭ ﺑﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺆﻛﱢﺪ ﺇﺫﺍً ،ﺃﻧﱠﻪ ﻻ ﺍﻟﺪﻭﻥ ﺧﻮﺍﻧﻴﱡﻮﻥ ﻭﻻ ﺍﻟﻌﺸﱠﺎﻕ ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ ﺷﻴﺌﺎً ﻛﺒﻴﺮﺍً
ﻋﻦ ﺩﻭﻥ ﺧﻮﺍﻥ ﻭﻻ ﻋﻦ ﺍﳊﺐّ؛ ﻭﺍﻟﻌﻜﺲ ﺻﺤﻴﺢ .ﺇﻧﱠﻤﺎ ﻳﺘﻜﻠﱠﻢ ﺑﺪﻗﱠﺔ ﻋﻦ ﺍﳌﺎﺩﱠﺗﲔ
ﻛﻠﺘﻴﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻣﻨﻬﻤﺎ ،ﻣﺘﻨﺒﱢﻬﺎً ﻣﺴﺘﻄﻠﻌﺎً ﻛﻤﺎ ﻳﺼﻨﻊ ﺍﻟﻔﻠﻜﻲّ ﻣﻊ
ﺍﻟﺸﱠﻤﺲ .ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻟﻴﺲ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ،ﻭﻻ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻣﻌﺮﻓﺘﻬﺎ .ﻭﳌﻌﺮﻓﺔ ﺷﻲﺀ ﻻ ﺑﺪﱠ
ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻻﺑﺘﻌﺎﺩ ﻋﻨﻪ؛ ﻭﺍﻟﺒﻌﺪ ﻳﺤﻮﱢﻟﻪ ﻣﻦ ﻭﺍﻗﻊ ﻣﻌﻴﺶ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﻣﻌﺮﻓﺔ .ﻭﺧﻼﻑ
ﺫﻟﻚ ﻳﻘﻮﺩﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴﺮ ﰲ ﺃﻥﱠ ﻋﺎﻟِﻢ ﺍﳊﻴﻮﺍﻥ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺼﺒﺢ ﻧﻌﺎﻣﺔً ﻛﻴﻤﺎ
ﻳﺪﺭﺱ ﺍﻟﻨّﻌﺎﻡ .ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﺆﻭﻝ ﺇﻟﻴﻪ ﺩﻭﻥ ﺧﻮﺍﻥ ﺇﺫﺍ ﺗﻜﻠﱠﻢ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ.
ﻣﻦ ﺟﻬﺘﻲ ،ﺃﻗﻮﻝ ﺇﻧﱢﻲ ﻟﻢ ﺃﺳﺘﻄﻊ ﺃﻥ ﺃﺩﺭﻙ ﺑﻮﺿﻮﺡٍ ﻛﺎﻑٍ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ،
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮّﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻧّﻲ ﻓﻜﺮﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺜﻴﺮﺍً .ﻭﻣﻦ ﺣﺴﻦ ﺍﳊﻆّ ﺃﻧﱠﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺳﺒﺐ ﻟﻨﺘﻜﻠﱠﻢ
ﺍﻵﻥ ﻋﻦ ﺩﻭﻥ ﺧﻮﺍﻥ .ﺭﺑﱠﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﱠﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇﻥﱠ ﺩﻭﻥ ﺧﻮﺍﻥ ﻫﻮ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺭﺟﻞٌ
ﺟﺬﱠﺍﺏ ،ﻭﺧﻼﻓﺎً ﻟِﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻋﺪﺍﺅﻩ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻠﻮﻧﺎ ﻧﺆﻣﻦ ﺑﻪ .ﻟﻜﻦ ،ﻟﻴﺲ ﻛﻞّ ﺭﺟﻞ ﺟﺬﱠﺍﺏ
ﺩﻭﻥ ﺧﻮﺍﻥ ﺑﺎﻟﻄﱠﺒﻊ .ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻧﻜﺘﻔﻲ ﻛﻴﻤﺎ ﻧﻨﺤّﻲ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﺍﳋﻄﺮﺓ .ﺃﻣﱠﺎ
ﺍﳊﺐّ ﻓﺴﻮﻑ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻗﻞّ ﺳﻬﻮﻟﺔً ﻟﻨﺎ ﲡﻨّﺐ ﺇﺩﺧﺎﻟﻪ ﰲ ﻣﻮﺿﻮﻋﻨﺎ .ﻭﺳﻮﻑ ﺃﺭﻯ
ﻧﻔﺴﻲ ﺇﺫﺍً ،ﻣﻀﻄﺮﺍً ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺃﺻﻮﻍ ﺑﺪﻏﻤﺎﺋﻴﱠﺔ ﻇﺎﻫﺮﻳﱠﺔ ﻭﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻋﺮﺽ ﻭﻻ ﺑﺮﻫﺎﻥ،
-١٩-
ﺑﻌﻀﺎً ﻣﻦ ﺃﻓﻜﺎﺭﻱ ﺣﻮﻝ ﺍﳊﺐ ،ﻭﻫﻲ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺍﺧﺘﻼﻓﺎً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻋﻦ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﳌﺘﻠﻘﱠﺎﺓ.
ﻭﻳﺤﺴﻦ ﺑﺎﻟﻘﺎﺭﺉ ﺃﻥْ ﻳﻌﺪّﻫﺎ ﺗﻮﺿﻴﺤﺎً ﻻ ﻏِﻨﻰ ﻋﻨﻪ ﳌﺎ ﺃﻗﻮﻝ "ﻋﻦ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺍﳉﺬﱠﺍﺏ"؛
ﻭﻻ ﻳُﻠﺤﱠﻦﱠ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇﻥْ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻘﻮﻟﺔً ﺃﻡ ﻻ.
II
ﺇﻥﱠ ﺃﻭﱠﻝ ﻣﺎ ﳝﻜﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﻛﻤﺎ ﺃﻭﺣﻴﺖُ ﻣﻦ ﻗﺒﻞُ ،ﺇﻧﱠﻪ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ
ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻌﺸﻘﻪ ﺍﻟﻨﱢﺴﺎﺀ .ﻟﻜﻦ ،ﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﻳﻌﺘﺮﺿﻨﺎ ﺃﻥﱠ ﻛﻞّ ﺍﻟﺮّﺟﺎﻝ ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﻴﲔ
ﻳﺤﺼﻠﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺣﺐّ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻣﺎ ،ﺑﺎﻟﺘﱠﺎﻟﻲ ،ﻫﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﺟﺬﱠﺍﺑﻮﻥ .ﻭﺇﻧﱢﻲ ﺃﺣﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ
ﺃﺟﻴﺐ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ،ﺃﻭﱠﻻً ﺑﻬﺬﻳﻦ ﺍﻷﻣﺮﻳﻦ .ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻷﻭﱠﻝ :ﻫﻮ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺍﳉﺬﱠﺍﺏ ﻳﻌﺸﻖ
ﻧﺴﺎﺀ ﻛﺜﻴﺮﺍﺕ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻘﻂ .ﻛﻢ ﻫﻦﱠ؟ ﻻ ﻳﻬﻢّ ﺍﻹﺣﺼﺎﺀ .ﻟﻜﻦ ﺍﻷﻣﺮ
ﺍﻟﺜﱠﺎﻧﻲ ﺣﺎﺳﻢ :ﺇﻥﱠ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﻏﻴﺮَ ﺍﳉﺬﱠﺍﺏ ﻻ ﺗﻌﺸﻘﻪ ﺃﻳﱠﻤﺎ ﺍﻣﺮﺃﺓ .ﻟﻜﻦ ،ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻔﻬﻢ
ﺃﻥﱠ "ﺍﻟﻜﻞﱠ" ،ﻭ "ﺍﻟﻼﺷﻲﺀ" ﻭ "ﻛﺜﻴﺮﺍﺕ" ﻭ "ﻭﻻ ﻭﺍﺣﺪﺓ" ﻣﺒﺎﻟﻐﺎﺕٌ ﻣﺒﺴﱠﻄﺔ ﻻ ﲤﻴﻞ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﺪﱢﻗﱠﺔ .ﻷﻥﱠ ﺍﻟﺪﱢﻗﱠﺔ ﰲ ﻛﻞﱢ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻫﻲ ﺃﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻋﻦ
ﺍﻟﺼﱢﺤﱠﺔ ،ﻭﺇﻥﱠ ﺍﻟﺘﱠﻮﺻﻴﻔﺎﺕ ﺍﻟﻜﻤﱢﻴﱠﺔ ﺗﺘﻘﻠﱠﺺ ﻟﻠﺘﱠﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻣﻮﺍﻗﻒ ﳕﻮﺫﺟﻴﱠﺔ ،ﻭﻋﻦ
ﺍﳊﺎﻻﺕ ﺍﻟﺴﱠﻮﻳﱠﺔ ﻭﺫﺍﺕ ﺍﻟﻐﻠﺒﺔ.
ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﺑﺄﻥﱠ ﺍﳊﺐّ ﻋﻤﻠﻴﱠﺔ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻭﺗﺎﻓﻬﺔ ﻳﻌﻴﻖ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻳﻌﻴﻖ ﻓﻬﻢ
ﻇﻮﺍﻫﺮ ﺍﻟﻐﺮﺍﻡ ،ﻭﻫﻮ ﻗﺪ ﺗﺸﻜﱢﻞ ﰲ ﻇﻞﱢ ﺍﻟﺘﺒﺎﺱ ﻛﺒﻴﺮ .ﻷﻧﱠﻨﺎ ﻧﻄﻠﻖ ﺍﺳﻢ ﺍﳊﺐّ ﻭﺣﺪﻩ
ﻋﻠﻰ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺍﻟﻨﱠﻔﺴﻴﱠﺔ ﺗﻨﻮﱡﻋﺎً ،ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﺘﻄﺎﺑﻖ ﺗﺼﻮﱡﺭﺍﺗﻨﺎ
ﻭﺗﻌﻤﻴﻤﺎﺗﻨﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ .ﻭﺇﻥﱠ ﻣﺎ ﻳﺼﺢّ ﻋﻠﻰ ﺍﳊﺐّ ﲟﻌﻨﻰ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ،ﻻ ﻳﺼﺢّ ﻋﻠﻰ ﺷﻲﺀ
ﺁﺧﺮ ،ﻭﺇﻥﱠ ﻣﻼﺣﻈﺘﻨﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﰲ ﻣﺠﺎﻝ ﺍﻹﻳﺮﻭﺳﻴﱠﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺣﺼﻠﻨﺎ
ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﺗﺒﺪﻭ ﺯﺍﺋﻔﺔ ﺇﺫﺍ ﺑﺴﻄﻨﺎﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻷﺧﺮﻯ.
ﻭﺃﺻﻞ ﺍﻻﻟﺘﺒﺎﺱ ﻏﻴﺮ ﻣﻠﺘﺒﺲ؛ ﻷﻥﱠ ﺍﻟﺘﱠﺼﺮﱡﻓﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﱠﺔ ﻭﺍﻟﻔﺮﺩﻳﱠﺔ ﺍﻟﺘﻲ
ﺗﺘﺠﻠﱠﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﺘﱠﺠﺎﺫﺑﺎﺕ ﺗﻔﺎﻭﺗﺎً ﺑﲔ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﻭﺍﳌﺮﺃﺓ ﻫﻲ ،ﺑﺨﻄﻮﻃﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﻣﱠﺔ،
ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺿﺌﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﱠﺼﺮﱡﻓﺎﺕ .ﻷﻥﱠ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺠﺒﻪ ﺷﻜﻞ ﺟﺴﻢ ﺍﳌﺮﺃﺓ ،ﻭﻣﻦ
ﻳﻬﺘﻢّ ﺑﺸﺨﺼﻬﺎ ﻏﺮﻭﺭﺍً ،ﻭﻣﻦ ﻳﻔﻘﺪ ﺭﺃﺳﻪ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﻷﺛﺮ ﺍﳌﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﳝﻜﻦ ﻟﻠﻤﺮﺃﺓ
-٢٠-
ﺃﻥ ﺗُﺤﺪﺛﻪ ﺑﺘﻜﻨﻴﻚ ﻭﺛﻴﻖ ﻣﻦ ﺍﳉﺎﺫﺑﻴﱠﺔ ﻭﺍﻟﺼّﺪﻭﺩ ،ﻭﻣﻦ ﻳُﻌﻠﱠﻖ ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻋﻄﻔﺎً
ﻭﺇﺧﻼﺻﺎً ﻭﺗﻌﺎﻃﻔﺎً "ﻭﺷﻔﻘﺔ" ،ﻭﻣﻦ ﻳﺴﻘﻂ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﻫﻮﻯ ،ﻭﺃﺧﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﻳﺤﺐّ ﺣﺒﱠﺎً
ﺣﻘﻴﻘﻴﱠﺎً ،ﻳﺘﺼﺮﱠﻓﻮﻥ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺘﻤﺎﺛﻞ ﻣﻊ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﺃﻭ ﻧﻘﺼﺎﻥ ﻗﻠﻴﻞ .ﻭﺇﻥﱠ ﻣﻦ ﻳﺮﺍﻗﺐ
ﺗﺼﺮﱡﻓﺎﺗﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ،ﻻ ﻳﻔﻄﻦ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ "ﻣﻊ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺃﻭ ﻧﻘﺺ ﻗﻠﻴﻞ" ،ﻭﺇﺫﺍ ﺍﻗﺘﺼﺮ
ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻠﻴﻞ ﺳﻠﻮﻛﻪ ﺑﺨﻄﻮﻃﻪ ﺍﻟﻌﺮﻳﻀﺔ ﻓﻘﻂ ﻳﺤﻜﻢ ﺃﻥﱠ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﱡﻠﻮﻙ ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ
ﻏﻴﺮﻩ ،ﺑﺎﻟﺘﱠﺎﻟﻲ ،ﻭﻻ ﺍﻟﺸﱡﻌﻮﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻮﺣﻲ ﺑﻪ ﺃﻳﻀﺎً .ﻟﻜﻦ ،ﻳﻜﻔﻲ ﺃﻥ ﻧﺄﺧﺬ ﻋﺪﺳﺔً
ﻣﻜﺒﱢﺮﺓً ﻭﻧﺪﺭﺳﻪ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ ﺣﺘﱠﻰ ﻧﻼﺣﻆ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺘﱠﺼﺮﱡﻓﺎﺕ ﺗﺘﺸﺎﺑﻪ ﻓﻘﻂ ﰲ ﺧﻄﻮﻃﻬﺎ
ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ،ﻟﻜﻨﱠﻬﺎ ﺗُﺒﺪﻱ ﺗﻨﻮﱡﻋﺎً ﰲ ﺍﻟﺘﱠﻀﺎﺭﻳﺲ .ﻭﺇﻧﱠﻪ ﳋﻄﺄ ﻛﺒﻴﺮ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺣﺐّ ﺑﺄﻓﻌﺎﻟﻪ
ﻭﻛﻠﻤﺎﺗﻪ :ﻓﻼ ﺍﻷﻓﻌﺎﻝ ﻭﻻ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻨﻪ ﻋﺎﺩﺓً ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﺗﺸﻜّﻞ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ
ﻛﺒﺮﻯ ،ﻭﻃﻘﻮﺱ ﻭﺻﻴﻎ ﺧﻠﻘﻬﺎ ﺍﺘﻤﻊ ﻭﻳﺠﺪﻫﺎ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺇﺯﺍﺀﻩ ﻛﺄﻧﱠﻬﺎ ﺟﻬﺎﺯ ﻣُﻌَﺪﱞ
ﻭﻣﻔﺮﻭﺽ ﻳﺮﻯ ﻧﺎﺑﻀﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺮﻏﻤﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻧﺪﻓﺎﻉ .ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺍﻷﺻﻴﻠﺔ
ﺍﻟﺼﱠﻐﻴﺮﺓ ،ﻭﺍﻟﻨﱠﺒﺮﺓ ﻭﺍﳌﻌﻨﻰ ﺍﻷﻋﻤﻖ ﻟﻠﺴﱡﻠﻮﻙ ﻫﻲ ﻭﺣﺪﻫﺎ ﻓﻘﻂ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﺘﻤﻴﻴﺰ
ﺍﻟﻔﺮﻭﻕ ﺑﲔ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﳊﺐّ ﺍﳌﺨﺘﻠﻔﺔ.
ﺃﻧﺎ ﺃﺗﻜﻠﱠﻢ ﻓﻘﻂ ﻋﻦ ﺍﳊﺐّ ﺑﺎﳌﻌﻨﻰ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﻟﻠﺤﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺟﺬﺭﻳﱠﺎً ﻋﻦ
ﺍﻟﻬﻴﺎﺝ ﺍﳊﺴﱢﻲ ،ﻭﻋﻦ ﺣﺐّ ﺍﻟﻈﱡﻬﻮﺭ ،amour-vanitéﻭﺍﻹﻏﻮﺍﺀ ﺍﳌﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻲ ،ﻭ"ﺍﻟﺸﱠﻔﻘﺔ"
ﻭ"ﺍﻟﻬﻮﻯ" .ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﳒﺪ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺿﺮﻭﺏ ﺍﳊﺐّ ﺍﳌﺘﻨﻮﱢﻋﺔ ﻛﺎﻥ ﻣﻮﺣﻴﺎً ﺫﻛﺮُ
ﺃﻭﺻﺎﻓﻬﺎ ﰲ ﺗﺮﻛﻴﺒﻬﺎ ﺍﳌﺘﻌﺪﱢﺩ ﺍﻷﺷﻜﺎﻝ.
ﺇﻥﱠ ﺍﳊﺐّ ﲟﻌﻨﻰ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺑﺮﺃﻳﻲ ،ﺃﳕﻮﺫﺝ ﳕﻮﺫﺟﻲ ﻭﻗﻤﺔ ﻛﻞ
ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻹﻳﺮﻭﺳﻴﱠﺔ ،ﻳﺘﱠﺼﻒ ﺑﺎﺣﺘﻮﺍﺋﻪ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻳﻦ ﰲ ﺁﻥٍ ﻭﺍﺣﺪ :ﺷﻌﻮﺭ
ﺍﳌﺮﺀ ﺑﻨﻔﺴﻪ "ﻣﻔﺘﻮﻧﺎً" ،ﻳﻔﺘِﻨﻪ ﻛﺎﺋﻦ ﺁﺧﺮ ﻳُﺤﺪﺙُ ﻓﻴﻨﺎ "ﻭﻫﻢَ ﺃﻣﻞ" ﻛﺎﻣﻼً ،ﻭﺷﻌﻮﺭﻧﺎ
ﺑﺄﻧﱠﻪ ﳝﺘﱠﺼﻨﺎ ﺣﺘﱠﻰ ﺟﺬﺭ ﺷﺨﺼﻨﺎ ،ﻭﻛﺄﻧﱠﻪ ﺍﻧﺘﺰﻋﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﺳﺎﺳﻨﺎ ﺍﳊﻴﻮﻱ ﺫﺍﺗﻪ
ﻭﻧﻌﻴﺶ ﻣﻨﻘﻮﻟﲔ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻊ ﺟﺬﻭﺭﻧﺎ ﺍﳊﻴﻮﻳﱠﺔ ﺿﺎﺭﺑﺔ ﻓﻴﻪ .ﻭﺍﻷﻣﺮ ﺍﻵﺧﺮ ﻣﺎ ﻫﻮ
ﻏﻴﺮ ﺃﻥﱠ ﺍﶈﺐّ ﻳﺤ ﺲّ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻣﺴﺘﺴﻠﻤﺎً ﺍﺳﺘﺴﻼﻣﺎً ﻛﺎﻣﻼً ﳌﻦ ﻳﺤﺐَ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﻬ ﻢّ
ﺃﻥ ﻳﺘﻢّ ﺃﻡ ﻻ ﻳﺘﻢّ ﺍﻻﺳﺘﺴﻼﻡ ﺍﳉﺴﺪﻱ ﺃﻭ ﺍﻟﺮﻭﺣﻲ .ﻭﻗﺪ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻓﻮﻕ
ﺫﻟﻚ ،ﺃﻥ ﲤﻨﻊ ﺍﺳﺘﺴﻼﻣﻬﺎ ﺍﳋﺎﺹ ﳌﻦ ﺗﺤﺐّ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﺍﺕ ﺟﻠﻴﱠﺔ -ﺍﳌﻨﺰﻟﺔ
ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﱠﺔ ﻭﺍﳋﻠﻘﻴﱠﺔ ﻭﺍﻟﺼﱡﻌﻮﺑﺎﺕ ﻣﻦ ﻛﻞﱢ ﺿﺮﺏ . -ﻭﺍﻷﻣﺮ ﺟﻮﻫﺮﻱّ ﺃﻥ ﻳﺤ ﺲّ
ﺍﳌﺮﺀ ﺃﻧﱠﻪ ﻣﺴﺘﺴﻠﻢ ﻟﻶﺧﺮ ،ﺃﻳﱠﺎً ﻳﻜﻦ ﻗﺮﺍﺭ ﺇﺭﺍﺩﺗﻪ.
-٢١-
ﻭﻻ ﺗﻨﺎﻗﺾ ﰲ ﺫﻟﻚ :ﻷﻥﱠ ﺍﻻﺳﺘﺴﻼﻡ ﻻ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ ﺍﶈﺐّ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻫﻮ
ﻳﺘﻢّ ﰲ ﺃﻋﻤﺎﻗﻪ ﺍﻷﻋﻤﻖِ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺳﻄﺢ ﺇﺭﺍﺩﺗﻪ .ﻓﺎﻻﺳﺘﺴﻼﻡ ﻟﻴﺲ ﺇﺭﺍﺩﺓ ،ﺇﻧﱠﻪ
ﺍﺳﺘﺴﻼﻡ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺇﺭﺍﺩﺓ .ﻭﺃﻳﻨﻤﺎ ﺗﺬﻫﺐ ﺑﻨﺎ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ،ﻧﺴﺘﺴﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﻻ ﻓﻜﺎﻙ
ﻣﻨﻪ ﻟﻠﻜﺎﺋﻦ ﺍﶈﺒﻮﺏ ،ﺣﺘﱠﻰ ﻟﻮ ﺫﻫﺒﺖ ﺑﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻄﱠﺮﻑ ﺍﻵﺧﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﺘﺒﻌﺪﻧﺎ ﻋﻨﻪ.1
ﻭﺗﺼﻠﺢ ﻫﺬﻩ ﺍﳊﺎﻟﺔ ﺍﻟﻘﺼﻮﻯ ﻣﻦ ﺍﻧﻔﻜﺎﻙ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻋﻦ ﺍﳊﺐّ ،ﻭﺍﻟﺘﱠﻌﺎﺭﺽ
ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،ﰲ ﺇﺑﺮﺍﺯ ﺧﺎﺻﻴﱠﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﳊﺐّ ،ﻭﻫﻲ ﺗﺼﻠﺢ ﺃﻳﻀﺎً ﻟﻼﻋﺘﻤﺎﺩ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ
ﺗﺮﻛﻴﺐ ﳑﻜﻦ ﻟﻬﻤﺎ .ﳑﻜﻦ ،ﻟﻜﻨﱠﻪ ﻗﻠﻴﻞ ﺍﻻﺣﺘﻤﺎﻝ ﻳﻘﻴﻨﺎً .ﺇﺫْ ﻳﺼﻌﺐ ﺟﺪﱠﺍً ﺃﻥ ﺗﻨﺒﺜﻖ
ﺑﻘﻮﱠﺓ ﰲ ﻧﻔﺲ ﺷﺨﺺٍ ﻣﺤﺐﱟ ﺣﻘﱠﺎً ،ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﺍﺕ ﺗﺤﺚّ ﺇﺭﺍﺩﺗﻪ ﻟﺘﺘﻮﻗﱠﻰ ﺍﶈﺒﻮﺏ ،ﺣﺘﱠﻰ ﺇﺫﺍ
ﻭُﺟﺪَ ﻋﻤﻠﻴﱠﺎً ﺃﻥﱠ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﲤﺘﺪﱡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ ﺍﶈﺒﻮﺏ ،ﻭﺃﻥﱠ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ "ﻳﺘﺼﻨﱠﻊ ﺃﻓﻜﺎﺭﺍً"
ﻭ "ﻳﺠﺪ ﺃﺳﺒﺎﺑﺎً ﻣﺤﺘﺮﻣﺔ" ﻛﻴﻼ ﻳﺤﺐّ ﺃﻭ ﻟﻜﻲ ﻳﺤﺐّ ﺣﺒﱠﺎً ﺃﺩﻧﻰ ،ﻓﻬﺬﺍ ﻋﺎﺩﺓً ،ﺍﻟﻌﺮﺽُ
ﺍﻷﻛﺜﺮ ﺍﻟﺘﺒﺎﺳﺎً ﺃﻧﱠﻪ ﻻ ﻳﺤﺐّ ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ .ﻓﻴﺸﻌﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ ﻣﻨﺠﺬﺑﺎً ﺑﺸﻜﻞٍ ﻏﺎﻣﺾٍ
ﺇﻟﻰ ﺷﺨﺺٍ ﺁﺧﺮ ،ﻟﻜﻨﱠﻪ ﻟﻢ ﻳُﻨﺘﺰﻉ ﻣﻦ ﺫﺍﺗﻪ ،ﺃﻱ ﺃﻧﱠﻪ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺐّ.
ﺇﺫﺍً ،ﺃﻣﺮ ﺟﻮﻫﺮﻱ ﰲ ﺍﳊﺐّ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺘﻜﻠﱠﻢ ﻋﻨﻪ ،ﺗﺮﻛﻴﺒﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻳﻦ
ﺍﳌﺬﻛﻮﺭﻳﻦ ﺁﻧﻔﺎً :ﺍﻻﻓﺘﺘﺎﻥ ﻭﺍﻻﺳﺘﺴﻼﻡ .ﻭﺗﺮﻛﻴﺒﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮﱠﺩ ﺗﻮﺍﺟﺪ ،ﻭﻻ ﻳﻜﻤﻦ ﰲ
ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻳﻦ ﻣﻌﺎً ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ ﺍﻟﺒﻌﺾ ،ﻷﻥﱠ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻳُﻮﻟﺪ ﻭﻳﺘﻐﺬﱠﻯ ﻣﻦ
ﺍﻵﺧﺮ .ﺇﻧﱠﻪ ﺍﻻﺳﺘﺴﻼﻡ ﺑﻔﻌﻞ ﺍﻻﻓﺘﺘﺎﻥ.
ﺍﻷﻡ ﺗﺴﺘﺴﻠﻢ ﻻﺑﻨﻬﺎ ،ﻭﺍﻟﺼﱠﺪﻳﻖ ﻟﺼﺪﻳﻘﻪ ،ﻟﻜﻦ ،ﻟﻴﺲ ﲟﻮﺟﺐ "ﺃﻣﻞ ﻣﻮﻫﻮﻡ" ﻭﻻ
"ﺍﻓﺘﺘﺎﻥ" .ﺇﻧﱠﻤﺎ ﺍﻷﻡّ ﺗﺼﻨﻊ ﺫﻟﻚ ﺑﻐﺮﻳﺰﺓ ﻣﺘﺠﺬﱢﺭﺓ ،ﺗﻜﺎﺩ ﺗﻜﻮﻥ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻋﻦ ﺭﻭﺣﺎﻧﻴﱠﺘﻬﺎ؛
ﻭﺍﻟﺼﱠﺪﻳﻖ ﻳﺴﺘﺴﻠﻢ ﻟﻠﺼﱠﺪﻳﻖ ﺑﻘﺮﺍﺭٍ ﻭﺍﺿﺢ ﻣﻦ ﺇﺭﺍﺩﺗﻪ .ﻭﻫﺬﺍ ﻋﻨﺪﻩ ﺇﺧﻼﺹ .ﻭﺑﺎﻟﺘﱠﺎﻟﻲ،
ﺗﻠﻚ ﻣﻴﱢﺰﺓ ﺑﺼﻔﺘﻬﺎ ﲤﺘﻠﻚ ﺟﺬﺭﺍً ﻓﻜﺮﻳﱠﺎً .ﻭﻧﻘﻮﻝ ،ﺇﻥﱠ ﺍﻟﺼﱠﺪﻳﻖ ﻳﺄﺧﺬ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻴﺪﻩ ﺫﺍﺗﻬﺎ
ﻭﻳﺴﺘﺴﻠﻢ ﻟﻠﺼﱠﺪﻳﻖ .ﻭﺍﻟﻨّﻤﻮﺫﺟﻲ ﰲ ﺍﳊﺐّ ،ﺃﻥﱠ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﺗﻬﺮﺏ ﻣﻦ ﺑﲔ ﺃﻳﺪﻳﻨﺎ ﻭﻛﺄﻧﱠﻤﺎ
ﺍﻣﺘﱠﺼﺘﻬﺎ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﺍﻷﺧﺮﻯ .ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻻﻣﺘﺼﺎﺹ ﺍﻟﺬﻱ ﲤﺎﺭﺳﻪ ﺍﻟﺸﱠﺨﺼﻴﱠﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻋﻠﻰ
ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﺗﺒﻘﻴﻬﺎ ﻣﺮﻓﻮﻋﺔً ﰲ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻭﺗﻨﺰﻋﻬﺎ ﻣﻦ ﲡﺬﱡﺭِﻫﺎ ﰲ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻭﺗﻨﻘﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ
ﺍﶈﺒﻮﺏ ،ﺣﻴﺚ ﺍﳉﺬﻭﺭ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺗﺒﺪﻭ ﺃﻧﱠﻬﺎ ﺛﺒﺘﺖ ﻣﺮﱠﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻛﻤﺎ ﰲ ﺃﺭﺽ ﺟﺪﻳﺪﺓ.
) (١ﰲ ﺑﺤﺜﻲ "ﺣﻴﻮﻳﱠﺔ ،ﻧﻔﺲ ،ﺭﻭﺡ" ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﳌﺮﺀ ﺃﻥ ﻳﺮﻯ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﺍﻟﻨﱠﻔﺴﻲ ﻟﻬـﺬﺍ ﺍﻟﻔـﺮﻕ ﺑـﲔ ﺍﻟـﻨﱠﻔﺲ
ﻭﺍﻹﺭﺍﺩﺓ) .ﺍﳌﺸﺎﻫﺪ .ﺟﺰﺀ - .(٧ﺍﳌﺆﻟﻒ
-٢٢-
ﻭﻳﻌﻴﺶ ﺍﶈﺐّ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺫﻟﻚ ﻟﻴﺲ ﺍﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ ﺫﺍﺗﻪ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﺍﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ ﺍﻵﺧﺮ ،ﻛﻤﺎ
ﻳﻌﻴﺶ ﺍﻻﺑﻦ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻮﻟﺪ ﺟﺴﺪﻳﱠﺎً ﻣﻦ ﺍﻷﻡّ ﺍﻟﺘﻲ ﺯُﺭﻉ ﰲ ﺣﺸﺎﻫﺎ ﻭﻏﺎﺹ.
ﺇﺫﺍً ،ﺍﻣﺘﺼﺎﺹ ﺍﶈﺒﻮﺏ ﻟﻠﻤﺤﺐّ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻏﻴﺮ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﻻﻓﺘﺘﺎﻥ .ﻫﻨﺎﻙ ﻛﺎﺋﻦ ﺁﺧﺮ
ﻳﻔﺘِـﻨﻨﺎ ،ﻭﻧﺸﻌﺮ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻻﻓﺘﺘﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺷﺪﱟ ﻣﺴﺘﻤﺮّ ﻭﻣﺮِﻥ ﺑﻠﻄﻒٍ ﳝﺘﺪّ ﻣﻦ
ﺷﺨﺼﻨﺎ .ﺃﻣﱠﺎ ﻛﻠﻤﺔ "ﺍﻓﺘﺘﺎﻥ" ﻋﻠﻰ ﺍﺑﺘﺬﺍﻟﻬﺎ ﺍﻟﺸﱠﺪﻳﺪ ،ﻫﻲ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ،ﺧﻴﺮ ﻣﺎ ﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻦ
ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﱠﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﳝﺎﺭﺳﻪ ﺍﶈﺒﻮﺏ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻳﺤﺒّﻪ .ﻓﺎﻷﻭﻓﻖ ﺇﺫﺍً ،ﺃﻥ ﻧﻌﻴﺪ
ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ ،ﺑﺎﻋﺜﲔ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﳌﻌﻨﻰ ﺍﻟﺴّﺤﺮﻱ mágicoﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻟﻬﺎ ﰲ ﺍﻷﺻﻞ.
ﻭﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﰲ ﺍﻻﳒﺬﺍﺏ ﺍﳉﻨﺴﻲ ﺟﺎﺫﺑﻴﱠﺔ ﺑﺎﳌﻌﻨﻰ ﺍﳊﻖّ .ﻓﺎﳉﺴﻢ ﻏﻴﺮ
ﺍﶈﺘﺸﻢ ﻳﺜﻴﺮ ﺷﻬﻮﺓ 1ﻭﺭﻏﺒﺔ ﻓﻴﻪ .ﻟﻜﻨﱠﻨﺎ ﻻ ﻧﺬﻫﺐ ﰲ ﺍﻟﺮﱠﻏﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﳌﺮﻏﻮﺏ ﻓﻴﻪ ،ﺑﻞ
ﺭَﻭﺣُﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ،ﺗﺸﺪّ ﺍﳌﺮﻏﻮﺏ ﻓﻴﻪ ﳓﻮﻫﺎ .ﻟﺬﻟﻚ ﻳُﻘﺎﻝ ﺑﺸﻜﻞ ﺻﺤﻴﺢ ﺟﺪﱠﺍ :ﺇﻥﱠ
ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ "ﻳﻮﻗﻆ" ﺭﻏﺒﺔ ،ﻭﻛﺄﻧﱠﻤﺎ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﱠﻪ ﻻ ﻳﺘﺪﺧﱠﻞ ﰲ ﺍﻟﺮﱠﻏﺒﺔ ،ﻭﺇﻥﱠ ﺩﻭﺭﻩ ﻳﻨﺘﻬﻲ
ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﺮﱠﻏﺒﺔ ﺗﻨﺒﺜﻖ؛ ﻭﳓﻦ ﻧﻌﻤﻞ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺮﱠﻏﺒﺔ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ .ﻭﺇﻥﱠ ﻟﻈﺎﻫﺮﺓ
ﺍﻟﺮﱠﻏﺒﺔ ،ﺍﻟﻨﱠﻔﺴﻴﱠﺔ ﻭﻇﺎﻫﺮﺓ "ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﳌﻔﺘﻮﻥ" ﻋﻼﻣﺔً ﻣﺘﻌﺎﻛﺴﺔ .ﻓﺎﻟﻈﱠﺎﻫﺮﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﲤﻴﻞ
ﺇﻟﻰ ﺍﻣﺘﺼﺎﺹ ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ ،ﻭﰲ ﺍﻟﺜﱠﺎﻧﻴﺔ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻣُﻤﺘﱠﺼﺔً .ﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﰲ
ﺍﻟﺸﱠﻬﻮﺓ ﺍﺳﺘﺴﻼﻡ ﻣﻦ ﻛﻴﺎﻧﻲ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ،ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ،ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺳْﺮٌ ﻟﻠﻤﻮﺿﻮﻉ.
ﻛﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺍﺳﺘﺴﻼﻡ ﺣﻘﻴﻘﻲّ ﰲ "ﺍﻟﻬﻮﻯ ."pasiónﻟﻘﺪ ﺃُﺿﻔﻲَ ﰲ ﻫﺬﻩ
ﺍﻷﺯﻣﻨﺔ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﱠﻜﻞ ﺍﻷﺩﻧﻰ ﻣﻦ ﺍﳊﺐّ ،ﻣﺴﺘﻮﻯ ﻭﻓﻀﻞ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻘﻬﻤﺎ
ﻳﻘﻴﻨﺎً .ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﻳﺤﺴﺐ ﺍﳊﺐّ ﻛﺒﻴﺮﺍً ﲟﻘﺪﺍﺭ ﺍﻗﺘﺮﺍﺑﻪ ﻣﻦ ﺍﻻﻧﺘﺤﺎﺭ ﺃﻭ ﺍﻻﻏﺘﻴﺎﻝ
ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﻭﺍﺭﺗﺮ ﻭﻋُﻄﻴﻞ ،ﻭﻳُﻮﺣﻲ ﺃﻥﱠ ﻛﻞﱠ ﺷﻜﻞٍ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺍﳊﺐّ ،ﻭﻫْﻢ ﻭ "ﻋﻘﻠﻲ" .ﻭﺃﻧﺎ
) (١ﻳﻨﻄﻮﻱ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺻﻄﻼﺡ "ﺷﻬﻮﺓ" ﻋﻠـﻰ ﺧﻄـﺄ ﰲ ﺍﻟﺘﱠﻮﺻـﻴﻒ ﺍﻟـﺴﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻲ .ﻭﻫـﻮ ﺷـﺎﺋﻊ ﺟـﺪﱠﺍً ﻣـﻦ
ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ؛ ﺇﻧﱠﻪ ﻳﺨﻠﻂ ﺍﻟﻈﱠﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻨﱠﻔﺴﻴﱠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺰﻋﻢ ﻭﺻﻔﻬﺎ ،ﺑﺎﻟﻨﱠﺘﺎﺋﺞ ﺍﳌﺄﻟﻮﻓﺔ ﻋﻨﻬﺎ .ﻓـﺈﺫﺍ ﻛﻨـﺖ
ﺃﺭﻏﺐ ﰲ ﺷﻲﺀ ،ﻓـﺈﻧﱢﻲ ﺃﺣـﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﺃﺗﺤـﺮﱠﻙ ﺑﺎﺗﱢﺠﺎﻫـﻪ "ﻷﺧـﺬﻩ" .ﻭﻫـﺬﺍ ﺍﻟـﺬﱠﻫﺎﺏ ﳓـﻮ - petereﻫـﻮ
ﺍﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﺍﻟﺘـﻲ ﲡـﺪﻫﺎ ﺍﻟﺮﱠﻏﺒـﺔ ﻛﻴﻤـﺎ ﺗُـﺸﺒﻊ ،ﻟﻜﻨﱠﻬـﺎ ﻟﻴـﺴﺖ ﺍﻟﺮﱠﻏﺒـﺔ ﺫﺍﺗﻬـﺎ .ﻭﺇﻥﱠ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌـﺔ ﺍﻷﺧﻴـﺮﺓ،
ﻭﻓﻬﻢ ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ ﻭﺟﺬﺑﻪ ﳓﻮﻱ ﻭﺍﻧﻄﻮﺍﺀﻩ ﰲﱠ ،ﻫﻲ ﰲ ﺍﳌﻘﺎﺑﻞ ،ﺍﻟﺘﱠﻌﺒﻴﺮ ﺍﻷﺻﻴﻞ ﻋﻦ ﺍﻟﺮﱠﻏﺒﺔ.
ﻭﻛـﺬﻟﻚ ﻋﺘﱠﻤـﺖ ﻋﻠـﻰ ﻭﺻـﻒ ﺍﳊـﺐّ ﻛﺜﻴـﺮﺍً ﻋــﺎﺩﺓ ﺧﻠﻄـﻪ ﺑﻨﺘﺎﺋﺠـﻪ .ﺇﺫْ ﺗﺜﻴـﺮ ﺍﻟـﺸﱡﻌﻮﺭَ ﺑﺎﳊـﺐّ ،ﻭﻫــﻮ
ﺃﺧﺼﺐ ﻣﺎ ﰲ ﺍﳊﻴـﺎﺓ ﺍﻟﻨﱠﻔـﺴﻴﱠﺔ ،ﻣـﺎ ﻻ ﻳﺤـﺼﻰ ﻣـﻦ ﺃﻓﻌـﺎﻝ ﺗﺮﺍﻓﻘـﻪ ﻛﻤـﺎ ﻳﺮﺍﻓـﻖ ﺍﻟﻨﱠﺒﻴـﻞَ ﺍﻟﺮﱡﻭﻣـﺎﻧﻲ
ﺃﺗﺒﺎﻋُﻪ .ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﻨـﺸﺄ ﻣـﻦ ﻛـﻞﱢ ﺣـﺐّ ﺭﻏﺒـﺎﺕ ﺣﻴـﺎﻝ ﺍﶈﺒـﻮﺏ؛ ﻟﻜـﻦﱠ ﻫـﺬﻩ ﺍﻟﺮﱠﻏﺒـﺎﺕ ﻟﻴـﺴﺖ ﺍﳊـﺐ،
ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ،ﺗﻔﺘﺮﺿﻪ ﺍﻓﺘﺮﺍﺿﺎً ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﻧﺎﺷﺌﺔ ﻣﻨﻪ – .ﺍﳌﺆﻟﱢﻒ.
-٢٣-
ﺃﺅﻣﻦ ﻋﻜﺲ ﺫﻟﻚ ،ﺃﻧﱠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﱠﺮﻭﺭﺓ ﺃﻥ ﻧﻌﻴﺪ ﺇﻟﻰ ﻛﻠﻤﺔ "ﻫﻮﻯ" ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ ﺍﻟﻘﺪﱘ
ﺍﻟﺴﻲّﺀ .ﻓﻼ ﺇﻃﻼﻕ ﻃﻠﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﺃﻭ ﻗﺘﻠﻬﺎ ﻳﻀﻤﻦ ﺃﺩﻧﻰ ﻧﻮﻋﻴﱠﺔ ﻭﻻ ﺃﺩﻧﻰ ﻛﻤﱢﻴﱠﺔ
ﻣﻦ ﺍﻟﺸﱡﻌﻮﺭ .ﻭﻣﺎ "ﺍﻟﻬﻮﻯ" ﻏﻴﺮُ ﺣﺎﻟﺔ ﻣَﺮَﺿﻴﱠﺔ ﺗﻔﺘﺮﺽ ﺧﻠﻼً ﰲ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ .ﻓﺎﻟﺸﱠﺨﺺ
ﺍﻟﻀﱠﻌﻴﻒ ﺃﻣﺎﻡ ﻣﻴﻜﺎﻧﻴﺰﻡ ﺍﻟﻮﺳﻮﺍﺱ ﻭﺫﻭ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﺟﺪﱠﺍً ﻭﺍﳉﺎﻓﻴﺔ ،ﻳﺤﻮّﻝ ﺇﻟﻰ
"ﻫﻮﻯ" ،ﺃﻱ ﺇﻟﻰ ﻫﻮﺱ ﻛﻞﱠ ﺑﺬﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﱡﻌﻮﺭ ﺗﺴﻘﻂ ﻋﻠﻴﻪ .1ﻓﻠْﻨَﻨﺰﻉ ﻋﻦ ﺍﻟﻬﻮﻯ
ﺍﳊِﻠْﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺯﻳﱠﻨﺘﻪ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺮﱡﻭﻣﺎﻧﺴﻴﱠﺔ .ﻭﻟﻨﻜﻒﱠ ﻋﻦ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﻋﺎﺷﻖ ﲟﻘﺪﺍﺭ
ﻣﺎ ﻳﺼﺒﺢ ﺃﺣﻤﻖَ ﺃﻭ ﻣﺘﺄﻫﱢﺒﺎً ﻛﻴﻤﺎ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺤﻤﺎﻗﺎﺕ.
ﻭﺇﺫﺍ ﺍﺑﺘﻌﺪﻧﺎ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ،ﻳُﺴﺘﺤﺴﻦ ﺃﻥ ﳒﻌﻞ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﳌﻮﺟﺰﺓ
ﻣﻮﺿﻮﻋﺎً ﻋﺎﻣﱠﺎً ﻟﺴﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﳊﺐ :ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﳊﺐّ ﺃﺩﻕّ ﻓﻌﻞ ﺗﻔﻌﻠﻪ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ
ﻭﺃﺷﻤﻠﻪ ،ﻓﺴﻮﻑ ﻳﻨﻌﻜﺲ ﻓﻴﻪ ﻭﺿﻊ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﻭﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ .ﻭﻻ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ
ﻧﻌﺰﻭ ﺇﻟﻰ ﺍﳊﺐّ ﺍﳋﺼﺎﺋﺺ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﺰﻭﻫﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻪ .ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻥ
ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ ﻗﻠﻴﻞ ﺍﻟﻔﻄﻨﺔ ،ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﳊﺐّ ﻣُﺒﻴﻨﺎً؟ ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻗﻠﻴﻞ ﺍﻟﺘﱠﻌﻤﱡﻖ،
ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻜﻮﻥ ﺣﺒّﻪ ﻋﻤﻴﻘﺎً؟ ﺇﺫ ﻛﻴﻔﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﺍﳌﺮﺀ ﻳﻜﻦْ ﺣﺒّﻪ .ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺴﱠﺒﺐ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ
ﳒﺪ ﰲ ﺍﳊﺐّ ﺍﻟﻌَﺮَﺽ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﺣﺴﻤﺎً ﻳﻨﺒﺊ ﻋﻤﱠﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ .ﻓﻘﺪ
ﺗﺨﺪﻋﻨﺎ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻷﻓﻌﺎﻝ ﻭﺍﳌﻈﺎﻫﺮ ﺑﺸﺄﻥ ﻃﺒﻴﻌﺘﻪ ﺍﳊﻘﻴﻘﻴﱠﺔ :ﺇﻧﱠﻤﺎ ﺗﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ
ﻏﺮﺍﻣﻴﱠﺎﺗﻪ ﻋﻦ ﺳﺮّ ﻛﻴﺎﻧﻪ ﺍﳌﺨﻔﻲّ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﺧﺎﺻﱠﺔ ﺳﺮّ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺍﶈﺒﻮﺏ .ﻭﻻ
ﻳﺘﺠﻠﱠﻰ ﺃﺧﺺّ ﻃﺒﺎﻋﻨﺎ ﰲ ﺷﻲﺀ ﻛﻤﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻧﻔﻀّﻠﻪ ﰲ ﺍﳊﺐّ.
ﻭﻟﻄﺎﳌﺎ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇﻥﱠ ﺍﻟﻨﱢﺴﺎﺀ ﺍﻟﺬﱠﻛﻴﱠﺎﺕ ﻳﻌﺸﻘﻦ ﺍﻟﺮﱢﺟﺎﻝ ﺍﳊﻤﻘﻰ ،ﻭﺍﻟﻌﻜﺲ
ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ،ﺇﻥﱠ ﺍﻟﺮﱢﺟﺎﻝ ﺍﻷﺫﻛﻴﺎﺀ ﻳﻌﺸﻘﻮﻥ ﺍﻟﻨﱢﺴﺎﺀ ﺍﳊﻤﻘﺎﻭﺍﺕ .ﻭﻟﺌﻦْ ﺳﻤﻌﺖُ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮَ
ﻣﺮﱠﺍﺕٍ ﻛﺜﻴﺮﺓ ،ﻓﺈﻧﱢﻲ ﺃﻋﺘﺮﻑ ﺃﻧّﻲ ﻟﻢ ﺃﺅﻣﻦ ﺑﻪ ﻗﻂّ .ﻭﻟﻘﺪ ﻭﺟﺪﺕ ﰲ ﻛﻞﱢ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﺘﻲ
ﺍﺳﺘﻄﻌﺖ ﺍﻻﻗﺘﺮﺍﺏ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻭﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﺪﺳﺔ ﺍﻟﺴﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﱠﺔ ﺍﳌﻜﺒﱢﺮﺓ ،ﺃﻥﱠ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻨﱢﺴﺎﺀ
ﻭﺍﻟﺮﱢﺟﺎﻝ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﰲ ﺍﳊﻘﻴﻘﺔ ﺃﺫﻛﻴﺎﺀ ،ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﺻﺤﻴﺢ ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﳌﺨﺘﺎﺭﻭﻥ ﺣﻤﻘﻰ.
ﻟﻴﺲ ﺍﻟﻬﻮﻯ ،ﺇﺫﺍً ،ﺫﺭﻭﺓ ﺍﻟﺮﱠﻏﺒﺔ ﰲ ﺍﳊﺐّ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ،
ﺗﺪﻫﻮﺭﻫﺎ ﰲ ﻧﻔﻮﺱ ﺩﻧﻴﺎ .ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ -ﺃﻱ ،ﻳﺠﺐ ﺃﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻴﻪ -ﺳﺤﺮ ﻭﻻ
ﺍﺳﺘﺴﻼﻡ .ﻭﻳﻌﻠﻢ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﺃﻥﱠ ﺍﳌﻮﺳﻮﺱ ﻳﺼﺎﺭﻉ ﰲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﻭﺳﻮﺍﺳﻪ ،ﻭﻻ
) (١ﻣـﻦ ﻳﻘﺘــﻞ ﻧﻔــﺴﻪ ﻻ ﻳﻘﺘﻠﻬــﺎ ﺣﺒﱠ ـﺎً .ﻭﻛــﺎﻥ ﺳﻴـﺼﻨﻊ ﺫﻟــﻚ ﻷﻱّ ﺳــﺒﺐ ،ﺑــﺴﺒﺐ ﻧــﺰﺍﻉ ﺃﻭ ﻓﻘــﺪﺍﻥ ﺛــﺮﻭﺓ،
ﺇﻟﺦ – ...ﺍﳌﺆﻟﱢﻒ.
-٢٤-
ﻳﻘﺒﻞ ﺑﻪ ﰲ ﺫﺍﺗﻪ ،ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ،ﻳﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻮﺳﻮﺍﺱ .ﺇﺫﺍً ،ﻳﻮﺟﺪ ﻫﻮﻯ ﺿﺨﻢ
ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺘﻮﻯ ﻫﺎﻡّ ﻣﻦ ﺍﳊﺐّ.
ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺪﻝّ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉَ ﻋﻠﻰ ﺃﻥﱠ ﺗﻔﺴﻴﺮﻱ ﻇﺎﻫﺮﺓَ ﺍﳊﺐّ ﻳﺴﻴﺮ ﰲ ﺍﺗﱢﺠﺎﻩ ﻣﻌﺎﻛﺲ
ﻟﻠﻤﻴﺜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﺰﱠﺍﺋﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﲡﻌﻞ ﻣﻨﻪ ﻗﻮﱠﺓ ﺃﻭﱠﻟﻴﱠﺔ ﻭﺑﺪﺍﺋﻴﱠﺔ ﺗﺘﻮﱠﻟﺪ ﰲ ﺃﺣﻀﺎﻥ ﺍﳊﻴﻮﺍﻧﻴﱠﺔ
ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﱠﺔ ﺍﻟﻐﺎﻣﻀﺔ ،ﻭﺗﺴﻴﻄﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﻓﻆّ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺗﺴﻤﺢ ﻷﻗﺴﺎﻡ
ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻭﺃﺩﻗّﻬﺎ ،ﺑﺘﺪﺧّﻞ ﺫﻱ ﺃﻫﻤﻴﱠﺔ.
ﻟﻦ ﺃﻧﺎﻗﺶ ﺍﻵﻥ ﺍﻻﺭﺗﺒﺎﻁ ﺍﻟﺬﻱ ،ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻠﺤﺐّ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻐﺮﺍﺋﺰ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴﱠﺔ
ﺍﻟﺮﱠﺍﻗﺪﺓ ﰲ ﻛﻴﺎﻧﻨﺎ؛ ﻓﺄﻧﺎ ﺃﻋﺘﻘﺪ ﺃﻥﱠ ﺍﳊﺐّ ﻫﻮ ﻛﻠﻴﱠﺎً ﻧﻘﻴﺾ ﻗﻮﱠﺓ ﺃﻭﱠﻟﻴﱠﺔ .ﻭﺃﻛﺎﺩ ،ﺃﻛﺎﺩ
ﺃﻗﻮﻝ -ﻣﻊ ﻋﻠﻤﻲ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻣﻦ ﺍﳋﻄﺄ ﰲ ﻗﻮﻟﻲ -ﺇﻥﱠ ﺍﳊﺐّ ﻳﺒﺪﻭ ﺟﻨﺴﺎً ﺃﺩﺑﻴﱠﺎً ﺃﻛﺜﺮ
ﳑﱠﺎ ﻫﻮ ﻗﻮﱠﺓ ﺃﻭﱠﻟﻴﱠﺔ .ﺻﻴﻐﺔ ﻗﺪ ﺗﺜﻴﺮ – ﺑﺎﻟﻄﱠﺒﻊ -ﻧﻔﻮﺭ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﱠﺍﺀ ،ﻗﺒﻞ ﺃﻥ
ﻳﺘﺄﻣﱠﻠﻮﻫﺎ -ﺑﺎﻟﻄﱠﺒﻊ ﺃﻳﻀﺎً .ﻭﻫﻲ ﻣﺴﺮﻓﺔ ﻭﻏﻴﺮ ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ ﺇﺫﺍ ﺯﻋﻤﺖُ ﺃﻧﱠﻬﺎ ﺍﻟﺼﱢﻴﻐﺔ
ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ؛ ﻟﻜﻨﱢﻲ ﻻ ﺃﺯﻋﻢ ﺑﻬﺎ ﺳﻮﻯ ﺃﻥْ ﺃﻭﺣﻲ ﺃﻥﱠ ﺍﳊﺐّ ﺇﺑﺪﺍﻉ ﺃﻛﺜﺮ ﳑﱠﺎ ﻫﻮ ﻏﺮﻳﺰﺓ.
ﻭﻫﻮ ﻛﺈﺑﺪﺍﻉ ﻟﻴﺲ ﺑﺪﺍﺋﻴﱠﺎً ﰲ ﺷﻲﺀ ﻋﻨﺪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ .ﻓﺎﳌﺘﻮﺣﱢﺶ ﻻ ﻳﺘﺼﻮّﺭﻩ ،ﻭﺍﻟﺼّﻴﻨﻲّ
ﻭﺍﻟﻬﻨﺪﻱ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﺎﻧﻪ ،ﻭﺇﻏﺮﻳﻘﻲ ﻋﺼﺮ ﺑﻴﺮﻛﻠﻴﺲ ﻳﻜﺎﺩ ﻳﻠﻤﺤﻪ ﶈﺎً .1ﻓﻠﻴُﻘﻞ ﻟﻲ ﺇﻥ
ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻔﻜﺮﺗﺎﻥ :ﻛﻮﻥ ﺍﳊﺐ ﺇﺑﺪﺍﻋﺎً ﺭﻭﺣﻴﱠﺎً ،ﻭﻇﻬﻮﺭﻩ ﻓﻘﻂ ﰲ ﺑﻌﺾ ﺍﳌﺮﺍﺣﻞ
ﻭﺍﻷﺷﻜﺎﻝ ﰲ ﺍﻟﺜﱠﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﱠﺔ ،ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻣﺎ ﻳﺴﻲﺀ ﺇﻟﻰ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺟﻨﺲ ﺃﺩﺑﻲّ.
ﻭﺇﺫْ ﻣﻴﱠﺰﻧﺎ ﺍﻟﻔﻮﺭﺍﻥ ﺍﳊﺴّﻲ ﻣﻦ "ﺍﻟﻬﻮﻯ" ،ﻓﺈﻧﱠﻨﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﳕﻴﱢﺰ ﺑﻮﺿﻮﺡ
ﺍﳊﺐّ ﻣﻦ ﺃﺷﻜﺎﻟﻪ ﺍﻟﺰﱠﺍﺋﻔﺔ ،ﻭﻛﺬﻟﻚ ﳑﱠﺎ ﺳﻤّﻴﻨﺎﻩ "ﺷﻔﻘﺔ" .ﰲ ﺍﻟﺸﱠﻔﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﰲ
ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﺷﻜﻞُ ﺍﳊﺐّ ﺍﻷﻣﻮﻱ ،ﰲ ﺃﺣﺴﻦ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ،ﻳﺸﻌﺮ ﺷﺨﺼﺎﻥ ﺑﺘﻌﺎﻃﻒ ﻣﺘﺒﺎﺩﻝ
) (١ﺇﻥﱠ ﺃﻓﻼﻃﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻭﻋـﻲ ﻛﺎﻣـﻞ ﺑﻬـﺬﺍ ﺍﻟـﺸﱡﻌﻮﺭ ﻭﻳـﺼﻔﻪ ﺑـﺸﻜﻞ ﻣﻌﺠـﺐ .ﻟﻜـﻦ ،ﻟـﻢ ﻳﺨﻄـﺮ ﰲ ﺫﻫﻨـﻪ ﺃﻧﱠـﻪ ﻳﺨﻠﻄـﻪ
ﲟــﺎ ﻛــﺎﻥ ﺇﻏﺮﻳﻘ ـﻲّ ﻣــﻦ ﻋــﺼﺮﻩ ﻳﺤ ـﺲّ ﺑــﻪ ﳓــﻮ ﺍﳌــﺮﺃﺓ .ﻭﺍﳊ ـﺐّ ﻋﻨــﺪ ﺃﻓﻼﻃــﻮﻥ ﻛــﺎﻥ ﺣﺒﱠ ـﺎً ﲟﻌﻨــﻰ ﺍﻟﻌــﺸﻖ،
ﻭﺭﺑﱠﻤـــﺎ ﻛـــﺎﻥ ﺍﻟﻈﱡﻬـــﻮﺭ ﺍﻷﻭﱠﻝ ﻟﻬـــﺬﺍ ﺍﳊـ ـﺐّ ﰲ ﺍﻟﺘﱠـــﺎﺭﻳﺦ .ﻟﻜﻨﱠـــﻪ ﺣـ ـﺐّ ﺍﻟﺮّﺟـــﻞ ﺍﻟﻜﻬـــﻞ ﺍﻷﻛﺜـــﺮ ﺛﻘﺎﻓـ ـﺔً ،ﺍﻟـ ـﺸﱠﺎﺏّ
ﺍﳉﻤﻴـﻞ ﺍﳊـﺼﻴﻒ .ﻭﻳــﺮﻯ ﺃﻓﻼﻃـﻮﻥ ﰲ ﻫــﺬﺍ ﺍﳊـﺐّ ﻣــﻦ ﻏﻴـﺮ ﺗــﺮﺩﱡﺩ ،ﺍﻣﺘﻴـﺎﺯﺍً ﻟﻠﺜﱠﻘﺎﻓــﺔ ﺍﻹﻏﺮﻳﻘﻴﱠـﺔ ﻭﺇﺑــﺪﺍﻋﺎً
ﺭﻭﺣﻴﱠﺎً ،ﺑـﺎﳊﺮﻱّ ،ﻣﺆﺳـﺴﺔ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﱠـﺔ ﻣﺮﻛﺰﻳﱠـﺔ ﰲ ﺍﳊﻴـﺎﺓ ﺍﻟﺒـﺸﺮﻳﱠﺔ ﺍﳉﺪﻳـﺪﺓ .ﻭﳓـﻦ ﻳﺜﻴـﺮ ﺍﺳـﺘﻬﺠﺎﻧﻨﺎ ﻋﻠـﻰ
ﺷـﻜﻞ ﺧﻄﻴـﺮ ﻭﻟـﺴﺒﺐ ﻛﺒﻴــﺮ ،ﻫـﺬﻩ ﺍﻟﻄﱠﺮﻳﻘـﺔ ﺍﻟﺪﱠﻭﺭﻳﱠـﺔ Dóricaﰲ ﺍﳊــﺐ؛ ﻟﻜـﻦ ﺍﳊﻘﻴﻘـﺔ ﺍﳋﺎﻟـﺼﺔ ﺗﺮﻏﻤﻨــﺎ
ﻋﻠــﻰ ﺍﻹﻗــﺮﺍﺭ ﺃﻥﱠ ﻓﻴــﻪ ﺃﺣــﺪ ﺍﳉــﺬﻭﺭ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺨﻴﱠــﺔ ﻟﻬــﺬﺍ ﺍﻹﺑــﺪﺍﻉ ﺍﻟﻐﺮﺑ ـﻲّ ﺍﳌُﻌﺠــﺐ ﻣــﻦ ﺣ ـﺐّ ﺍﳌــﺮﺃﺓ .ﻭﻟــﻮ ﲤﻌﱠــﻦ
ﺍﻟﻘــﺎﺭﺉ ﻗﻠـــﻴﻼً ﻟﻼﺣـــﻆ ﺃﻥﱠ ﺍﻷﻣـــﻮﺭ ﺃﻋﻘـــﺪ ﻭﺃﺩﻕّ ﳑﱠـــﺎ ﻳﺤـــﺴﺒﻪ ﺍﻟﻌﺎﻣﱠـــﺔ ،ﻭﺳـــﻮﻑ ﻳﺠـــﺪ ﺃﻥﱠ ﻣﻘﺎﺭﻧـــﺔ ﺍﳊـ ـﺐّ
ﺑﺠﻨﺲ ﺃﺩﺑﻲّ ،ﺃﻗﻞّ ﻏﺮﺍﺑﺔ – .ﺍﳌﺆﻟﻒ.
-٢٥-
ﻭﺇﺧﻼﺹ ﻭﺍﺭﺗﺒﺎﻁ ،ﻟﻜﻦ ،ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻳﻀﺎً ﺳﺤﺮ ﻭﻻ ﺍﺳﺘﺴﻼﻡ .ﺇﺫْ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ
ﻳﻌﻴﺶ ﳊﺴﺎﺑﻪ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺍﳒﺬﺍﺏ ﳓﻮ ﺍﻵﺧﺮ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻳﺮﺳﻞ ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺫﺍﺗﻪ
ﺃﺿﻮﺍﻋﺎً ﻋﺬﺑﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﱠﻘﺪﻳﺮ ﻭﺍﻟﺘﱠﺄﻳﻴﺪ.
ﻣﺎ ﻗﻠﻨﺎﻩ ﻳﻜﻔﻲ ﻛﻴﻤﺎ ﻧﺼﺒﻎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﺄﻛﻴﺪ ﺑﺸﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﳌﻌﻨﻰ ،ﻭﻻ ﺃﺯﻋﻢ ﺍﻵﻥ ﺃﻛﺜﺮ
ﻣﻦ ﺫﻟﻚ :ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﻧﺎ ﺃﻥ ﻧﻨﻈﺮ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﰲ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﳊﺐّ ،ﻓﻤﻦ ﺍﻟﻼﺯﻡ ﻗﺒﻞ ﻛﻞّ ﺷﻲﺀ
ﺃﻥ ﻧﺘﺨﻠﱠﻰ ﻋﻦ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﳌﺒﺘﺬﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﻯ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻌﻮﺭﺍً ﺑﺴﻴﻄﺎً ،ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻜﻞّ ،ﺃﻭ ﺍﻟﻜﻞّ
ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ﺍﻟﺸﱡﻌﻮﺭ ﺑﻪ ﻭﻳﺤﺪﺙ ﻛﻞّ ﺳﺎﻋﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺣﻮﻟﻨﺎ ،ﺃﻳﱠﺎً ﻳﻜﻦ ﺍﺘﻤﻊ ﻭﺍﻟﻌﺮﻕ ﻭﺍﻟﺸّﻌﺐ
ﻭﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ .ﻭﺇﻥﱠ ﺍﻟﻔﺮﻭﻕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺳﻤﻬﺎ ﺍﻟﺼﱠﻔﺤﺎﺕ ﺍﻟﺴﱠﺎﺑﻘﺎﺕ ،ﺗﺨﺘﺰﻝ
ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺒﻴﺮ ﺷﻴﻮﻉ ﺍﳊﺐّ ﻣﺒﻌﺪﺓ ﻋﻦ ﻓﻀﺎﺋﻪ ﺃﺷﻴﺎﺀَ ﻛﺜﻴﺮﺓً ﺗﻨﻀﻮﻱ ﻓﻴﻪ ﺧﻄﺄ .ﻭﺇﺫﺍ
ﺧﻄﻮﻧﺎ ﺧﻄﻮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ،ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﻟﻐﺔ ﻣﻔﺮﻃﺔ :ﺇﻥﱠ ﺍﳊﺐّ ﻭﺍﻗﻌﺔ
ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺍﻟﺸّﻴﻮﻉ ،ﻭﻫﻮ ﺷﻌﻮﺭ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﱡﻔﻮﺱ ﻓﻘﻂ ﺃﻥ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﻪ .ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﻫﻮ
ﻣﻮﻫﺒﺔ ﲤﺘﻠﻜﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨّﻔﻮﺱ ،ﺗﻮﺟﺪ ﻣﺘﱠﺤﺪﺓ ﲟﻮﺍﻫﺐ ﺃﺧﺮﻯ ،ﻟﻜﻨﱠﻬﺎ ﳝﻜﻦ ﻟﻬﺎ ﺃﻥ
ﺗﻮﺟﺪ ﻣﻨﻌﺰﻟﺔ ﻭﻣﻦ ﺩﻭﻧﻬﺎ.
ﺃﺟﻞ؛ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﻣﻮﻫﺒﺔ ﻋﺠﻴﺒﺔ ﲤﺘﻠﻜﻬﺎ ﺑﻌﺾُ ﺍﳌﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ،ﻛﻤﻮﻫﺒﺔ ﻧﻈﻢ ﺍﻟﺸﻌﺮ،
ﻭﻛﺮﻭﺡ ﺍﻟﺘﱠﻀﺤﻴﺔ ﻭﺍﻹﻟﻬﺎﻡ ﺍﳌﻮﺳﻴﻘﻲ ﻭﺍﻟﺸﱠﺠﺎﻋﺔ ﺍﻟﺸﱠﺨﺼﻴﱠﺔ ،ﻭﻛﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﳊﻜﻢ
ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ .ﻓﺎﻟﻘﺎﺩﺭ ﻻ ﻳﻌﺸﻖ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ،ﻭﻻ ﻳﻌﺸﻘﻪ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ .ﺇﻧﱠﻤﺎ ﻳﻨﺸﺄ ﺍﳊﺪﺙ ﺍﻵﻟﻬﻲ
ﺇﺫﺍ ﺗﻮﻓﱠﺮﺕ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺸّﺮﻭﻁ ﺍﻟﺪّﻗﻴﻘﺔ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺬﱠﺍﺕ ﻭﺍﳌﻮﺿﻮﻉ .ﺇﻥﱠ ﻗﻼﺋﻞَ ﺟﺪﱠﺍً ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ
ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻣﺤﺒّﲔ ،ﻭﻗﻼﺋﻞ ﺟﺪﱠﺍً ﻣﺤﺒﻮﺑﲔ .ﻓﻠﻠﺤﺐ ﺳﺒﺒﻪ ﻭﻗﺎﻧﻮﻧﻪ ﻭﺟﻮﻫﺮﻩ ﺍﳌﻮﺣﱢﺪ
ﺍﳌﺘﻤﺎﺛﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺴﺘﺒﻌﺪ ﺩﺍﺧﻞ ﻧﻄﺎﻕ ﻫﺎﻣﺸﻪ ﻭﻓﺮﺓ ﺍﻟﻔﺘﺎﻭﻯ ﻭﺃﺧﺼﺐ ﺍﻟﺘﱠﻨﻮﱡﻉ.1
) (١ﻳﻮﺟــﺪ ﰲ ﺍﻟﻌــﺎﻟﻢ ﺍﻟﻴــﻮﻡ ﻣﺠﻤﻮﻋــﺔ ﻣــﻦ ﺍﻟﺮﱢﺟــﺎﻝ ﺍﻟـــﺬﻳﻦ ﺃﻓﺨــﺮ ﺃﻥ ﺃﺟــﺪ ﻧﻔــﺴﻲ ﺑﻴــﻨﻬﻢ ،ﻳﻮﺍﺟﻬــﻮﻥ ﺍﻟﺘﱠﻘﻠﻴـــﺪ
ﺍﻟﺘﱠﺠﺮﻳﺒـﻲ ﺍﻟـﺬﻱ ﻳـﺮﻯ ﺃﻥﱠ ﻛـﻞّ ﺷــﻲﺀ ﻳﺤـﺪﺙ ﺑﺎﳌـﺼﺎﺩﻓﺔ ﻭﻣـﻦ ﻏﻴـﺮ ﺷــﻜﻞ ﻣﻮﺣّـﺪ ،ﻫﻨـﺎ ﻭﺍﻵﻥ ﺑـﺸﻜﻞ ،ﻭﻫﻨــﺎﻙ
ﻭﻣــﻦ ﺑﻌ ـﺪُ ﺑــﺸﻜﻞ ﺁﺧــﺮ ﻣــﻦ ﻏﻴــﺮ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﱠــﺔ ﻟﻮﺟــﻮﺩ ﻗــﺎﻧﻮﻥ ﺁﺧــﺮ ﻟﻸﺷــﻴﺎﺀ ﺳــﻮﻯ ﺍﻻﺳــﺘﻘﺮﺍﺀ ﺍﻹﺣــﺼﺎﺋﻲ ﺇﻟــﻰ
ﺣﺪﱟ ﻣـﺎ .ﻭﰲ ﻣﻌﺎﺭﺿـﺔ ﻫـﺬﻩ ﺍﻟﻔﻮﺿـﻰ ﺍﻟﻮﺍﺳـﻌﺔ ﺍﺳـﺘﺄﻧﻔﻨﺎ ﺗﻘﻠﻴـﺪ ﺍﻟﻔﻠـﺴﻔﺔ ﺍﻵﺧـﺮ ﺍﻟـﺪﱠﺍﺋﻢ ﻭﺍﻷﻭﺳـﻊ ﻭﺍﻷﻋﻤـﻖ
ﺍﻟـﺬﻱ ﻳﺒﺤـﺚ ﻋــﻦ "ﺍﳉـﻮﻫﺮ" ﻭﺍﻟ ـﺸﱠﻜﻞ ﺍﻟﻔﺮﻳـﺪ ﰲ ﻛ ـﻞّ ﺷـﻲﺀ .ﺑــﺎﻟﻄﱠﺒﻊ ،ﻗـﺪ ﻳﻜــﻮﻥ ﺃﺳـﻬﻞ ﻛﺜﻴــﺮﺍً ﻭﺃﻛﺜـﺮ ﺭﺍﺣ ـﺔً
ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴــﺮ ﰲ ﺃﻥﱠ ﺍﳊـ ـﺐّ ﺫﻭ ﺃﺷــﻜﺎﻝ ﻻ ﺗُﺤـــﺼﻰ ،ﻭﺃﻧﱠــﻪ ﻣﺨﺘﻠـــﻒ ﰲ ﻛـ ـﻞﱢ ﺣﺎﻟــﺔ ...ﺇﻟـــﺦ .ﻭﺇﻧﱢــﻲ ﺁﻣـــﻞ ﺃﻥ ﺃُﺑﻘـــﻲ
ﺑﻌﻴﺪﺍً ﻋﻨﱢﻲ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺍﻻﳓﻄـﺎﻁ ﺍﻟﻔﻜـﺮﻱ ﺍﻟـﺬﻱ ﻳُﺜﻴـﺮ ﻫـﺬﺍ ﺍﻟـﺸﱠﻜﻞ ﻣـﻦ ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴـﺮ ﺍﻟـﺬﻱ ﻃﺎﳌـﺎ ﺳُـﺮﱠﺕ ﺑـﻪ ﺍﻟﻌﻘـﻮﻝ
ﺍﳋﺎﻣﻠـﺔ .ﻋﻠـﻰ ﺃﻥﱠ ﺭﺳـﺎﻟﺔ ﺍﳌﻔﻜﱢـﺮ ﺍﻷﺧﻴـﺮﺓ ﺳــﺘﻜﻮﻥ ﺩﺍﺋﻤـﺎً ﺻـﻴﺪ "ﺍﳉـﻮﻫﺮ" ،ﺃﻱ ،ﺍﻟـﺸﱠﻜﻞ ﺍﻟﻮﺣﻴـﺪ ﰲ ﻭﺟــﻮﺩ
ﻛﻞّ ﻭﺍﻗﻊ – .ﺍﳌﺆﻟﻒ.
-٢٦-
III
) (١ﺃﺣﻴﻞ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﺑﺎﻟﻨﱢﺴﺒﺔ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻠﻐﺰ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ :ﻛﻴﻒ ﻧـﺮﻯ ﺍﻟـﺸﱠﺨﺺ ﺍﻵﺧـﺮ ،ﺇﻟـﻰ ﺑﺤـﺜﲔ ﻟـﻲ" :ﺇﺩﺭﺍﻙ
ﺍﻵﺧــﺮ") ،ﺍﻷﻋﻤــﺎﻝ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠــﺔ ﻣﺠﻠﱠــﺪ .VIﺹ .(/١٥٣/ﻭ "ﺣــﻮﻝ ﺍﻟﺘﱠﻌﺒﻴــﺮ ﻭﺍﻟﻈﱠــﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴﱠــﺔ".
)ﺍﳌﺸﺎﻫﺪ .VIIﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ،ﻣﺠﻠﱠﺪ ،IIﺹ - .(/٥٧٧/ﺍﳌﺆﻟﻒ
-٢٧-
ﻳﺤﺪﺙ ﺧﺎﺭﺟﻪ؛ ﺑﺎﳊﺮﻱّ ،ﻳﺨﺸﻰ ﻏﻴﺮ ﺍﳌﻨﺘﻈَﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺪ ﲡﻠﺒﻪ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻣﻠﻔﻮﻓﺎً ﰲ
ﻃﻴﱠﺎﺕ ﺗﻨّﻮﺭﺗﻬﺎ ﺍﳋﺼﺒﺔ ،ﻭﻳﺼﺒﺢ ﻣﻐﻠﻘﺎً ﻋﻦ ﻛﻞّ ﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻋﻼﻗﺔ ﲟﺼﻠﺤﺘﻪ
ﺍﻟﺬﱠﺍﺗﻴﱠﺔ .ﺇﻥﱠ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﻔﺎﺭﻗﺔ ﰲ ﺍﳌﺼﻠﺤﺔ ﺍﺮﱠﺩﺓ ﺗﺨﺘﺮﻕ ﺍﳊﺐّ ﰲ ﻭﻇﺎﺋﻔﻪ ﻭﺭﺗﺒﻪ ﻛﻠّﻬﺎ،
ﻛﻤﺎ ﺍﳋﻴﻂ ﺍﻷﺣﻤﺮ ﺍﳌﺘﻀﻤﱠﻦ ﰲ ﺣﺒﺎﻝ ﺍﻟﺒﺤﺮﻳﱠﺔ ﺍﳌﻠﻜﻴﱠﺔ ﺍﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﱠﺔ ﻛﻠّﻬﺎ.
ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﺳﻴﻤّﻴﻞ Simmelﻋﻠﻰ ﺇﺛﺮ ﻧﻴﺘﺸﻪ :ﺇﻥﱠ ﺟﻮﻫﺮ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻳﻜﻤﻦ ﺗﺤﺪﻳﺪﺍً
ﰲ ﺍﻟﺮﱠﻏﺒﺔ ﰲ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﳊﻴﺎﺓ .ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻫﻲ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺯﻳﺎﺩﺓ
ﺧﻔﻘﺎﺕ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺫﺍﺗﻬﺎ .ﻭﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻓﻬﻲ ﻣﺮﻳﻀﺔ ،ﻭﲟﻘﻴﺎﺳﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ
ﺣﻴﺎﺓ .ﺇﻥﱠ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﻟﻼﻫﺘﻤﺎﻡ ﺑﺸﻲﺀ ﻟِﻤﺎ ﻫﻮ ﺑﺬﺍﺗﻪ ﻭﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻨﱠﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺎﺋﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ
ﻳﺮﺩّﻫﺎ ﻋﻠﻴﻨﺎ ،ﻫﻮ ﻫﺒﺔ ﺳﺨﻴﱠﺔ ﺭﺍﺋﻌﺔ ﺗﺰﺩﻫﺮ ﰲ ﺃﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻨﻦ ﺣﻴﻮﻳﱠﺔ ﻓﻘﻂ .ﻟﺌﻦ ﻳﻜﻦ
ﺍﳉﺴﻢ ﺿﻌﻴﻔﺎً ﻃﺒﻴﱠﺎً ﻟﻨﻘﺺ ﰲ ﺍﳉﻬﺎﺯ ﺍﻟﺘﱠﺸﺮﻳﺤﻲ ﻻ ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺗﻠﻘﺎﺋﻴﱠﺎً ﻧﻘﺼﺎً ﺣﻴﻮﻳﱠﺎً،
ﻭﺍﻟﻌﻜﺲ ﺻﺤﻴﺢ ،ﺇﺫْ ﻻ ﺗﻀﻤﻦ ﺍﳉﺴﺎﻣﺔ ﺍﻟﻬﺮﻗﻠﻴﱠﺔ ﻃﺎﻗﺎﺕ ﻋﻀﻮﻳﱠﺔ ﻛﺒﺮﻯ) .ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ
ﻳﺤﺪﺙ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺷﺎﺋﻊ ﺟﺪﱠﺍً ﻣﻊ ﺍﻟﺮّﻳﺎﺿﻴﱠﲔ(.
ﺇﻥﱠ ﺍﻟﺮﱢﺟﺎﻝ ﻭﺍﻟﻨﱢﺴﺎﺀ ﻛﻠّﻬﻢ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ﻳﻌﻴﺸﻮﻥ ﻏﺎﺭﻗﲔ ﰲ ﺟﻮﱟ ﻣﻦ ﻣﺼﺎﳊﻬﻢ
ﺍﻟﺬﱠﺍﺗﻴﱠﺔ؛ ﻭﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﻮﻧﻪ ﺟﻤﻴﻼً ﻭﻣﺤﺘﺮﻣﺎً ﺑﻼ ﺭﻳﺐ ،ﻋﺎﺟﺰ ﻋﻦ ﺍﻟﺸّﻌﻮﺭ ﺑﺎﻟﻘﻠﻖ
ﻟﻠﻬﺠﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻌﺪ ﻣﻦ ﺫﻭﺍﺗﻬﻢ ﺫﺍﺗﻬﺎ :ﺳﻮﺍﺀ ﺃﻛﺎﻧﻮﺍ ﻣﺴﺮﻭﺭﻳﻦ ﺃﻡ ﻣﺴﺘﺎﺋﲔ ﻣﻦ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ
ﻣﺎ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻬﻢ؛ ﻓﻬﻢ ﻳﻌﻴﺸﻮﻥ ﰲ ﺍﻟﻨﱢﻬﺎﻳﺔ ﺭﺍﺿﲔ ﺑﺨﻂّ ﺃﻓﻖ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ،ﻭﻻ ﻳﻔﺘﻘﺪﻭﻥ
ﺍﻹﻣﻜﺎﻧﻴﱠﺎﺕ ﺍﻟﻐﺎﻣﻀﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﳝﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﻮﻓﺮﺓ .ﻭﺇﻥﱠ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍً ﻧﻔﺴﻴﱠﺎً ﻛﻬﺬﺍ
ﻻﻳﺘﻤﺎﺷﻰ ﻣﻊ ﻏﺮﻳﺰﺓ ﻟﻠﻬﺠﺮﺓ ﻻ ﺗﻜﻞّ ،ﻭﻟﺮﻏﺒﺔ ﻗﺎﺳﻴﺔ ﰲ ﺍﻟﺬﱠﻫﺎﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﱠﺍﺕ ﺇﻟﻰ
ﺍﻵﺧﺮ .1ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺼﻌﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺮﺟﻮﺍﺯﻱ ﺍﻟﺼﱠﻐﻴﺮ ﻭﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﺒﺮﺟﻮﺍﺯﻳﱠﺔ ﺍﻟﺼﱠﻐﻴﺮﺓ ﺃﻥ
) (١ﰲ ﻛ ـﻞﱢ ﻣﺠﺘﻤــﻊ ﻭﻋــﺮﻕ ﺃﻭ ﻋــﺼﺮ ﺗﻐﻴــﺐ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﱠــﺔ ﺍﳊ ـﺐّ ﺍﻟ ـﺸﱠﺎﺋﻊ ﻟــﻨﻘﺺٍ ﰲ ﻫــﺬﺍ ﺍﻟ ـﺸﱠﺮﻁ ﺃﻭ ﺫﺍﻙ ﺍﻟ ـﺸﱠﺮﻁ
ﺍﻵﺧﺮ .ﰲ ﺇﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﺑﻨﺎ ﺇﻟـﻰ ﺍﻟﺒﺤـﺚ ﺑﻌﻴـﺪﺍً ﻋـﻦ ﺍﻟـﺴﱠﺒﺐ ﰲ ﻧـﺪﺭﺓ ﺗﻮﻓ ـّﺮ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌـﺔ ﺍﻹﻳﺮﻭﺳـﻴﺔ ،ﻟﻐﻴـﺎﺏ
ﺍﻟﻔــﺮﺽ ﺍﻷﻭﻝ .ﻗﻠﻴﻠــﻮﻥ ﻫــﻢ ﺍﻹﺳــﺒﺎﻥ ﺧﺎﺻّــﺔ ﺍﻹﺳــﺒﺎﻧﻴﱠﺎﺕ ،ﺍﳌــﺰﻭﱠﺩﻭﻥ ﺑﺎﻟﻔــﻀﻮﻝ .ﻭﻳــﺼﻌﺐ ﺃﻥ ﲡــﺪ ﺃﺣــﺪﺍً
ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺸﱠﻬﻮﺓ ﻟﻴﺤـﺐّ ﺍﳊﻴـﺎﺓ ﻛﻴﻤـﺎ ﻳـﺮﻯ ﻣـﺎ ﲡﻠﺒـﻪ ﺃﻭ ﻣـﺎ ﳝﻜـﻦ ﺃﻥ ﲡﻠﺒـﻪ .ﻭﻃﺮﻳـﻒ ﺃﻥ ﳓـﻀﺮ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋـﺎً
"ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﱠ ـﺎً" ﰲ ﺑﻠــﺪﻧﺎ :ﺇﻥﱠ ﻏﻴــﺎﺏ ﺍﻟﺘﱠــﻮﺗﱡﺮ ﰲ ﺍﳊــﻮﺍﺭ ﻭﰲ ﺍﳊﺮﻛــﺎﺕ ﻳﻜــﺸﻒ ﺳــﺮﻳﻌﺎً ﺃﻧﱠــﻚ ﺑــﲔ ﻧــﺎﺱ ﻧﻴــﺎﻡ.
ﻭﻳُﺴﻤﱠﻲ ﺍﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﱡﻮﻥ ﺣﻴﺎﺓً ﺩﻧﻴﺎ ﺍﻟﺴﱡﺒﺎﺕ ﺍﻟﺸﱠﺘﻮﻱ ﻟـﺒﻌﺾ ﺍﻷﻧـﻮﺍﻉ .ﻧـﺎﺱ ﻻ ﻳﻄﻠﺒـﻮﻥ ﺷـﻴﺌﺎً ﻣـﻦ ﺍﻟـﺴﱠﺎﻋﺔ ﺍﻟﺘـﻲ
ﲤـﺮّ ،ﻭﻻ ﻳﺘﻮﻗﱠﻌـﻮﻥ ﺷــﻴﺌﺎً ﻣـﻦ ﺑﻌـﻀﻬﻢ ﺍﻟــﺒﻌﺾ ،ﻭﻻ ﺷـﻴﺌﺎً ﻣـﻦ ﺍﻟﻮﺟــﻮﺩ ﺑﻌﺎﻣﱠـﺔ .ﻭﻫـﻮ ﻻ ﺃﺧﻼﻗــﻲ ،ﻣـﻦ ﻭﺟﻬــﺔ
ﻧﻈﺮﻱ ،ﻣﻦ ﻻ ﻳﺠﻬﺪ ﻟﻴﺠﻌﻞ ﻛﻞّ ﳊﻈﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺃﺷﺪّ ﻣﺎ ﳝﻜﻦ ﺗﻮﺗﱡﺮﺍً - .ﺍﳌﺆﻟﱢﻒ.
-٢٨-
ﻳﺤﺒﱠﺎ ﺑﺸﻜﻞٍ ﺻﺎﺩﻕ؛ ﻓﺎﳊﻴﺎﺓ ﰲ ﻧﻈﺮﻫﻤﺎ ﺇﳊﺎﺡ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﺮﻭﻑ ﻭﻣﺄﻟﻮﻑ ﻭﺭﺿﺎ
ﻻ ﻳﺘﺰﻋﺰﻉ ﺩﺍﺧﻞ ﺟﻤﻠﺔ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﳌﻌﺘﺎﺩﺓ.
ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻀﻮﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻧﺰﻭﻉ ﺇﻟﻰ ﺍﳊﻴﺎﺓ ،ﻻ ﳝﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻮﺟﺪ ﺇﻻ ﰲ ﻧﻔﻮﺱ
ﻣﺴﺎﻣﻴﱠﺔ ﺣﻴﺚ ﻳﺠﺮﻱ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﺍﻟﻄﱠﻠﻖ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﻭﺩ ﺑﺠﺪﺍﺭ ﺗﺤﺪﻳﺪ .ﺇﻧﱠﻪ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﺍﻟﻜﻮﻧﻲّ
ﻣﺤﻤﱠﻼً ﺑﻐﺒﺎﺭ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﺍﻟﺒﻌﻴﺪﺓ .ﻟﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﻻ ﻳﻜﻔﻲ ﻛﻴﻤﺎ ﻧﺮﻯ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ ﺍﻟﺪﱠﻗﻴﻖ
ﺍﳌﻌﻘﱠﺪ ،ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺷﺨﺺ .ﺇﻥﱠ ﺍﻟﻔﻀﻮﻝ ﻳُﻌِﺪﱡ ﻋﻀﻮ ﺍﻟﺒﺼﺮ ،ﻟﻜﻦﱠ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻀﻮ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ
ﻳﻜﻮﻥ ﺣﺎﺩﱠﺍً .ﻭﺣﺴﻦ ﺍﻟﺒﺼﺮ ﻫﻮ ﺍﳌﻮﻫﺒﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻭﺍﻟﺰﱠﺍﺩ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻔﻌﻞ ﻓﻌﻠﻪ
ﻛﻌﻨﺼﺮ ﰲ ﺍﳊﺐّ .ﺇﻧﱠﻨﺎ ﺑﺼﺪﺩ ﺣﺪﺱ ﺧﺎﺹ ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻜﺘﺸﻒ ﺳﺮﻳﻌﺎً ﺩﺧﻴﻠﺔ
ﺭﺟﺎﻝ ﺁﺧﺮﻳﻦ ،ﻭﺻﻮﺭﺓ ﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﺘﱠﺤﺪﺓ ﺑﺎﳌﻌﻨﻰ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻨﻪ ﺍﳉﺴﻢ .ﻭﺑﻔﻀﻞ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﻔﻀﻮﻝ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ "ﳕﻴّﺰ" ﺃﺷﺨﺎﺻﺎً ،ﻭﺗﻘﺪﻳﺮ ﻧﻮﻋﻴﺘﻬﻢ ﻭﺗﻔﺎﻫﺘﻬﻢ ﺃﻭ ﺗﻔﻮّﻗﻬﻢ،
ﻭﻣﺴﺘﻮﻯ ﻛﻤﺎﻟﻬﻢ ﺍﳊﻴﻮﻱ ،ﺃﺧﻴﺮﺍً .ﻭﻻ ﻳُﻈﻨﱠﻦﱠ ﺃﻧﱢﻲ ﺑﺴﺒﺐ ﺫﻟﻚ ﺃﺗﻄﻠﱠﻊ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺃﻋﻘﻠﻦ
ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﺎﳊﺐ .ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﺒﺼﱡﺮ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ ،ﻭﻟﺌﻦ ﻳﺮﺟّﺢ ﺣﻀﻮﺭﻩ ﻟﺪﻯ
ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺫﺍﺕ ﻋﻘﻞ ﺻﺎﻑٍ ،ﻓﺈﻧﱠﻪ ﳝﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻮﺟﺪ ﻭﺟﻮﺩﺍً ﻻ ﻣﺜﻴﻞ ﻟﻪ؛ ﻛﺎﳌﻮﻫﺒﺔ
ﺍﻟﺸﻌﺮﻳﱠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻜﻦّ ﻣﺮﱠﺍﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻟﺪﻯ ﺭﺟﺎﻝ ﻳﻜﺎﺩﻭﻥ ﻳﻜﻮﻧﻮﻥ ﺣﻤﻘﻰ .ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ،
ﻟﻴﺲ ﺳﻬﻼً ﺃﻥ ﳒﺪﻩ ﺇﻻ ﻟﺪﻯ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﻣﺰﻭﱠﺩﻳﻦ ﺑﺸﻲﺀ ﻣﻦ ﺣﺪﱠﺓ ﺍﻟﻔﻜﺮ ،ﻟﻜﻦﱠ ﺯﻳﺎﺩﺗﻪ
ﻭﻧﻘﺼﺎﻧﻪ ﻻ ﻳﺘﻤﺎﺷﻰ ﻭﻫﺬﻩ ﺍﳊﺪﱠﺓ .ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺤﺪﺙ ﻋﺎﺩﺓً ﺃﻥ ﻳﺘﻮﻓﱠﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﳊﺲ ﻧﺴﺒﻴﱠﺎً
ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻨّﺴﺎﺀ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺗﻮﻓّﺮﻩ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺮﱢﺟﺎﻝ ،ﻋﻠﻰ ﻋﻜﺲ ﻣﻮﻫﺒﺔ ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴﺮ ،ﻓﻬﻲ ﺗﺘﱠﺼﻒ
ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﺍﳉﻨﺲ ﺑﺎﻟﺬّﻛﻮﺭﺓ.1
ﺃﻣﱠﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺼﻮﱠﺭﻭﻥ ﺍﳊﺐﱠ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔً ﻭﺳَﻄﺎً ﺑﲔ ﺳﺤﺮﻳّﺔ ﻭﻣﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﱠﺔ ﺗﺤﺪﺙ ﰲ
ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ،ﻓﺈﻧﱠﻬﻢ ﻳﺴﺘﻬﺠﻨﻮﻥ ﺃﻥ ﻳُﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﺑُﻌﺪ ﺍﻟﺒﺼﺮ ﺇﺣﺪﻯ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﺍﻟﺮﱠﺋﻴﺴﺔ.
ﻓﺎﳊﺐّ ﰲ ﺭﺃﻳﻬﻢ ،ﻳﻮﻟﺪ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺳﺒﺐ ،ﻭﻫﻮ ﻻ ﻣﻨﻄﻘﻲ ﻭﻣﻨﺎﻑٍ ﻟﻠﻌﻘﻞ ،ﺑﺎﻟﺘﱠﺎﻟﻲ
ﻳﺴﺘﺒﻌﺪ ﻛﻞّ ﺗﺒﺼّﺮ .ﻭﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﻨﱢﻘﺎﻁ ﺍﻟﺮﱠﺋﻴﺴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺭﻯ ﻧﻔﺴﻲ ﻣُﻠﺰﻣﺎً ﺃﻥ
ﺃﻧﺎﻗﺾ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞٍ ﻗﺎﻃﻊ ﺍﻟﻔِﻜَﺮ ﺍﳌﺘﻠﻘﱠﺎﺓ.
) (١ﻛــﻞّ ﻭﻇﻴﻔـــﺔ ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﱠــﺔ ﺗُﺒـــﺮﺯ ﺇﻟــﻰ ﺟﺎﻧـــﺐ ﺍﻟﻘﺎﻋـــﺪﺓ ،ﺷــﺬﻭﺫﻫﺎ ،ﺧﻼﻓـ ـﺎً ﻟﻠﻈﱠــﻮﺍﻫﺮ ﺍﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻴﱠـــﺔ ﺍﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﱠـــﺔ.
ﻭﻫﻜـﺬﺍ ﺍﻷﻣـﺮ ﰲ ﺍﳊ ـﺐّ .ﻓـﺈﺫﺍ ﺗــﻮﻓﱠﺮﺕ ﺍﻟـﺸﺮﻭﻁ ﺍﻷﺧــﺮﻯ ﻛﻴﻤـﺎ ﻳﻮﻟـﺪ ﺍﳊ ـﺐّ ،ﻭﻛـﺎﻥ ﺣــﺴﻦ ﺍﻟﺒـﺼﻴﺮﺓ ﻏﻴــﺮ
ﻛﺎﻑٍ ﺃﻭ ﻣﻌﺪﻭﻣﺎً ،ﻓﺴﻮﻑ ﳓﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺮﺿﻴﺔ ﻋﺎﻃﻔﻴﱠﺎً ﻣﻦ ﺣﺐّ ﻏﻴﺮ ﻃﺒﻴﻌﻲ - .ﺍﳌﺆﻟﱢﻒ
-٢٩-
ﻧﻘﻮﻝ ﻋﻦ ﺗﻔﻜﻴﺮ ﺇﻧﱠﻪ ﻣﻨﻄﻘﻲ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﻳﻨﺸﺄ ﻓﻴﻨﺎ ﻣﻌﺰﻭﻻً ﻭﺗﻠﻘﺎﺋﻴﱠﺎً؛ ﺑﺎﳊﺮﻱّ ،ﻧﺮﺍﻩ
ﻳﻨﺒﻊ ﻭﻳﺘﻐﺬﱠﻯ ﻣﻦ ﺗﻔﻜﻴﺮ ﺁﺧﺮ ،ﻫﻮ ﻳﻨﺒﻮﻋﻪ ﺍﻟﻨﱠﻔﺴﻲ .ﻭﺍﳌﺜﺎﻝ ﺍﻟﺘﱠﻘﻠﻴﺪﻱ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻫﻮ
ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ :ﳓﻦ ﻧﻘﺒﻞ ﺍﻟﻨﱠﺘﻴﺠﺔ )ﻷﻧﱠﻨﺎ( ﺗﺼﻮﱠﺭﻧﺎ ﺍﳌﻘﺪّﻣﺘﲔ .ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻜﻤﺎ
ﺍﳌﻘﺪﻣﺘﺎﻥ ﰲ ﻣﻮﺿﻊ ﺷﻚ ،ﻓﺈﻥﱠ ﺍﻟﻨﱠﺘﻴﺠﺔ ﺗﻈﻞّ ﻣﻌﻠﱠﻘﺔ ،ﻭﻧﻜﻒﱡ ﻋﻦ ﺗﺼﺪﻳﻘﻬﺎ .ﻭﺍﻟﻠﻢّ )ﺃﻭ
ﺍﻟﺴﱠﺒﺐ( ﻫﻮ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﻭﺍﻟﺪﱠﻟﻴﻞ ﻭﺍﳊﺠﱠﺔ ﻭﺍﻟﻠﻮﻏﻮﺱ ،logosﺍﻟﺬﻱ ﻳُﺤﻀّﺮ ،ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ،
ﻟﻠﺘﱠﻔﻜﻴﺮ ﻋﻘﻼﻧﻴﱠﺘﻪ .ﻟﻜﻨﱠﻪ ،ﰲ ﺁﻥٍ ﻭﺍﺣﺪ ،ﺍﻟﻴﻨﺒﻮﻉ ﺍﻟﺴﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺸﻌﺮ ﺃﻥﱠ ﻗﻮﺓ
ﺗﻨﺒﻊ ﻣﻨﻪ ،ﺍﻟﻘﻮﱠﺓ ﺍﳊﻘﻴﻘﻴﱠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺜﻴﺮﻩ ﻭﺗﺒﻘﻴﻪ ﰲ ﺍﻟﺮﱡﻭﺡ.
ﻟﺌﻦ ﺧﻼ ﺍﳊﺐّ ﻣﻦ ﺃﻳﺔ ﻋﻤﻠﻴﱠﺔ ﻓﻜﺮﻳﱠﺔ ،ﻓﺈﻧﱠﻪ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﳊﺠﱠﺔ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﱠﺔ ﰲ ﺃﻧﱠﻪ
ﻻﻳﻨﺸﺄ ﻋﻔﺎﺭﺍً ،ﺃﻭ ﻣﻦ ﻻ ﺷﻲﺀ ،Nihiloﺇﺫﺍ ﻗﻠﻨﺎ ﻫﻜﺬﺍ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻟﻪ "ﻳﻨﺒﻮﻋﻪ ﺍﻟﻨﱠﻔﺴﻲ"
ﺍﻟﻜﺎﻣﻦ ﰲ ﺻﻔﺎﺕ ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ ﺍﶈﺒﻮﺏ .ﻭﺇﻥﱠ ﺣﻀﻮﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﱢﻔﺎﺕ ﻳﻮﻟﱢﺪ ﺍﳊﺐّ
ﻭﻳﻐﺬﱢﻳﻪ ،ﺃﻭ ﺑﻘﻮﻝٍ ﺁﺧﺮ ،ﻻ ﻳﺤﺐّ ﺃﺣﺪٌ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺳﺒﺐ ،ﺃﻭ ﺗﻠﻘﺎﺋﻴﱠﺎً .ﻭﻛﻞّ ﻣﻦ ﻳﺤﺐ ﻫﻮ
ﻋﻠﻰ ﻗﻨﺎﻋﺔ ﰲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ ،ﺑﺄﻥﱠ ﺣﺒّﻪ ﻣﺴﻮﱠﻍ :ﺑﺎﳊﺮﻱّ ،ﺍﳊﺐّ ﻫﻮ "ﺍﻋﺘﻘﺎﺩ" )ﺷﻌﻮﺭ( ﺃﻥﱠ
ﺍﶈﺒﻮﺏ ﻫﻮ ،ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﻣﺤﺒﻮﺏ ﺑﺬﺍﺗﻪ ،ﻛﻤﺎ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴﺮ ﻫﻮ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﺃﻥﱠ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ
ﻫﻲ ﰲ ﺍﳊﻘﻴﻘﺔ ،ﻃِﺒﻘﺎً ﻟِﻤﺎ ﻓﻜﱠﺮﻧﺎ ﻓﻴﻬﺎ .ﻭﳝﻜﻦ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻌﺎﻧﻲ ﺍﳋﻄﺄ ﰲ ﻫﺬﻩ ﺍﳊﺎﻟﺔ
ﺃﻭ ﺗﻠﻚ ،ﻭﺃﻥﱠ ﺍﶈﺒﻮﺏ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻃﺒﻘﺎً ﳌﺎ ﺷﻌﺮﻧﺎ ﺑﻪ ،ﻭﻻ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻭﺍﻗﻌﺎً ﺣﺴﺒﻤﺎ ﻓﻜﱠﺮﻧﺎ
ﻓﻴﻪ؛ ﻟﻜﻦ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﳊﺎﻝ ﻫﻮ ﺃﻧﱠﻨﺎ ﳓﺐ ﻭﻧﻔﻜﺮ ﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺗﻠﻚ ﻗﻨﺎﻋﺘﻨﺎ .ﻷﻥﱠ ﻃﺎﺑﻊ ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴﺮ
ﺍﳌﻨﻄﻘﻲ ﻳﻜﻤﻦ ﰲ ﻫﺬﻩ ﺍﳋﺎﺻﻴﱠﺔ ﺑﺸﻌﻮﺭﻩ ﻣﺴﻮﱠﻏﺎً ﻭﻋﻴﺸﻪ ﺗﺤﺪﻳﺪﺍً ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﺴﻮﻳﻎ
ﻣﺘﻐﺬﱢﻳﺎً ﻛﻞ ﳊﻈﺔ ﻣﻨﻪ ﻣﻌﺰﱢﺯﺍً ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺳﺒﺒَﻪ .ﻭﻟﻘﺪ ﻋﺒﱠﺮ ﻟﻴﺒﻨﻴﺘﺲ Leibnizﻋﻦ ﺫﻟﻚ
ﺍﻷﻣﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺎﺋﻼً ﺇﻥﱠ ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴﺮ ﻟﻴﺲ ﺃﻋﻤﻰ؛ ﺑﻞ ﻫﻮ ﻳﻔﻜﱢﺮ ﰲ ﺷﻲﺀ "ﻷﻧﱠﻪ ﻳﺮﻯ" ﺃﻧﱠﻪ
ﻛﺬﻟﻚ ﻭﻛﻤﺎ ﻳﻔﻜﱢﺮ ﻓﻴﻪ .ﻭﺍﳊﺐّ ،ﺑﺎﳌﺜﻞ ،ﻳﺤﺐ ﻷﻧﱠﻪ ﻳﺮﻯ ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ ﺟﺪﻳﺮﺍً ﺑﺄﻥ ﻳﺤﺐ،
ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻳﺼﺒﺢ ﻋﻨﺪ ﺍﶈﺐ ﺍﳌﻮﻗﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﺧﻴﺎﺭ ﻓﻴﻪ ،ﻭﺍﳌﻮﻗﻒ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﳌﻼﺋﻢ
ﻟﻠﻤﻮﺿﻮﻉ ،ﻭﻻ ﻳﻔﻬﻢ ﺃﻻ ﻳﺤﺒّﻪ ﺍﻵﺧﺮﻭﻥ -ﻭﻫﻮ ﻣﺼﺪﺭ ﺍﻟﻐﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺑﻌﺒﺎﺭﺓ ﻣﺎ
ﻭﻣﻘﻴﺎﺱ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺟﻮﻫﺮ ﺍﳊﺐّ ﺫﺍﺗﻪ.
ﺇﺫﺍً ،ﺍﳊﺐّ ﻟﻴﺲ ﻻ ﻣﻨﻄﻘﻴﱠﺎً ﻭﻣﻀﺎﺩﱠﺍً ﻟﻠﻌﻘﻞ .ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻼ ﺭﻳﺐ ،ﺧﺎﺭﺝ ﺍﳌﻨﻄﻖ
ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ؛ ﻷﻥﱠ ﺍﳌﻨﻄﻖ logoﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ratioﻳﺸﻴﺮﺍﻥ ﺣﺼﺮﺍً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﲔ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ.
ﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻻً ﳌﻔﺮﺩﺓ "ﻋﻘﻞ" ﲟﻌﻨﻰ ﺃﻭﺳﻊ ﻳﻀﻢّ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﺑﺄﻋﻤﻰ ،ﻭﻛﻞّ ﻣﺎ
-٣٠-
ﻟﻪ "ﻣﻌﻨﻰ" .nousﻭﻛﻞ ﺣﺐّ ﻃﺒﻴﻌﻲ ﻟﻪ ﰲ ﺭﺃﻳﻲ ،ﻣﻌﻨﻰ ،ﻭﻗﺎﺋﻢ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﻴﱢﺪ ﰲ ﺫﺍﺗﻪ،
ﻭﻫﻮ ﺑﺎﻟﻨﱠﺘﻴﺠﺔ ﺷﺒﻪ "ﻣﻨﻄﻘﻲ" .logoide
ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺣﺲّ ﻛﻞّ ﻣﺮﱠﺓ ﺃﻧﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﺑُﻌﺪﺍً ﻋﻦ ﺍﳌﻴﻞ ﺍﳌﻌﺎﺻﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﺃﻥﱠ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ
ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﺍﳌﻌﻨﻰ ،ﻣﻦ ﺍﻟـ ،nousﻭﺗﺄﺗﻲ ﺑﺸﻜﻞ ﺃﻋﻤﻰ ﻛﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟ ﱠﺬﺭﱠﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺭﻓﻌﺘﻬﺎ
ﺁﻟﻴﱠﺔ ﻣﺪﻣّﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﳕﻮﺫﺝ ﳕﻮﺫﺟﻲ ﻟﻜﻞّ ﻭﺍﻗﻊ.
ﻟﺬﻟﻚ ﺃﺭﻯ ﺃﻧﱠﻪ ﻻ ﻏﻨﻰ ﰲ ﻛﻞّ ﺣﺐّ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻋﻦ ﳊﻈﺔ ﺗﺒﺼﱡﺮ ﺗﻮﺿّﺢ ﻟﻨﺎ
ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ ﺍﻵﺧﺮ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺸّﻌﻮﺭ ﻳﺠﺪ "ﺃﺳﺒﺎﺑﺎً" ﻛﻴﻤﺎ ﻳﻨﺸﺄ ﻭﻳﻜﺒﺮ.
ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﺒﺼﱡﺮ ﻛﺒﻴﺮﺍً ﺃﻭ ﺻﻐﻴﺮﺍً ،ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺒﺘﺬﻻً ﺃﻭ ﻋﺒﻘﺮﻳﱠﺎً .ﻭﻫﺬﺍ
ﻫﻮ ﺃﺣﺪ ﻭﻟﻴﺲ ﺃﻫﻢ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﲡﻌﻠﻨﻲ ﺃﺻﻒ ﺍﳊﺐّ ﺑﺎﳌﻮﻫﺒﺔ ﺍﻟﻔﺬﱠﺓ Sui
generisﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺒﻞ ﻛﻞّ ﺍﻟﺪﱠﺭﺟﺎﺕ ﻭﺻﻮﻻً ﺣﺘﱠﻰ ﺍﻟﻌﺒﻘﺮﻳﱠﺔ .ﻟﻜﻦ ،ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ﺃﻳﻀﺎً ﺃﻥ
ﻳﺸﺘﺮﻙ ﺍﻻﺗﱢﺠﺎﻩ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻴﱠﺔ ﺍﳋﻄﺄ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﳉﺴﺪﻳﱠﺔ ﻭﺍﻟﺬﱠﻛﺎﺀ .ﻭﺍﳌﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﱠﺔ ﺍﻟﻌﻤﻴﺎﺀ
ﻻ ﺗﺨﻄﺊ ﻗﻂّ .ﻭﺗﺮﺗﺪّ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺣﺎﻻﺕ ﺍﻟﺸّﺬﻭﺫ ﰲ ﺍﳊﺐّ ﺇﻟﻰ ﺍﺿﻄﺮﺍﺏ ﰲ ﺇﺩﺭﺍﻙِ
ﺍﻟﺸﱠﺨﺺِ ﺍﶈﺒﻮﺏ :ﺧﺪﺍﻉ ﺑﺼﺮﻱ ﻭﺳﺮﺍﺑﺎﺕ ﻟﻴﺴﺖ ﺃﻛﺜﺮ ﻏﺮﺍﺑﺔ ﻭﻻ ﺃﻗﻞّ ﻭﺿﻮﺣﺎً
ﳑﱠﺎ ﺗﺮﺗﻜﺒﻪ ﺍﻟﻌﻴﻨﺎﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺩﺍﻉٍ ﻛﻴﻤﺎ ﻧﻌﻠﻦ ﻋﻦ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻋُﻤﻴﺎً .ﺃﻣَﺎ ﻭﺇﻥﱠ ﺍﳊﺐّ
ﺑﺎﻟﺘﱠﺤﺪﻳﺪ ﻳﺨﻄﺊ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً –ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﳋﻄﺄ ﺃﻗﻞّ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﳑﱠﺎ ﻳُﻘﺎﻝ –ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ
ﻧﺮﺩﱠ ﺇﻟﻴﻪ ﺻﻔﺔ ﺍﻟﺮﱡﺅﻳﺔ ﻛﻤﺎ ﺃﺭﺍﺩ ﺑﺎﺳﻜﺎﻝ " :Pascalﻻ ﻳﺤﻖّ ﻟﻠﺸﱡﻌﺮﺍﺀ ﺃﻥ ﻳﺼﻔﻮﺍ ﻟﻨﺎ
ﺍﳊﺐّ ﺃﻧﱠﻪ ﺃﻋﻤﻰ :ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻨﺰﻉ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﻌﺼﺎﺑﺔ ،ﻭﻧﺮﺩّ ﻣﻨﺬ ﺍﻵﻥ ﺍﻟﻔﺮﺡ ﺇﻟﻰ ﻋﻴﻨﻴﻪ".
-٣١-
ﺍﳊﺐ ﻋﻨﺪ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ
I
) (١ﻣﻦ ﻛﺒﺎﺭ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻴﲔ ﰲ ﺇﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﰲ ﺍﻟﻨﺼﻒ ﺍﻷﻭﱠﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ - .ﺍﳌﺘﺮﺟﻢ.
-٣٢-
ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ،ﻻ ﺃﺗﻄﻠﱠﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻳﺤﺎﺀ ﺑﺬﻡّ ﻣﺎ .ﻓﻼ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ ﻭﻻ ﺑﺎﺭﻭﺧﺎ ﻛﺎﻧﺎ
ﻳﻄﻤﺤﺎﻥ ﺑﻌﺎﻣﱠﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳُﺼﻨّﻔﺎ ﻛﻔﻴﻠﺴﻮﻓﲔ ،ﻭﺇﺫْ ﺑﻴّﻨﺖُ ﻫﺬﺍ ﺍﳌﻈﻬﺮ ﺍﻟﻘﻠِﻖ ﻣﻦ
ﻃﺒﻌﻬﻤﺎ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﺇﻻّ ﺑﺪﺍﻓﻊ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﺎﻟﻠﺬﺓ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺑﺄﻥ ﺁﺧﺬ ﺍﻟﺒﺸﺮ
ﻛﻤﺎ ﻫﻢ .ﻛﺎﻧﺎ ﻳﺒﺪﻭﺍﻥ ﻓﻴﻠﺴﻮﻓَﲔ ،ﻓﺒﺌﺴﻤﺎ! .tant pisﻟﻜﻨﱠﻬﻤﺎ ﻟﻴﺴﺎ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻓﺤﺒﱠﺬﺍ!
.tant mieux
ﺣﺎﻟﺔ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ،ﺃﻋﻮﺹ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ ﺑﺎﺭﻭﺧﺎ .ﻷﻥﱠ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎً ﺃﺭﺍﺩ
ﺃﻥ ﻳﻨﻈﱢﺮ ﻋﻨﻪ ﺑﺠﺪﱟ ﻛﺎﻣﻞ .ﻭﻫﻮ ﺑﺎﳌﺼﺎﺩﻓﺔ ،ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ ﺫﺍﺗﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺳﻘﺮﺍﻁ
ﺭﺃﺱُ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺃﻧﱠﻪ ﻣﻦ ﺍﺧﺘﺼﺎﺻﻪ ،ta erotiká :ﺃﻱ ،ﺷﺆﻭﻥ ﺍﳊﺐ.
ﺩﺭﺍﺳﺔ "ﰲ ﺍﳊﺐ" ،ﻛﺘﺎﺏ ﻣﻘﺮﻭﺀ ﺃﻛﺜﺮ ﳑﺎ ﻳُﻘﺮﺃ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺐ .ﻳﺼﻞ ﺃﺣﺪﻫﻢ
ﺇﻟﻰ ﺣﺠﺮﺓ ﺍﳌﺮﻛﻴﺰﺓ ﺃﻭ ﺍﳌﻤﺜﱢﻠﺔ ،ﺃﻭ ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ﺍﻟﺴﱠﻴﱢﺪﺓ ﺍﻟﻜﻮﺳﻤﻮﺑﻮﻟﻴﺘﻴﱠﺔ .ﻭﻳﺠﺐ ﺍﻻﻧﺘﻈﺎﺭ
ﳊﻈﺎﺕ .ﻭﲡﺘﺬﺏ ﺍﻟﻠﻮﺣﺎﺕُ –ﻭﻟﻢَ ﻳﺘﻌﻴﱠﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﻟﻮﺣﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﳉﺪﺭﺍﻥ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ؟-
ﲡﺘﺬﺏ ﻧﻈﺮﺗﻨﺎ ﺃﻭﱠﻻً .ﻭﻻ ﻣﻨﺪﻭﺣﺔ ﻟﻨﺎ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ .ﺇﻧﱠﻪ ﺍﻻﻧﻄﺒﺎﻉ ﺍﻟﻨﺰِﻕ ﺫﺍﺗﻪ ﺍﻟﺬﻱ
ﻳﺤﺪﺛﻪ ﻓﻴﻨﺎ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻔﻨّﻲ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً .ﺍﻟﻠﻮﺣﺔ ﻫﻲ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ .ﻟﻜﻨﱠﻬﺎ ﻛﺎﻥ ﳝﻜﻦ ﺃﻥ
ﺗﻜﻮﻥ ﺷﻴﺌﺎً ﺁﺧﺮ ﺃﻳﻀﺎً .ﺇﺫْ ﳓﺘﺎﺝ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﻧﻔﻌﺎﻝ ﺍﻟﺪﺭﺍﻣﻲ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻌﺜﻮﺭ ﻋﻠﻰ
ﺷﻲﺀ ﺿﺮﻭﺭﻱ .ﰒﱠ ﻗﻄﻊ ﺍﻷﺛﺎﺙ ﻭﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻜﺘﺐ .ﰒﱠ ﻣﱳ ﻛﺘﺎﺏ .ﻓﻤﺎﺫﺍ ﻳﻘﻮﻝ؟
"ﰲ ﺍﳊﺐ" ،ﻛﺒﺤﺚ ﰲ ﺃﻣﺮﺍﺽ ﺍﻟﻜﺒﺪ ﰲ ﺑﻴﺖ ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﺐ .ﻭﺗﻄﻤﺢ ﺍﳌﺮﻛﻴﺰﺓ ﻭﺍﳌﻤﺜﱢﻠﺔ
ﻭﺍﻟﺴﻴﺪﺓ ﺍﻟﻜﻮﺳﻤﻮﺑﻮﻟﻴﺘﻴﱠﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻜﻦﱠ ﺑﺸﻜﻞ ﻻ ﻣﺤﻴﺪ ﻋﻨﻪ ﺍﺧﺘﺼﺎﺻﻴﱠﺎﺕٍ ﰲ ﺍﳊﺐّ،
ﻭﻳُﺮﺩﻥَ ﺃﻥ ﻳﻜﻦﱠ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢٍ ﺑﻪ ،ﻛﻤﻦ ﻳﺸﺘﺮﻱ ﺳﻴﱠﺎﺭﺓ ﻓﻴﺤﺼﻞ ﺗﻜﻤﻠﺔً ﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻴﱢﺐ ﺣﻮﻝ
ﺍﶈﺮﱢﻛﺎﺕ ﺍﻻﻧﻔﺠﺎﺭﻳﱠﺔ.
ﻭﻗﺮﺍﺀﺓ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺗﺒﻌﺚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﺬﱠﺓ .ﻓﺪﺃﺏ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ ﺃﻥ ﻳﻘﺺّ ،ﺣﺘﱠﻰ ﺣﻴﻨﻤﺎ
ﻳﻌﺮﱢﻑ ﻭﻳﻌﻠﱢﻞ ﻭﻳﻨﻈﱢﺮ .ﰲ ﺭﺃﻳﻲ ﻫﻮ ﺧﻴﺮ ﺳﺎﺭﺩ ﻣﻮﺟﻮﺩ ،ﻭﻫﻮ ﺭﺃﺱ ﺍﻟﺴﺎﺭﺩﻳﻦ ﺃﻣﺎﻡ
ﺍﻟﻌﻠﻲّ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ .ﻟﻜﻦ ،ﺃﺻﺤﻴﺤﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﱠﻈﺮﻳﱠﺔ ﺍﳌﺸﻬﻮﺭﺓ ﻋﻦ ﺍﳊﺐّ ﺑﺼﻔﺘﻪ ﺑﻠﻮﺭﺓ؟
ﻭﻟِﻢَ ﻟﻢْ ﺗُﺠﺮَ ﺃﻳﱠﺔ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻣﻌﻤﱠﻘﺔ ﻋﻨﻬﺎ؟ ﻳُﺸﺎﻉ ﻋﻨﻬﺎ ﺇﺷﺎﻋﺔ ﻭﻻ ﻳُﺨﻀﻌﻬﺎ ﺃﺣﺪ ﺇﻟﻰ
ﺗﺤﻠﻴﻞ ﻣﻮﺍﺋﻢ.
ﺃﻻ ﺗﺴﺘﺤﻖّ ﻋﻨﺎﺀ ﺍﻟﺘﱠﺤﻠﻴﻞ؟ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ ،ﻳُﻼﺣﻆ ﺃﻥﱠ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﱠﻈﺮﻳﱠﺔ ﺗﺼﻒ ﺍﳊﺐﱠ
ﺃﻧﱠﻪ ﻭﻫﻢ ﰲ ﺍﻷﺳﺎﺱ .ﻻ ﻷﻥﱠ ﺍﳊﺐّ ﻳُﺨﻄﺊ ﺍﻟﻄﱠﺮﻳﻖ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻫﻮ ﰲ ﺟﻮﻫﺮﻩ
ﺩﺭﺍﺴﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺏ ﻡ ٣- -٣٣-
ﺧﻄﺄ .ﳓﻦ ﻧﻌﺸﻖ ﺇﺫﺍ ﺃﺳﻘﻄﺖ ﻣﺨﻴﱠﻠﺘﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺨﺺ ﺁﺧﺮ ﻛﻤﺎﻻﺕٍ ﻏﻴﺮَ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ
ﻓﻴﻪ .ﻭﺳﻮﻑ ﻳﺘﻼﺷﻰ ﺍﻟﻮﻫﻢ ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ،ﻭﻣﻌﻪ ﳝﻮﺕ ﺍﳊﺐّ .ﻭﻫﺬﺍ ﺃﺳﻮﺃ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﱠﺼﺮﻳﺢ
ﺃﻥﱠ ﺍﳊﺐّ ﺃﻋﻤﻰ ﺗﺒﻌﺎً ﻟﻌﺎﺩﺓ ﻗﺪﳝﺔ .ﻭﰲ ﻧﻈﺮ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ ،ﻫﻮ ﺃﻗﻞّ ﻣﻦ ﺃﻋﻤﻰ :ﺇﻧﱠﻪ ﺭﺍﺀٍ،
ﻻ ﻷﻧﱠﻪ ﻳﺮﻯ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺑﻞ ﻳﺤﻞّ ﻣﺤﻠّﻪ.
ﻳﻜﻔﻴﻨﺎ ﺍﻟﻨﱠﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﳌﺬﻫﺐ ﻣﻦ ﺍﳋﺎﺭﺝ ﺣﺘﱠﻰ ﻧﻌﻴّﻨﻪ ﰲ ﺍﻟﺰﱠﻣﺎﻥ ﻭﺍﳌﻜﺎﻥ .ﺇﻧﱠﻪ
ﺇﻓﺮﺍﺯ ﳕﻮﺫﺟﻲ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﺍﻷﻭﺭﻭﺑﻲ ﰲ ﺍﻟﻘﺮﻥ .١٩ﻭﻫﻮ ﻳﺰﺩﻫﻲ ﺑﺎﳌﻠﻤﺤﲔ ﺍﳌﻤﻴﱠﺰﻳﻦ:
ﺍﳌﺜﺎﻟﻴﱠﺔ ﻭﺍﻟﺘﺸﺎﺅﻡ .ﻓﻨﻈﺮﻳﱠﺔ "ﺍﻟﺒﻠﻮﺭﺓ" ﻣﺜﺎﻟﻴﱠﺔ ﻷﻧﱠﻬﺎ ﲡﻌﻞ ﻣﻦ ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ ﺍﳋﺎﺭﺟﻲ ﺍﻟﺬﻱ
ﻧﺘﱠﺠﻪ ﳓﻮﻩ ﻣﺠﺮﱠﺩ ﺇﺳﻘﺎﻁ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﱠﺍﺕ .ﻭﺍﻷﻭﺭﻭﺑﻲ ﳝﻴﻞ ﻣﻨﺬ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﻨﱠﻬﻀﺔ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﻄﱠﺮﻳﻘﺔ ﰲ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻢ ﻛﻔﻴﺾ ﺭﻭﺣﻲ .ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﺜﺎﻟﻴﱠﺔ ﺣﻮﺍﻟﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ١٩
ﻓﺮِﺣﺔ ﻧﺴﺒﻴﱠﺎً .ﻓﺎﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺗُﺴﻘﻄﻪ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻬﺎ ،ﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻘﺘﻬﺎ،
ﻭﺍﻗﻌﻲ ﻭﺣﻘﻴﻘﻲ ﻭﳑﻠﻮﺀ ﺑﺎﳌﻌﻨﻰ .ﻟﻜﻦﱠ ﻧﻈﺮﻳﱠﺔ "ﺍﻟﺒﻠﻮﺭﺓ" ﻣﺘﺸﺎﺋﻤﺔ .ﺇﻧﱠﻬﺎ ﲤﻴﻞ ﻟﺘﺒﻴﱢﻦ ﻟﻨﺎ
ﺃﻥﱠ ﻣﺎ ﻧﻌﺪّﻩ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﻃﺒﻴﻌﻴﱠﺔ ﻟﺮﻭﺣﻨﺎ ،ﻟﻴﺴﺖ ﻏﻴﺮ ﺣﺎﻻﺕ ﺧﺎﺻﱠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﱠﺸﺎﺯ .ﻭﻫﻜﺬﺍ
ﻳﺮﻳﺪ ﺗﲔ Taineﺃﻥ ﻳُﻘﻨﻌﻨﺎ ﺃﻥﱠ ﺍﻹﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﻲ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻏﻴﺮ ﻫﻠﻮﺳﺔ ﻣﺴﺘﻤﺮﱠﺓ
ﻭﺟﻤﺎﻋﻴﱠﺔ .ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺧﻮﺍﺹّ ﺇﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﻘﺮﻥ .١٩ﺇﺫ ﻳُﻔﺴﱠﺮ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﻲ
ﺑﺎﻟﻼﻃﺒﻴﻌﻲ ،ﻭﺍﻷﻋﻠﻰ ﺑﺎﻷﺩﻧﻰ .ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺟﻬﺪ ﻏﺮﻳﺐ ﻟﺘﺒﻴﺎﻥ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻢ ﻓﻮﺿﻰ ﻣﻄﻠﻘﺔ
،quid pro quoﻭﻗﺼﻮﺭ ﺟﻮﻫﺮﻱ .ﻭﺳﻮﻑ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﻋﺎﻟِﻢ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﺃﻥ ﻳﻮﺣﻲ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﺃﻥﱠ
ﻛﻞّ ﻏِﻴﺮﺓ ﻫﻲ ﺃﻧﺎﻧﻴﱠﺔ ﻣﺒﻄﱠﻨﺔ .larvadaﻭﻗﺪ ﻭﺻﻒ ﺩﺍﺭﻭﻳﻦ ﺑﺄﻧﺎﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﳌﻜﻴﱢﻒ ﺍﻟﺬﻱ
ﻳﺤﻘّﻘﻪ ﺍﳌﻮﺕ ﰲ ﺍﳊﻴﺎﺓ ،ﻭﺟﻌﻞ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻘﻮﱠﺓ ﺍﳊﻴﻮﻳﱠﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ،
ﻭﺑﺎﳌﺜﻞ ،ﺳﻴﻀﻊ ﻛﺎﺭﻝ ﻣﺎﺭﻛﺲ ﺻﺮﺍﻉ ﺍﻟﻄﱠﺒﻘﺎﺕ ﰲ ﺃﺱﱢ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺦ.
ﻟﻜﻦﱠ ﺍﳊﻘﻴﻘﺔ ﻫﻲ ﻋﻜﺲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﱠﺸﺎﺅﻡ ﺍﻟﻌﻨﻴﺪ ﲤﺎﻣﺎً ،ﻭﺗﻨﺠﺢ ﰲ ﺃﻥ ﺗﺴﺘﻘ ّﺮ
ﺩﺍﺧﻠﻪ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﻠﺤﻆ ﺍﳌﻔﻜّﺮ ﺍﻷﻧﻜﺪ ﺫﻟﻚ .ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﳊﺎﻝ ﰲ ﻧﻈﺮﻳﱠﺔ
"ﺍﻟﺒﻠﻮﺭﺓ" .ﺇﺫ ﻧﻌﺘﺮﻑ ﻓﻴﻬﺎ ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﳌﻄﺎﻑ ،ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻳُﺤﺐّ ﻓﻘﻂ ﻣﺎ ﳝﻜﻦ ﺃﻥ
ﻳُﺤَﺐّ ،ﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﺟﺪﻳﺮ ﺑﺄﻥ ﻳُﺤَﺐّ :ﻟﻜﻨﱠﻪ ،ﺇﺫْ ﻻ ﻳﺠﺪﻩ ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺒﺪﻭ ،ﻳُﻀﻄﺮّ ﺇﻟﻰ
ﺃﻥ ﻳﺘﺨﻴﱠﻠﻪ ،ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻤﺎﻻﺕ ﺍﳌُﺘﺨﻴﱠﻠﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺜﻴﺮ ﺍﳊﺐّ .ﻭﺳﻬﻞ ﺟﺪﱠﺍً ﺃﻥ ﻧﺼﻒ
ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺮﱠﺍﺋﻌﺔ ﺃﻧﱠﻬﺎ ﺗﺨﻴّﻠﻴﺔ .ﻟﻜﻦﱠ ﻣﻦ ﻳﺼﻨﻊ ﺫﻟﻚ ﻳﻨﺴﻰ ﺃﻥ ﻳﻄﺮﺡ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ
ﺍﳌﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﺮﺯ ﺣﻴﻨﺌﺬ .ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﳌﺜﺎﺭﺓ ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ،ﻓﻜﻴﻒ ﻧﻌﻠﻢ
-٣٤-
ﺑﻬﺎ؟ ﻭﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﰲ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﳊﻘﻴﻘﻴﱠﺔ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻹﺛﺎﺭﺓ ﻫﻴﺎﺝ ﺍﳊﺐّ ﻓﻔﻲ ﺃﻱّ
"ﻣﻨﺘﺠﻊ "1ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺟﻮﺩ ،ﻋﺮﻓﻨﺎ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﳌُﺘﺨﻴﱠﻠﺔ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺟﻌﻠﻨﺎ ﻧﻠﺘﻬﺐ؟
ﺑﺎﻟﻄﱠﺒﻊ ،ﻳُﺒﺎﻟﻎ ﺑﻘﻮﱠﺓ ﺍﻟﺘﱠﺰﻳﻴﻒ ﺍﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﰲ ﺍﳊﺐّ .ﻓﺈﺫﺍ ﻻﺣﻈﻨﺎ ﺃﻧﱠﻪ ﻳﺘﺨﻴﱠﻞ
ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺻﻔﺎﺕٍ ﻻ ﳝﺘﻠﻜﻬﺎ ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﶈﺒﻮﺏ ،ﻓﻌﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺴﺄﻝ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﺇﻥ ﻟﻢ
ﻳﻜﻦ ﺍﻟﺘﱠﺰﻳﻴﻒ ﺍﳊﺐﱠ ﺫﺍﺗﻪ .ﻭﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﺴﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﰲ ﺍﳊﺐّ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺮﺗﺎﺑﺔ ﺟﺪﱠﺍً ﰲ
ﺻﺪﻕ ﺍﻟﺸّﻌﻮﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺤﻠﻠﻪ .ﻭﺇﻥ ﺃﻋﻘﺪ ﻣﺎ ﰲ ﺑﺤﺚ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ ﰲ ﺭﺃﻳﻲ ،ﻫﻮ ﻫﺬﺍ
ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺿﺮﻭﺏ ﻣﻦ ﺍﳊﺐّ ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ .ﻭﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺷﻴﺌﺎً ﺁﺧﺮ ﺗﺼﻨﻴﻔﻪ
ﺍﳌﺸﻬﻮﺭ ﻟﻀﺮﻭﺏ ﺍﳊﺐّ :ﺍﳊﺐّ ﻫﻮﺍﻳﺔ ،amour-goŭtﺍﳊﺐّ ﻇﻬﻮﺭﺍً ،amour-vanité
ﺍﳊﺐّ ﻫﻮﻯً .ﻓﺈﺫﺍ ﺑﺪﺃ ﺍﳊﺐّ ﺑﺄﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺰﻳﱠﻔﺎً ﺑﺼﻔﺘﻪ ﺣﺒﱠﺎً ،ﻓﻤﻦ ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﻲّ ﺟﺪﱠﺍً ﺃﻥ
ﻳﻜﻮﻥ ﻛﻞّ ﻣﺎ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻪ ﻣﺰﻳﱠﻔﺎً ،ﻻ ﺳﻴﱠﻤﺎ ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻭﺣﻰ ﺑﻪ.
ﻭﺇﻥﱠ ﺍﳊﺐّ ﻫﻮﻯ pasiónﻭﺣﺪﻩ ﺷﺮﻋﻲّ ﰲ ﻧﻈﺮ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ .ﻭﺃﺣﺴﺐ ﺃﻧﱠﻪ ﻣﺎﺯﺍﻝ
ﻳﺠﻌﻞ ﺣﻠﻘﺔ ﻣﺼﺪﺍﻗﻴﱠﺔ ﺍﳊﺐّ ﻓﻀﻔﺎﺿﺔ ﺟﺪﱠﺍ .ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗُﺪﺧﻞ ﺃﻳﻀﺎً ﰲ
"ﺍﳊﺐ-ﻫﻮﻯ" ﺿﺮﻭﺏ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ .ﻭﻟﻴﺲ ﺍﳊﺐّ ﻇﻬﻮﺭﺍً ﺃﻭ ﻫﻮﺍﻳﺔ ﻳﺒﻌﺜﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﳋﻄﺄ
ﻓﻘﻂ .ﺑﻞ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﺼﺪﺭ ﺁﺧﺮ ﻟﻠﺘﱠﺰﻳﻴﻒ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﻭﺃﻛﺜﺮ ﺛﺒﺎﺗﺎً .ﻓﺎﳊﺐّ ﻫﻮ ﺍﻟﻨﱠﺸﺎﻁ ﺍﻟﺬﻱ
ﺃُﻃﺮﻱ ﺃﻛﺒﺮ ﺇﻃﺮﺍﺀ .ﻓﻘﺪ ﺯﻳﱠﻨﻪ ﺍﻟﺸﱡﻌﺮﺍﺀ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻭﻫﺬﱠﺑﻮﻩ ﺑﺄﺩﻭﺍﺗﻬﻢ ﺍﻟﺘﱠﺠﻤﻴﻠﻴﱠﺔ ﲟﻨﺤﻪ
ﻭﺍﻗﻌﺎً ﻣﺠﺮﱠﺩﺍً ﻏﺮﻳﺒﺎً ،ﺣﺘﱠﻰ ﺇﻧﱠﻨﺎ ﻋﺮﻓﻨﺎﻩ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﻪ ،ﻭﻗﺪﱠﺭﻧﺎﻩ ﻭﺃﺧﺬﻧﺎ ﻋﺪﱠﺗﻨﺎ
ﳌﻤﺎﺭﺳﺘﻪ ﻛﻔﻦّ ﻭﻭﻇﻴﻔﺔ .ﻓﺘﺼﻮﱠﺭﻭﺍ ﺭﺟﻼً ﺃﻭ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻳﺠﻌﻼﻥ ﻣﻦ ﺍﳊﺐّ ﰲ ﻛﻞﱢ ﺣﺎﻝٍ in
،genereﻭﺑﺼﻮﺭﺓ ﻣﺠﺮﱠﺩﺓ ،ﺍﳌﺜﺎﻝ ﺍﻷﻋﻠﻰ ﻟﻨﺸﺎﻃﻬﻤﺎ ﺍﳊﻴﻮﻱ .ﺇﻥﱠ ﻛﺎﺋﻨﲔ ﻛﻬﺬﻳﻦ
ﻳﻌﻴﺸﺎﻥ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻋﺎﺷﻘﲔ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﻭﻫﻤﻲّ .ﻓﻬﻤﺎ ﻻ ﻳﺤﺘﺎﺟﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﻣﻌﻴﱠﻦ
ﻳﺠﻌﻞ ﺷﺮﻳﺎﻥ ﺍﳊﺐّ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻳﺠﺮﻱ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻳﺼﻠﺢ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﳊﺎﻟﺔ ﻛﻞّ ﺷﻲﺀ .ﺇﻧﱠﻬﻤﺎ ﻳﺤﺒﱠﺎﻥ
ﺍﳊﺐّ .ﻭﻣﺎ ﺍﶈﺒﻮﺏ ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﻏﻴﺮ ﺣﺠﱠﺔ .ﻓﺈﺫﺍ ﺣﺪﺙ ﻟﺮﺟﻞ ﻣﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻭﻋﻨﺪﻩ
ﻣﻴﻞٌ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴﺮ ،ﻓﺴﻮﻑ ﻳﺨﺘﺮﻉ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﻻ ﻓﻜﺎﻙ ﻣﻨﻪ ﻧﻈﺮﻳﱠﺔ ﺍﻟﺒﻠﻮﺭﺓ.
ﻭﺳﺘﻨﺪﺍﻝ ﺃﺣﺪ ﻣﺤﺒﱢﻲ ﺍﳊﺐّ ﻫﺆﻻﺀ .ﻳﻘﻮﻝ ﺁﺑﻞ ﺑﻮﻧﱠﺎﺭ A. Bonnardﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ
ﺍﳊﺪﻳﺚ ﺣﻮﻝ "ﺣﻴﺎﺓ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ ﺍﻟﻐﺮﺍﻣﻴﱠﺔ"" :ﻫﻮ ﻻ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﱢﺴﺎﺀ ﺷﻴﺌﺎً ﺁﺧﺮ ﺳﻮﻯ
) ،ville d 'eaux (١ﻭﻫﻲ ﺗﻌﻨﻲ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﻴﱠﺔ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻳﻨﺎﺑﻴﻊ ﺣﺎﺭﱠﺓ ،ﻭﺍﺧﺘﺼﺮﻧﺎﻫﺎ ﲟﻨﺘﺠﻊ – .ﺍﳌﺘﺮﺟﻢ.
-٣٥-
ﺃﻥ ﻳُﺠﺰْﻥَ ﺃﻭﻫﺎﻣﻪ .ﻛﺎﻥ ﻳﺤﺐّ ﻟﺌﻼﱠ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻭﺣﻴﺪﺍً .ﻟﻜﻨﱠﻪ ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﻛﺎﻥ ﻫﻮ
ﻭﺣﺪﻩ ﻳﺨﺘﻠﻖ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﺭﺑﺎﻉ ﻏﺮﺍﻣﻴﱠﺎﺗﻪ".
ﻫﻨﺎﻙ ﻓﺌﺘﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﱠﻈﺮﻳﱠﺎﺕ ﺣﻮﻝ ﺍﳊﺐّ .ﺇﺣﺪﺍﻫﻤﺎ ﺗﺘﻀﻤﱠﻦ ﻣﺬﺍﻫﺐ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﱠﺔ،
ﻭﺁﺭﺍﺀ ﻋﺎﻣﱠﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ ﺗﺘﻜﺮﱠﺭ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺣﺪﺱ ﺳﺎﺑﻖ ﺑﺎﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﺼﺢ ﻋﻨﻬﺎ.
ﻭﺍﻷﺧﺮﻯ ﺗﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻥٍ ﺃﻫﻢّ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﱠﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﺸﱠﺨﺼﻴﱠﺔ .ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺮﺗﺴﻢ
ﻭﻳﺘﻜﺸﱠﻒ ﺷﻜﻞ ﻏﺮﺍﻣﻴﱠﺎﺗﻨﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻧﺘﺼﻮﱠﺭﻩ ﺣﻮﻝ ﺍﳊﺐّ.
ﻭﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺷﻚّ ﻣﺎ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ .ﺇﻧﱠﻨﺎ ﺇﺯﺍﺀ ﺭﺟﻞ ﻟﻢ ﻳُﺤِﺐّ ﺣﻘﱠﺎً ،ﺧﺎﺻﱠﺔ ﺃﻧﱠﻪ
ﻟﻢ ﻳُﺤَﺐّ ﺣﻘﱠﺎً .ﻭﺣﻴﺎﺗﻪ ﻣﻸﻯ ﺑﻀﺮﻭﺏ ﺍﳊﺐّ ﺍﻟﺰﱠﺍﺋﻔﺔ .ﻭﻣﻦ ﺿﺮﻭﺏ ﺍﳊﺐّ ﺍﻟﺰﱠﺍﺋﻔﺔ
ﻳﺒﻘﻰ ﰲ ﺍﻟﺮّﻭﺡ ﺍﻟﻜﺂﺑﺔ ﺍﳌُﻨﺒﺌﺔ ﺑﺰﻳﻔﻬﺎ ،ﻭﲡﺮﺑﺔ ﺗﺒﺨّﺮﻫﺎ .ﻓﺈﺫﺍ ﺣُﻠّﻠﺖ ﻭﻓُﻜﻜﺖ ﻧﻈﺮﻳﺔ
ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ ،ﺷﺎﻫﺪﻧﺎ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺃﻧﱠﻪ ﻓُﻜﱢﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ؛ ﺃﻱ ،ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺬﺭﻭﺓ ﰲ ﺍﳊﺐّ ﻋﻨﺪ
ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ ﻧﻬﺎﻳﺘُﻪ .ﻓﻜﻴﻒ ﻧﻔﻬﻢ ﺃﻥﱠ ﺍﳊﺐّ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺇﺫﺍ ﻇﻞﱠ ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ ﺍﶈﺒﻮﺏ ﻫﻮ ﻫﻮ
ﺫﺍﺗﻪ؟ ﻭﺳﻴﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻼﺯﻡ ،ﺑﺎﳊﺮﻱّ ،ﺍﻻﻓﺘﺮﺍﺽُ ،ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﻛﺎﻧﻂ ﰲ ﻧﻈﺮﻳﱠﺔ ﺍﳌﻌﺮﻓﺔ،
ﺃﻥﱠ ﺍﻧﻔﻌﺎﻻﺗﻨﺎ ﺍﻹﻳﺮﻭﺳﻴﱠﺔ ﻻ ﻳﻀﺒﻄﻬﺎ ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺴﻌﻰ ﳓﻮﻩ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻌﻜﺲ ،ﺧﻴﺎﻟُﻨﺎ ﺍﳌﻐﺮﻡُ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﻌﺪﱡ ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ .ﻭﺍﳊﺐّ ﳝﻮﺕ ﻷﻥﱠ ﻭﻻﺩﺗﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﻄﺄ.
ﺃﻣﱠﺎ ﺷﺎﺗﻮﺑﺮﻳﺎﻥ Chateaubriandﻓﻠﻢ ﻳﻔﻜﱢﺮ ﻫﻜﺬﺍ .ﻷﻥﱠ ﲡﺮﺑﺘﻪ ﻛﺎﻧﺖ
ﻋﻜﺲ ﺗﻠﻚ .ﻫﺎ ﳓﻦ ﺃﻣﺎﻡ ﺭﺟﻞ ﺍﻣﺘﻠﻚ ﻣﻮﻫﺒﺔ ﺇﺛﺎﺭﺓ ﺣﺐّ ﺣﻘﻴﻘﻲ ،ﻟﻜﻨﱠﻪ ﻛﺎﻥ
ﻋﺎﺟﺰﺍً ﻋﻦ ﺍﻟﺸّﻌﻮﺭ ﺑﺎﳊﺐّ ﺣﻘﱠﺎً .ﻟﻘﺪ ﻣﺮﱠﺕ ﺑﺠﺎﻧﺒﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺃﻭ ﺗﻠﻚ ،ﻭﺗﻠﻚ
ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻭﻗﺪ ﺃُﺿﻨﲔ ﺣﺒﱠﺎً ﻓﺠﺄﺓ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻷﺑﺪ" .ﻓﺠﺄﺓ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻷﺑﺪ" .ﻭﻟﺴﻮﻑ
ﻳﺤﻮﻙ ﺷﺎﺗﻮﺑﺮﻳﺎﻥ ﺑﺎﻟﻀﱠﺮﻭﺭﺓ ﻣﺬﻫﺒﺎً ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﺳﺎﺱ ﺍﳊﺐّ ﺍﳊﻘﻴﻘﻲ ﻓﻴﻪ ﺃﻻّ
ﳝﻮﺕ ﺃﺑﺪﺍً ،ﻭﺃﻧﱠﻪ ﻳُﻮﻟﺪ ﻓﺠﺄﺓ.
II
ﺇﻥﱠ ﺣﺐّ ﺷﺎﺗﻮﺑﺮﻳﺎﻥ ﻭﺣﺐّ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ ﺇﺫﺍ ﻗﺎﺭﻧﺎﻫﻤﺎ ﺑﺒﻌﻀﻬﻤﺎ ،ﺭﺑﱠﻤﺎ ﺷﻜﱠﻼ
ﻣﻮﺿﻮﻋﺎً ﺫﺍ ﻓﺎﺋﺪﺓ ﺳﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﱠﺔ ﺗﻌﻠّﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻜﻠﱠﻤﻮﻥ ﺑﺨﻔﱠﺔ ﻋﻦ ﺩﻭﻥ ﺧﻮﺍﻥ ،ﺑﻌﺾَ
ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ .ﻫﺎﻛﻢ ﺭﺟﻠﲔ ﺫﻭَﻱ ﻗﺪﺭﺓ ﺇﺑﺪﺍﻋﻴﱠﺔ ﻋﻤﻼﻗﺔ .ﻭﻟﻦ ﻳُﻘﺎﻝ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﺇﻧﱠﻬﻤﺎ ﺳﻴﱢﺪﺍﻥ
-٣٦-
ﺻﻐﻴﺮﺍﻥ ﻏﺰِﻻﻥ )ﻓﻮﱠﺍﺭﺍﻥ( .ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺼﱡﻮﺭﺓ ﺍﻟﺴﱠﺨﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻗُﻠﱢﺼﺖ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺻﻮﺭﺓ ﺩﻭﻥ
ﺧﻮﺍﻥ ﰲ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺫﻫﺎﻥ ﺍﻟﻀﱠﻴﱢﻘﺔ ﻭﺍﻟﻔﺎﺭﻏﺔ .ﻭﻗﺪ ﻛﺮﱠﺱ ﻫﺬﺍﻥ ﺍﻟﺮﱠﺟﻼﻥ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ
ﺧﻴﺮَ ﻃﺎﻗﺎﺗﻬﻤﺎ ﺳﻌﻴﺎً ﻟﻠﻌﻴﺶ ﻣُﺤِﺒﱠﻴْﻦ ﺩﺍﺋﻤﺎً .ﻭﻟﻢ ﻳﺤﺼﻼ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻳﻘﻴﻨﺎً .ﻭﺇﻧﱠﻪ ﻷﻣﺮ
ﺻﻌﺐ ،ﻛﻤﺎ ﺃﺭﻯ ،ﻟﻨﻔﺲٍ ﻭﻗﱠﺎﺩﺓ ﺃﻥ ﺗﺴﻘﻂ ﰲ ﺟﻨﻮﻥ ﺍﳊﺐّ .ﻟﻜﻦﱠ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﳊﺎﻝ ﺃﻧﱠﻬﻤﺎ
ﺣﺎﻭﻻ ﻳﻮﻣﺎً ﺑﻌﺪ ﻳﻮﻡ ،ﻭﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺎ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ﺃﻥ ﻳﺨﻠﻘﺎ ﻟﻨﻔﺴﻴﻬﻤﺎ ﺍﻟﻮﻫﻢ ﺃﻧﱠﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺎ
ﻳﺤﺒﱠﺎﻥ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺎ ﻳﺄﺧﺬﺍﻥ ﻣﺄﺧﺬ ﺍﳉِﺪّ ﻏﺮﺍﻣﻬﻤﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺃﺧﺬﻫﻤﺎ ﻋﻤﻠَﻬﻤﺎ
ﺍﻷﺩﺑﻲ .ﻭﺍﻟﻄﱠﺮﻳﻒ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰﻳﻦ ﻋﻦ ﺍﻹﺗﻴﺎﻥ ﺑﻌﻤﻞ ﻛﺒﻴﺮ ﻭﺣﺪﻫﻢ ﻳﻌﺘﻘﺪﻭﻥ ﺃﻥﱠ ﻣﺎ
ﻳﺠﺐ ﻋﻤﻠُﻪ ﻋﻜﺲ ﺫﻟﻚ :ﺃﻥ ﻳﺄﺧﺬﻭﺍ ﻣﺄﺧﺬ ﺍﳉِﺪّ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﻔﻦّ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﱢﻴﺎﺳﺔ،
ﻭﻳﺤﺘﻘﺮﻭﺍ ﺍﳊﺐ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻣﺎﺩّﺓ ﺗﺎﻓﻬﺔ .ﻭﺃﻧﺎ ﻻ ﺃﺅﻳﺪ ﻭﻻ ﺃﻋﺎﺭﺽ :ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﺃﻗﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ
ﺃﺛﺒﺖ ﺃﻥ ﺍﳌﺒﺪﻋﲔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﲔ ﺍﻟﻜﺒﺎﺭ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﰲ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﻗﻠﻴﻠﻲ ﺍﳉِﺪّ ﺟﺪﱠﺍً ﺗﺒﻌﺎً ﻟﻠﻔﻜﺮﺓ
ﺍﻟﺒﺮﺟﻮﺍﺯﻳﱠﺔ ﺍﻟﺼﱠﻐﻴﺮﺓ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻀﻴﻠﺔ.
ﻟﻜﻦﱠ ﺍﳌﻬﻢّ ﻣﻦ ﻭﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﺪﻭﻥ ﺧﻮﺍﻧﻴﻪ ﻣﻌﺎﺭﺿﺔُ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ ﺑﺸﺎﺗﻮﺑﺮﻳﺎﻥ .ﻭﻗﺪ
ﻛﺎﻥ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ ﻣَﻦْ ﺗﻬﺎﻟﻚ ﺑﺈﻗﺪﺍﻡٍ ﺃﻛﺒﺮ ﰲ ﺍﻟﺪﱠﻭﺭﺍﻥ ﺣﻮﻝ ﺍﳌﺮﺃﺓ .ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ،ﻫﻮ ﻧﻘﻴﺾ
ﺩﻭﻥ ﺧﻮﺍﻥ ﲤﺎﻣﺎً .ﺃﻣﱠﺎ ﺩﻭﻥ ﺧﻮﺍﻥ ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ ﺍﻵﺧﺮ ،ﺍﻟﻐﺎﺋﺐ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻭﺍﳌﻠﻔﻮﻑ
ﺑﻀﺒﺎﺏ ﻛﺂﺑﺘﻪ ،ﻭﺍﻷﺭﺟﺢ ﺃﻧﱠﻪ ﻟﻢ ﻳﻐﺎﺯﻝ ﻗﻂّ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻣﺎ.
ﻭﺍﳋﻄﺄ ﺫﻭ ﺍﻟﻌﻴﺎﺭ ﺍﻷﻛﺒﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﳝﻜﻦ ﺍﻗﺘﺮﺍﻓﻪ ﺇﺫﺍ ﺣﺎﻭﻟﻨﺎ ﺗﺤﺪﻳﺪَ ﺻﻮﺭﺓ ﺩﻭﻥ
ﺧﻮﺍﻥ ،ﺍﻻﻟﺘﻔﺎﺕُ ﺇﻟﻰ ﺭﺟﺎﻝ ﻳﻘﻀﻮﻥ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﰲ ﺣﺐّ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ .ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻘﻮﺩ ﰲ ﺃﺣﺴﻦ
ﺣﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺜﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﳕﻮﺫﺝ ﺃﺩﻧﻰ ﻭﺗﺎﻓﻪٍ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺧﻮﺍﻥ .ﺑﻞ ﻧﺼﻞ ﺑﺎﳊﺮﻱّ ،ﻋﺒﺮ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﺪﱠﺭﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﱠﻤﻮﺫﺝ ﺍﳌﻌﺎﻛﺲ ،ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻏﻠﺐ .ﻓﻤﺎﺫﺍ ﻳﺤﺪﺙ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﻧﺎ ﻋﻨﺪ ﺗﻌﺮﻳﻒ
ﺍﻟﺸﱠﺎﻋﺮ ﺃﻥ ﻧﻮﺟﱢﻪ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﱡﻌﺮﺍﺀ ﺍﻟﺮﱠﺩﻳﺌﲔ؟ ﺑﺎﻟﻀﱠﺒﻂ ﻷﻥﱠ ﺍﻟﺸﱠﺎﻋﺮ ﺍﻟﺮﱠﺩﻱﺀ ﻟﻴﺲ
ﺷﺎﻋﺮﺍً ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﳒﺪ ﻋﻨﺪﻩ ﺍﻟﺮﱠﻏﺒﺔ ﻓﻘﻂ ،ﻭﺍﻟﻜﺪّ ﻭﺍﻟﻌﺮﻕ ﻭﺍﳉﻬﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻄﻠﱠﻊ ﺑﻬﺎ ﻋﺒﺜﺎً
ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ .ﻷﻥﱠ ﺍﻟﺸﱠﺎﻋﺮ ﺍﻟﺮﱠﺩﻱﺀ ﻳﺴﺘﺒﺪﻝ ﺑﺎﻹﻟﻬﺎﻡ ﺍﻟﻐﺎﺋﺐ ﺍﻟﺒﻬﺮﺟﺔَ ﺍﻟﺘﱠﻘﻠﻴﺪﻳﱠﺔ:
ﻟِﻤﱠﺔ ﻭﺳﺘﺮﺓ .ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻭﻥ ﺧﻮﺍﻥ ﺍﳌﻜﺪّ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻡ ﻛﻞّ ﻳﻮﻡ ﺑﻌﻤﻠﻪ ﺍﻟﻐﺮﺍﻣﻲ .ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﺪﻭﻥ ﺧﻮﺍﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻃﺎﳌﺎ "ﺃﺷﺒﻪ" ﺩﻭﻥ ﺧﻮﺍﻥ ،ﻫﻮ ﻧﻔﻴﻪ ﻭﻓﺮﺍﻏﻪ ﺑﺎﻟﻀﱠـﺒﻂ.
ﺩﻭﻥ ﺧﻮﺍﻥ ﻟﻴﺲ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻡ ﲟﻐﺎﺯﻟﺔ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ
ﺗﻐﺎﺯﻟﻪ ﺍﻟﻨﱢﺴﺎﺀ .ﻫﺬﻩ ،ﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﱠﺔ ﺍﻷﻛﻴﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺘﺄﻣﱠﻠﻬﺎ
-٣٧-
ﺃﻛﺜﺮ ﻗﻠﻴﻼً ﺍﻟﻜﺘﱠﺎﺏُ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻃﺮﺣﻮﺍ ﺃﺧﻴﺮﺍً ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺪﻭﺍﻥ ﺧﻮﺍﻧﻴﱠﺔ ﺍﳋﻄﻴﺮ .ﰲ
ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﻳﻮﺟﺪ ﺭﺟﺎﻝ ﺗﻌﺸﻘﻬﻢ ﺍﻟﻨﱢﺴﺎﺀ ﺑﺸﺪﱠﺓ ﻭﺗﺮﺩﺍﺩ ﻓﺎﺋﻖ .ﻭﻫﺎﻫﻨﺎ ﻣﺎﺩﱠﺓ ﻭﺍﻓﺮﺓ ﺗﺪﻋﻮ
ﻟﻠﺘﱠﻔﻜﻴﺮ .ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻜﻤﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﻮﻫﺒﺔ ﺍﻟﻐﺮﻳﺒﺔ؟ ﺃﻱ ﺳﺮّ ﺣﻴﻮﻱّ ﻳﺨﺘﻔﻲ ﻭﺭﺍﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﻣﺘﻴﺎﺯ؟
ﺃﻣﱠﺎ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻵﺧﺮ ،ﺃﻣﱠﺎ ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴﺮ ﺧﻠﻘﻴﱠﺎً ﺣﻮﻝ ﻛﻞّ ﺻﻮﺭﺓ ﺳﺨﻴﻔﺔ ﻟﺪﻭﻥ ﺧﻮﺍﻥ ﺭﻏﺒﺔً ﰲ
ﺍﻟﺘﱠﻜﻠﱡﻒ ،ﻓﺘﺒﺪﻭ ﻟﻲ ﺟﺪّ ﺳﺎﺫﺟﺔ ﺣﺘﱠﻰ ﺗﻜﻮﻥ ﺧﺼﺒﺔ .ﻭﻫﺬﺍ ﻋﻴﺐ ﺍﻟﻮﻋﱠﺎﻅ ﺍﻷﺑﺪﻱ:
ﺍﺧﺘﺮﺍﻉ ﺛﻨﻮﻳﺔ ﺧﺮﻗﺎﺀ ﺑﻐﺎﻳﺔ ﺍﻟﺘﱠﻤﺘﱡﻊ ﺑﺮﻓﺾ ﻛﻞّ ﺛﻨﻮﻳﱠﺔ.1
ﻟﻘﺪ ﻛﺮﱠﺱ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ ﺃﺭﺑﻌﲔ ﻋﺎﻣﺎً ﰲ ﻃﺮْﻕ ﺃﺳﻮﺍﺭ ﺍﻷﻧﻮﺛﺔ ،ﻭﺗﺼﻮﱡﺭِ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ
ﺍﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﱠﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ،ﲟﺒﺎﺩﺉ ﻭﺗﺒﻌﺎﺕ .ﻛﺎﻥ ﻳﺮﻭﺡ ﻭﻳﺠﻲﺀ ﻭﻳﺘﻌﻨﱠﺖ ﻭﻳﺘﻬﺎﻟﻚ ﰲ ﺍﳌﻬﻤﱠﺔ
ﺑﻌﻨﺎﺩ .ﻭﺍﻟﻨﱠﺘﻴﺠﺔ ﻋﺪﻡ .ﻓﻠﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺤﺒﻮﺑﺎً ﻣﻦ ﺃﻳﱠﺔ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺣﺒﱠﺎً ﺣﻘﻴﻘﻴﱠﺎً .ﻭﻻ
ﻣﻮﺟﺐ ﻟﻠﺪﱠﻫﺸﺔ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻛﺜﻴﺮﺍً .ﻷﻥﱠ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﺮﱢﺟﺎﻝ ﻳﻌﺎﻧﻮﻥ ﻣﺼﻴﺮﺍً ﳑﺎﺛﻼً ،ﺣﺘﱠﻰ
ﺍﺑﺘُﻜﺮﺕ ﳌﻌﺎﺩﻟﺔ ﻋِﺜﺎﺭ ﺍﳊﻆّ ﻫﺬﺍ ،ﺍﻟﻌﺎﺩﺓُ ﻭﺍﻟﻮﻫﻢ ﺑﻘﺒﻮﻝ ﺍﺭﺗﺒﺎﻁٍ ﻣﺎ ﻏﺎﻣﺾ ﺑﺎﻣﺮﺃﺓ ﺃﻭ
ﺗﺴﺎﻫﻞٍ ﻣﻨﻬﺎ ﻳُﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺄﻟﻒ ﺟﻬﺪ ،ﻋﻠﻰ ﺃﻧﱠﻪ ﺣﺐّ ﺟﻴﱢﺪ .ﻭﻳﺤﺼﻞ ﺍﻷﻣﺮ ﺫﺍﺗﻪ ﰲ
ﺍﺎﻝ ﺍﳉﻤﺎﻟﻲّ .ﻷﻥﱠ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﳝﻮﺗﻮﻥ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﺘﺬﻭﱠﻗﻮﺍ ﻗﻂّ ﺍﻧﻔﻌﺎﻻً ﺣﻘﻴﻘﻴﱠﺎً
ﺑﺎﻟﻔﻦّ؛ ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺍﺗﱡﻔِﻖَ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﻮﻝ ﺍﻟﺪﱠﻏﺪﻏﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳُﺤﺪﺛﻬﺎ ﳊﻦ ﻓﺎﻟﺲ ،ﺃﻭ ﺍﻟﺘﱠﺸﻮﻳﻖ
ﺍﻟﺪّﺭﺍﻣﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺜﻴﺮﻩ ﻗﺼﱠﺔ ،ﻋﻠﻰ ﺃﻧﱠﻬﻤﺎ ﺍﻧﻔﻌﺎﻻﻥ ﻓﻨّﻴﱠﺎﻥ.
ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻏﺮﺍﻣﻴﱠﺎﺕ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ ﻏﺮﺍﻣﻴﱠﺎﺕ ﺯﺍﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄّﺮﺍﺯ ،ﻭﻟﻢ ﻳُﻠﺢّ ﺁﺑِﻞ ﺑﻮﻧﱠﺎﺭ
ﻛﻤﺎ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ :ﺣﻴﺎﺓ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ ﺍﻟﻐﺮﺍﻣﻴﱠﺔ ،ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﻬﻴﺖ ﻗﺮﺍﺀﺗﻪ ﻣﻨﺬ
ﻋﻬﺪ ﻗﺮﻳﺐ ،ﻭﺩﻓﻌﻨﻲ ﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ .ﻭﺍﳌﻼﺣﻈﺔ ﻫﺎﻣﱠﺔ ﻷﻧﱠﻬﺎ ﺗﻔﺴﱢﺮ ﺍﳋﻄﺄ
ﺍﳉﺬﺭﻱّ ﰲ ﻧﻈﺮﻳﱠﺘﻪ ﻋﻦ ﺍﳊﺐّ ،ﻓﻘﺎﻋﺪﺓ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﱠﻈﺮﻳﱠﺔ ﲡﺮﺑﺔ ﺯﺍﺋﻔﺔ.
ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺍﻧﺴﺠﺎﻣﺎً ﻣﻊ ﻭﻗﺎﺋﻊ ﲡﺮﺑﺘﻪ ،ﺃﻥّ َﺍﳊﺐّ "ﻳُﺨﻠﻖ" ،ﻭﻓﻮﻕ ﺫﻟﻚ،
ﻳﻨﺘﻬﻲ .ﻭﺍﻟﺼﱢﻔﺘﺎﻥ ﻛﻠﺘﺎﻫﻤﺎ ﺧﺎﺻﻴّﺘﺎﻥ ﻣﻦ ﺧﻮﺍﺹّ ﺍﻟﻐﺮﺍﻣﻴﱠﺎﺕ ﺍﻟﺰﱠﺍﺋﻔﺔ.
ﺃﻣﱠﺎ ﺷﺎﺗﻮﺑﺮﻳﺎﻥ ﻓﻴﺠﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ،ﰲ "ﺧﻠﻖ" ﺍﳊﺐّ ﺩﺍﺋﻤﺎً .ﻭﻣﺎ ﻛﺎﻥ
ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳُﺠﻬﺪ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻷﻥﱠ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﲤﺮّ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻪ ﻓﺘﺤﺲّ ﻓﺠﺄﺓ ﻣﺸﺤﻮﻧﺔ
ﺑﻜﻬﺮﺑﺎﺀ ﺳﺤﺮﻳﱠﺔ .ﺇﻧﱠﻬﺎ ﺗﺴﺘﺴﻠﻢ ﺣﺎﻻً ﻭﻛﻠﱢﻴﱠﺎً ،ﻭﻟِﻢَ؟ ﺁﻩ ،ﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﺴّﺮّ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﺠﺐ
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺤﱠﺎﺛﺔ ﰲ ﺍﻟﺪﻭﻥ ﺧﻮﺍﻧﻴﺔ ،ﺃﻥ ﻳﻜﺸﻔﻮﻩ ﻟﻨﺎ .ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺷﺎﺗﻮﺑﺮﻳﺎﻥ ﻭﺳﻴﻤﺎً .ﺑﻞ ﻛﺎﻥ
III
ﳓﻦ ﻧﻌﺮﻑ ﺍﺎﺯ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴّﺮ ﻟﺴﺘﻨﺪﻝ ﻣﻔﺮﺩﺓ "ﺑﻠﻮﺭﺓ" ﻟﺘﺴﻤﻴﺔ ﻧﻈﺮﻳﱠﺘﻪ ﻋﻦ
ﺍﳊﺐّ .ﻓﻠﻮ ﺃُﻟﻘﻲ ﰲ ﻣﻨﺎﺟﻢ ﺳﺎﻟِﺰﺑﻮﺭﻍ ﺑﻐﺼﻦ ﺷﺠﻴﺮﺓ ﻭﺍﻟﺘُﻘﻂ ﰲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺘﱠﺎﻟﻲ ﻳﻈﻬﺮ
ﻋﻠﻴﻪ ﺗﺤﻮﱡﻝ .ﺇﺫْ ﻳﺘﻐﻄﱠﻰ ﺍﻟﺸﱠﻜﻞ ﺍﻟﻨﱠﺒﺎﺗﻲ ﺍﻟﺒﺴﻴﻂ ﺑﺒﻠﻮﺭﺍﺕ ﻣﻠﻮﱠﻧﺔ ﺗﻮﺷّﻲ ﻣﻈﻬﺮﻩ ﻋﻠﻰ
ﺷﻜﻞ ﻋﺠﻴﺐ .ﻭﺗﺤﺪﺙ ﰲ ﺣﺐّ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ ،ﻋﻤﻠﻴﱠﺔ ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ ﰲ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ
ﺍﳊﺐّ .ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻥﱠ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﳊﻘﻴﻘﻴﱠﺔ ﺗﺴﻘﻂ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮﻳﱠﺔ ،ﻭﺗﺄﺧﺬ ﺷﻴﺌﺎً
ﻓﺸﻴﺌﺎً ﺑﺄﻥ ﺗﻮﺷّﻰ ﲟﺮﻛّﺒﺎﺕ ﺧﻴﺎﻟﻴﱠﺔ ﺗﺮﺍﻛﻢ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﺼﱡﻮﺭﺓ ﺍﺮﱠﺩﺓ ﻛﻞ ﻛﻤﺎﻝ ﳑﻜﻦ.
ﻭﻟﻘﺪ ﺑﺪﺕ ﻟﻲ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﱠﻈﺮﻳﱠﺔ ﺍﻟﻼﻣﻌﺔ ﻣﺰﻳﱠﻔﺔ ﺯﻳﻔﺎً ﻣﻔﺮﻃﺎً .ﻭﺭﺑﱠﻤﺎ ﻛﺎﻥ
ﺍﻟﺸﱠﻲﺀ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺇﻧﻘﺎﺫﻩ ﻓﻴﻬﺎ ،ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻑ ﺍﻟﻀّﻤﻨﻲّ -ﺣﺘﱠﻰ ﻏﻴﺮ
ﺍﻟﺼﱠﺮﻳﺢ -ﺃﻥﱠ ﺍﳊﺐّ ﲟﻌﻨﻰ ﻣﺎ ﻭﺷﻜﻞ ﻣﺎ ،ﺩﺍﻓﻊٌ ﳓﻮ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ،ﻟﺬﻟﻚ ﺁﻣﻦ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ
ﺑﻀﺮﻭﺭﺓ ﺍﻻﻓﺘﺮﺍﺽ ﺃﻧﱠﻨﺎ ﻧﺘﺼﻮﱠﺭ ﻛﻤﺎﻻﺕ .ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ،ﻫﻮ ﻟﻢ ﻳﻬﺘﻢّ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ .ﺇﺫْ
-٤٠-
ﻋﺪﱠﻫﺎ ﻣُﺜﺒﺘﺔ ،ﻭﺃﻏﻔﻠﻬﺎ ﰲ ﻧﻈﺮﻳﱠﺘﻪ ،ﺣﺘﱠﻰ ﻟﻢ ﻳﻼﺣﻆ ﺃﻧّﻬﺎ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﺍﻷﺧﻄﺮ ﻭﺍﻷﻋﻤﻖ
ﻭﺍﻷﻏﻤﺾ ﰲ ﺍﳊﺐّ .ﺇﻥﱠ ﻧﻈﺮﻳﱠﺔ "ﺍﻟﺒﻠﻮﺭﺓ" ﺗﻬﺘﻢ ،ﺑﺎﳊﺮﻱّ ،ﺑﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻹﺧﻔﺎﻕ ﰲ
ﺍﳊﺐّ ،ﻭﺧﻴﺒﺔ ﺍﻷﻣﻞ ﺑﺎﻹﻋﺠﺎﺏ ﺍﳌﺘﻬﺎﻓﺖ؛ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ ،ﻋﺪﻡ ﺍﳊﺐ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﳊﺐّ.
ﻭﺳﺘﻨﺪﺍﻝ ﺑﺼﻔﺘﻪ ﻓﺮﻧﺴﻴﱠﺎً ،ﻳﺼﺒﺢ ﺳﻄﺤﻴﱠﺎً ﻣﻨﺬ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺄﺧﺬ ﻓﻴﻬﺎ
ﺑﺎﻟﻜﻼﻡ ﻛﻼﻣﺎً ﻋﺎﻣﱠﺎً .ﻫﻮ ﳝﺮّ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ ﺍﻟﺮﱠﻫﻴﺒﺔ ﻭﺍﻷﺳﺎﺳﻴﱠﺔ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﺘﻨﺒﱠﻪ
ﺃﻭ ﻳﺪﻫﺶ ﻟﻬﺎ .ﺃﻣﱠﺎ ﺍﻟﺪﱠﻫﺸﺔ ﻟِﻤَﺎ ﻳﺒﺪﻭ ﻭﺍﺿﺤﺎً ﻭﻃﺒﻴﻌﻴﱠﺎً ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ،ﻓﻬﻲ ﻣﻮﻫﺒﺔ
ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ .ﺍﻧﻈﺮﻭﺍ ﻛﻴﻒ ﻳﺴﻌﻰ ﺃﻓﻼﻃﻮﻥ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓً ﻭﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺗﺮﺩﱡﺩ ﻟﻴﻘﺒﺾ
ﺑﻜﻤﱠﺎﺷﺎﺗﻪ ﺍﻟﺬّﻫﻨﻴﱠﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺼﺐ ﺍﳊﺐّ ﺍﳌﺨﻴﻒ ،ﻓﻴﻘﻮﻝ" :ﺍﳊﺐّ ﻧﺰﻭﻉ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﻻﺩﺓ ﰲ
ﺍﳉﻤﺎﻝ" .ﻣﺎ ﺃﻛﺒﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﱠﺬﺍﺟﺔ! –ﺗﻘﻮﻝ ﺍﻟﺴﱠﻴﱢﺪﺍﺕ ﺍﻟﻌﺎﳌﺎﺕ ﺑﺎﳊﺐّ ﻭﻫﻦﱠ ﻳﺘﻨﺎﻭﻟﻦ
ﺍﻟﻜﻮﻛﺘﻴﻞ ﰲ ﻛﻞﱢ ﻓﻨﺎﺩﻕ ﺭﻳﺘﻮ Ritzﰲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ .ﻭﻻ ﺗﺨﻤّﻦ ﺍﻟﺴﻴﺪﺍﺕُ ﺭﺿﺎ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ
ﺍﻟﺴﱠﺎﺧﺮ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺮﻯ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺻﻤﺔ ﺑﺎﻟﺴﱠﺬﺍﺟﺔ ﺗﺘﻸﻷ ﺇﺯﺍﺀ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ﰲ ﻋﻴﻮﻥ ﺍﻟﺴﱠﻴﱢﺪﺍﺕ
ﺍﳌﺴﺤﻮﺭﺓ .ﻭﻫﻦﱠ ﻳﻨﺴﲔ ﻗﻠﻴﻼً ﺃﻥﱠ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺇﺫﺍ ﻛﻠﱠﻤﻬﻦ ﻋﻦ ﺍﳊﺐّ ﻓﺈﻧﱠﻪ ﻻ ﻳﺒﺎﺩﻟﻬﻦّ
ﺍﳊﺐّ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﲤﺎﻣﺎً .ﻷﻥﱠ ﺍﻟﺘﱠﻔﻠﺴﻒ ﻛﻤﺎ ﻳﺸﻴﺮ ﻓﻴﺸﺘﻪ ،ﻳﻌﻨﻲ ﺑﺎﳌﻌﻨﻰ
ﺍﻟﺼﱠﺤﻴﺢ ﻋﺪﻡ ﺍﳊﻴﺎﺓ ،ﻛﻤﺎ ﺃﻥﱠ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺗﻌﻨﻲ ﺑﺎﳌﻌﻨﻰ ﺍﳊﻖّ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﱠﻔﻠﺴﻒ .ﻓﻤﺎ ﺃﻟﺬّ
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻐﻴﺎﺏ ﻋﻦ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﻬﺮﺏ ﺑﺴﺒﺐ ﺑُﻌﺪ ﻣﻔﺘﺮﺽ ﳝﺘﻠﻜﻪ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ
ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﺭﻙ ﺍﳌﺮﺃﺓَ ﺑﺸﻜﻞ ﺑﺎﺭﺯ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺒﺪﻭ ﺳﺎﺫﺟﺎً! ﻭﻣﺎ ﻳﻬﻢّ ﺍﳌﺮﺃﺓ –ﻛﻤﺎ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ-
ﰲ ﻣﺬﻫﺐ ﺍﳊﺐّ ،ﺍﻟﺴﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﺴﱠﻄﺤﻴﱠﺔ ﻭﺍﻟﻨّﻜﺘﺔ .ﻭﺃﻧﺎ ﻻ ﺃﻧﻔﻲ ﺃﻧﱠﻬﻤﺎ ﻫﺎﻣﱠﺎﻥ .ﺇﻧﱠﻤﺎ
ﺃﺳﻤﺢ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﺑﺄﻥ ﺃﻭﺣﻲ ﺃﻥﱠ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻴﻤﺎ ﻭﺭﺍﺀ ﺫﻟﻚ ﻛﻠّﻪ،
ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺻﺎﻏﻪ ﺃﻓﻼﻃﻮﻥ ﰲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺃﺭﻗﻰ ﻣﻨﺬ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ ﻗﺮﻧﺎً.
ﻓﻠﻨﺘﺄﻣﱠﻞ ﻟﻠﺤﻈﺔ ،ﻭﺇﻥْ ﻋَﺮَﺿﺎً ،ﺍﳌﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻀﱠﺨﻤﺔ.
ﺇﻥﱠ "ﺍﳉﻤﺎﻝ" ﰲ ﺍﳌﻔﺮﺩﺍﺕ ﺍﻷﻓﻼﻃﻮﻧﻴﱠﺔ ﻫﻮ ﺍﻻﺳﻢ ﺍﳌﻌﻴﱠﻦ ﳌﺎ ﺍﻋﺘﺪﻧﺎ ﺗﺴﻤﻴﺘﻪ
ﺑﺄﻋﻢّ ﺻﻮﺭﺓ "ﻛﻤﺎﻻً" .ﻭﻓﻜﺮﺓ ﺃﻓﻼﻃﻮﻥ ﺇﺫﺍ ﺻﻐﻨﺎﻫﺎ ﺑﺸﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﳊﺬﺭ ﻣﻊ ﻣﺮﺍﻋﺎﺓ
ﺗﻔﻜﻴﺮﻩ ﺑﺪﻗﱠﺔ ،ﺗﺼﺒﺢ ﻫﻜﺬﺍ :ﰲ ﻛﻞّ ﺣﺐّ ﺗﻜﻤﻦ ﺭﻏﺒﺔ ﰲ ﺍﺗﱢﺤﺎﺩ ﻣﻦ ﻳﺤﺐّ ﺑﻜﺎﺋﻦ
ﺁﺧﺮ ﻳﺒﺪﻭ ﻣﺰﻭﱠﺩﺍً ﺑﻜﻤﺎﻝٍ ﻣﺎ .ﺇﺫﺍً ،ﻫﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﻣﻦ ﺭﻭﺣﻨﺎ ﺑﺎﺗﱢﺠﺎﻩ ﺷﻲﺀ ﳑﻴﱠﺰ،
ﺑﺎﳊﺮﻱّ ،ﻓﺎﺋﻖ ﲟﻌﻨﻰ ﻣﺎ .ﻭﺳﻮﺍﺀ ﺃﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﻤﻴﱡﺰ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺃﻡ ﻣُﺘﺨﻴﱠﻼً ﻻ ﻳﻐﻴّﺮ ﺃﺩﻧﻰ
ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻣﻦ ﻭﺍﻗﻌﺔ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺸّﻌﻮﺭ ﺍﻹﻳﺮﻭﺳﻲّ -ﻭﺑﻘﻮﻝٍ ﺃﺩﻕّ ﺍﳊﺐّ ﺍﳉﻨﺴﻲّ -ﻻ ﻳﺤﺪُﺙ
-٤١-
ﻓﻴﻨﺎ ﺇﻻ ﲟﻮﺟﺐ ﺷﻲﺀ ﻧﻌﺪّﻩ ﻛﻤﺎﻻً .ﻓﻠْﻴﺠﺮﱢﺏ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﺃﻥ ﻳﺘﻤﺜّﻞ ﺣﺎﻟﺔ ﺣﺐّ –ﺣﺐّ
ﺟﻨﺴﻲّ -ﻻ ﳝﺜﱢﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﶈﺒﻮﺏُ ﰲ ﻋﻴﻨﻲ ﻣﻦ ﻳﺤﺐّ ﺃﻱ ﻭﺟﻪ ﻟﻠﺮﱠﻭﻋﺔ ،ﻳﺮَ ﻛﻴﻒ ﺃﻥﱠ
ﻫﺬﺍ ﺍﳊﺐّ ﻣﺤﺎﻝ .ﺍﳊﺐّ ﻫﻮ ،ﺑﺎﻟﺘﱠﺎﻟﻲ ،ﺷﻌﻮﺭ ﺑﺎﻻﻓﺘﺘﺎﻥ ﺑﺸﻲﺀ )ﻭﺳﻮﻑ ﻧﺮﻯ ﺑﺸﻲﺀ
ﻣﻦ ﺍﻟﺘﱠﻔﺼﻴﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻫﺬﺍ "ﺍﻻﻓﺘﺘﺎﻥ"(؛ ﻭﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺷﻲﺀ ﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﻔﱳ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻛﺎﻣﻼً
ﺃﻭ ﻳﺒﺪﻭ ﻛﺎﻣﻼً .ﻻ ﺃﻋﻨﻲ ﺑﺬﻟﻚ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ ﺍﶈﺒﻮﺏ ﻗﺪ ﻳﺒﺪﻭ ﻛﺎﻣﻼً ﲤﺎﻡ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ.
ﻭﻫﺬﺍ ﺧﻄﺄ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ .ﺇﺫ ﻳﻜﻔﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﻛﻤﺎﻝ ﻣﺎ؛ ﺑﺎﻟﻄﱠﺒﻊ ،ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﰲ
ﺍﻷﻓﻖ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱّ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺧﻴﺮ ﺑﺈﻃﻼﻕ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻫﻮ ﺧﻴﺮٌ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻘﻴﱠﺔ ،ﻭﻣﺎ ﻳﺒﺮﺯ ﰲ ﻣﺠﺎﻝٍ
ﻧﻮﻋﻲّ ﻣﺎ .ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ ،ﻫﻮ ﺍﻟﺘﱠﻤﻴﱡﺰ.
ﻫﺬﺍ ﺃﻭﱠﻻً ،ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺜﱠﺎﻧﻲ ﻫﻮ ﺃﻥّ َﺍﻟﺘﱠﻤﻴﱡﺰ ﻳﺤﺚﱡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻣﻊ
ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ ﺫﻱ ﺍﻻﻣﺘﻴﺎﺯ .ﻭﻣﺎ ﻫﻲ ﻫﺬﻩ "ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ"؟ ﺇﻥﱠ ﺃﺻﺪﻕ ﺍﻟﻌﺸﱠﺎﻕ ﺳﻴﻘﻮﻟﻮﻥ ﻋﻦ
ﺣﻖّ ﺃﻧﱠﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺸﻌﺮﻭﺍ -ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞّ ﰲ ﺍﻟﻮﻫﻠﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ -ﺑﺸﻬﻮﺓ ﰲ ﺍﻻﺗﱢﺤﺎﺩ ﺍﳉﺴﺪﻱّ.
ﺍﳌﺴﺄﻟﺔ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻭﺗﺘﻄﻠﱠﺐ ﺃﻛﺒﺮ ﺩﻗﱠﺔ .ﻭﻟﻴﺲ ﺍﳌﺮﺍﺩ ﺃﻥ ﺍﶈﺐّ ﻻ ﻳﺮﻏﺐ ﰲ ﺍﺗﱢﺤﺎﺩٍ
ﺟﺴﺪﻱ ﻣﻊ ﺍﶈﺒﻮﺑﺔ .ﻟﻜﻦ ،ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﻏﺐ ﰲ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺗﱢﺤﺎﺩ ﺃﻳﻀﺎً ،ﻓﻤﻦ ﺍﻟﺰﱠﻳﻒ
ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇﻥﱠ ﺫﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﻛﻞّ ﻣﺎ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻴﻪ.
ﻭﺗﻠﺢﱡ ﻫﻨﺎ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﻫﺎﻣﱠﺔ .ﺇﺫْ ﻟﻢ ﻳُﻔﺮﱠﻕ ﻗﻂّ ﺑﺸﻜﻞٍ ﻛﺎﻑٍ -ﺭﺑﱠﻤﺎ ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎﺀ ﻣﺎ
ﻋﻤﻠﻪ ﺷﻴﻠﺮ ﻓﻘﻂ -ﺑﲔ "ﺍﳊﺐّ ﺍﳉﻨﺴﻲ" ﻭ"ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ" ،ﺣﺘﱠﻰ ﺇﺫﺍ ﺫُﻛﺮ ﺫﺍﻙ
ﻓُﻬﻢ ﻣﻨﻪ ﺗﻠﻚ .ﻳﻘﻴﻨﺎً ﺃﻥﱠ ﺍﻟﻐﺮﺍﺋﺰ ﰲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺗﺒﺪﻭ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ﻣﻘﻴﱠﺪﺓ ﺑﺄﺷﻜﺎﻝٍ ﻓﻮﻕ
ﻏﺮﻳﺰﻳﱠﺔ ﺫﺍﺕ ﻃﺎﺑﻊ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﺣﺘﱠﻰ ﺭﻭﺣﻲ .ﻭﻗﻠﱠﻤﺎ ﳒﺪ ﻏﺮﻳﺰﺓً ﺧﺎﻟﺼﺔً ﺗﻌﻤﻞ ﺑﺸﻜﻞٍ
ﻣﺴﺘﻘﻞّ .ﻭﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﳌﺄﻟﻮﻓﺔ ﻋﻦ "ﺍﳊﺐّ ﺍﻟﻔﻴﺰﻳﻘﻲّ" ﻣﺒﺎﻟﻎ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ﺃﺭﻯ .ﻭﻟﻴﺲ ﺳﻬﻼً
ﻭﻻ ﺷﺎﺋﻌﺎً ﺟﺪﱠﺍً ﺍﻟﺸﻌﻮﺭُ ﺑﺎﳒﺬﺍﺏ ﺟﺴﺪﻱّ ﻣﻄﻠﻖ .ﻭﺗﺪﻋﻢ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔَ ﻭﺗﺨﺘﻠﻂ ﺑﻬﺎ ﰲ
ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ،ﺃﺻﻮﻝٌ ﻣﻦ ﺍﳊﻤﺎﺳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻃﻔﻴﱠﺔ ﻭﺍﻹﻋﺠﺎﺏ ﺑﺎﳉﻤﺎﻝ ﺍﳉﺴﺪﻱّ
ﻭﺍﳉﺎﺫﺑﻴﱠﺔ ،ﺇﻟﺦ .ﻭﺣﺎﻻﺕ ﺍﳌﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﻳﱠﺔ ﺑﺸﻜﻞٍ ﺧﺎﻟﺺ ،ﻫﻲ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ،
ﻋﺪﻳﺪﺓ ﺟﺪﱠﺍً ﺣﺘﱠﻰ ﻻ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﲤﻴﻴﺰﻫﺎ ﻣﻦ "ﺍﳊﺐّ ﺍﳉﻨﺴﻲّ" ﺍﳊﻘﻴﻘﻲّ .ﻭﺍﻟﻔﺮﻕ
ﻳﺒﺪﻭ ﻭﺍﺿﺤﺎً ﺧﺎﺻﱠﺔً ﰲ ﺍﳌﻮﻗﻔﲔ ﺍﳌﺘﻄﺮّﻓﲔ :ﺇﺫﺍ ﻗُﻤﻌﺖ ﳑﺎﺭﺳﺔ ﺍﳉﻨﺲ ﻷﺳﺒﺎﺏ
ﺧﻠﻘﻴﱠﺔ ﺃﻭ ﻇﺮﻓﻴﱠﺔ ،ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ،ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻹﻓﺮﺍﻁ ﻓﻴﻬﺎ ﻳﺘﺪﻫﻮﺭ ﺇﻟﻰ ﺩﻋﺎﺭﺓ .ﰲ
ﻛﻠﺘﺎ ﺍﳊﺎﻟﺘﲔ ﻧﻼﺣﻆ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﻠّﺬﺓ ﺍﳋﺎﻟﺼﺔ -ﻟﻨﻘﻞ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻄﱠﻬﺎﺭﺓ ﺍﳋﺎﻟﺼﺔ -ﺗﻮﺟﺪ
-٤٢-
ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ،ﻗﺒﻞ ﻣﻮﺿﻮﻋﻬﺎ .ﺇﺫْ ﻳُﺤﺲّ ﺑﺎﻟﺸﱠﻬﻮﺓ ﻗﺒﻞ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ ﺃﻭ ﺍﳌﻮﻗﻒ ﺍﻟﺬﻱ
ﻳﺸﺒﻌﻬﺎ .ﻭﻧﺘﻴﺠﺔ ﺫﻟﻚ ،ﻫﻮ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﱠﺔ ﺇﺷﺒﺎﻋﻬﺎ ﻣﻊ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ،ﻷﻥﱠ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓ ﻻ ﲤﻴّﺰ ﺇﺫﺍ
ﻛﺎﻧﺖ ﻏﺮﻳﺰﺓ ﻓﻘﻂ .ﻭﻫﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺬﺍﺗﻬﺎ ﺩﺍﻓﻌﺎً ﳓﻮ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ.
ﻭﺭﺑﱠﻤﺎ ﺿﻤﻨﺖ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓُ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ ﺣﻔﻆَ ﺍﻟﻨﱠﻮﻉ ،ﻟﻜﻦ ،ﻟﻴﺲ ﻛﻤﺎﻟﻪ .ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﳊﺐّ
ﺍﳉﻨﺴﻲ ﺍﳊﻘﻴﻘﻲ ،ﺃﻱ ،ﺍﻹﻋﺠﺎﺏ ﺍﻟﺸﱠﺪﻳﺪ ﺑﺸﺨﺺ ﺁﺧﺮ ﺭﻭﺣﺎً ﻭﺟﺴﻤﺎً ﰲ ﻭﺣﺪﺓٍ ﻻ
ﺗﻨﻔﺼﻢ ،ﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ،ﰲ ﺫﺍﺗﻪ ﻭﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺃﺻﻴﻞ ،ﻗﻮﱠﺓ ﻋﻤﻼﻗﺔ ﻣﻜﻠّﻔﺔ ﺑﺘﺤﺴﲔ
ﺍﻟﻨﱠﻮﻉ .ﻭﻋﻮﺿﺎً ﻋﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﻫﺬﺍ ﺍﳊﺐّ ﻗﺒﻞ ﻣﻮﺿﻮﻋﻪ ،ﻳﻮﻟﺪ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺑﺤﺚّ ﻣﻦ ﻛﺎﺋﻦٍ
ﻳﻈﻬﺮ ﺇﺯﺍﺀﻧﺎ ،ﰒﱠ ﺗﻄﻠﻖ ﻋﻤﻠﻴﱠﺔَ ﺍﳊﺐّ ﺻﻔﺔٌ ﻣﺨﺘﺎﺭﺓ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ.
ﻭﻣﺎ ﺇﻥ ﺗﺒﺪﺃ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﱠﺔ ﺣﺘﱠﻰ ﻳﺸﻌﺮ ﺍﶈﺐّ ﺑﻐﺮﻳﺰﺓ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻟﻴُﺤﻞّ ﻓﺮﺩﻳﱠﺘﻪ ﰲ
ﻓﺮﺩﻳﱠﺔ ﺍﻵﺧﺮ؛ ﻭﺍﻟﻌﻜﺲ ﺻﺤﻴﺢ ،ﳝﺘﺺّ ﰲ ﻓﺮﺩﻳّﺘﻪ ﻓﺮﺩﻳﱠﺔ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﶈﺒﻮﺏ .ﻭﻣﺎ
ﺃﻏﻤﺾ ﻫﺬﺍ ﺍﳉﻬﺪ! ﻓﺈﺫﺍ ﻛﻨﱠﺎ ﻻ ﻧﺴﺘﻬﺠﻦ ﺷﻴﺌﺎً ﰲ ﺃﻣﻮﺭ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻗﺪْﺭ
ﺍﺳﺘﻬﺠﺎﻧﻨﺎ ﺭﺅﻳﺔَ ﻛﺎﺋﻦ ﺁﺧﺮ ﻳﻐﺰﻭ ﺗﺨﻮﻡ ﻭﺟﻮﺩﻧﺎ ﺍﻟﻔﺮﺩﻱّ ،ﻓﺈﻥﱠ ﻟﺬﱠﺓ ﺍﳊﺐّ ﺗﻜﻤﻦ ﰲ
ﺷﻌﻮﺭ ﺍﳌﺮﺀ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﱠﺎً ﻧَﻔَﻮﺫﺍً ﺇﺯﺍﺀ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﱠﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺑﺸﻜﻞٍ ﻻ ﲡﺪ ﺇﺷﺒﺎﻋﺎً ﻟﻬﺎ ﺇﻻﱠ
ﰲ ﺫﻭﺑﺎﻧﻬﻤﺎ ﻛﻠﻴﻬﻤﺎ ﰲ "ﻓﺮﺩﻳﱠﺔٍ ﻭﺍﺣﺪﺓٍ ﻟﺸﺨﺼﲔ" .ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺬﻛّﺮﻧﺎ ﲟﺬﻫﺐ
ﺍﻟﺴﺎﻧﺴﻴﻤﻮﻧﻴﻴّﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻯ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺍﳊﻘﻴﻘﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺜﱡﻨﺎﺋﻲ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ -ﺍﳌﺮﺃﺓ.
ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ،ﻻ ﺗﻘﻒ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﱠﺔ ﻋﻨﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﱠﻏﺒﺔ ﰲ ﺍﻟﺬﱠﻭﺑﺎﻥ .ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﳊﺐّ ﺗﺎﻣﱠﺎً ،ﻓﺈﻧﱠﻪ
ﻳُﺘﻮﱠﺝ ﺑﺮﻏﺒﺔٍ ﻭﺍﺿﺤﺔٍ ﺇﻟﻰ ﺣﺪﱟ ﻣﺎ ،ﰲ ﺃﻥ ﻳُﺠﻌﻞ ﺍﻻﺗﱢﺤﺎﺩ ﻣﺸﺨﱠﺼﺎً ﰲ ﺍﺑﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻣﺘﺪﺍﺩﺍً
ﻟﻬﻤﺎ ﻭﻳﺆﻛﱢﺪﺍﻥ ﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﶈﺒﻮﺏ .ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮ ﺍﻟﺜﱠﺎﻟﺚ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻣﺨﻠﱠﻔﺎﺕ
ﺍﳊﺐّ ،ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻧﱠﻪ ﻳﺠﻤﻊ ﺑﻜﻞﱢ ﻧﻘﺎﺀٍ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﳊﺐّ ﺍﻷﺳﺎﺱ .ﻓﺎﻻﺑﻦ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻷﺏ ،ﻭﻻ ﻫﻮ
ﻣﻦ ﺍﻷﻡّ :ﺇﻧﱠﻪ ﺍﺗﱢﺤﺎﺩﻫﻤﺎ ﻣﻌﺎً ﻣُﺸﺨﱠﺼﺎً ،ﻭﻫﻮ ﺳﻌﻲﱞ ﻟﻠﻜﻤﺎﻝ ﺍﳌﺸﻜّﻞ ﻣﻦ ﳊﻢ ﻭﺭﻭﺡ .ﻭﻗﺪ
ﻛﺎﻥ ﺃﻓﻼﻃﻮﻥ )ﺍﻟﺴﱠﺎﺫﺝ( ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺍﺏ :ﺍﳊﺐّ ﺭﻏﺒﺔ ﻣﻠﺤّﺔ ﻟﻠﻮﻻﺩﺓ ﰲ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ،ﻭﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ
ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻮﺭﻧﺰﻭ ﺩِﻩ ﻣﻴﺪﻳﺘﺸﻲ ،ﻭﻫﻮ ﺃﻓﻼﻃﻮﻧﻲ ﺁﺧﺮ :ﺇﻧﱠﻪ ﺷﻬﻮﺓ ﻟﻠﺠﻤﺎﻝ.
cosmológica ﻟﻘﺪ ﻓﻘﺪﺕ ﺇﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻷﺯﻣﻨﺔ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﺍﻹﻟﻬﺎﻡ ﺍﻟﻜﻮﻧﻲ
ﻭﺻﺎﺭﺕ ﻋﻠﻤﻴﱠﺔ ﻧﻔﺴﻴﱠﺔ ﻛﻠﻴﱠﺎً ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً .ﻭﻗﺪ ﺟﻠﺐ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫَﻨﺎ ﺗﻔﻨﱡﻦُ ﻋﻠﻢ ﻧﻔﺲ ﺍﳊﺐّ
ﲟﺮﺍﻛﻤﺘﻪ ﺣﻠﻮﻻً ﺩﻗﻴﻘﺔ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﻜﻮﻧﻲّ ﻭﺍﻷﻭﱠﻟﻲّ ﰲ ﺍﳊﺐّ .ﻭﺳﻮﻑ ﻧﺘﻮﻏﱠﻞ
ﺍﻵﻥ ﺃﻳﻀﺎً ﰲ ﺍﳌﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﱠﺔ ﺍﻟﻨﱠﻔﺴﻴﱠﺔ .ﺇﻧﱠﺎ ﻭﺇﻥْ ﻛﻨﱠﺎ ﻧﻨﻘﺾّ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻢّ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻳﺠﺐ
-٤٣-
ﺃﻻﱠ ﻧﻨﺴﻰ ﺃﻥﱠ ﻗﺼّﺔ ﻏﺮﺍﻣﻴﺎﺗﻨﺎ ﺍﳌﺘﻌﺪﱢﺩﺓ ﺍﻟﺸﱠﻜﻞ ﺗﻌﻴﺶ ﺑﻜﻞﱢ ﺗﻌﻘﻴﺪﺍﺗﻬﺎ ﻭﺃﺣﻮﺍﻟﻬﺎ ﺃﺧﻴﺮﺍً
ﰲ ﺍﻟﻘﻮﱠﺓ ﺍﻷﻭﱠﻟﻴﱠﺔ ﻭﺍﻟﻜﻮﻧﻴﱠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺼﻨﻊ ﻧﻔﺴﻨﺎ ﺍﻷﻭﱠﻟﻴﱠﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﱠﻘﻴﱠﺔ ،ﺍﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﺃﻭ
ﺍﳌﻌﻘﱠﺪﺓ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﻗﺮﻥٍ ﺇﻟﻰ ﻗﺮﻥٍ ﺳﻮﻯ ﺗﺪﺑﻴﺮﻫﺎ ﻭﺗﺸﻜﻴﻠﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺘﻨﻮﱢﻉ .ﻛﻤﺎ ﻳﺠﺐ ﺃﻻ
ﺗﻨﺴﻴﻨﺎ ﺍﻟﻌﻨﻔﺎﺕ ﻭﺍﳌﻨﺸﺂﺕ ﺍﳌﺨﺘﻠﻔﺔ ﺍﻷﺣﺠﺎﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﻐﻤﺮﻫﺎ ﰲ ﻣﺠﺮﻯ ﺍﻟﺴﱠﻴﻞ ،ﻗﻮﱠﺓَ
ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻭﱠﻟﻴﱠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺮﱢﻛﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞٍ ﺳﺮﱢﻱ.
IV
ﻻ ﳝﻜﻨﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻨﻔﻲ ﻋﻦ ﻓﻜﺮﺓ "ﺍﻟﺒﻠﻮﺭﺓ" ﻫﺬﻩ ،ﳒﺎﺣﺎً ﺃﻭﱠﻟﻴﱠﺎً ﻭﺍﺿﺤﺎً ﺑﺸﻜﻞٍ ﻛﺒﻴﺮ.
ﻓﻤﻦ ﺍﻟﺸﱠﺎﺋﻊ ﺟﺪﱠﺍً ،ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﺃﻥ ﻧﻜﺘﺸﻒ ﺧﻄﺄﻧﺎ ﻃﻴﻠﺔ ﻏﺮﺍﻣﻴﱠﺎﺗﻨﺎ ﻛﻠّﻬﺎ .ﻟﻘﺪ ﺍﻓﺘﺮﺿﻨﺎ
ﰲ ﺍﶈﺒﻮﺏ ﻟﻄﺎﺋﻒ ﻭﺟﻤﺎﻻً ﻏﺎﺋﺒﺔ ﻋﻨﻪ .ﺃﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﺼﻮﺏ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ؟ ﺃﻧﺎ ﻻ
ﺃﺣﺴﺐ ﺫﻟﻚ .ﻧﻌﻢ ،ﳝﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺍﺏ ،ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺍﺏ ﺑﺈﻓﺮﺍﻁ .ﺇﻧﱠﺎ ﻭﺇﻥ
ﻛﻨﱠﺎ ﻧُﺨﻄﺊ ﻛﻞ ﺳﺎﻋﺔ ﰲ ﺗﻌﺎﻣﻠﻨﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﺇﻻﱠ ﺃﻧﱠﻨﺎ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻧﻜﻮﻥ ﰲ ﺍﳊﺐّ
ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺍﺏ .ﻭﺇﻥﱠ ﺇﺳﻘﺎﻁ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺧﻴﺎﻟﻴﱠﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺣﻘﻴﻘﻲّ ﺗﺤﺪﺙ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ.
ﻭﺇﻥﱠ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﺮﺟﻞِ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀَ –ﻋﺪﺍﻙ ﻋﻦ ﺗﺜﻤﻴﻨﻬﺎ -ﻳﻌﻨﻲ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺇﻛﻤﺎﻟﻬﺎ .ﻭﻟﻘﺪ ﺳﺒﻖ
ﻟﺪﻳﻜﺎﺭﺕ ﺃﻥ ﻻﺣﻆ ﺃﻧﱠﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺤﺴﺐ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺮﻯ ﺑﺸﺮﺍً ﳝﺮﱡﻭﻥ ﰲ ﺍﻟﺸﱠﺎﺭﻉ ﻋﻨﺪ ﻓﺘﺢ
ﺍﻟﻨﱠﺎﻓﺬﺓ ،ﺇﻻﱠ ﺃﻧﱠﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﺗﻜﺐ ﺧﻄﺄ .ﻓﻤﺎﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﻯ ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ؟ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﻯ:
Chapeaux et manteaux: rien de plus
"ﻗﺒﱠﻌﺎﺕ ﻭﻣﻌﺎﻃﻒ ﻭﻻ ﺷﻲﺀ ﺁﺧﺮ) "،ﺇﻧﱠﻬﺎ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﺭﺳﱠﺎﻡ ﺍﻧﻄﺒﺎﻋﻲ ،ﻇﺮﻳﻔﺔ،
ﲡﻌﻠﻨﺎ ﻧﻔﻜﱢﺮ ﰲ "ﺍﻟﻔﺮﺳﺎﻥ ﺍﻟﺼﱢﻐﺎﺭ "1ﻟﺒﻼﺛﻜﻴﺚ ﺍﶈﻔﻮﻇﺔ ﰲ ﻣﺘﺤﻒ ﺍﻟﻠﻮﻓﺮ ﻭﺍﻟﺘﻲ
ﻧﺴﺨﻬﺎ ﻣﺎﻧﻴﻪ .(Manetﻭﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺃﺣﺪ ،ﺇﺫﺍ ﺗﻜﻠﱠﻤﻨﺎ ﺑﺪﻗﱠﺔ ،ﻳﺮﻯ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﰲ ﻋﺮﻳﻬﺎ
ﺍﳊﻘﻴﻘﻲ .ﻭﻳﻮﻡ ﻳﺤﺪﺙ ﺫﻟﻚ ،ﺳﻴﻜﻮﻥ ﺁﺧﺮ ﻳﻮﻡ ﰲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﺇﻧﱠﻪ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ.
ﻭﺭﻳﺜﻤﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﺫﻟﻚ ،ﻧﻌﺪّ ﻣﻼﺋﻤﺎً ﺇﺩﺭﺍﻙُ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻭﺳْﻂ ﺿﺒﺎﺏ
ﻓﺎﻧﺘﺎﺯﻱ ،ﻭﻧﻘﺒﺾ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﻜﻞ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﻋﻠﻰ ﺧﻄﻮﻃﻪ ﺍﻷﺭﺿﻴﱠﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ .ﻭﺇﻥﱠ ﻛﺜﻴﺮﺍً
ﻣﻦ ﺍﻟﻨﱠﺎﺱ ،ﺑﻞ ﺃﻏﻠﺒﻬﻢ ،ﻻ ﻳﺼﻠﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ :ﺇﻧﱠﻬﻢ ﻳﻌﻴﺸﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ
V
VI
ﻓﻠﻨﻘﻤﻊ ﺍﳊﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﺮﱡﻭﻣﺎﻧﺴﻴﱠﺔ ،ﻭﻟﻨﻌﺘﺮﻑْ ﺃﻥﱠ ﺍﳊﺐّ -ﻭﺃﻛﺮﱢﺭ ﺃﻧّﻲ ﻻ ﺃﺗﻜﻠﱠﻢ ﻋﻦ
ﺍﳊﺐّ ﺑﺎﳌﻌﻨﻰ ﺍﻟﺪﱠﻗﻴﻖ -ﺣﺎﻟﺔ ﺭﻭﺣﻴﱠﺔ ﺩﻧﻴﺎ ﻭﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﳊﻤﺎﻗﺔ ﺍﳌﺆﻗﱠﺘﺔ .ﻓﻼ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ
ﺃﻥ ﻧﻌﺸﻖ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺇﻓﻨﺎﺀ ﺍﻟﺬّﻫﻦ ﻭﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺗﻘﻠﻴﺺ ﻋﺎﳌﻨﺎ ﺍﳌﺄﻟﻮﻑ.
ﻭﺇﻥﱠ ﻭﺻﻒ "ﺍﳊﺐّ" ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺻﻒَ ،ﻫﻮ ﻛﻤﺎ ﻳُﻼﺣﻆ ،ﻋﻜﺲ ﺍﻟﻮﺻﻒ ﺍﻟﺬﻱ
ﻭﺻﻔﻪ ﺑﻪ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ .ﻓﻌﻮﺿﺎً ﻋﻦ ﻣﺮﺍﻛﻤﺔ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﻛﺜﻴﺮﺓ) ،ﻛﻤﺎﻻﺕ( ﻓﻮﻕ ﺷﻲﺀ ﻛﻤﺎ
ﺗﺰﻋﻢ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﺒﻠﻮﺭﺓ ،ﻓﺈﻥﱠ ﻣﺎ ﻧﺼﻨﻌﻪ ﻫﻮ ﻋﺰﻝ ﺷﻲﺀ ﺑﺸﻜﻞٍ ﻏﻴﺮ ﻃﺒﻴﻌﻲّ ،ﻭﻧﻈﻞّ
-٥٢-
ﻭﺣﻴﺪﻳﻦ ﻣﻌﻪ ﺟﺎﻣﺪﻳﻦ ﻣﺸﻠﻮﻟﲔ ﻛﺎﻟﺪﱢﻳﻚ ﺇﺯﺍﺀ ﺍﳋﻂّ ﺍﻷﺑﻴﺾ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻮّﻣﻪ
ﻣﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻴﱠﺎً.
ﻭﻻ ﺃﺯﻋﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﺃﻥ ﺃﻫﻮﻱ ﺑﺴﻤﻌﺔ ﻭﺍﻗﻌﺔ ﺍﳊﺐّ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﻫﺒﺖ
ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺦَ ﺍﻟﻌﺎﻡّ ﻭﺍﳋﺎﺹ ﻭﻫﺠﺎً ﻋﺠﻴﺒﺎً .ﺍﳊﺐّ ﻋﻤﻞ ﻣﻦ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻔﻦّ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ،
ﻭﻋﻤﻠﻴﱠﺔ ﺭﺍﺋﻌﺔ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻨﱡﻔﻮﺱ ﻭﺍﻷﺟﺴﺎﻡ .ﻟﻜﻨﱠﻪ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺑﻼ ﺭﻳﺐ ،ﻛﻴﻤﺎ ﻳﺤﺪﺙ
ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻴﱠﺎﺕ ﻣﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﱠﺔ ،ﺃﻭﺗﻮﻣﺎﺗﻴﱠﺔ ،ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺭﻭﺣﺎﻧﻴﱠﺔ
ﺣﻘﻴﻘﻴﱠﺔ .ﻭﺇﻥﱠ ﻓﺮﺿﻴﱠﺎﺕ ﺍﳊﺐّ ﺍﻟﺜﱠﻤﻴﻨﺔ ﺟﺪﱠﺍً ﻛﻼً ﲟﻔﺮﺩﻫﺎ ،ﻏﺒﻴﱠﺔ ﺇﻟﻰ ﺣﺪﱟ ﻣﺎ،
ﻭﻫﻲ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ ﺗﻌﻤﻞ ﺑﺸﻜﻞٍ ﻣﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻲّ.
ﻭﻫﻜﺬﺍ ،ﻻ ﻭﺟﻮﺩَ ﳊﺐﱟ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻏﺮﻳﺰﺓ ﺟﻨﺴﻴﱠﺔ .ﻭﺍﳊﺐّ ﻳﻔﻴﺪ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻣﻦ
ﻗﻮﱠﺓٍ ﺧﺎﻡ ،ﻭﻛﻤﺎ ﺗﻔﻴﺪ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺷﺮﺍﻋﻴﱠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﱢﻳﺢ .ﻭﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ ﺁﻟﻴﱠﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻦ
ﺗﻠﻚ ﺍﻵﻟﻴﱠﺎﺕ ﺍﳊﻤﻘﺎﺀ ﺍﳉﺎﻫﺰﺓ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻟﻼﻧﻄﻼﻕ ﺑﺸﻜﻞٍ ﺃﻋﻤﻰ ،ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻳﻔﻴﺪ ﻣﻨﻬﺎ
ﺍﳊﺐّ ﻭﳝﺘﻄﻴﻬﺎ ﺑﺼﻔﺘﻪ ﻓﺎﺭﺳﺎً ﺟﻴﱢﺪﺍً .ﻭﻻ ﻧﻨﺲَ ﺃﻥﱠ ﻛﻞﱠ ﺣﻴﺎﺓ ﺭﻭﺣﻴﱠﺔ ﻋﻠﻴﺎ ﻭﺍﳌﻘﺪﱠﺭﺓ
ﺟﺪﱠﺍً ﰲ ﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ ،ﻣﺤﺎﻟﺔٌ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺍﳋﺪﻣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺆﺩّﻳﻬﺎ ﺁﻟﻴﱠﺎﺕ ﺩﻧﻴﺎ ﻻ ﺗُﺤﺼﻰ.
ﻭﺇﺫﺍ ﺳﻘﻄﻨﺎ ﰲ ﻫﺬﻩ ﺍﳊﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﱢﻴﻖ ﺍﻟﺬّﻫﻨﻲ ،ﻭﺍﳋُﻨﺎﻕ ﺍﻟﻨﱠﻔﺴﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ
ﺍﻟﻌﺸﻖ ،ﻓﻘﺪ ﻫﻠﻜﻨﺎ .ﰲ ﺍﻷﻳﱠﺎﻡ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﺼﺎﺭﻉ .ﻟﻜﻦ ،ﺇﺫﺍ ﺣﺪﺙ ﲟﻘﻴﺎﺱ
ﻣﺎ ﺧﻠﻞ ﺑﲔ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﺍﳌﺼﺮﻭﻑ ﺇﻟﻰ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻭﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻮﻟﻴﻪ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻭﺑﻘﻴﱠﺔ ﺍﻟﻜﻮﻥ،
ﻓﻠﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﰲ ﻗﺪﺭﺗﻨﺎ ﻭﻗﻒ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﱠﺔ.
ﻭﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﻫﻮ ﺃﺩﺍﺓ ﺍﻟﺸّﺨﺼﻴﱠﺔ ،ﺍﻟﻔﺎﺋﻘﺔ؛ ﺇﻧﱠﻪ ﺍﳉﻬﺎﺯ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻈﱢﻢ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ
ﺍﻟﺬﻫﻨﻴﱠﺔ .ﻓﺈﺫﺍ ﺃﺻﻴﺐ ﺑﺎﻟﺸﱠﻠﻞ ،ﻻ ﻳُﺒﻘﻲ ﻟﻨﺎ ﺣﺮﻳﱠﺔً ﻣﺎ ﰲ ﺍﳊﺮﻛﺔ .ﻭﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ
ﻧﻮﺳّﻊ ﻣﺮﱠﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺣﻘﻞ ﻭﻋﻴﻨﺎ ﻛﻴﻤﺎ ﻧﻨﻘﺬ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ .ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﱠﺮﻭﺭﺓ ﲟﻜﺎﻥ ﺃﻥ
ﻧﺪﺧﻞ ﻓﻴﻪ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﺃﺧﺮﻯ ﺗﻨﺘﺰﻉ ﻣﻦ ﺍﶈﺒﻮﺏ ﺍﺣﺘﻜﺎﺭﻩ ﻟﻪ .ﻓﺈﺫﺍ ﺍﺳﺘﻄﻌﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺮﻯ ،ﺇﺑﱠﺎﻥ
ﺍﺣﺘﺪﺍﻡ ﺍﻟﻌﺸﻖ ،ﺍﶈﺒﻮﺏَ ﻓﺠﺄﺓ ﰲ ﻣﻨﻈﻮﺭ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻨﺎ ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﻲ ،ﻓﻘﺪ ﺗﺘﻼﺷﻰ ﻗﺪﺭﺗﻪ
ﺍﻟﺴّﺤﺮﻳﱠﺔ .ﻟﻜﻦ ،ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺻﻨﻊ ﺫﻟﻚ ،ﺃﻥ ﻧﺘﻨﺒﱠﻪ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻷﺧﺮﻯ،
ﺃﻱ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﳔﺮﺝ ﻣﻦ ﻭﻋﻴﻨﺎ ﺫﺍﺗﻪ ،ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺘﻠّﻪ ﻣﻦ ﳓﺐّ ﺍﺣﺘﻼﻻً ﻛﺎﻣﻼً.
ﻟﻘﺪ ﺳﻘﻄﻨﺎ ﰲ ﺣُﺠﺮﺓٍ ﻣﻐﻠﻘﺔٍ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻣَﻨْﻔَﺬٍ ﻓﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﳋﺎﺭﺝ .ﻭﻻ ﳝﻜﻦ
ﻟﺸﻲﺀٍ ﻣﻦ ﺍﳋﺎﺭﺝ ﺃﻥ ﻳﺘﻐﻠﻐﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻳﺴﻬّﻞ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻬﺮﺏ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺜّﻘﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻔﺘﺤﻪ ﻟﻨﺎ.
-٥٣-
ﻭﺇﻥﱠ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻌﺎﺷﻖ ﺗﻔﻮﺡ ﺑﺮﺍﺋﺤﺔ ﺣﺠﺮﺓ ﻣﺮﻳﺾ ﻣﻄﺒﻘﺔ ،ﺫﺍﺕِ ﻫﻮﺍﺀٍ ﺣﺒﻴﺲ ﺗﻐﺬﱢﻳﻪ
ﺍﻟﺮﱢﺋﺎﺕُ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻨﻔﱠﺴﻪ.
ﻟﺬﻟﻚ ﳝﻴﻞ ﻛﻞ ﻋﺸﻖ ﺁﻟﻴﱠﺎً ﳓﻮ ﺍﳉﻨﻮﻥ .ﻓﺈﺫﺍ ﺗُﺮﻙ ﻟﺬﺍﺗﻪ ﻓﺈﻧﱠﻪ ﻳﺘﻀﺎﻋﻒ ﺣﺘﱠﻰ
ﺍﳊﺪﻭﺩ ﺍﻟﻘﺼﻮﻯ ﺍﳌﻤﻜﻨﺔ.
ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﻌﺮﻓﻪ "ﺍﻟﻐﺰﺍﺓ" ﻣﻦ ﻛﻼ ﺍﳉﻨﺴﲔ .ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﺗﺮﻛﱠﺰ ﺍﻧﺘﺒﺎﻩ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻋﻠﻰ
ﺭﺟﻞ ،ﻳﺴﻬُﻞ ﺟﺪﱠﺍً ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺃﻥ ﳝﻸ ﺑﺎﻟَﻬﺎ ﻣﻠﺌﺎً ﻛﺎﻣﻼً .ﻳﻜﻔﻴﻪ ﻟﺬﻟﻚ ﻟﻌﺒﺔٌ
ﺑﺴﻴﻄﺔٌ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﱠﺪﱢ ﻭﺍﻹﺭﺧﺎﺀ ،ﻣﻦ ﺍﻟﺮﱠﺟﺎﺀ ﻭﺍﻻﺯﺩﺭﺍﺀ ،ﻭﻣﻦ ﺍﳊﻀﻮﺭ ﻭﺍﻟﻐﻴﺎﺏ .ﻭﻳﻌﻤﻞ
ﻧﺒْﺾ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻘﻨﻴﱠﺔ ﻛﻤِﺨﻼﺓِ ﻫﻮﺍﺀ ﰲ ﺍﻧﺘﺒﺎﻩ ﺍﳌﺮﺃﺓ ،ﻭﻳﻨﺘﻬﻲ ﺇﻟﻰ ﺇﻓﺮﺍﻏﻪ ﻣﻦ ﻛﻞﱢ ﻣﺎ
ﺗﺒﻘﱠﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ .ﻭﻣﺎ ﺃﺟﻤﻞ ﻗﻮﻝَ ﺷﻌﺒﻨﺎ" :ﳝﺘﺺّ ﺍﻟﺪﱢﻣﺎﻍ"! ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ :ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻳﺬﻫﻠﻬﺎ
ﻭﳝﺘﺼّﻬﺎ ﺷﻲﺀ .ﻭﺇﻥﱠ ﻣﻌﻈﻢ "ﺍﻟﻐﺮﺍﻣﻴﱠﺎﺕ" ﺗﺘﻘﻠّﺺ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻌﺒﺔ ﺍﳌﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﱠﺔ ﺍﻟﺘﻲ
ﺗﻠﻌﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻧﺘﺒﺎﻩ ﺍﻵﺧﺮ.
ﻭﻻ ﻳُﻨﻘِﺬ ﺍﻟﻌﺎﺷﻖَ ﺳﻮﻯ ﺻﺪﻣﺔ ﻳﺘﻠﻘﱠﺎﻫﺎ ﺑﻌﻨﻒ ﻣﻦ ﺍﳋﺎﺭﺝ ،ﻭﻣﻌﺎﻣﻠﺔ
ﻳﺮﻏﻤﻪ ﺃﺣﺪٌ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ .ﻭﻧﻌﻠﻢ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﻐﻴﺎﺏ ﻭﺍﻷﺳﻔﺎﺭ ﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﻋﻼﺟﺎً ﺟﻴﱢﺪ ﺍً
ﻟﻠﻌﺎﺷﻘﲔ .ﻭﻟْﻴُﻼﺣَﻆ ﺃﻧﱠﻬﺎ ﺗﻌﺎﻟﺞ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ .ﻓﺒُﻌﺪ ﺍﻟﺸﱠﻲﺀ ﺍﶈﺒﻮﺏ ﻳﻘﻄﻊ ﻋﻨﻪ
ﺍﻟﻐﺬﺍﺀ ﺗﻨﺒّﻬﻴّﺎً ،ﺇﺫْ ﳝﻨﻊ ﺍﻟﺒﻌﺪُ ﻋﻨﺎﺻﺮَ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﰲ ﺍﻟﺸﻲﺀ ،ﻣﻦ ﺇﺑﻘﺎﺀ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﺣﻴﱠﺎً .
ﻭﺍﻷﺳﻔﺎﺭ ﺇ ﺫْ ﺗُﺠﺒﺮ ﺍﻟﻌﺸﱠﺎﻕ ﻋﻠﻰ ﺧﺮﻭﺟﻬﻢ ﻣﻦ ﺫﻭﺍﺗﻬﻢ ﻣﺎﺩﻳﱠﺎً ،ﻭﺗﺤﻞّ ﺃﻟﻒ ﻣﺸﻜﻠﺔ
ﺻﻐﻴﺮﺓ ﺑﺎﻧﺘﺰﺍﻋﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻹﻃﺎﺭ ﺍﳌﺄﻟﻮﻑ ﻭﺗﻀﻐﻂ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﺄﻟﻒ ﺷﻲﺀ ﻏﺮﻳﺐ،
ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﻜﺴﺮ ﻛﻠﻤﺔ ﺳﺮّ ﺍﻟﻬﻮﺱ ﻭﺗﻔﺘﺢ ﻣﺴﺎﻣﺎﺕٍ ﰲ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﳌﻐﻠﻖ ﺍﻟﺬﻱ
ﻳﺪﺧﻠﻪ ﻣﻊ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﺍﻟﻄّﻠﻖ ،ﺍﳌﻨﻈﻮﺭُ ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﻲّ.
ﻭﻳﺼﺢّ ﻫﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻮﺍﺟﻪ ﺍﻋﺘﺮﺍﺿﺎً ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺧﻄﺮ ﻟﻠﻘﺎﺭﺉ ﺑﻌﺪ ﻗﺮﺍﺀﺗﻪ ﺍﻟﻔﺼﻞ
ﺍﻟﺴﱠﺎﺑﻖ .ﳌﱠﺎ ﻋﺮﱠﻓﻨﺎ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﺃﻧﱠﻪ ﺗﺜﺒﻴﺖ )ﺃﻭ ﺗﺮﻛﻴﺰ( ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﻋﻠﻰ ﺷﺨﺺٍ ﺁﺧﺮ ،ﻟﻢ ﻧﻌﺰﻟﻪ
ﺑﺸﻜﻞٍ ﻛﺎﻑٍ ﻋﻦ ﺃﻟﻒ ﺣﺎﻟﺔ ﰲ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺣﻴﺚ ﺷﺆﻭﻥ ﺳﻴﺎﺳﻴﱠﺔ ﻭﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﱠﺔ ﺫﺍﺕُ ﺧﻄﻮﺭﺓٍ
ﻭﺿﺮﻭﺭﺓٍ ،ﺗﺤﺠﺰ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻨﺎ ﺑﺈﻓﺮﺍﻁ .ﻓﺈﻥﱠ ﻣﻌﻈﻢ ﺇﺛﺎﺭﺓ ﺍﳌﺜﻴﺮ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻦ
ﺍﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻠﻤﻨﺒﱢﻪ ﺑﺎﻟﻀﱠﺮﻭﺭﺓ .ﻭﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻭﻧﺪﺕ Wundtﺃﻭﱠﻝ ﻣﻦ ﻓﺮﱠﻕَ -ﻣﻨﺬ ﺳﺒﻌﲔ
ﻋﺎﻣﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞّ -ﺑﲔ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻲ ﻭﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﺍﻟﺴﱠﻠﺒﻲ .ﻫﻨﺎﻙ ﺗﻨﺒّﻪ ﺳﻠﺒﻲّ ﺇﺫﺍ
ﺩﻭﱠﺕ ﻃﻠﻘﺔ ﰲ ﺍﻟﺸﱠﺎﺭﻉ ،ﺇﺫْ ﺗﻔﺮﺽ ﺍﻟﻀﱠﻮﺿﺎﺀ ﻏﻴﺮُ ﺍﳌﺄﻟﻮﻓﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺮﻭﻋﻴﻨﺎ
-٥٤-
ﺍﻟﺘﻠﻘﺎﺋﻲ ﻭﺗﺮﻏﻤﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ .ﻭﻻ ﻭﺟﻮﺩَ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻔﺮﺽ ﻋﻨﺪ ﻣﻦ ﻳﻌﺸﻖ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻳﺘﱠﺠﻪ
ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻪ ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎﺀ ﺫﺍﺗﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﶈﺒﻮﺏ.
ﻭﻗﺪ ﺗﺼﻒ ﻫﻨﺎ ﺳﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻈﱠﺎﻫﺮﺓ ،ﻣﻮﻗﻔﺎً ﻇﺮﻳﻔﺎً ﺫﺍ ﻭﺟﻬﲔ
ﻧﺘﻨﺒّﻪ ﻓﻴﻪ ﻃﻮﻋﺎً ﻭﻗﺴﺮﺍً ﰲ ﺁﻥٍ ﻭﺍﺣﺪ.
ﺇﺫﺍ ﻓﻬﻤﻨﺎ ﺫﻟﻚ ﻓﻬﻤﺎً ﺩﻗﻴﻘﺎً ،ﳝﻜﻨﻨﺎ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇﻥﱠ ﻛﻞّ ﻣﻦ ﻳﻌﺸﻖ ،ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳَﻌﺸﻖ.
ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺒﻌﺪ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﰲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ،ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻃﺒﻴﻌﻴﱠﺔ ،ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺳﻮﺍﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ
ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻣﺮﺿﻴﱠﺔ .ﻓﺎﳌﻮﺳﻮﺱ ﻻ "ﻳﺜﺒﺖ" ﻋﻨﺪ ﻓﻜﺮﺓ ﲟﻴْﻞٍ ﺫﺍﺗﻲّ .ﻭﺍﳌﺨﻴﻒ ﰲ ﺣﺎﻟﺘﻪ
ﺗﺤﺪﻳﺪﺍً ،ﻫﻮ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ،ﻭﺇﻥْ ﺗﻜﻦ ﻓﻜﺮﺗﻪ ،ﺗﻈﻬﺮ ﰲ ﺩﺍﺧﻠﻪ ﺑﻄﺎﺑﻊ ﻣﻔﺮﻭﺽ ﺷﺮِﺱ
ﻭﻏﺮﻳﺐ ،ﻭﺗﻨﺒﻊ ﻣﻦ "ﺁﺧﺮ" ﻣﺠﻬﻮﻝ ﻭﻏﻴﺮ ﻣﻮﺟﻮﺩ.
ﺗﻮﺟﺪ ﺣﺎﻟﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻘﻂ ﻳﺴﻴﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻨﺎ ﺑﻘﺪﻣﻪ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻟﻴﺘﺜﺒﱠﺖ )ﺃﻭ ﻟﻴﺘﺮﻛّﺰ(
ﻋﻠﻰ ﺷﺨﺺ ﺁﺧﺮ ،ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ،ﺣﺎﻟﺔ ﻋﺸﻖ .ﺇﻧﱠﻬﺎ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﺒﻐﺾ .ﻷﻥﱠ ﺍﳊﺐّ
ﻭﺍﻟﺒﻐﺾ ﺗﻮﺀﻣﺎﻥ ﻋﺪﻭّﺍﻥ ﻣﺘﻤﺎﺛﻼﻥ ﻭﻣﺘﻀﺎﺩﱠﺍﻥ ﰲ ﻛﻞﱢ ﺷﻲﺀ .ﻭﻛﻤﺎ ﻳﻮﺟﺪ ﻋﺸﻖ،
ﻳﻮﺟﺪ "ﺗﺒﺎﻏﺾ" ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻮﻓﺮﺓٍ ﺃﻗﻞّ.
ﻭﺇﺫﺍ ﻃﻠﻌﻨﺎ ﻣﻦ ﻓﺘﺮﺓ ﻋﺸﻖ ،ﳓﺲّ ﺑﺎﻧﻄﺒﺎﻉ ﺷﺒﻴﻪ ﺑﺎﻧﻄﺒﺎﻉ ﺍﻻﺳﺘﻴﻘﺎﻅ ﺍﻟﺬﻱ
ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﳔﺮﺝ ﻣﻦ ﻓﺞّ ﺣﻴﺚ ﺗﺰﺩﺣﻢ ﺍﻷﺣﻼﻡ .ﻭﻧﺪﺭﻙ ﺣﻴﻨﺌﺬٍ ﺃﻥﱠ ﺍﳌﻨﻈﺮ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺃﻭﺳﻊُ
ﻭﺃﻛﺜﺮ ﺗﻬﻮﻳﺔً ،ﻭﻧﻠﻤﺢ ﺍﻻﻧﻐﻼﻕ ﻭﺧﻠﺨﻠﺔ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻛﻠّﻬﺎ ،ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﺫﻫﻨﻨﺎ ﺍﻟﻬﺎﻭﻱ.
ﻭﻧﺸﻌﺮ ﺧﻼﻝ ﻣﺪﱠﺓٍ ﻣﺎ ﺑﺘﺄﺭﺟﺤﺎﺕ ﺍﻟﻨﱠﺎﻗﻬﲔ ﻭﺿﻌﻔﻬﻢ ﻭﻛﺂﺑﺘﻬﻢ.
ﻭﺇﺫﺍ ﺑﺪﺃﺕ ﻋﻤﻠﻴﱠﺔ ﺍﻟﻌﺸﻖ ،ﻓﺈﻧﱠﻬﺎ ﲡﺮﻱ ﺑﺮﺗﺎﺑﺔ ﻣﻮﺋﺴﺔ .ﺃﻱ ،ﺃﻥّ ﻛﻞّ ﻣﻦ ﻳﻌﺸﻖ
ﻳﻌﺸﻖ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻌﺸﻖ :ﺍﻟﺬﻛﻲ ﻛﺎﻷﺣﻤﻖ ،ﻭﺍﻟﺸّﺎﺏّ ﻛﺎﻟﻌﺠﻮﺯ ،ﻭﺍﻟﺒﺮﺟﻮﺍﺯﻱ ﻛﺎﻟﻔﻨﱠﺎﻥ .ﻭﻫﺬﺍ
ﺍﻷﻣﺮ ﻳﺆﻛﺪ ﻃﺎﺑﻌﻪ ﺍﳌﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻲ.
ﺃﻣﱠﺎ ﺍﻟﺸﱠﻲﺀ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻴﺲ ﻣﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﱠﺎً ﺧﺎﻟﺼﺎً ﻓﻴﻪ ،ﻓﻬﻮ ﺑﺪﺍﻳﺘﻪ .ﻟﺬﻟﻚ
ﻫﻲ ﺗﻠﻔِﺖ ﺍﻧﺘﺒﺎﻩ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﺃﻛﺜﺮ ﳑﱠﺎ ﻳﻠﻔﺘﻪ ﺃﻳﱠﻤﺎ ﺟﺎﻧﺐ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﱠﺎﻫﺮﺓ .ﻣﺎ
ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻧﺘﺒﺎﻩ ﺍﻣﺮﺃﺓٍ ﻳﺘﺜﺒﱠﺖ ﻋﻠﻰ ﺭﺟﻞٍ ﻣﻌﻴﱠﻦ ،ﺃﻭ ﺍﻧﺘﺒﺎﻩ ﺭﺟﻞٍ ﻋﻠﻰ ﺍﻣﺮﺃﺓ؟ ﺃﻱّ
ﺻﻨﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﺼّﻔﺎﺕ ﺗَﻬَﺐ ﺷﺨﺼﺎً ﻣﺰﻳﱠﺔ ﺗﺘﻘﺪﱠﻡ ﺻﻒّ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ،ﻏﻴﺮ ﺍﳌﻤﻴﱠﺰ؟
ﻻﺭﻳﺐ ﰲ ﺃﻥﱠ ﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ ﺍﻷﻫﻢّ .ﻟﻜﻨﱠﻪ ﰲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪٍ ﺫﻭ ﺗﻌﻘﻴﺪ ﻛﺒﻴﺮ .ﻷﻧﱠﻪ
-٥٥-
ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻳﺤﺐ ﻳﺤﺐّ ﺍﳊﺐّ ﺫﺍﺗﻪ ،ﻓﻠﻴﺴﻮﺍ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﻳﺤﺒﱡﻮﻥ ﻟﻠﺴﺒﺐ ﺫﺍﺗﻪ .ﻓﻼ
ﺗﻮﺟﺪ ﺧَﻠﱠﺔ ﻣﺎ ﺗُﺤﺐّ ﺑﺸﻜﻞٍ ﺷﺎﻣﻞ .
ﻟﻜﻦ ،ﺃﺣﺮﻯ ﺑﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺒﻴﱢﻦ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻧﺪﺧﻞ ﰲ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺟﺪّ ﺷﺎﺋﻚ ﻛﻤﻮﺿﻮﻉ ﻋﻤﱠﺎ
ﻫﻮ ﺍﶈﺒﻮﺏ ،ﻭﻋﻤﱠﺎ ﻫﻲ ﳕﺎﺫﺝ ﺃﻭﻟﻮﻳﱠﺎﺕ ﺍﳊﺐّ ﺍﳌﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﺃﻥ ﻧﺒﻴﱢﻦ ﺍﻟﺸﱠﺒﻪ ﻏﻴﺮ ﺍﳌﻨﺘﻈﺮ
ﺑﲔ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﺑﺼﻔﺘﻪ ﺷﻠﻼً ﰲ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ،ﻭﺍﻟﺘﱠﺼﻮﱡﻑ ﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﺃﺧﻄﺮ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ،ﺣﺎﻟﺔ
ﺍﻟﺘﱠﻨﻮﱘ ﺍﳌﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ.
VII
ﻋﺸﻖ ﻭﺟﺬﺏ )ﺃﻭ ﻏﻴﺒﻮﺑﺔ ﻭﻭﺟﺪ(
ﻭﺗﻨﻮﻳﻢ ﻣﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ
ﺗﻌﺮﻑ ﺭﺑﱠﺔ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺧﺎﺩﻣﺘَﻬﺎ ﻋﺎﺷﻘﺔً ﺇﺫﺍ ﻻﺣﻈﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺷﺮﻭﺩﻫﺎ ..ﺇﺫ ﻻ ﲤﻠﻚ
ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﳌﺴﻜﻴﻨﺔ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻬﺎ ﺣﺮﱠﺍً ﻟﺘﻌﺒّﺌﻪ ﺟﻬﺔ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﶈﻴﻄﺔ ﺑﻬﺎ .ﺇﻧﱠﻬﺎ ﺗﻌﻴﺶ ﻣﻐﻔّﻠﺔ
ﻭﻣﻨﻜﻔﺌﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﺘﺄﻣﻠﺔ ﰲ ﺩﺍﺧﻠﻬﺎ ﺫﺍﺗﻬﺎ ،ﺻﻮﺭﺓَ ﺍﶈﺒﻮﺏ ﺍﳊﺎﺿﺮ ﺩﺍﺋﻤﺎً.
ﻭﻳُﻀﻔﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﺮﻛﻴﺰُ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﱠﺍﺧﻞ ﺍﻟﺬﱠﺍﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺎﺷﻖ ﻣﻈﻬﺮَ ﻣﺴﺮﻧَﻢٍ ﺃﻭ ﻣﺠﻨﻮﻥٍ
"ﻭﻣﺴﺤﻮﺭ" .ﻭﺍﻟﻌﺸﻖ ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﻓﺘﻨﺔ ﻭﺳﺤﺮ .ﻭﻟﻘﺪ ﺭﻣﺰ ﺷﺮﺍﺏ ﺗﺮﻳﺴﺘﺎﻥ Tristán
ﺍﻟﺴﺤﺮﻱ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺑﺈﻳﺤﺎﺀ ﻣﺮﻥ ،ﺇﻟﻰ ﻋﻤﻠﻴﱠﺔ "ﺍﳊﺐّ" ﺍﻟﻨﱠﻔﺴﻴﱠﺔ.
ﰲ ﺟﻤﻞ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﳌﺴﺘﻌﻤﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻜﺜﱠﻒ ﻓﻴﻬﺎ ﻟُﻤﺢ ﻗﺪﳝﺔ ﺟﺪﱠﺍً ،ﻳﻨﺎﺑﻴﻊُ ﺭﺍﺋﻌﺔٌ ﻣﻦ
ﻋﻠﻢ ﻧﻔﺲ ﺻﺤﻴﺢ ﺑﺈﻓﺮﺍﻁ ،ﻭﻟﻢ ﺗُﺴﺘﻐﻞّ ﺑﻌﺪُ .ﺇﻥﱠ ﻣﺎ ﻳُﻌﺸﻖ ﻫﻮ "ﺳﺤﺮ" ﺩﺍﺋﻤﺎً .ﻭﻟﻘﺪ
ﺑﻴﱠﻦَ ﻟﻨﺎ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﺘﻘﻨﻴﱠﺔ ﺍﻟﺴﺤﺮﻳﺔ ﺍﳌﻌﻄﻰ ﳌﻮﺿﻮﻉ ﺍﳊﺐّ ،ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺬّﻫﻦ ﺍﻟﻐُﻔﻞ ﻣﺒﺪَﻉ ﺍﻟﻠﻐﺔ،
ﻻﺣﻆ ﺍﻟﻄﱠﺎﺑﻊ ﺍﻟﻔﺎﺋﻖ ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﺸﱢﻔﺎﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﻘﻂ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻌﺎﺷﻖ.
ﺇﻥﱠ ﺃﻗﺪﻡ ﺑﻴﺖ ﺷﻌﺮﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﺼّﻴﻐﺔ ﺍﻟﺴﺤﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﱠﻰ .cantus y carmen
ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﺼﻴﻐﺔ ﻭﻧﺘﻴﺠﺘﻬﺎ ﺍﻟﺴﺤﺮﻳﺔ .la incantatioﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺟﺎﺀﺕ encanto
ﺳﺤﺮ ﻭﻓﺘﻨﺔ ﻭﰲ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﺟﺎﺀﺕ charmeﻣﻦ .carmen
ﻟﻜﻦ ،ﻳﻮﺟﺪ ﰲ ﺭﺃﻳﻲ ،ﺃﻳﱠﺎً ﺗﻜﻦ ﺻﻼﺕ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﺑﺎﻟﺴﺤﺮ ،ﺷَﺒَﻪٌ ﺃﻋﻤﻖ ﻣﻦ ﻛﻞﱢ ﻣﺎ
ﻟُﺤﻆ ﺣﺘﱠﻰ ﺍﻵﻥ ،ﺑﲔ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﻭﺍﻟﺘﱠﺼﻮﱡﻑ .ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗُﺴﺘﺸﻒّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺮﺍﺑﺔ
-٥٦-
ﺍﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﻭﺍﻗﻌﺔ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺼﻮﰲ ﻳﺘﺒﻨﱠﻰ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺑﺘﻄﺎﺑﻖٍ ﻣﺬﻫﻞ ﻛﻠﻤﺎﺕٍ ﻭﺻﻮﺭﺍً ﺇﻳﺮﻭﺳﻴﱠﺔ
ﻛﻴﻤﺎ ﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ .ﻭﻗﺪ ﻻﺣﻆ ﺫﻟﻚ ﻛﻞﱞ ﻣﻦ ﺷُﻐﻞ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴّﻴﺔ ،ﻟﻜﻨﱠﻬﻢ
ﺣﺴﺒﻮﺍ ﻛﺎﻓﻴﺎً ﺍﻹﻋﻼﻥ ﺃﻥﱠ ﺍﻷﻣﺮ ﻣﺠﺎﺯﺍﺕ ﻻ ﺃﻛﺜﺮ.
ﻭﻳﺤﺪﺙ ﻣﻊ ﺍﺎﺯ ﻣﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﻣﻊ )ﺍﳌﻮﺿﺔ( .ﻫﻨﺎﻙ ﺃﻧﺎﺱ ﻳﺤﺴﺒﻮﻥ ﺇﺫﺍ
ﻭﺻﻔﻮﺍ ﺷﻴﺌﺎً ﺑﺎﺎﺯ ﺃﻭ ﺍﳌﻮﺿﺔ ﺃﻧﻬﻢ ﻗﺪ ﺃﺯﺍﻟﻮﻩ ،ﻭﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﺑﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ
ﺍﻟﺒﺤﺚ .ﻭﻛﺄﻥ ﺍﺎﺯ ﻭ)ﺍﳌﻮﺿﺔ( ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﺎ ﻭﺍﻗﻌﲔ ﻣﻦ ﻃﺮﺍﺯ ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺫﺍﺗﻬﺎ،
ﻭﻛﺄﻧﱠﻬﻤﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﺰﻭﱠﺩﻳﻦ ﲟﺎ ﻻ ﻳﻘﻞّ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺜﱠﺒﺎﺕ ،ﻭﻏﻴﺮ ﺧﺎﺿﻌﲔ ﻷﺳﺒﺎﺏ ﻭﻗﻮﺍﻧﲔ
ﺟﺪّ ﻓﻌﱠﺎﻟﺔ ﻛﺘﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻢ ﺍﳌﺪﺍﺭﺍﺕ ﺍﻟﻨﱠﺠﻤﻴﱠﺔ.
ﻟﻜﻦ ،ﻟﺌﻦ ﻻﺣﻆ ﻛﻞّ ﻣﻦ ﺩﺭﺱ ﺍﻟﺘﺼﻮﻑ ﻛﺜﺮﺓ ﺍﳌﻔﺮﺩﺍﺕ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ ﻓﻴﻪ ،ﻟﻢ
ﻳﻼﺣﻈﻮﺍ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ ﺍﳌﻤّﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻀﻔﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﱠﺼﻮﱡﻑ ﺧﻄﻮﺭﺗﻪ ﺍﳊﻘﻴﻘﻴﱠﺔ .ﻷﻥﱠ ﺍﻟﻌﻜﺲ
ﺻﺤﻴﺢ .ﻓﺎﻟﻌﺎﺷﻖ ﳝﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺗﻌﺎﺑﻴﺮ ﺩﻳﻨﻴﱠﺔ .ﻓﺎﳊﺐّ ﻋﻨـ ـﺪ ﺃﻓﻼﻃ ـﻮﻥ ﻫﻮﺱ
" ﺁﺇﻟﻬﻲ " .ﻭﻛﻞّ ﻋﺎﺷﻖ ﻳﺴﻤّﻲ ﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻪ "ﺇﻟﻬﻴﱠﺔ" ،ﻭﻳﺤﺲّ ﺑﻘﺮﺑﻬﺎ "ﻛﺄﻧﱠﻪ ﰲ ﺍﻟﺴﱠﻤﺎﺀ"،
ﺇﻟﺦ ...ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﺒﺎﺩﻝ ﺍﻟﻄﱠﺮﻳﻒ ﰲ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺑﲔ ﺍﳊﺐّ ﻭﺍﻟﺘﺼﻮّﻑ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﳔﻤّﻦ ﻭﺟﻮﺩ
ﺃﺱّ ﻣﺸﺘﺮﻙ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ.
ﻭﺍﻟﻌﻤﻠﻴﱠﺔ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻛﻤﻴﻜﺎﻧﻴﺰﻡ ﺳﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻲ ،ﺗﺸﺒﻪ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ .ﺇﻧﱠﻬﺎ
ﺗﺸﺒﻬﻪ ﺟﺪﱠﺍً ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﺗﺘﻄﺎﺑﻖ ﻣﻌﻪ ﺣﺘﱠﻰ ﺑﺎﻟﺘﱠﻔﺼﻴﻞ ﺑﻜﻮﻧﻬﺎ ﺭﺗﻴﺒﺔ ﺑﺸﻜﻞٍ ﻣﻀﺠﺮ.
ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻛﻞّ ﻣﻦ ﻳﺤﺐّ ﻳﺤﺐ ﺍﳊﺐّ ﺫﺍﺗﻪ ،ﻓﺈﻥﱠ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﲔ ﰲ ﻛﻞ ﺍﻷﺯﻣﻨﺔ ﻭﺍﻷﻣﻜﻨﺔ ﻗﺪ
ﺧﻄﻮﺍ ﺍﳋﻄﻮﺍﺕ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ ،ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺫﺍﺗﻬﺎ.
ﺧﺬﻭﺍ ﺃﻱّ ﻛﺘﺎﺏ ﺻﻮﰲ –ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻨﺪ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﲔ ،ﻭﺳﻮﺍﺀ ﺃﻛﺎﻥ ﺇﺳﻜﻨﺪﺭﻳﱠﺎً ﺃﻡ
ﻋﺮﺑﻴﱠﺎً ،ﺟﺮﻣﺎﻧﻴﱠﺎً ﺃﻡ ﺇﺳﺒﺎﻧﻴﱠﺎً ،ﲡﺪﻭﻩ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺑﺼﺪﺩ ﺩﻟﻴﻞ ﻣﺘﻌﺎﻝٍ ،ﻭﺑﺼﺪﺩ ﻃﺮﻳﻖ
ﺍﻟﺬﻫﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﷲ .ﻭﺇﻥﱠ ﺍﶈﻄﱠﺎﺕ ﻭﺍﻟﻌﺮﺑﺎﺕ ﻫﻲ ﻫﻲ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻣﺎ ﻋﺪﺍ ﻓﺮﻭﻗﺎً
ﺧﺎﺭﺟﻴﱠﺔ ﻭﻋَﺮَﺿﻴﱠﺔ.1
) (١ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ،ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﻫﺎﻣﱠﺎً ،ﻫﻮ ﻫﺬﺍ :ﻟﻘـﺪ ﻛـﺎﻥ ﺑﻌـﺾ ﺍﻟـﺼﻮﻓﻴﲔ "ﻓـﻮﻕ ﺫﻟـﻚ" ﻣﻔﻜـﺮﻳﻦ
ﻛﺒﺎﺭﺍً .ﻭﻗﺪ ﻧﻘﻠﻮﺍ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺗﺼﻮّﻓﻬﻢ ،ﺇﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻋﺒﻘﺮﻳﱠـﺔ ﺃﺣﻴﺎﻧـﺎً .ﻭﻫﻜـﺬﺍ ﻛـﺎﻥ ﺃﻓﻠـﻮﻃﲔ
ﻭﺍﳌﻌﻠﻢ ﺇﻳﻜﻬﺎﺭﺕ .ﻟﻜﻦ ﺻﻮﻓﻴّﺘﻬﻢ ﲟﻌﻨﺎﻫﺎ ﺍﻟﺼﱠﺤﻴﺢ ﻣﻄﺎﺑﻘﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻛﺜـﺮ ﺃﺷـﻜﺎﻝ ﺍﳉـﺬﺏ ﺍﻟـﺼﻮﰲ
ﺍﺑﺘﺬﺍﻻً – .ﺍﳌﺆﻟﱢﻒ.
-٥٧-
ﻭﺇﻧﻲ ﺃﻓﻬﻢ ﲤﺎﻡ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻟﺘﱠﻌﺎﻃﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺑﺪﺗﻪ ﺍﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﳓﻮ
ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﲔ ،ﻭﻛﺄﻧﱠﻬﺎ ﺗﺨﺸﻰ ﺃﻥ ﲡﻠﺐ ﻣﻐﺎﻣﺮﺍﺕُ ﺍﳉﺬﺏِ ﻫﺪﺭﺍً ﻟﺴﻤﻌﺔ ﺍﻟﺪﻳﻦ.
ﻭﺻﺎﺣﺐ ﺍﳉﺬﺏ ﻫﻮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﳊﺪّ ﺃﻭ ﺫﺍﻙ ،ﻣﺠﻨﻮﻥ .ﺇﺫْ ﻳﻨﻘﺼﻪ ﺍﻻﻋﺘﺪﺍﻝ
ﻭﺍﻟﻮﺿﻮﺡ ﺍﻟﺬّﻫﻨﻲ .ﻭﻫﻮ ﻳﻀﻔﻲ ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺎﷲ ﻃَﺎﺑﻊَ ﻗﺼْﻒٍ ﻳﺜﻴﺮ ﻧﻔﻮﺭ ﺻﻔﺎﺀ
ﺭﺟﻞ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﳊﻘﻴﻘﻲ ،ﺍﳋﻄﻴﺮ .ﻭﰲ ﺗﻄﺎﺑﻖ ﻧﺎﺩﺭ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ،ﻳﺸﻌﺮ ﺍﳌﻌﻠّﻢ
ﺍﻟﻜﻮﻧﻔﻮﺷﻴﻮﺳﻲ ﺑﺎﺣﺘﻘﺎﺭ ﳓﻮ ﺍﻟﺼﻮﰲ ﺍﻟﻄﺎﻭﻱ ،ﻧﻈﻴﺮ ﺍﻻﺣﺘﻘﺎﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻪ
ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻲ ﺍﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ ﳓﻮ ﺍﻟﺮﺍﻫﺒﺔ ﺍﳌﺴﺘﻨﻴﺮﺓ .ﻭﺇﻥﱠ ﺃﻧﺼﺎﺭ ﺍﻟﻬﺮْﺝ ﰲ ﻛﻞّ ﻧﻈﺎﻡ ﻳﺆﺛﺮﻭﻥ
ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻓﻮﺿﻰ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﲔ ﻭﺳﻜﺮﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﻭﺿﻮﺡ ﺫﻫﻦ ﺍﻟﻜﻬﱠﺎﻥ ﺍﻟﺼﱠﺎﰲ ﻭﺍﳌﻨﻈﱠﻢ ،ﺃﻱ
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ .ﻭﺃﻧﺎ ﺁﺳﻒ ﻟﻌﺪﻡ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻲ ﺃﻥ ﺃﻭﺍﻓﻘﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ .ﳝﻨﻌﻨﻲ
ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺻﺪﻕ .ﺫﻟﻚ ﺃﻥﱠ ﻛﻞّ ﻻﻫﻮﺕ ﻳﺒﺪﻭ ﻟﻲ ﺃﻧﱠﻪ ﻳﻨﻘﻞ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻛﻤﻴﺔً ﺃﻛﺒﺮ ﻣﻦ
ﺍﻷﻟﻮﻫﺔ ،ﻭﶈﺎﺕٍ ﻭﻣﻌﺎﻧﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻮﺍﺟﺪ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﲔ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻌﺎً .ﻓﻌﻮﺿﺎً ﻣﻦ ﺍﻗﺘﺮﺍﺑﻨﺎ
ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﳉﺬْﺏ )ﺃﻭ ﺍﻟﻮﺟﺪ( ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﳕﺴﻚ ﺑﻪ ﺑﻜﻠﻤﺘﻪ ،ﻭﻧﺘﻠﻘﱠﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻴﻨﺎ ﺑﻪ
ﻣﻦ ﺍﻧﻐﻤﺎﺳﺎﺗﻪ ﺍﳌﺘﻌﺎﻟﻴﺔ ،ﰒﱠ ﻧﻨﻈﺮ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﺎ ﻳﻘﺪّﻣﻪ ﻟﻨﺎ ﻳﺴﺘﺤﻖّ ﺍﻟﻌﻨﺎﺀ.
ﻭﺍﳊﻘﻴﻘﺔ ﻫﻲ ﺃﻥﱠ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻨﻘﻠﻪ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﺮﺍﻓﻘﺘﻪ ﰲ ﺳﻔﺮﻩ ﺍﻟﺴﱠﺎﻣﻲ ،ﺷﻲﺀ
ﺿﺌﻴﻞ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ .ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺣﺴﺐ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻷﻭﺭﻭﺑﻴﱠﺔ ﲡﺪ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﺷﻌﻮﺭ ﺟﺪﻳﺪ
ﺑﺎﷲ ،ﻭﻣﻦ ﺗﺤﻘّﻘﺎﺕ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺣﻮﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ ،ﻭﻫﻲ ﺃﻫﻢّ ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﻛﻠﻬﺎ .ﻟﻜﻨﻲ ﺃﺷﻚّ
ﻛﺜﻴﺮﺍً ﺃﻥ ﻳﺄﺗﻲ ﺛﺮﺍﺀُ ﺃﻓﻜﺎﺭﻧﺎ ﺣﻮﻝ ﺍﻷﻟﻮﻫﺔ ﻣﻦ ﻃﺮﻕ ﺍﻟﻘﺼﻒ ﺍﻟﺘﱠﺤﺘﻴﱠﺔ ،ﻭﻟﻴﺲ ﻋﺒﺮ
ﻃﺮﻕ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﳌﻨﻬﺠﻲ ﺍﻟﻨﻴﱢﺮ .ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻼﻫﻮﺕ ﻭﻟﻴﺲ ﻋﺒﺮ ﺍﳉﺬْﺏ )ﺃﻭ ﺍﻟﻐﻴﺒﻮﺑﺔ(.
ﻟﻜﻦ ،ﻓﻠﻨﻌﺪ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﺿﻮﻋﻨﺎ.
ﻭﺍﻟﺘﺼﻮﻑ ﺃﻳﻀﺎً ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻣﻦ ﻇﻮﺍﻫﺮ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ.
ﻭﺃﻭﱠﻝ ﻣﺎ ﺗﻘﺘﺮﺣﻪ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺍﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﺃﻥ ﻧﺮﻛّﺰ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻲﺀ .ﻋﻠﻰ
ﺃﻱّ ﺷﻲﺀ؟ ﺗﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻴﻮﻏﺎ ﻭﻫﻲ ﺗﻘﻨﻴﺔ ﺍﳉﺬﺏ ﺍﻷﺻﺮﻡ ﻭﺍﻷﻋﻠﻢ ﻭﺍﻷﺷﻬﺮ ،ﺑﺬﻛﺎﺀ
ﻋﻦ ﺍﻟﻄﺎﺑﻊ ﺍﳌﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻲ ﻟﻜﻞﱢ ﻣﺎ ﺳﻮﻑ ﻳﺤﺪﺙ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﰒّ ،ﻷﻧﱠﻬﺎ ﲡﻴﺒﻨﺎ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ
ﺍﻟﺴﱡﺆﺍﻝ :ﻧﺮﻛّﺰﻩ ﻋﻠﻰ ﺃﻱّ ﺷﻲﺀ .ﻟﻴﺲ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺇﺫﺍً ،ﻣﺎ ﻳﺼﻒ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﱠﺔ ﻭﻳﻮﺣﻲ ﺑﻬﺎ،
ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻫﻮ ﻳﺼﻠﺢ ﻓﻘﻂ ﻛﺤﺠﱠﺔ ﻛﻴﻤﺎ ﻳﺪﺧُﻞ ﺍﻟﺬﻫﻦ ﰲ ﻣﻮﻗﻒ ﻏﻴﺮ ﻃﺒﻴﻌﻲ .ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ،
ﻳﺠﺐ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﺇﻟﻰ ﺷﻲﺀ ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﱠﻪ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﺼﺮﻑ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﻋﻦ ﺳﺎﺋﺮ ﺃﺷﻴﺎﺀ
-٥٨-
ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻷﺧﺮﻯ .ﻭﻳﺒﺪﺃ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺼﻮﰲ ﺑﺈﻓﺮﺍﻍ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻣﻦ ﺗﻌﺪﱡﺩ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﳌﻮﺟﻮﺩﺓ
ﻓﻴﻪ ﻋﺎﺩﺓ ،ﻭﻳﺴﻤﺢ ﺑﺤﺮﻛﺔ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﻴﱠﺔ .ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻘﻄﺔ ﺍﻻﻧﻄﻼﻕ ﻋﻨﺪ ﺳﺎﻥ
ﺧﻮﺍﻥ ﺩﻳﻼﻛﺮﻭﺙ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻛﻞّ ﺗﻘﺪّﻡ ﻻﺣﻖ "ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺍﻟﻬﺎﺩﺉ" ،ﻭﻛﺴﺮَ ﺣﺪّﺓ ﺍﻟﺸﻬﻮﺍﺕ
ﻭﺍﻟﻔﻀﻮﻝ؛ ﻭﻛﻤﺎ ﺗﻘﻮﻝ ﺳﺎﻧﺘﺎﺗﺮﻳﺴﺎ" :ﺗﺨﻞﱟ ﻛﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻛﻞﱢ ﺷﻲﺀ"؛ ﺃﻱ ،ﻗﻄﻊ ﺟﺬﻭﺭ
ﻣﺼﺎﳊﻨﺎ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﱠﺔ ﺍﳌﺘﻌﺪﱢﺩﺓ ﻛﻴﻤﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ "ﺍﻻﳒﺬﺍﺏ" ﳓﻮ ﺷﻲﺀ ﺁﺧﺮ )ﺣﺴﺐ
ﺳﺎﻧﺘﺎ ﺗﺮﻳﺴﺎ( .ﺑﺎﳌﺜﻞ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻬﻨﺪﻭﺳﻲ ،navatam na pasyatiﺃﻥ ﻳﻜﻒّ ﻋﻦ ﺭﺅﻳﺔ
ﺍﻟﺘﻌﺪﺩ ﻭﺍﻟﺘﻨﻮّﻉ ﻛﺸﺮﻁ ﻟﻠﺪﺧﻮﻝ ﰲ ﺍﻟﺘﺼﻮﻑ.
ﻭﺗُﻨﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﱠﺔ ﺑﺈﺑﻌﺎﺩ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺮﻭﺡ ﻭﻳﺠﻲﺀ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻨﺎ ﰲ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ،
ﺑﺘﺜﺒﻴﺖ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﺗﺜﺒﻴﺘﺎً ﺧﺎﻟﺼﺎً .ﻭﺗُﺴﻤﱠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﻤﺎﺭﺳﺔ ﰲ ﺍﻟﻬﻨﺪ ﻛﺎﺳﻴﻨﺎ ،kasinaﺍﻟﺘﻲ
ﳝﻜﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﻛﻞّ ﺷﻲﺀ .ﻣﺜﻼً :ﻳﺼﻨﻊ ﺍﳌﺘﺄﻣّﻞ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻗﺮﺻﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻄﲔ ﻭﻳﺠﻠﺲ
ﻗﺮﺑﻪ ﻭﻳﺜﺒّﺖ ﻧﻈﺮﺗﻪ ﻋﻠﻴﻪ .ﺃﻭ ﻳﻨﻈﺮ ﻣﻦ ﻣﺮﺗﻔﻊ ﻣﺎ ﺇﻟﻰ ﺟﺮﻳﺎﻥ ﺟﺪﻭﻝ ﺃﻭ ﻳﺘﺄﻣﱠﻞ ﺑﻘﻌﺔ
ﻣﺎ ﻳﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻀﱠﻮﺀ .ﺃﻭ ﻳُﺸﻌﻞ ﻧﺎﺭﺍً ﺃﻭ ﻳﻀﻊ ﺷﺎﺷﺔ ﻳﻔﺘﺢ ﻓﻴﻬﺎ ﺛﻘﺒﺎً ﻭﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﻮﻫﺞ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ ،ﺇﻟﺦ ..ﻭﻳُﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺃﺛﺮ ﻣﺨﻼﺓ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﺫﺍﺗﻪ ﺍﳌﺸﺎﺭ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞُ
ﻭﺍﻟﺬﻱ ﳝﺘﺺّ ﺍﻟﻌﺸﺎﻕ ﲟﻮﺟﺒﻪ" :ﺃﺩﻣﻐﺔ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎً".
ﻭﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺟﺬْﺏ ﺻﻮﰲ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺇﻓﺮﺍﻍ ﻣﺴﺒﻖ ﻟﻠﺬﻫﻦ .ﻳﻘﻮﻝ ﺳﺎﻥ ﺧﻮﺍﻥ
ﺩﻳﻼﻛﺮﻭﺙ" :ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺄﻣﺮ ﺍﷲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﳌﺬﺑﺢ ﺍﻟﺬﻱ ﺗُﻘﺪﱠﻡ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺬﱠﺑﺎﺋﺢ ﻣﻔﺮﻏﺎً ﻣﻦ
ﺍﻟﺪﱠﺍﺧﻞ"" .ﻟﺘُﺪﺭﻙ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﻛﻢ ﻳﺮﻳﺪﻫﺎ ﺍﷲ ﻓﺎﺭﻏﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻛﻠّﻬﺎ" .ﻭﻳﻌﺒّﺮ ﺻﻮﰲ
ﺃﳌﺎﻧﻲ ﺑﻘﻮّﺓ ﺃﻋﻈﻢ ﻋﻦ ﺍﺑﺘﻌﺎﺩ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﻫﺬﺍ ﻋﻦ ﻛﻞّ ﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﺷﻴﺌﺎً ﻭﺍﺣﺪﺍً ،ﺃﻱ ﺍﷲ،
ﻓﻴﻘﻮﻝ" :ﻟﻘﺪ ﻓﻨﻴﺖُ) ."(١ﻭﻳﻘﻮﻝ ﺳﺎﻥ ﺧﻮﺍﻥ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞٍ ﺟﻤﻴﻞ" :ﺃﻧﺎ ﻻﺃﺭﻋﻰ
ﻗﻄﻴﻌﺎً" ،ﺃﻱ ،ﻻ ﺃﺣﺘﻔﻆ ﺑﺎﻧﺸﻐﺎﻝٍ ﻣﺎ.
ﻭﺍﻵﻥ ﻳﺠﻲﺀ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺃﻛﺜﺮ ﺇﺩﻫﺎﺷﺎً :ﻣﺎ ﺇﻥ ﻳُﻔﺮﻍ ﺍﻟﺬﻫﻦ ﻣﻦ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻛﻠّﻬﺎ ،ﺣﺘﱠﻰ
ﻳﺆﻛﺪ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﺼﻮﰲ ﺃﻧﱠﻪ ﻳﺠﺪ ﺍﷲ ﺃﻣﺎﻣﻪ ،ﻭﺃﻧﱠﻪ ﻳﺠﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﳑﻠﻮﺀﺍً ﺑﺎﷲ .ﺃﻱ ،ﺃﻥﱠ ﺍﷲ
ﻳﻜﻤﻦ ﺑﺎﻟﻀﱠﺒﻂ ﰲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﺮﺍﻍ .ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺘﺤﺪﱠﺙ ﺍﳌﻌﻠﻢ ﺇﻳﻜﻬﺎﺭﺕ Eckhartﻋﻦ ":ﺻﺤﺮﺍﺀ
ﺍﷲ ﺍﻟﺼﱠﺎﻣﺘﺔ" ،ﻭﺳﺎﻥ ﺧﻮﺍﻥ ﻋﻦ "ﻟﻴﻞ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﳌﻈﻠﻢ"؛ ﻣﻈﻠﻢ ،ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ،ﻣﻶﻥ ﻧﻮﺭﺍً ،ﺟﺪّ
ﻣﻶﻥ ﺮﺩ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻓﻘﻂ ،ﺣﺘﱠﻰ ﻻ ﻳﺼﻄﺪﻡ ﺍﻟﻨﻮﺭَ ﺷﻲﺀ ﻓﻴﺼﺒﺢ ﻇﻼﻣﺎً" .ﺇﻥﱠ
) (١ﻻ ﺃﺷﻴﺮ ،ﻛﻤﺎ ﻳُﻼﺣﻆ ،ﰲ ﺷﻲﺀ ﺇﻟﻰ "ﺍﻟﻘﻴﻤـﺔ" ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﱠـﺔ ﺍﻟﺘـﻲ ﺗﻨـﺎﻇﺮ "ﺣﺎﻟـﺔ ﺍﳉـﺬﺏ" .ﻓﻬـﺬﻩ ﻫﻨـﺎ
ﺍﺳﻢٌ ﺑﺎﳌﻌﻨﻰ ﺍﻟﺪﱠﻗﻴﻖ ﳊﺎﻟﺔ ﻧﻔﺴﻴﱠﺔ ﺧﺎﺻﱠﺔ ﺑﺎﻟﺼﻮﻓﻴﲔ ﻛﻠّﻬﻢ ﰲ ﻛﻞﱢ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ – .ﺍﳌﺆﻟﱢﻒ.
-٦٢-
"ﺍﷲ ﻭﺍﻟﺮﻭﺡ .ﻭﻻ ﺷﻲﺀ ﺁﺧﺮ؟ ﻻ ﺷﻲﺀ ﺍﻟﺒﺘﱠﺔ" ،ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﺃﻏﺴﻄﲔ.
ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻌﺎﺷﻖ ﻳﺘﻨﻘّﻞ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻧﻨﻔﻌﻪ ﺑﺸﻲﺀ ﺁﺧﺮ ﺳﻮﻯ ﺍﻻﺣﺘﻜﺎﻙ ﲟﺤﻴﻂ
ﺣﺴﺎﺳﻴﺘﻪ .ﻫﻮ ﻳﺮﻯ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻭﻳﻌﺘﻘﺪ ﺃﻧﱠﻬﺎ ﻗُﺮّﺭﺕ ﻣﺴﺒﻘﺎً ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻷﺑﺪ.
ﻭﺍﳊﻴﺎﺓ ﰲ "ﺣﺎﻟﺔ ﺍﳉﺬﺏ" ﺻﻮﻓﻴﱠﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻡ ﻋﺸﻘﻴﱠﺔ ﺗﻔﻘﺪ ﺛﻘﻼً ﻭﺧﺸﻮﻧﺔ.
ﻓﻴﺒﺘﺴﻢ ﺍﻟﺴﱠﻌﻴﺪ ﻟﻜﻞﱢ ﻣﺎ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻪ ﺑﺄﺭﻳﺤﻴﱠﺔ ﺳﻴﺪ ﻋﻈﻴﻢ .ﻟﻜﻦﱠ ﺃﺭﻳﺤﻴﱠﺔ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ
ﺿﺌﻴﻠﺔ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻭﻻ ﺗﺴﺘﻠﺰﻡ ﺟﻬﺪﺍً .ﻭﺃﺭﻳﺤﻴﱠﺘﻪ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺍﻟﺴﱠﺨﺎﺀ ﺟﺪﱠﺍً .ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﻫﻲ
ﺻﺎﺩﺭﺓ ﻋﻦ ﺍﻻﺯﺩﺭﺍﺀ .ﻓﻤﻦ ﻳﺤﺴﺐ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﻋﻠﻴﺎ ﻳﺪﺍﻋﺐ ﺑﺄﺭﻳﺤﻴﱠﺔٍ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ،
ﻛﺎﺋﻨﺎﺕ ﻣﻦ ﺭﺗﺒﺔٍ ﺩﻧﻴﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗُﻠﺤﻖ ﺑﻪ ﺿﺮﺭﺍً ،ﻟﺴﺒﺐ ﺑﺴﻴﻂ ﻛﻮﻧﻪ "ﻻ ﻳﺘﻌﺎﻣﻞ
ﻣﻌﻬﻢ" ﻭﻻ ﻳﻌﻴﺶ ﻣﻌﻬﻢ .ﻭﻗﻤّﺔ ﺍﻻﺯﺩﺭﺍﺀ ﺃﻧﱠﻨﺎ ﻻ ﻧﺘﻔﻀّﻞ ﻓﻨﻜﺸﻒ ﻋﻴﻮﺏ ﺍﻵﺧﺮ .ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ
ﻧُﺴﻘﻂ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻋﻠﻴﺎﺋﻨﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗُﺪﺭﻙ ،ﺿﻮﺀَ ﺳﻌﺎﺩﺗﻨﺎ ﺍﳌﻼﺋﻢ :ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻛﻞّ ﺷﻲﺀ
ﺟﻤﻴﻞ ﻭﻟﻄﻴﻒ ﰲ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﺼﻮﰲ ﻭﻧﻈﻴﺮﻩ ﺍﶈﺐّ .ﻓﺈﺫﺍ ﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻣﺮﱠﺓ ﺃﺧﺮﻯ
ﺑﻌﺪ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺬﻫﻮﻝ ،ﻓﺈﻧﱠﻪ ﻻ ﻳﺮﺍﻫﺎ ﰲ ﺫﺍﺗﻬﺎ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻣﻌﻜﻮﺳﺔ ﰲ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ
ﺍﳌﻮﺟﻮﺩ ﻟﻪ :ﺍﷲ ﺃﻭ ﺍﶈﺒﻮﺏ .ﻭﻣﺎ ﻳﻨﻘﺼﻬﺎ ﻣﻦ ﻟﻄﻒ ،ﺗﻀﻔﻴﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﳌﺮﺁﺓ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ
ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﺄﻣﻠﻬﺎ ﻓﻴﻬﺎ .ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺇﻳﻜﻬﺎﺭﺕ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺒﺬ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻓﺘﻠﻘﱠﺎﻫﺎ ﻣﺮﱠﺓً ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﷲ،
ﻛﻤﻦ ﻳُﻮﻟﻲ ﺍﳌﻨﻈﺮ ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﻲ ﻇﻬﺮﻩ ﻓﻴﺠﺪﻩ ﻣﻌﻜﻮﺳﺎً ﻣﺠﺴﱠﺪﺍً ﰲ ﺳﻄﺢ ﺍﻟﺒﺤﻴﺮﺓ
ﺍﻟﺼﱠﻘﻴﻞ ﺍﻟﺮﱠﺍﺋﻊ .ﺃﻭ ﻛﺄﺷﻌﺎﺭ ﻣﻮﺍﻃﻨﻨﺎ ﺳﺎﻥ ﺧﻮﺍﻥ ﺩﻳﻼﻛﺮﻭﺙ ،ﺍﳌﺸﻬﻮﺭﺓ:
ﻣﻀﻰ ﻋﺒﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻳﻜﺔ ﺑﺴﺮﻋﺔ
ﺳﺎﻛﺒﺎً ﺃﻟﻒ ﺟﻤﺎﻝ.
ﻭﺇﺫْ ﺳﺎﺭ ﻧﺎﻇﺮﺍً ﺇﻟﻴﻬﺎ
ﺑﺼﻔﺤﺔ ﻭﺟﻬﻪ ﻭﺣﺪﻫﺎ
ﺟﻌﻠﻬﺎ ﺗﻜﺘﺴﻲ ﺑﺎﳉﻤﺎﻝ.
ﻭﻳﻀﻐﻂ ﺍﻟﺼﻮﰲ ﻧﻔﺴﻪ ﺇﺳﻔﻨﺠﺔ ﺍﻷﻟﻮﻫﺔ ،ﻗﻠﻴﻼً ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ :ﺣﻴﻨﺌﺬٍ ﺗﺮﺷﺢ
ﺍﻷﻟﻮﻫﺔُ ﺳﺎﺋﻠﺔ ﻭﺗﻄﻠﻴﻬﺎ .ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﶈﺐّ.
ﻟﻜﻨﱠﻨﺎ ﺳﻨﺴﻘﻂ ﰲ ﺍﳋﻄﺄ ﺇﺫﺍ ﺷﻜﺮﻧﺎ ﻟﻠﺼّﻮﰲ ﺃﻭ ﻟﻠﻌﺎﺷﻖ ﻫﺬﻩ
"ﺍﻷﺭﻳﺤﻴﱠﺔ" .ﺇﻧﱠﻬﻤﺎ ﻳﺤﺘﻔﻴﺎﻥ ﺑﺎﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺑﺬﺍﺕ ﻋﺪﻡ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﺑﻬﻢ ﰲ ﺍﳊﻘﻴﻘﺔ.
ﺇﻧﱠﻬﻤﺎ ﳝﻀﻴﺎﻥ ﻟﺸﺄﻧﻬﻤﺎ ﺑﺴﺮﻋﺔ .ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﻳﺰﻋﺠﻬﻤﺎ ﻗﻠﻴﻼً ﺃﻥ ﻳُﺤﺘﺠﺰَﺍ ﻛﺜﻴﺮﺍً،
-٦٣-
ﻛﻤﺎ ﻳﺰﻋﺞ ﺍﻟﺴﻴﺪَ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢَ "ﺍﻫﺘﻤﺎﻡُ ﺍﻟﻔﻼﱠﺣﲔ" .ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻄﻴﻔﺔً ﻋﺒﺎﺭﺓُ ﺳﺎﻥ
ﺧﻮﺍﻥ ﺩﻳﻼﻛﺮﻭﺙ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻘﻮﻝ:
ﺃﺑﻌﺪﻫﻢ ،ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﻲ
ﻓﺄﻧﺎ ﺃﻃﻴﺮ ﻃﻴﺮﺍﻧﺎً.
ﻭﺇﻥﱠ ﻟﺬّﺓ "ﺣﺎﻟﺔ ﺍﳉﺬﺏ" ،ﺃﻳﻨﻤﺎ ﻣﺜُﻠﺖ ،ﺗﻜﻤﻦ ﰲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﳌﺮﺀ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ
ﻭﺧﺎﺭﺝ ﺫﺍﺗﻪ .ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺗﻌﻨﻴﻪ ﺣﺮﻓﻴﱠﺎً :ex-tasisﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻭﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ.
ﻭﻳﺼﻠﺢ ﺃﻥ ﻧﻼﺣﻆ ﻫﻨﺎ ،ﺃﻥﱠ ﻫﻨﺎﻙ ﳕﻮﺫﺟﲔ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻻ ﻳﻠﺘﻘﻴﺎﻥ :ﺃﻭﻟﺌﻚ
ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸﻌﺮﻭﻥ ﺑﺎﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺃﻧﱠﻬﺎ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﺬﺍﺕ ،ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸﻌﺮﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﻣﻨﻬﻢ،
ﺑﺎﻟﻬﻨﺎﺀ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﰲ ﻛﺎﻣﻞ ﻭﻋﻴﻬﻢ .ﻭﻛﺜﻴﺮﺓ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﳌﻮﺟﻮﺩﺓ ﻟﻠﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ
ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺑﺪﺀﺍً ﻣﻦ ﺍﳋﻤﺮﺓ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻐﻴﺒﻮﺑﺔ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﱠﺔ .ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﱠﺍً ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﻲ
ﺗُﺤﺪﺙ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺑﺪﺀﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﺵ ﺣﺘﱠﻰ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ .ﻭﻫﺎﺗﺎﻥ ﺍﻟﻔﺌﺘﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ
ﺗﺒﺘﻌﺪﺍﻥ ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ ﰲ ﻛﻞﱢ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎﺕ ﺍﳊﻴﺎﺓ .ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻮﺟﺪ ﺃﻧﺼﺎﺭ ﺍﻟﻔﻦ
"ﺍﻟﻮﺟﺪﻱ" ﺃﻭ ﺍﳉﺬﺑﻲ ،ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻭﻥ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺘﱠﻤﺘﱡﻊ ﺑﺎﳉﻤﺎﻝ ﻳﻜﻮﻥ "ﺑﺎﻻﻧﻔﻌﺎﻝ" .ﻭﻫﻨﺎﻙ
ﺁﺧﺮﻭﻥ ﺑﺎﳌﻘﺎﺑﻞ ،ﻳﺤﻜﻤﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﺘﻌﺔ ﺍﻟﻔﻨﻴﺔ ﺍﳊﻘﻴﻘﻴﱠﺔ ﺑﺎﳊﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻔﺎﺀ
ﺍﻟﺬﻫﻨﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﺘﺄﻣّﻞ ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ ﺫﺍﺗﻪ ﺗﺄﻣﱡﻼً ﺑﺎﺭﺩﺍً ﻭﻭﺍﺿﺤﺎً.
ﻟﻘﺪ ﺻﺮﱠﺡَ ﺑﻮﺩﻟﻴﺮ Beaudelaireﺗﺼﺮﻳﺤﺎً ﺟﺬﺑﻴﱠﺎً ﳌﱠﺎ ﺃﺟﺎﺏ ﻋﻦ ﺳﺆﺍﻝ
ﺣﻮﻝ ﺃﻳﻦ ﻳُﻔﻀﱢﻞ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﺶ" :ﰲ ﺃﻳﱠﻤﺎ ﻣﻜﺎﻥ ،ﰲ ﺃﻳﱠﻤﺎ ﻣﻜﺎﻥ ...ﺷﺮﻁ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ
ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ!".
ﺇﻥﱠ ﺍﻟﺮﱠﻏﺒﺔ ﰲ ﺍﳋﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﱠﺍﺕ ﺧﻠﻘﺖ ﺃﺷﻜﺎﻝَ ﺍﻟﻘﺼْﻒ ﻛﻠﻬﺎ :ﺳﻮﺍﺀ ﺃﻛﺎﻧﺖ
ﺳﻜﺮﺍً ﺃﻡ ﺗﺼﻮﱡﻓﺎً ﺃﻡ ﻋﺸﻘﺎً ،ﺇﻟﺦ .ﻭﺃﻧﺎ ﻻ ﺃﻗﻮﻝ ﺑﺬﻟﻚ ﺇﻧﱠﻬﺎ ﻛﻠّﻬﺎ ﺗﺤﻤﻞ "ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ" ﺫﺍﺗﻬﺎ.
ﺇﻧﱠﻤﺎ ﺃﻭﺣﻲ ﺃﻧﱠﻬﺎ ﺗﻨﺘﻤﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﻨﻒ ﺫﺍﺗﻪ ﻭﻟﻬﺎ ﺟﺬﺭ ﻳﻐﻮﺹ ﰲ ﺍﻟﻘﺼْﻒ .ﻟﺬﻟﻚ ﻟﻢ
ﻳﻜﻦ ﻣﺼﺎﺩﻓﺔً ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﳋﻄﻒ ﺃﻭ ﺍﻻﻧﺘﺰﺍﻉ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻻً ﻣﺘﻄﺎﺑﻘﺎً ﰲ ﺍﻟﺘﺼﻮﻑ
ﻭﺍﳊﺐّ .ﻭﺍﻧﺘﺰﺍﻉ ﺍﳌﺮﺀ ﻫﻮ ﺃﻻ ﻳﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﻴﻪ ﺫﺍﺗﻬﻤﺎ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻫﻮ ﺷﻌﻮﺭﻩ ﺑﺄﻥﱠ ﺃﺣﺪﺍً
ﺃﻭ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﺎ ﻳﺤﻤﻠﻪ .ﻭﺍﳋﻄﻒ ﻫﻮ ﺃﻭﱠﻝ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﳊﺐّ ﻣﺤﻔﻮﻇﺎً ﰲ ﺍﳌﻴﺜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺗﺤﺖ
ﻧﻮﻉ ﺍﻟﺴﻨﻄﻮﺭ 1ﺻﻴﺎﺩ ﺍﳊﻮﺭﻳﱠﺎﺕ ﺍﻟﻼﺗﻲ ﻳﺠﻠﺴﻦ ﻋﻠﻰ ﻛﻔﻠﻴﻪ.
) (١ﻛﺎﺋﻦ ﺧﺮﺍﰲ ﻟﻪ ﺭﺃﺱ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻭﺟﺴﻢ ﺣﺼﺎﻥ ﻭﻣﺨﺎﻟﺐ ﺃﺳﺪ – .ﺍﳌﺘﺮﺟﻢ.
-٦٤-
ﻭﻟﻘﺪ ﻇﻠﱠﺖ ﰲ ﻃﻘﺲ ﺍﻟﺰﱠﻭﺍﺝ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﻲ ﺑﻘﻴﱠﺔٌ ﻣﻦ ﺍﳋﻄﻒ ﺍﻷﺻﻠﻲ :ﺇﺫْ ﻣﺎ
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﺰﱠﻭﺟﺔ ﺑﻴﺖ ﺍﻟﺰﱠﻭﺟﻴﱠﺔ ﺑﻘﺪﻣﻬﺎ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﺍﻟﺰﱠﻭﺝ ﰲ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻟﺌﻼﱠ
ﺗﻄﺄ ﺍﻟﻌﺘﺒﺔ .ﻭﺁﺧﺮ ﺗﺼﻌﻴﺪ ﺭﻣﺰﻱ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺸﱠﻜﻞ "ﻏﻴﺒﻮﺑﺔ" ﺍﻟﺮﺍﻫﺒﺔ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻭﺍﺭﺗﻔﺎﻋﻬﺎ
ﰲ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ،ﻭﺇﻏﻤﺎﺀﺓُ ﺍﻟﻌﺸﱠﺎﻕ.
ﻟﻜﻦﱠ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﻮﺍﺯﻱ ﺍﳌﺪﻫﺶ ﺑﲔ ﺍﳉﺬﺏ ﻭ"ﺍﳊﺐ" ﻳﻜﺘﺴﺐ ﻣﻈﻬﺮﺍً ﺃﺧﻄﺮ
ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺇﺫﺍ ﻗﺎﺭ ﻧﱠﺎ ﺍﻟﺸﻴﺌﲔ ﻛﻠﻴﻬﻤﺎ ﺑﺤﺎﻟﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻏﻴﺮ ﻃﺒﻴﻌﻴﱠﺔ ﻟﻠﺸﱠﺨﺺ :ﻭﻫﻲ
ﺍﻟﺘﱠﻨﻮﱘ ﺍﳌﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ.
ﻟﻘﺪ ﻟﻮﺣﻆ ﻣﺎﺋﺔ ﻣﺮﱠﺓ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺘﱠﺼﻮّﻑ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﺘﻨﻮﱘ ﺍﳌﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ ﺑﺈﻓﺮﺍﻁ .ﺇﺫْ
ﻳﻮﺟﺪ ﰲ ﻫﺬﺍ ﺃﻭ ﺫﺍﻙ ﻏﻴﺒﻮﺑﺔ ﻭﻫﻠﻮﺳﺎﺕ ﻭﺣﺘﱠﻰ ﺁﺛﺎﺭ ﺟﺴﻤﺎﻧﻴﱠﺔ ﻣﺘﻄﺎﺑﻘﺔ ،ﻛﻌﺪﻡ
ﺍﳊﺴﺎﺳﻴﱠﺔ ﻭﺍﻟﺘﱠﺨﺸﱡﺐ.
ﻭﺃﻧﺎ ،ﻣﻦ ﺟﻬﺘﻲ ،ﻛﻨﺖ ﺃﺧﻤّﻦ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻭﺟﻮﺩ ﺗﻘﺎﺭﺏ ﺑﲔ ﺍﻟﺘﻨﻮﱘ ﺍﳌﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ
ﻭﺍﻟﻌﺸﻖ .ﻭﻟﻢ ﺃﺟﺮﺅ ﻗﻂّ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﻍ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴﺮ ،ﻭﺳﺒﺐ ﺫﻟﻚ ﻳﻮﺟﺪ ﻛﻤﺎ ﺃﺭﻯ ،ﰲ ﺃﻥّ
َﺍﻟﺘّﻨﻮﱘ ﺍﳌﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ ﻳﺒﺪﻭ ﻟﻲ ﺃﻳﻀﺎً ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻣﻦ ﻇﻮﺍﻫﺮ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ .ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ،ﻟﻢ ﻳﺪﺭﺱ
ﺃﺣﺪٌ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻤﻲ ،ﺍﻟﺘﻨﻮﱘ ﺍﳌﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ ﺍﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ ﻭﺟﻬﺔ ﺍﻟﻨﱠﻈﺮ ﻫﺬﻩ ،ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮّﻏﻢ ﻣﻦ
ﺃﻧﱠﻪ ﺗﻮﺟﺪ ﰲ ﻣﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﻴﺪ ﻭﺍﻗﻌﺔ ﻛﺎﻟﻨﱠﻮﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﻣﻦ ﺍﳉﺎﻧﺐ ﺍﻟﻨﱠﻔﺴﻲ ،ﺑﺎﳊﺎﻟﺔ
ﺍﻟﺘﱠﻨﺒﱡﻬﻴﱠﺔ .ﻓﻘﺪ ﻻﺣﻆ ﻛﻼﺑﺎﺭﻳﺪ Claparideﻣﻨﺬ ﺳﻨﲔ ﻛﺜﻴﺮﺓ ،ﺃﻧﱠﻨﺎ ﻧﻘﺎﺭﺏ ﺍﻟﻨﱠﻮﻡ ﲟﻘﺪﺍﺭ
ﻣﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺻﺮﻑ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﺑﺎﻷﺷﻴﺎﺀ ،ﻭﺇﻟﻐﺎﺀ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﻟﻬﺎ .ﻭﺗﻜﻤﻦ ﺍﻟﺘﻘﻨﻴﱠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻬّﻞ
ﺍﻟﻨﱠﻮﻡ ﰲ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﺠﻤﻊ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻲﺀ ﻣﺎ ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﻧﺸﺎﻁ ﻣﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻲ ،ﻛﺎﳊﻜﻲ ﻣﺜﻼً.
ﻭﻟْﻨﻘﻞْ ﺇﻥﱠ ﺍﻟﻨﱠﻮﻡ ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﻲ ﻛﻤﺎ ﺍﻟﻐﻴﺒﻮﺑﺔ ﻫﻤﺎ ﺗﻨﻮﱘ ﻣﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ ﺫﺍﺗﻲ.
ﻟﻜﻦ ،ﻫﺎﻫﻮ ﺑﺎﺑﻠﻮ ﺷﻴﻠﺪﺭ ،Schilderﻭﻫﻮ ﺃﺣﺪ ﺃﺫﻛﻰ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﰲ
ﻋﺼﺮﻧﺎ ،ﺭﺃﻯ ﺃﻥْ ﻻ ﻣﺤﻴﺪ ﻋﻦ ﻗﺒﻮﻝ ﻭﺟﻮﺩ ﻗﺮﺍﺑﺔ ﻭﺛﻴﻘﺔ ﺑﲔ ﺍﻟﺘﱠﻨﻮﱘ ﺍﳌﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ
ﻭﺍﳊﺐّ .ﻭﺳﻮﻑ ﺃﺣﺎﻭﻝ ﺗﻠﺨﻴﺺ ﺃﻓﻜﺎﺭﻩ ﺍﻟﺘﻲ ،ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺘﻮﺣﺎﺓ ﻣﻦ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺟﺪّ
ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻦ ﺃﺳﺒﺎﺑﻲ ،ﺗُﻘﻔﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﳊﻠﻘﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻄﺎﺑﻖ ﺑﲔ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﻭﺍﳉﺬﺏ ﺍﻟﺼّﻮﰲ
ﻭﺍﻟﺘﱠﻨﻮﱘ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺎﻭﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺃﻥ ﻳﺒﺮﺯﻩ.
ﻭﻫﺎﻛﻢ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺃﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﺗﻄﺎﺑﻘﺎﺕ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﻣﻊ ﺍﻟﺘﱠﻨﻮﱘ ﺍﳌﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ ،ﺇﻥﱠ
ﺍﻟﺘﱠﺪﺍﺑﻴﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺴﻬّﻞ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﰲ ﺍﻟﺘﱠﻨﻮﱘ ﺍﳌﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ ﲤﺘﻠﻚ ﻗﻴﻤﺔ ﺟﻨﺴﻴﱠﺔ :ﻣﺮﻭﺭ
ﺩﺭﺍﺴﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺏ ﻡ ٥- -٦٥-
ﺍﻟﻴﺪ ﺍﳊﻠﻮ ﻛﺎﳌﺪﺍﻋﺒﺎﺕ؛ ﻭﺍﻟﻜﻼﻡ ﺍﳌﻮﺣﻲ ﻭﺍﳌﻬﺪّﺉ ﰲ ﺁﻥٍ ﻭﺍﺣﺪ ،ﻭ"ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﺍﻟﻔﺎﺗﻨﺔ"؛
ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺍﻵﻣﺮ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺳﻮﺍﺀ ﺑﺎﳊﺮﻛﺔ ﺃﻡ ﺑﺎﻟﺼﱠﻮﺕ .ﻓﺈﺫﺍ ﻧُﻮﱢﻣﺖ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ
ﻣﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻴﱠﺎً ﻓﻤﻦ ﺍﻟﺸﱠﺎﺋﻊ ﺃﻥ ﻳﺘﻠﻘﱠﻰ ﺍﳌﻨﻮﱢﻡ ﳊﻈﺔ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﰲ ﺍﻟﻨﱠﻮﻡ ﺃﻭ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ
ﻟﻼﺳﺘﻴﻘﺎﻅ ،ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓَ ﺍﻟﻜﺴﻴﺮﺓ ﺍﳌﻤﻴﱠﺰﺓ ﺟﺪﱠﺍً ﻟﻺﺛﺎﺭﺓ ﺃﻭ ﺍﻹﺷﺒﺎﻉ ﺍﳉﻨﺴﻴﲔ.
ﻭﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﻳُﻌﻠﻦ ﺍﳌﻨﻮﱠﻡ ﺃﻧﱠﻪ ﺷﻌﺮ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻐﻴﺒﻮﺑﺔ ﺑﺎﻧﻄﺒﺎﻉ ﻟﺬﻳﺬ ﺑﺎﳊﺮﺍﺭﺓ ﻭﺍﻟﺮﱠﺍﺣﺔ ﰲ
ﺃﳓﺎﺀ ﺟﺴﻤﻪ ﻛﻠّﻬﺎ .ﻭﻻ ﻏﺮﺍﺑﺔ ﰲ ﺃﻥ ﻳﻠﻤﺢ ﺃﺣﺎﺳﻴﺲ ﺟﻨﺴﻴﱠﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻗﺎﻃﻊ .ﻭﺗﺘﱠﺠﻪ
ﺍﻹﺛﺎﺭﺓ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﳌﻨﻮﱢﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﻣﺮﺍﻭﺩﺓ ﻏﺮﺍﻣﻴﱠﺔ ﺑﺠﻼﺀ .ﻭﺗﺘﻜﺜﱠﻒ
ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺗﺨﻴﱡﻼﺕ ﺍﳌﻨﻮﱠﻣﺔِ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔُ ،ﰲ ﺫﻛﺮﻳﺎﺕٍ ﺯﺍﺋﻔﺔ ،ﻭﺗﺘّﻬﻢ ﺍﳌﻨﻮﱢﻡ ﺃﻧﱠﻪ ﻋﺒﺚ ﺑﻬﺎ.
ﻭﻳﻘﺪﱢﻡ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﺘﻨﻮﱘ ﺍﳌﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ ﻋﻨﺪ ﺍﳊﻴﻮﺍﻥ ﺑﻌﺾ ﺍﳌﻌﻄﻴﺎﺕ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺼﻠﺔ
ﺑﺎﳌﻮﺿﻮﻉ .ﺇﺫْ ﺗﺤﺎﻭﻝ ﺍﻷﻧﺜﻰ ﰲ ﺍﻟﺼﻨﻒ ﺍﻟﺮﱠﻫﻴﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻨﺎﻛﺐ ﺍﳌﺴﻤﱠﺎﺓ galeodes
،kaspicus Turkestanusﺃﻥ ﺗﻠﺘﻬﻢ ﺍﻟﺬﻛﻮﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻐﺎﺯﻟﻬﺎ .ﻓﺈﺫﺍ ﻭُﻓﱢﻖَ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮُ ﰲ ﺍﻟﻘﺒﺾ
ﺑﻜﻤﱠﺎﺷﺘﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﺑﻄﻦ ﺍﻷﻧﺜﻰ ﰲ ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻌﻴﱠﻨﺔ ،ﺗﺴﻤﺢ ﻫﺬﻩ ﻭﺑﺴﻠﺒﻴﱠﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺃﻥ ﺗﺘﻢّ
ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﱠﺔ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ .ﻭﳝﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺘﻜﺮﱠﺭ ﻋﻤﻠﻴﱠﺔُ ﺷﻞّ ﺍﻷﻧﺜﻰ ﰲ ﺍﳌﺨﺘﺒﺮ ﺑﻠﻤﺲ ﺍﻟﺪﻭﻳّﺒﺔ ﰲ
ﻫﺬﺍ ﺍﳌﻜﺎﻥ ،ﻓﺘﺴﻘﻂ ﻫﺬﻩ ﻟﺘﻮﱢﻫﺎ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﱠﻨﻮﱘ ﺍﳌﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ .ﻟﻜﻨﱠﻨﺎ ﻧﻼﺣﻆ ﺃﻥﱠ
ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﱠﺘﻴﺠﺔ ﻳُﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻘﻂ ﰲ ﻓﺘﺮﺓ ﺍﻟﺸﱠﺒﻖ.
ﻭﻳﺨﺘﺘﻢ ﺷﻴﻠﺪﺭ ﺑﻌﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﻼﺣﻈﺎﺕ" :ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺸﺘﺒﻪ ﰲ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺘﱠﻨﻮﱘ
ﺍﳌﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻫﻮ ﺃﻳﻀﺎً ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﱠﺔ ﺗﺴﺎﻋﺪ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ".
ﰒﱠ ﻳﻨﺤﻮ ﳓْﻮَ ﺍﻟﻔﺮﻭﻳﺪﻳﱠﺔ ﺍﻟﺪﱠﺍﺋﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳُﻨﺒﺬ ﺑﻬﺎ ﻛﻞّ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻭﺍﺿﺢ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ ﺑﲔ
ﺍﻟﺘﱠﻨﻮﱘ ﻭ"ﺍﳊﺐّ".
ﻭﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﺨﺮﺝ ﺃﻛﺒﺮ ﺍﻟﻔﻮﺍﺋﺪ ﻣﻦ ﺍﳌﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﲤﻴﱠﺰﺕ ﺑﻬﺎ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﳌﻨﻮﱠﻡ
ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﱠﺔ .ﺇﻧﱠﻨﺎ ،ﺣﺴﺐ ﺷﻴﻠﺪﺭ ،ﺇﺯﺍﺀ ﺳﻘﻮﻁ ﺟﺪﻳﺪ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﻃﻔﻠﻴﱠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻋﻲ :ﺇﺫْ
ﻳُﺤﺲّ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺴﺘﺴﻠﻤﺎً ﺑﻠﺬﱠﺓ ﺍﺳﺘﺴﻼﻣﺎً ﻛﺎﻣﻼً ﻟﺸﺨﺺ ﺁﺧﺮ
ﻭﻣﺴﺘﺮﻳﺤﺎً ﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻪ .ﻭﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﺎﳌﻨﻮﱢﻡ ﻓﺈﻥﱠ ﺗﺄﺛﻴﺮﻩ ﻳﺼﺒﺢ ﻣﺤﺎﻻً .ﻟﺬﻟﻚ
ﻳﺴﻬّﻞ ﻋﻤﻞَ ﺍﳌﻨﻮﱢﻡ ﻛﻞﱡ ﻣﺎ ﻳﺴﺎﻫﻢ ﰲ ﺭﻓﻊ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ .ﻛﺎﻟﺸﻬﺮﺓ ﻭﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ
ﻭﺍﳌﻈﻬﺮ ﺍﻟﻜﺮﱘ .ﻭﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ،ﻻ ﳝﻜﻦ ﻟﻠﺘﱠﻨﻮﱘ ﺍﳌﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ ﺃﻥ ﻳﺘﻢّ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ
ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺇﻻﱠ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻣﺮﻏﻮﺑﺎً ﻓﻴﻪ.
-٦٦-
ﻭﻟﻴُﻼﺣﻆ ﺃﻥﱠ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﱢﻔﺎﺕ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﳝﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺮﺣّﻞ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺗﺤﻔّﻆ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﻌﺸﻖ .ﻭﻗﺪ ﻻﺣﻈﻨﺎ ﺃﻥّ َﺍﻟﻌﺸﻖ "ﻣﺮﻏﻮﺏ ﻓﻴﻪ" ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻭﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺭﻏﺒﺔ ﰲ ﺍﺳﺘﺴﻼﻡ
ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻭﺍﻻﺳﺘﺮﺍﺣﺔ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻵﺧﺮ .ﺭﻏﺒﺔٌ ﻫﻲ ﰲ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻟﺬﻳﺬﺓ .ﺃﻣﱠﺎ ﺍﻟﺴﻘﻮﻁ
ﺛﺎﻧﻴﺔً ﰲ ﺣﺎﻟﺔٍ ﺫﻫﻨﻴﱠﺔ ﻃﻔﻠﻴﱠﺔ ﻧﺴﺒﻴﱠﺎً ،ﻓﻴﻌﻨﻲ ﺫﺍﺕ ﻣﺎ ﺳﻤّﻴﺘﻪ "ﺿﻴﻘﺎً ﺭﻭﺣﻴﱠﺎً" ﻭﺍﻧﻜﻤﺎﺷﺎً
ﻭﻓﻘﺮﺍً ﰲ ﺍﳊﻘﻞ ﺍﻟﺘﱠﻨﺒﱡﻬﻲ.
ﻭﻻ ﺃﻓﻬﻢ ﺃﻻ ﻳﺸﻴﺮ ﺷﻴﻠﺪﺭ ﺇﻟﻰ ﻣﻴﻜﺎﻧﻴﺰﻡ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﻛﺄﻭﺿﺢ ﻋﺎﻣﻞ ﰲ ﺍﻟﺘﱠﻨﻮﱘ،
ﻋﻠﻰ ﻛﻮﻥ ﺗﻘﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﱠﻨﻮﱘ ﺗﻜﻤﻦ ﺃﺳﺎﺳﺎً ﰲ ﻟﻔﺖ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﺇﻟﻰ ﺷﻲﺀ :ﻣﺮﺁﺓ ،ﻃﺮﻑ
ﻣﺎﺳﺔ ،ﺿﻮﺀ ،ﺇﻟﺦ .ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ،ﺗﺒﻴّﻦ ﻣﻘﺎﺭﻧﺔٌ ﺑﲔ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﳕﺎﺫﺝ ﺍﻟﺸﱠﺨﺼﻴﱠﺔ
ﺣﺴﺐ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﻗﺪﺭﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗُﻨﻮﱠﻡ ﺗﻄﺎﺑﻘﺎً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻣﻊ ﺍﻟﺴﻠْﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺸﻜﻠﻪ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﻨﱠﻤﺎﺫﺝ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﺣﺴﺐ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﻗﺎﺑﻠﻴّﺘﻬﺎ ﻟﺘُﻌﺸﻖ.
ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻋﻨﺼﺮﺍً ﺧﻴﺮﺍً ﻗﺎﺑﻠﻴﱠﺔً ﻟﻠﺘﻨﻮﱘ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮ ،ﺇﺫﺍ ﺃُﺧﺬﺕ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ
ﻛﻠّﻬﺎ ﺑﺎﳊﺴﺒﺎﻥ .ceteris paribusﻟﻜﻦﱠ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﳊﺎﻝ ﺃﻧﱠﻬﺎ ﺃﻃﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮ ﺃﻳﻀﺎً ﻟﻌﺸﻖ
ﺣﻘﻴﻘﻲ .ﻭﺃﻳﱠﺎً ﺗﻜﻦ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﳌﻴﻞ ،ﻓﻼ ﺷﻚّ ﺃﻥﱠ ﺍﺧﺘﻼﻑ
ﺗﺮﻛﻴﺐ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﺍﻟﺘﱠﻨﺒﱡﻬﻲ ﻟﺪﻯ ﺍﳉﻨﺴﲔ ،ﻳﺆﺛّﺮ ﰲ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺈﻓﺮﺍﻁ .ﻭﺇﺫﺍ ﺗﺴﺎﻭﺕ
ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻷﻧﺜﻮﻳﱠﺔ ﺃﻗﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﺿﻴﻖ ﳑﻜﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻛﺮﻳّﺔ :ﻭﻟﺴﺒﺐ ﺑﺴﻴﻂ
ﻫﻮ ﺃﻥﱠ ﻟﻠﻤﺮﺃﺓ ﻧﻔﺴﺎً ﻣﺮﻧﺔ؛ ﻭﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ،ﺣﺴﺒﻤﺎ ﻻﺣﻈﻨﺎ ،ﻫﻮ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﱠﺎﻣﱠﺔ ﺍﻷﻛﺜﺮ
ﲤﺮﻛﺰﺍً ﻭﲡﻤﱡﻌﺎً ﻣﻊ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﺫﺍﺗﻬﺎ ،ﻭﻫﻮ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻳﻌﻄﻲ ﺍﻟﺬّﻫﻦ ﺑﻨﺎﺀﻩ ﻭﻭﺿﻮﺣﻪ .ﻭﺇﻥﱠ
ﻧﻔﺴﺎً ﻣﻮﺣّﺪﺓ ﺟﺪﱠﺍً ﺗﺴﺘﻠﺰﻡ ﻧﻈﺎﻣﺎً ﺗﻨﺒﱡﻬﻴﱠﺎً ﻣﻮﺣﱠﺪﺍً ﺟﺪﱠﺍً .ﻭﻳﺨﻴّﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﳌﺮﺀ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﻨﻔﺲ
ﺍﻷﻧﺜﻮﻳﱠﺔ ﲤﻴﻞ ﻟﻠﻌﻴﺶ ﲟﺤﻮﺭ ﺗﻨﺒﱡﻬﻲ ﻭﺍﺣﺪ ﻳﺤﻂﱡ ﰲ ﻛﻞﱢ ﻓﺘﺮﺓ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻲﺀ
ﻭﺍﺣﺪ .ﺇﺫْ ﻳﻜﻔﻲ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﻨﻮﳝﻬﺎ ﻭﻋﺸﻘﻬﺎ ،ﺍﻟﻘﺒﺾُ ﻋﻠﻰ ﺷﻌﺎﻉ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻬﺎ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ
ﻫﺬﺍ .ﻭﻣﻘﺎﺑﻞ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﺍﻷﻧﺜﻮﻳﱠﺔ ﺫﺍﺕ ﺍﳌﺮﻛﺰ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ،ﺗﻮﺟﺪ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻣﺮﺍﻛﺰ ﻣﺘﻌﺪﱢﺩﺓ
ﰲ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮﻳﱠﺔ .ﻭﻛﻠﱠﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﳌﺮﺀ ﺃﻛﺜﺮ ﺫﻛﻮﺭﺓ ﲟﻌﻨﻰ ﺭﻭﺣﻲ ،ﻳﺠﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﻛﺜﺮ
ﺗﻔﻜّﻜﺎً ﻭﻛﺄﻧﱠﻬﺎ ﻣﻘﺴﱠﻤﺔ ﺇﻟﻰ ﻗﻄﺎﻋﺎﺕ ﻛﺘﻴﻤﺔ .ﻓﺠﺎﻧﺐ ﻣﻨﻪ ﻳﻨﻀﻢّ ﺟﺬﺭﻳﱠﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ
ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺟﺎﻧﺐ ﺁﺧﺮ ﻳﺘﻌﺎﻃﻰ ﺍﻟﻔﻀﻮﻝ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱّ ،ﻭﺟﺎﻧﺐ ﺛﺎﻟﺚ ﻳﻨﻬﻤﻚ
ﰲ ﺍﻟﻠﺬﱠﺓ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ .ﻳﻨﻘﺼﻪ ﺇﺫﺍً ،ﺍﳌﻴﻞُ ﺇﻟﻰ ﲤﺮﻛﺰ ﻣﻮﺣّﺪ ﻟﻼﻧﺘﺒﺎﻩ .ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻳﺴﻮﺩ ﻟﺪﻳﻪ
ﺍﻟﻌﻜﺲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﱡﻚ ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ .ﻷﻥﱠ ﻣﺤﻮﺭ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﺘﻌﺪﱢﺩ .ﻭﻟﻘﺪ
-٦٧-
ﺗﻌﻮﱠﺩﻧﺎ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﳌﺘﻌﺪﱢﺩﺓ ﻭﻋﻠﻰ ﺗﻌﺪﱡﺩﻳﱠﺔ ﺍﺎﻻﺕ ﺍﻟﺬﻫﻨﻴﱠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ
ﻫﺸﱠﺔ ﺍﻟﺘﱠﺮﺍﺑﻂ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ،ﻭﻻ ﻳﺤﺪﺙ ﺷﻲﺀ ﺇﺫﺍ ﻇﻔﺮ ﺑﺎﻧﺘﺒﺎﻫﻨﺎ ﺃﺣﺪُﻫﺎ ﻷﻧﱠﻨﺎ ﻧﻈﻞﱡ
ﺃﺣﺮﺍﺭﺍً ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺗُﻤﺲّ ﺑﻘﻴﱠﺔ ﺍﺎﻻﺕ.
ﺃﻣﱠﺎ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﻌﺎﺷﻘﺔ ﻓﻬﻲ ﺗﻴﺄﺱ ﻋﺎﺩﺓً ،ﺇﺫْ ﻳﺒﺪﻭ ﻟﻬﺎ ﺃﻧﱠﻬﺎ ﻻ ﲡﺪ ﺃﻣﺎﻣﻬﺎ ﺍﻟﺮﺟﻞ
ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺤﺐّ ﺑﻜﻠّﻴّﺘﻪ .ﺑﻞ ﲡﺪﻩ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺷﺎﺭﺩ ﺍﻟﺬّﻫﻦ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﺎ ،ﻭﻛﺄﻧﱠﻪ ﺇﺫﺍ ﺣﻀﺮ ﺍﳌﻮﻋﺪ،
ﻳﺘﺮﻙ ﻣﻘﺎﻃﻌﺎﺕ ﻣﻦ ﺭﻭﺣﻪ ﻣﺒﻌﺜﺮﺓً ﰲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ .ﻭﺍﻟﻌﻜﺲ ﺻﺤﻴﺢ .ﻗﺪ ﺃﺧﺠﻞ ﺍﻟﺮﺟﻞَ
ﺍﳊﺴّﺎﺱ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﺷﻌﻮﺭُﻩ ﺑﺎﻟﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﺍﻻﺳﺘﺴﻼﻡ ﺟﺬﺭﻳﱠﺎً ،ﻭﻋﻦ ﻛﻠﻴّﺔ ﺍﳊﻀﻮﺭ ﺍﻟﺬﻱ
ﺗﻀﻌﻪ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﰲ ﺍﳊﺐّ .ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺴﱠﺒﺐ ،ﻳُﻌﻠﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺃﻧﱠﻪ ﻏﺒﻲّ ﰲ ﺍﳊﺐّ ﻭﻗﺎﺻﺮ
ﻋﻦ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺃﻥ ﲤﻨﺤﻪ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ .ﻭﺗﺒﻌﺎً ﻟﺬﻟﻚ ،ﻓﺈﻥﱠ ﻣﺒﺪﺃ
ﻭﺍﺣﺪﺍً ﻗﺪ ﻳﻔﺴّﺮ ﻣﻴﻞ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺼﻮﱡﻑ ﻭﺍﻟﻨﻮﻡ ﺍﳌﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ ﻭﺍﻟﻌﺸﻖ.
ﻭﺇﺫﺍ ﻋﺪﻧﺎ ﺍﻵﻥ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺷﻴﻠﺪﺭ ،ﻧﺮﻯ ﺃﻧﱠﻪ ﻳﻀﻴﻒ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﻮﱠﺓ ﺍﳊﺐّ
ﻭﺍﻟﺘﱠﺼﻮﱡﻑ ،ﻣﻼﺣﻈﺔً ﻃﺮﻳﻔﺔ ﻭﻫﺎﻣﱠﺔ ﻭﻣﻦ ﳕﻮﺫﺝ ﺟﺴﺪﻱ.
ﺇﻥﱠ ﺍﻟﻨﱠﻮﻡ ﺍﳌﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﰲ ﺍﳌﻘﺎﻡ ﺍﻷﺧﻴﺮ ،ﻋﻦ ﺍﻟﻨﱠﻮﻡ ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﻲ.
ﻟﺬﻟﻚ ،ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻟﻨﺆﻭﻡ ﺫﺍ ﻗﺎﺑﻠﻴﱠﺔ ﳑﺘﺎﺯﺓ ﻟﻠﺘﻨﻮﱘ ﺍﳌﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ .ﺇﺫﺍً :ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻧﱠﻪ
ﺗﻮﺟﺪ ﻋﻼﻗﺔ ﻭﺛﻴﻘﺔ ﺑﲔ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﻨﱠﻮﻡ ﻭﻣﻜﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺸﺮﺓ ﺍﻟﺪﱢﻣﺎﻏﻴﱠﺔ ﻳُﺴﻤﱠﻰ
ﺍﻟﺒﻄﲔ ﺍﻟﺜﱠﺎﻟﺚ .ﺇﺫْ ﺗﺘﻮﺍﻓﻖ ﺍﺿﻄﺮﺍﺑﺎﺕُ ﺍﻟﻨﱠﻮﻡ ﻭﺍﻟﺘﻬﺎﺏ ﺍﻟﺪﱢﻣﺎﻍ ﺍﻟﺴﺒﺎﺗﻲ،
ﻭﺗﻐﻴﱡﺮﺍﺕ ﰲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻀﻮ .ﻭﻳﺤﺴﺐ ﺷﻴﻠﺪﺭ ﺃﻧﱠﻪ ﻭﺟﺪ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﳉﺴﺪﻳﱠﺔ
ﻟﻠﺘﱠﻨﻮﱘ ﺍﳌﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ .ﻟﻜﻦﱠ ﺍﻟﺒﻄﲔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻫﻮ ﰲ ﺁﻥٍ ﻭﺍﺣﺪ "ﻋﻘﺪﺓ ﻋﻀﻮﻳﱠﺔ
ﺟﻨﺴﻴﱠﺔ" ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﺿﻄﺮﺍﺑﺎﺕ ﺟﻨﺴﻴﱠﺔ ﻏﻴﺮ ﻗﻠﻴﻠﺔ.
ﻟﻜﻦﱠ ﺇﳝﺎﻧﻲ ﺑﺎﳌﻮﺍﺿﻊ ﺍﻟﺪﻣﺎﻏﻴﱠﺔ ﺿﻌﻴﻒ ﺇﻟﻰ ﺣﺪﱟ ﻣﺎ .ﺣﻘﱠﺎً ﻻ ﻳﻜﻠﱢﻔﻨﺎ ﺟﻬﺪ ًﺍ
ﺍﻹﳝﺎﻥ ﺃﻧﱠﻪ ﺇﺫﺍ ﺍﺟﺘُﺚﱠ ﺭﺃﺱ ﺭﺟﻞ ﻣﻦ ﺃﺳﺎﺳﻪ ﻳﻜﻒّ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴﺮ ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺭ .ﻟﻜﻦﱠ ﻫﺬﺍ
ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺮﺍﺋﻊ ﻳﺄﺧﺬ ﺑﺎﻟﺘﻼﺷﻲ ﺑﺎﻃّﺮﺍﺩ ﺇﺫﺍ ﺣﺎﻭﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﳓﺪﱢﺩ ﻛﻞ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﻭﻧﺒﺤﺚ ﻟﻬﺎ
ﻋﻦ ﻣﻜﺎﻥ ﻋﺼﺒﻲ .ﻭﺃﺳﺒﺎﺏ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺧﻔﺎﻕ ﻻ ﺗُﺤﺼﻰ ،ﻟﻜﻦﱠ ﺃﻗﺮﺑﻬﺎ ﻳﻜﻤﻦ ﰲ ﺃﻧﱠﻨﺎ ﳒﻬﻞ
ﺗﺮﺍﺑﻂ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﱠﺔ ﺍﳊﻘﻴﻘﻲّ ،ﻭﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻭﺍﻟﺘﺴﻠﺴﻞ ﺍﻟﻬﺮﻣﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻌﻤﻞ ﺑﻪ.
ﻭﻟﻴﺲ ﺳﻬﻼً ﻋﺰﻝُ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﻭﺻﻔﻴﱠﺎً ،ﻭﺍﻟﻜﻼﻡ ﻋﻦ "ﺭﺅﻳﺔ" ﺃﻭ "ﺳﻤﻊ" ﻭ "ﺗﺨﻴﱡﻞ" ﻭ"ﺗﺬﻛّﺮ"
ﻭ"ﺗﻔﻜﻴﺮ" ﻭ "ﺍﻧﺘﺒﺎﻩ" ،ﺇﻟﺦ .ﻟﻜﻨﱠﻨﺎ ﻻ ﻧﻌﺮﻑ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻳﺘﺪﺧﱠﻞ ﰲ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ "ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴﺮُ" .ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ
-٦٨-
ﻻ ﻳﺴﺎﻫﻢ ﰲ "ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ" "ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ" ،ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻜﺲ .ﻟﻴﺲ ﺳﻬﻼً ﺃﻥ ﻧﻮﻓّﻖ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻧﻌﻴّﻦ ﻣﻜﺎﻥ
ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﻛﻞّ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺪﺓ ،ﻭﻇﺎﺋﻒ ﻋﺰﻟﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﳑﻜﻦ.
ﺸﻚّ ،ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ،ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺤﺚّ ﻋﻠﻰ ﺑﺤﺚٍ ﻣﻄﱠﺮﺩٍ ﻳﺰﺩﺍﺩ ﻗﻮﺓ ﺃﻛﺜﺮ ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟ ّ
ﻓﺄﻛﺜﺮ ،ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺼﻠﺢ ﺃﻥ ﻧﺘﻠﻤﱠﺲ ﰲ ﺍﳊﺎﻟﺔ ﺍﻟﺮﱠﺍﻫﻨﺔ ،ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﻟﻬﺎ
ﺻﺪﻯً ﻣﺎ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﺃﻭ ﻣﻌﻜﻮﺱ ﰲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺸﺮﺓ ﺍﻟﺪﻣﺎﻏﻴﱠﺔ ﺍﳌﻮﺿﻮﻋﺔ،
ﺣﺴﺐ ﺷﻴﻠﺪﺭ ،ﰲ ﺧﺪﻣﺔ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺍﻟﻨﱠﻮﻡ ،ﻭﺍﻟﻨﱠﻮﻡ ﺍﳌﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲّ ﻭﺍﳊﺐ .ﺇﻥﱠ ﺍﻟﺼﱢﻠﺔ
ﺍﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻭﺣﻰ ﺑﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚُ ،ﺑﲔ ﻫﺬﻩ ﺍﳊﺎﻻﺕ ﺍﻟﺜﻼﺙ ،ﻭ"ﺍﳉﺬﺏ" ﺍﻟﺼﻮﰲ
ﲡﻌﻠﻨﺎ ﳔﻤّﻦ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺒﻄﲔ ﺍﻟﺜﱠﺎﻟﺚ ﻳﺴﺎﻫﻢ ﺃﻳﻀﺎً ﰲ ﺍﻟﻐﻴﺒﻮﺑﺔ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﱠﺔ .ﻭﻗﺪ ﻳﻔﺴّﺮ
ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﺍﻟﺸﱠﺎﻣﻞ ﻟﻠﻤﻔﺮﺩﺍﺕ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ ﰲ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻓﺎﺕ ﺍﳉﺬﺑﻴﱠﺔ ،ﻭﻟﻠﻤﻔﺮﺩﺍﺕ
ﺍﻟﺼﱡﻮﻓﻴﱠﺔ ﰲ ﺍﳌﺸﺎﻫﺪ ﺍﻟﻐﺮﺍﻣﻴﱠﺔ.
ﻭﻟﻘﺪ ﺭﻓﺾ ﺣﺪﻳﺜﺎً ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﺁﻟّﺮ Allersﰲ ﻣﺤﺎﺿﺮﺓٍ ﻟﻪ ﰲ ﻣﺪﺭﻳﺪ ﻛﻞّ
ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺗﻌﺪّ ﺍﻟﺘﱠﺼﻮﱡﻑ ﻣﺸﺘﻘﱠﺎً ﻣﻦ ﺍﳊﺐّ ﺍﳉﻨﺴﻲّ ﻭﺗﺼﻌﻴﺪﺍً ﻟﻪ .ﻭﻳﺒﺪﻭ ﻟﻲ ﻫﺬﺍ
ﺍﳌﻮﻗﻒ ﺻﺤﻴﺤﺎً ﺟﺪﱠﺍً.
ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺎﻓﻬﺔً ﺑﺸﻜﻞٍ ﻓﻆّ ﺍﻟﻨﱠﻈﺮﻳﱠﺎﺕ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ ﺍﳌﺄﻟﻮﻓﺔ ﻗﺪﳝﺎً ﻋﻦ
ﺍﻟﺘﱠﺼﻮﱡﻑ .ﻟﻜﻦﱠ ﺍﳌﺴﺄﻟﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺍﻵﻥ .ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻫﺬﺍ ﻭﺫﺍﻙ ﺍﻵﺧﺮ ﳝﺘﻠﻜﺎﻥ ﺟﺬﻭﺭﺍً
ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﻭﻳﻌﻨﻴﺎﻥ ﺣﺎﻟﺘﲔ ﺫﻫﻨﻴﱠﺘﲔ ﺫﺍﺗَﻲ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻣﺘﻤﺎﺛﻞ .ﻭﺍﻟﻮﻋﻲ ﰲ ﻫﺬﺍ ﺃﻭ ﺫﺍﻙ
ﻳﺘﱠﺨﺬ ﺷﻜﻼً ﻣﺘﻄﺎﺑﻘﺎً ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ﻳﺜﻴﺮ ﺻﺪﻯً ﻋﺎﻃﻔﻴﱠﺎً ﻭﺍﺣﺪﺍً ،ﺗُﺴﺘﺨﺪﻡ ﻹﻇﻬﺎﺭﻩ ﺍﻟﺼﻴﻎُ
ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﱠﺔ ﻭﺍﻹﻳﺮﻭﺳﻴﱠﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﱠﻮﺍﺀ.
***
ﻭﻳﻬﻤّﻨﻲ ﻋﻨﺪ ﺍﺧﺘﺘﺎﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺃﻥ ﺃﺫﻛّﺮ ﺃﻧّﻲ ﺣﺎﻭﻟﺖ ﻓﻴﻪ ﺃﻥ ﺃﺻﻒ ﺣﺼﺮﺍً
ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺳﻴﺮﻭﺭﺓ ﺍﳊﺐّ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ :ﻭﻫﻲ "ﺍﻟﻌﺸﻖ" .ﻷﻥﱠ ﺍﳊﺐّ ﻋﻤﻠﻴﱠﺔ ﺃﻭﺳﻊ
ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻭﺃﻋﻤﻖ ﻛﺜﻴﺮﺍً ،ﻭﺃﻛﺜﺮ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﱠﺔ ﺑﺠﺪّ ،ﻟﻜﻨﱠﻬﺎ ﺃﻗﻞﱡ ﻋﻨﻔﺎً .ﻭﻛﻞّ ﺣﺐّ ﻳﻌﺒُﺮ ﻣﻨﻄﻘﺔ
ﺟﻨﻮﻥ "ﺍﻟﻌﺸﻖ" .ﻟﻜﻦ ،ﻳﻮﺟﺪ "ﻋﺸﻖ" ﰲ ﺍﳌﻘﺎﺑﻞ ﻻ ﻳﺘﺒﻌﻪ ﺣﺐّ ﺣﻘﻴﻘﻲّ .ﻓﻼ ﳔﻠﻂ
ﺇﺫﺍً ،ﺍﳉﺰﺀَ ﺑﺎﻟﻜﻞّ.
ﻭﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﺎ ﺗُﻘﺎﺱ ﻧﻮﻋﻴﱠﺔ ﺍﳊﺐّ ﺑﻌﻨﻔﻪ .ﻭﻟﻘﺪ ﻛُﺘﺒﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﱠﻔﺤﺎﺕ ﺍﻟﺴﱠﺎﺑﻘﺎﺕ
ﳌﻨﺎﻫﻀﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﳋﻄﺄ ﺍﻟﺸﱠﺎﺋﻊ .ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻠﻌﻨﻒ ﺻﻠﺔ ﺑﺎﳊﺐ ،ﺑﺼﻔﺘﻪ ﺣﺒﱠﺎً .ﺑﻞ ﻫﻮ ﺻﻔﺔ
-٦٩-
"ﻟﻠﻌﺸﻖ" ﻭﳊﺎﻟﺔٍ ﺫﻫﻨﻴﱠﺔٍ ﺩﻧﻴﺎ ﻭﻣﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﱠﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ﳝﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺤﺪﺙ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺗﺪﺧﱡﻞ
ﻓﻌﱠﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﳊﺐّ.
ﻭﺇﻥﱠ ﺭﺫﻳﻠﺔ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺭﺑﱠﻤﺎ ﺃﺗﺖ ﻣﻦ ﻧﻘﺺ ﰲ ﺍﻟﻄﱠﺎﻗﺔ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ ،ﻟﻜﻦ،
ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎﺀ ﺫﻟﻚ ،ﳓﻦ ﻣﻀﻄﱠﺮﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇﻥﱠ ﻓﻌﻼً ﻧﻔﺴﻴﱠﺎً ﻛﻠﱠﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻨﻴﻔﺎً ﻛﺎﻥ
ﺃﺩﻧﻰ ﰲ ﺗﺴﻠﺴﻞ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻬﺮَﻣﻲّ ،ﻭﺃﻗﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﳌﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻲّ ﺍﳉﺴﺪﻱّ،
ﻭﺃﺑﻌﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﺮّﻭﺡ .ﻭﺍﻟﻌﻜﺲ ﺻﺤﻴﺢ .ﻓﻜﻠﱠﻤﺎ ﺍﺻﻄﺒﻐﺖ ﻣﺸﺎﻋﺮﻧﺎ ﺑﺮﻭﺣﺎﻧﻴﱠﺔ ﺃﻛﺒﺮ،
ﺗﻔﻘﺪ ﻋﻨﻔﺎً ﻭﻗﻮﱠﺓ ﻣﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﱠﺔ .ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺇﺣﺴﺎﺱ ﺍﳉﺎﺋﻊ ﺑﺎﳉﻮﻉ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺃﻋﻨﻒ ﻣﻦ
ﺭﻏﺒﺔ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ ﰲ ﺍﻟﻌﺪﻝ.
-٧٠-
ﺍﳊﺐ ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ
I
) (١ﺍﻟﻌﻠﻞ ﺍﻟﱠﺘﻲ ﺗﻔﺴّﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﱠﺓ ﺍﻟﻜﺎﺷﻔﺔ ﺍﻟﱠﺘﻲ ﲤﺘﻠﻜﻬﺎ ﺗﻌـﺎﺑﻴﺮ ﺍﻟﻮﺟـﻪ ﻭﺍﻷﺳـﺎﺭﻳﺮ ﻭﺍﻟﻜﺘﺎﺑـﺔ ﻭﻃﺮﻳﻘـﺔ
ﺍﻟﻠﱠﺒﺲ ،ﳝﻜﻦ ﺃﻥ ﺗُﺮﻯ ﰲ ﺍﻟﺒﺤﺚ "ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺘﱠﻌﺎﺑﻴﺮ ﻛﻈﺎﻫﺮﺓ ﻛﻮﻧﻴﱠﺔ" )ﺍﳌﺸﺎﻫﺪ - .( VII،ﺍﳌﺆﻟﱢﻒ.
-٧٢-
ﻧﻔﻀﱢﻠﻪ ﰲ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻵﺧﺮ ﻳﺮﺳﻢ ﺻﻮﺭﺓ ﻗﻠﺒﻨﺎ .ﺫﻟﻚ ﺃﻥﱠ ﺍﳊﺐﱠ ﻗﻮﱠﺓ ﺗﻄﻠﻊ ﻣﻦ ﺃﻋﻤﻖ ﻣﺎ
ﺗﺤﺖ ﺃﺭﺽ ﺷﺨﺼﻨﺎ ،ﻭﺇﺫﺍ ﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﺳﻄﺢ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺍﳌﺮﺋﻲ ﲡﺮﻑ ﰲ ﻓﻴﻀﺎﻧﻬﺎ
ﻃﺤﺎﻟﺐ ﻭﺃﺻﺪﺍﻓﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻬﺎﻭﻳﺔ ﺍﻟﺪﱠﺍﺧﻠﻴﱠﺔ .ﻭﻟﻮ ﺻﻨﱠﻒ ﻋﺎﻟﻢ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺟﻴﱢﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﻮﺍﺩ
ﻻﺳﺘﻄﺎﻉ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺑﻨﺎﺀ ﻗﻌﺮ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻟﱠﺬﻱ ﺍﻧﺘُﺰﻋﺖْ ﻣﻨﻪ.
ﻗﺪ ﻳُﺮﺍﺩ ﻣﻌﺎﺭﺿﺔ ﺫﻟﻚ ﺑﺎﻟﺘﱠﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﱠﺘﻲ ﺗﺰﻋﻢ ﺃﻥﱠ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻧﻌﺪﱠﻫﺎ ﺫﺍﺕ ﻃﺒﻊ
ﻣﺨﺘﺎﺭ ﺗﺮﻛﱢﺰ ﻫﻮﺍﻫﺎ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻋﻠﻰ ﺭﺟﻞ ﻏﻨﻲﱟ ﻣﺒﺘﺬﻝ ،ﻟﻜﻨﱠﻲ ﺃﺧﻤﱢﻦ ﺃﻥﱠ ﻣﻦ ﻳﺤﻜﻤﻮﻥ
ﻫﻜﺬﺍ ﻳﻌﺎﻧﻮﻥ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ﺧﺪﺍﻋﺎً ﺑﺼﺮﻳﺎً :ﺇﻧﱠﻬﻢ ﻳﺘﻜﻠﱠﻤﻮﻥ ﻣﻦ ﺑُﻌْﺪٍ ﻗﻠﻴﻼً ،ﻭﺍﳊﺐﱡ
ﻫﻮ ﺧﻴﻂ ﺣﺮﻳﺮ ﻧﺎﻋﻢُ ﺍﳊﺒﻜﺔ ﺟﺪﱠﺍً ﻳُﺮﻯ ﻣﻦ ﻗﺮﺏٍ ﻗﺮﻳﺐ ﻓﻘﻂ .ﻭﺇﻥﱠ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﻬﻮﻯ ﰲ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻇﺎﻫﺮﻱﱞ ﻓﺤﺴﺐ .ﻭﻫﻮ ﰲ ﺍﳊﻘﻴﻘﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺟﻮﺩ؛ ﻷﻥﱠ
ﺍﳊﺐﱠ ﺍﳊﻘﻴﻘﻲﱠ ﻭﺍﻟﺰﱠﺍﺋﻒ ﻳﺴﻠﻜﺎﻥ ﻣﺴﺎﻟﻚ ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺔ ﺇﺫﺍ ﻧُﻈِﺮَ ﺇﻟﻴﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ.
ﻟﻜﻦ ،ﻟﻨﻔﺘﺮﺽ ﺣﺎﻟﺔ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻬﻮﻯ ﻓﻌﻠﻴّﺎً :ﻓﺒﺄﻱّ ﺷﻲﺀ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻨﺎ ﺃﻥْ ﻧﻈﻦﱠ؟
ﺑﺄﺣﺪ ﺷﻴﺌﲔ :ﺇﻣﱠﺎ ﺇﻥﱠ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﻗﻠﻴﻞ ﺍﻷﻫﻤﱢﻴﱠﺔ ﻛﻤﺎ ﺣﺴِﺒﻨﺎ ،ﺃﻭ ﺇﻥﱠ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ
ﻓﻌﻼً ﺫﺍﺕ ﻭﺿﻊ ﻣﺨﺘﺎﺭ ﻛﻤﺎ ﻛﻨﱠﺎ ﻧﺘﺼﻮﱠﺭﻫﺎ .
ﻟﻘﺪ ﻋﺮﺿﺖُ ﺗﻜﺮﺍﺭﺍً ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴﺮ ﰲ ﻣﺤﺎﺩﺛﺎﺕ ﻭﻓﺼﻮﻝ ﺟﺎﻣﻌﻴﱠﺔ )ﲟﻨﺎﺳﺒﺔ
ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺃﻱّ ﺷﻲﺀ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻧﺴﻤﱢﻴﻪ ﻃﺒﻌﺎً( ،ﻭﺍﺳﺘﻄﻌﺖ ﺃﻥ ﺃﻻﺣﻆ ﺃﻧﱠﻪ ﻳﺜﻴﺮ ﺑﺸﻜﻞٍ ﺁﻟﻲﱟ
ﺣﺮﻛﺔ ﺃﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺝ ﻭﺍﳌﻘﺎﻭﻣﺔ .ﻭﺇﺫْ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﻻ ﺗﺤﺘﻮﻱ ﰲ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻋﻨﺼﺮﺍً ﻣﺎ
ﻣﺜﻴﺮﺍً ﻟﻠﻐﻴﻆ ﻭﻗﺎﺭﺻﺎً ،ﻓﺈﻥﱠ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﻘﺎﻭﻣﺔ ﺍﻵﻟﻴﱠﺔ ﺗﻌﺎﺩﻝ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎً ﻟﺼﺤﱠﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ .ﻭﻟﻢَ
ﻻ ﻧُﺴﺮّ ﰲ ﺃﻃﺮﻭﺣﺔ ﻋﺎﻣﱠﺔ ،ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﻣﻨﻴﺎﺗﻨﺎ ﺗﻌﺒﻴﺮﺍً ﻋﻦ ﻛﻴﺎﻧﻨﺎ ﺍﳋﻔﻲﱢ؟ ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻥﱠ
ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺃﻧﱠﻪ ﺗﻌﺮﱠﺽ ﻋﻠﻰ ﺣﲔ ﻏﺮﱠﺓ ﻭﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﻟﻬﺠﻮﻡ ﻟﻢ ﻳﺤﺘﻂ ﻟﻪ.
ﻭﻳُﻐﻀﺒﻨﺎ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺃﻥ ﻳﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﺣﺪٌ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻣﻦ ﺷﺨﺼﻨﺎ ﺍﻟﱠﺬﻱ ﻧُﺒﺪﻳﻪ ﰲ
ﻏﻔﻠﺔ ﻣﻨﱠﺎ .ﻓﻴﻤﺴﻚ ﺑﻨﺎ ﻭﳓﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﻬﻴﱠﺌﲔ ،ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺜﻴﺮ ﻏﻀﺒﻨﺎ .ﺇﻧﱠﻨﺎ ﻧﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳُﺤﻜﻢ
ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﻌﺪ ﺇﺧﻄﺎﺭ ﻣﺴﺒﻖ ﻭﺣﺴﺐ ﺍﳌﻮﺍﻗﻒ ﺍﳌﻘﻴﱠﺪﺓ ﺑﺈﺭﺍﺩﺗﻨﺎ ،ﻛﻴﻤﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﺮﺗﱢﺒﻬﺎ
ﻛﻤﺎ ﻧﻔﻌﻞ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﳌﺼﻮﱢﺭ ﺍﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮﺍﰲ) .ﺇﻧﱠﻪ ﺍﻟﺮﱡﻋﺐ ﻣﻦ "ﺍﻟﺘﱢﻠﻘﺎﺋﻴﱠﺔ" .(Instantaneaﺃﻣﱠﺎ
ﻣﻦ ﻭﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﺒﺎﺣﺚ ﰲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ،ﻓﺈﻥ ﻣﺎ ﻳﻬﻤﱡﻪ ﺑﺎﻟﻄﱠﺒﻊ ،ﺩﺧﻮﻟُﻪ ﺍﻟﻐﻴﺮ ﻣﻦ
ﺣﻴﺚ ﺃﻗﻞّ ﻣﺎ ﻳُﺨﻤﱠﻦ ،ﻭﻳﻔﺎﺟﺌﻪ "ﻣﺘﻠﺒﱢﺴﺎً ﺑﺎﳉﺮﻡ ﱠ" .Infraganti
-٧٣-
ﻭﻟﻮ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﺗﺤﻞﱠ ﺑﺸﻜﻞٍ ﻛﺎﻣﻞٍ ﻣﺤﻞﱠ ﺗﻠﻘﺎﺋﻴﱠﺘﻪ ،ﳌَﺎ ﺍﺣﺘﻴﺞ
ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﻮﺹ ﰲ ﺃﻏﻮﺍﺭ ﺷﺨﺼﻴﱠﺘﻪ ،ﺍﻟﺴﱢﺮﱢﻳﱠﺔ .ﻟﻜﻦﱠ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﻓﻘﻂ ﺃﻥ ﺗﻮﻗﻒ ﻣﺪﱠﺓ
ﳊﻈﺎﺕ ﻗﻮﱠﺓ ﺍﻟﺘﱢﻠﻘﺎﺋﻲ .ﻭﺇﻥﱠ ﺗﺪﺧﱠﻞ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻃﻴﻠﺔ ﺣﻴﺎﺓ ﻛﺎﻣﻠﺔ ،ﰲ ﻣﻨﺎﻫﻀﺔ ﺍﻟﻄﱠﺒﻊ ،ﻫﻮ
ﻋﻤﻠﻴّﺎً ﻭﺍﻟﻌﺪﻡ ﺳﻮﺍﺀ .ﺇﻥﱠ ﻃﺒﻌﻨﺎ ﻳﺘﺴﺎﻫﻞ ﺑﺠﺮﻋﺔ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﱠﺰﻳﻴﻒ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻪ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ.
ﻭﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻋﻦ ﺗﺰﻳﻴﻒ ،ﺃﻥ ﻧﺘﻜﻠﱠﻢ ﺿﻤﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﳌﻘﻴﺎﺱ ﺣﻘﱠﺎً ،ﻋﻦ ﺃﻧﱠﻨﺎ ﻧﺘﻤﱢﻢ
ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻭﻧﻜﻤﱢﻠﻬﺎ .ﺇﻧﱠﻬﺎ ﺑﺼﻤﺔ ﺍﻹﺑﻬﺎﻡ ﺍﻟﱠﺘﻲ ﺗﻀﻔﻴﻬﺎ ﺍﻟﺮﱡﻭﺡ )ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻹﺭﺍﺩﺓ( ،ﻋﻠﻰ
ﻃﻴﻨﻨﺎ ﺍﻷﺻﻠﻲ .ﻭﻟﻨﺤﺎﻓﻆْ ﺑﻜﻞﱢ ﺷﺮﻑٍ ﻋﻠﻰ ﺗﺪﺧﱡﻞ ﺍﻟﻘﻮﱠﺓ ﺍﻟﺮﱡﻭﺣﻴﱠﺔ ،ﺍﻵﻟﻬﻲ .ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ
ﻟﺰﺍﻣﺎً ﺃﻥ ﳔﻔﱢﻒ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻼﻡ ،ﻭﺃﻻﱠ ﻧﺆﻣﻦ ﺃﻥﱠ ﺫﻟﻚ ﺍﻷﺛﺮ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ ﳝﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ
ﺗﻠﻚ ﺍﳉﺮﻋﺔ .ﻭﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺗﻌﺪﱠﺍﻫﺎ ﻳﺒﺪﺃ ﺍﻟﺘﱠﺰﻳﻴﻒ ﺍﻟﻔﻌﻠﻲّ .ﻭﺇﺫﺍ ﺳﺎﺭ ﺭﺟﻞ ﻃﻴﻠﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ
ﺧﻼﻓﺎً ﻟﻄﺒﻌﻪ ﺍﻟﻔﻄﺮﻱّ ،ﻓﺈﻧﱠﻪ ﺑﺎﻟﻔﻄﺮﺓ ﻣﻴﱠﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﱠﺰﻳﻴﻒ .ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﻫﻮ ﻣﺮﺍﺀٍ
ﺑﺸﻜﻞٍ ﺻﺮﻳﺢ .ﻭﻣﻦ ﻫﻮ ﻣﺘﻜﻠﱢﻒ ﺑﺸﻜﻞٍ ﻃﺒﻴﻌﻲّ.
ﻛﻠﱠﻤﺎ ﺗﻐﻠﻐﻞ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﺍﳊﺎﻟﻲ ﰲ ﻣﻴﻜﺎﻧﻴﺰﻡ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱّ ،ﺑﺪﺕ ﻭﻇﻴﻔﺔ
ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺑﺸﻜﻞٍ ﻭﺍﺿﺢ ،ﻭﻣﻴﻜﺎﻧﻴﺰﻡ ﺍﻟﺮﱡﻭﺡ ﺑﻌﺎﻣﱠﺔ ،ﺃﻧﱠﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺧﻼﱠﻗﺔ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻫﻲ ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ
ﻣﺼﺤﱢﺤﺔ .ﻭﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻻ ﺗﺤﺮﱢﻙ ﺑﻞ ﺗﻮﻗﻒ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﻧﺪﻓﺎﻉ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﺍﻹﺭﺍﺩﻱ ﺃﻭ ﺫﺍﻙ ﺍﻟﱠﺬﻱ
ﻳﺼﻌﺪ ﻛﻤﺎ ﺍﻟﻨﱠﺒﺎﺕ ،ﻣﻦ ﺗﺤﺖ ﺃﺭﺿﻴﱠﺔ ﻧﻔﺴﻨﺎ .ﻓﺘﺪﺧﱡﻠﻬﺎ ﺇﺫﺍً ،ﺳﻠﺒﻲ .ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﺑﺪﺍ ﺍﻷﻣﺮ
ﻋﻜﺲ ﺫﻟﻚ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ،ﻓﺬﻟﻚ ﻟﻠﺴﺒﺐ ﺍﻟﺘﱠﺎﻟﻲ :ﻳﺤﺪﺙ ﺃﻥ ﻳﻌﻤﻞ ﺃﺣﺪ ﻣﻴﻮﻟﻨﺎ ﺃﻭ ﺇﺣﺪﻯ
ﺷﻬﻮﺍﺗﻨﺎ ﻭﺭﻏﺒﺎﺗﻨﺎ ﺍﳌﺘﺸﺎﺑﻜﺔ ،ﻛﻜﺎﺑﺢ ﳌﻴﻞ ﻭﺭﻏﺒﺔ ﺃﺧﺮﻯ .ﻓﺈﺫﺍ ﺃﻭﻗﻔﺖ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﻜﺎﺑﺢ ،ﻓﺈﻧﱠﻬﺎ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻠﻤﻴﻞ ﺍﳌﻜﺒﱠﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻞُ ،ﺃﻥ ﻳﻨﺴﺎﺏ ﻭﻳﺘﻤﺪﱠﺩ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺎﻣﻞ .ﺣﻴﻨﺌﺬ،
ﺗﺒﺪﻭ ﺇﺭﺍﺩﺗﻨﺎ ﺃﻧﱠﻬﺎ ﲤﺘﻠﻚ ﻗﻮﱠﺓ ﺇﻳﺠﺎﺑﻴﱠﺔ ،ﰲ ﺣﲔ ،ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺸﱠﻲﺀ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﱠﺬﻱ ﻋﻤﻠﺘﻪ ﰲ
ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﻛﺎﻥ ﺭﻓﻊ ﺍﳊﻮﺍﺟﺰ ﺍﻟﱠﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﺒﺢ ﺫﻟﻚ ﺍﻻﻧﺪﻓﺎﻉ ﺍﳌﻮﺟﻮﺩ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ.
ﻭﺍﳋﻄﺄ ﺍﻷﻛﺒﺮ ﻣﻨﺬ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﻨﱠﻬﻀﺔ ﺣﺘﱠﻰ ﺃﻳﱠﺎﻣﻨﺎ ﻫﺬﻩ ﻣﺮﻭﺭﺍً ﺑﺪﻳﻜﺎﺭﺕ ،ﻛﺎﻥ
ﺍﻹﳝﺎﻥ ﺃﻧﱠﻨﺎ ﻧﻌﻴﺶ ﻣﻦ ﻭﻋﻴﻨﺎ ،ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺼﱠﻐﻴﺮ ﻣﻦ ﻛﻴﺎﻧﻨﺎ ﺍﻟﱠﺬﻱ ﻧﺮﺍﻩ ﺑﻮﺿﻮﺡ
ﻭﺍﻟﱠﺬﻱ ﺗﻌﻤﻞ ﻓﻴﻪ ﺇﺭﺍﺩﺗﻨﺎ .ﻭﻳﺒﺪﻭ ﻟﻲ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇﻥﱠ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻘﻼﻧﻲّ ﻭﺣﺮﱞ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻗﺮﻳﺒﺔ
ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺯﺍﺋﻔﺔ .ﻷﻧﱠﻨﺎ ﳕﺘﻠﻚ ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻋﻘﻼً ﻭﺣﺮﱢﻳﱠﺔ .ﻟﻜﻦﱠ ﺍﻟﻘﻮﱠﺗﲔ ﻛﻠﺘﻴﻬﻤﺎ
ﺗﺸﻜﱢﻼﻥ ﻗﺸﺮﺓ ﺭﻗﻴﻘﺔ ﺗﻐﻠﱢﻒ ﻛﺘﻠﺔ ﻛﻴﺎﻧﻨﺎ ﺍﻟﱠﺬﻱ ﺩﺍﺧﻠﻪ ﻟﻴﺲ ﻋﻘﻼﻧﻴّﺎً ﻭﻻ ﺣﺮﱠﺍً .ﻭﺇﻥﱠ
-٧٤-
ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟّﺘﻲ ﺗﺸﻜﱢﻞ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺗﺼﻠﻨﺎ ﺟﺎﻫﺰﺓ ﻧﺎﺟﺰﺓ ﻣﻦ ﻗﻌﺮ ﻣﻈﻠﻢ ﺿﺨﻢ ﻳﻘﻊ
ﻓﻴﻤﺎ ﺗﺤﺖ ﻭﻋﻴﻨﺎ .ﻭﺭﻏﺒﺎﺗﻨﺎ ﺑﺎﳌﺜﻞ ،ﲤﺜُﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺮﺡ ﺫﻫﻨﻨﺎ ﺑﻮﺿﻮﺡ ،ﻛﻤﻤﺜﱢﻠﲔ ﻳﺄﺗﻮﻥ
ﻻﺑﺴﲔ ﺛﻴﺎﺑﻬﻢ ﻭﻳﺘﻠﻮﻥ ﺃﺩﻭﺍﺭﻫﻢ ﻣﻦ ﺑﲔ ﺃﻃﺮ ﺍﳌﺴﺮﺡ ﺍﻟﻐﺎﻣﻀﺔ ﺍﳌﻈﻠﻤﺔ .ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ
ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇﻥﱠ ﻣﺴﺮﺣﺎً ﻫﻮ ﺍﻟﻘﻄﻌﺔ ﺍﻟﱠﺘﻲ ﺗُﻤﺜّﻞ ﻋﻠﻰ ﺧﺸﺒﺘﻪ ﺍﳌﻀﺎﺀﺓ ،ﻳﺒﺪﻭ ﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞﱢ،
ﻏﻴﺮ ﺻﺤﻴﺢ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇﻥﱠ ﺭﺟﻼً ﻳﻌﻴﺶ ﻣﻦ ﻭﻋﻴﻪ ،ﻭﻣﻦ ﺭﻭﺣﻪ .ﻭﺍﳊﻘﻴﻘﺔ ،ﺇﺫﺍ ﺍﺳﺘﺜﻨﻴﻨﺎ
ﺗﺪﺧﱡﻞ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺴﱠﻄﺤﻲ ،ﻫﻲ ﺃﻧﱠﻨﺎ ﻧﻌﻴﺶ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﻻ ﻋﻘﻼﻧﻴﱠﺔ ﺗﺼﺐﱡ ﰲ ﺍﻟﻮﻋﻲ
ﺃﺻﻞ ﺍﳊﻮﺽ ﺍﻟﻜﺎﻣﻦ ،ﻭﺗﻌﻴﺶ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻌﺮ ﻏﻴﺮ ﺍﳌﺮﺋﻲ ﺍﻟﱠﺬﻱ ﻫﻮ ﳓﻦ ﺫﺍﺗﻨﺎ ،ﰲ
ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ .ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﻮﱠﻝ ﺇﻟﻰ ﻏﻮﱠﺍﺹ ﻳﻐﻮﺹ ﺗﺤﺖ ﺳﻄﺢ
ﻛﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻐﻴﺮ ﻭﺃﻓﻌﺎﻟﻪ ﻭﺃﻓﻜﺎﺭﻩ ﺍﻟﱠﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﺠﺮﱠﺩ ﺧﺸﺒﺔ ﻣﺴﺮﺡ .ﻭﺍﳌﻬﻢﱡ ﻣﺎ ﻭﺭﺍﺀ ﺫﻟﻚ
ﻛﻠّﻪ .ﻷﻥﱠ ﺍﳌﺸﺎﻫﺪ ﻳﻜﻔﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺮﻯ ﻫﺎﻣﻠﺖ ﺍﻟﱠﺬﻱ ﻳﺠﺮﱡ ﺗﻌﺒﻪ ﺇﻟﻰ ﺣﺪﻳﻘﺔ ﻭﻫﻤﻴﱠﺔ .ﺃﻣﱠﺎ
ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﻓﻴﻨﺘﻈﺮﻩ ﻣﺘﻰ ﺧﺮﺝ ،ﻋﻨﺪ ﺑﺎﺏ ﺧﺸﺒﺔ ﺍﳌﺴﺮﺡ ،ﻭﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﻌﺮﻑ ﰲ
ﻋﺘﻤﺔ ﺍﻟﺴﱠﺘﺎﺋﺮ ﻭﺍﳌﺘﺎﻉ ،ﻣﻦ ﻫﻮ ﺍﳌﻤﺜﱢﻞ ﺍﻟﱠﺬﻱ ﻣﺜﱠﻞ ﻫﺎﻣﻠﺖ.
ﺇﺫﺍً ،ﻃﺒﻴﻌﻲﱞ ﺃﻥ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻷﺑﻮﺍﺏ ﺍﳌﺴﺤﻮﺭﺓ ﻭﺍﻟﻔﺘﺤﺎﺕ ﺍﻟﱠﺘﻲ ﻳﻨﺰﻟﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻟﻰ
ﺃﻋﻤﺎﻕ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ .ﻭﺍﳊﺐﱡ ﺃﺣﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺑﻮﺍﺏ ﺍﳌﺴﺤﻮﺭﺓ .ﻭﺑﺎﻃﻞٌ ﺟﻬﺪ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﱠﺘﻲ
ﺗﺰﻋﻢ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻣﺨﺘﺎﺭﺓ ،ﰲ ﺃﻥ ﺗﺨﺪﻋﻨﺎ .ﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﻨﺎ ﺃﻧﱠﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺐُ ﻓﻼﻧﺎً .ﻭﻓﻼﻥ ﺃﺧﺮﻕ
ﻭﻏﻴﺮ ﺣﺴﱠﺎﺱ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻬﺘﻢﱞ ﺑﺈﺗﻘﺎﻥ ﺭﺑﻄﺔ ﺍﻟﻌﻨﻖ ﻭﺗﻠﻤﻴﻊ ﺳﻴﱠﺎﺭﺓ "ﺍﻟﺮﱠﻭﻟﺰ".
II
ﻭﺗُﺜﺎﺭ ﺍﻋﺘﺮﺍﺿﺎﺕ ﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ ﳌﻨﺎﻫﻀﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﱠﺘﻲ ﻧﻜﺸﻒ ﺑﻬﺎ ﰲ
ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺍﶈﺒﻮﺏ ﻋﻦ ﺃﺻﺪﻕ ﺃﻋﻤﺎﻗﻨﺎ .ﻭﺇﻥﱠ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﱠﺔ ﻭﺟﻮﺩ ﺑﻌﺾٍ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺎﻑٍ ﻟﻠﻘﻀﺎﺀ
ﻋﻠﻰ ﺻﺪﻕ ﺇﺛﺒﺎﺗﻨﺎ .ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ،ﺗﺒﺪﻭ ﻟﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﺿﺎﺕ ﺍﻟﱠﺘﻲ ﺗﻌﺘﺮﺿﻨﺎ ﻋﺎﺩﺓ ﻏﻴﺮ
ﻓﺎﻋﻠﺔ ﺣﻘﱠﺎً ،ﻭﺿﺌﻴﻠﺔ ﺍﻟﺪﱢﻗﱠﺔ ﺍﺭﲡﻠﻬﺎ ﺭﺃﻱٌ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺗﺤﻔّﻈﺎﺕ ،ﻭﻧﺴﻲ ﺃﻥﱠ ﻋﻠﻢ ﻧﻔﺲ
ﺍﳊﺐﱢ ﳝﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺠﻬﺮﻱﱟ ﻓﺤﺴﺐ .ﻓﻜﻠﱠﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺴﱢﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻲ
ﻣﺜﺎﺭُ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺃﻛﺜﺮ ﺣﻤﻴﻤﻴﱠﺔ ،ﻛﺎﻥ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﺘﱠﻔﺼﻴﻞ ﺃﻋﻈﻢ .ﺇﺫﺍً ،ﺍﳊﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﳊﺐﱢ ﻫﻲ
ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺃﻋﻤﻖ ﺍﳊﺎﺟﺎﺕ .ﻭﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺷﻲﺀ ﺃﺷﺪ ﺣﻤﻴﻤﻴﱠﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺳﻮﻯ ﺣﺎﺟﺔ
-٧٥-
ﻭﺍﺣﺪﺓ ،ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺟﺢ .ﺇﻧﱠﻬﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﱠﺘﻲ ﳝﻜﻨﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺴﻤﱢﻴﻬﺎ "ﺍﻟﺸﱡﻌﻮﺭ ﺍﳌﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻲ" ،ﺃﻭ
ﺍﻟﺸﱡﻌﻮﺭ ﺍﳉﺬﺭﻱ ﻭﺍﻷﻫﻢﱠ ﻭﺍﻷﺳﺎﺱ ﺍﻟّﺬﻱ ﳕﺘﻠﻜﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻜﻮﻥ.
ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﱡﻌﻮﺭ ﻳﺼﻠﺢ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﺳﺎﺳﺎً ﻭﺩﻋﺎﻣﺔ ﻟﺒﻘﻴﱠﺔ ﺃﻧﺸﻄﺘﻨﺎ ﺃﻳّﺎً ﺗﻜﻦ ﻫﺬﻩ
ﺍﻷﻧﺸﻄﺔ .ﻭﻻ ﻳﻌﻴﺶ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺩﻭﻧﻪ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﳝﺘﻠﻜﻪ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻨﱠﺎﺱ ﺑﺎﺭﺯﺍً ﰲ ﺫﻭﺍﺗﻬﻢ
ﺑﺎﻟﻮﺿﻮﺡ ﺫﺍﺗﻪ .ﻓﻬﻮ ﻳﺤﺘﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻗﻔﻨﺎ ﺍﻷﻭﱠﻝ ﻭﺍﳊﺎﺳﻢ ﺇﺯﺍﺀ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﻜﻠﱢﻲّ ،ﻭﻋﻠﻰ
ﻃﻌﻢ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺎﻟﻨﱢﺴﺒﺔ ﻟﻨﺎ .ﺃﻣﱠﺎ ﺑﻘﻴﱠﺔ ﻣﺸﺎﻋﺮﻧﺎ ﻭﺃﻓﻜﺎﺭﻧﺎ ﻭﺭﻏﺒﺎﺗﻨﺎ ،ﻓﺈﻧﱠﻬﺎ
ﺗﺘﺤﺮﱠﻙ ﻓﻮﻕ ﻫﺬﺍ ﺍﳌﻮﻗﻒ ﺍﻷﻭﱠﻟﻲ ﻭﺗﺘﺮﻛﱠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺗﺘﻠﻮﱠﻥ ﺑﻠﻮﻧﻪ .ﺫﻟﻚ ﻷﻥﱠ ﺷﻜﻞ
ﻏﺮﺍﻣﻴﱠﺎﺗﻨﺎ ﺗﺤﺪﻳﺪﺍً ﻫﻮ ﺃﺣﺪ ﺍﻷﻋﺮﺍﺽ ﺍﻷﻗﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﱡﻌﻮﺭ ﺍﻷﻭﱠﻝ .ﻭﻟﻘﺪ ﺃﺗﻴﺢ
ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﳔﻤﱢﻦ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ ﻷﻱﱢ ﺷﻲﺀ ﻭﰲ ﺃﻱﱢ ﺷﻲﺀ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﻐﻴﺮ ﺣﻴﺎﺗﻪ .ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻫﻢﱡ ﻣﺎ
ﻳﻬﻤﱡﻨﺎ ﺍﻟﺘﱠﺤﻘّﻖ ﻣﻨﻪ :ﻟﻴﺲ ﺣﻜﺎﻳﺎﺕ ﻋﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻐﻴﺮ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﺍﻟﻮﺭﻗﺔ ﺍﻟﱠﺘﻲ ﻳﻠﻌﺐ ﺑﻬﺎ
ﺣﻴﺎﺗﻪ .ﻛﻠّﻨﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﻧﺪﺭﻙ ﺑﻌﺾ ﺍﻹﺩﺭﺍﻙ ﺃﻥﱠ ﳕﻮﺫﺝ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺍﻟﱠﺬﻱ ﺃُﳊﻘﻨﺎ ﺑﻪ ﻗﺪ ﺗﻘﺮﱠﺭ
ﰲ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻣﻦ ﻛﻴﺎﻧﻨﺎ ﺃﻋﻤﻖ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﱠﺘﻲ ﺗﻨﺸﻂ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ .ﻭﻋﺒﺚٌ ﺗﺮﺩﺍﺩ ﺍﻟﺘﱠﺠﺎﺭﺏ
ﻭﺍﳊﺠﺞ :ﻷﻥﱠ ﻗﻠﺒﻨﺎ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻣﻠﺤﻘﺎً ﲟﺪﺍﺭ ﻣﻘﺮﱠﺭ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻭﺳﻮﻑ ﻳﺪﻭﺭ ﺑﻌﻨﺎﺩ
ﳒﻢ ﺑﺜﻘﺎﻟﺔ ﺟﺎﺫﺑﻴﱠﺘﻪ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﳓﻮ ﺍﻟﻔﻦﱢ ﺃﻭ ﺍﻟﻄﱡﻤﻮﺡ ﺍﻟﺴﱢﻴﺎﺳﻲّ ﺃﻭ ﺍﻟﻠﱠﺬﺓ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ ﺃﻭ
ﺍﳌﺎﻝ .ﻭﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﺎ ﻳﺴﻴﺮ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻟﻈﱠﺎﻫﺮﻱّ ﺧﻼﻓﺎً ﳌﺼﻴﺮﻩ ﺍﳊﻤﻴﻢ ﻣﺘﻴﺤﺎً
ﺍﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻈﻬﻮﺭ ﺃﻗﻨﻌﺔ ﻣﻔﺎﺟﺌﺔ :ﻗﻨﺎﻉ ﺭﺟﻞ ﺍﻟﺘّﺠﺎﺭﺓ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﺨﻔﻲ ﺭﺟﻼً ﺷﻬﻮﺍﻧﻴﱠﺎً ،ﺃﻭ
ﻗﻨﺎﻉ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﰲ ﺍﳊﻘﻴﻘﺔ ﻃﺎﻣﻊ ﰲ ﺍﻟﺴﱡﻠﻄﺔ ﺍﻟﺴﱢﻴﺎﺳﻴَﺔ ﻓﻘﻂ.
ﻭﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﻲّ "ﻳُﻌﺠﺐ" ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ﺑﺎﻟﻨﱢﺴﺎﺀ ﺍﻟﻼﺋﻲ ﳝﺮﺭﻥ ﻗﺮﺑﻪ ﺟﻤﻴﻌﺎً .ﻭﻫﺬﺍ
ﻳﺴﻤﺢ ﺑﺰﻳﺎﺩﺓ ﺇﺑﺮﺍﺯ ﻃﺎﺑﻊ ﺍﳋﻴﺎﺭ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ ﺍﻟﱠﺬﻱ ﳝﺘﻠﻜﻪ ﺍﳊﺐّ .ﻳﻜﻔﻲ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺫﻟﻚ
ﺃﻻﱠ ﳔﻠﻂ ﺍﻟﺬﱠﻭﻕ ﺑﺎﳊﺐﱢ .ﺇﺫ ﺗُﺤﺪﺙ ﺍﻟﺼﺒﻴﱠﺔ ﺍﳉﻤﻴﻠﺔ ﺍﻟﻌﺎﺑﺮﺓ ﻫﻴﺎﺟﺎً -ﻭﻟﻴﻜﻦ ﺫﻟﻚ
ﺗﻜﺮﳝﺎً ﻟﻬﺎ -ﰲ ﻣﺤﻴﻂ ﺣﺴﺎﺳﻴﱠﺔ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮ ﺃﺑﻌﺪ ﺃﺛﺮﺍً ﰲ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻴﺎﺝ ﺍﻟﱠﺬﻱ
ﺗﺤﺪﺛﻪ ﺍﳌﺮﺃﺓ )ﺍﻟﻨﱠﺎﺿﺠﺔ( .ﻭﻳﺜﻴﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻬﻴﺎﺝ ﺑﺸﻜﻞٍ ﺁﻟﻲﱟ ﺣﺮﻛﺔ ﺃﻭﻟﻰ ﰲ ﺍﻻﺗﱢﺠﺎﻩ
ﳓﻮﻫﺎ .ﻭﺭﺩﱡ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﻫﺬﺍ ﺟﺪّ ﺁﻟﻲﱞ ﻭﻣﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻲﱞ ﺣﺘﱠﻰ ﻟﻢ ﲡﺮﺅ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﱢﻩ
ﺻﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﺻﻮﺭ ﺍﳋﻄﻴﺌﺔ .ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﰲ ﻋﺼﺮ ﺁﺧﺮ ﻋﺎﳌﺔ ﻧﻔﺲ ﳑﺘﺎﺯﺓ،
ﻭﻳﺒﻌﺚ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺳﻒ ﺃﻥْ ﺗﺮﺍﺟﻌﺖ ﰲ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻘﺮﻧﲔ ﺍﻷﺧﻴﺮﻳﻦ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺮﱡ
-٧٦-
ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺑﺒﺮﺍﺀﺓ "ﺍﳊﺮﻛﺎﺕ ﺍﻷﻭﻟﻰ" ﻛﻠّﻬﺎ .ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺑﺒﺮﺍﺀﺓ ﺷﻌﻮﺭ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮ ﺍﳌﻨﺠﺬﺏ
ﻭﺍﳌﺸﺪﻭﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﱠﺘﻲ ﺗﻀﺮِﺏ ﺍﻷﺭﺽ ﺑﻜﻌﺒﻬﺎ ﺃﻣﺎﻣﻪ .ﻭﻟﻮﻻ ﺫﻟﻚ ﳌﺎ ﻭُﺟِﺪ ﺷﻲﺀ
ﳑﱠﺎ ﻋﺪﺍﻩ ،ﳌﺎ ﻭُﺟﺪ ﺷﺮّ ﻭﻻ ﺧﻴﺮ ،ﻻ ﺭﺫﻳﻠﺔ ﻭﻻ ﻓﻀﻴﻠﺔ .ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ،ﻻ ﺗﻘﻮﻝ ﻋﺒﺎﺭﺓ
"ﺣﺮﻛﺔ ﺃﻭﻟﻰ" ﻛﻞﱠ ﻣﺎ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳُﻘﺎﻝ .ﺇﻧﱠﻬﺎ "ﺃﻭﻟﻰ" ﻷﻥﱠ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ ﺍﶈﻴﻂ ﺫﺍﺗﻪ ﻗﺪ
ﺗﻠﻘﱠﻰ ﺍﻹﺛﺎﺭﺓ ،ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﺴﺎﻫﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺪﱠﺍﺧﻠﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ.
ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﻫﺬﻩ ﺍﳉﺎﺫﺑﻴﱠﺔ ﺍﻟﱠﺘﻲ ﲤﺎﺭﺳﻬﺎ ﻛﻞﱡ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ،
ﻭﺗﻜﺎﺩ ﺗﻜﻮﻥ ﻧﺪﺍﺀ ﺗﻮﺟّﻬﻪ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﳌﺮﻛﺰ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ ﻣﻦ ﺷﺨﺼﻴﱠﺘﻨﺎ ،ﻻ ﻳﺘﺒﻌﻬﺎ
ﻋﺎﺩﺓ ﺟﻮﺍﺏ ﺃﻭ ﻳﺘﺒﻌﻬﺎ ﺟﻮﺍﺏ ﺳﻠﺒﻲﱞ ﻓﻘﻂ .ﻟﻜﻨﱠﻪ ﻗﺪ ﻳﺼﺒﺢ ﺟﻮﺍﺑﺎً ﺇﻳﺠﺎﺑﻴّﺎً ﺇﺫﺍ
ﺍﻧﺒﺜﻖ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﳌﺮﻛﺰ ﺍﻟﺸﱠﺨﺼﻲّ ﺟﺪﱠﺍً ،ﺷﻌﻮﺭٌ ﺑﺎﻟﺘﱠﻌﻠﱡﻖ ﲟﺎ ﺟﺬﺏ ﻣﺤﻴﻂ
ﺣﺴﺎﺳﻴﱠﺘﻨﺎ .ﻭﺇﻥﱠ ﺷﻌﻮﺭﺍً ﻛﻬﺬﺍ ﺇﺫﺍ ﺍﻧﺒﺜﻖ ،ﻳﺮﺑﻂ ﻣﺮﻛﺰ ﻧﻔﺴﻨﺎ ﺃﻭ ﻣﺤﻮﺭﻫﺎ ﺑﺬﻟﻚ
ﺍﻹﺣﺴﺎﺱ ﺍﳋﺎﺭﺟﻲ؛ ﺃﻭ ﻗﻮﻟﻪ ﺑﺸﻜﻞ ﺁﺧﺮ :ﺇﻧﱠﻨﺎ ﻻ ﻧﻨﺠﺬﺏ ﻓﻘﻂ ﲟﺴﺘﻮﻯ
ﻣﺤﻴﻂ ﺇﺣﺴﺎﺳﻨﺎ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻧﺴﻌﻰ ﺑﻘﺪﻣﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﳉﺎﺫﺏ ﻭﻧﻀﻊ ﻓﻴﻪ ﻛﻴﺎﻧﻨﺎ
ﻛﻠّﻪ .ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ :ﳓﻦ ﻻ ﻧﻨﺠﺬﺏ ﻓﻘﻂ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﳓﻦ ﻣﻮﻟَﻌﻮﻥ .ﻭﺍﻷﻣﺮ ﺍﻷﻭﱠﻝ
ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺍﻟﺜﱠﺎﻧﻲ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﻣﻦ ﻳُﺠﺮّ ﺟﺮّﺍً ﻋ ﻤﱠﻦ ﻳﺬﻫﺐ ﺑﺬﺍﺗﻪ.
ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻟﻮﻉ ﻫﻮ ﺍﳊﺐﱡ ﺍﻟﱠﺬﻱ ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻤﻠﻪ ﰲ ﺍﻻﳒﺬﺍﺑﺎﺕ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪﺓ
ﺍﶈﺴﻮﺱ ﺑﻬﺎ ،ﻣُﺒﻌﺪﺍً ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻷﻛﺒﺮ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻣﺘﺮﻛﱢﺰﺍً ﻋﻠﻰ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ .ﺇﺫ ﺍً ،ﻳُﺤﺪﺙ
ﺍﺻﻄﻔﺎﺀً ﰲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻜﻮﻥ ﺩﻭﺭﻫﺎ ﺑﺬﻟﻚ ،ﻣﻌﺘﺮﻓﺎً ﺑﻪ ﻭﻣﺤﺪﱠﺩﺍً ﰲ
ﺁﻥٍ ﻭﺍﺣﺪ .1ﻻ ﺷﻲﺀ ﺃﻛﺜﺮ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﻮﺿﻴﺢ ﻭﻗﺎﺋﻊ ﺍﳊﺐّ ﻗﻠﻴﻼً ،ﻣﻦ ﺃﻥ
ﳓﺪﱢﺩ ﺑﺸﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﱠﺮﺍﻣﺔ ﺗﺪﺧّﻞ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ ﻓﻴﻪ .ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺣﻤﺎﻗﺔً
ﺍﻟﻘﻮﻝُ ﺇﻥﱠ ﺣﺐّ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺣﺒﱠﺎً ﺣﻘﻴﻘﻴﱠﺎً ،ﻭﺍﻟﻌﻜﺲ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ،ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ
ﺍﳉﻨﺲ ﺷﻲﺀ ،ﻓﺈﻧﱠﻬﺎ ﺣﻤﺎﻗﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﺃﻥﱠ ﺍﳊﺐّ ﺟﻨﺲ ﻣﺤﺾ .ﺇﺫْ ﺗﻮﺟﺪ
ﺑﲔ ﺍﻟﻌﻼﻣﺎﺕ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﲤﻴّﺰﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ ،ﻋﻼﻣﺔ ﺃﺳﺎﺳﻴﱠﺔ ﻫﻲ ﺃﻥﱠ
ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓ ﲤﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺗﻮﺳﻴﻊ ﺍﳌﻮﺍﺿﻴﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺸﺒﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺣﺪّ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﳊﺐّ
) (١ﺇﻥﱠ ﻛـﻮﻥَ ﺍﻟﻐﺮﻳــﺰﺓ ﺍﳉﻨــﺴﻴﱠﺔ ﺑــﺬﺍﺗﻬﺎ ﺍﺻـﻄﻔﺎﺀً ،ﻛــﺎﻥ ﺃﺣــﺪ ﺃﻓﻜــﺎﺭ ﺩﺍﺭﻭﻳـﻦ ﺍﻟﻜﺒــﺮﻯ .ﻭﺳــﻮﻑ ﻳﻜــﻮﻥ
ﺍﳊﺐّ ﻗﻮﱠﺓ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﰲ ﺍﻻﺻﻄﻔﺎﺀ ﺃﺷﺪّ ﺻﺮﺍﻣﺔ – .ﺍﳌﺆﻟﱢﻒ.
-٧٧-
ﳝﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﳊﺼﺮ .ﻭﻳﺘﺠﻠﱠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﻌﺎﺭﺽ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺑﲔ ﺍﳌﻴﻠﲔ ﺑﻮﺍﻗﻌﺔ ﺃﻥْ ﻻﺷﻲﺀ
ﻳﺤﺼّﻦ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮ ﺇﺯﺍﺀ ﺟﺎﺫﺑﻴﱠﺎﺕ ﺃﺧﺮﻯ ،ﻛﺎﻹﻋﺠﺎﺏ ﺍﳌﻔﺮﻁ ﺑﺎﻣﺮﺃﺓ ﻣﻌﻴﱠﻨﺔ.
ﺍﳊﺐّ ﺇﺫﺍً ﲟﺎﻫﻴّﺘﻪ ﺫﺍﺗﻬﺎ ،ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ .ﻭﺇﺫْ ﻳﻨﺒﻊ )ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ( ﻣﻦ ﻣﺮﻛﺰﻧﺎ
ﺍﻟﺸﱠﺨﺼﻲّ ،ﻭﻣﻦ ﺃﻋﻤﺎﻗﻨﺎ ﺍﻟﺮﱡﻭﺣﻴﱠﺔ ،ﻓﺈﻥﱠ ﺍﳌﺒﺎﺩﺉ ﺍﻻﺻﻄﻔﺎﺋﻴﱠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺮّﺭﻩ ﻫﻲ ،ﰲ ﺁﻥٍ
ﻭﺍﺣﺪ ،ﺍﻷﻭﻟﻮﻳﱠﺎﺕ ﺍﻷﻋﻤﻖ ﻭﺍﻷﺧﻔﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜﱢﻞ ﻃﺒﻌﻨﺎ ﺍﻟﻔﺮﺩﻱّ.
***
ﻟﻘﺪ ﺑﻴﱠﻨﺖُ ﺃﻥﱠ ﺍﳊﺐّ ﻳﻌﻴﺶ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﱠﻔﺼﻴﻞ ﻭﻳﻨﺸﺄ ﻣﺠﻬﺮﻳﱠﺎً .ﺃﻣﱠﺎ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓ ﻓﻌﻠﻰ
ﺍﻟﻌﻜﺲ ،ﺗُﺮﻯ ﺑﺎﻟﻌﲔ ﺍﺮﱠﺩﺓ ،ﻭﺗﻨﺪﻓﻊ ﺇﺯﺍﺀ ﺍﺎﻣﻴﻊ .ﻭﻳُﺨﻴﱠﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﳌﺮﺀ ﺃﻧﱠﻬﻤﺎ ﻳﻌﻤﻼﻥ
ﺍﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ ﺑُﻌﺪﻳﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔﲔ .ﻓﺎﳉﻤﺎﻝ ﺍﳉﺎﺫﺏ ﻗﻠﱠﻤﺎ ﻳﺘﻮﺍﻓﻖ ﻣﻊ ﺍﳉﻤﺎﻝ ﺍﻟﺬﻱ
ﻳُﻌﺸﻖ .ﻓﺈﺫﺍ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﻓﺎﺭﻍُ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﻌﺎﺷﻖُ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﺭﻧﺎ ﻣﺎ ﻳﺸﻜّﻠﻪ ﰲ ﻧﻈﺮﻫﻤﺎ ﺍﳉﻤﺎﻝُ
ﻭﻓﺘﻨﺔُ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ،ﻟﺪُﻫﺸﺎ ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺗﻮﺍﻓﻘﻬﻤﺎ .ﻓﻔﺎﺭﻍ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻳﺠﺪ ﺍﳉﻤﺎﻝ ﰲ
ﺍﳋﻄﻮﻁ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻟﻠﻮﺟﻪ ﻭﺍﻟﺸﱠﻜﻞ ،ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳُﺴﻤﱠﻰ ﰲ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﺟﻤﺎﻻً .ﻟﻜﻦﱠ ﻫﺬﻩ
ﺍﳋﻄﻮﻁ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﰲ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻌﺎﺷﻖ ،ﻭﻗﺪ ﺍﻣّﺤﺖ ﻣﻦ ﻫﻴﻜﻞ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ
ﺍﶈﺒﻮﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﻠﻤﺢ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ .ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺻﺎﺩﻗﺎً ﻟﺴﻤﱠﻰ ﺟﻤﺎﻻً ﻣﻼﻣﺢَ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﺣﺮﱠﺓ
ﻭﻣﺘﺒﺎﻋﺪﺓ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ :ﻛﻠﻮﻥ ﺑﺆﺑﺆ ﺍﻟﻌﻴﻨﲔ ﻭﺻﻮﺍﺭ ﺍﻟﺸﱠﻔﺘﲔ ﻭﺟﺮْﺱ ﺍﻟﺼﱠﻮﺕ.
ﻭﻟﻮ ﺣﻠﱠﻞ ﺷﻌﻮﺭﻩ ﻭﺗﺎﺑﻊ ﻣﺴﺎﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸّﻌﻮﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﺩﺍﺧﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ
ﺍﶈﺒﻮﺏ ،ﻟﻼﺣﻆ ﺃﻥ ﺧﻴﻂ ﺍﳊﺐّ ﻳﺘﻮﻗﱠﻒ ﻋﻨﺪ ﺍﳌﻼﻣﺢ ﺍﻟﺪﱠﻗﻴﻘﺔ ﻭﻳﺘﻐﺬﱠﻯ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ ﻛﻞّ
ﳊﻈﺔ .ﻷﻥﱠ ﺍﳊﺐّ ﻳﺘﻐﺬﱠﻯ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺑﻼ ﺭﻳﺐ ،ﻭﻳﺘﺸﺒﱠﻊ ﺑﻌﻠّﺔ ﺣﺒّﻪ ﻭﻣﺴﻮّﻏﻪ ﻣﺘﺄﻣﱢ ً
ﻼ
ﻟﻄﺎﺋﻒ ﺍﶈﺒﻮﺏ ﺣﻘﻴﻘﺔً ﻭﺗﺼﻮﱡﺭﺍً .ﺇﻧﱠﻪ ﻳﻌﻴﺶ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺗﺜﺒﻴﺖ ﻻ ﻳﻨﻘﻄﻊ) .ﺍﳊﺐّ
ﺭﺗﻴﺐ ﻭﻣﻠﺤﺎﺡ ﻭﺷﺪﻳﺪ ﺍﻹﺯﻋﺎﺝ؛ ﻻ ﻳﻄﻴﻖ ﺃﺣﺪ ﺃﻥ ﺗُﻜﺮﱠﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺮﱠﺍﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺃﺑﺮﻉ
ﺍﳉﻤﻞ ،ﺃﻣﱠﺎ ﻫﻮ ﻓﻴﻄﻠﺐ ﺗﻜﺮﺍﺭﺍً ﻻ ﺣﺼﺮ ﻟﻪ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ ﺍﶈﺒﻮﺏ ﻳﺤﺒﻪ .ﻭﺍﻟﻌﻜﺲ
ﺻﺤﻴﺢ :ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺃﺣﺪٌ ﻓﺎﺭﻍَ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻣﻦ ﺍﳊﺐّ ﻓﺈﻥﱠ ﺍﳊﺐﱠ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﺨﺺﱡ ﺑﻪ ﻳﻮﺋﺴﻪ
ﻭﻳُﺘﻌﺒﻪ ﻟﻔﺮﻁ ﺇﺯﻋﺎﺟﻪ ﻟﻪ(.
ﻭﻣﻦ ﺍﻷﻫﻤﻴﱠﺔ ﲟﻜﺎﻥ ﺇﺑﺮﺍﺯ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﱠﻭﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻠﻌﺒﻪ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﺍﻷﺳﺎﺭﻳﺮ ﻭﺗﻌﺎﺑﻴﺮ
ﺍﻟﻮﺟﻪ ﰲ ﺍﳊﺐّ ،ﻷﻧﱠﻬﺎ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮ ﺍﳌﻌﺒّﺮ ﺃﻋﻈﻢ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻛﻴﺎﻥ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ ﺍﳊﻘﻴﻘﻲّ،
-٧٨-
ﻭﻳﺘﺠﻠﱠﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥُ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻧﻔﻀﱢﻠﻪ .ﺃﻣﱠﺎ ﺍﳉﻤﺎﻝ ﺍﻵﺧﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﻠﻤﺢ
ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ،ﻓﻠﻪ ﻭﺇﻥ ﺍﻣﺘﻠﻚ ﻣﻌﻨﻰ ﺗﻌﺒﻴﺮﻳﱠﺎً ،ﻭﺃﻇﻬﺮ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺣﺎﻻﺕ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ،ﻗﻴﻤﺔٌ
ﺟﻤﺎﻟﻴﱠﺔ valor estéticoﻣﺴﺘﻘﻠﱠﺔ ﻭﺳﺤﺮٌ ﺷﻜﻠﻲّ ﻣﻮﺿﻮﻋﻲّ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﺳﻢ ﺍﳉﻤﺎﻝ.
ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺧﻄﺄ ﻛﻤﺎ ﻳﺒﺪﻭ ﻟﻲ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩُ ﺃﻥﱠ ﻫﺬﺍ ﺍﳉﻤﺎﻝ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺘﺜﺒﱠﺖ ﻋﻠﻴﻪ
ﺍﻹﻋﺠﺎﺏ .ﻭﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﺖ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺮﱢﺟﺎﻝ ﻗﻠﱠﻤﺎ ﻳﻌﺸﻘﻮﻥ ﺍﻟﻨﱢﺴﺎﺀ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﺟﻤﺎﻻً ﺷﻜﻠﻴﱠﺎً .ﺇﺫ
ﻳﻮﺟﺪ ﰲ ﻛﻞﱢ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺑﻌﻀﺎً ﻣﻦ ﺿﺮﻭﺏ "ﺍﳉﻤﺎﻝ ﺍﻟﺮﱠﺳﻤﻴﱠﺔ" ،ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ
ﺑﺎﻟﺒﻨﺎﻥ ﰲ ﺍﳌﺴﺎﺭﺡ ﻭﺍﳊﻔﻼﺕ ﻛﻤﺎ ﻳُﺸﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﻧُﺼﺐ ﻋﺎﻣﱠﺔ .ﺇﺫﺍً ،ﻳﻜﺎﺩ ﻻ ﻳﺘﱠﺠﻪ ﺇﻟﻴﻬﺎ
ﻗﻂّ ﺇﻋﺠﺎﺏ ﺍﻟﺬﻛﻮﺭ ﺍﳋﺎﺹ .ﻭﻫﺬﺍ ﺍﳉﻤﺎﻝ ﺟﺪﱡ ﺟﻤﺎﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﻗﺎﻃﻊ ،ﺣﺘﱠﻰ
ﻳﺤﻮّﻝ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﻓﻨّﻲ ،ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻳُﻘﺼﻴﻬﺎ ﻭﻳﺒﻌﺪﻫﺎ ،ﻭﺗﻜﻮﻥ ﻣﻮﺿﻊ ﺇﻋﺠﺎﺏ –
ﻭﻫﺬﺍ ﺷﻌﻮﺭ ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺑُﻌﺪﺍً -ﻟﻜﻨﱠﻬﺎ ﻻ ﺗُﺤَﺐّ .ﻭﻣﻦ ﰒﱠ ﺗﺼﺒﺢ ﺍﻟﺮﱠﻏﺒﺔ ﰲ ﺍﻟﺘﱠﻘﺮﱡﺏ ،ﺍﻟﺘﻲ
ﻫﻲ ﻣﻘﺪّﻣﺔ ﺍﳊﺐّ ،ﻣﺤﺎﻟﺔ.
ﻭﺇﻥﱠ ﺍﳉﻤﺎﻝ ﺍﳌﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺣﺎﻻﺕ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ،ﻭﻟﻴﺲ ﺍﳌﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﺣﺴﻦ
ﺍﻟﺸﱠﻜﻞ ﺃﻭ ﻛﻤﺎﻟﻪ ،ﻫﻮ ﰲ ﺭﺃﻳﻲ ﻣﺎ ﻳﺜﻴﺮ ﺍﳊﺐّ ﺑﺸﻜﻞ ﻓﻌﱠﺎﻝ .ﻭﺍﻟﻌﻜﺲ ﺻﺤﻴﺢ :ﺇﺫﺍ
ﻭﺟﺪ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺪﻓﻮﻋﺎً –ﺑﺪﺍﻓﻊ ﻣﻦ ﺣﺐﱢ ﺍﻟﺬﱠﺍﺕ ﺃﻭ ﺑﺎﻟﻔﻀﻮﻝ ﺃﻭ ﻋﻤﻰ ﺍﻟﺒﺼﻴﺮﺓ-
ﺇﻟﻰ ﺇﻋﺠﺎﺏ ﻣﺰﻳّﻒ ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﺣﺐّ ﺣﻘﻴﻘﻲّ ،ﻓﺈﻥﱠ ﺍﻟﻨّﻔﻮﺭ ﺍﻷﺻﻢّ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺲّ ﺑﻪ ﰲ
ﻗﺮﺍﺭﺓ ﻧﻔﺴﻪ ﺇﺯﺍﺀ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺘﱠﻔﺎﺻﻴﻞ ﰲ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ ﺍﻵﺧﺮ ،ﻫﻮ ﺇﻋﻼﻥ ﻋﻦ ﺃﻧﱠﻪ ﻻ ﻳُﺤﺐّ.
ﺑﺎﳌﻘﺎﺑﻞ ﻻ ﻳﻘﻒ ﻋﺎﺋﻘﺎً ﺃﻣﺎﻡ ﺍﳊﺐّ ﻋﺪﻡُ ﺻﺤﱠﺔ ﺗﻨﺎﺳﺐ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺃﻭ ﻛﻤﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﻭﺟﻬﺔ
ﻧﻈﺮٍ ﺟﻤﺎﻟﻴﱠﺔ ﻣﺤﻀﺔ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﺴﺐ ﻣﺸﻮّﻫﺔ.
ﻭﺑﻔﻜﺮﺓ ﺍﳉﻤﺎﻝ ﺳُﺤﻘﺖ ﻛﻤﺎ ﺑﺒﻼﻃﺔ ﺭﺧﺎﻡ ﺭﺍﺋﻊ ،ﻛﻞّ ﺭﻗﱠﺔ ﳑﻜﻨﺔ ﻭﻏﻀﺎﺭﺓ ﰲ
ﻋﻠﻢ ﻧﻔﺲ ﺍﳊﺐّ .ﻭﺇﺫﺍ ﻗﻴﻞ ﺇﻥﱠ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﻳﻌﺸﻖ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪﻭ ﻟﻪ ﺟﻤﻴﻠﺔ ،ﻳُﻈﻦّ ﺃﻧﱠﻪ
ﻗﺪ ﻗﻴﻞ ﻛﻞّ ﺷﻲﺀ ،ﰲ ﺣﲔ ﺃﻧﱠﻪ ﻟﻢ ﻳُﻘﻞ ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺷﻲﺀ .ﻭﺍﳋﻄﺄ ﻣﺼﺪﺭﻩ ﺍﻹﺭﺙ
ﺍﻷﻓﻼﻃﻮﻧﻲّ) .ﻻ ﳝﻜﻦ ﺃﻥ ﻳُﺤﺴﺐ ﺇﻟﻰ ﺃﻳﱠﺔ ﻓﺌﺔ ﻣﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﱠﺔ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﱠﺔ ﺗﻐﻠﻐﻠﺖ
ﻋﻨﺎﺻﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻘﺪﳝﺔ .ﺇﻥﱠ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺟﻬﻼً ﺑﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ ﻣﻔﺮﺩﺍﺕ
ﻭﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﻷﻓﻼﻃﻮﻥ ﻭﺃﺭﺳﻄﻮ ﻭﺍﻟﺮﻭﺍﻗﻴﲔ(.
ﻛﺎﻥ ﺃﻓﻼﻃﻮﻥ ﻣﻦ ﺭﺑﻂَ ﺍﳊﺐّ ﻧﻬﺎﺋﻴﱠﺎً ﺑﺎﳉﻤﺎﻝ .ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﳉﻤﺎﻝ ﻳﻌﻨﻲ ﻟﻪ
ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺩﻗﻴﻖ ،ﻛﻤﺎﻝَ ﺍﳉﺴﻢ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﺳﻤﺎً ﻟﻜﻞﱢ ﻛﻤﺎﻝ؛ ﻭﺍﻟﺸﱠﻜﻞ ،ﺇﺫﺍ ﻗﻠﻨﺎ
-٧٩-
ﻫﻜﺬﺍ ،ﻛﺎﻥ ﳝﺜُﻞ ﻓﻴﻪ ﻛﻞّ ﲦﲔ ﻟﻌﻴﻮﻥ ﺍﻹﻏﺮﻳﻖ .ﻭﻛﺎﻥ ﺍﳉﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﺍﻷﻣﺜﻞ .ﻭﻟﻘﺪ
ﺣﺮﻓﺖ ﺧﺎﺻﻴﱠﺔ ﺍﳌﻔﺮﺩﺍﺕ ﻫﺬﻩ ،ﺍﻟﺘّﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﻼﺣﻖ ﺣﻮﻝ ﺍﳊﺐّ ﻋﻦ ﻣﺴﺎﺭﻩ.
ﻭﺍﳊﺐّ ﺷﻲﺀ ﺃﺧﻄﺮ ﻭﺃﻛﺜﺮ ﺩﻻﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻹﻋﺠﺎﺏ ﺑﺨﻄﻮﻁ ﻭﺟﻪ ﻭﻟﻮﻥ ﻭﺟﻨﺔ؛ ﺇﻧﱠﻪ
ﻗﺮﺍﺭ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﺃﳕﻮﺫﺝ ﻣﻌﻴﱠﻦ ﻣﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﱠﺔ ﻳﻌﻠﻦ ﻋﻨﻪ ﺭﻣﺰﻳﱠﺎً ﰲ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﺍﻟﻮﺟﻪ
ﻭﺍﻟﺼﱠﻮﺕ ﻭﺍﻹﺷﺎﺭﺍﺕ.
ﻭﺍﳊﺐّ ﺗﻄﻠﱡﻊ ﻟﻠﻮﻻﺩﺓ ﰲ ﺍﳉﻤﺎﻝ - Tiktein en tôkalôﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻘﻮﻝ
ﺃﻓﻼﻃﻮﻥ .ﻭﻻﺩﺓ ،ﺃﻱ ﺧﻠﻖُ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ .ﻭﺍﳉﻤﺎﻝ ﺣﻴﺎﺓ ﻣﺜﻠﻰ .ﻭﺍﳊﺐّ ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺍﻟﺘﺼﺎﻗﺎً
ﺣﻤﻴﻤﺎً ﺑﻨﻤﻮﺫﺝ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﱠﺔ ﺗﺒﺪﻭ ﻟﻨﺎ ﺃﻧﱠﻬﺎ ﺍﻷﻓﻀﻞ ،ﻭﳒﺪﻫﺎ ﻣﺸﻜّﻠﺔ ﻣﻦ
ﻗﺒﻞُ ﻭﻣﺪﻣﺠﺔ ﰲ ﻛﺎﺋﻦٍ ﺁﺧﺮ.
ﻗﺪ ﻳﺒﺪﻭ ﺫﻟﻚ ﻣﺠﺮﱠﺩﺍً ﻭﻣُﺤﺎﻻً ﻭﺑﻌﻴﺪﺍً ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﳌﻌﻴﱠﻦ ،ﻳﺎ ﺳﻴﱢﺪﺗﻲ .ﻣﻊ ﺫﻟﻚ
ﺍﻛﺘﺸﻔﺖُ ﺑﺘﻮﺟﻴﻪ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﺠﺮﻳﺪ ،ﰲ ﺍﻟﻨﱠﻈﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟّﻬﻴﻨﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺱ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﱠﺎﺱ ،ﻣﺎ
ﻳُﻌﺪّ ﰲ ﻧﻈﺮﻙ ﺍﳊﻴﺎﺓ .ﻓﻠْﻨﺸﺮﺏ ﻛﻮﻛﺘﻴﻼً ﺁﺧﺮ.
III
ﺇﻥﱠ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﺷﻴﻮﻋﺎً ﺃﻥ ﻳﺤﺐّ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﻣﺮﱠﺍﺕٍ ﻋﺪﱠﺓ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻪ .ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻔﺴﺢ ﺍﺎﻝ
ﻟﻘﺴﻢ ﻣﻦ ﺍﳌﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﱠﻈﺮﻳﱠﺔ ﻓﻮﻕ ﺍﳌﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﱠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﶈﺐّ ﺃﻥ ﻳﺤﻠّﻬﺎ
ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﱠﺘﻪ .ﻣﺜﻼً :ﺃﻫﻮ ﺟﻮﻫﺮﻱّ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﳊﺐّ ،ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﱠﻌﺪﱡﺩﻳﱠﺔ ﺍﳌﺘﺘﺎﻟﻴﺔ
ﰲ ﺍﳊﺐّ ،ﺃﻡ ﻫﻮ ﻋﻴﺐ ﻭﺑﻘﻴﱠﺔ ﻓﺎﺳﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺪﺍﺋﻴﱠﺔ ﻭﺍﻟﺒﺮﺑﺮﻳﱠﺔ؟ ﺃﻳﻜﻮﻥ ﺍﳌﺜﺎﻟﻲّ ﻭﺍﻟﻜﺎﻣﻞ
ﻭﺍﳌﺮﻏﻮﺏ ﻓﻴﻪ ،ﺍﳊﺐﱠ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ؟ ﺃﻳﻮﺟﺪ ﻓﺮﻕ ﻣﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺑﲔ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ
ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﻲّ ﻭﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﻴﱠﺔ؟
ﺳﻮﻑ ﳓﺎﻭﻝ ﺍﻵﻥ ﲡﻨﱡﺐ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﺍﳋﻄﺮﺓ .ﻭﻻ ﻧﺴﻤﺢ
ﻷﻧﻔﺴﻨﺎ ﺑﺈﺑﺪﺍﺀ ﺍﻟﺮﱠﺃﻱ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻧﺄﺧﺬ ﻓﻘﻂ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ ﺍﳌﻔﺮﻭﻍ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﻣﺘﻌﺪﱢﺩ
ﰲ ﺍﳊﺐّ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً .ﻭﺇﺫ ﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸّﻌﻮﺭ ،ﻓﺈﻧﱠﻨﺎ
ﻧﺴﺘﺒﻌﺪ ﺗﻌﺪﱡﺩﻳﱠﺔ ﺣﺐّ ﺗﻌﺎﻳﺸﻴﱠﺔ ﻭﻧﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺪﱡﺩﻳﱠﺔ ﻣﺘﻌﺎﻗﺒﺔ ﺃﻭ ﻣﺘﺘﺎﻟﻴﺔ ﻓﻘﻂ.
-٨٠-
ﺃﻻ ﺗﺘﻀﻤﱠﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔُ ﺻﻌﻮﺑﺔً ﺟﺎﺩﱠﺓً ﺃﻣﺎﻡ ﺍﳌﺬﻫﺐ ﺍﳌﻄﺮﻭﻕ ﻫﻨﺎ ،ﰲ ﺃ ﱠﻥ
ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ ﰲ ﺍﳊﺐّ ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺃﺳﺎﺱ ﻛﻴﺎﻥ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ؟ ﺭﺑﱠﻤﺎ؛ ﻟﻜﻦ ،ﻳﺼﻠﺢ ﻗﺒﻞ
ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻧﻨﻌﺶ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﺍﳌﻼﺣﻈﺔَ ﺍﻟﺴﻄﺤﻴﱠﺔ ﺃﻥﱠ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﻨﻮﱡﻉ ﰲ ﺍﳊﺐّ ﳝﻜﻦ
ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻓﺌﺘﲔ .ﻫﻨﺎﻙ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﻳﺤﺒّﻮﻥ ﻃﻴﻠﺔ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻧﺴﺎﺀ ﻋﺪﻳﺪﺍﺕ ،ﻟﻜﻨﱠﻬﻦّ
ﺟﻤﻴﻌﺎً ﻳﻜﺮّﺭﻥ ﺑﺈﳊﺎﺡ ﻭﺍﺿﺢ ﺍﻟﻨﱠﻤﻮﺫﺝ ﺫﺍﺗﻪ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﻮﺛﺔ .ﻭﻳﺼﻞ ﺍﻟﺘﱠﻄﺎﺑﻖ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً
ﺣﺘﱠﻰ ﻳﻈﻞّ ﺿﻤﻦ ﺣﺠﻢ ﻓﻴﺰﻳﻘﻲّ ﺑﻌﻴﻨﻪ .ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﱠﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ ﺍﻟﻜﺎﻣﻦ ﰲ ﺃﻥ
ﺗُﺤَﺐﱠ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻧﺴﺎﺀ ﻛﺜﻴﺮﺍﺕ ﺍﻣﺮﺃﺓٌ ﻭﺍﺣﺪﺓٌ ﻧﻮﻋﻴﱠﺔٌ ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﻫﻮ ﺷﺎﺋﻊ ﺑﺈﻓﺮﺍﻁ
ﻭﻳﺸﻜّﻞ ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍﻷﻗﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﻌﺮﺿﻬﺎ .ﻟﻜﻦﱠ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍﻟﻼﺗﻲ
ﻳُﺤﺒّﻬﻦّ ﺭﺟﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟـﺘﱠﻮﺍﻟﻲ ،ﺃﻭ ﺍﻟ ﺮﱢﺟﺎﻝ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﺆﺛﺮﻫﻢ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﰲ ﺃﺣﻮﺍﻝ
ﺃُﺧَﺮ ،ﻫﻢ ﺃﻭ ﻫﻦﱠ ﰲ ﺍﳊﻘﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﻭﺿﻊ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺟﺪﱠﺍً .ﻭﺇﺫﺍ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ
ﺍﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ،ﻓﻬﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥﱠ ﺃﺳﺎﺱ ﻛﻴﺎﻥ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﻗﺪ ﺗﻐﻴﱠﺮ ﺑﲔ ﻓﺘﺮﺓ
ﻣﻦ ﺍﻟﺰﱠﻣﻦ ﻭﺃﺧﺮﻯ .ﺃﻭ ﳝﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﺪﺙ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﻐﻴﱡﺮ ﰲ ﺃﺱّ ﻛﻴﺎﻧﻨﺎ ﺫﺍﺗﻪ؟
ﻭﺍﳌﺸﻜﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻴﺎﺭ ﺍﻟﺜﱠﻘﻴﻞ ﻭﺍﳊﺎﺳﻢ ﺭﺑﱠﻤﺎ ،ﻭﺻﻮﻻً ﺇﻟﻰ ﻋﻠﻢ ﻟﻠﻄﱢﺒﺎﻉ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ
ﻣﺄﻟﻮﻓﺎً ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻨّﺼﻒ ﺍﻟﺜﱠﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﻥ ،١٩ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴﺮُ ﰲ ﺃﻥﱠ ﻃﺒﻊ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ
ﻳﺄﺧﺬ ﺑﺎﻟﺘﱠﺸﻜﱡﻞ ﻣﻦ ﺍﳋﺎﺭﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﱠﺍﺧﻞ .ﻓﺘﺠﺎﺭﺏ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﻌﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ
ﺗﻮﻟّﺪﻫﺎ ﻭﻣﺆﺛّﺮﺍﺕ ﺍﶈﻴﻂ ﻭﺗﺬﺑﺬﺑﺎﺕ ﺍﳌﺼﻴﺮ ﻭﺍﳊﺎﻻﺕ ﺍﻟﻔﻴﺰﻳﻮﻟﻮﺟﻴﱠﺔ ﺳﻮﻑ
ﺗﺼﻔّﻖ ﻣﺎ ﻧﺴﻤّﻴﻪ ﻃﺒﻌﺎً ﻛﻤﺎ ﻳُﺼﻔّﻖ ﺳﺎﺋﻞ .ﺑﺎﻟﺘّﺎﻟﻲ ،ﻻ ﻭﺟﻮﺩ ﻟﻜﻴﺎﻥ ﺟﻮﻫﺮ ﻱّ
ﻟﻠﺸﱠﺨﺺ ،ﻭﻻ ﻭﺟﻮﺩ ﻟﺒﻨﻴﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﻣﺴﺘﻘﻠﱠﺔٍ ﻋﻨﻬﺎ .
ﺇﻧﱠﻤﺎ ﳓﻦ ﻣﺠﺒﻮﻟﻮﻥ ﻛﻜﺮﺓ ﺍﻟﺜﱠﻠﺞ ﻣﻦ ﻏﺒﺎﺭ ﺍﻟﻄﱠﺮﻳﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﳒﻮﺑﻪ .ﻭﺣﺴﺐَ ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﻄﱠﺮﻳﻘﺔ ﰲ ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺒﻌﺪ ﻭﺟﻮﺩ ﻧﻮﺍﺓ ﺟﺬﺭﻳﱠﺔ ﰲ ﺍﻟﺸﱠﺨﺼﻴﱠﺔ ،ﻻ ﻭﺟﻮﺩ
ﺑﺎﻟﻄﱠﺒﻊ ﳌﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺘﱠﻐﻴﱡﺮﺍﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﱠﺔ .ﻭﻣﺎ ﻳُﺴﻤﱠﻰ ﻃﺒﻌﺎً ﻳﺘﻐﻴﱠﺮ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ :ﻭﻫﻮ ﺇ ﺫْ
ﻳﺘﺸﻜﱠﻞ ﻳﺘﻔﻜﱠﻚ ﺃﻳﻀﺎً.
ﻟﻜﻨﻲ ﺃﻣﻴﻞ ،ﻷﺳﺒﺎﺏ ﺫﺍﺕ ﺛﻘﻞ ﻛﺎﻑٍ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﳌﻨﺎﺳﺐ ﻣﺮﺍﻛﻤﺘﻬﺎ ﻫﻨﺎ ،ﺇﻟﻰ
ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﺍﳌﻌﺎﻛﺲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﺪﻭ ﻣﻦ ﺍﻷﺻﺢّ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻝ ﻃِﺒﻘﺎً ﻟﻪ ،ﺇﻧﱠﻨﺎ ﻧﻌﻴﺶ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﱠﺍﺧﻞ
ﺇﻟﻰ ﺍﳋﺎﺭﺝ .ﻓﺸﺨﺼﻨﺎ ﺍﻟﺪﱠﺍﺧﻠﻲّ ﻳﻜﻮﻥ ﰲ ﺟﻮﻫﺮﻩ ﻗﺪ ﺗﺸﻜّﻞ ﻗﺒﻞ ﺣﺪﻭﺙ
ﺩﺭﺍﺴﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺏ ﻡ ٦- -٨١-
ﺍﳌﺼﺎﺩﻓﺎﺕ ﺍﳋﺎﺭﺟﻴﱠﺔ .ﻫﻮ ﻭﺇﻥْ ﺃﺛﱠﺮﺕ ﻓﻴﻪ ﻣﺼﺎﺩﻓﺎﺕ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﺎ ،ﻓﺈﻥﱠ ﺍﻟﺘﱠﺄﺛﻴﺮ
ﺍﻟﺬﻱ ﳝﺎﺭﺳﻪ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﺼﺎﺩﻓﺎﺕ ﻫﻮ ﺃﻛﺒﺮ ﻛﺜﻴﺮﺍً .ﻓﻨﺤﻦ ﻛﺘﻴﻤﻮﻥ ﺑﺸﻜﻞٍ ﻻ ﻳُﺼﺪﱠﻕ
ﻋﻠﻰ ﻛﻞّ ﻣﺎ ﻳﺴﻘُﻂ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻠﻰ ﺻﻠﺔ ﺑﻬﺬﺍ "ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ" ﺍﻟﻔﻄﺮﻱّ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ
ﳓﻦ ﺫﺍﺗﻨﺎ ﰲ ﺍﳌُﻘﺎﻡ ﺍﻷﺧﻴﺮ .ﻭﺳﻮﻑ ﻳُﻘﺎﻝ ﺣﻴﻨﺌﺬٍ ،ﻻ ﳝﻜﻨﻨﺎ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺃﻳﻀﺎً ﻋﻦ
ﺗﻐﻴﱡﺮﺍﺕ ﺟﺬﺭﻳﱠﺔ .ﻭﻣﺎ ﻧﻜﻮﻧﻪ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻮﻻﺩﺓ ﺳﻨﻜﻮﻧﻪ ﻋﻨﺪ ﺍﳌﻮﺕ.
ﻛﻼﱠ ،ﰒﱠ ﻛﻼﱠ .ﺇﻥﱠ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﱠﺃﻱ ﺗﺤﺪﻳﺪﺍً ﻳﺘﻤﺘﱠﻊ ﲟﺮﻭﻧﺔ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﲡﻌﻠﻪ ﻳﻘﺒﻞ ﻗﻮﺍﻟﺐ
ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺑﻜﻞﱢ ﺍﻋﻮﺟﺎﺟﻬﺎ .ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﳕﻴﱢﺰ ﺍﻟﺘﱠﻐﻴﱡﺮﺍﺕ ﺍﻟﺼﱠﻐﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ
ﺗُﺪﺧﻠﻬﺎ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺍﳋﺎﺭﺟﻴﱠﺔ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ،ﻣﻦ ﺗﻐﻴﱡﺮﺍﺕ ﺃﻋﻤﻖ ﻻ ﺗﺨﻀﻊ ﻟﺪﻭﺍﻋﻲ
ﺍﳌﺼﺎﺩﻓﺔ ﻫﺬﻩ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻄﱠﺒﻊ ﺫﺍﺗﻬﺎ .ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻗﻮﻝ ﺇﻥﱠ ﺍﻟﻄﱠﺒﻊ ﻳﺘﻐﻴﱠﺮ ،ﺇﺫﺍ ﻓُﻬﻢ ﻣﻦ
ﺍﻟﺘﱠﻐﻴﱡﺮ ﺗﻄﻮﱡﺭﺍً ،ﺑﺎﳌﻌﻨﻰ ﺍﻟﺪﱠﻗﻴﻖ .ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﻄﻮﱡﺭ ﻣﺜﻠﻪ ﻣﺜﻞ ﺗﻄﻮﱡﺭ ﻛﻞّ ﻋﻀﻮﻳﱠﺔ ،ﺗﺜﻴﺮﻩ
ﻭﺗﻮﺟّﻬﻪ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺩﺍﺧﻠﻴﱠﺔ ﺗﻮﻟﺪ ﻣﻊ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ ،ﻭﻫﻲ ﻓﻄﺮﻳﱠﺔ ﻛﻄﺒﻌﻪ .ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻧﻄﺒﺎﻉ
ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﻳﻘﻴﻨﺎً ﺃﻥﱠ ﺗﻐﻴﱡﺮﺍﺕ ﺃﺷﺒﺎﻫﻪ ﺗﺒﺪﻭ ﻟﻪ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺗﺎﻓﻬﺔ ﻭﻏﻴﺮ ﻣﺴﻮّﻏﺔ ،ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ
ﺻﺎﺩﺭﺓ ﻋﻤﱠﺎ ﻻ ﻳُﻌﺘﺮﻑ ﺑﻪ؛ ﻟﻜﻦ ﺍﻟﺘﱠﻐﻴﱡﺮ ﳝﺘﻠﻚ ﰲ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﺃﺧﺮﻯ ﻛﻞّ ﺟﺪﺍﺭﺓ ﺍﻟﻨّﻤﻮ،
ﻭﻣﻌﻨﺎﻩ ﻛﻠّﻪ ،ﺇﻧﱠﻪ ﺍﻟﺒﺮﻋﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﻴﺮ ﺷﺠﺮﺓ ،ﺇﻧﱠﻪ ﻋﺮﻱ ﺍﻟﺸﱠﺠﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺒﻖ ﺍﻹﻳﺮﺍﻕ،
ﻭﺍﻟﺜﱠﻤﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﻲ ﺗﺎﺝ ﺍﻟﺸﱠﺠﺮﺓ.
ﺃﻧﺎ ﺃﺭﺩّ ﺇﺫﺍً ،ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﺽ ﺍﻟﺴﱠﺎﺑﻖ .ﻫﻨﺎﻙ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﻻ ﻳﺘﻄﻮﱠﺭﻭﻥ ،ﻭﺫﻭﻭ
ﻃﺒﺎﻉ ﻣﺘﺼﻠّﺒﺔ ﻧﺴﺒﻴﱠﺎً) .ﻫﻢ ﺍﻷﻗﻞّ ﺣﻴﻮﻳﱠﺔ ﺑﻌﺎﻣﱠﺔ .ﻭﺃﳕﻮﺫﺟﻬﻢ ﺍﻟﻨﱠﻤﻮﺫﺟﻲّ "ﺍﻟﺒﺮﺟﻮﺍﺯﻱّ
ﺍﳊﻖّ"( .ﻭﻫﺆﻻﺀ ﻳﻈﻠّﻮﻥ ﺿﻤﻦ ﻣﺨﻄﱠﻂ ﻻ ﻳﺘﻐﻴﱠﺮ ﰲ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻫﻢ ﺍﻟﻐﺮﺍﻣﻲّ .ﻟﻜﻦّ ﻫﻨﺎﻙ
ﺃﺷﺨﺎﺻﺎً ﺫﻭﻱ ﻃﺒﻊ ﺧﺼﺐ ﻭﺛﺮٌ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺎﺕ ﻭﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻣﺎﺕ ،ﻭﻫﻢ ﻳﻨﺘﻈﺮﻭﻥ ﺑﻨﻈﺎﻡ
ﺟﻴﱢﺪ ﺳﺎﻋﺔ ﺗﻔﺘّﺤﻬﻢ .ﻭﺑﺎﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺘﱠﺄﻛﻴﺪ ﺃﻥﱠ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻫﻮ ﺍﳊﺎﻟﺔ ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﻴﱠﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً.
ﻓﺎﻟﺸﱠﺨﺼﻴﱠﺔ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﺧﻼﻝ ﻣﺠﺮﻯ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﺗﻐﻴﱡﺮﻳّﻦ ﺃﻭ ﺛﻼﺛﺔ ﺗﻐﻴﱡﺮﺍﺕ ﻛﺒﺮﻯ ﻫﻲ ﲟﺜﺎﺑﺔ
ﻣﺮﺍﺣﻞ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺭ ﺧﻠﻘﻲّ ﻭﺍﺣﺪ .ﺇﺫْ ﻧﻼﺣﻆ ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ﺃﻧﱠﻨﺎ ﺩﺧﻠﻨﺎ ﰲ ﻣﺮﺣﻠﺔ
ﺟﺪﻳﺪﺓ ،ﺃﻭ ﺣﺪﺙ ﺗﻐﻴّﺮ ﰲ ﻃﺒﻌﻨﺎ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻧﻔﻘﺪ ﺍﻟﺘﱠﻄﺎﺑﻖ ،ﺑﺎﳊﺮﻱّ ﺍﻟﺘﱠﺠﺎﻧﺲ
ﺍﻷﺳﺎﺱ ،ﻣﻊ ﺷﻌﻮﺭﻧﺎ ﺑﺎﻷﻣﺲ .ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺃﺳﻤّﻴﻪ ﺗﻐﻴﱡﺮﺍً ﺟﺬﺭﻳﱠﺎً .ﻻ ﻫﻮ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ،
-٨٢-
ﻭﻻ ﻫﻮ ﺃﻳﻀﺎً ﺃﻗﻞّ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ .1ﻭﻳﺒﺪﻭ ﻛﻴﺎﻧﻨﺎ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ ﰲ ﻛﻞﱟ ﻣﻦ ﻫﺎﺗﲔ ﺍﳌﺮﺣﻠﺘﲔ ﺃﻭ
ﺍﳌﺮﺍﺣﻞ ﺍﻟﺜﱠﻼﺙ ،ﻳﺪﻭﺭ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺩﺭﺟﺎﺕٍ ﻣﻌﻴﱠﻨﺔ .ﻭﻳﻨﺘﻘﻞ ﳓﻮ ﺇﻃﺎﺭ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻮﻥ
ﻭﻳﺘﱠﺠﻪ ﳓﻮ ﻣﺠﺮﱠﺍﺕ ﺟُﺪُﺩ.
ﺃﻟﻴﺴﺖ ﻣﺼﺎﺩﻓﺔً ﻣﻮﺣﻴﺔ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﺪﺩ ﻣﺮﱠﺍﺕ ﺍﳊﺐّ ﺍﳊﻘﻴﻘﻲّ ﺍﻟﺘﻲ ﳝﺮّ ﺑﻬﺎ
ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﻲّ ﻋﺎﺩﺓ ،ﺗﺤﻤﻞ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺫﺍﺗﻪ ،ﻭﻫﻮ ﻣﺮﱠﺗﺎﻥ ﺃﻭ ﺛﻼﺙ ﻣﺮﱠﺍﺕ؟
ﻭﻓﻮﻕ ﺫﻟﻚ ،ﺗﻈﻬﺮ ﻛﻞّ ﻣﺮﱠﺓ ﻣﻦ ﻣﺮﱠﺍﺕ ﺍﳊﺐّ ﻫﺬﻩ ﻣﺤﺪﱠﺩﺓ ﺯﻣﻨﻴﱠﺎً ﰲ ﻛﻞﱢ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ
ﻣﺮﺍﺣﻞ ﺍﻟﻄﱠﺒﻊ؟ ﻻ ﻳﺒﺪﻭ ﻟﻲ ﺇﺫﺍً ،ﺇﻓﺮﺍﻃﺎً ﺃﻥ ﻧﺮﻯ ﰲ ﺗﻌﺪﱡﺩ ﺍﳊﺐّ ﺃﻋﻈﻢ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﻟﻠﻤﺬﻫﺐ
ﺍﳌﻌﺮﻭﺽ ﻫﻨﺎ .ﻭﻳﺘﻄﺎﺑﻖ ﺑﺪﻗﱠﺔ ﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄّﺮﺍﺯ ﺍﳉﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺸّﻌﻮﺭ ﺑﺎﳊﻴﺎﺓ ،ﺗﻔﻀﻴﻞُ
ﳕﻮﺫﺝ ﻣﻌﻴﱠﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﱢﺴﺎﺀ .ﻓﻘﺪ ﺗﻐﻴﱠﺮَ ﻧﺴﻖ ﻗﻴﻤﻨﺎ ﻗﻠﻴﻼً ﺃﻭ ﻛﺜﻴﺮﺍً ،ﻭﺑﻮﻓﺎﺀ ﻛﺎﻣﻦ ﻟﻠﻘﺪﱘ
ﺩﺍﺋﻤﺎً .ﻓﺘﺘﻘﺪﱠﻡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒُﻌﺪِ ﺍﻷﻭﱠﻝ ﺻﻔﺎﺕٌ ﻣﺎ ﻛﻨﱠﺎ ﻧﻘﺪّﺭﻫﺎ ،ﺑﻞ ﺭﺑﱠﻤﺎ ﻣﺎ ﻛﻨﱠﺎ ﻧﺪﺭﻛﻬﺎ،
ﻭﻳﻌﺘﺮﺽ ﻧﻮﻉ ﺟﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ ﰲ ﺍﳊﺐّ ﺑﲔ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﻭﺍﻟﻨﱢﺴﺎﺀ ﺍﻟﻌﺎﺑﺮﺍﺕ.
ﻭﺇﻥﱠ ﺭﻭﺍﻳﺔً ﻭﺣﺪﻫﺎ ﺗﻘﺪّﻡ ﻟﻨﺎ ﺃﺩﺍﺓ ﻣﻼﺋﻤﺔ ﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴﺮ .ﻟﻘﺪ ﻗﺮﺃﺕ
ﻗﻄﻌﺎً ﻣﻨﻬﺎ -ﻭﻗﺪ ﻻ ﺗُﻨﺸﺮ ﺃﺑﺪﺍً . -ﻣﻮﺿﻮﻋﻬﺎ ﺑﺎﻟﻀﱠﺒﻂ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ :ﺍﻟﺘﱠﻄﻮﱡﺭ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ
ﻟﻄﺒﻊ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮ ﻣﻨﻈﻮﺭﺍً ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻏﺮﺍﻣﻴﱠﺎﺗﻪ .ﻭﻳﻠﺢﱡ ﺍﳌﺆﻟﱢﻒ -ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻬﺎﻡّ ﻫﻨﺎ -
ﺇﳊﺎﺣﺎً ﻣﺘﺴﺎﻭﻳﺎً ﻋﻠﻰ ﺗﺒﻴﺎﻥ ﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺍﻟﻄﱠﺒﻊ ﻃﻴﻠﺔ ﺗﻐﻴﱡﺮﺍﺗﻪ ﻭﺍﻟﺸﱠﻜﻞ ﺍﳌﺘﺒﺎﻳﻦ ﺍﻟﺬﻱ
ﲤﺘﻠﻜﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﱠﻐﻴﱡﺮﺍﺕ ،ﻣﻮﺿﱢﺤﺎً ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻨﻄﻖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﱠﺒﺪﱡﻻﺕ ﺍﳊﻲّ ،ﻭﺃﺻﻠﻬﺎ ﺍﶈﺘﻮﻡ.
ﻭﺇﻥﱠ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﲡﻤﻊ ﻭﺗﻜﺜّﻒ ﰲ ﻛﻞﱢ ﻣﺮﺣﻠﺔٍ ﺁﻣﺎﺩَ ﺗﻠﻚ ﺍﳊﻴﻮﻳﱠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻄﻮﱠﺭ ،ﻛﺘﻠﻚ
ﺍﻷﺷﺒﺎﺡ ﺍﻟﺘﻲ ﳝﻜﻦ ﺗﺸﻜﻴﻠﻬﺎ ﺑﺎﻷﺿﻮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻌﻮﺍﻛﺲ ﻋﻠﻰ ﺟﻮﱟ ﻛﺜﻴﻒ.
← ﲨﻠﺔ ﻣﻌﱰﺿﺔ →
ﻟﻘﺪ ﻫﻴﱠﺄﺕ ﻟﻲ ﺃﺑﺤﺎﺛﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻈﻬﺮ ﰲ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﻣﻨﺠّﻤﺔ ﻛﻘﻄﻊ ﺩﻭﺩﺓ ﺣﻠْﻘﻴﱠﺔ ﰲ
ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺇﻳﻞ ﺻﻮﻝ ،El Solﺣﺠﱠﺔ ﻃﻴﱢﺒﺔ ﻷﻋﺮﻑ ﻧﻔﻮﺱ ﺍﻹﺳﺒﺎﻥ ﻭﺍﻹﺳﺒﺎﻧﻴﱠﺎﺕ ﺍﻟﺬﻳﻦ
ﻫﻢ ﺑﻌﻴﺪﻭﻥ ﻋﻨﱢﻲ ﻭﺃﺟﻬﻠﻬﻢ .ﻭﺇﻧﱢﻲ ﺃﺗﻠﻘﱠﻰ ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺑﻜﺜﺮﺓ ﺳﺎﺭﱠﺓ ،ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺗﺄﻳﻴﺪ ﺃﻭ
) (١ﺇﻥﱠ ﺍﻟﻈﱠﺎﻫﺮﺓ ﺍﻷﻛﺜـﺮ ﻃﺮﺍﻓـﺔ ﻭﺗﻄﺮﱡﻓـﺎً ﻫـﻲ "ﺍﻟﺘﱠﺤـﻮﱡﻝ ﺇﻟـﻰ ﺩﻳـﻦ ﺁﺧـﺮ" ،ﻭﺍﻟﺘﱠﻐﻴﱡـﺮ ﺍﳌﻔـﺎﺟﺊ ﺫﻭﺍﳌﻈﻬـﺮ
ﺍﻟﻜﺎﺭﺛﻲّ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺎﻧﻴﻪ ﺍﻟـﺸﱠﺨﺺ ﺃﺣﻴﺎﻧـﺎً .ﻭﺍﺳـﻤﺤﻮﺍ ﻟـﻲ ﺍﻵﻥ ﺃﻥ ﺃﺩﻉ ﻫـﺬﺍ ﺍﳌﻮﺿـﻮﻉ ﺍﻟـﺼﱠﻌﺐ ﻣـﻦ
ﻏﻴﺮ ﻣﻌﺎﳉﺔ – .ﺍﳌﺆﻟﱢﻒ.
-٨٣-
ﺍﺣﺘﺠﺎﺝ ﺃﻭ ﺧﺼﺎﻡ .ﻭﲤﻨﻌﻨﻲ ﻣﺸﺎﻏﻠﻲ ﺃﻥ ﺃﺟﻴﺐ ،ﻃﺒﻘﺎً ﻟﻠﻌﺮﻑ ﺍﻟﺼﱠﺤﻴﺢ ،ﻋﻦ ﻫﺬﻩ
ﺍﳌﺮﺍﺳﻼﺕ ﺍﻟﻨﱠﺎﻓﻌﺔ ﺟﺪﱠﺍً ﻭﺍﳋﺼﺒﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻜﺎﺗﺐ .ﻭﺳﻮﻑ ﺃﺣﺎﻭﻝ ﰲ ﻭﻗﺖٍ ﺗﺎﻝٍ ﺃﻥ
ﺃﻗﺘﻄﻒ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﺮﺍﺳﻼﺕ ﻣﺎ ﻳﺒﺪﻭ ﻟﻲ ﺃﻛﺜﺮﻫﺎ ﺧﺼﺒﺎً ﻭﺃﻋﻤّﻬﺎ ﻧﻔﻌﺎً.
ﻭﻛﺒﺪﺍﻳﺔ ،ﺃﻧﻘﻞ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻏُﻔﻼً ﻭﺻﻠﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﻗﺮﻃﺒﺔ ،ﻭﻳﺒﺪﻭ ﻣَﻦْ ﺧﻄﱠﻬﺎ ﺷﺨﺼﺎً
ﺣﺼﻴﻔﺎً ﺟﺪﱠﺍً ،ﻣﺎ ﻋﺪﺍ ﺍﻟﺘﺰﺍﻣﻪ ﺑﺈﺧﻔﺎﺀ ﺍﺳﻤﻪ.
"ﻟﻘﺪ ﻗﺮﺃﺕ ﻣﻘﺎﻟﻚ ﰲ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺇﻳﻞ ﺻﻮﻝ " El Solﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ ﰲ ﺍﳊﺐّ" ،ﻛﻤﺎ
ﻗﺮﺃﺕ ﻛﻞّ ﻣﺎ ﺗﻜﺘﺒﻪ ﻭﻳﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﻳﺪﻱ ،ﻷﻟﺘﺬّ ﲟﻼﺣﻈﺎﺗﻚ ﺍﻟﺪﱠﻗﻴﻘﺔ ﻭﺍﻷﺻﻴﻠﺔ .ﻭﻟﻘﺪ
ﺷﺠﱠﻌﻨﻲ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻱ ﺍﻟﺮﱡﻭﺣﻲّ ﺍﳌﺴﺒﻖ ﺍﳌﺆﻳﱢﺪ ﻟﻌﻤﻠﻚ ،ﻛﻴﻤﺎ ﺃﺑﻴﱢﻦ ﻟﻚ ﺷﻴﺌﺎً ﺃﻋﺪّﻩ ﺧﺎﻃﺌﺎً
ﰲ ﻣﻘﺎﻟﻚ ﺍﻷﺧﻴﺮ.
"ﳓﻦ ﻣﺘﻮﺍﻓﻘﺎﻥ ﰲ ﺃﻥﱠ ﺗﻌﺎﺑﻴﺮ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻭﺍﻷﺳﺎﺭﻳﺮ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺘﻐﻠﻐﻞ ،ﻛﻤﺎ
ﻳﺪﺧﻞ ﺑﻄﺮﺱ ﺑﻴﺘﻪ ،ﰲ ﺭﻭﺡ ﺍﳉﺎﺭ ﺍﻟﻐﺎﻓﻠﺔ) ،ﻭﺭﺑﱠﻤﺎ ﺍﻟﻴﻘﻈﺔ ﺃﻳﻀﺎً( ،ﺑﺸﻜﻞٍ ﺃﺗﻄﺎﺑﻖ
ﻓﻴﻪ ﻣﻌﻚ ﰲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨّﻘﻄﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﺖ ﻭﻧﺸﺮﺕ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﺎ.
"ﺃﻣﱠﺎ ﻣﺎ ﻻ ﳝﻜﻦ ﺩﻋﻤﻪ ﰲ ﺭﺃﻳﻲ ﺑﺤﻖّ ﻓﻬﻮ ﺃﻥﱠ "ﺍﻟﺬﱠﻛﺮ ﻳﻜﺸﻒ ﰲ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ
ﺍﶈﺒﻮﺑﺔ ﻋﻦ ﻏﻮﺭﻩ ﺍﳉﻮﻫﺮﻱّ؛ ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﰲ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻫﺎ ﺍﶈﺒﻮﺏ" .ﻭﻻ ﰲ ﺃﻥﱠ
ﺍﻟﻨﱠﻤﻮﺫﺝ ﺍﳌﻔﻀﱠﻞ ﻳﺮﺳﻢ ﺑﺮﻭﻓﻴﻞ ﻗﻠﺒﻨﺎ.
"ﺣﺘﱠﻰ ﺇﻧّﻲ ﺃﺟﺮﺅ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﱠﺄﻛﻴﺪ ﺃﻥﱠ ﻫﺬﻩ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺟﺎﺕ )ﺍﻵﻟﻴﱠﺔ( ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺜﻴﺮﻫﺎ
ﻋﺎﺩﺓً ﺗﺄﻛﻴﺪ ﻛﻬﺬﺍ ﺑﲔ ﺳﺎﻣﻌﻴﻚ ﺃﻛﺜﺮ ﳑﱠﺎ ﻳﺜﻴﺮﻩ ﺍﻹﺯﻋﺎﺝ ﺍﳌﻘﻠﻖ ﺑﺈﺣﺴﺎﺱ ﺍﳌﺮﺀ ﻧﻔﺴﻪ
ﻋﺎﺭﻳﺎً ﺃﻣﺎﻡ ﺍﳌﺮﺍﻗﺐ ،ﻫﻲ ﺍﻻﺷﻤﺌﺰﺍﺯ ﻏﻴﺮ ﺍﳌﺴﻮّﻍ ﺭﺑﱠﻤﺎ ،ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻈﻬﺮﻩ ﻓﻜﺮﺓ ﻻ ﻧﻘﺒﻠﻬﺎ،
ﻭﻻ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﻘﺒﻠﻬﺎ ﻭﺇﻥ ﻛﻨﱠﺎ ﻻ ﻧﻌﻠﻢ ﺳﺒﺐ ﺫﻟﻚ ﺑﻌﺪ.
"ﺍﳊﺐّ )ﺃﻱ ﺍﻻﻧﻔﻌﺎﻝ ﺍﳉﻨﺴﻲّ ﻣﻊ ﺑﻬﺮﺟﺔ ﻏﻨﺎﺋﻴﱠﺔ ﺃﻭ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ( ﺍﺳﻢ ﻟﻔﻌﻞ
ﻣﺘﻌﺪﱟ ﺑﺸﻜﻞ ﺑﺎﺭﺯ ،ﻫﻮ ﲟﻌﻨﻰ ﻣﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻷﻓﻌﺎﻝ ﻟﺰﻭﻣﺎً ﻭﺃﻛﺜﺮﻫﺎ ﺍﻧﻐﻼﻗﺎً ﺟﻤﻴﻌﺎً ،ﻷﻧﱠﻪ ﻳﺒﺪﺃ
ﻭﻳﻨﺘﻬﻲ ﰲ ﺍﻟﻔﺮﺩ ،ﻓﻬﻮ ﻣﻦ ﺭﻭﺣﻪ ﻳﺘﻐﺬﱠﻯ ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺳﻮﻯ ﻣﺎ ﻳﻌﻄﻴﻬﺎ ﻟﻪ
ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺫﺍﺗﻪ .ﺑﺎﻟﻄﱠﺒﻊ ،ﻳﺒﺤﺚ ﺍﶈﺐّ ﻣﺪﻓﻮﻋﺎً ﺑﺎﻟﺸﱠﻬﻮﺓ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ ،ﻋﻦ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻣﻦ ﺍﳉﻨﺲ
ﺍﻵﺧﺮ ،ﻭﻛﻞّ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﺠﺪ ﰲ ﺍﻵﺧﺮ ﺗﻨﺎﺳﺒﺎً ﺟﺴﺪﻳﱠﺎً ﻣﻌﻴﱠﻨﺎً .ﻭﻻ ﻏﺮﺍﺑﺔ ﰲ
ﺷﻲﺀ ﺃﻥ ﻳﺜﺒﱠﺖ ﻃﺒﻊ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﻨّﺨﺒﺔ ﺇﻋﺠﺎﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﺭﺟﻞ ﻣﺒﺘﺬﻝ ،ﻭﺍﻟﻌﻜﺲ ﺻﺤﻴﺢ.
-٨٤-
"ﻧﻌﻢ ،ﺑﺎﳊﺐّ ﳝﻜﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﶈﺐّ ،ﻟﻜﻦ ،ﻟﻴﺲ ﺑﺎﳌﻮﺿﻮﻉ ﺍﶈﺒﻮﺏ .ﻭﻛ ّﻞ
ﺷﺨﺺ ﻳﺤﺐّ ﲟﻞﺀ ﺭﻭﺣﻪ ﻭﺑﻘﻮﱠﺓ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻛﻴﻤﺎ )ﻳﺨﻠﻊ ﻋﻠﻰ( ﺍﶈﺒﻮﺏ ﻛﻞّ ﺍﶈﺎﺳﻦ
ﻭﺍﻟﺮﻗﱠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻧﻔﺲ ﺍﶈﺐّ )ﺃﻭ ﻳﺨﻠﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﺫﺍﺗﻬﺎ( ،ﻛﻤﺎ ﻳﻀﻊ
ﺍﳌﺼﺒﺎﺡ ﺍﻟﺴﺤﺮﻱّ ﺃﻭ ﺟﻬﺎﺯ ﺍﻟﻌﺮﺽ ﺍﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻲ ﻋﻠﻰ ﻗﻤﺎﺵ ﺍﻟﺸﱠﺎﺷﺔ ﺍﳋﻂّ ﻭﺍﻟﻠﱠﻮﻥ
ﺍﳌﻮﺟﻮﺩﻳﻦ ﻓﻴﻬﻤﺎ ،ﻭﻛﻤﺎ ﻭﺿﻊ ﺩﻭﻥ ﻛﻴﺨﻮﺗﻪ ﰲ ﺁﻟﻮﻧﺜﺎ ﻟﻮﺭِﻧﺜﻮ ،ﻭﻧﻴﻠﺴﻮﻥ ﰲ ﺍﻟﻠﻴﺪﻱ
ﻫﺎﻣﻴﻠﺘﻮﻥ )ﻇﺒﻴﺔ ﺍﻟﺮﻳﻒ ﰲ ﺑﺪﺍﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﻥ ،(١٩ﻣﺎ ﻫﻮ ﺿﺮﻭﺭﻱّ ﻛﻴﻤﺎ ﺗﺮﻛﻊ ﺭﻭﺣﺎﻫﻤﺎ
ﺃﻣﺎﻡ ﻫﺎﺗﲔ ﺍﳌﺮﺃﺗﲔ.
"ﻭﺃﻗﻒ ﻫﻨﺎ ،ﻷﻥ ﺍﻋﺘﺮﺍﺿﻲ ﺻﻴﻎ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ ،ﻭﻻ ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃﺯﻋﺠﻚ ﻣﻦ
ﻏﻴﺮ ﻃﺎﺋﻞ".
ﺃﺷﻜﺮ ﺷﻜﺮﺍً ﻓﺎﺋﻘﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﺽ ﺳﻮﻯ ﺃﻧّﻲ ﻛﻨﺖ ﺃﺅﺛﺮ ﺃﻥ ﺃﺗﻠﻘﱠﺎﻩ ﺑﻔﻌﺎﻟﻴﱠﺔ
ﺃﻛﺒﺮ .ﻷﻥﱠ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻗﺼْﺮ ﺍﳊﺐّ ﻋﻠﻰ ﺍﳉﻨﺲ ﻳﻌﻜّﺮ ﺍﳌﺴﺄﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ .ﻭﺃﺣﺴﺒﻨﻲ
ﻗﺪ ﺑﻴّﻨﺖ ﺍﳋﻄﺄ ﺍﻟﺒﻴﱢﻦ ﺍﳌﻮﺟﻮﺩ ﰲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺼْﺮ ﰲ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻘﺎﻻﺕ "ﺍﳊﺐّ ﻋﻨﺪ
ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ" ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺸﺮﺗﻬﺎ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺇﻳﻞ ﺻﻮﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﳋﺮﻳﻒ .ﻳﻜﻔﻲ ﺃﻥ ﻧﻼﺣﻆ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ
ﺍﻟﺜﱠﺎﺑﺘﺔ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﻳﺮﻏﺐ ﺟﻨﺴﻴﱠﺎً ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺸﱠﺪﺓ ﺃﻭ ﺗﻠﻚ ،ﰲ ﻧﺴﺎﺀ ﻻ ﻳُﺤﺼﲔ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ
ﺣﺒّﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣﺘﻀﺨﱢﻤﺎً ﻭﻣﺴﺘﻌﺮﺍً ﻳﺘﺜﺒﱠﺖ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﻣﻨﻬﻦّ ،ﺣﺘﱠﻰ ﻳﺒﺪﻭ ﻣﺤﺎﻻً ﺃﻥ
ﻧﻄﺎﺑﻖ ﺑﲔ ﺍﻟﺪﱠﺍﻓﻌﲔ .ﻟﻜﻦﱠ ﺍﳌﺮﺍﺳﻞ ﺍﻟﻠﻄﻴﻒ ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻮﻕ ﺫﻟﻚ":ﺇﻥﱠ ﻛﻞّ ﺷﺨﺺ ﻳﺤﺐّ
ﲟﻞﺀ ﺭﻭﺣﻪ" .ﺇﺫﺍً ،ﻳﺼﻌﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﳊﺐّ "ﺷﻬﻮﺓ ﺟﻨﺴﻴﱠﺔ" ﻓﻘﻂ .ﻟﻜﻦ ،ﺇﺫﺍ ﺿﻤﱠﺖ
ﺍﻟﺮّﻭﺡ ﺇﻟﻰ ﺧﻮﺍﺭ ﺍﳉﻨﺲ ﻣﻌﻮﻧﺘَﻬﺎ ﺍﳌﺘﻨﻮﱢﻋﺔ ،ﻓﺴﻮﻑ ﳓﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﺮﺍﻙٍ ﻧﻔﺴﻲّ
ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺟﺪﱠﺍً ﻋﻦ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓ ﺧﺎﻟﺼﺔ ،ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻧﺴﻤّﻴﻪ ﺣﺒﱠﺎً.
ﻭﻻ ﻳﺤﺴﻦ ﺑﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺼﻒ ﻫﺬﻩ ﺍﻹﺿﺎﻓﺔ ﺍﳉﻮﻫﺮﻳﱠﺔ ﺃﻧﱠﻬﺎ "ﺑﻬﺮﺟﺔ ﻏﻨﺎﺋﻴﱠﺔ" .ﻓﻘﺪ
ﻛﺎﻥ ﻳﻜﻔﻲ ﺍﳌﻔﻜّﺮ ﺍﻟﻘﺮﻃﺒﻲ ﺃﻥ ﻳﺘﺴﻠﱠﻰ ﰲ ﳊﻈﺔ ﻫﺪﻭﺀ ﻗﺮﺏ ﺍﳉﺐّ ﻭﺳﻂ
ﺍﳉﻴﺮﺍﻧﻴﻮﻡ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺴﺤﺐ ﺍﻟﻌﺎﺑﺮﺓ ﺗﻨﺰﻟﻖ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﺍﻟﻘﺮﻃﺒﻲّ ،ﺑﺘﺤﺪﻳﺪ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﲔ
ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﻜﻠﻤﺘﲔ :ﺍﳊﺐﱢ ﻭﺍﻟﺮﱠﻏﺒﺔ .ﻭﻟﺴﻮﻑ ﻳﺮﻯ ﺃﻥﱠ ﺍﳊﺐّ ﻭﺍﻟﺮﱠﻏﺒﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺸﱠﻬﻮﺓ
ﻻﻳُﺸﺒﻬﺎﻥ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ ﰲ ﺷﻲﺀ ،ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺃﻭﱠﻟﻬﻤﺎ ﻳُﺜﺎﺭ ﺑﺎﻷﺧﺮﻯ :ﻷﻥﱠ ﻣﺎ ﻳُﺮﻏﺐ ﻓﻴﻪ
ﳝﻜﻦ ﺃﻥ ﻳُﺒﻠﻎ ﺫﺍﺕ ﻣﺮﱠﺓ ﻓﻴُﺤﺐّ .ﻭﻣﺎ ﳓﺒّﻪ ﻧﺮﻏﺐ ﻓﻴﻪ )ﻷﻧﱠﻨﺎ( ﳓﺒّﻪ.
-٨٥-
ﻟﻘﺪ ﺟﺎﺀ ﺣﲔ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﱠﻣﻦ -ﺯﻣﻦ "ﺍﳌﺄﺳﻮﻑ ﻋﻠﻴﻪ" ﺭﳝﻴﺨﻴﻮ ﺩﻱ ﻏﻮﺭﻣﻮﻥ،
ﻣﺜﻼً -ﻇﻬﺮﺕ ﻓﻴﻪ ﺳﻄﺤﻴﱠﺔ ﺗﺤﻠﻴﻞ ﺳﻤﺤﺖ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ﺃﻥ "ﺗﺨﺪﻋﻬﺎ" ﺑﻼﻏﺔُ ﺍﳊﺐّ،
ﻓﺒﺮﺯﺕ ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻬﺎ ﺟﺎﺫﺑﻴﱠﺔ ﺍﳉﻨﺲ ) – physique de l'amourﻓﻴﺰﻳﺎﺀ ﺍﳊﺐّ( .ﰲ
ﺍﳊﻘﻴﻘﺔ ،ﺑُﻮﻟﻎ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﺑﺪﻭﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ .ﻟﻘﺪ ﻗﺎﻝ ﺑﻮﻣﺎﺭﺷﻴﻪ Beau
marchaisﺇﻥﱠ "ﺍﻟﺸﺮﺏَ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻋﻄﺶ ﻭﺍﳊﺐّ ﰲ ﻛﻞّ ﻭﻗﺖ ﻫﻮ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ
ﳝﻴّﺰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﳊﻴﻮﺍﻥ" .ﻻ ﺑﺄﺱ؛ ﻟﻜﻦ ،ﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﺐ ﺇﺿﺎﻓﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﳊﻴﻮﺍﻥ
ﺍﻟﺬﻱ "ﻳﺤﺐّ" ﻣﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﰲ ﺍﻟﻌﺎﻡ ،ﻟﻨﺠﻌﻞ ﻣﻨﻪ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎً "ﻳﺤﺐّ" ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻔﺼﻮﻝ
ﺍﻷﺭﺑﻌﺔ؟ ﻭﺇﺫْ ﻣﺎ ﻧﺰﺍﻝ ﰲ ﺍﻟﻄﱠﺎﺑﻖ ﺍﻟﺴّﻔﻠﻲّ ﻣﻦ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ ،ﻓﻜﻴﻒ ﳝﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﺸﺄ ﻣﻦ
ﺍﳊﻴﻮﺍﻥ ﺍﳌﺘﺜﺎﻗﻞ ﺟﺪﱠﺍً ﰲ ﺍﳊﺐّ ،ﺇﻧﺴﺎﻥٌ ﻳُﻔﺼﺢ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﰲ ﻣﻮﺿﻮﻉٍ ﺷﺎﻕّ
ﺑﺈﻓﺮﺍﻁ؟ ﻭﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﻧﺪﺭﻙ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ ﺇﺫﺍ ﺗﻜﻠﱠﻤﻨﺎ ﺑﺪﻗﱠﺔ ،ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﻋﻤﻠﻴﱠﺎً
ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻫﻲ ﺗُﻌﻄﻰ ﻟﻪ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ،ﻣﺮﺗﺒﻄﺔً ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞّ ﺍﺭﺗﺒﺎﻃﺎً
ﻻﺍﻧﻔﻜﺎﻙ ﻟﻪ ،ﺑﺎﳋﻴﺎﻝ.
ﻭﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﳝﺘﻠﻚ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﳋﻴﺎﻝ ﺍﻟﻨﱠﺒﻴﻞ ﺟﺪﱠﺍً ﻭﺍﳋﺼﻴﺐ ﻓﻠﻦ "ﻳﺤﺐّ"
ﺟﻨﺴﻴﱠﺎً ،ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ ﰲ ﻛﻞﱢ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﳑﻜﻨﺔ ،ﻷﻥﱠ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻵﺛﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺤﻤّﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓ
ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ ﻻ ﺗﺼﺪﺭ ﻋﻨﻬﺎ .ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻟﻈﻬﺮﺕ ﺃﻳﻀﺎً ﻟﺪﻯ ﺍﳊﻴﻮﺍﻥ .ﻭﺇﻥﱠ
ﺗﺴﻌﺔ ﺃﻋﺸﺎﺭ ﳑﱠﺎ ﻳُﻨﺴﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﻗﺪﺭﺗﻨﺎ ﺍﻟﺮﱠﺍﺋﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﱠﺨﻴﱡﻞ.
ﻭﺍﻟﺘﱠﺨﻴﱡﻞ ﻟﻴﺲ ﻏﺮﻳﺰﺓ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ :ﺇﺑﺪﺍﻉ .ﻭﺃُﺑﺪﻱ ﻫﻨﺎ ﻣﻼﺣﻈﺔ
ﻓﻘﻂ ،ﻭﻫﻲ ﺃﻥﱠ ﺍﳋﻠﻞ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ﰲ ﺍﻟﺘﱠﻨﺎﺳﺐ ﺑﲔ ﺍﻟﻘﻮﱠﺓ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﻭﻋﻨﺪ
ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﲡﻌﻞ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺑﺸﻜﻞ ﻃﺒﻴﻌﻲّ ﻭﺗﻠﻘﺎﺋﻲ ﺟﺪّ ﻣﻌﺘﺪﻟﺔ ﰲ "ﺍﳊﺐّ" ،ﺗﺘﻄﺎﺑﻖ
ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺟﺢ ،ﻣﻊ ﻭﺍﻗﻌﺔِ ﺃﻥﱠ ﺍﻷﻧﺜﻰ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﱠﺔ ﺗﺘﻤﺘﱠﻊ ﻋﺎﺩﺓً ﺑﻘﺪﺭﺓٍ ﺗﺨﻴﻠﻴﱠﺔ ﺃﻗﻞّ ﻣﻦ ﻗﺪﺭﺓ
ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ .ﻟﻘﺪ ﺃﺭﺍﺩﺕ ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﺔ ﺫﻟﻚ ﺑﻠﺒﺎﻗﺔٍ ﻭﺣﺮﺹٍ .ﻭﻟﻮ ﺣﺪﺙ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﻭﻭﺟﺪﺕ ﺍﳌﺮﺃﺓ
ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﺰﻭّﺩﺓ ﺑﺨﻴﺎﻝ ﻛﺎﻟﺬﱠﻛﺮ ﻷﻏﺮﻗﺖ ﻛﻮﻛﺐ ﺍﻷﺭﺽ ﺑﺎﻟﺪﱠﻋﺎﺭﺓ ﻭﻟﻜﺎﻥ ﺍﺧﺘﻔﻰ ﺍﻟﻨﱠﻮﻉ
ﺍﻟﺒﺸﺮﻱّ ﻣﺘﻄﺎﻳﺮﺍً ﰲ ﺍﳌﻠﺬﱠﺍﺕ.1
) (١ﺍﻟﺪﱠﻋﺎﺭﺓ ﻟﻴﺴﺖ ﻏﺮﻳﺰﺓ ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﺇﺑﺪﺍﻉ ﺑﺸﺮﻱّ ﻧﻮﻋﻲّ ﻛﺎﻷﺩﺏ .ﻭﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﻬﺎﻡّ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻛﻠﻴﻬﻤـﺎ ﺍﳋﻴـﺎﻝُ.
ﻓﻠِﻢَ ﻻ ﻳﺪﺭﺱ ﺍﻷﻃﺒﱠـﺎﺀ ﺍﻟﻨﱠﻔـﺴﻴﱡﻮﻥ ﺍﻟـﺪﱠﻋﺎﺭﺓ ﻣـﻦ ﻫـﺬﻩ ﺍﻟﺰﱠﺍﻭﻳـﺔ ﻛﺠـﻨﺲٍ ﺃﺩﺑـﻲّ ﻟـﻪ ﺃﺻـﻮﻟﻪ ﻭﻗﻮﺍﻧﻴﻨـﻪ
ﻭﺗﻄﻮﱡﺭﻩ ﻭﺣﺪﻭﺩﻩ؟ -ﺍﳌﺆﻟﱢﻒ.
-٨٦-
ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﻻ ﺗﺮﻯ ﰲ ﺍﳊﺐّ ﻣﻦ ﻭﺍﻗﻊ ﺁﺧﺮ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓ
ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ) (1ﺗﺘﻤﺪﱠﺩ ﺟﺪﱠﺍً ﻭﺗﺴﺘﻘﺮّ ﰲ ﺍﻷﺫﻫﺎﻥ ،ﻓﻘﺪ ﺑﺪﺍ ﻟﻲ ﻣﻔﻴﺪﺍً ﻧﺸﺮُ ﺭﺳﺎﻟﺔ
ﺍﻟﻘﺮﻃﺒﻲّ ﺍﻟﺘﻲ ﲤﺪّﻧﺎ ﺑﺤﺠﺞ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻛﻴﻤﺎ ﳓﺎﻭﻝ ﺗﻔﺮﻳﻐﻬﺎ .
ﻭﻳﺨﺘﺘﻢ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ ﺍﻟﻐُﻔﻞ ﻣﻌﺘﺮﻓﺎً »ﺑﺎﳊﺐّ ﻭﻟﻴﺲ ﺑﺎﳌﻮﺿﻮﻉ ﺍﶈﺒﻮﺏ .ﳝﻜﻦ
ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﶈﺐّ« ،ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺟﻴﺐ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻣﺘﺤﺎﺷﻴﺎً ﻛﻠﻤﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ -١ً :ﻛﻴﻒ ﳝﻜﻦ
ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺣﺐّ ﺍﶈﺒﻮﺏ ﲟﻨﻬﺞ ﻣﺒﺎﺷﺮ ،ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ،ﻳﻨﺘﻤﻲ ﺇﻟﻰ ﺳﺮّ
ﺍﻟﺒﺎﻃﻦ؟ ﻷﻥﱠ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ ﻫﻮ ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻨﺎ ﺑﺎﻟﺘﱠﻜﻬﱡﻦ ﺑﻪ -٢ً .ﺇﺫﺍ
ﻛﺎﻥ ﺍﶈﺐّ ﻳﻀﻊ ﻛﻞّ ﺷﻲﺀ ﰲ ﺍﳊﺐّ :ﻓﺒﺄﻱّ ﻣﺼﺎﺩﻓﺔ ﻳﺤﻂّ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﺮﺃﺓ
ﻭﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ؟ ﻭﻟِﻢَ ﻻ ﻳﺘﺤﺎﺷﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﺍﻟﻨﱠﺒﻴﻪ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ﺃﻥ ﻳﺴﻘﻂ ﰲ
ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻷﺧﺮﻯ -ﻓﻜﺮﺓ "ﺍﻟﺒﻠﻮﺭﺓ" ﻟﺴﺘﻨﺪﺍﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺪّ ﻣﻊ ﺍﻟﺘﱠﻔﺴﻴﺮ ﺍﳉﻨﺴ ّ
ﻲ
ﻣﺰﻳﺪﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺭﻭﺏ ﰲ ﻋﻠﻢ ﻧﻔﺲ ﺍﳊﺐّ .ﻭﺳﻮﻑ ﺗﻜﻮﻥ ﺿﺮﻭﺏ ﺍﳉﻤﺎﻝ ﻛﻠّﻬﺎ
ﺍﻟﺘﻲ ﻧﻔﺘﺮﺿﻬﺎ ﰲ ﺍﶈﺒﻮﺏ ﻭﻫﻤﻴﱠﺔ ﺩﺍﺋﻤﺎً ،ﺣﺴﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ .ﻭﺳﻮﻑ ﻳﻜﻮﻥ
ﺍﳊﺐّ ﺧﻄﺄ .ﻭﻟﻄﺎﳌﺎ ﻛﺎﻓﺤﺖ ﰲ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺍﳌﻘﺎﻻﺕ ﺍﳌﺬﻛﻮﺭﺓ ﺃﻋﻼﻩ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴﺮ،
ﻳﺸﺠّﻌﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺣﻆّ ﺧﻴﺮٌ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﳑﱠﺎ ﺃﺳﺘﺤﻖّ .ﻭﳝﻜﻨﻨﻲ ﺍﺧﺘﺼﺎﺭ ﺣﺠﺠﻲ
ﺍﳌﻌﺎﻛﺴﺔ ﰲ ﺣﺠّﺘﲔ ﺍﺛﻨﺘﲔ ،ﺃﻭﻻﻫﻤﺎ :ﻻ ﻳﺒﺪﻭ ﺻﺤﻴﺤﺎً ﺃﻥﱠ ﺃﻱ ﻧﺸﺎﻁ ﻃﺒﻴﻌﻲّ
ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺄ ﺟﻮﻫﺮﻱّ .ﻧﻌﻢ ،ﻗﺪ ﻳﺨﻄﺊ ﺍﳊﺐّ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ،ﻛﻤﺎ ﺗﺨﻄﺊ
ﺍﻟﻌﻴﻨﺎﻥ ﻭﺍﻷﺫﻧﺎﻥ .ﻟﻜﻦﱠ ﺣﺎﻟﺘﻪ ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﻴﱠﺔ ﻛﺤﺎﻟﺔ ﻫﺎﺗﲔ ﺍﳊﺎﺳﱠﺘﲔ ،ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ
ﺻﻮﺍﺏٍ ﻛﺎﻑٍ .ﻭﺍﳊﺠﱠﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﻥﱠ ﺍﳊﺐّ ﻳﺘﱠﺠﻪ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﺍﳉﻤﺎﻟﻴﱠﺎﺕ
ﻭﺍﻟﺼﱢﻔﺎﺕ ﺳﻮﺍﺀ ﺃﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﺨﻴﱠﻠﺔ ﺃﻡ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﺨﻴﱠﻠﺔ .ﻓﻬﻮ ﻟﻪ ﻫﺪﻑ ﺃﻭ ﻣﻮﺿﻮﻉ
ﺩﺍﺋﻤﺎً :ﺣﺘﱠﻰ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﻳﺘﻄﺎﺑﻖ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ ﺍﳊﻘﻴﻘﻲّ ﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﺍﳋﻴﺎﻟ ﻲّ ،ﻓﺈ ﻥﱠ
ﺳﺒﺒﺎً ﺫﺍ ﺻﻠﺔ ﻳﻮﺟﺪ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻛﻠﻴﻬﻤﺎ ﻳﺤﻤﻠﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻓﺘﺮﺍﺽ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻭﻟﻴﺴﺖ
ﺗﻠﻚ ﺍﻷﺧﺮﻯ ،ﺃﻧﱠﻬﺎ ﺃﺳﺎﺱ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﱳ ﻭﻣﺴﺒﺒّﺘﻬﺎ.
) (١ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻟﻠﻨﱠﻔﺲ ﻏﺮﺍﺋﺰ ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺃﻋﺘﻘﺪﻩ ،ﻛﻤﺎ ﺍﻟﻐﺮﺍﺋﺰ ﺍﳉـﺴﺪﻳﱠﺔ ،ﻳﺠـﺐ ﻃـﺮﺡ ﺍﳌﻨﺎﻗـﺸﺔ ﺑﻄﺮﻳﻘـﺔ
ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺟﺪﱠﺍً - .ﺍﳌﺆﻟﱢﻒ.
-٨٧-
IV
ﺇﻥﱠ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﰲ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﰲ ﺍﳊﺐّ ،ﻭﺇﻥّ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ ﻏﻴﺮ ﺣﺮّ -
ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺃﻛﺜﺮ ﻓﻌﺎﻟﻴﱠﺔ ﻣﻦ ﻛﻞّ ﻣﺎ ﳝﻜﻦ ﺻﻨﻌﻪ ﺑﻮﻋﻲ ﻭﻋﻦ ﻋﻤﺪ ،-ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻘﻴﱠﺪ ﲟﺎ
ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﻃﺒﻊ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻷﺳﺎﺱ ،ﻻ ﻣﺤﻴﺪ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﺒﺪﻭ ﻏﻴﺮ ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ ﳌﻦ ﻳﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ
ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﺗﻔﺴﻴﺮﺍً ﻧﻔﺴﻴﱠﺎً ﺻﺎﺭ ﰲ ﺭﺃﻳﻲ ﻣﺘﺨﻠّﻔﺎً ﻭﻳﺠﺐ ﺗﺒﺪﻳﻠﻪ .ﺇﻧﱠﻪ ﺗﻔﺴﻴﺮ
ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﺒﺎﻟﻐﺔ ﰲ ﺗﺪﺧّﻞ ﺍﳌﺼﺎﺩﻓﺔ ﻭﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺍﳌﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﱠﺔ ﰲ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﱠﺔ.
ﻟﻘﺪ ﺟﺮﱠﺏ ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ﻣﻨﺬ ﺳﺒﻌﲔ ﻋﺎﻣﺎً ﺃﻭ ﺗﺰﻳﺪ ،ﻭﺟﻬﺔ ﺍﻟﻨﱠﻈﺮ ﻫﺬﻩ
ﻭﺗﻄﻠﱠﻌﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻢ ﻧﻔﺲ ﻣﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻲّ .ﻭﻛﻤﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﺩﺍﺋﻤﺎً ،ﺗﺄﺧّﺮﺕ ﺃﻓﻜﺎﺭﻫﻢ ﺟﻴﻼً
ﻛﺎﻣﻼً ﺣﺘﱠﻰ ﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﻭﻋﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﺘﻮﺳﱢﻂ ﺍﻟﺜﱠﻘﺎﻓﺔ ،ﻭﻛﻞّ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺍﻵﻥ ﻟﺮﺅﻳﺔ
ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺃﺻﺢّ ﲡﺪ ﺍﻟﺮﺅﻭﺱ ﺍﳌﺰﻭّﺩﺓ ﺑﺄﺩﻭﺍﺕ ﺛﻘﻴﻠﺔ ﻣﺘﻬﺎﻓﺘﺔ .ﻭﺳﻮﺍﺀ ﺃﻛﺎﻧﺖ
ﺍﻷﻃﺮﻭﺣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻭﺣﻲ ﺑﻬﺎ ﻫﻨﺎ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﺃﻡ ﺧﺎﻃﺌﺔ ،ﻓﻼ ﺑﺪﱠ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﺼﺪﻡ
ﺗﻴﺎﺭﺍﺕٍ ﻋﺎﻣﱠﺔً ﻣﻦ ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴﺮ ﺗﺘﱠﺠﻪ ﺍﺗﱢﺠﺎﻫﺎً ﻣﻌﺎﻛﺴﺎً .ﻟﻘﺪ ﺗﻌﻮﱠﺩ ﺍﻟﻨﱠﺎﺱ ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴﺮ ﰲ ﺃﻥﱠ
ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺸﻜﻞ ﻧﺴﻴﺠﻬﺎ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﺣﺴﻦٌ ﺃﻡ ﺳﻴّﺊ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﺗﺤﺪﺙ
ﺑﻔﻌﻞ ﺧﻠﻴﻂ ﻣﻦ ﺍﳌﺼﺎﺩﻓﺔ ﻭﺍﳊﺘﻤﻴﱠﺔ ﻭﺍﳌﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﱠﺔ.
ﻭﻛﻞّ ﻓﻜﺮﺓ ﺗﻘﻠّﻞ ﻣﻦ ﺩﻭﺭ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻳﻦ ﰲ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ ،ﻭﺗﺮﻳﺪ ﺃﻥ
ﺗﻜﺘﺸﻒ ﰲ ﻫﺬﻩ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻗﺎﻧﻮﻧﺎً ﺩﺍﺧﻠﻴﱠﺎً ﻣﺘﺠﺬﱢﺭﺍً ﰲ ﻃﺒﻊ ﺍﻟﻔﺮﺩ ،ﺳﺘﻠﻘﻰ ﺍﻟﺮﱠﻓﺾ ﻓﻮﺭﺍً.
ﻭﺇﻥﱠ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﳌﻼﺣﻈﺎﺕ ﺍﻟﺰﱠﺍﺋﻔﺔ –ﰲ ﻫﺬﻩ ﺍﳊﺎﻟﺔ ﺗﺪﻭﺭ ﺣﻮﻝ "ﺣﺐّ" ﻣﻦ ﻳﺤﻴﻂ
ﺑﻨﺎ ،ﺃﻭ ﺣﺒّﻨﺎ ﺍﻟﺬﱠﺍﺗﻲّ –ﺗﺴﺪّ ﺍﳌﺼﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﳝﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺘﻐﻠﻐﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺫﻫﻨﻨﺎ
ﻭﺗﺼﺒﺢ ﻣﻔﻬﻮﻣﺔ ،ﰒﱠ ﻳُﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ .ﻳﻀﺎﻑ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﳌﻔﺎﻫﻴﻢُ ﺍﳌﺄﻟﻮﻓﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮﻡ
ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻋﻠﻰ ﺇﺿﺎﻓﺎﺕ ﺗﻠﻘﺎﺋﻴﱠﺔ ﻳُﺪﺧﻠﻬﺎ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﰲ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﳌﺆﻟﱢﻒ .ﻭﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﱠﻮﻉ ﺗﻨﺘﻤﻲ
ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﺿﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺗﻠﻘﱠﺎﻫﺎ .ﻭﺃﻏﻠﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﺿﺎﺕ ﻳﻜﻤﻦ ﰲ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﺃﻧﱠﻨﺎ
ﺇﺫﺍ ﺃﺣﺒﺒﻨﺎ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻳﻌﻜﺲ ﺷﺨﺼُﻬﺎ ﺣﺎﻟﺔ ﻛﻴﺎﻧﻨﺎ ﺍﳊﻤﻴﻤﺔ ﻓﻠﻦ ﻧﻠﻘﻰ ﺗﻌﺎﺳﺔ ﺗﻠﻲ ﺍﻟﻬﻮﻯ
ﰲ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ ﺃﻭ ﺗﻮﻟﺪ ﻓﻴﻪ ﺫﺍﺗﻪ .ﺃﻣﺮ ﻳﻮﺣﻲ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﻘﺮﱠﺍﺀ ﺍﻷﻋﺰﱠﺍﺀ ﺿﻤّﻮﺍ ﺑﺘﻌﺴّﻒ ﺇﻟﻰ
ﻋﻼﻗﺔ ﺍﶈﺐّ ﲟﻮﺿﻮﻋﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺩﻋﻤﻬﺎ ،ﻋﻼﻗﺔ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﻧﺎﲡﺔ ﻋﻨﻬﺎ.
-٨٨-
ﻟﻜﻨّﻲ ﺃﺣﺴﺐ ﺃﻥْ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻬﺬﻩ ﺑﺘﻠﻚ .ﻓﻘﺪ ﻳﻌﺸﻖ ﺭﺟﻞ ﻣﻐﺮﻭﺭ ﰲ ﺃﺳّﻪ
ﺍﻷﻋﻤﻖ –ﻛﻤﺎ ﻫﻢ ﺃﺭﺳﺘﻘﺮﺍﻃﻴﻮ ﺍﻟﺪﻡ ﻋﺎﺩﺓ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﳓﻄﺎﻃﻬﻢ -ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻣﻐﺮﻭﺭﺓ ﺃﻳﻀﺎً.
ﻭﻧﺘﻴﺠﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ ﺳﺘﻜﻮﻥ ﺍﻟﺘﱠﻌﺎﺳﺔ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ .ﻓﻼ ﳔﻠﻂ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ
ﺑﺎﻻﺧﺘﻴﺎﺭ ﺫﺍﺗﻪ .ﻭﺃﺟﻴﺐ ﰲ ﺁﻥٍ ﻭﺍﺣﺪٍ ﻋﻦ ﺿﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﺿﺎﺕ ﺃﻭﱠﻟﻴﺔ ﺟﺪﱠﺍً،
ﻭﻭﺍﺿﺤﺔ ﺟﺪﱠﺍً ،ﻟﺬﻟﻚ ﻫﻲ ﻣﻜﺮﱠﺭﺓ ﺟﺪﱠﺍً .ﻳﻘﺎﻝ ﰲ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﺇﻥﱠ ﻫﺬﺍ ﺃﻭ ﺫﺍﻙ ﻣﻦ
ﺍﶈﺒّﲔ ﻗﺪ ﺿﻞﱠ ﺍﻟﺴﱠﺒﻴﻞ ﰲ ﺣﺒّﻪ .ﻟﻘﺪ ﺗﺼﻮﱠﺭ ﻣﻦ ﺍﺧﺘﺎﺭﻩ ﺑﺸﻜﻞٍ ﻣﺎ ،ﰒﱠ ﺗﺒﻴﱠﻦ ﺃﻧﱠﻪ ﻣﻦ
ﺷﻜﻞٍ ﺁﺧﺮ .ﺃﻟﻴﺴﺖ ﻫﺬﻩ ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻷﻏﺎﻧﻲ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﺗﻜﺮﺍﺭﺍً ﰲ ﺳﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﳊﺐّ
ﺍﳌﺄﻟﻮﻓﺔ؟ ﻭﺇﺫﺍ ﺻﺪّﻗﻨﺎﻫﺎ ﻓﺴﻮﻑ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﳋﻄﺄ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ﺍﻟﺒﺪﻳﻞ el quid pro quo1ﻣﻦ
ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﻲّ .ﻭﻫﻨﺎ ﺗﻔﺘﺮﻕ ﻃﺮﻗﻨﺎ .ﻓﺄﻧﺎ ﻻ ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺃﻗﺒﻞ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﺳﺒﺎﺏ
ﻓﺎﺋﻀﺔ ﺃﻳﱠﺔ ﻧﻈﺮﻳﱠﺔ ﺗﻜﻮﻥ ﲟﻮﺟﺒﻬﺎ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﱠﺔ ﰲ ﺃﻋﻤﻖ ﺃﻧﺸﻄﺘﻬﺎ ﻭﺃﺧﻄﺮﻫﺎ –
ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﳊﺐّ -ﻣﺤﺾ ﺍﺳﺘﺤﺎﻟﺔ ﻣﺴﺘﻤﺮّﺓ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ،ﻭﺑُﻌﺪﺍً ﻋﻦ ﺍﻟﻘﺼﺪ ﻭﺧﻄﺄ.
ﻭﻻ ﺃﻧﻔﻲ ﺃﻥﱠ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻗﺪ ﺗﺤﺪﺙ ﺫﺍﺕ ﻣﺮﱠﺓ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﰲ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ
ﺍﳉﺴﺪﻳﱠﺔ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺗُﺒﻄﻞ ﺻﻮﺍﺏ ﺇﺩﺭﺍﻛﻨﺎ ﺍﻟﺴﱠﻠﻴﻢ .ﻟﻜﻦ ﺇﺫﺍ ﺃُﻟﺢّ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺪﱘ
ﺍﳋﻄﺄ ﺃﻧﱠﻪ ﻭﺍﻗﻌﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﱠﺔ ﻣﺄﻟﻮﻓﺔ ﻓﺴﻮﻑ ﺃﻗﻮﻝ ﺇﻧﱠﻪ ﻳﺒﺪﻭ ﻟﻲ ﺯﻳﻔﺎً ﻭﻧﺎﲡﺎً ﻋﻦ
ﻣﻼﺣﻈﺔ ﻏﻴﺮ ﻛﺎﻓﻴﺔ .ﻭﻻ ﻭﺟﻮﺩ ﻟﻠﺨﻄﺄ ﰲ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﳊﺎﻻﺕ ﺍﳌﺰﻋﻮﻣﺔ :ﻓﺎﻟﺸﱠﺨﺺ
ﻫﻮ ﻣﺎ ﺑﺪﺍ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻴﻨﺌﺬٍ ،ﺇﻻﱠ ﺃﻧﱠﻨﺎ ﻧﻌﺎﻧﻲ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊ ،ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ
ﺃﺳﻤّﻴﻪ ﺧﻄﺄﻧﺎ .ﻣﺜﻼً :ﻟﻴﺲ ﻧﺎﺩﺭﺍً ﺃﻥ ﺗﻌﺸﻖ ﺷﺎﺑﱠﺔ ﺑﺮﺟﻮﺍﺯﻳﱠﺔ ﻣﺪﺭﻳﺪﻳﱠﺔ ﺷﺎﺑﱠﺎً ﻟﻄﻼﻗﺔ
ﻛﺎﻓﻴﺔ ﺗُﺸﺒﻪ ﺟﺮﺃﺓ ﺗﺮﺷﺢ ﻣﻦ ﺷﺨﺼﻪ .ﻭﻫﻮ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻓﻮﻕ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﻭﻣﺴﺘﻌﺪّ ﳊﻠّﻬﺎ
ﺑﻴﺴﺮ ﻭﺳﻴﻄﺮﺓ ﺗﺜﻴﺮﺍﻥ ﺍﻹﻋﺠﺎﺏ ،ﻭﺗﺼﺪﺭﺍﻥ ﰲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ،ﻋﻦ ﻏﻴﺎﺏ ﻣﻄﻠﻖ
ﻟﻼﺣﺘﺮﺍﻡ ،ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﻛﻞّ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺇﺁﻟﻬﻲّ ﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﺑﺸﺮﻱّ .ﻭﻻ ﳝﻜﻨﻨﺎ ﺇﻧﻜﺎﺭ ﺃﻥﱠ ﺗﻠﻚ ﺍﳌﺮﻭﻧﺔ
ﰲ ﺍﳊﺮﻛﺔ ﺗُﻜﺴﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﱠﻤﻮﺫﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﺟﻤﺎﻻً ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﺍﺯ ﺍﻷﻭﱠﻝ ﻳﻔﺘﻘﺮ ﺇﻟﻴﻪ
) (١ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻻﺗﻴﻨﻴﱠﺔ ﺗﻜﺘﺐ ﺃﻳﻀﺎً ﻣﺘﱠﺼﻠﺔ ،quiproquoﻭﺗﻌﻨﻲ - ١ :ﺍﻟﺒـﺪﻳﻞ ،ﻭﺗـﺴﺘﻌﻤﻞ ﺑـﺸﻜﻞ ﺧـﺎﺹ ﰲ
ﺍﻟﺼﻴﺪﻟﺔ ﺩﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺇﺑﺪﺍﻝ ﺩﻭﺍﺀ ﺑﺪﻭﺍﺀ ﺁﺧﺮ ﻋﻤﺪﺍً ﺃﻡ ﻋﻦ ﻏﻴﺮ ﻋﻤﺪ - ٢ .ﺍﻟﻠﺒﺲ ﰲ ﻋﺪّ ﺷـﺨﺺ
ﺃﻭ ﺷﻲﺀ ﺷﺨﺼﺎً ﺃﻭ ﺷﻴﺌﺎً ﺁﺧﺮﻳﻦ؛ ﻭﻣﺎ ﻳﻨﺠﻢ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ .ﻭﻗﺪ ﺍﺳـﺘﻌﻤﻠﻬﺎ ﺍﳌﺆﻟـﻒ ﺑـﺎﳌﻌﻨﻴﲔ ﰲ ﻫـﺬﺍ
ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ – .ﺍﳌﺘﺮﺟﻢ.
-٨٩-
ﻋﺎﺩﺓً ﺫﻭﻭ ﺍﻟﻄﺒﺎﻉ ﺍﻷﻋﻤﻖ .ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ ،ﻫﻮ ﳕﻮﺫﺝ ﻟﻠﻤﺎﺟﻦ .calavera1ﺇﺫﺍً ،ﺗﻌﺸﻖ
ﺍﻟﻔﺘﺎﺓُ ﺍﳌﺎﺟﻦَ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﳝﺎﺭﺱ ﻣﺠﻮﻧﻪ .ﻟﻜﻦﱠ ﺍﻟﺰﻭﺝ ﻳﺮﻫﻦ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺍﻮﻫﺮﺍﺕ
ﻭﻳﻬﺠﺮﻫﺎ .ﻓﺘﻌﺰّﻱ ﺍﻟﺴﻴﺪﺓَ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓَ ﺍﻟﺘﻌﻴﺴﺔَ ﺻﺪﻳﻘﺎﺗُﻬﺎ ﻋﻦ "ﺧﻄﺌﻬﺎ" .ﻟﻜﻦ ﻫﺬﻩ
ﺗﻌﺮﻑ ﺟﻴﱢﺪﺍً ﺟﺪﱠﺍً ﰲ ﺍﻟﻘﺎﻉ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﻭﻋﻴﻬﺎ ﺃﻥﱠ ﺍﻷﻣﺮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻭﺃﻥﱠ ﺷﻜﱠﺎً ﻣﺎ
ﰲ ﺗﻠﻚ ﺍﻹﻣﻜﺎﻧﻴﱠﺎﺕ ﻗﺪ ﺃﺣﺴّﺖ ﺑﻪ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ ،ﻭﺃﻥﱠ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸّﻚّ ﻛﺎﻥ ﻋﻨﺼﺮﺍً ﰲ
ﺣﺒّﻪ ،ﻭﻫﻮ ﺧﻴﺮ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ "ﺗﻌﺮﻓﻪ" ﰲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ.
ﺃﺣﺴﺐ ﺃﻧﱠﻨﺎ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺇﺻﻼﺡ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﳌﺒﺘﺬﻟﺔ ﺣﻮﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸّﻌﻮﺭ ﺍﻟﺮﱠﺍﺋﻊ،
ﻷﻥﱠ ﺍﳊﺐّ ﺻﺎﺭ ﰲ ﺷﺒﻪ ﺍﳉﺰﻳﺮﺓ ﺧﺎﺻﺔ ﻣﺘﺒﻠّﺪﺍً ﺟﺪﱠﺍً .ﻭﺇﺫْ ﻛﺎﻥ ﺣﺎﻓﺰﺍً ﳑﺘﺎﺯﺍً
ﻟﻠﺤﻴﻮﻳﱠﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﱠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺤﻈﻰ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﳊﻮﺍﻓﺰ ﺑﻌﺪ ﻛﻞّ ﺷﻲﺀ ،ﻓﻤﻦ ﺍﳌﻨﺎﺳﺐ ﺃﻥ
ﳒﻬّﺰﻩ ﻭﳓﺮّﺭﻩ ﻣﻦ ﺍﻻﻟﺘﺼﺎﻗﺎﺕ ﺍﻟﻐﺒﻴّﺔ ﻓﻴﻪ .ﺇﺫﺍً ،ﻟﻨﻜﻦ ﺑﻄﻴﺌﲔ ﰲ ﺍﻹﺳﺮﺍﻉ ﺇﻟﻰ ﻓﻜﺮﺓ
"ﺍﳋﻄﺄ" ﻛﻠﱠﻤﺎ ﺣﺎﻭﻟﻨﺎ ﺇﻳﻀﺎﺡ ﺩﺭﺍﻣﺎ ﺍﻹﻳﺮﻭﺳﻴﱠﺔ ﺍﳌﺄﻟﻮﻓﺔ .ﻭﻳﺤﺰﻧﻨﻲ ﺃﻥ ﻳﻠﺠﺄ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ
ﺍﻟﻘﺮﻃﺒﻲّ ﺍﳊﺼﻴﻒ ﺍﻟﻐُﻔﻞ ﰲ ﺍﺗﱢﺼﺎﻝ ﺟﺪﻳﺪ ﺑﻲ ،ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴﺮ ﰲ ﺃﻧﱠﻨﺎ ﻧﻌﺸﻖ "ﺣﺴﻦ
ﺍﻟﺘﱠﻨﺎﺳﺐ ﺍﳉﺴﺪﻱ" ﻟﺪﻯ ﻛﺎﺋﻦ ﺁﺧﺮ .ﻭﺇﺫْ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﺟﺪ ﰲ ﻇﻼﻝ ﳕﻮﺫﺝ ﺟﺴﺪﻱّ
ﻭﺍﺣﺪ "ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻨّﻔﻮﺱ ﺍﺧﺘﻼﻓﺎً ﻭﺣﺘﱠﻰ ﺗﻌﺎﺭﺿﺎً" ،ﺗﺤﺪﺙ ﺍﻷﺧﻄﺎﺀ ،ﻭﻳﺒﺪﻭ ﻣﺤﺎﻻً ﺇﺛﺒﺎﺕ
ﻭﺟﻮﺩ ﺻﻠﺔ ﺑﲔ ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ ﺍﶈﺒﻮﺏ ﻭﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﳊﺐّ .ﻭﻭﺍﻗﻊ ﺍﳊﺎﻝ ﻫﻮ ﺃﻥﱠ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﻘﺮﻃﺒﻲّ ﺍﳊﺼﻴﻒ ﺍﺑﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺍﺑﻦ ﺭﺷﺪ ﺍﻋﺘﺮﻑ ﰲ ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺃﻥﱠ ﺗﻌﺎﺑﻴﺮ ﺍﻟﻮﺟﻪ
ﻭﺃﺳﺎﺭﻳﺮﻩ ﺗﺸﻒّ ﻋﻦ ﻛﻴﺎﻧﻪ ﺍﳊﻤﻴﻢ .ﻭﺁﺳﻒ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﺃﻧﻲ ﻻ ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﻗﺒﻮﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﺼﻞ
ﺑﲔ ﺍﳉﺴﺪﻱّ ﻭﺍﻟﻨﱠﻔﺴﻲّ؛ ﻭﻫﻮ ﻫﻮﺱ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺍﳊﻘﺒﺔ ﺍﳌﺎﺿﻴﺔ .ﻭﺇﻧﱠﻪ ﻟﺰﻳﻒٌ ﻛﻞﱠ
ﺍﻟﺰﱠﻳﻒ ﺃﻥ ﻧﺮﻯ ﺟﺴﻤﺎً "ﻓﻘﻂ" ﺇﺫﺍ ﺭﺃﻳﻨﺎ ﺇﺯﺍﺀﻧﺎ ﺷﻜﻼً ﺑﺸﺮﻳﱠﺎً .ﻭﻛﺄﻧﻨﱠﺎ ﻧﻀﻴﻒ ﺑﻌﻤﻞ
ﺫﻫﻨﻲ ﺟﺪﻳﺪ ﻭﻻﺣﻖ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳُﻌﺮﻑ ﻛﻴﻒ ،ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ ﺍﳌﺎﺩﻱّ ،ﻧﻔﺴﺎً
) (١ﺇﻧﱢﻲ ﺃﺟﻬﻞ ﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﺟﺎﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﻌﺒﻴـﺮ ﺍﻟﻄﱠﺮﻳـﻒ ﺟـﺪﱠﺍً ﰲ ﻟﻐﺘﻨـﺎ .ﻭﺇﺫﺍ ﻋـﺮﻑ ﺃﺣـﺪ ﺍﻟﻘـﺮﱠﺍﺀ ﻣـﺼﺪﺭﻩ
ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﻮﺛﻮﻗﺔ ،ﻓﺈﻧﻲ ﺃﺷﻜﺮ ﻟﻪ ﺟﺪﱠﺍً ﺇﻥ ﻧﻘﻞ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﺇﻟﻲّ .ﺃﺧﻤّﻦ ﺃﻥﱠ ﺍﻷﻣﺮ ﻟﻪ ﻋﻼﻗـﺔ ﲟـﺸﺎﻫﺪ
ﺍﻧﺘﻬــﺎﻙ ﺣﺮﻣــﺔ ﺍﳌﻘــﺎﺑﺮ ﺍﻟــﺬﻱ ﺟﻌﻠﺘــﻪ ﺍﻟــﺸﺒﻴﺒﺔ ﺍﻟﺬﻫﺒﻴﱠــﺔ "ﻣﻮﺿــﺔ" ﻟﻬــﺎ ﰲ ﻋــﺼﺮ ﺍﻟﻨﱠﻬــﻀﺔ- .
ﺍﳌﺆﻟﱢﻒ.
ﻣﻼﺣﻈﺔ :ﻣﻔﺮﺩﺓ calaveraﺗﻌﻨﻲ "ﺟﻤﺠﻤﺔ" ﺃﻳﻀﺎً .ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻔﺴﱢﺮ ﺗﻌﻠﻴﻖ ﺍﳌﺆﻟﱢﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ - .ﺍﳌﺘﺮﺟﻢ.
-٩٠-
ﻣﺄﺧﻮﺫﺓ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳُﺪﺭﻯ .1ﻭﺑﻌﻴﺪﺍً ﻋﻦ ﺃﻥ ﲡﺮﻱ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻫﻜﺬﺍ ،ﻳﺤﺪﺙ ﺃﻧﱠﻨﺎ ﳒﺪ
ﺻﻌﻮﺑﺎﺕ ﻛﺒﺮﻯ ﰲ ﻓﺼﻞ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻋﻦ ﺍﳉﺴﺪ ﻭﻋﻦ ﲡﺮﻳﺪﻫﺎ ﻣﻨﻪ ،ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺽ ﺃﻧﱠﻨﺎ
ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺫﻟﻚ .ﻷﻥﱠ ﺭﺅﻳﺘﻨﺎ ﺷﻜﻼً ﻣﺎ ﺭﺅﻳﺔً ﺟﺴﺪﻳﱠﺔ ﻟﻴﺲ ﰲ ﻣﺠﺎﻝ ﺍﻟﺘﱠﻌﺎﻳﺶ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱّ
ﻓﻘﻂ ،ﺑﻞ ﺣﺘﱠﻰ ﰲ ﺗﻌﺎﻣﻠﻨﺎ ﻣﻊ ﺃﻱّ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲّ ،ﻫﻲ ﰲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ ﺇﺩﺭﺍﻙٌ ﻋﻘﻠﻲّ ﻟﻨﻔﺴﻪ،
ﺃﻭ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻧﻔﺴﺎً .ﳓﻦ ﻧﻠﻤﺢ ﰲ ﻋﻮﺍﺀ ﺍﻟﻜﻠﺐ ﺃﳌﻪ ،ﻭﰲ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻋﲔ ﺍﻟﻨﱠﻤﺮ
ﺷﺮﺍﺳﺘﻪ .ﻟﺬﻟﻚ ﳕﻴﱢﺰ ﺍﳊﺠﺮ ﻭﺍﻵﻟﺔ ﻣﻦ ﺷﻜﻞ ﺑﺠﺴﺪ .ﻭﺍﳉﺴﺪ ﰲ ﺍﳉﻮﻫﺮ
ﻭﺍﻷﺳﺎﺱ ﺟﺮﻡ ﻓﻴﺰﻳﻘﻲ ﻣﺸﺤﻮﻥ ﺑﻜﻬﺮﺑﺎﺀ ﻧﻔﺴﺎﻧﻴﱠﺔ ،ﺑﻄﺒﻊ ،ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ .ﻭﻭﺍﻗﻌﺔ ﺃﻧﱠﻪ
ﺗﻮﺟﺪ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺧﺎﻃﺌﺔ ،ﻭﺃﻧﱠﻨﺎ ﳔﻄﺊ ﰲ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻐﻴﺮ ،ﻻ ﻳﺼﻠﺢ ،ﺃﻛﺮّﺭ ،ﻛﻴﻤﺎ
ﻳﺒﻄﻞ ﺍﻟﺼﻮﺍﺏ ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﻲّ .2ﻓﺈﺫﺍ ﻗﺎﺑﻠﻨﺎ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎً ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻨﺎ ،ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ ﻓﻮﺭﺍً ﻋﻦ
ﻭﺿﻌﻪ ﺍﳊﻤﻴﻢ .ﻭﺗﻐﻠﻐﻠُﻨﺎ ﰲ ﻏﻴﺮﻧﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻭﺻﻐﻴﺮﺍً ﻃﺒﻘﺎً ﳌﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺫﻛﺎﺅﻧﺎ
ﺍﻟﻔﻄﺮﻱّ .ﻭﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻄﻨﺔ ﻟﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﳑﻜﻨﺎً ﺍﻟﺘﱠﻌﺎﻣﻞُ ﰲ ﺣﺪّﻩ ﺍﻷﻭﱠﻝ ،ﻭﻻ
ﺍﻟﺘﱠﻌﺎﻳﺶ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲّ .ﻓﻜﻞّ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﻭﻛﻞّ ﻛﻠﻤﺔ ﻧﻘﻮﻡ ﺑﻬﺎ ﻗﺪ ﲡﺮﺡ ﻣﺤﺪّﺛﻨﺎ .ﻭﺇﺫْ ﻧﺪﺭﻙ
ﻧﻌﻤﺔ ﺍﻟﺴّﻤﻊ ﺇﺫﺍ ﺗﻜﻠﱠﻤﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﺻﻢّ ،ﻧﻼﺣﻆ ﻭﺟﻮﺩ ﻫﺬﺍ ﺍﳊﺪﺱ ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﻲّ ﺍﻟﺬﻱ
ﳝﺘﻠﻜﻪ ﺍﳌﺮﺀ ﺇﺯﺍﺀ ﺃﺷﺒﺎﻫﻪ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﳓﺘﻚّ ﺑﻄﺎﺋﺶ ،ﺑﺸﺨﺺ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ،tacto 3ﺗﻌﺒﻴﺮ
ﻣﺪﻫﺶ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﳌﻌﻨﻰ ﰲ ﺍﻹﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﺮﱡﻭﺣﻲّ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻧﱠﻨﺎ ﳕﺲﱡ ﺑﻪ ﺭﻭﺡ
ﺍﻟﻐﻴﺮ ﻭﻧﻠﻤﺲ ﺷﻜﻠﻪ ﻭﺟﻔﺎﺀ ﻃﺒﻌﻪ ﺃﻭ ﺣﻼﻭﺗﻪ ،ﺇﻟﺦ .ﺃﻣﱠﺎ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻪ ﻣﻌﻈﻢ
ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﻓﻬﻮ "ﺍﻟﻘﻮﻝ" ﻛﻴﻒ ﻫﻮ ﺍﻵﺧﺮ ﺍﳌﺎﺛﻞ ﺃﻣﺎﻣﻬﻢ .ﻟﻜﻦﱠ ﻣﺎ ﻻ ﻳُﺴﺘﻄﺎﻉ "ﻗﻮﻟﻪُ"
ﻻﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺃﻧﱠﻨﺎ ﻻ ﻧﺮﺍﻩ .ﻭ"ﺍﻟﻘﻮﻝ" ﻫﻮ ﺍﻟﺘﱠﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﺑﺎﻟﺘﺼﻮّﺭﺍﺕ ،ﻭﺍﻟﺘّﺼﻮﱡﺭ
ﻳﻔﺘﺮﺽ ﻧﺸﺎﻃﺎً ﺗﺤﻠﻴﻠﻴﱠﺎً ﺧﺎﺻّﺔ ﻓﻜﺮﻳﱠﺎً ،ﻗﻠﻴﻞٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﱠﺎﺱ ﻣﺎﺭﺳﻮﻩ .ﻭﺍﳌﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳُﻌﺒﱠﺮ
) (١ﺍﻧﻈــﺮ ﺑﺤﺜــﻲ "ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﻐﻴــﺮ") .ﺍﻷﻋﻤــﺎﻝ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠــﺔ ،ﺍﻠــﺪ VIﺹ .(١٥٣ﻭﺧﺎﺻــﺔ ﻋﻤــﻞ ﺷــﻴﻠﺮ
ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ – .Wesen unformen des Sympatieﺍﳌﺆﻟﻒ.
) (٢ﺣﻮﻝ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﳉﺴﻢ ﺍﻟﺘﱠﻌﺒﻴﺮﻳﱠﺔ ،ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ،ﺃﺣﻴـﻞ ﺍﻟﻘـﺎﺭﺉ ﺍﻟﻔـﻀﻮﻟﻲّ ﻣـﺮﱠﺓ ﺃﺧـﺮﻯ ﺇﻟـﻰ ﺑﺤﺜـﻲ
"ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺘﱠﻌﺒﻴﺮ ﻛﻈﺎﻫﺮﺓ ﻛﻮﻧﻴﱠﺔ") .ﺍﳌﺸﺎﻫﺪ – .(VIIﺍﳌﺆﻟّﻒ.
) (٣ﻳــﺴﺘﻌﻤﻠﻬﺎ ﲟﻌﻨﺎﻫــﺎ ﺍﳌﺒﺎﺷــﺮ :ﳌ ـﺲٌ ،ﻣ ـﺲّ ،ﻟﻴﻮﻇّﻔــﻪ ﰲ ﺍﳉﻤﻠــﺘﲔ ﺍﻟﺘﱠــﺎﻟﻴﺘﲔ .ﺃﻣﱠــﺎ ﺍﳌﻌﻨــﻰ ﺍﻵﺧــﺮ
ﻟﻠﻜﻠﻤﺔ ﻓﻬﻮ :ﻟﺒﺎﻗﺔ ،ﻛﻴﺎﺳﺔ – .ﺍﳌﺘﺮﺟﻢ.
-٩١-
ﻋﻨﻬﺎ ﲟﻔﺮﺩﺍﺕ ،ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺍﳌﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﺘﻔﻲ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺷﻲﺀ ﺇﺯﺍﺀ ﺍﻟﻌﻴﻨﲔ ،ﻟﻜﻦﱠ ﻫﺬﻩ
ﺍﳌﻌﺮﻓﺔ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻫﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺃﻳﻀﺎً .ﻓﻠْﻴﺤﺎﻭﻝ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﺃﻥ ﻳﺼﻒ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻣﺎ ﻳﺮﺍﻩ ﻛﻞّ
ﳊﻈﺔ ،ﻳﺪﻫﺶْ ﻟﻘﻠﱠﺔ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻗﻮﻟﻪ ﺣﻮﻝ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﺪﻩ ﻣﺎﺛﻼً ﺃﻣﺎﻣﻪ ﺑﻮﺿﻮﺡ
ﺷﺪﻳﺪ .ﻭﻫﺬﻩ ﺍﳌﻌﺮﻓﺔ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ،ﺗﺨﺪﻣﻨﺎ ﻟﻜﻲ ﻧﺘﺤﺮﱠﻙ ﻭﺳْﻂ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻭﻟﻜﻲ ﳕﻴّﺰﻫﺎ
ﻣﻦ ﺑﻌﻀﻬﺎ -ﻣﺜﻼً ﲤﻴﻴﺰ ﻓﺮﻭﻕ ﺍﻟﻠﻮﻥ )ﺃﻭ ﺍﻟﻠﻮﻳﻨﺎﺕ( ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻮﺻﻒ ﻭﺗﻮﺟﺪ ﰲ ﻟﻮﻥ
ﻭﺍﺣﺪ -ﻭﻟﻜﻲ ﻧﺒﺤﺚ ﻋﻨﻬﺎ ﺃﻭ ﻧﺘﺤﺎﺷﺎﻫﺎ .ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺸﱠﻜﻞ ﺍﻟﺪﱠﻗﻴﻖ ﻳﻨﺸﻂ ﻓﻴﻨﺎ ﺍﻹﺩﺭﺍﻙ
ﺍﻟﺬﻱ ﳕﺘﻠﻜﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻐﻴﺮ ﻭﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺧﺎﺹّ ﺟﺪﱠﺍً ﰲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺍﳊﺐّ.
ﻓﻼ ﻧﺮﺩّﺩْ ﺇﺫﺍً ،ﺑﻬﺪﻭﺀ ﺷﺪﻳﺪ ،ﻫﺪﻭﺀ ﻣﻦ ﻳﻘﻮﻝ ﺷﻴﺌﺎً ﻭﺍﺿﺤﺎً ﻭﺑﺴﻴﻄﺎً ،ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ
ﻳﻌﺸﻖ ﺍﳌﺮﺃﺓ "ﺟﺴﺪﻳﱠﺎً" ،ﺃﻭ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ،ﰒﱠ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﱠﺪﻣﺔُ ﺑﻄﺒﻊ ﻣﻦ ﻛﻨﱠﺎ ﳓﺐّ.
ﺃﻣﱠﺎ ﻣﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻬﻮ ﺃﻥﱠ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﻣﻦ ﻛﻼ ﺍﳉﻨﺴﲔ ﻳﻌﺸﻖ ﺟﺴﺪﺍً ﻓﻌﻼً .ﻟﻜﻦﱠ
ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻳﻜﺸﻒ ﺗﺤﺪﻳﺪﺍً ﻋﻦ ﺣﺎﻟﺔ ﻛﻴﺎﻧﻪ ﺍﻟﻨّﻮﻋﻴﱠﺔ .ﻷﻥﱠ ﻃﺒﻊ ﺍﶈﺐّ ﺍﻟﺸّﻬﻮﺍﻧﻲّ ﻫﻮ ﻣﺎ
ﻳﻮﺣﻲ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻷﻓﻀﻠﻴﱠﺔ .ﻟﻜﻦ ،ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻀﻴﻒ ﺃﻥﱠ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻄﺒﻊ ﻳﻮﺟﺪ ﺑﺬﻳﻮﻉ ﺃﻗﻞّ ﳑﺎ
ﻳُﻈﻦّ ﻋﺎﺩﺓً .ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﱠﺮﻁ ﻧﺎﺩﺭ ﺑﺸﻜﻞٍ ﺧﺎﺹ ﻟﺪﻯ ﺍﳌﺮﺃﺓ .ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺸﻚّ ﻣﻦ ﻳﺮﺍﻗﺐ
ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﺍﻷﻧﺜﻮﻳﱠﺔ ﺑﺸﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻹﻣﻌﺎﻥ ،ﰲ ﺇﻋﺠﺎﺏ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻹﻳﺮﻭﺳﻲّ ﺑﺎﳉﻤﺎﻝ ﺍﻟﺬﻛﺮﻱّ
ﻋﻠﻰ ﺃﻧﱠﻪ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﱠﺔ .ﺣﺘﱠﻰ ﳝﻜﻨﻨﺎ ﺍﻟﺘﱠﻜﻬﻦ ﺑﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﺍﺳﺘﺜﻨﺎﺀ ﻣﻦ
ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ .ﻭﻫﺎ ﻫﻦّ :ﺃﻭﱠﻻً ،ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺫﻭﺍﺕ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮﻳﱠﺔ ﻗﻠﻴﻼً؛ ﺛﺎﻧﻴﺎً ،ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻮﺍﺗﻲ
ﻣﺎﺭﺳﻦ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺣﺪﻭﺩ )ﻛﺎﻟﻌﻮﺍﻫﺮ(؛ ﺛﺎﻟﺜﺎً :ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﻴﱠﺎﺕ ﺍﻟﻼﺗﻲ
ﻭﺭﺍﺀﻫﻦّ ﺣﻴﺎﺓ ﺟﻨﺴﻴﱠﺔ ﻣﻮﺭﺳﺖ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺎﻣﻞ ،ﻭﺗﺒﻠﻐﻦ ﺳﻦّ ﺍﻟﻜﻬﻮﻟﺔ؛ ﺭﺍﺑﻌﺎً ،ﺍﻟﻼﺗﻲ
ﺑﺘﺮﻛﻴﺒﻬﻦّ ﺍﳉﺴﺪﻱّ ﺍﻟﻨﱠﻔﺴﻲّ ﻭُﻟﺪﻥ 1ﻣﺰﻭّﺩﺍﺕ "ﺑﻄﺒﻊ ﻗﻮﻱّ."2
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﱠﻤﺎﺫﺝ ﺍﻷﺭﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﲤﺘﻠﻚ ﻋﻼﻣﺔ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﲡﻌﻠﻬﺎ ﺗﺘﻄﺎﺑﻖ ﰲ
ﺿﻌﻔﻬﺎ ﺍﳌﻠﺤﻮﻅ ﺇﺯﺍﺀ ﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺬّﻛﺮ .ﻭﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﺍﻷﻧﺜﻮﻳﱠﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻠﺤﻮﻅ ،ﻣﻮﺣّﺪﺓ ﺃﻛﺜﺮ
ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ :ﺃﻱ ،ﺗﻮﺟﺪ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﻣﻌﻴﱠﻨﺔ ﰲ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﺍﻷﻧﺜﻮﻳﱠﺔ ﺃﻗﻞّ ﺍﻧﻔﺼﺎﻻً ﻋﻦ
ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﳑﱠﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮﻳﱠﺔ .ﻟﺬﻟﻚ ،ﻛﺎﻥ ﺍﻧﻔﺼﺎﻡ ﺍﻟﻠّﺬّﺓ
V
ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﳊﺐّ ﺧﻴﺎﺭﺍً ﺣﺎﺳﻤﺎً ﻛﻤﺎ ﺃﻓﺘﺮﺽ ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﻓﺈﻥﱠ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻋﻨﻪ ﻧﻈﺮﻳﱠﺔ
ﻣﻌﺮﻓﺔ ratio cognoscentisﻟﻠﻔﺮﺩ ،ﻭﻧﻈﺮﻳﺔ ﻭﺟﻮﺩ .ﺇﻧﱠﻪ ﻳﺨﺪﻣﻨﺎ ﻣﻌﻴﺎﺭﺍً ﻭﺩﻟﻴﻼً ﳌﻌﺮﻓﺔ
ﻣﺎ ﺗﺤﺖ ﺃﺭﺽ ﺃﺧﻼﻕ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻔﺮﺩ ،ﻛﻘِﻄﻊ ﺍﻟﻔﻠّﲔ ﻭﺳْﻂ ﺯﺑﺪ ﺃﻣﻮﺍﺝ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﻲ
ﺑﺎﻟﺸّﺒﻜﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﲤﺴﺢ ﺍﻟﻘﻌﺮ ﺍﳋﺸﻦ ،ﻋﻠﻰ ﺣﺪّ ﺗﺸﺒﻴﻪ ﺃﺳﺨﻴﻠﻮﺱ .Esquiloﻭﻫﻮ ﻣﻦ
ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ،ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻤﻠﻪ ﻋﺮﺿﺎً ﰲ ﺳﻴﺮﺓ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ ﺟﺎﻟﺒﺎً ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺇﻟﻰ ﺃﻋﻤﻖ ﻣﺮﻛﺰ
ﻓﻴﻪ ،ﻛﺎﺋﻨﺎﺕ ﻣﻦ ﳕﻮﺫﺝ ﻣﻌﻴﱠﻦ ،ﻣﻨﺤّﻴﺎً ﺍﻟﺒﻘﻴﱠﺔ ﻣﻨﻬﺎ .ﻓﺎﳊﺐّ ﻳﻌﺪّﻝ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺸﱠﻜﻞ
ﺍﳌﺼﻴﺮ ﺍﻟﻔﺮﺩﻱّ .ﻭﺃﺣﺴﺐ ﺃﻧﱠﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﺪﺭﻙ ﺟﻴﱢﺪﺍً ﺍﻟﺘﱠﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﻀﱠﺨﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﲤﺎﺭﺳﻪ
-٩٣-
ﻏﺮﺍﻣﻴﱠﺎﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺮﻯ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ .ﻷﻧﱠﻨﺎ ﻧﻔﻜّﺮ ﻓﻮﺭﺍً ﺑﺎﳌﺆﺛّﺮﺍﺕ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﺳﻄﺤﻴﱠﺔ ﻓﻘﻂ ،ﻭﺇﻥ
ﺗﻜﻦ ﺩﺭﺍﻣﻴﱠﺔ -ﻛﺎﳉﻨﻮﻥ -ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﺪﻳﻪ ﺭﺟﻞ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻣﺮﺃﺓ ،ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ .ﻭﺇﺫْ
ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻷﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ،ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻛﻠﻬﺎ ،ﺧﺎﻟﻴﺎً ﻣﻦ ﺿﺮﻭﺏ ﺍﳉﻨﻮﻥ ﺗﻠﻚ،
ﻓﺈﻧﱠﻨﺎ ﳕﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﱠﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﻣﻘﺪﺍﺭ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﱠﺄﺛﻴﺮ .ﻟﻜﻦﱠ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﳊﺎﻝ ﻫﻮ ﺃﻥﱠ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﺄﺛﻴﺮ
ﺧﺎﺻّﺔ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﰲ ﺣﻴﺎﺓ ﺭﺟﻞ ،ﻳﺘْﺨﺬ ﰲ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﻣﻈﻬﺮﺍً ﺩﻗﻴﻘﺎً ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ .ﺇﻥﱠ ﺍﳊﺐّ
ﻳﺠﻤﻊ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﰲ ﺗﻌﺎﻳﺶ ﺟﺪّ ﻭﺛﻴﻖ ﻭﺷﺎﻣﻞ ﺣﺘﱠﻰ ﻻ ﻳﺪﻉ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻛﻴﻤﺎ ﻳُﻠﻤﺢ
ﺍﻹﺻﻼﺡ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺪﺛﻪ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻵﺧﺮ .ﻭﺗﺄﺛﻴﺮ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺑﺨﺎﺻّﺔ "ﺟﻮّﻱ"
Atmosféricoﻟﺬﻟﻚ ﻫﻮ ﻛﻠّﻲ ﻭﻏﻴﺮ ﻣﺮﺋﻲّ .ﻭﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﺘﻮﻗّﻌﻪ ﻭﺗﺤﺎﺷﻴﻪ .ﺇﻧﱠﻪ
ﻳﺘﻐﻠﻐﻞ ﻋﺒﺮ ﻓﺠﻮﺍﺕ ﺍﳊﺬﺭ ،ﻭﳝﺎﺭﺱ ﻓﻌﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺍﶈﺒﻮﺏ ،ﻛﻤﺎ ﺍﳌُﻨﺎﺥ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻨﱠﺒﺎﺕ .ﻭﺇﻥﱠ ﻃﺮﻗﻬﺎ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﱠﺔ ﰲ ﺍﻟﺸّﻌﻮﺭ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ،ﺗﺴﺤﻖ ﺑﻌﺬﻭﺑﺔ ﻭﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭ
ﻣﻼﻣﺢ ﻧﻔﺴﻨﺎ ﻭﺗﻨﻘﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﲤﻌّﺠﺎﺗﻬﺎ ﺍﳌﻤﻴّﺰﺓ.
ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻘﻮﺩﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻧﻜﺘﺸﻒ ﺁﻓﺎﻗﺎً ﻫﺎﻣﱠﺔ ﰲ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﻘﺎﺋﻠﺔ ﺇﻥﱠ ﺍﳊﺐّ ﺧﻴﺎﺭ
ﻋﻤﻴﻖ .ﻓﺈﺫﺍ ﺃﺳﻘﻄﻨﺎ ﺍﳌﺬﻫﺐ ﻋﻠﻰ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﻋﺼﺮ ﺃﺟﻤﻌﲔ –ﻋﻠﻰ ﺟﻴﻞ ﻣﺜﻼً -ﻋﻮﺿ ًﺎ
ﻣﻦ ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻓﺮﺩ ﺑﻌﻴﻨﻪ ،ﳓﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﱠﺎﻟﻲ :ﻛﻠّﻤﺎ ﺗﻜﻠّﻤﻨﺎ ﻋﻦ ﺟﻤﻮﻉ ﻭﺟﻤﺎﻫﻴﺮ،
ﻓﺈﻥﱠ ﺍﻟﻔﺮﻭﻕ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﱠﺔ ﺍﳌﺘﻄﺮّﻓﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﺧﺎﻟﺺ ،ﺗﺘﻌﺎﺩﻝ ﻭﺗﺼﺒﺢ ﻣﻬﻴﻤﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﳕﻮﺫﺝ
ﻣﺘﻮﺳّﻂ ﻣﻦ ﺍﻟﺴّﻠﻮﻙ؛ ﰲ ﻫﺬﻩ ﺍﳊﺎﻟﺔ ﳕﻮﺫﺝ ﻭﺳﻂ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﱠﻔﻀﻴﻞ ﰲ ﺍﳊﺐّ .ﺃﻱ ،ﺃﻥﱠ
ﻛﻞّ ﺟﻴﻞ ﻳﻔﻀّﻞ ﳕﻮﺫﺟﺎً ﻋﺎﻣﱠﺎً ﻟﻠﺬﱠﻛﺮ ،ﻭﳕﻮﺫﺟﺎً ﺁﺧﺮ ﻋﺎﻣﱠﺎً ﻟﻠﻤﺮﺃﺓ ،ﺃﻭ ﻣﺎ ﻳﻌﺎﺩﻝ ﺫﻟﻚ،
ﺗُﻔﻀّﻞ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻌﻴﱠﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﱠﻤﺎﺫﺝ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﳉﻨﺲ ﺃﻭ ﺫﺍﻙ .ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺰﱠﻭﺍﺝ ﰲ
ﺍﻟﻨﱢﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﺸﱠﻜﻞ ﺍﻷﻫﻢّ ﻋﺪﺩﻳﱠﺎً ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ ،ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇﻧﱠﻪ ﰲ ﻛﻞﱢ ﻋﺼﺮ
ﻧﺴﺎﺀ ﻳﺘﺰﻭّﺟﻦ ﻣﻦ ﳕﻮﺫﺝ ﻣﻌﻴﱠﻦ ﺃﻛﺜﺮ ﳑﱠﺎ ﻳﺘﺰﻭّﺟﻦ ﻣﻦ ﳕﺎﺫﺝ ﺃﺧﺮﻯ.1
) (١ﻻ ﺃﺣﺴﺐ ﺿﺮﻭﺭﻳﱠﺎً ﺃﻥ ﻧﺘﺬﻛﱠﺮ ﺑﺴﺒﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﻄﺒﻴﻖ ﺍﳋـﺎﺹّ ،ﺍﻟﻘﻮﺍﻋـﺪ ﺍﳌﻌﺮﻭﻓـﺔ ﰲ ﻛـﻞﱢ ﻗـﺎﻧﻮﻥ ﺃﻭ
ﺗﻘﺪﻳﺮ ،ﺣﻮﻝ ﻛﺘﻞ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﳊـﺎﻻﺕ ،ﻗﻮﺍﻋـﺪ ﻳﺆﺳـﺲ ﻋﻠﻴﻬـﺎ ﺍﻹﺣـﺼﺎﺀ ﺩﻗّﺘـﻪ .ﺗﻮﺟـﺪ ﺑـﺎﻟﻄﱠﺒﻊ ﰲ
ﻋﺪﺩ ﻫﺎﻡّ ﻣﻦ ﺍﳊﺎﻻﺕ ،ﺣـﺎﻻﺕ ﻣـﻦ ﺃﻛﺜـﺮ ﺍﻷﻧـﻮﺍﻉ ﺍﺧﺘﻼﻓـﺎً .ﻟﻜـﻦﱠ ﺇﺣـﺪﺍﻫﺎ ﺗﻬـﻴﻤﻦ ﻭﺍﻻﺳـﺘﺜﻨﺎﺀﺍﺕ
ﺗُﻠﻐﻲ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎً .ﻭﰲ ﻛﻞﱢ ﻋﺼﺮ ﻳﺘﺰﻭﱠﺝ ﻧﺴﺎﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﱠﻤﺎﺫﺝ ﻛﻠّﻬـﺎ .ﻟﻜـﻦ ،ﻳﻬـﻴﻤﻦ ﻋﻠﻴﻬـﺎ ﳕـﻮﺫﺝ ﻟـﻪ
ﺍﳊﻈﻮﺓ ﻧﻮﻋﻴﱠﺎً ﻭﻛﻤّﻴﱠﺎً - .ﺍﳌﺆﻟﻒ.
-٩٤-
ﻛﻞّ ﺟﻴﻞ ﻳﻜﺸﻒ ﻛﻤﺎ ﺍﻟﻔﺮﺩ ،ﰲ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﻏﺮﺍﻣﻴﱠﺎﺗﻪ ﻋﻦ ﺗﻴﱠﺎﺭﺍﺕ ﺳﻔﻠﻴﱠﺔ ﺗﻌﻄﻴﻪ
ﺷﻜﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺣﺪﱟ ﺗﺼﺒﺢ ﺍﻷﺭﻛﺎﻥَ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﺩﻻﻟﺔ ،ﺍﻟﺘﻲ ﰲ ﻇﻠّﻬﺎ ﳝﻜﻦ ﻟﻠﺘﱠﻄﻮﱡﺭ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱّ
ﺃﻥ ﻳﺒﺪﺃ ﺗﺎﺭﻳﺨﺎً ﻟﻠﻨﱠﻤﺎﺫﺝ ﺍﻷﻧﺜﻮﻳﱠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻟﻬﺎ ﺍﻷﻓﻀﻠﻴﱠﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺘﺘﺎﺑﻊ .ﻭﻛﻞ ﻋﺮﻕ
ﻛﻤﺎ ﻛﻞّ ﺟﻴﻞ ،ﻳﺼﻄﻔﻲ ﳕﻮﺫﺟﺎً ﳕﻮﺫﺟﻴﱠﺎً ﻟﻸﻧﻮﺛﺔ ﻻ ﻳﻨﺘﺞ ﺗﻠﻘﺎﺋﻴﱠﺎً ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻳﺘﺸﻜﱠﻞ ﰲ
ﻋﻤﻞ ﻃﻮﻳﻞ ﻃﻴﻠﺔ ﻗﺮﻭﻥ ﺗﺒﻌﺎً ﳌﺎ ﻳﺘﻮﺍﻓﻖ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﻀﻴﻠﻪ .ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺇﺫﺍ
ﺃﺧﺬﻧﺎ ﻣﺨﻄﱠﻄﺎً ﻣﺠﻤﻼً ﺩﻗﻴﻘﺎً ﻭﺻﺎﺭﻣﺎً ﻋﻤﱠﺎ ﻫﻲ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻹﺳﺒﺎﻧﻴﱠﺔ ﺍﳌُﺜﻠﻰ ،ﻷﻟﻘﻰ
ﺑﺄﺿﻮﺍﺀ ﻣﺨﻴﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﻬﻮﻑ ﺍﻟﺴﺮﻳﺔ ﰲ ﻧﻔﺲ ﺷﺒﻪ ﺍﳉﺰﻳﺮﺓ .ﺑﺎﻟﻄﱠﺒﻊ ،ﻳﺠﺐ ﺇﺑﺮﺍﺯ
ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﺑﻔﻀﻞ ﻣﻘﺎﺭﻧﺎﺕ ﻣﻊ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﱠﺔ ﺍﳌﺜﻠﻰ ،ﻭﺍﻟﺴﻼﻓﻴﱠﺔ ﺍﳌﺜﻠﻰ ،ﺇﻟﺦ.
ﻭﺍﳋﺼﻴﺐ ﰲ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻛﻤﺎ ﰲ ﻏﻴﺮﻩ ،ﻫﻮ ﻋﺪﻡ ﺍﻹﳝﺎﻥ ﺑﺄﻥﱠ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ
ﻫﻲ ﻣﺎ ﻫﻲ ﻋﻔﺎﺭﺍً ،ﲟﻮﺟﺐ ﺗﻮﻟّﺪ ﺫﺍﺗﻲّ ﻣﺤﺾ .ﻛﻼﱠ؛ ﻓﻜﻞّ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻮﺟﻮﺩ ،ﻛﻞّ ﻣﺎ
ﻫﻮ ﻫﻨﺎﻙ ،ﻭﻛﻞّ ﻣﺎ ﻟﻪ ﺷﻜﻞ ﺃﻳﱠﺎً ﻳﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﱠﻜﻞ ،ﲦﺮﺓُ ﻗﻮﱠﺓ ،ﻭﺃﺛﺮ ﻣﻦ ﻃﺎﻗﺔ
ﻭﻋَﺮَﺽ ﻟﻨﺸﺎﻁٍ ﻣﺎ .ﺑﻬﺬﺍ ﺍﳌﻌﻨﻰ "ﻛﻞّ ﺷﻲﺀ ﻣﻌﻤﻮﻝ ﻋﻤﻼً" ،ﻭﳝﻜﻦ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺗﺒﻴﺎﻥ ﻣﺎ
ﻫﻲ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺷﻜّﻠﺘﻪ ،ﻭﺃﻧﱠﻬﺎ ﺗﺘﺮﻙ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺩﻣﻐﺘﻬﺎ ﺍﻟﺬﱠﺍﺗﻴﱠﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺑﺪ.
ﻭﻗﺪ ﺣُﻔﻈﺖ ﰲ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻹﺳﺒﺎﻧﻴﱠﺔ ﺍﳋُﻠﻘﻴﱠﺔ ﻃﺮْﻗﺎﺕُ ﺗﺎﺭﻳﺨﻨﺎ ﻛﻠّﻪ ﻛﻤﺎ ﺗﺒﻘﻰ
ﻃﺮﻗﺎﺕ ﺍﳌﻄﺮﻗﺔ ﻣﻨﻘﻮﺷﺔً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺄﺱ ﺍﳌﻘﺪﱠﺳﺔ.
ﻟﻜﻦﱠ ﺍﳌﻬﻢّ ﰲ ﺃﻓﻀﻠﻴّﺔ ﺍﳊﺐّ ﻟﺪﻯ ﺟﻴﻞ ،ﻗﺪﺭﺗﻪ ﺍﻟﺴﱠﺒﺒﻴﺔ .ﺑﺎﻟﻄﱠﺒﻊ ،ﻷﻥﱠ ﳕﻮﺫﺝ
ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺨﺘﺎﺭﻫﺎ ﻳﺘﻌﻠﱠﻖ ﺑﻪ ﻟﻴﺲ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﻓﻘﻂ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﱠﻣﻦ
ﺍﻟﺘﱠﺎﻟﻲ .ﻓﻔﻲ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻳﻬﻴﻤﻦ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺍﳌُﻨﺎﺥ ﺍﻟﺬﻱ ﲡﻠﺒﻪ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻭﺗُﻮﺟﺪﻩ .ﻓﻤﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﺣﻜﻢ
ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ،ﻓﺈﻥﱠ ﺗﺪﺧﻠﻪ ﰲ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﱠﺔ ﻣﺘﻘﻄّﻊ ﻭﻣﺤﻴﻄﻲّ ﻭﺭﺳﻤﻲّ .ﻭﺍﻟﺒﻴﺖ ﻫﻮ
ﺍﻟﻴﻮﻣﻲ ﺍﻟﻌﺎﺩﻱ ﰲ ﺍﳉﻮﻫﺮ ،ﻭﺍﳌﺴﺘﻤﺮّ ،ﻭﻫﻮ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﱠﻗﺎﺋﻖ ﺍﳌﺘﻄﺎﺑﻘﺔ ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﺀ
ﺍﳌﺄﻟﻮﻑ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻠﺘﻘﻄﻪ ﺍﻟﺮﺋﺘﺎﻥ ﻭﺗﻄﺮﺣﺎﻧﻪ ﺑﻌﻨﺎﺩ .ﻭﻳﻔﻴﺾ ﻫﺬﺍ ﺍﳉﻮّ ﻣﻦ ﺍﻷﻡّ ﻭﻳﺸﻤﻞ
ﻣﻦ ﰒﱠ ﺟﻴﻞ ﺍﻷﺑﻨﺎﺀ .ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﺆﻻﺀ ﺫﻭﻱ ﺃﻣﺰﺟﺔ ﻭﻃﺒﺎﺋﻊ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﺍﻻﺧﺘﻼﻑ ،ﻟﻜﻨﱠﻬﻢ
ﻗﺪ ﳕﻮﺍ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ ﺗﺤﺖ ﺿﻐﻂ ﺫﻟﻚ ﺍﳉﻮّ ،ﻭﺍﳌﺴﺘﻮﻯ ﺍﳌﺸﺘﺮﻙ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﻟﺪﻭﺍ ﻓﻴﻪ،
ﻭﺍﻟﺮّﻳﺢ ﺍﳌﺪﺍﺭﻳﱠﺔ ﺍﻟﺪﱠﺍﺋﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﺮﺿﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻴﻼً) 1ﺃﻭ ﺍﺗﱢﺠﺎﻫﺎً( ﻣﻌﻴﱠﻨﺎً .ﻭﺇﻥﱠ ﻓﺮﻗﺎً
) curvatura (١ﰲ ﺍﻷﺻﻞ ،ﺃﻱ ﺍﳓﻨﺎﺀ ﻭﺗﻘﻮّﺱ ﺍﻧﺴﺠﺎﻣﺎً ﻣﻊ ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﺮﻳﺢ – .ﺍﳌﺘﺮﺟﻢ.
-٩٥-
ﺿﺌﻴﻼً ﰲ ﺍﻟﻄﱠﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﻜﻢ ﺑﻬﺎ ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﳌﻔﻀّﻠﺔ ﻟﺪﻳﻬﻢ،
ﻭﺗﻀﺎﻋﻒَ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﺪﻭﺍﻡ ﺗﺄﺛﻴﺮﻩ ﻭﺑﺰﻳﺎﺩﺓ ﻋﺪﺩ ﺍﻟﺒﻴﻮﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻜﺮﱠﺭ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻳﻨﺘﺞ ﻋﻨﻪ
ﺗﻐﻴّﺮ ﺗﺎﺭﻳﺨﻲّ ﺿﺨﻢ ﺧﻼﻝ ﺛﻼﺛﲔ ﻋﺎﻣﺎً ﻣﻨﻈﻮﺭﺍً .ﻭﻻ ﺃﺯﻋﻢ ﺑﺄﻱ ﺷﻜﻞ ،ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ
ﺍﻟﺘﱠﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞَ ﺍﻟﻬﺎﻡّ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﰲ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺦ .ﻟﻜﻨﱠﻪ ،ﻧﻌﻢ ،ﻣﻦ ﺃﻛﺜﺮﻫﺎ ﻓﻌﺎﻟﻴﱠﺔ .ﺗﺼﻮّﺭﻭﺍ ﺃﻥﱠ
ﳕﻮﺫﺝ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﻌﺎﻡّ ﺍﳌﻔﻀﱠﻞ ﻟﺪﻯ ﺷﺒﱠﺎﻥ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺃﻛﺜﺮ ﺩﻳﻨﺎﻣﻴﱠﺔ ﻗﻠﻴﻼً ﺃﻭ ﻗﻠﻴﻼً ﺟﺪﱠﺍً ﻣﻦ
ﺍﻟﻨﱠﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﺤﺒّﻪ ﺟﻴﻞ ﺍﻵﺑﺎﺀ .ﻓﺴﻮﻑ ﻳُﻠﻘﻰ ﺑﺎﻷﺑﻨﺎﺀ ﻣﻦ ﰒﱠ ﳓﻮ ﻭﺟﻮﺩٍ ﺃﻛﺜﺮ
ﻗﻠﻴﻼً ﺟﺮﺃﺓً ﻭﺇﻗﺪﺍﻣﺎً ﻭﺍﻣﺘﻼﺀً ﺑﺎﻟﺮﱠﻏﺒﺎﺕ ﻭﺍﳌﺒﺎﺩﺭﺍﺕ .ﻓﻤﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﺻﻐﻴﺮﺍً ﺗﻐﻴﱡﺮ ﺍﳌﻴﻞ
ﺍﳊﻴﻮﻱّ ﺍﳌﻌﻤﱠﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺍﳌﺘﻮﺳّﻄﺔ ﻟﻸﻣﱠﺔ ﻛﻠﻬﺎ ،ﻓﺴﻮﻑ ﻳﺠﻠﺐ ﺑﺸﻜﻞٍ ﻻ ﻓﻜﺎﻙ
ﻣﻨﻪ ﺗﺤﻮﱡﻻً ﺿﺨﻤﺎً ﰲ ﺇﺳﺒﺎﻧﻴﺎ.
ﻭﻳُﻼﺣﻆ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺍﳌﺘﻮﺳّﻂ ﺍﻟﻌﺎﺩﻱّ ﻫﻮ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮ ﺍﳊﺎﺳﻢ ﰲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻛ ّﻞ
ﺷﻌﺐ ،ﻭﺑﻪ ﺗﺘﻌﻠﱠﻖ ﺻﺒﻐﺔ ﺍﳉﺴﻢ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲّ .ﻭﻻ ﺃﺭﻳﺪ ﺑﺬﻟﻚ ،ﻭﻟﻮ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ،ﺃﻥ ﻧﻨﻔﻲ
ﺧﻼً ﻗﻮﻳﱠﺎً ﰲ ﻣﺼﺎﺋﺮ ﻋﺮﻕ ﻣﺎ .ﻭﻣﻦ ﺩﻭﻧﻬﻢ ﻣﺎ ﻋﻦ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻨﺨﺒﺔ ﻭﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﺍﳌﻤﻴﱠﺰﺓ ﺗﺪ ﱡ
ﻛﺎﻥ ﺷﻲﺀ ﻳﺴﺘﺤﻖّ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ .ﻟﻜﻦ ،ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﺍﻣﺘﻴﺎﺯﻫﻢ ﻭﻛﻤﺎﻟﻬﻢ ،ﻓﻠﻦ ﻳﻨﺸﻄﻮﺍ
ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﱠﺎً ﺇﻻﱠ ﲟﻘﺪﺍﺭ ﻣﺎ ﻳﻄﺒﻌﻮﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﺎﺩﻱّ ﲟﺜﺎﻟﻬﻢ ﻭﺃﺛﺮﻫﻢ .ﻭﻣﺎﺫﺍ ﺑﻮﺳﻌﻨﺎ ﺃﻥ
ﻧﻌﻤﻞ! ﻷﻥﱠ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺦ ﳑﻠﻜﺔ ﺍﻟﻌﺎﺩﻳﲔ ﻣﺘﻮﺳّﻄﻲ ﺍﻟﺸﱠﺄﻥ ﺑﻼ ﻫﻮﺍﺩﺓ .ﻭﺣﺪﻫﺎ
) Humanidadﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﱠﺔ( ﻓﻴﻬﺎ Hﺑﺤﺮﻑ ﻛﺒﻴﺮ ﻧﺰﻳّﻨﻬﺎ ﺑﻪ ﻃﺒﺎﻋﻴﱠﺎً .ﻭﺍﻟﻌﺒﻘﺮﻳﱠﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ
ﺗﻨﻔﺠﺮ ﻣﺘﻨﺎﺛﺮﺓ ﺇﺯﺍﺀ ﺍﻟﻘﻮﱠﺓ ﺍﻟﻼﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﻟﻼﺑﺘﺬﺍﻝ؛ ﻭﺇﻥﱠ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍﻷﺭﺿﻴﱠﺔ ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻛﻤﺎ
ﻳﺒﺪﻭ ،ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺃﻥ ﻳﺤﻜﻤﻬﺎ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﻣﺘﻮﺳّﻂ ﺍﻟﺸﱠﺄﻥ ﺩﺍﺋﻤﺎً .ﻭﻟﻦ ﻳﺮﺗﻔﻊ ﺍﳌﺴﺘﻮﻯ
ﺍﳌﺘﻮﺳﱢﻂ ﰲ ﺭﺃﻳﻲ ﺃﺑﺪﺍً ،ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻭﺟﻮﺩ ﺭﺟﺎﻝٍ ﻗﺪﻭﺓ ﺃﻋﻠﲔ ،ﻭﳕﺎﺫﺝ ﺗﺸﺪﱡ ﳓﻮ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎﺀ
ﻋﻄﺎﻟﺔ ﺍﳉﻤﺎﻫﻴﺮ .ﻟﺬﻟﻚ ،ﻛﺎﻥ ﺍﳌﻬﻢّ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﳌﺴﺘﻮﻯ ﺍﳌﺘﻮﺳﱢﻂ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﳝﻜﻦ .ﻭﻣﺎ
ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﺭﺍﺋﻌﲔ ﻟﻴﺲ ﺭﺟﺎﻻﺗﻬﻢ ﺍﻟﻜﺒﺎﺭ ﺃﻭﱠﻻً ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﻣﺘﻮﺳﻄﻲ ﺍﻟﺸﺄﻥ
ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳُﺤﺼﻮﻥ .ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﺗﺪﺧﱡﻞ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﺛﺎﻧﻮﻳﱠﺎً ﻭﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﻓﻘﻂ .ﻟﻴﺴﻮﺍ
ﻫﻢ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺨﻲّ ،ﻭﻗﺪ ﻳﺤﺪﺙ ﺃﻥ ﳝﺘﻠﻚ ﺷﻌﺐ ﺃﻓﺮﺍﺩﺍً ﻋﺒﺎﻗﺮﺓ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ
ﺍﻷﻣﱠﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﺫﻟﻚ ﺫﺍﺕ ﻭﺯﻥ ﺃﻛﺒﺮ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﱠﺎً .ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﻛﻠﱠﻤﺎ ﲤﺮﱠﺩ ﺍﳉﻤﻬﻮﺭ ﻋﻠﻰ
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﱠﻤﺎﺫﺝ ﺍﳌﺜﺎﻟﻴﱠﺔ ،ﻓﻼ ﻳﺘﺒﻌﻬﻢ ﻭﻻ ﻳﺼﻞ ﺣﺪّ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ.
-٩٦-
ﻭﺍﻟﻄﱠﺮﻳﻒ ﺃﻥﱠ ﺍﳌﺆﺭﱢﺧﲔ ﺍﻫﺘﻤّﻮﺍ ﺣﺘﻰ ﻋﻬﺪ ﻗﺮﻳﺐ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﺎً ﻛﻠﻴﱠﺎً ﲟﺎ ﻫﻮ ﻓﺎﺋﻖ
ﻭﺑﺎﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺍﳌﺪﻫﺸﺔ .ﻭﻟﻢ ﻳﻠﺤﻈﻮﺍ ﺃﻥﱠ ﺫﻟﻚ ﻛﻠّﻪ ﳝﺘﻠﻚ ﻗﻴﻤﺔ ﺣﻜﺎﺋﻴﱠﺔ ،ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻏﻠﺐ
ﻗﻴﻤﺔ ﺟﺰﺋﻴﱠﺔ ﻓﻘﻂ ،ﻭﺃﻥﱠ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﰲ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺦ ﻫﻮ ﺗﺤﺪﻳﺪﺍً ﺍﳌﺄﻟﻮﻑ ﺍﻟﻌﺎﺩﻱ ،ﺃﻱ ﺍﶈﻴﻂ
ﺍﻟﻀﱠﺨﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻐﺮﻕ ﰲ ﺑُﻌﺪﻩ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ﻛﻞّ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻏﻴﺮ ﻋﺎﺩﻱ ﻭﺑﺎﺭﺯ.
ﻭﺣﻴﺜﻤﺎ ﻳﺴُﺪِ ﺍﳌﺄﻟﻮﻑ ﺗﻜﻦِ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ "ﻳﻮﻣﻴﱠﺔ" ﺑﺪﺭﺟﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ،
ﻋﺎﻣﻼً ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﺍﺯ ﺍﻷﻭﱠﻝ .ﻓﺎﻟﺮﱠﺟﻞ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻴﻼً ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﳋﺎﺭﻕ ﻟﻠﻤﺄﻟﻮﻑ ،ﻋﻠﻰ
ﺍﻷﻗﻞّ ،ﻫﻮ ﻳﺤﻠﻢ ﺑﺎﳌﻐﺎﻣﺮﺓ ﻭﺍﻟﺘﱠﻐﻴﱡﺮ ﻭﲟﻮﺍﻗﻒ ﻣﺘﻮﺗّﺮﺓ ﻭﺻﻌﺒﺔ ﻭﺃﺻﻴﻠﺔ .ﺃﻣﱠﺎ ﺍﳌﺮﺃﺓ،
ﻓﻌﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ،ﺗﺸﻌﺮ ﺣﻘﱠﺎً ﺑﺴﺮﻭﺭ ﻏﺮﻳﺐ ﺑﺎﻟﻴﻮﻣﻲّ .ﺇﻧﱠﻬﺎ ﺗﺴﺘﻘﺮّ ﰲ ﺍﳌﺄﻟﻮﻑ ﺍﻟﺜﱠﺎﺑﺖ
ﻭﲡﻌﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﳊﺎﺿﺮ ﺃﻣﺲِ ﻣﺎ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺖ .ﻭﻗﺪ ﺑﺪﺍ ﻟﻲ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺣﻤﺎﻗﺔً ﺍﻟﻘﻮﻝُ ﺇﻥﱠ
ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻣﺘﻘﻠّﺒﺔ ﻏﺎﻟﺒﺎً ،Souvent femme varieﻭﻫﻮ ﺭﺃﻱ ﺻﺎﻏﻪ ﺑﺘﻌﺜّﺮ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﻌﺎﺷﻖ
ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻌﺒﺖ ﺑﻪ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻣﺪﱠﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﱠﻣﻦ .ﻟﻜﻦﱠ ﻭﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻌﺎﺷﻖ ﺍﻟﻐﺰِﻝ ﺫﺍﺕ ﺃﻓﻖ
ﻣﺤﺪﻭﺩ ﺟﺪﱠﺍً .ﻓﺈﺫﺍ ﺗﺄﻣّﻠﻨﺎ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻭﺑﺮﺅﻳﺔ ﺻﺎﻓﻴﺔ ﻭﻧﻈﺮﺓ ﺧﺒﻴﺮ ﻧﺮﻯ
ﺃﻧﱠﻬﺎ ﲤﻴﻞ ﺑﺈﻓﺮﺍﻁ ﺇﻟﻰ ﺍﳌﻜﻮﺙ ﻓﻴﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻴﻪ ﻭﺗﺘﺠﺬﱠﺭ ﰲ ﺍﻟﻌُﺮﻑ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﻭﺍﳌﻬﻤﱠﺔ
ﺍﻟﺘﻲ ﺃُﻧﻴﻄﺖ ﺑﻬﺎ؛ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ ،ﺇﻧﱠﻬﺎ ﲡﻌﻞ ﻣﻦ ﻛﻞﱢ ﺷﻲﺀ ﻋﺎﺩﺓ .ﻭﻳﺒﻌﺚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﱠﺄﺛﱡﺮ ﺳﻮﺀُ
ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﺪﱠﺍﺋﻢ ﺍﳌﻮﺟﻮﺩ ﺑﲔ ﺍﳉﻨﺴﲔ ﰲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﱠﺎﺣﻴﺔ :ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﻳﺴﻌﻰ ﳓﻮ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻭﻛﺄﻧﱠﻪ
ﺫﺍﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺣﻔﻠﺔ ،ﺃﻭ ﻣُﻘﺪﻡ ﻋﻠﻰ ﻧﺸﻮﺓ ﺃﻭ ﻏﻴﺒﻮﺑﺔ ﺗﻘﻄﻊ ﺭﺗﺎﺑﺔ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ،ﻓﻴﺠﺪ ﺩﺍﺋﻤﺎً
ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ﻛﺎﺋﻨﺎً ﻻ ﻳﺴﻌﺪﻩ ﺷﻲﺀ ﺳﻮﻯ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﲟﻬﺎﻡ ﻳﻮﻣﻴﱠﺔ ،ﺳﻮﺍﺀ ﺃﻛﺎﻥ ﺭﻓﻮ ﺍﻟﺜﻮﺏ
ﺍﻷﺑﻴﺾ ﺃﻡ ﺍﻟﺬﻫﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﱠﻗﺺ .ﻭﺇﻥﱠ ﺍﻷﻣﺮ ﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ ﺣﺘﱠﻰ ﺃﻥﱠ ﺍﻹﺛﻨﻴﻴّﻦ Etnicos
ﻳﺒﻴّﻨﻮﻥ ﻟﻨﺎ ﺑﺪﻫﺸﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ،ﺃﻥﱠ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﺧﺘﺮﺍﻉ ﺍﳌﺮﺃﺓ؛ ﺍﻟﻌﻤﻞ ،ﺃﻱ ﺍﳌﻬﻤﱠﺔ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﱠﺔ
ﺍﻟﻘﺴﺮﻳﱠﺔ ،ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺍﳌﺒﺎﺩﺭﺓ ﻭﺍﳉﻬﺪ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻲّ ﺍﳌﺘﻘﻄّﻊ ،ﻭﺍﳌﻐﺎﻣﺮﺓ .ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﳌﺮﺃﺓ
ﻣَﻦْ ﺧَﻠَﻖَ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﻭﺍﻷﻋﻤﺎﻝ :ﺇﻧﱠﻬﺎ ﺃﻭﱠﻝ ﻣﺰﺍﺭﻉ ،ﻭﺃﻭﱠﻝ ﻣﺤﺼّﻞ ﻭﺃﻭﱠﻝ ﺻﺎﻧﻊ
ﻟﻠﺴﻴﺮﺍﻣﻴﻚ) .ﻟﻘﺪ ﺃﺩﻫﺸﻨﻲ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﰲ ﺑﺤﺚ ﻏَﺮﻳﻐﻮﺭﻳﻮ ﻣﺎﺭﻧﻴﻮﻥ ﺍﳌﻌﻨﻮﻥ" :ﺍﳉﻨﺲ
ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ" ﺃﻻ ﻳﻬﺘﻢ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ ﺍﻷﻭﱠﻟﻴﱠﺔ ﻭﺍﳌﻠﺤﻮﻇﺔ ﺟﺪﱠﺍً(.
ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﳌﺢ ﺍﳌﺮﺀ ﰲ ﺍﻟﻴﻮﻣﻲّ ﺍﻟﻘﻮﱠﺓ ﺍﳌﻬﻴﻤﻨﺔ ﰲ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺦ ،ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻔﻬﻢ
ﺍﻟﺘﱠﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﻀﱠﺨﻢ ﻟﻸﻧﻮﺛﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﺼﺎﺋﺮ ﺍﻟﻌﺮﻗﻴﱠﺔ ،ﻭﻳﻬﺘﻢّ ﺑﺈﻓﺮﺍﻁ ﺑﺎﻟﻨﱠﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﺒﺎﺭﺯ ﰲ
ﺩﺭﺍﺴﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺏ ﻡ ٧- -٩٧-
ﻣﺎﺿﻲ ﺷﻌﺒﻨﺎ ،ﺃﻱ ﺍﻟﻨّﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺧﺬ ﻳﻔﻀّﻠﻪ ﰲ ﻋﺼﺮﻧﺎ .ﻭﺇﻧﱢﻲ ﺃﺩﺭﻙ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ،ﺃ ﱠﻥ
ﻫﺬﺍ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﻟﻴﺲ ﺷﺎﺋﻌﺎً ﺑﻴﻨﻨﺎ ،ﻷﻧﱠﻨﺎ ﻋﻨﺪ ﻛﻼﻣﻨﺎ ﻋﻦ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻹﺳﺒﺎﻧﻴﱠﺔ ﻳُﺤﻞّ ﻛﻞ
ﺷﻲﺀ ﺑﺬﻛﺮ ﺇﺭﺛﻨﺎ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲّ ﻭﺗﺪﺧّﻞ ﺍﳋﻮﺭﻱ .ﻭﻟﻦ ﺃﻧﺎﻗﺶ ﺍﻵﻥ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﳊﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻦ
ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻃﺮﻭﺣﺔ .ﻭﺍﻋﺘﺮﺍﺿﻲ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻣﺨﺘﺼﺮ ﻭﻳﻜﻤﻦ ﰲ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﺃﻥﱠ
ﺍﻟﻨﱠﻤﻮﺫﺝ ﺍﻷﻧﺜﻮﻱ ﺍﻹﺳﺒﺎﻧﻲ ﺇﺫﺍ ﻓﺮﺿﻨﺎ ﺻﺤّﺔ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﲔ ﻓﻴﻪ ،ﻧﺎﺗﺞ ﻛﻠّﻲ ﻋﻦ
ﺍﳌﺆﺛﱠﺮ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮﻱ ،ﺑﺎﻟﺘﱠﺎﻟﻲ ﻻ ﺗﺒﺪﻱ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻃﺮﻭﺣﺔ ﺷﻜﱠﺎً ﰲ ﺍﻟﺘﱠﺄﺛﻴﺮ ﺍﳌﺘﺒﺎﺩﻝ ﻟﻠﻤﺮﺃﺓ ﻋﻠﻰ
ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ.
VI
ﻣﺎ ﳕﻮﺫﺝ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﻔﻀّﻠﻪ ﰲ ﺇﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﺍﳉﻴﻞ ﺍﻟﺴﱠﺎﺑﻖ ﻋﻠﻴﻨﺎ؟ ﻭﻣﺎ ﺫﺍﻙ
ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺣﺒﺒﻨﺎﻩ ﳓﻦ؟ ﻭﻣﺎ ﺍﻟﻨﱠﻤﻮﺫﺝ ﺍﳌﺘﻮﻗﱠﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻴﺨﺘﺎﺭﻩ ﺍﳉﻴﻞ ﺍﳉﺪﻳﺪ؟ ﺇﻧﱠﻪ
ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺭﻗﻴﻖ ﻭﺩﻗﻴﻖ ﻭﺇﺷﻜﺎﻟﻲّ ﻛﻤﺎ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﳌﻮﺍﺿﻴﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﻳُﻜﺘﺐ ﻋﻨﻬﺎ .ﻭﻟِﻢَ
ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﻳُﺘﺢ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﱠﺔ ﺍﻟﺴﱠﻬﻠﺔ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﺑﺪﻓﻊ ﻗﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺭﻕ ،ﺷﻲﺀ
ﻣﻦ ﺍﳌﺨﺎﻃﺮﺓ ﺍﻟﺸّﺠﺎﻋﺔ ،1ﻭﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﻧﻘﺘﺮﺏ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺭ ﺧﻄﺮﺓ ﻃﺎﺭﺋﺔ ﻭﻣﻌﻀﻠﺔ؟ ﺃﺿﻒ
ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺃﻧﱠﻨﺎ ﰲ ﻫﺬﻩ ﺍﳊﺎﻟﺔ ﺑﺼﺪﺩ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻫﺎﻣﱠﺔ ﺑﺈﻓﺮﺍﻁ؛ ﻭﻻ ﺃﻓﻬﻢ ﻟِﻢَ ﻟﻢ ﺗﻌﺎﻟﺞ
ﻫﻲ ﻭﻧﻈﺎﺋﺮﻫﺎ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺑﺸﻜﻞٍ ﺃﻋﻢّ .ﳓﻦ ﻧﻨﺎﻗﺶ ﻃﻮﻳﻼً ﻗﺎﻧﻮﻧﺎً ﻣﺎﻟﻴﱠﺎً ،ﺃﻭ ﻗﻮﺍﻋﺪ
ﺍﻟﺴﱠﻴﺮ .ﰲ ﺍﳌﻘﺎﺑﻞ ﻻ ﺗﺸﺮﺡ ﻭﻻ ﺗُﺤﻠﱠﻞ ﺍﳌﻴﻮﻝ ﺍﻟﻌﺎﻃﻔﻴﱠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﺣﻴﺎﺓ ﻣﻌﺎﺻﺮﻳﻨﺎ
ﻛﻤﺎ ﺑﲔ ﺫﺭﺍﻋﻴﻬﺎ .ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺗُﻘﻴﱠﺪ ﺍﳌﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﱠﺔ ﻭﲟﻘﻴﺎﺱ ﻏﻴﺮ ﺿﺌﻴﻞ،
ﺑﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﳌﻬﻴﻤﻦ ،ﻭﺇﻧﱠﻪ ﺃﻋﻤﻰ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺠﺪ ﺭﺍﺑﻄﺎً ﻭﺛﻴﻘﺎً ﺑﲔ ﺍﻟﺒﺮﳌﺎﻥ ﺍﻹﺳﺒﺎﻧﻲّ
ﻋﺎﻡ ١٩١٠ﻣﺜﻼً ،ﻭﳕﻮﺫﺝ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺼﺮﻩ ﺳﻴﺎﺳﻴّﻮ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﰲ ﺍﻟﺸﺆﻭﻥ
ﺍﳌﻨﺰﻟﻴﱠﺔ .ﻭﻟﻘﺪ ﺃﺭﺩﺕ ﺃﻥ ﺃﻛﺘﺐ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻛﻠّﻪ ،ﺣﺘﱠﻰ ﻣﻊ ﺗﻮﻗّﻌﻲ ﺃﻥ ﺃﺧﻄﺊ ﰲ ﺗﺴﻌﺔ
ﺃﻋﺸﺎﺭ ﺭﺃﻳﻲ .ﻟﻜﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘّﻀﺤﻴﺔ ﺑﺄﻥ ﻳﺨﻄﺊ ﺍﳌﺮﺀ ﺷﺮﻋﺎً ﻫﻲ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ﺍﻟﻔﻀﻴﻠﺔ
) taurom aquico (١ﰲ ﺍﻷﺻـﻞ ،ﻧـﺴﺒﺔ ﺇﻟـﻰ ﻣـﺼﺎﺭﻋﺔ ﺍﻟﺜﻴـﺮﺍﻥ ﺍﻟﺘـﻲ ﺗﺤﺘـﺎﺝ ﺇﻟـﻰ ﺟﺮﻋـﺔ ﻛﺒﻴـﺮﺓ ﻣـﻦ
-ﺍﳌﺘﺮﺟﻢ. ﺍﻟﺸّﺠﺎﻋﺔ.
-٩٨-
ﺍﻟﻌﺎﻣﱠﺔ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻘﺪّﻣﻬﺎ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ ﳌﻦ ﻳﻌﺎﻳﺸﻬﻢ .ﻭﻣﺎ ﺧﻼ ﺫﻟﻚ
ﺣﺮﻛﺎﺕ ﺳﻤﺴﺎﺭ ﻋﺎﺑﺜﺔ ،ﺃﻭ ﺻﺎﺣﺐ ﻣﻘﻬﻰ ،ﻭﺑﻄﻮﻻﺕ ﺗﺎﻓﻬﺔ ﻻ ﺗﻨﺸﺄ ﻣﻦ ﺍﳉﻬﺎﺯ
ﺍﳋﺎﺹّ ﺑﻮﻇﻴﻔﺘﻬﺎ :ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻌﻘﻞ )ﻣﻨﺬ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻭﺍﻟﻜﺘﱠﺎﺏ ﺍﻹﺳﺒﺎﻥ ﻳﺒﺤﺜﻮﻥ ﰲ
ﺍﻟﺴّﻴﺎﺳﺔ ﻋﻦ ﺣﺠﱠﺔ ﻛﻴﻼ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻋﻘﻼﺀ( .ﻟﻜﻨّﻲ ﺃﺭﻳﺪ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺃﺣﺎﻭﻝ ﺭﺳﻢ ﺻﻮﺭ
ﺃﻧﺜﻮﻳﱠﺔ ﻣﻬﻴﻤﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ )-ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺗﺼﻠﺢ ﻟﻬﺎ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻣﻨﻔﺮﺩﺓ( -ﺃﻥ ﺃﺻﻞ
ﺑﻔﻜﺮﺓ ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ ﰲ ﺍﳊﺐّ ﺇﻟﻰ ﻧﺘﻴﺠﺘﻬﺎ ﺍﻟﻘﺼﻮﻯ ﺫﺍﺕ ﺍﳌﺪﻯ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ.
ﻭﻟﻘﺪ ﺗﺤﻮﱠﻝ ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ ﰲ ﺍﳊﺐّ ﺇﻟﻰ ﺍﺻﻄﻔﺎﺀٍ ﺑﺎﻧﺘﻘﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﳌﻔﺮﺩ ﺇﻟﻰ
ﺟﻤﻬﻮﺭ ﺟﻴﻞ .ﻭﺗﺼﺐّ ﻓﻜﺮﺗﻨﺎ ﰲ ﻓﻜﺮﺓ ﺩﺍﺭﻭﻳﻦ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ )ﺍﻻﺻﻄﻔﺎﺀ ﺍﳉﻨﺴﻲّ( ،ﻭﻫﻮ
ﺍﻟﻘﻮﱠﺓ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺎﻫﻢ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﱠﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ .ﻭﺟﺪﻳﺮ ﺑﺎﳌﻼﺣﻈﺔ
ﺃﻥﱠ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﺮﱠﺍﺋﻌﺔ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺑﺎﳌُﺴﺘﻄﺎﻉ ﺗﻄﺒﻴﻘُﻬﺎ ﺑﺨﺼﻮﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱّ:
ﻟﻘﺪ ﻇﻠﱠﺖ ﻣﻘﺼﻮﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺰﺭﻳﺒﺔ ﻭﺍﳊﻈﻴﺮﺓ ﻭﺍﻟﻐﺎﺑﺔ .ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺩﻭﻻﺏ ﻛﻴﻤﺎ
ﺗﺆﺩّﻱ ﻭﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﻛﻔﻜﺮﺓ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﱠﺔ .ﻭﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱّ ﺩﺭﺍﻣﺎ ﺩﺍﺧﻠﻴﱠﺔ :ﺗﺤﺪﺙ ﺩﺍﺧﻞ
ﺍﻟﻨّﻔﻮﺱ .ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳُﻨﻘﻞ ﺍﻻﺻﻄﻔﺎﺀ ﺍﳉﻨﺴﻲّ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﳌﺴﺮﺡ ﺍﳊﻤﻴﻢ.
ﻭﻟﺴﻮﻑ ﻧﺮﻯ ﺍﻵﻥ ﺃﻥﱠ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺻﻄﻔﺎﺀ ﻟﺪﻯ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﺼﻨﻌﻪ ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ ،ﻭﺃﻥﱠ ﻫﺬﺍ
ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ ﺗﺤﻜﻤﻪ ﻣُﺜﻞٌ ﻋﻠﻴﺎ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﻣﺘﺨﻤّﺮﺓ ﰲ ﺃﻋﻤﻖ ﺃﻏﻮﺍﺭ ﺍﻟﺸﱠﺨﺼﻴﱠﺔ.
ﻭﻓﻜﺮﺓ ﺩﺍﺭﻭﻳﻦ ﻳﻨﻘﺼﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪّﻭﻻﺏ ﻭﻳﻔﻴﺾ ﻋﻨﻬﺎ ﺩﻭﻻﺏ ﺁﺧﺮ :ﰲ
ﺍﻻﺻﻄﻔﺎﺀ ﺍﳉﻨﺴﻲّ ﻳُﺨﺘﺎﺭ ﻭﻳُﻔﻀّﻞ ﺍﻷﺣﺴﻦ ﺗﻜﻴﱡﻔﺎً .ﻭﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﺘﱠﻜﻴﱡﻒ ﻫﺬﻩ ﻫﻲ
ﺍﻟﺪﻭﻻﺏ ﺍﻟﻔﺎﺋﺾ .ﺇﻧﱠﻨﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﻠﻮﻡ ،ﺇﺯﺍﺀ ﺗﻔﻜﻴﺮ ﻏﺎﻣﺾ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﱠﺩ .ﻓﻤﺘﻰ ﺗﻜﻮﻥ
ﻋﻀﻮﻳّﺔ ﻣﺎ ﻣُﺘﻜﻴّﻔﺔ ﺑﺸﻜﻞٍ ﺟﻴﱢﺪ ﻧﻮﻋﻴﱠﺎً؟ ﺃﻭ ﻟﻴﺴﺖ ﺍﻟﻌﻀﻮﻳﺎﺕ ﻛﻠّﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﺎ ﻋﺪﺍ
ﺍﳌﺮﻳﻀﺔ ﻣﻨﻬﺎ؟ ﺃﻭَﻻ ﳝﻜﻨﻨﺎ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ،ﺇﻥﱠ ﺃﻳﱠﺎً ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻴﺲ ﻣﺘﻜﻴّﻔﺎً ﺑﺸﻜﻞ
ﻛﺎﻣﻞ؟ ﺇﻟﺦ ،ﺇﻟﺦ .ﻭﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺫﻟﻚ ﺃﻧّﻲ ﺃﻛﺮﻩ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﺘﱠﻜﻴﱡﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻦ ﺩﻭﻧﻪ ﻻ ﳝﻜﻦ
ﺍﻟﺘﱠﺤﺮﱡﻙ ﻗُﺪُﻣﺎً ﰲ ﺍﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ .ﻟﻜﻦ ،ﻳﺠﺐ ﺇﻋﻄﺎﺅﻩ ﺃﺷﻜﺎﻻً ﺃﻋﻘﺪ ﻭﺃﺩﻕّ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ
ﺍﻷﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻋﻄﺎﻫﺎ ﻟﻪ ﺩﺍﺭﻭﻳﻦ ،ﻭﺑﺨﺎﺻّﺔ ،ﻳﺠﺐ ﻭﺿﻌﻪ ﰲ ﻣﺮﻛﺰ ﺛﺎﻧﻮﻱ .ﻷﻥﱠ
ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺑﺄﻧﱠﻬﺎ ﺗﻜﻴﱡﻒ ﺃﻣﺮ ﺯﺍﺋﻒ .ﻟﻜﻦ ،ﻻ ﳝﻜﻦ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﰲ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ
ﻣﻘﺪﺍﺭ ﺃﺩﻧﻰ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﻜﻴﱡﻒ؛ ﻟﻜﻦ ﺍﳌﺪﻫﺶ ﰲ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺃﻧﱠﻬﺎ ﺗﺨﻠﻖ ﺃﺷﻜﺎﻻً ﺟﺮﻳﺌﺔ
-٩٩-
ﻭﺟﺴﻮﺭﺓ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻜﻴﱠﻔﺔ ﰲ ﺍﻟﺒﺪﺀ ،ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻈﻢ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻟﺘﺘﻜﻴﱠﻒ ﻣﻊ ﻣﻘﺪﺍﺭ ﺃﺩﻧﻰ
ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ،ﻭﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺪ ﺍﳊﻴﺎﺓ؛ ﺑﺸﻜﻞ ﳝﻜﻦ ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳُﺪﺭﺱ ﻛﻞّ
ﻧﻮﻉ ﺣﻲّ ﺍﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ ﻭﺟﻬﲔ ﻣﺘﻌﺎﻛﺴﲔ :ﺃﻭﱠﻻً ،ﻛﻈﺎﻫﺮﺓ ﺗَﺮَﻓﻴﱠﺔ ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﱠﻜﻴﱡﻒ
ﻭﺍﻟﻨﱠﺰﻭﺓ ،ﰒﱠ ﺛﺎﻧﻴﺎً ،ﻛﻤﻴﻜﺎﻧﻴﺰﻡ ﺑﺎﺭﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﱠﻜﻴﱡﻒ .ﻭﻳﺨﻴّﻞ ﺇﻟﻲﱠ ﺃﻥﱠ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻟﺪﻯ ﻛﻞّ ﻧﻮﻉ
ﺗﻄﺮﺡ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺫﺍﺕ ﻣﻈﻬﺮ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﺤﻞّ ،ﻛﻴﻤﺎ ﺗُﺴﺮّ ﺑﺤﻠﱢﻬﺎ ﻫﻲ
ﻧﻔﺴﻬﺎ ،ﺑﺜﺮﺍﺀ ﻭﺃﻧﺎﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﻋﺎﻡ ،ﺇﻟﻰ ﺣﺪّ ﺃﻥﱠ ﺍﳌﺮﺀ ﺇﺫﺍ ﺩﺭﺱ ﺍﻷﺷﻜﺎﻝ ﺍﳊﻴﱠﺔ،
ﻳﻨﻈﺮ ﺣﻮﺍﻟﻴﻪ ﰲ ﻋﺮﺽ ﺍﻷﻛﻮﺍﻥ ﺑﺎﺣﺜﺎً ﻋﻦ ﻣﺸﺎﻫﺪ ﻓﻬﻴﻢ ﲟﻘﺘﻀﻰ ﺗﺼﻔﻴﻘﻪ ﺗﺄﺧﺬ
)ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﺔ( ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻘﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﳌﻔﺮِﺡ.
ﻭﺇﻧﱠﻨﺎ ﳒﻬﻞ ﺟﻬﻼً ﻛﺎﻣﻼً ﺍﻷﻫﺪﺍﻑ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟّﻪ ﺍﻻﺻﻄﻔﺎﺀ ﺍﳉﻨﺴﻲّ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻨﱠﻮﻉ
ﺍﻟﺒﺸﺮﻱّ .ﺇﻧﱠﻤﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﻜﺘﺸﻒ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺟﺰﺋﻴﱠﺔ ﻓﺤﺴْﺐ ،ﻭﻧﻄﺮﺡ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ
ﺃﺳﺌﻠﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﺤﻔّﻈﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻟﺬﻳﺬ .ﻛﻬﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻣﺜﻼً :ﻫﻞ ﺃﺗﻰ ﻋﺼﺮ ﻃﺒﻴﻌﻲّ
ﺍﺧﺘﺎﺭﺕ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﳕﻮﺫﺝ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺍﻷﻓﻀﻞ ﻓﻴﻪ؟ ﻣﺎ ﺇﻥ ﻧﻄﺮﺡ ﺍﻟﺴﱡﺆﺍﻝ ﺣﺘﱠﻰ ﻧﻠﻤﺢ
ﺍﻻﺯﺩﻭﺍﺟﻴﱠﺔ ﺍﳋﻄﻴﺮﺓ .ﻷﻥﱠ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺍﻷﻓﻀﻞ ﻛﻤﺎ ﻳﺮﺍﻩ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ،ﻭﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺍﻷﻓﻀﻞ ﻛﻤﺎ
ﺗﺮﺍﻩ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻻ ﻳﺘﻄﺎﺑﻘﺎﻥ .ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺷﻜﻮﻙ ﺣﺎﺩﱠﺓ ﰲ ﺃﻧﱠﻬﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﻄﺎﺑﻘﺎ ﻗﻂّ.
ﻟﻨﻘﻞْ ﺫﻟﻚ ﺑﻜﻞﱢ ﺟﻔﺎﺀ :ﺇﻥﱠ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻻ ﺗﻬﺘﻢّ ﺑﺎﻟﻌﺒﺎﻗﺮﺓ ﻗﻂ ،ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺎﳌﺼﺎﺩﻓﺔ؛
ﺃﻱ ،ﺇﺫﺍ ﺃﺿﻴﻔﺖ ﺇﻟﻰ ﻋﺒﻘﺮﻳّﺔ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺷﺮﻭﻁ ﺗﺘﻮﺍﻓﻖ ﻗﻠﻴﻼً ﻣﻊ ﺍﻟﻌﺒﻘﺮﻳﱠﺔ .ﻭﺍﻟﺜﱠﺎﺑﺖ ﺃﻥﱠ
ﺍﻟﺼﱢﻔﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﻘﺪﱠﺭ ﺃﻛﺜﺮ ﳑﱠﺎ ﺗُﻘﺪﱠﺭ ﰲ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﻷﺛﺮﻫﺎ ﰲ ﺍﻟﺘﱠﻘﺪﱡﻡ ﻭﺍﻟﻌﻈﻤﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳّﲔ
ﻻ ﺗﻬﻢّ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﰲ ﺷﻲﺀ ﻏﺮﺍﻣﻴﱠﺎً .ﻭﻗﺪ ﻳُﻘﺎﻝ ﻟﻲ :ﻭﻣﺎﺫﺍ ﻳﻬﻢّ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺭﺟﻞ ﻋﺎﻟﻢَ
ﺭﻳﺎﺿﻴﱠﺎﺕ ﻛﺒﻴﺮﺍً ،ﺃﻭ ﻓﻴﺰﻳﺎﺋﻴﱠﺎً ﻛﺒﻴﺮﺍً ،ﺃﻭ ﺳﻴﺎﺳﻴﱠﺎً ﻛﺒﻴﺮﺍً؟ ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﱠﻮﺍﻟﻲ :ﺇﻥﱠ ﻛﻞّ
ﺍﳌﻮﺍﻫﺐ ﺍﻟﺬﻛﺮﻳﺔ ﻧﻮﻋﻴﱠﺎً ﻭﺍﳉﻬﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﻟﱠﺪﺕ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻭﺿﺨّﻤﺘﻬﺎ ﻭﺗﺒﻌﺚ ﻋﻠﻰ
ﺍﻹﻋﺠﺎﺏ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮﻱّ ﻣﻌﺪﻭﻣﺔ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ﰲ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺟﺬﺏ ﺍﳌﺮﺃﺓ .ﻭﺇﺫﺍ ﺑﺤﺜﻨﺎ ﰲ
ﺍﳌﻘﺎﺑﻞ ،ﻋﻦ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﻌﺚ ﺍﳊﺐّ ﻓﻴﻬﺎ ﳒﺪ ﺃﻧﱠﻬﺎ ﺃﻗﻞّ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺧﺼﻮﺑﺔ ﻣﻦ
ﺃﺟﻞ ﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﻨﱠﻮﻉ ﺍﻟﻌﺎﻡ ،ﻭﻫﻲ ﺃﻗﻞّ ﻣﺎ ﻳﻬﺘﻢّ ﺑﻪ ﺍﻟﺮﱢﺟﺎﻝ .ﻭﺍﻟﻌﺒﻘﺮﻳﱠﺔ ﻟﻴﺴﺖ "ﺭﺟﻼً
ﺟﺬﱠﺍﺑﺎً" ﺣﺴﺐ ﺍﳌﺮﺃﺓ ،ﻭﺍﻟﻌﻜﺲ ﺻﺤﻴﺢ" ،ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺍﳉﺬﱠﺍﺏ" ﻻ ﻳﻬﻢّ ﺍﻟﺮﱢﺟﺎﻝ.
ﻭﻧﺎﺑﻠﻴﻮﻥ ﻫﻮ ﺍﳌﺜﺎﻝ ﺍﳌﺘﻄﺮّﻑ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻡ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﺮﺃﺓ.
ﻭﳓﻦ ﻧﻌﺮﻑ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻓﺪﻗﻴﻘﺔ .ﻭﻟﺪﻳﻨﺎ ﻻﺋﺤﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺑﺘﻘﺮّﺑﺎﺗﻪ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﻮﺛﺔ .ﻓﻤﺎ
-١٠٠-
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻘﺺ ﻧﺎﺑﻠﻴﻮﻥ ﺳﻼﻣﺔ ﺑﺪﻧﻴﱠﺔ .ﰲ ﺷﺒﺎﺑﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻀﻔﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﳓﺎﻓﺘﻪ ﺍﳊﺎﺩﱠﺓ
ﻫﻴﺌﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﻟﺜﻌﻠﺐ ﻛﻮﺭﺳﻴﻜﻲ ﻧﺎﻋﻢ ،ﰒﱠ ﺗﻜﻮﱠﺭ ﺇﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﺍً .ﻭﻛﺎﻥ ﺭﺃﺳﻪ ﻣﻦ ﺃﺟﻤﻞ
ﺍﻟﺮﺅﻭﺱ ﻣﻦ ﻭﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﺫﻛﺮﻳﱠﺔ .ﺣﺘﱠﻰ ﺷﻜﻠﻪ ﺍﳉﺴﺪﻱّ ﺃﺛﺎﺭ ﺣﻤﺎﺱ ﺍﻟﻔﻨﱠﺎﻧﲔ
ﻭﺧﻴﺎﻟﻬﻢ :ﻣﻦ ﺭﺳﱠﺎﻣﲔ ﻭﳓﱠﺎﺗﲔ ﻭﺷﻌﺮﺍﺀ -ﻭﻛﺎﻥ ﲟﺴﺘﻄﺎﻉ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺣﻘﱠﺎً ﺃﻥ ﻳُﻌﺠﱭَ
ﺑﻪ ﻗﻠﻴﻼً .ﻟﻜﻦ ،ﻻ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻗﺪ ﺣﺼﻞ :ﺇﺫْ ﳝﻜﻦ ﺍﻟﺘﱠﺄﻛﻴﺪ ،ﻣﻊ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝٍ ﻛﺒﻴﺮ
ﺑﻘﻮﻝ ﺍﳊﻘﻴﻘﺔ ،ﺃﻥ ﺃﻳﱠﻤﺎ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻟﻢ ﺗﻌﺸﻖ ﻧﺎﺑﻠﻴﻮﻥ ﺳﻴﱢﺪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ .ﻓﻜﻦّ ﻳﺤﺴﺴﻦ ﻗﺮﺑﻪ
ﺑﺎﻟﻘﻠﻖ ﻭﺍﻟﻐﻢّ ﻭﺍﻟﻀّﻴﻖ .ﻭﻛﻦﱠ ﻳﻔﻜﱢﺮﻥ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﰲ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮﻝ ﺟﻮﺳﻴﻔﲔ josefine
ﺑﺼﺪﻕ ﻋﻨﻪ.ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﳉﻨﺮﺍﻝ ﺍﻟﺸﱠﺎﺏّ ﺍﳌﻐﺮﻡ ﻳﻠﻘﻲ ﰲ ﺣﻀﻦ ﻫﺬﻩ ﺑﺎﳉﻮﺍﻫﺮ
ﻭﺍﳌﻼﻳﲔ ﻭﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻔﻦّ ،ﻭﺑﺎﳌﻘﺎﻃﻌﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﻴﺠﺎﻥ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺗﺨﻮﻧﻪ ﻣﻊ ﺃﻭﱠﻝ ﺃﻓﱠﺎﻕ
ﻳﻄﺮﺃ .ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﻴﺢ ﻋﻨﺪ ﺗﻠﻘّﻴﻬﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻨﻮﺯ:
" =il est drôle, ce Bonaparteﻣﻀﺤﻚ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻮﻧﺎﺑﺮﺕ"
ﻭﻟﺴﺎﻧﻬﺎ ﻳﻨﺰﻟﻖ ﻣﻦ ﻓﻮﻕ ﺣﺮﻑ Rﻭﺗﺸﺪّﺩ ﻋﻠﻰ 1Lﻛﻌﺎﺩﺓ ﺍﳌﻮﻟّﺪﺍﺕ
ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﱠﺎﺕ.
ﻭﻳﺸﻖّ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﻏﻴﺎﺏ ﺍﳊﺮﺍﺭﺓ ﺍﻷﻧﺜﻮﻳﱠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻋﺘﺎﺩ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻴﻬﺎ
ﺍﻟﺮﱢﺟﺎﻝ ﺍﻟﻌﻈﻤﺎﺀ ﺍﳌﺴﺎﻛﲔ :ﻭﻳُﺨﻴﱠﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﳌﺮﺀ ﺃﻥّ َﺍﻟﻌﺒﻘﺮﻳﱠﺔ ﺗﺮﻫﺐ ﺍﳌﺮﺃﺓ .ﻭﺍﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺀﺍﺕ
ﺗﺒﺮﺯ ﺻﺤّﺔ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ .ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ ﺍﻟﻮﺍﺿﺤﺔ ﺑﺬﺍﺗﻬﺎ ﺗﺒﺪﻭ ﺟﺎﺭﺣﺔ ﺃﻛﺜﺮ ﺇﺫﺍ ﺣﺪﺛﺖ
ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻤﻠﻴﱠﺔ ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ ﻳﺘﻄﻠّﺒﻬﺎ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ .ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺷﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ :ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﳕﻴّﺰ ﰲ
ﻋﻤﻠﻴّﺔ ﺍﳊﺐّ ﳊﻈﺘﲔ ﻳﻌﻜّﺮ ﺍﺿﻄﺮﺍﺑﻬﻤﺎ ﻋﻠﻢ ﻧﻔﺲ ﺍﳊﺐّ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ ﺣﺘﱠﻰ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ.
ﻭﻟﻜﻲ ﺗﺤﺐ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺭﺟﻼً ،ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻜﺲ ،ﻳﺠﺐ ﺃﻥ )ﺗﺮﻛّﺰ( ﻣﻦ ﻗﺒﻞُ ،ﻋﻠﻴﻪ .ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﺮﻛﻴﺰ
ﻣﺎ ﻫﻮ ﻏﻴﺮ ﺗﻜﺜﻴﻒ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ ،ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﺒﺢ ﺑﻔﻀﻞ ﺫﻟﻚ ﺑﺎﺭﺯﺍً ﻭﻳﻌﻠﻮ
ﻋﻠﻰ ﺍﳌﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻌﺎﻡّ .ﻭﻟﻴﺲ ﰲ ﻫﺬﻩ ﺍﳊﻈﻮﺓ ﺍﻟﺘﻨﺒّﻬﻴﱠﺔ ﺷﻲﺀٌ ﻣﻦ ﺍﳊﺐّ ﺑﻌﺪُ ،ﻟﻜﻨﱠﻬﺎ
ﻣﻮﻗﻒ ﲤﻬﻴﺪﻱ ﻟﻪ .ﻭﻻ ﺗﺤﺪﺙ ﺍﻟﻈﱠﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻐﺮﺍﻣﻴﱠﺔ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺗﺮﻛﻴﺰ )ﺃﻭ ﺗﺜﺒﻴﺖ( ﺳﺎﺑﻖ،
ﻭﺇﻥ ﻳﻜﻦ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎﻥ ﺃﻻﱠ ﺗﺘﺒﻊ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓُ ﺍﻟﺘﱠﺮﻛﻴﺰ .ﺑﺎﻟﻄﱠﺒﻊ ،ﻳﺨﻠﻖ ﺍﻟﺘﱠﺮﻛﻴﺰ ﺟﻮﱠﺍً ﺟﺪّ ﻣﻼﺋﻢ
ﻟﺒﺮﻋﻤﺔ ﺍﻹﻋﺠﺎﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺎﻭﻱ ،ﺇﺫﺍ ﺣُﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ ،ﺑﺸﻜﻞ ﻃﺒﻴﻌﻲّ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺣﺐّ .ﻟﻜﻦﱠ
I
ﺗﻐﻴﺮ ﺍﻷﺟﻴﺎﻝ
ﺇﻧﱠﻨﺎ ﻧﺮﻯ ﺍﳊﺐﱠ ﺍﳉﺪﻳﺪ ﳝﺮﱡ ﺑﻜﺂﺑﺔ ﻏﺎﻣﻀﺔ ،ﻭﻛﺄﻧﱠﻨﺎ ﻣﺪﻋﻮﻭﻥ ﻳﺼﻠﻮﻥ ﺇﻟﻰ
ﻭﻟﻴﻤﺔٍ ﻣﺘﺄﺧﺮﻳﻦ .ﻟﺌﻦ ﻧﻜﻦ ﺃﻭﻓﻴﺎﺀَ ﻭﻓﺎﺀً ﻻ ﻣﺤﻴﺪَ ﻋﻨﻪ ﻟﺸﻜﻞٍ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺍﳊﺐّ ﺃﻗﻞّ
-١٠٦-
ﺣﺪﺍﺛﺔ ،ﻓﺈﻧﱠﻨﺎ ﻧﺴﺘﺸﻌﺮ ﻟﻄﺎﺋﻒَ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺳﻠﻮﺏ ﺍﻷﺣﺪﺙ ،ﺍﳌﻤﻴﱠﺰﺓَ ،ﻭﳓﺒﱡﻬﺎ ﺃﻳﻀﺎً.
ﻭﺍﳊﻴﺎﺓُ ﺷﻬﻴﱠﺔٌ ﺩﺍﺋﻤﺎً ،ﻭﺇﻥﱠ ﻋﺸﺮ ﺣﻴﻮﺍﺕ 1ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻦ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺮﻓﺾ ﺍﳊﺎﺩﻳﺔ
ﻋﺸﺮﺓ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻧﻮﺳﺘﺎﳉﻴﺎ .ﺫﻟﻚ ﺃﻧﱠﻨﺎ ﻧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﳋﺎﺭﺝ ﺍﳌﺸﻬﺪَ ﺍﻹﻳﺮﻭﺳﻲّ ،ﻭﺇﺫْ ﻛﻨﱠﺎ ﻻ
ﻧﺸﺎﺭﻙ ﰲ ﺍﻷﺱﱢ ﺍﳊﻴﻮﻱّ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻮﻟّﺪﻩ ،ﻓﺈﻧﱠﻨﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻻﻗﺘﺮﺍﺏَ ﻣﻦ ﻣﺎﻫﻴﱠﺘﻪ ﻓﻜﺮﻳﱠﺎً
ﻓﺤﺴﺐ .ﻭﺍﻟﻔﻜﺮ ﻋﻤﻠﻴﱠﺔ ﻣﻘﺎﺭﻧﺔ .ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻨﺎ ﺍﳊﺐّ ﺍﳉﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻔﻴﱠﺔِ ﺍﳊﺐّ
ﺍﻟﺬﻱ ﻛﻨﱠﺎ ﳕﺎﺭﺳﻪ ﻣﺘﻤﺎﻳﺰﺍً ﻣﻨﻪ ﺑﻌﻼﻣﺎﺗﻪ ﺍﻟﻔﺮﻗﻴﱠﺔ .ﻭﺣﺒﱡﻨﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻨﺘﻤﻲ ﻣﻊ ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﺘﱠﻌﺪﻳﻼﺕ ﺃﻭ ﺗﻠﻚ ،ﺇﻟﻰ ﺳﻼﻟﺔ ﺍﻟﻘﺮﻥ .١٩ﺇﻧﱠﻪ "ﺍﳊﺐّ ﺍﻟﺮﱡﻭﻣﺎﻧﺴﻲّ" .ﻛﺎﻧﺖ ﻓَﺘَﺮَﺕْ ﰲ
ﺃﻭﺍﺧﺮِ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﻧﺎﺭُ ﻫﻮﻯ ﺑﺪﺍﻳﺎﺗﻪ ﰲ ﺍﺎﻻﺕِ ﺍﳊﻴﻮﻳﱠﺔ ﻛﻠّﻬﺎ .ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺴﱠﺒﺐ ﺭﺑﱠﻤﺎ
ﻛﻨﱠﺎ ﻧﺼﻨﻊ ﻷﻧﻔﺴﻨﺎ ﺍﻟﻮﻫﻢ ﺃﻧﱠﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﺭﻭﻣﺎﻧﺴﻴّﲔ ﰲ ﺍﻟﺸﱡﻌﻮﺭ ﻭﺍﻷﺩﺏ .ﻟﻜﻦ ،ﺣﺴﺒُﻨﺎ
ﺃﻥ ﻧﻮﺍﺟﻪ ﺍﻟﻔﺌﺔ ﺍﻟﺸﱠﺎﺑﱠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﱠﺎﺱ ﻛﻴﻤﺎ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﺎﳉﺬﺏِ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺨﻲّ ﻳﺒﻘﻴﻨﺎ ﻻﺻﻘﲔ
ﺑﺄﺟﺪﺍﺩﻧﺎ ﺍﻟﺮﱡﻭﻣﺎﻧﺴﻴّﲔ .ﳓﻦُ ﺧَﻠَﻔﻪُ ﺍﻟﻘﺮﻳﺐ ﻭﻣﻦ ﻧﻮﻉٍ ﺟﺪﻳﺪ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻋﺘﺪﺍﻻً ﻭﺣﻜﻤﺔ.
ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﻫﺎﻳﻨﻲ ﻳﺰﻋﻢ ﺑﺸﻜﻞٍ ﻏﻴﺮ ﺩﻗﻴﻖ ﺃﻧﱠﻪ ﻟﻴﺲ ﺭﻭﻣﺎﻧﺴﻴﱠﺎً ﺍﻟﺒﺘﱠﺔ ،ﻭﻳﺴﻤﱢﻲ ﻧﻔﺴﻪ:
"ﺍﳌﻠﻚ ﺍﳌﺘﻨﺎﺯﻝ ﻋﻦ ﻋﺮﺵ ﺍﻹﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﱠﺔ ﺍﻟﺮﱡﻭﻣﺎﻧﺴﻴﱠﺔ ﺍﻟﻌﺘﻴﻘﺔ".
ﻭ"ﺍﳊﺐﱡ ﺍﻟﺮﱡﻭﻣﺎﻧﺴﻲّ" ﺃﺣﺪ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻹﺑﺪﺍﻋﺎﺕ ﺇﻳﺤﺎﺀً ﰲ ﺍﻟﺘﱠﻄﻮﱡﺭ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱّ ،ﻭﻳﺒﺪﻭ
ﺷﻴﺌﺎً ﻻ ﻳُﺼﺪﱠﻕ ﺃﻥ ﻟﻢ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺃﺣﺪٌ ﻗﻂّ ،ﺣﺴﺐَ ﻋﻠﻤﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞّ ،ﺗﺤﻠﻴﻠﻪ ﺃﻭ
ﺗﺼﻨﻴﻔﻪ .ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺪﻝﱡ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﱠﻪ ﻟﻢ ﻳُﻌﻤﻞ ﻛﻞّ ﺷﻲﺀ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ﺑﻌﺪُ ،ﻭﻣﺎ ﻳﺰﺍﻝُ ﳑﻜﻨﺎً ﺇﻧﺘﺎﺝُ
ﻛﺘﺐٍ ﺃﻛﺜﺮَ ﺃﻫﻤﻴﱠﺔ.
"ﺍﳊﺐﱡ ﺍﻟﺮﱡﻭﻣﺎﻧﺴﻲّ"! ﻫﺎﻫﻨﺎ ﻣﺜﺎﻝٌ ﻋﻤﱠﺎ ﺳﻤّﻴﻨﺎﻩ ﻣﻦ ﻗﺒﻞُ "ﻣﻮﺿﺎﺕ ﺍﳊﺐّ".
ﻟﻘﺪ ﺧَﻠَﻒَ ﻏَﺰَﻝَ ﺍﻟﻘﺮﻥ ١٨ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﺳﻮﻯ ﺯﻱّ ﺁﺧﺮ ﺗﻼ "ﺍﻻﺣﺘﺸﺎﻡ" ﰲ
ﺍﻟﻘﺮﻥ ١٧؛ ﻭﺍﳊﺐّ ﺍﻷﻓﻼﻃﻮﻧﻲّ ﰲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ١٥؛ ﻭﺃﺧﻴﺮﺍً "ﺍﳊﺐّ ﺍﻟﻌﻔﻴﻒ "cortésﰲ
ﺍﻟﻘﺮﻥ -١٣ﻭﺍﳊﺐّ ﺍﻷﺭﺳﺘﻘﺮﺍﻃﻲ ﺍﻟﺪّﻣﺚ gentilﰲ ﺍﻟﻘﺮﻥ .١٤ﻭﻟﺴﻨﺎ ﺑﺤﺎﺟﺔٍ ﺇﻟﻰ
ﺍﻻﻗﺘﺮﺍﺏ ﻭﺍﻟﻌﺪﺳﺔُ ﰲ ﻳﺪﻧﺎ ،ﻣﻦ ﺍﻟﺘﱠﻔﺼﻴﻞ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺨﻲّ ﻛﻴﻤﺎ ﺗﻨﺒﺜﻖ ﺃﻣﺎﻣﻨﺎ ﺍﳌﻤﻠﻜﺔ
ﺍﻹﻳﺮﻭﺳﻴﱠﺔ ﺍﳌﺘﻨﻮﱢﻋﺔ ﺑﻮﺟﻬﻬﺎ ﺍﳌﺨﺘﻠﻒ.
ﻭﺇﻥﱠ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺧﻮﺍﺹّ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻧﻮﺍﻉ ﻣﻦ ﺍﳊﺐّ ،ﺧﺎﺻﻴﱠﺔ ﺑﻌﺪ ﺃﺧﺮﻯ ،ﺳﺘﻜﻮﻥ
ﻣﻬﻤﱠﺔً ﺻﻌﺒﺔً ﻗﻠﻴﻼً .ﻭﺇﺫﺍ ﺗﻜﻠﱠﻤﻨﺎ ﻋﻦ ﺍﻻﺧﺘﻼﻑ ﻭﺍﻟﺘﻨﻮﱡﻉ ﰲ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﱠﺔ ﻓﺈﻧﱠﻨﺎ
-١١٠-
1
ﺧﺎﲤﺔ ﻟِﻜﺘﺎﺏ ﻣﻦ "ﻓﺮﻧﺴﻴﺴﻜﺎ ﺇﱃ ﺑﻴﺎﺗﺮﻳﺲ"
de Francesca a Beatrice
ﺳﻴﱢﺪﺗﻲ:
ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺮﺣﻠﺔ ﻃﻴﱢﺒﺔ .ﻭﻟﻘﺪ ﻗﺪﺗِﻨﻲ ﺑﺸﻜﻞٍ ﻋﺠﻴﺐ ﰲ ﺟﺎﺩﱠﺓِ ﻣﺜﻠﱠﺜﺔ ﻣﻦ ﻣﻘﻄﱠﻌﺎﺕ
ﺛﻼﺛﻴﱠﺔ ﺍﻷﺑﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﻌﺶ ﺗﺎﺭﻛﺔً ﻫﻨﺎ ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺑﺤﺮﻛﺔ ﺧﻔﻴﻔﺔ ،ﻧﺒﺮﺓً ﻣﻮﺣﻴﺔً ﺗُﻀﻔﻲ
ﻋﻠﻰ ﺍﳌﺸﻬﺪ ﺍﻟﻘﺪﱘ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺃﻓﻘﺎً ﺟﺪﻳﺪﺍً .ﺑﺎﻟﻄﱠﺒﻊ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻈﺮﺗﻨﺎ ﺗﺘﺨﻠﱠﻰ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﻋﻦ
ﺻﻮﺭ ﺩﺍﻧﺘﻲ ﻟﺘﺘﻨﺒﱠﻪ ﺇﻟﻰ ﺣﺮﻛﺎﺗﻚ ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﺸﱠﺎﻋﺮ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﻊ ﺧﻴﺮ ﺩﻟﻴﻞ ﻟﻪ ﺑﻌﺪ ﻛﻞﱢ
ﺷﻲﺀ .ﻭﻣﺎﺫﺍ ﻧﻌﻤﻞ ﻟﻪ! ﻷﻥﱠ ﺷﻬﻮﺓ ﺭﺑﱠﻤﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﺘﺪﻟﺔ ،ﻟﻠﻌﺼﺮ ﺍﳊﺎﻟﻲ ﺟﻌﻠﺘﻨﻲ ﺃﺅﺛﺮ ﻋﻠﻰ
ﺍﳌﺸﻬﺪ ﺍﻟﻌﺒﻘﺮﻱّ ﺍﻟﻘﺪﱘ ،ﻟﻜﻦ ﺍﻟﺒﺎﻫﺖِ ،ﻣﺸﻬﺪﺍً ﺁﺧﺮ ﺟﺪﻳﺪﺍً ﻛﺎﻥ ﺍﻧﻌﻜﺎﺳﺎً ﻟﺬﺍﻙ .ﻭﻻ
ﺃﺣﺴﺐ ﺩﺍﻧﺘﻲ ﺍﳌُﻌَﺎﺩَ ﺇﺣﻴﺎﺅﻩ ﻳﺠﺪ ﰲ ﺫﻟﻚ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔً ﻟﻠﻨﱠﻘﺪِ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻋﺎﳌﺎً ﺟﻴﱢﺪﺍً
ﺑﺎﳌﻠﺬﱠﺍﺕ ،ﻓﻼ ﻳﺠﻬﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠّﺬﺓ ﺍﳌﺰﺩﻭﺟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻨﱠﻈﺮ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ
ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﻭﺇﻧﱢﻤﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻠﺘﻮٍ ،ﻣﻨﻌﻜﺴﺎً ﰲ ﺗﺒﺪﱡﻻﺕ ﻭﺟﻪ .ﻓﻬﻮ ﻳﺘﻜﻠﱠﻢ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً –ﻭﻗﺒﻞ
ﻫﻴﺮﻳﺪﺍ ﺑﺴﺒﻌﺔ ﻗﺮﻭﻥ -ﺃﻧﱠﻪ ﻳﺮﻯ ﺍﻟﺴﱠﻔﻴﻨﺔ ﺗﻨﻌﻜﺲ ﻫﺎﺑﻄﺔ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭَ ،ﰲ ﺑﺆﺑﺆ ﻋﲔ.
)ﺍﻟﻔﺮﺩﻭﺱ .(٤٢ ،٤١-XVIIﺇﻧﱠﻪ ﺍﻋﺘﺮﺍﻑ ﺧﻄﻴﺮ .ﺃﻟﻴﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟ ﻷﻧﱠﻪ ﻳﻔﺘﺮﺽ ﺑﺸﻜﻞٍ
ﻻ ﻣﺤﻴﺪ ﻋﻨﻪ ،ﺷﻌﻮﺭﺍً ﺑﺎﳓﺪﺍﺭﺍﺕٍ ﻣﺘﻘﺎﺭﺑﺔ ﺟﺪﱠﺍً ﺗﻨﺼﺐﱡ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﻮﻥ ﺟﺪّ ﻃﺒﻴﻌﻴﱠﺔ .ﻭﻳﻠﺬﱡ
ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻜﺘﺸﻒ ﰲ ﻏﻨﺎﺋﻴّﺘﻨﺎ ﺍﻟﻘﺎﺳﻴﺔ 2ﺃﻧﱠﻬﺎ ﰲ ﻣﻮﻗﻒ ﺣﻤﻴﻢ ﺣﻠﻮ ﻛﻬﺬﺍ ﺍﳌﻮﻗﻒ،
ﺟﻐﺮﺍﰲﱡ ﺃﻧﻬﺎﺭٍ ﺗﺴﻴﻞ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻌﻴﻮﻥ ،ﻭﺭﺑﱠﺎﻥُ ﺳﻔﻦ ﲤﺨﺮ ﺩﺍﺧﻞ ﺑﺆﺑﺆ ﻋﲔ .ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻴﺖ
ﺍﻟﺸّﻌﺮﻱّ ﻳﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻄﻰ ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻲّ ﻓﻴﻪ ﺗﻬﻮﱡﺭ ﳕﻮﺫﺟﻲّ ،ﻭﻫﻮ ﻭﺛﻴﻘﺔ ﺻﺎﺩﻗﺔ ﰲ
ﻭﺭﻗﺔ ﺍﳋﺪﻣﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻃﻔﻴﱠﺔ ﺍﻟﺼﱠﺎﺩﺭﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﺸﱠﺎﻋﺮ .ﺃﻣَﺎ ﻭﺇﻧﱠﺎ ﺳﻨﺘﻜﻠﱠﻢ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻋﻦ
ﺗﻜﺘﻴﻜﻪ ﰲ ﺍﻻﺑﺘﻌﺎﺩ ،ﻓﻤﻦ ﺍﳋﻴﺮ ﺍﻵﻥ ﺃﻥ ﻧﺒﺮﺯ ﻣﺂﺛﺮﻩ ﰲ ﺍﻟﺘﱠﻘﺮﱡﺏ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﺟﺴﻮﺭﺍً ﰲ
ﺍﳊﺐّ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮّﻏﻢ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺋﻪ ،ﻭﺍﻗﺘﺮﺏ ﻣﻦ ﺳﺎﺣﺔ ﺍﻟﺼﱢﺮﺍﻉ .ﻷﻥﱠ ﻗﺎﺭﺑﺎً ﰲ ﺳﺎﺋﻞ ﺧﻠﻴﺞ
) (١ﳌﺆﻟﱢﻔﺘﻪ ﻓﻴﻜﺘﻮﺭﻳﺎ ﺃﻭﻛﺎﻣﺒﻮ .ﺃﻋﺎﺩ ﺃﻭﺭﺗِﻐﺎ ﻧﺸﺮﻩ ﰲ ﻣﺠﻠﱠﺔ ﺍﻟﻐﺮﺏ ،revista de occidenteﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﳝﻠﻜﻬﺎ.
) (٢ﰲ ﺍﻷﺻﻞ ،hienaﺿﺒُﻊ.
-١١١-
ﺑﺆﺑﺆ ﻫﻮ ﺷﻲﺀ ﺟﺪّ ﺩﻗﻴﻖ ﻻ ﻳُﺮﻯ ﺇﻻ ﺑﺎﻹﻃﻼﻝ ﻣﻦ ﻗﺮﺏ ﻗﺮﻳﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺰﺣﻴﱠﺔ
ﺍﻟﺴّﺤﺮﻳﱠﺔ .ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﳊﺎﻟﺔُ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺑﻠﻮﺗﺎﺭﻙ .ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺳﺎﺋﺮ
ﺍﶈﺎﺭﺑﲔ ﻳﺴﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﳌﻌﺮﻛﺔ ﺭﺍﻓﻌﲔ ﺭﺍﻳﺎﺕٍ ﺭُﺳﻤﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺷﻌﺎﺭﺍﺕٌ ﻛﺒﻴﺮﺓٌ ﻻﻓﺘﺔٌ ﻟﻠﻨﱠﻈﺮ،
ﻛﺎﻥ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﺤﺎﺭﺏٌ ﻳﺤﻤﻞ ﺷﻌﺎﺭﺍً ﳑﺜﱠﻼً ﺑﺬﺑﺎﺑﺔٍ" .ﺃﻧﺖَ ﺟﺒﺎﻥ! -ﻭﺻﻤﻪ ﺍﻵﺧﺮﻭﻥ.-
ﺗﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﺗﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﳌﻌﺮﻛﺔ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺗُﺮﻯ ،ﻭﺷﻌﺎﺭﻙ ﻻ ﻳﺠﻌﻠﻚ ﺗﻘﺘﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻭّ!".
"ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﲤﺎﻣﺎً - .ﺃﺟﺎﺏ ﺍﶈﺎﺭﺏ ﺍﳌﻬﺎﻥ ﺑﻬﺪﻭﺀ ،-ﺫﻟﻚ ﺃﻧّﻲ ﺃﻓﻜّﺮ ﰲ
ﺍﻻﻗﺘﺮﺍﺏ ﻣﻨﻪ ﺣﺘﱠﻰ ﻻ ﻳﺠﺪ ﻣﻨﺎﺻﺎً ﻣﻦ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﺬّﺑﺎﺑﺔ ،ﺷﺎﺀ ﺃﻡ ﺃﺑﻰ".
ﻟﻜﻦﱠ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﻔﺼﻴﻞ ﺍﻟﺒﻴﻮﻏﺮﺍﰲ ﻣﻦ ﻃﺮﺍﺯٍ ﺟﺪﱡ ﺣﻤﻴﻢ ،ﺑﺎﻟﺘﱠﺎﻟﻲ ،ﺟﺪّ ﺗﺎﻓﻪ،
ﻻﻳﻨﻔﻌﻨﺎ ﳓﻦُ -ﺃﺻﺪﻗﺎﺀﻙ -ﰲ ﺃﻥ ﻧﺴﻮﱢﻍَ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﺍﻟﺸﱠﺎﻋﺮ ﺫﺍﺗﻪ ،ﺯﻟﱠﺔ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻨﺎ ،ﺇﺫﺍ
ﺍﺗّﺠﻪ ﳓﻮﻙ ﻋﻨﺪ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺑﺈﻟﻔﺔٍ ﻭﻃﺮﺍﻓﺔٍ ﺗﻔﻮﻕ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﺍﻟﺸﱠﺎﻋﺮ
ﺍﳌﻌﺘﺒﺮﺓ .ﻭﺍﻟﺘﱠﺴﻮﻳﻎ ﻳﻬﺒﻂ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓً ﻣﻦ ﺃﻋﻠﻰ ﺍﻷﻓﻼﻙ ﻭﻳﺘﻐﺬﱠﻯ ﻣﻦ ﻣﺒﺪﺃ ﻫﻮ
ﺃﻋﻈﻢ ﻣﺒﺎﺩﺉ ﺩﺍﻧﺘﻲ ﻛﻠّﻬﺎ.
ﺇﻧﱠﻚِ ،ﻳﺎ ﺳﻴﱢﺪﺗﻲ ،ﻣﻈﻬﺮٌ ﳕﻮﺫﺟﻲﱞ ﻟﻸﻧﻮﺛﺔ .ﻭﰲ ﻣﺎ ﺣﻮﻝ ﺷﺨﺼﻚ ﺗﻠﺘﻘﻲ
ﺑﻠﻄﻒٍ ﻣﺸﻊﱟ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻜﻤﺎﻻﺕ ﻏﺮﺍﺑﺔً .ﻭﻛﻴﻒ ﻻ ﻳﺜﻴﺮ ﻓﻀﻮﻟَﻨﺎ ﺭﺅﻳﺘُﻚِ ﺗﻨﺰﻟﲔ ﺇﻟﻰ ﻛﻮﻥ
ﺩﺍﻧﺘﻲ ﺍﳌﻬﻠﻮﺱ ﺣﻴﺚ ﺗﻮﺟﺪ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱّ ﻛﻠّﻬﺎ؟! ﺇﻥﱠ ﺍﻟﺴﱠﻔﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻭﺭﺍﺀ
ﺍﻟﻌﺎﻟَﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﻤﻨﺎ ﺑﻪ ﻣﺮﱠﺍﺕٍ ﻋﺪﱠﺓ ﻳﻜﺘﺴﺐ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺸﱠﻜﻞ ﺩﺭﺍﻣﻴﱠﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻭﻳُﻤﻸ
ﺑﺘﺤﻮﱡﻻﺕٍ ﻣﻮﺣﻴﺔ .ﻷﻥﱠ ﻗﻠﺒﻚ ،ﻳﺎ ﺳﻴﱢﺪﺗﻲ ،ﻋﺶّ ﻣﻦ ﺍﳊﻤﺎﺳﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ،ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺼﱡﺪﻭﺩ
ﺍﻟﺼﱠﺎﺭﻡ .ﻓﻤﺎ ﺃﻟﺬﱠ ﻣﺘﺎﺑﻌﺘﻚ ﻭﺷﻬﻮﺩَ ﻃﻴﺮﺍﻥِ ﻫﺬﻩ ﺍﳊﻤﺎﺳﺔ ﺃﻭ ﺫﺍﻙ ﺍﻟﺼﱡﺪﻭﺩ ﻓﻮﻕ
ﺍﳌﺸﻬﺪ ﻭﻣﻼﺣﻈﺔ ﺃﻳﻦ ﻳﻘﻒ ﻭﺩّﻙ ،ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﺃﻳﻦ ﺗﻨﺤﺮﻓﲔ ،ﰲ ﺍﳌﻘﺎﺑﻞ ،ﺑﻘﺪﻡٍ ﺭﺷﻴﻘﺔٍ
ﻭﻛﺄﻧﱠﻚِ ﰲ ﻫﺮﺏٍ ﻣﺘﻌﻤﱠﺪ! ﻭﻛﻞﱡ ﺣﺮﻛﺔٍ ﻣﻦ ﺣﺮﻛﺎﺗﻚِ ﻟﻬﺎ ﰲ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﻣﻌﻨﻰً ﻣﻌﻴﺎﺭﻱّ ﻷﻧﱠﻪ
ﻓﻴﻬﺎ ﻳﻨﻜﺸﻒ ﺳﺮّ ﻗﺒﻮﻟﻚ ﻭﺻﺪﻭﺩﻙ.
ﺃﻭَ ﻟﻴﺲَ ﺫﻟﻚ -ﺃﻱ ،ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻣﻌﻴﺎﺭﺍً -ﺃﻋﻈﻢ ﺍﻛﺘﺸﺎﻑٍ ﻗﺎﻡ ﺑﻪ ﺩﺍﻧﺘﻲ؟ ﻭﺇﻧﱠﻪ ﶈﺰﻥٌ
ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﻨﱠﻮﻋﻲّ ﰲ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺦ ،ﻏﻴﺮَ ﻣُﺪﺭَﻙٍ ﻭﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﺍﻟﻨﱠﺎﺱ ﻋﻨﻪ ﺷﻴﺌﺎً.
ﻭﺍﳊﻘﻴﻘﺔ ﺃﻧﱠﻪ ﻟﻢ ﻳُﺒﺤﺚ ﺃﻳﻀﺎً ﺣﺘﱠﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮﻱّ ﳓﻮ ﺍﳌﺮﺃﺓ .ﻭﻳُﻔﺘﺮَﺽ ﺃﻧﱠﻪ
ﻫﻮ ﻫﻮ ﺫﺍﺗﻪ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺑﺰﻳﺎﺩﺓٍ ﻗﻠﻴﻠﺔٍ ﺃﻭ ﻧﻘﺺٍ ﻗﻠﻴﻞ .ﰲ ﺣﲔ ﺃﻧﱠﻪ ﺳﻠﻚ ،ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺗﻄﻮﱡﺭﺍً
ﺑﻄﻴﺌﺎً ﻭﻭﻋﺮﺍً ﻭﳑﻠﻮﺀﺍً ﺑﺎﻹﺑﺪﺍﻋﺎﺕِ ﻭﺍﻟﺘﱠﺮﺍﺟﻌﺎﺕ.
-١١٢-
ﺑﺎﻟﺘﱠﺎﻟﻲ ،ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﳋﻴﺮ ﺃﻥ ﻧﻼﺣﻆ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺦ ﻗﺪ ﺗﻘﺪﱠﻡ ﺗَﺒَﻌﺎً ﻹﻳﻘﺎﻉٍ ﺟﻨﺴﻲﱟ.
ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻋﺼﻮﺭٌ ﻫﻴﻤﻨﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺬﻛﺮﻳﱠﺔ ،ﻭﻫﻨﺎﻙَ ﻋﺼﻮﺭٌ ﺃﺧﺮﻯ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﻓﻴﻬﺎ
ﻟﻘﻴﻢ ﺍﻷﻧﻮﺛﺔ .ﻻﺣﻈﻲ ﻳﺎ ﺳﻴﱢﺪﺗﻲ ،ﺃﻥﱠ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﻮﺳﻴﻂ ﺍﻷﻭﱠﻝ ،ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﻧﺘﻜﻠﱠﻢ ﺇﻻﱠ ﻋﻦ
ﺣﻀﺎﺭﺗﻨﺎ ،ﻛﺎﻥ ﻋﺼﺮﺍً ﺫﻛﻮﺭﻳﱠﺎً .ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺗﺘﺪﺧﱠﻞ ﰲ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺍﻟﻌﺎﻣﱠﺔ ،ﻭﻛﺎﻥ
ﺍﻟﺮﱢﺟﺎﻝ ﻳﻀﻄﻠﻌﻮﻥ ﺑﺎﳌﻬﻤﱠﺔ ﺍﳊﺮﺑﻴﱠﺔ ،ﻭﻛﺎﻥ ﺭﻓﺎﻕ ﺍﻟﺴﱢﻼﺡ ﻳﻠﻬﻮﻥ ﺑﻌﻴﺪﺍً ﻋﻦ ﺍﻟﺴﱠﻴﱢﺪﺍﺕ،
ﺑﺎﺣﺘﻔﺎﻻﺕٍ ﺑﺮﺑﺮﻳﱠﺔٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﺏ ﻭﺍﻟﻐﻨﺎﺀ .ﺃﻣﱠﺎ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﻮﺳﻴﻂ ﺍﻟﺜﱠﺎﻧﻲ ،ﻭﻫﻮ ﰲ ﺭﺃﻳﻲ
ﺃﻛﺜﺮ ﻋﺼﻮﺭ ﻣﺎﺿﻲ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﺟﺎﺫﺑﻴﱠﺔً ،ﻓﻴﺘﻤﻴﱠﺰ ﺑﺼﻌﻮﺩ ﳒﻢ ﺍﻷﻧﻮﺛﺔ ﻓﻮﻕ ﺃﻓﻖ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺦ.
ﻭﻟﻘﺪ ﺃﺷﺮﺕِ ﺃﻧﺖِ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﳌﱠﺎ ﺍﺧﺘﺘﻤﺖِ ﺗﻌﻠﻴﻘﻚِ ﻋﻠﻰ "ﺑﻼﻃﺎﺕِ ﺍﳊﺐّ" .ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻵﻥ ﻟﻢ
ﺗﻮﺿﻊ ﰲ ﻣﺴﺘﻮﺍﻫﺎ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺨﻲّ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺴﺘﺤﻘّﻪ ﺛﻘﺎﻓﺔ "ﺍﻟﻜﻮﺭﺗِﺰﻳﱠﺎ" )ﺍﻟﺘﻬﺬﻳﺐ ﻭﺁﺩﺍﺏ
ﺍﻟﺴﱡﻠﻮﻙ( ،ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺯﺩﻫﺮﺕ ﰲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ،١٢ﻭﻫﻲ ﰲ ﺭﺃﻳﻲ ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺍﳊﺎﺳﻤﺔ ﰲ
ﺍﳊﻀﺎﺭﺓِ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﱠﺔ .ﻭﻣﻦ "ﺍﻟﻜﻮﺭﺗِﺰﻳﱠﺎ" ﺧﺮﺝ ﺳﺎﻥ ﻓﺮﻧﺴﻴﺴﻜﻮ ،S.Franciscoﻭﺩﺍﻧﺘﻲ،
ﻭﺍﻟﺒﻼﻁ ﺍﻟﺒﺎﺑﻮﻱ ﰲ ﺁﻓﻴﻨﻴﻮﻥ Avignon1ﻭﺍﻟﻨﱠﻬﻀﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﰲ ﺇﺛﺮﻫﺎ ﺗﺴﺎﺭﻋﺖ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ
ﺍﳊﺪﻳﺜﺔ ﻛﻠﻬﺎ .ﻭﻗﺪ ﺟﺎﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﶈﺼﻮﻝ ﺍﻟﻀﱠﺨﻢ ﻛﺎﻣﻼً ﻣﻦ ﺍﳉﺮﺃﺓ ﺍﻟﻌﺒﻘﺮﻳﱠﺔ ﺍﻟﺘﻲ
ﻭﻃﱠﺪﺕ ﺑﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﺳﻴﱢﺪﺍﺕٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺮﻭﻓﺎﻧﺲ Provenceﻣﻮﻗﻔﺎً ﺟﺪﻳﺪﺍً ﺇﺯﺍﺀ ﺍﳊﻴﺎﺓ .ﻓﻘﺪ
ﲡﺮﱠﺃﺕ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﻨﱢﺴﻮﺓ ﺍﻟﺮﱠﺍﻗﻴﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻳﺤﺎﺀ ﲟﺬﻫﺐٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﱠﻬﺬﻳﺐ ﺍﻟﺪﱠﺍﺧﻠﻲّ ﻭﺍﻟﺮﱢﻗﱠﺔ
ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﱠﺔ ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﺰّﻫﺪ ﺍﳌﺰﺩﻭﺝ ﻭﺍﳌُﺤﺎﻝ ﺃﻳﻀﺎً ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺮﱠﺍﻫﺐ ﻭﺍﶈﺎﺭﺏ .ﻭﻗﺪ ﺑُﻌﺜﺖ
ﰲ ﻇﻞﱢ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻟﻬﺎﻡ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻥ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ el metrónﺃﻭ "ﺍﻻﻋﺘﺪﺍﻝ" .ﻭﺇﺫْ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻌﺼﺮ
) (١ﻻ ﻳُﻌـﺮﻑ ﺑـﺸﻜﻞٍ ﻛـﺎﻑٍ ﺇﻥ ﻛـﺎﻥ ﻫـﺬﺍ ﺍﻟـﺒﻼﻁ ﺍﻟﻔﺮﻧـﺴﻲّ ﺍﻹﻳﻄـﺎﻟﻲ ﺍﳌﻨﺎﺳـﺒﺔ ﺍﻷﻭﻟـﻰ ﺍﻟﺘـﻲ ﺷــﺮﻋﺖ
ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺴﱠﻴﱢﺪﺍﺕ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺟﺎﻧﺐ ﻣـﻦ "ﺍﺘﻤـﻊ" ﺑـﺸﻜﻞٍ ﻣـﺄﻟﻮﻑٍ ﻭﺛﺎﺑـﺖ .ﺇﺫﺍً ،ﻣﻨـﻪ ﻳﺠـﺐ ﺃﻥ ﻧـﺆﺭﱢﺥ
ﺑﺎﳌﻌﻨﻰ ﺍﻟﺼﱠﺤﻴﺢ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻬﻴﺌﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﱠـﺔ ﺍﻟﺘـﻲ ﺳـﻤﱠﺎﻫﺎ ﺍﻟﺮﱢﺟـﺎﻝ ﺍﳌﻌﺎﺻـﺮﻭﻥ ) = corteﺑﻼﻃـﺎً(.
ﻭﺇﺫْ ﺷﻜﱠﻠﻪ ﰲ ﺁﻓﻴﻨﻴﻮﻥ ﰲ ﺟﺎﻧﺐٍ ﻛﺒﻴﺮٍ ﻣﻨﻪ ،ﺭﺟﺎﻝُ ﺩﻳﻦٍ ﻛﺒﺎﺭ ،ﺑﺎﻟﺘﱠﺎﻟﻲ ،ﻋﺰﱠﺍﺏ ،ﻇﻬـﺮ ﳕـﻮﺫﺝ ﺃﺻـﻴﻞ
ﻣــﻦ ﺍﻟﻨﱢــﺴﺎﺀ ﻛ ـﻦﱠ ﻳــﺴﻠﻜﻦ ﺣﻴــﺎﺓً ﻣــﺴﺘﻘﻠﱠﺔً ﻭﻣﺜﻘﱠﻔ ـﺔً .ﻭﻟﻘــﺪ ﺳُ ـﻜﱠﺖ ﻣــﻦ ﺃﺟﻠﻬ ـﻦﱠ ﻟﻠﻤ ـﺮﱠﺓ ﺍﻷﻭﻟــﻰ ﻛﻠﻤــﺔ
.Cortesanaﻟﻜـﻦ ،ﻋــﺎﺭٌ ﻋﻠــﻰ ﻣــﻦ ﻳﻈ ـﻦّ ﰲ ﺍﻷﻣـﺮ ﺳــﻮﺀﺍً .ﻭﺇﻥﱠ ﺇﺣــﺪﺍﻫﻦّ ﻻﻭﺭﺍﺩِﻩ ﻧــﻮﺑِﺲ L. De
Novesﻛﺎﻧﺖ ﺻﺪﻳﻘﺔ ﺑﻴﺘﺮﺍﺭﻙ – .ﺍﳌﺆﻟﻒ.
ﻣﻼﺣﻈــﺔ Cortesana :ﺗﻌﻨــﻲ- ١ :ﺍﻣــﺮﺃﺓ ﻣــﻦ ﺍﳊﺎﺷـــﻴﺔ ﰲ ﺍﻟــﺒﻼﻁ- ٢ .ﻣﻮﻣــﺴﺎً .ﻟــﺬﻟﻚ ﻭﺿـــﻊ
ﺍﳌﺆﻟﻒ ﻣﻼﺣﻈﺔَ ﻋﻨﻬﺎ – .ﺍﳌﺘﺮﺟﻢ.
ﺩﺭﺍﺴﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺏ ﻡ ٨- -١١٣-
ﺍﻟﻮﺳﻴﻂ ﺍﻷﻭﱠﻝ ﻛﻠّﻪ ﺇﺳﺮﺍﻑ ﻛﺎﻟﺬﱠﻛﺮ ،ﻓﺈﻥﱠ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻜﻮﺭﺗِﺰﻳﱠﺎ la lei de corteziaﻳﻌﻠﻦ
ﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﺍﳉﺪﻳﺪﺓ "ﻟﻼﻋﺘﺪﺍﻝ" ،ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺸﺠّﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻷﻧﻮﺛﺔ.
ﻭﻗﺪ ﺍﻧﺴﻜﺒﺖ ﻫﻴﻤﻨﺔ ﺍﻻﻋﺘﺪﺍﻝ ﻭﺣﺴﻦ ﺍﻟﺘﱠﺼﺮﱡﻑ ﻛﺰﻳﺖ ﺭﻭﺣﻲ ﻋﺬﺏ ﺣﺘﱠﻰ
ﺃﻗﺼﻰ ﺍﻷﻣﺎﻛﻦ .ﻭﺇﻧﱠﻪ ﻟﺒﺎﻋﺚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺄﺛﱡﺮ ﺃﻥ ﻧﻜﺘﺸﻒ ﰲ ﺃﺭﺽٍ ﺧﺸﻨﺔٍ ﺧﺸﻮﻧﺔ
ﻗﺼﻴﺪﺓ ﺍﳌﻴّﻮ ﺳِﻴْﺪ ،ﺃﺑﻴﺎﺗﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﳌﻔﺮﺩﺍﺕ:
Fabló myo cid, bien e tan mesurado
ﺗﻜﻠﱠﻢ ﻣﻴﻮﺳِﻴْﺪ ﻛﻼﻣﺎً ﻃﻴﱢﺒﺎً ﻭﻣﺘﱠﺰﻧﺎً ﺟﺪﱠ ًﺍ
ﻭﻗﺪ ﺟﺎﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺗﱢﺰﺍﻥُ ﺍﳌﻠﺤﻤﺔَ ﺍﻟﻘﺸﺘﺎﻟﻴﱠﺔ ﺍﳉﺎﻓﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻼﻃﺎﺕ ﺍﻟﺒﺮﻭﻓَﻨْﺴﻴﱠﺔ
ﺍﻟﺒﻌﻴﺪﺓ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻴﺶ ﺑﺎﻧﺴﺠﺎﻡ ﺇﻧﺎﺙ ﻣﺘﺤﻀﱢﺮﺍﺕ .ﻭﺑﺎﳌﺜﻞ ،ﺣﺮّﺭﺕ ﺷﺎﺭﻟﻮﺕ ﺩﻭ
ﺷﺘﺎﻳﻦ Carlota de Steinﻏﻮﺗﻪ Goetheﻣﻦ ﺟﺮﻣﺎﻧﻴﱠﺘﻪ ﺍﻟﺸﱠﺮﺳﺔ ﰲ ﺷﺒﺎﺑﻪ .ﻟﺬﻟﻚ
ﻛﺎﻥ ﻳﺴﻤﻴﻬﺎ ﻋﺎﺩﺓً "ﺍﳌﺮﻭﱢﺿﺔ" ﻭﻳﻨﺼﺤﻨﺎ" :ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﺕَ ﺃﻥ ﺗﻌﺮﻑَ ﻣﺎﺫﺍ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻌﻤﻞ
ﰲ ﻛﻞﱢ ﺣﺎﻟﺔ ،ﻓﺎﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﻨﱢﺴﺎﺀ".
ﻛﺎﻧﺖ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺑﺎﻟﻨﱢﺴﺒﺔ ﻟﻠﺮﱠﺟﻞ ﻧﻬْﺒﺎً ﺃﻭﱠﻻً ،ﺃﻭ ﺟﺴﻤﺎً ﺑﺎﻹﻣﻜﺎﻥ ﺧﻄﻔُﻪ .ﻭﻗﺪ ﺗﻼ
ﻫﺬﺍ ﺍﻻﻧﻔﻌﺎﻝَ ﺍﻟﻘﻨﺼﻲّ ﺷﻌﻮﺭٌ ﺃﺭﻕّ ﻭﻳﺤﻤﻞ ﻋﻼﻣﺔً ﻣﻌﺎﻛﺴﺔً ﻟﻢ ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ ﺍﻹﻏﺮﻳﻘﻲّ
ﺟﻴﱢﺪﺍً .1ﻭﻣﺎ ﰲ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻣﻦ ﻏﻨﻴﻤﺔ ﺃﻭ ﻧﻬﺐ ،ﻳﺆﺧﺬ ﺧﻄﻔﺎً ﺃﺻﺒﺢ ﻻ ﻳُﺮﺿﻲ .ﻷﻥﱠ ﺗﺮﻗّﻲ
ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺭﻗﻴﱠﺎً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﺟﻌﻠﻪ ﻳﺮﻏﺐ ﰲ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻐﻨﻴﻤﺔ ﻟﻪ ﺑﺪﺍﻓﻊ ﺗﻠﻘﺎﺋﻲّ ﻣﻨﻬﺎ .ﻭﻏﻨﻴﻤﺔ
ﺃﻧﻮﺛﺘﻬﺎ ﻻ ﺗُﻤﺘﻠﻚ ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺇﻥْ ﻟﻢ ﺗُﻜﺴﺐ ﻛﺴﺒﺎً .ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﺍﻟﻐﻨﻴﻤﺔ ﺟﺎﺋﺰﺓً ،ﻟﻨﻴﻠﻬﺎ
ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﺮﺀ ﺃﻥ ﻳﺼﺒﺢ ﺟﺪﻳﺮﺍً ﺑﻬﺎ ،ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻭﻓْﻖَ ﺍﳌﺜﺎﻝ ﺍﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﺮّﺟﻞ ،ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻐﻔﻮ
ﺩﺍﺧﻞ ﻧﻔﺲ ﺍﳌﺮﺃﺓ .ﻭﻗﺪ ﺍﻧﻘﻠﺒﺖ ﺍﻷﺩﻭﺍﺭ ﺑﺴﺒﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻟﻴﱠﺔ ﺍﻟﻄﱠﺮﻳﻔﺔ :ﺇﺫ ﻳﺴﻘﻂ
ﺍﻟﻐﺎﻟﺐُ ﺳﺠﻴﻨﺎً ،ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻣﻮﻗﻒ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮ ﰲ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ ﺍﶈﻀﺔ ﻳﻘﻮﻡ
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﱠﻬﺐ ﻭﺍﻻﻧﻘﻀﺎﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﳉﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﺎﺑﺮ ﺃﻣﺎﻣﻪ ،ﻓﻘﺪ ﺻﺎﺭ ﰲ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ
ﺍﳊﻤﺎﺳﺔ ﺍﻟﺮﱡﻭﺣﻴﱠﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ،ﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻭﻳﺘﱠﺠﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻷﻧﺜﻮﻱّ ﻟﻴﻜﺘﺸﻒ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺮﱢﺿﺎ ﻭﺍﻟﺼﱡﺪﻭﺩ .ﻟﻘﺪ ﺩﺷّﻨﺖ ﺛﻘﺎﻓﺔ "ﺍﻟﻜﻮﺭﺗﺰﻳﱠﺎ" ﻫﺬﻩ
) (١ﻗﺪ ﻳﻜـﻮﻥ ﻣﺰﻋﺠـﺎً ﻫﻨـﺎ ﻣﺤﺎﻭﻟﺘﻨـﺎ ﺗﺤﻠﻴـﻞ ﺍﻟـﺸﻌﻮﺭ ﺑﺎﳊـﺐّ ﻋﻨـﺪ ﺍﻟﻴﻮﻧـﺎﻥ ﻣﻬﻤـﺎ ﻳﻜـﻦ ﻫـﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﺤﻠﻴـﻞ
ﻣﺨﺘﺼﺮﺍً .ﻟﺴﻮﺀ ﺍﳊﻆّ ،ﻣﺎﺯﺍﻝ ﺗﺴﻮﺩ ﰲ ﺑﻠﺪﻱ ﻛﻤﺎ ﰲ ﺍﻟﺒﻠﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻌﻴـﺸﲔ ﻓﻴـﻪ ﻧﺰﻋـﺔ ﻣﺤﺎﻓﻈـﺔ
– ﺍﳌﺆﻟﻒ. ﺻﺎﺭﻣﺔ ﺣﺘّﻰ ﻻ ﺗﺪﻉ ﻫﺎﻣﺸﺎً ﻟﻠﻜﻼﻡ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﻛﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺃﻋﻤﻖ ﺍﳌﻮﺍﺿﻴﻊ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﱠﺔ.
-١١٤-
ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﳉﺪﻳﺪﺓ ﺑﲔ ﺍﳉﻨﺴﲔ ،ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺑﻔﻀﻠﻬﺎ ﻣﺜﻘﱢﻔﺔ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ .ﻭﳝﺜﱢﻞ
ﺩﺍﻧﺘﻲ ﺫﺭﻭﺗﻬﺎ .ﻭﻗﺪ ﻛُﺘﺐ ﻛﺘﺎﺏ "ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺍﳉﺪﻳﺪﺓ" ﺑﺸﻜﻞٍ ﻣﺮﺗﻌﺶٍ ﰲ ﻇﻞﱢ ﺍﻧﻔﻌﺎﻝ
ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﻹﺣﺴﺎﺳﻪ ﺃﻧﱠﻪ ﺳﻴﺘﺤﻮﱠﻝ ﺇﻟﻰ ﺭﺟﻞٍ ﺟﺪﻳﺪ ﺗﺤﺖ ﻭﻃﺄﺓ ﺇﺯﻣﻴﻞ ﺍﻷﻧﻮﺛﺔ
ﺍﻟﻼﻭﺍﻗﻌﻲ .ﻭﻛﺎﻥ ﺩﺍﻧﺘﻲ ﻳﺘﻄﻠﱠﻊ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﺍﻓﻘﺔ ﺑﻴﺎﺗﺮﻳﺲ ﻭﺭﺿﺎﻫﺎ ﻓﺤﺴﺐ .ﻫﺎ ﳓﻦ
ﻧﺮﺍﻫﺎ ﲤﺮﱡ ﺑﻌﻴﺪﺓً ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻭﺭﺗﻴﺒﺔ ﺍﳊﺮﻛﺎﺕ ﻗﻠﻴﻼً ﻭﺗﻘﻠﻴﺪﻳﱠﺔ .1ﻭﻛﺎﻥ ﻫﻢّ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺇﻥْ
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻴّﻴﻪ ﺃﻡ ﻻ ﺗﺤﻴّﻴﻪ .ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻴﺎﺗﺮﻳﺲ ﻣﺴﺘﺎﺀﺓ ﺗﺘﺤﺎﺷﻰ ﺗﺤﻴّﺘﻪ ،ﻓﻴﺮﺗﻌﺪ
ﺩﺍﻧﺘﻲ .ﻳﻘﻮﻝ ﳌﱠﺎ ﺭﺁﻫﺎ ﺃﻭﱠﻝ ﻣﺮّﺓ" :ﻟﻘﺪ ﺣﻴﱠﺘﻨﻲ ﺑﺎﺣﺘﺮﺍﻡ ﺣﺘﱠﻰ ﺑﺪﺍ ﻟﻲ ﺣﻴﻨﺌﺬٍ ﺃﻧّﻲ ﻟﻘﻴﺖ
ﻣﻔﺮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺴﱠﻌﺎﺩﺓ ﻛﻠّﻬﺎ".
“Mi Salutó vertuosamente che mi parve allora vedere tutti e termini
”della beatitudine
ﻭﰲ ﻳﻮﻡٍ ﺁﺧﺮ :ﻋﺮﻓﺖُ ﻣَﻦ ﻫﻲ ﺍﻟﺴﻴﺪﺓ ﺻﺎﺣﺒﺔ ﺍﻟﺘﺤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﺮﱠﻣﺖ ﺍﻟﻴﻮﻡ
ﻓﺤﻴﺘﻨﻲ" .ﻭﻣﻨﺬ ﺫﻟﻚ ﺍﳊﲔ ﻭﺩﺍﻧﺘﻲ ﻳﻌﻴﺶ ﺣﺰﻳﻨﺎً ﻳﺘﻤﻠﱠﻜﻪ "ﺍﻧﺘﻈﺎﺭ ﺍﻟﺘﺤﻴﱠﺔ
ﺍﻟﻌﺠﻴﺒﺔ" ﻓﻘﻂ.
ﻭﺗﺴﻴﻄﺮ ﺍﻟﻔﺘﺎﺓ ﺍﶈﺘﺮِﺳﺔ ﻋﻠﻰ ﻓﺘﻮّﺓ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﻬﺎﺋﺠﺔ ﺑﺘﺤﻴّﺘﻬﺎ ﻭﺻﺪﻭﺩﻫﺎ
ﺍﻟﺸﺒﻴﻬﲔ ﺑﻠﺠﺎﻣﲔ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﻈﻮﺭﻳﻦ ،ﻏﻴﺮ ﻣﻨﻈﻮﺭﻳﻦ ﻛﺨﻄﱠﻲ ﺍﻟﺬﱠﻧَﺐ ﺍﻟﻔﻠﻜﻴﱠﲔ .ﺑﺎﻟﻄﱠﺒﻊ،
ﻻ ﳝﻜﻦ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﱠﺓ ﺍﻟﺴﱠﺎﺣﺮﺓ ﺟﺪﱠﺍً ﻭﻏﻴﺮ ﺍﺴﱠﻤﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ،ﺃﻥ ﺗﺴﺘﻘﺮّ ﺇﻻ ﰲ ﺍﳌﺮﺃﺓ
ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻬﺬﱠﺑﺖ ،ﻭﻳﻘﻮﻝ ﺩﺍﻧﺘﻲ ﺑﻮﻋﻲ ﻛﺎﻣﻞ :ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﻭﺧﺎﻟﺼﺔ ﺍﻷﻧﻮﺛﺔ .ﻭﻳُﻠﺢّ ﺑﺈﺷﺎﺭﺓ
ﻣﻔﺮﻃﺔ ﻗﻠﻴﻼً ﺇﻟﻰ ﺍﺣﺘﻘﺎﺭ ﺍﳉﺴﺪ ،ﻋﻠﻰ ﺃﻧﱠﻪ ﺇﻥ ﺗﻜﻠﱠﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻴﻨﲔ ﺍﻟﻠﺘﲔ ﻫﻤﺎ ﻣﺒﺪﺃ
ﺍﳊﺐ ،sono principio de amoreﻭﻋﻦ ﺍﻟﻔﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﳊﺐّ ch' è fine de
""amore؛ ﻓﺈﻧﱠﻪ ﻳﺘﺤﺎﺷﻰ ﻛﻞّ ﺗﻔﻜﻴﺮ ﺳﻲﺀ" .ﺍﻧﺰﻉْ ﻋﻨﻚ ﻛﻞّ ﺗﻔﻜﻴﺮ ﻣﻌﻴﺐ .ﻭﺍﺫﻛﺮ ﻣﺎ
ﻗﺮﺃﺕ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺘﱠﺤﻴﱠﺔ ﺍﳌﻨﻄﻠﻘﺔ ﻣﻦ ﻓﻢ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻴﺪﺓ ﻛﺎﻧﺖ ﻏﺎﻳﺔ ﺭﻏﺒﺘﻲ ﻣﺎﺩﻣﺖ
ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺃﺗﻠﻘﱠﺎﻫﺎ ﻣﻨﻬﺎ".
) Prerrafaelista (١ﰲ ﺍﻷﺻــﻞ ﻭﺗﻌﻨــﻲ - ١ﻃﺮﻳﻘــﺔ ﺍﻟﺮﺳــﻢ ﺍﻟــﺴﺎﺋﺪﺓ ﻗﺒــﻞ ﺭﻓﺎﺋﻴــﻞ - ٢ .ﻃﺮﻳﻘــﺔ ﰲ
ﺍﻟﺮﺳﻢ ﺗﻘﻠّﺪ ﺍﻷﳕﺎﻁ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ - ٣ .ﺣﺮﻛﺔ ﻓﻨﻴﱠﺔ ﻭﺃﺩﺑﻴﱠﺔ ﻧﺸﺄﺕ ﰲ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴـﺎ ﰲ ﺍﻟﻘـﺮﻥ ١٩ﺗـﺪﻋﻮ
ﻟﻠﻌﻮﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺻﻮﻝ ﻭﺑﺪﺍﺋﻴﱠﺔ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ ﺍﻟﻮﺳﻄﻰ – .ﺍﳌﺘﺮﺟﻢ.
-١١٥-
ﻭﻳﻘﺎﻝ ﺇﻥﱠ ﺳﺎﻥ ﻓﺮﻧﺴﻴﺴﻜﻮ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻣﺪﱠﺓ ﺃﺳﺒﻮﻉ ﻛﺎﻣﻞ ﻣﻦ ﻏﻨﺎﺀ
ﺟﺪﺟﺪ .ﻭﻛﺎﻥ ﺩﺍﻧﺘﻲ ﻳﺴﺘﻤﺪّ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻢ ﻭﺍﻟﺒﺆﺑﺆ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺀ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﱠﺔ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺒﺴﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ
ﺗﺤﻴّﻴﻪ .ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒﺴﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﻈﻬﺮ ﻣﺮﱠﺍﺕٍ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﰲ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺩﺍﻧﺘﻲ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ،ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﻀﺤﻜﺔ ﺍﳌﺮﻏﻮﺏ ﻓﻴﻬﺎ ﻫﻲ ﺍﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺍﻟﻐﻮﻃﻴﱠﺔ goticaﺍﻟﺘﻲ ﺧﻠﱠﺪﺗﻬﺎ ﻋﺬﺍﺭﻯ ﺍﳊﺠﺮ
ﺍﻟﻘﺎﲤﺔ ﰲ ﻣﺪﺍﺧﻞ ﺍﻟﻜﺎﺗﺪﺭﺍﺋﻴﺎﺕ ﺍﻷﻭﺭﻭﺑﻴﱠﺔ.
Che dentro agli acchi suoi ardeva un riso
Tal ch'io co'miei tocar lo fondo
Della mia grazia e del mio paradiso
"ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻮﻫﱠﺞ ﰲ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﺴﻤﺔ ﺣﺘﱠﻰ ﻇﻨﻨﺖ ﺃﻧﻲ ﺃﻻﻣﺲُ ﺑﻌﻴﻨﻲّ ﻣﻨﺘﻬﻰ
ﺳﻌﺎﺩﺗﻲ ﻭﺟﻨﱠﺘﻲ ".ﻳﻘﻮﻝ ﺩﺍﻧﺘﻲ ﰲ ﺃﻭﺍﺧﺮ ﻋﻤﻠﻪ ﺍﳊﻲّ ﻣﺨﺘﺘﻤﺎً ﺍﻧﻔﻌﺎﻻﺗﻪ ﺍﻷﻭﱠﻟﻴﱠﺔ ﳌﱠﺎ
ﺑﺪﺃ ﺷﺎﺑﱠﺎً ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﳉﺪﻳﺪﺓ.
ﻟﻘﺪ ﺷﻐﻔﻨﻲ ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ ﻳﺎ ﺳﻴﱢﺪﺗﻲ ،ﻭﻟﻦ ﻳﻨﻘﻀﻲ ﺷﻐﻔﻲ ﺃﺑﺪﺍً .ﻟﻜﻦ ،ﺍﺳﻤﺤﻲ ﻟﻲ
ﺃﻻ ﺃﺿﻴﻊ ﺍﻟﻔﺮﺻﺔ ﻷﳋﱢﺺ ﺃﻓﻜﺎﺭﻱ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺮﱢﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﱠﺔ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﻴﻄﺖ
ﺑﺎﻷﻧﺜﻰ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﱠﺔ ﰲ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺦ .ﻭﺃﺭﺟﻮﻙ ،ﻗﺒﻞ ﻛﻞّ ﺷﻲﺀ ،ﺃﻻ ﻳﺜﻴﺮ ﻧﻔﻮﺭَﻙ ﺑﺸﻜﻞٍ ﺧﻄﻴﺮ
ﺟﻔﺎﺀُ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﻔﺮﺩﺓ :ﺃﻧﺜﻰ ﺑﺸﺮﻳﱠﺔ .ﻭﺁﻣﻞ ﻣﻦ ﺍﺗﺰﺍﻧﻚ ﺃﻥ ﻳﺨﻮﱢﻟﻨﻲ ﺳﺮﻳﻌﺎً ﺟﺪﱠﺍً ﺷﺮﻋﻴﱠﺔ
ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ ﻣﻌﺘﺮﻓﺎً ﺃﻧﱠﻬﺎ ﺿﺮﻭﺭﻳﱠﺔ ﻟﻲ.
ﺇﻥﱠ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﻷﻧﺜﻰ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﱠﺔ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺨﻴﱠﺔ ﺍﳊﻘﻴﻘﻴﱠﺔ ﺗﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻭﺿﻮﺡ
ﻟﻨﺴﻴﺎﻧﻨﺎ ﺃﻥﱠ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻟﻴﺴﺖ ﺍﻟﺰﱠﻭﺟﺔ ﻭﻻ ﻫﻲ ﺍﻷﻡ ﻭﻻ ﺍﻷﺧﺖ ﻭﻻ ﺍﻟﺒﻨﺖ .ﻭﻛﻞّ ﻫﺬﻩ
ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺭﻭﺍﺳﺐ ﺗﻀﻔﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻧﻮﺛﺔ ﺃﺷﻜﺎﻻً ﺗﺘﺒﻨﱠﺎﻫﺎ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺘﺨﻠﱠﻰ ﻋﻦ ﺃﻥ
ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻣﺮﺃﺓ ،ﺃﻭ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻻ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻣﺮﺃﺓ .ﻻ ﺷﻚّ ﰲ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﻈﻞﱡ ﻣﺒﺘﻮﺭﺍً ﺑﺸﻜﻞٍ
ﻣﺨﻴﻒ ﺇﻥ ﺃُﺑﻌﺪﺕ ﻣﻨﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺮﱡﻭﺣﻴﱠﺔ ﺍﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍﻟﺰﱠﻭﺟﺔ ﻭﺍﻷﻡّ ﻭﺍﻷﺧﺖ
ﻭﺍﻟﺒﻨﺖ ،ﺍﳌﻘﺪﱠﺭﺓ ﻭﺍﳌﻤﺘﺎﺯﺓ ﺟﺪﱠﺍً ﺣﺘﱠﻰ ﻳﺒﺪﻭ ﻣﺤﺎﻻً ﺃﻥ ﻳﻮﺟﺪ ﺷﻲﺀ ﻳﻔﻮﻗﻬﺎ .ﻟﻜﻦ ،ﻣﻦ
ﺍﻟﻀﱠﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇﻧﱠﻪ ﻻ ﺗﻜﺘﻤﻞ ﺑﻬﺎ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻷﻧﻮﺛﺔ ،ﻭﻫﻲ ﺃﺩﻧﻰ ﻭﺛﺎﻧﻮﻳﱠﺔ ﺇﺫﺍ ﻗﻮﺭﻧﺖ ﲟﺎ
ﻫﻲ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻭﻻ ﺷﻲﺀ ﺁﺧﺮ.
-١١٦-
ﻭﻛﻞّ ﻟﻘﺐ ﻣﻘﺪﱠﺱ ﻣﻦ ﺃﻟﻘﺎﺏ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻷﻧﺜﻮﻱ ﻫﺬﻩ ،ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺍﻵﺧﺮ،
ﻭﻳﺘﺤﺪﱠﺩ ﺑﻮﻇﻴﻔﺘﻪ ﺍﻟﻔﻌﱠﺎﻟﺔ .ﻭﻻ ﻳﺠﻬﻞ ﺃﺣﺪ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺍﻷﻡّ ﻭﺍﻟﺰﱠﻭﺟﺔ ﻭﺍﻷﺧﺖ ﻭﺍﻟﺒﻨﺖ.
ﻟﻜﻦ ﻻ ﻭﺟﻮﺩ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻋﻴﱠﺔ ﺍﳌﺆﺛّﺮﺓ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺍﻷﻧﺜﻰ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﱠﺔ ﻓﻮﻕ ﺫﻟﻚ –
ﺑﻞ ﻭﻗﺒﻞ ﺫﻟﻚ ﻛﻠّﻪ -ﺍﻣﺮﺃﺓ.
ﻟﻜﻦ ،ﻣﺎ ﻫﻲ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻏﻴﺮ ﺍﻣﺮﺃﺓ؟
ﺃﻧﺎ ﻻ ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺃﺟﻴﺐ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﱡﺆﺍﻝ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺃﺻﺤﱢﺢ ﺃﻭﱠﻻً ﻣﻌﻨﻰ
ﺍﳌُﺜُﻞ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ،ﺍﻟﺘﱠﻘﻠﻴﺪﻱّ .ﻓﻤﻨﺬ ﻣﺎﺋﺘﻲ ﻋﺎﻡ ،ﻳﺎ ﺳﻴﱢﺪﺗﻲ ،ﻭﻫﻢ ﻳﻜﻠﱢﻤﻮﻧﻨﺎ ﺑﺜﺒﺎﺕٍ ﻣﺮﻫﻖ ﻋﻦ
ﺍﳌﺜﺎﻟﻴﱠﺔ .ﻭﻫﺬﻩ ﺍﳌﻮﻋﻈﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻃﺎﳌﺎ ﺍﺳﺘﻌﻤﻠﻬﺎ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻭﺍﳌﺮﺑّﻮﻥ ﻋﻦ ﺍﳌُﺜﻞ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ –
ﻭﺍﻟﺘﱠﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﺃﻥﱠ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻟﻬﺎ ﻗﻴﻤﺔ ﻣﺎ ،ﺇﺫﺍ ﻭُﺿﻌﺖ ﰲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﳌُﺜُﻞ ﻓﻘﻂْ ،ﺃﻳﱠﺎً ﻳﻜﻦ
ﺟﺎﻧﺐ ﺍﳊﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺤﺘﻮﻳﻪ ،ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺗﺼﻮﱡﺭ ﺧﺎﻃﺊ ﻋﻤﱠﺎ ﻫﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﳌُﺜُﻞ ،ﻭﻛﺎﻧﺖ
ﻋﺎﺋﻘﺎً ﰲ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﺣﺘﱠﻰ ﺻﺎﺭ ﺿﺮﻭﺭﺓً ﻣﻠﺤﱠﺔً ﻧﻘﻀُﻬﺎ .ﻟﻘﺪ ﺟﺮﻯ ﻛﻼﻡ ﻛﺜﻴﺮ
ﻋﻦ ﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻷﻋﻠﻰ ،ﻭﻣﺜﺎﻝ ﺍﳊﻘﻴﻘﺔ ﺃﻭ ﺍﳉﻤﺎﻝ ﺍﻷﻋﻠﻰ؛ ﻟﻜﻦ ،ﻟﻢ ﻳﺴﺄﻝ ﺃﺣﺪٌ
ﻧﻔﺴَﻪُ ﻣﺎﺫﺍ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﺸﻲﺀٍ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻛﻴﻤﺎ ﻳﺼﺒﺢ ﻣﺜﺎﻻً ﺃﻋﻠﻰ .ﺇﺫْ ﻻ ﻳﻜﻔﻲ ﺍﻟﺜﱠﻨﺎﺀ ﺑﺸﻜﻞٍ
ﻣﺆﺛﱢﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺃﻭ ﺗﻠﻚ ﻛﻴﻤﺎ ﻧﻮﺿﱢﺢ ﻋﻤﻠﻬﺎ ﻛﻤﺜﺎﻝ .ﻓﻤﺜﺎﻝ ﺍﻷﻣﺲ ﻛﻒّ ﻋﻦ
ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻛﺬﻟﻚ ﰲ ﻧﻈﺮﻧﺎ .ﻭﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺦ ﺷﻬﺪ ﻣﺎﺋﺔ ﻣﺮﱠﺓ ﺩﺭﺍﻣﺎ ﻣﺜﺎﻝ ﺃﻋﻠﻰ ﻳُﻮﻟﺪ
ﻭﻳُﺜﻤﺮ ﰒﱠ ﳝﻮﺕ .ﻓﻜﻴﻒ ﳝﻜﻦ ﺫﻟﻚ ،ﺇﻥْ ﻟﻢ ﻳﺘﻐﻴﱠﺮ ﻣﺤﺘﻮﺍﻩ ﻭﺃﻫﻤﻴﱠﺘﻪ ﺍﳌﻮﺿﻮﻋﻴﱠﺔ؟
ﺑﺎﻟﻄﱠﺒﻊ ،ﺧﻄﺄ ﺃﻥ ﻧﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﳌُﺜﻞ ﰲ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻓﻘﻂ ﺑﻌﻴﺪﺍً ﻋﻦ ﺻﻠﺘﻬﺎ ﺑﻨﺎ .ﻓﻼ ﻳﻜﻔﻲ ﺃﻥ
ﻳﻜﻮﻥ ﺷﻲﺀ ﻛﺎﻣﻼً ﻛﻴﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺜﺎﻻً ﺃﻋﻠﻰ ﺑﺤﻖّ .ﻷﻥﱠ ﺍﳌﺜﺎﻝ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺣﻴﻮﻳﱠﺔ ﻭﺃﺩﺍﺓ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ
ﺑﲔ ﺃﺩﻭﺍﺕٍ ﺃﺧﺮﻯ ﻻ ﺗُﺤﺼﻰ .ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﲟﺴﺘﻄﺎﻉ ﻋﻠﻢ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﻭﺍﳉﻤﺎﻝ ﺃﻥ
ﻳﺤﺪﱢﺩﺍ ﰲ ﻛﻞﱢ ﳊﻈﺔ ﺍﻟﺼﱡﻮﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺤﻖّ ﺃﻥ ﺗﻌﻤﻞ ﻛﻤُﺜﻞ ،ﺃﻣﱠﺎ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﳌﺜﺎﻝ ﺫﺍﺗُﻬﺎ
ﻓﺈﻧﱠﻨﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﺘﻌﻠﱠﻤﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻓﺤﺴْﺐ.
ﻗﺪ ﻳُﻘﺎﻝ ﺇﻥﱠ ﺍﳌُﺜﻞ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻫﻲ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻭﻏﺮﻳﺒﺔ ﻋﻦ ﺍﳊﻴﺎﺓ ،ﻭﺇﻥﱠ ﻫﺬﻩ
ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺇﺫﺍ ﺍﺭﺗﻘﺖ ﺇﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﺈﻧﱠﻬﺎ ﺗﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻭﺗﺮﺗﻔﻊ ﻓﻮﻕ ﻣﺪﺍﺭﻫﺎ ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﻲ
ﺍﳌﺘﻮﺍﺿﻊ .ﻭﻻ ﻳُﺪﺭﻙ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﺒﱢﺬﻭﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﳋﻄﺄ ،ﺍﻟﻀﱠﺮَﺭَ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻠﺤﻘﻮﻧﻪ
ﲟﺜﺎﻟﻴﱠﺘﻬﻢ ﺫﺍﺗﻬﺎ .ﻷﻧﱠﻬﻢ ﻳُﻔﺴﺤﻮﻥ ﺍﺎﻝ ﻟﻼﻓﺘﺮﺍﺽ ﺃﻥﱠ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﳝﻜﻦ ﻟﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺆﺩّﻱ
-١١٧-
ﻭﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﺑﺬﺍﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺗﺪﺧﱡﻞ ﺍﳌﺜﻞ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ،ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﺜﻞ ﺍﻟﺪﻭﻻﺏَ
ﺍﳋﺎﻣﺲ ﰲ ﺍﻟﻌﺮﺑﺔ ﻭﺇﺿﺎﻓﺔً ﺷﺮﻓﻴﱠﺔ ﺑﻘﺪﺭِ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺳﻄﺤﻴﱠﺔ.
ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺣﺴﺐ ﺃﻥْ ﻻ ﻭﺟﻮﺩ ﻟﺸﻲﺀٍ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ .ﻓﺎﳊﻴﺎﺓ ،ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞّ ﻛﻞّ ﺣﻴﺎﺓ
ﺑﺸﺮﻳﱠﺔ ﻣُﺤﺎﻟﺔٌ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﺜﺎﻝٍ ﺃﻋﻠﻰ ،ﺃﻭ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺃﺧﺮﻯ ،ﺇﻥﱠ ﺍﳌﺜﺎﻝ ﻋﻀﻮ ﻣﻜﻮﱢﻥ
ﻣﻦ ﺃﻋﻀﺎﺀ ﺍﳊﻴﺎﺓ.
ﻭﻳﺒﻴﱢﻦ ﻋﻠﻢ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺍﳉﺪﻳﺪ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﻌﻀﻮﻳﱠﺔ ﺍﳊﻴﱠﺔ ﻻ ﺗﺘﻜﻮﱠﻥ ﻣﻦ ﺟﺴﻢ ﻓﺮﺩٍ ﻓﻘﻂ،
ﺃﻭ ﺇﺫﺍ ﻛﻨﱠﺎ ﺑﺼﺪﺩ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ،ﻣﻦ ﺟﺴﻤﻪ ﻭﻧﻔﺴﻪ؛ﺟﺴﻢ ﻭﻧﻔﺲ ،ﻭﻫﻤﺎ ﺟِﻤﺎﻉ ﺷﺨﺼﻨﺎ،
ﻟﻴﺴﺎ ﺳﻮﻯ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﻋﻀﺎﺀ ﺍﳌﺎﺩﻳﱠﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﻴﱠﺔ ،ﺑﺎﻟﺘﱠﺎﻟﻲ ،ﻫﻤﺎ ﻧﺴﻖ ﻣﻦ ﺍﻷﺟﻬﺰﺓ
ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺆﺩﻱ ﻭﻇﻴﻔﺘﻬﺎ .ﻭﺍﳊﻴﺎﺓ ﺗﻜﻤﻦ ﰲ ﻧﺴﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﺍﳉﺴﻤﻴﱠﺔ ﻭﺍﻟﻨﱠﻔﺴﻴﱠﺔ،
ﻭﻣﻦ ﻋﻤﻠﻴﱠﺎﺕ ﻭﺃﻧﺸﻄﺔ .ﻭﺗﺘﻮﺟﱠﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻧﺸﻄﺔ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﻭﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﶈﻴﻂ ﺑﻬﺎ ،ﻭﺗﺼﺐّ ﻓﻴﻪ .ﻓﺎﻟﻌﲔ ﺗﺮﻯ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﺍﳌﻨﻈﺮ ﻭﺍﻟﻴﺪ ﺗﺘﻘﺪﱠﻡ ﻛﻴﻤﺎ
ﺗﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ .ﻟﻜﻦ ،ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺧﻄﺄً ﺍﻻﻓﺘﺮﺍﺽُ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﶈﻴﻂ ﺑﻨﺎ ،ﻭﻣﺎ ﻧﺴﻤﱢﻴﻪ
ﺍﻟﻮﺳَﻂ ﻣﻮﺟﻮﺩٌ ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ﻛﻴﻤﺎ ﻳﺘﻠﻘﱠﻰ ﺃﻧﺸﻄﺘﻨﺎ ﻃﺒﻘﺎً ﻟﺘﺤﻘﱡﻘﻬﺎ .ﻭﻛﻞّ ﻳﻮﻡ ﻳﺼﺒﺢ ﺃﻛﺜﺮ
ﻭﺿﻮﺣﺎً ﺃﻥﱠ ﺃﻧﺸﻄﺔ ﺍﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﺣﺘﱠﻰ ﺃﻛﺜﺮﻫﺎ ﺃﻭﱠﻟﻴﱠﺔ ،ﻛﺎﻟﻐﺬﺍﺀ ،ﻻ ﺗﺆﺩّﻱ ﻭﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﺇﻥ ﻟﻢ
ﺗﻜﻦ ﻣﻨﺒﱠﻬﺔ .ﻓﺎﳌﻨﺒﱢﻪ ﺃﻭ ﺍﳊﺎﻓﺰ ﻫﻮ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮ ﺍﻷﻭﱠﻝ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻜﺎﺋﻦ ﺍﳊﻲّ .ﻭﻛﻞّ ﻣﺎ
ﻋﺪﺍﻩ ﻣﻘﻴﱠﺪ ﺑﻪ ﺣﺘﱠﻰ ﳝﻜﻨﻨﺎ ﺍﻟﻘﻮﻝ :ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻫﻲ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻨﺒﱠﻬﺔ .ﻓﺎﻟﻮﺳَﻂ ،ﺇﺫﺍً ،ﻫﻮ
ﻗﺒﻞ ﻛﻞّ ﺷﻲﺀ ﺁﺧﺮ ،ﻣﺨﺰﻥ ﺍﳊﻮﺍﻓﺰ ﻭﺗﺮﺳﺎﻧﺔ ﺍﳌﻨﺒّﻬﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻔّﺰ ﺑﻌﻤﻠﻬﺎ ﺍﳌﺘﻮﺍﺻﻞ
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻀﻮﻳﱠﺔ ﺍﻟﺴﻴﻞَ ﺍﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴﻜﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﳊﻴﺎﺓ .ﻭﻛﻞّ ﻧﻮﻉ ،ﺑﻞ ﻛﻞ ﻓﺮﺩٍ ،ﳝﺘﻠﻚ
ﻭﺳﻄﻪ ﺍﳋﺎﺹّ :ﻓﺎﻟﺪﺑّﻮﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻯ ﺑﻌﻴﻨﻴﻪ ﺫﺍﺗﻲ ﺍﻟﺴﺘﺔ ﺁﻻﻑ ﻭﺟﻪ ﺃﺷﻴﺎﺀَ ﺃﺧﺮﻯ
ﻻﻧﺮﺍﻫﺎ ﳓﻦ ،ﻟﻪ ﻭﺳﻂ ﺑﺼﺮﻱّ ﻣﺨﺘﻠﻒ ،ﺑﺎﻟﺘﱠﺎﻟﻲ ،ﻳﺘﻠﻘﱠﻰ ﻣﻨﺒّﻬﺎﺕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ.
ﻭﺗﺪﻟّﻨﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﻼﺣﻈﺔ ﺍﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﻟﻴﺲ ﺷﻴﺌﺎً ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻌﻀﻮﻳﱠﺔ
ﺍﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﱠﺔ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﻀﻮ ﻓﻴﻬﺎ ،ﺇﻧﱠﻪ ﻋﻀﻮ ﺍﻟﺘﱠﻨﺒﻴﻪ .ﻭﺇﺫﺍ ﻧُﻈﺮَ ﺇﻟﻰ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻫﻜﺬﺍ،
ﺑﺪﺕ ﻟﻨﺎ ﺣﻮﺍﺭﺍً ﻓﻌﱠﺎﻻً ﻣﻊ ﺍﶈﻴﻂ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻜﻮﻥ ﺷﺨﺼُﻨﺎ ﺃﺣﺪَ ﺍﳌﺘﺤﺎﻭﺭﻳﻦ ﻓﻴﻪ،
ﻭﺍﻟﺸﱠﺨﺺ ﺍﻵﺧﺮ ﻣﺎ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻨﺎ .ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻀﱠﻐﻂ ﺍﳉﻮﻱّ ﻭﺩﺭﺟﺔ ﺍﳊﺮﺍﺭﺓ
ﻭﺍﳉﻔﺎﻑ ﻭﺍﻟﻀﱡﻮﺀ ﺗﻨﺒّﻪ ﺃﻧﺸﻄﺘﻨﺎ ﺍﳉﺴﻤﻴﱠﺔ ﻭﺗﺜﻴﺮﻫﺎ ،ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻮﺟﺪ ﰲ ﺍﶈﻴﻂ ﺻﻮﺭ
ﻣﺠﺴﱠﻤﺔ ﺃﻭ ﺧﻴﺎﻟﻴﱠﺔ ﻭﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺇﻃﻼﻕ ﺃﻧﺸﻄﺘﻨﺎ ﺍﻟﺮﱡﻭﺣﻴﱠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﲡﺮﱡ
-١١٨-
ﻭﺭﺍﺀﻫﺎ ﺍﳉﻬﺎﺯ ﺍﻟﺒﺪﻧﻲّ .ﻭﻫﺬﻩ ﺍﳌﻨﺒّﻬﺎﺕ ﺍﻟﻨﱠﻔﺴﻴﱠﺔ ﻫﻲ ﺍﳌﺜﻞ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻻ ﺃﻛﺜﺮ ﻭﻻ ﺃﻗﻞّ.
ﻓﻠﺘﻜﻒّ ﺇﺫﺍً ،ﻫﺬﻩ ﺍﳌﻮﻋﻈﺔ ﺍﻟﻐﺎﻣﻀﺔ ﺍﳌﺪﺍﻫﻨﺔ ﺍﻟﺼﱡﻮﻓﻴﱠﺔ ﺍﳌﺰﻳﱠﻔﺔ ،ﻋﻦ ﺍﳌﺜﻞ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ.
ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ ،ﻫﻲ ﻣﺜﻞ ﻋﻠﻴﺎ ﲟﻘﺪﺍﺭ ﻣﺎ ﲡﺬﺏ ﺣﻴﻮﻳﺘﻨﺎ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﱠﺔ ﻭﺗﻨﺒّﻬﻬﺎ ،ﻫﻲ ﻧﻮﺍﺑﺾ
ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﱠﺔ ،ﻭﺻﻮﺍﻋﻖ ﻟﺘﻔﺠﻴﺮ ﺍﻟﻄﱠﺎﻗﺎﺕ .ﻭﻣﻦ ﺩﻭﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺆﺩّﻱ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻭﻇﻴﻔﺘﻬﺎ.
ﻭﻣﺤﻴﻄﻨﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻴﺲ ﻣﺴﻜﻮﻧﺎً ﺑﺄﺷﻴﺎﺀ ﻭﺍﻗﻌﻴﱠﺔ ﻓﻘﻂ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﺑﻮﺟﻮﻩٍ )ﺧﺎﺭﺝ ﺃﺭﺿﻴﱠﺔ(
ﻭﺣﺘﱠﻰ ﻣﺤﺎﻟﺔ ﺃﻳﻀﺎً ،ﻳﺤﺘﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻠﺔ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﺘﻨﻮﱡﻉ ﻣﻨﻬﺎ .ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺻﻐﻴﺮ
ﻭﻣﺘﻮﺍﺿﻊ ﺣﺘﱠﻰ ﻻ ﻧﺪﺭﻱ ﺑﻪ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً؛ ﻭﺑﻌﻀﻬﺎ ﺿﺨﻢ ﻭﺫﻭ ﺣﺠﻢ ﺗﺎﺭﻳﺨﻲ ﻳﺠﻌﻞ
ﻭﺟﻮﺩَﻧﺎ ﰲ ﺗﻮﺗّﺮ ﻛﺎﻣﻞ ،ﻭﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﻭﺟﻮﺩَ ﺷﻌﺐٍ ﻛﺎﻣﻞ ﻭﻋﺼﺮ ﺑﺄﺳﺮﻩ .ﻭﺇﺫﺍ ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ
ﻳﻘﺘﺼﺮ ﻋﺪﺩُ ﺍﳌﺜﻞ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﺜﻞ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ،ﻓﻼ ﺗﻮﺟﺪ ﻋﻘﺒﺔ ﰲ ﺍﻟﺘﺬﻛﱡﺮ ﺃﻥﱠ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ
ﻣﻦ ﺍﳌﺜﻞ ﻟﻴﺲ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻜِﺒﺮ ﻭﻻ ﺑﺴﺒﺐ ﺃﻫﻤﻴّﺘﻬﺎ ﺍﳌﻮﺿﻮﻋﻴﱠﺔ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﳌﺎ
ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻣُﺸﺘَﺮَﻙ ﻣﻊ ﺃﺻﻐﺮ ﺣﻮﺍﻓﺰ ﺍﳊﻴﺎﺓ :ﻛﺎﻻﻓﺘﺘﺎﻥ ،ﻭﺍﳉﺎﺫﺑﻴﱠﺔ ﻭﺍﻹﺛﺎﺭﺓ ﻭﺇﻃﻼﻕ
ﻗﻮﺍﻧﺎ .ﻭﺍﳌﺜﺎﻝ ﻋﻀﻮ ﰲ ﻛﻞّ ﺣﻴﺎﺓ ﻣﻜﻠﱠﻒ ﺑﺘﻨﺒﻴﻬﻬﺎ .ﻭﺍﳊﻴﺎﺓ ﻛﻤﺎ ﺍﻟﻔﺮﺳﺎﻥ ﺍﻟﻘﺪﻣﺎﺀ،
ﺳﻴّﺪﺓ ﺗﺴﺘﻌﻤﻞ ﻣﻬﺎﻣﻴﺰ .ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﻭﺍﺟﺒﺎً ﻋﻠﻰ ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻛﻞّ ﻛﺎﺋﻦ ﺃﻥ ﺗﺤﻠﱢﻞ ﻟﻴﺲ
ﺟﺴﻤﻪ ﻭﻧﻔﺴﻪ ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﺃﻥ ﺗﻜﺘﺸﻒ ﺃﻳﻀﺎً ﻻﺋﺤﺔ ﻣﺜﻠﻪ .ﻭﳓﻦ ﻧﻌﺎﻧﻲ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺗﺪﻫﻮﺭﺍً
ﻻﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﻣﺮﺽٍ ﰲ ﺟﺴﻤﻨﺎ ﻭﻻ ﰲ ﻧﻔﺴﻨﺎ ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻣﻦ ﺳﻮﺀ ﰲ ﺻﺤّﺔ ﻣﺜﻠﻨﺎ.
ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻧﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﱠﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﺘﱠﺎﻟﻴﺔ :ﻟﻜﻲ ﻳﻜﻮﻥ ﺷﻲﺀ ﻣﺎ ﻣﺜﺎﻻً ﻻ ﻳﻜﻔﻲ ﺃﻥ ﻳﺒﺪﻭ
ﺟﺪﻳﺮﺍً ﺑﺄﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻛﺬﻟﻚ ﻷﺳﺒﺎﺏ ﺧﻠﻘﻴﱠﺔ ﺃﻭ ﺫﻭﻗﻴﱠﺔ ﺃﻭ ﻋُﺮْﻓﻴﱠﺔ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻻ ﺑﺪﱠ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺃﻥ
ﳝﺘﻠﻚ ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓَ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴّﺤﺮ ،ﻭﺟﺬﺏ ﺃﻋﺼﺎﺑﻨﺎ ،ﻭﻳﺘﻐﻠﻐﻞ ﺗﻐﻠﻐﻼً ﻛﺎﻣﻼً
ﰲ ﺣﺴﺎﺳﻴّﺘﻨﺎ .ﻭﺇﻣﱠﺎ ﻻ ،ﻓﺴﻮﻑ ﻳﻜﻮﻥ ﺷﺒﺢَ ﻣﺜﺎﻝ ،ﺃﻭ ﻣﺜﺎﻻً ﻣﺸﻠﻮﻻً ﻋﺎﺟﺰﺍً ﻋﻦ ﺷﺪﱢ
ﻗﻮﺱ ﺍﳊﺎﻓﺰ .ﻟﻘﺪ ﺍﻧﺼﺐﱠ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﺣﺘﱠﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ،ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪ ﻭﺟﻬﻲ ﺍﳌﺜﺎﻝ ،ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻄﻞّ
ﻋﻠﻰ ﺍﳌﻄﻠﻖ ،ﻭﻧُﺴﻲ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻵﺧﺮ ،ﺫﺍﻙ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺠﻪ ﳓﻮ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺘﱠﻨﻈﻴﻢ ﺍﳊﻴﻮﻱ.
ﻭﳓﻦ ﻧﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﺍﳉﺬﱠﺍﺑﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﺎﻫﻴﱠﺔ ﺍﳌﺜﺎﻝ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ
ﺍﺑﺘﺬﺍﻻً ،ﺃﻱ ﻛﻠﻤﺔ "ﺃﺣﻼﻡ".
ﻭﺍﻵﻥ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﳒﻴﺐ ﺑﺴﺮﻭﺭٍ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺴﱠﺎﺑﻖ .ﻓﻮﻇﻴﻔﺔ ﺍﳌﺮﺃﺓ ،ﺇﺫﺍ ﻟﻢ
ﺗﻜﻦ ﻏﻴﺮ ﺍﻣﺮﺃﺓ ،ﻫﻲ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻣﺜﺎﻝَ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮ ﺍﶈﺪﱠﺩ )"ﻓﺘﻨﺔً" ﻭ "ﺣﻠﻤﺎً"( ﻻ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ،
ﻭﻻ ﺃﻗﻞّ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺃﻳﻀﺎً .ﺇﺫ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺃﻥ ﻳﺤﺐّ ﺑﺤﻤﺎﺱ ﻣﻔﺮﻁٍ ﺍﻷﻡّ ﻭﺍﻟﺰﱠﻭﺟﺔ
-١١٩-
ﻭﺍﻟﺒﻨﺖ ﺃﻭ ﺍﻷﺧﺖ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﰲ ﺷﻌﻮﺭﻩ ﺃﺩﻧﻰ ﻧﻐﻤﺔ ﻣﻦ ﺍﳊﻠﻢ .ﻭﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻋﻠﻰ
ﻋﻜﺲ ﺫﻟﻚ ،ﺃﻥ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺣﺎﳌﺎً ﻣﻔﺘﻮﻧﺎً ﻣﻨﺠﺬﺑﺎً ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺸﻲﺀ ﻣﻦ
ﻫﺬﺍ ﳑﱠﺎ ﻧﺴﻤّﻴﻪ ﺑﺪﻗّﺔ ﺣﺒﱠﺎً ﺑﻨﻮﻳﱠﺎً ،ﻭﺃﺑﻮﻳﱠﺎً ﻭﺯﻭﺟﻴﱠﺎً ﺃﻭﺃﺧﻮﻳﱠﺎً .ﻭﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﳝﻴﱢﺰﻥَ ﺑﺤﺪﺱ
ﺣﺎﺩّ ﲤﻴﻴﺰﺍً ﻛﺎﻣﻼً ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻠّﻮﻳﻦَ ﻣﻦ ﺍﳊﻠﻢ ﻣﺘﻰ ﻭُﺟﺪ ﰲ ﺍﻻﻧﻔﻌﺎﻻﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺚﱡ؛
ﻭﻳﺸﻌﺮﻥ ﺣﻴﻨﺌﺬٍ ﻓﻘﻂ ﰲ ﺳﺮّﻫﻦ ﺃﻧﱠﻬﻦّ ﻣﺴﺮﻭﺭﺍﺕ ﺭﺍﺿﻴﺎﺕ .ﻛﺎﻥ ﺧﻮﺳِﻪ ﺩﻳﻜﺎﻣﺒﻮ J.
،de Campoﻭﻫﻮ ﻛﺎﺗﺐ ﺇﺳﺒﺎﻧﻲّ ﺫﻛﻲّ ﰲ ﺃﻭﺍﺧﺮ ﺍﻟﻘﺮﻥ ،١٨ﻳﻘﻮﻝ" :ﺇﻥﱠ ﺷﻴﺌﺎً ﻭﺍﺣﺪﺍً
ﻓﻘﻂ ﳝﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﳝﻸ ﻣﻠﺌﺎً ﻛﺎﻣﻼً ﻗﻠﺐ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ،ﻭﻫﻮ ﻗﻠﺐ ﺍﳌﺮﺃﺓ".
ﺇﺫﺍً ،ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﲟﻘﺪﺍﺭ ﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﺘﻨﺔ )ﺳﺤﺮﺍً( ﺃﻭ ﻣﺜﺎﻻً .ﺇﺫْ ﳝﻜﻦ ﻷﻡّ
ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺜﺎﻻً ﻟﻸﻡّ ،ﻟﻜﻦﱠ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺃﻣﱠﺎً ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺜﺎﻻً ﺃﻋﻠﻰ .ﻭﺃﻟﻘﺎﺏ
ﺍﻷﻧﺜﻰ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﱠﺔ ﺍﳌﺘﻨﻮﱢﻋﺔ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔٌ ﺑﻮﺿﻮﺡ ،ﻭﺗﺘﺒﻊ ﻛﻼً ﻣﻨﻬﺎ ﺟﻤﻠﺔٌ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ
ﻭﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻞ .ﻭﳝﻜﻦ ﻟﻠﺰﱠﻭﺟﺔ ﻭﺍﻷﻡ ﻭﺍﻷﺧﺖ ﻭﺍﻟﺒﻨﺖ ﺃﻥ ﺗﻜﻦﱠ ﻛﺎﻣﻼﺕٍ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ
ﳝﺘﻠﻜﻦ ﻛﻤﺎﻝ ﺍﳌﺮﺃﺓ ،ﻭﺍﻟﻌﻜﺲ ﺻﺤﻴﺢ.
ﻭﻳُﻼﺣَﻆ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﺃﻥﱠ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﺴﺎﺣﺮﺓ ﻫﻲ ﺍﳌﺒﺪﺃ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻌﻞ
ﺑﻘﻴﱠﺔ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻷﻧﻮﺛﺔ ﳑﻜﻨﺔ .ﻭﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﻔﺘِﻦِ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞَ ﻻ ﻳﺨﺘﺎﺭﻫﺎ ﻟﻴﺠﻌﻞ ﻣﻨﻬﺎ
ﺯﻭﺟﺔً ﺳﺘﻜﻮﻥ ﺃﻡﱠ ﺑﻨﺎﺗﻪ ﺃﺧﻮﺍﺕ ﺃﺑﻨﺎﺋﻪ .ﻭﻛﻞّ ﺷﻲﺀ ﻳﻨﺸﺄ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﺴّﺤﺮﻳﱠﺔ
ﻋﻠﻰ ﺇﺛﺎﺭﺓ ﺍﻻﻓﺘﺘﺎﻥ.
ﳌﱠﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﳉﻨﺮﺍﻝ ﺍﻟﺮّﻭﻣﺎﻧﻲ ﻳﺴﻬﺮ ﻣﺴﻬّﺪﺍً ﻛﺌﻴﺒﺎً ﰲ ﺣﺼﻨﻪ ﺗﺤﺖ ﺧﻔﻖ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ
ﺍﻟﻐﺎﻣﺾ ،ﲤﺜﱠﻠﺖ ﻟﻪ –ﺣﺴﺐ ﺷﺎﺗﻮﺑﺮﻳﺎﻥ ﰲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﺸﱡﻬﺪﺍﺀ -ﺑﻴﻠﻴﺪﺍ ﺍﻟﻌﺮﱠﺍﻓﺔُ ﺍﳉﻤﻴﻠﺔ
ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺒّﻪ ،ﺷﺒﺤﺎً ﺇﺛﻴﺮﻳﱠﺎً ﺑﻨﺎﺻﻴﺘﻬﺎ ﺍﻟﻄﱠﻮﻳﻠﺔ ﺍﻟﺸﱠﻘﺮﺍﺀ ،ﻭﺍﳌﻨﺠﻞ ﺍﻟﺬﱠﻫﺒﻲ
ﺍﻟﻄﱠﻘﺴﻲ ﺑﲔ ﺛﺪﻳﻴﻬﺎ ،ﻭﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ :ﺃﺗﻌﻠﻢ ﺃﻧّﻲ ﺟﻨّﻴﱠﺔ؟ .sais-tu que je suis feéﺇﺫﺍً،
ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻠﻤﺮﺃﺓ ﺃﻥ ﺗﺒﺪﻭ ﻟﻠﺮﱠﺟﻞ ،ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﺁﺧﺮ ،ﻣﺜﻞ ﺑﻴﻠﻴﺪﺍ ،ﺟﻨّﻴّﺔ
ﻭﻣﺎﻫﻴﱠﺔ ﺳﺤﺮﻳﱠﺔ .ﻭﺍﳊﻠﻢ ﳝﻜﻦ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﺶ ﳊﻈﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ،ﺃﻭ ﺃﻻ ﳝﻮﺕ ﺃﺑﺪﺍً:
ﻭﺳﻮﺍﺀ ﺃﻛﺎﻥ ﻗﺼﻴﺮ ﺍﻟﻌﻤﺮ ،ﺃﻡ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻓﻬﻮ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﺘﺆﺛّﺮ ﺍﳌﺮﺃﺓُ ﺑﻪ ﺃﻋﻈﻢ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﳝﺜُﻞ ﻟﻬﺎ.
ﻭﺇﻧﱠﻪ ﻷﻣﺮ ﻻ ﻳﺼﺪﱠﻕ ﺃﻥ ﺗﻮﺟﺪ ﺃﺫﻫﺎﻥ ﻋُﻤﻲ ﺇﻟﻰ ﺣﺪﱟ ﺗﻘﺒﻞ ﺃﻥﱠ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﳝﻜﻦ ﺃﻥ
ﺗﺆﺛّﺮ ﰲ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺦ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍﻟﺘﱠﺼﻮﻳﺖ ﺍﻻﻧﺘﺨﺎﺑﻲّ ﺃﻭ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﺪّﻛﺘﻮﺭﺍﻩ ﺍﳉﺎﻣﻌﻴﱠﺔ ﻛﻤﺎ
-١٢٠-
ﺗﺆﺛﺮ ﺑﻘﻮﺓ ﺍﳊﻠﻢ ﺍﻟﺴﺤﺮﻳّﺔ ﻫﺬﻩ .ﻭﺇﺫْ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺸﺮﻁ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻗﻮﺓ ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﱠﺔ
ﻣﻮﺛﻮﻗﺔ ﻭﻓﻌﱠﺎﻟﺔ ﻛﻬﺬﻩ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﲤﺘﻠﻜﻬﺎ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻟﺘﺠﺬﺏَ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﻘﺪ ﺟﻌﻠﺖ
ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺃﻗﻮﻯ ﺃﺩﺍﺓ ﻟﻼﺻﻄﻔﺎﺀ ،ﻭﻗﻮﺓً ﺭﺍﻗﻴﺔً ﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻨﱠﻮﻉ ﻭﺗﻜﻤﻴﻠﻪ.
ﻭﺍﻟﻄﺮﻳﻒ ﺃﻥ ﺗﻈﻬﺮ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﰲ ﺑﺪﺍﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻷﻭﺭﻭﺑﻲ ﰲ ﺍﻟﻨﺸﻴﺪ ﺍﻷﻭﱠﻝ ﻣﻦ
ﺍﻹﻟﻴﺎﺫﺓ ﺟﺎﺋﺰﺓً ﳌﻦ ﻳﻐﻠِﺐ ﰲ ﺍﻷﻟﻌﺎﺏ ﺃﻭ ﰲ ﺍﳊﺮﺏ .ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻷﺟﻤﻞ ﻟﻠﺮﺟﻞ ﺍﻷﻣﻬﺮ
ﻭﺍﻷﻗﻮﻯ ،ﺣﺘﱠﻰ ﺃﻧﱠﻨﺎ ﳒﺪ ﺍﻟﺬﻛﻮﺭ ،ﻣﻦ ﺛَﻢﱠ ،ﻳﺘﻄﻠﱠﻌﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻏﺰﻭ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻣﻨﺎﻓَﺴَﺔً ﻭﻣﺒﺎﺭﺯَﺓً.
ﻭﰲ ﻭﻗﺖٍ ﻻﺣﻖ ،ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺟﺎﺋﺰﺓً ﺗُﻤﻨﺢ ﻟﻸﻓﻀﻞ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻫﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻜﻠﱠﻔﺔ ﺃﻥ ﺗﺤﻜﻢ
ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻫﻮ ﺍﻷﺻﻠﺢ ﻭﺗﻔﻀﱢﻞ ﺍﻟﻔﺎﺋﺰ .ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﱠﺔ ﻣﺒﺎﺭﺍﺓ ﻣﺴﺘﻤﺮﱠﺓ
ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﺑﲔ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﻟﻘﻴﺎﺱ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺗﻬﻢ ﺑﻨﻴّﺔ ﺃﻥ ﺗﻔﻀّﻠﻬﻦﱠ ﺍﳌﺮﺃﺓ .ﻭﺗﺴﻤﺢ ﺍﻟﻌﺎﺩﺍﺕ
ﺑﺸﺪﱠﺓ ﻧﻮﻋﻴﺔ ﺧﺎﺻّﺔ ﰲ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ ﺍﻷﺧﺼﺐ ﻭﺍﻷﻣﺠﺪ –ﺍﻟﻘﺮﻥ -١٣ﻭﺍﻟﻨﱠﻬﻀﺔ ﻭﺍﻟﻘﺮﻥ
-١٨ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ :ﺣﻜﱠﺎﻡ ﺍﻣﺘﻴﺎﺯ .juges des méritesﻟﻜﻦ،
ﻳُﻌﺘﺮﺽ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥﱠ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻻ ﺗﺨﺘﺎﺭ ﺍﻷﻓﻀﻞ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻣﺎ ﻳﺒﺪﻭ ﻟﻬﺎ ﺃﻧﱠﻪ ﺍﻷﻓﻀﻞ ،ﺗﻔﻀﱢﻞ
ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺮﻯ ﻣﺠﺴﱠﺪﺍً ﻓﻴﻪ ﻣﺜﺎﻝَ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮ ﺍﻷﻋﻠﻰ .ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﳊﺎﻝ ،ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ.
ﻓﺎﳌﺜﺎﻝ ،ﺃﻭ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻴﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﲤﺘﻠﻜﻬﺎ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ،ﺗﻌﻤﻞ ﻛﺠﻬﺎﺯ ﺍﺻﻄﻔﺎﺀ
ﰲ ﺟﻤﻬﻮﺭ ﺍﻟﺬﻛﻮﺭ ﻭﺗُﺒﺮﺯ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻄﺎﺑﻘﻮﻥ ﻣﻌﻬﺎ .ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﱡﻮﺭﺓ ﺗﺤﺪﻳﺪﺍً،
ﺃﺳﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﰲ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻨﻪ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﳌُﺜﻞ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮﻳﱠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺑﺪﻋﺘﻬﺎ
ﺍﳌﺮﺃﺓ .ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻗﺮﱠﺭﺕ ﺳﻴﺪﺍﺕ ﺍﻟﺒﺮﻭﻓﺎﻧﺲ provenceﺃﻥﱠ ﻣﻦ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ
prouﻭ ) courtoisﺃﻱ ،ﺷﺠﺎﻋﺎً ﻭﻣﻬﺬﱠﺑﺎً( .ﺑﻄﻮﻟﺔ ﻭﺗﻬﺬﻳﺐ! ﻟﻘﺪ ﺧَﻠﻘﻦَ ﻣﺜﺎﻝ
"ﺍﻟﻔﺮﻭﺳﻴﱠﺔ" ﺍﻟﺬﻱ ﻇﻞﱠ ﻭﺇﻥ ﺍﳓﻂﱠ ﻭﺗﻬﺎﻓﺖ ،ﻳﺸﻜﻞ ﻟﺐﱠ ﺍﺘﻤﻊ ﺍﻷﻭﺭﻭﺑﻲّ.
ﰲ ﻛﻞﱢ ﺟﻴﻞ ﻳُﻔﻀﱠﻞ ﺍﻟﺬﻛﻮﺭ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻄﺎﺑﻘﻮﻥ ﻣﻊ ﺍﳌﺜﺎﻝ ﺍﻷﻋﻢّ ﺍﻟﺴﱠﺎﺋﺪ ﺑﲔ
ﻓﺘﻴﺎﺕ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺼﺮ :ﻓﻬﻢ ﻳﻨﺸﺌﻮﻥ ﺍﻟﺒﻴﻮﺕ ﺍﻷﳒﺢ ﻭﺍﻷﺳﻌﺪ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺮﺑﱠﻰ ﺧﻴﺮ ﺍﻷﺑﻨﺎﺀ
ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﻘﻠﻮﻥ ،ﻭﻗﺪ ﺗﺄﺛﱠﺮﻭﺍ ﺑﻨﻔﻮﺱ ﺁﺑﺎﺋﻬﻢ ﺍﳌﺘﺠﺎﻧﺴﺔ ﻷﺟﻴﺎﻝٍ ﻣﺘﻌﺎﻗﺒﺔ ﻣﻌﻴﺎﺭﺍً ﻭﻭﺿﻌﺎً
ﻣﻌﻴﱠﻨﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﱠﺔ.
ﻓﻤﺎﺫﺍ ﻧﺼﻨﻊ ﻟﻚِ ،ﻳﺎ ﺳﻴﱢﺪﺗﻲ! ﻫﻜﺬﺍ ﻫﻲ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻣﺪﻫﺸﺔ ﻭﻣﻸﻯ ﺑﺪﺭﻭﺏ ﻟﻢ
ﻳﺨﻤّﻨﻬﺎ ﺃﺣﺪ! ﺍﻧﻈﺮﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﳊﻠﻢ ﺍﻟﻼﻣﻠﻤﻮﺱ ﻭﺍﻟﺴﱠﻴﱠﺎﻝ ﻭﺍﻷﺛﻴﺮﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺤﻠﻢ ﺑﻪ
ﺍﻟﻌﺬﺍﺭﻯ ﰲ ﺣﺠﺮﺍﺗﻬﻦّ ،ﻭﻛﻴﻒ ﻳﻄﺒﻊ ﺃﺛﺮﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ ﺑﺸﻜﻞٍ ﺃﻋﻤﻖ ﳑﱠﺎ ﻳﻄﺒﻌﻪ
-١٢١-
ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻮﻻﺫ ﻗﻮﱠﺍﺩ ﺍﳉﻴﻮﺵ! ﻭﻣﺎ ﺗﻨﺴﺠﻪ ﺍﻟﻴﺎﻓﻌﺎﺕ ﰲ ﻋﻤﻖ ﺧﻴﺎﻟﻬﻦّ ﻣﻨﻜﻔﺌﺎﺕٍ ﻋﻠﻰ
ﻧﻔﻮﺳﻬﻦّ ،ﻳُﻨﺎﻁ ﺑﻪ ﺍﻻﻧﻌﻄﺎﻑ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﱠﺨﺬﻩ ﰲ ﺟﺎﻧﺐٍ ﻛﺒﻴﺮٍ ﻣﻨﻪ ،ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺦ ﺿﻤﻦ ﻗﺮﻥٍ
ﻭﺍﺣﺪ .ﻭﻟﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﺷﻜﺴﺒﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺍﺏ :ﺇﻥﱠ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺣﺒﻜﺔِ ﺃﺣﻼﻣﻨﺎ.
ﺃﻧﺎ ﻻ ﺃﺭﻳﺪ ،ﻳﺎ ﺳﻴﱢﺪﺗﻲ ،ﺃﻥ ﺃﺗﱠﺨﺬ ﰲ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﻨﺎﺳﺒﺔ ﻣﻮﺍﻗﻒ ﻣﻦ ﺍﳊﺮﻛﺔ
ﺍﻟﻨﺴﻮﻳﱠﺔ ﺍﳌﻌﺎﺻﺮﺓ .ﻭﻟﺮﺑﱠﻤﺎ ﺑﺪﺕ ﻟﻲ ﺗﻄﻠﱡﻌﺎﺗﻬﺎ ﺍﳌﻌﻴﱠﻨﺔ ﺟﺪﻳﺮﺓ ﺑﺎﻻﺣﺘﺮﺍﻡ ﻭﺍﻟﺘﺸﺠﻴﻊ.
ﻟﻜﻨﱢﻲ ،ﻧﻌﻢ ،ﺃﺟﺮﺅ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇﻥﱠ ﻛﻞّ ﺣﺮﻛﺔ ﻧﺴﺎﺋﻴﱠﺔ ﺗﺪﻉ ﺍﳌﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ
ﺗُﻤﺲّ ،ﻫﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﺳﻄﺤﻴﱠﺔ ﻭﺇﻥْ ﺗﻜﻦ ﻧﺎﺟﺤﺔ .ﺇﻧﱠﻬﺎ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺆﺛﺮ ﺑﻬﺎ ﺍﻷﻧﻮﺛﺔ ﰲ
ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺦ ،ﻭﺇﻥﱠ ﻧﻘﺼﺎً ﰲ ﺍﻻﺣﺘﻴﺎﻁ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱّ ﻳﻘﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻓﻌﺎﻟﻴﱠﺔ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﰲ
ﺃﺷﻜﺎﻝٍ ﺷﺒﻴﻬﺔٍ ﺑﺎﻷﺷﻜﺎﻝ ﺍﳋﺎﺻﱠﺔ ﺑﻌﻤﻞ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮ .ﻭﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻄﱠﺮﻳﻘﺔ ﺳﻨﻌﺜﺮ ﺑﺎﻟﻄﱠﺒﻊ ﻋﻠﻰ
ﻣﺎ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ.
ﻭﻧﻨﺴﻰ ﺃﻥﱠ ﻛﻞّ ﻛﺎﺋﻦ ﳝﺘﻠﻚ ﺻﻨﻔﺎً ﻣﻌﻴﱠﻨﺎً ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ،ﻭﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬّﻫﻦ
ﺍﻟﻴﻘﻆ ﺃﻥ ﻳﻌﺮﻑ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻋﻨﻬﺎ.
ﻟﻘﺪ ﺳﺄﻝ ﺍﳌﺴﺮﺣﻲّ ﺍﻟﻌﺒﻘﺮﻱّ ﻫﻴﺒّﻞ Hebbelﻧﻔﺴﻪ ﺇﻥْ ﻛﺎﻥَ ﳑﻜﻨﺎً ﺗﺄﻟﻴﻒُ
ﺗﺮﺍﺟﻴﺪﻳﱠﺎﺕ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻄﻠﻬﺎ ﺃﻧﺜﻮﻳﱠﺎً .ﻷﻥﱠ ﺍﻟﺒﻄﻮﻟﺔ ﺗﺒﺪﻭ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺸﺎﻁ ﻓﻴﱠﺎﺽ
ﻻﻳﺘﻮﺍﻓﻖ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ﻣﻊ ﻭﺿﻊ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲّ .ﻭﳌﱠﺎ ﺣﻠﱠﻞَ ﻭﺍﻗﻌﺔ ﺟﻮﺩﻳﺚ judithﺍﻷﺭﻣﻠﺔ
ﺍﻟﻌﺬﺭﺍﺀ ،ﻭﺟﺪ ﺃﻧﱠﻬﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻏﺎﻣﺮﺕ ﺑﺪﺧﻮﻝ ﺧﻴﻤﺔ ﻫﻮﻟﻮﻓِﺮْﻧِﺲ ،Holofernesﻓﻘﺪ
ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺇﻋﺠﺎﺑﺎً ﺑﺎﶈﺎﺭﺏ ﺍﻟﺸﱡﺠﺎﻉ ﻭﺗﺤﻤﱡﺴﺎً ﻟﻪ؛ ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺰﱠﺕ ﺭﺃﺳﻪ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ،
ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺁﻟﻴﱠﺔ ﻟﻠﺒﻐﺾ ﺃﻭ ﻟﻠﺤﻘﺪ ﳌﺎ ﺷﻌﺮﺕ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻣﺬﻟﱠﺔ ﻣﻬﺎﻧﺔ.
ﻓﺒﻄﻮﻟﺘﻬﺎ ﺗُﺸﺒﻪ ﺍﻟﺒﻄﻮﻟﺔ ﺇﺫﺍ ﻧُﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ .ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺴﻴﺠﺎً ﻣﻜﻮﱠﻧﺎً ﻣﻦ
ﺭﺩﻭﺩ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﻭﺣﺎﻻﺕ ﺍﻟﻀﱠﻌﻒ؛ ﻭﻟﺘﺼﺤﻴﺢ ﻫﺬﻩ ﺍﶈﺎﻭﻟﺔ ،ﻋﺪﱠﻝ ﻫﻴﺒّﻞ ﰲ ﻣﺴﺮﺣﻴّﺔ
ﺟﻴﻨﻮﻓﻴﻴﻒ ﺩﻩ ﺑﺮﺍﺑﺎﻧﺖ j.de Brabanteﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺼﻨﻊ ﺷﻴﺌﺎً ﺳﻮﻯ ﺍﳌﻌﺎﻧﺎﺓ ﻭﺍﻷﻟﻢ
ﺧﺎﻟﻘﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﺭﻣﺰ ﺑﻄﻮﻟﺔ ﺳﻠﺒﻴﱠﺔ ﺑﺎﳌﻌﻨﻰ ﺍﳋﺎﺹ ﺣﻴﺚ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﲟﺎﻫﻴﱠﺘﻪ ﺳﻠﺒﺎً
ﻭﻣﻌﺎﻧﺎﺓ Durch dulden tu؛ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﰲ ﺍﳌﻌﺎﻧﺎﺓ .ﻫﺬﻱ ﻫﻲ ﺻﻴﺎﻏﺘﻪ ﻟﻠﺪﱠﻋﻮﻯ ﺍﻷﻧﺜﻮﻳﱠﺔ.
ﻭﻳﺒﺪﻭ ﻟﻲ ﺣﻞّ ﻫﻴﺒّﻞ ﻟﻠﻤﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻃﺮﺣﻬﺎ ﺑﺪﻗّﺔ ،ﻣﻔﺮﻃﺎً .ﻳﻘﻴﻨﺎً ﺃﻥﱠ ﻣﺼﻴﺮ
ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻟﻴﺲ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ؛ ﻟﻜﻦ ،ﺑﲔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﻭﺍﳌﻌﺎﻧﺎﺓ ﻳﻮﺟﺪ ﺷﻜﻞ ﻭﺳﻂ ﻫﻮ:
ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﺔ ﺃﻭ ﺍﳌﺎﻫﻴﺔ.
-١٢٢-
ﻛﻞّ ﺭﺟﻞ ﺫﻭ ﺣﺴﺎﺳﻴﱠﺔ ﻭﻣﺘﱠﺰﻥ ﺟﻴﱢﺪﺍً ﻋﺎﻧﻰ ﻗﺮﺏ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺍﻻﻧﻄﺒﺎﻉ ﺃﻧﱠﻪ ﻳﺠﺪ
ﻧﻔﺴﻪ ﺃﻣﺎﻡ ﺷﻲﺀ ﻋﺠﻴﺐ ﻭﺃﻋﻠﻰ ﻣﻨﻪ ﺑﺸﻜﻞٍ ﻣﻄﻠﻖ .ﻭﺗﻠﻚ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺃﻗﻞّ ﻋﻠﻤﺎً ﻣﻨﱠﺎ،
ﻭﻟﺪﻳﻬﺎ ﻗﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺑﺪﺍﻉ ﺍﻟﻔﻨﻲ ﺃﺩﻧﻰ ،ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﰲ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﺣﻜﻢ ﺷﻌﺐ ﻭﻻ
ﻛﺴﺐ ﻣﻌﺎﺭﻙ ،ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻧﻠﻤﺢ ﰲ ﺷﺨﺼﻬﺎ ﺗﻔﻮّﻗﺎً ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺫﺍ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺃﻫﻢّ ﻣﻦ ﻛﻞّ
ﺍﻟﻄﱠﺒﺎﺋﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﳝﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﲔ ﺭﺟﻠﲔ ﻣﻦ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ .ﺫﻟﻚ ﺃﻥﱠ ﺍﻻﻣﺘﻴﺎﺯﺍﺕ
ﺍﻟﺬﱠﻛﺮﻳﱠﺔ –ﻛﺎﳌﻮﻫﺒﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﱠﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻔﻨﻴﺔ ،ﻭﺍﳌﻬﺎﺭﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﳌﺎﻟﻴﱠﺔ ﻭﺍﻟﺒﻄﻮﻟﺔ ﺍﳋﻠُﻘﻴﱠﺔ-
ﻫﻲ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺎ ﻃﺎﺭﺋﺔ ﻋﻠﻰ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺸﱠﺨﺺ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻫﻲ ﺃﺩﺍﺗﻴﱠﺔ ،ﺇﺫﺍ ﺻﺢﱠ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻫﻜﺬﺍ.
ﻭﺍﳌﻮﻫﺒﺔ ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﻗﺎﺑﻠﻴﱠﺔٍ ﳋﻠﻖ ﺑﻌﺾ ﺍﳌﻨﺘﺠﺎﺕ ﺍﳌﻔﻴﺪﺓ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﱠﺎً ،ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﻔﻦ
ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺜﺮﻭﺓ ﻭﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ .ﺃﻣﱠﺎ ﻣﺎ ﻧﻘﺪﺭﻩ ﺣﻘﱠﺎ ﻓﻬﻮ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﻨﺘﺠﺎﺕ ،ﻭﺇﻥﱠ ﺷﻌﺎﻋﺎً
ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ﻧﻌﺰﻭﻩ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻳﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﻮﺍﻫﺐ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﱠﺔ ﻹﻧﺘﺎﺟﻬﺎ .ﻓﻠﻴﺲ ﺍﻟﺸﱠﺎﻋﺮ ﻣﺎ
ﻳﻬﻤﱡﻨﺎ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﺍﻟﺸّﻌﺮ ،ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲّ ﻭﺇﻧّﻤﺎ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ .ﻭﻃﺎﺑَﻊ ﺍﳌﻮﺍﻫﺐ ﻏﻴﺮ
ﺍﳉﻮﻫﺮﻱّ ﺃﻭ ﺍﳋﺎﺭﺟﻲ ﻫﺬﺍ ،ﻳﺼﺒﺢ ﺟﻠﻴﱠﺎً ﻟﻮﺟﻮﺩﻩ ﺑﺸﻜﻞٍ ﺷﺎﺋﻊ ﰲ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ
ﺃﺧﻄﺮ ﺍﻟﻌﻴﻮﺏ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﱠﺔ .ﺇﺫﺍً ،ﺍﻣﺘﻴﺎﺯ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮ ﻳﺘﺠﺬﱠﺭ ﰲ )ﻋﻤﻞ(؛ ﻭﺍﻣﺘﻴﺎﺯ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﰲ
)ﻭﺟﻮﺩ( ﻭ )ﺣﻀﻮﺭ(.
ﺃﺧﻴﺮﺍً ،ﺇﻥﱠ ﻣﺎ ﻳﺠﺬﺏ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺇﻟﻴﻬﻦﱠ ﻟﻴﺲ ﺃﻓﻌﺎﻟﻬﻦّ ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻣﺎﻫﻴﺘﻬﻦّ .ﻟﺬﻟﻚ ،ﻟﻢ
ﻳﻜﻦ ﺗﺪﺧﱡﻞُ ﺍﻷﻧﻮﺛﺔ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ ﰲ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺦ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﻋﻤﺎﻝٍ ﻭﻣﻬﺎﻡ ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ
ﺇﻟﻰ ﺣﻀﻮﺭ ﺷﺨﺼﻴّﺘﻬﺎ ﺍﻟﺴﱠﺎﻛﻦ ﻭﺍﻟﻬﺎﺩﺉ .ﻭﺍﳌﺮﺃﺓ ﺗﻌﻤﻞ ﻛﻞّ ﻣﺎ ﺗﻌﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ
ﺗﻌﻤﻠﻪ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻷﻧﱠﻬﺎ ﻭﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻬﺎ ﻣﺸﻌﱠﺔ ﻛﻤﺎ ﺗﻀﺎﺀ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻭﺗﻐﻨﻲ ﰲ ﺟﻨﺒﺎﺗﻬﺎ ﺍﻷﻟﻮﺍﻥ
ﻋﻨﺪ ﺍﻧﺒﺜﺎﻕ ﺍﻟﻨﱡﻮﺭ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻗﺼﺪٍ ﻣﻨﻪ ،ﻭﻳﺘﺤﻘﱠﻖ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺟﻬﺪٍ ﻷﻧﱠﻪ ﻧﻮﺭ .ﻭﻣﻦ
ﺍﻟﻄﺮﻳﻒ ﺃﻥ ﻧﻼﺣﻆ ﺃﻥﱠ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﱠﺎﺑَﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻀﻔﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ ﺣﺮﻛﺔ ﺃﻧﺜﻮﻳﱠﺔ ﻣﻠﻤﺢَ ﻓﻴﺾٍ
ﺃﻛﺜﺮ ﳑﱠﺎ ﻫﻮ ﻳُﺪﺍﺭ ﺑﻐﺎﻳﺎﺕٍ ﺧﺎﺭﺟﻴﱠﺔ ،ﻳﺰﺩﻫﺮ ﰲ ﻛﻞّ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﻭﻇﺎﺋﻔﻬﺎ ﺍﳋﺎﺻّﺔ .ﺃﻡْ
ﻫﻮ ﺷﻐﻞٌ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺍﻷﻡّ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻬﺘﻢّ ﺑﺄﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ،ﺃﻭ ﻣﺎ ﺗﻌﻨﻰ ﺑﻪ ﺍﻟﺰﱠﻭﺟﺔ ﺃﻭ ﺍﻷﺧﺖ
ﻋﻨﺎﻳﺔ ﻣﻔﺮﻃﺔ؟ ﻓﻤﺎ ﺍﻟﺴﺮ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ﰲ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ،ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﲤّﺤﻲ ﻣﺎ
ﺇﻥْ ﺗﺘﺤﻘﱠﻖ ﻭﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﺧﻂّ ﻳﻨﻢّ ﻋﻦ ﻋﻤﻞٍ ﺃﻭ ﺟﻬﺪ؟ ﻷﻥﱠ ﺳﻴﻮﻟﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ
ﺑﺎﺭﺯﺓ ﰲ ﻋﻤﻞ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻷﺻﻠﻲ .ﺇﺫْ ﺗﺒﺪﻭ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺃﻧﱠﻬﺎ ﻻ ﺗﺘﺪﺧﱠﻞ ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ،ﰲ ﺷﻲﺀ؛
ﻭﻟﻴﺲ ﻟﺘﺄﺛﻴﺮﻫﺎ ﺍﳌﻈﻬﺮ ﺍﻟﻌﻨﻴﻒ ،ﻭﺍﻟﺪﺅﻭﺏ ﺍﳋﺎﺹّ ﺑﺘﺪﺧﱡﻞ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮ .ﻓﺎﻟﺮﱠﺟﻞ ﻳﻀﺮﺏ
-١٢٣-
ﺑﺬﺭﺍﻋﻪ ﰲ ﺍﳌﻌﺮﻛﺔ ﻭﻳﺴﻌﻰ ﻻﻫﺜﺎً ﰲ ﻣﻨﺎﻛﺐ ﺍﻷﺭﺽ ﰲ ﺍﺳﺘﻜﺸﺎﻓﺎﺕٍ ﺧﻄﺮﺓ ،ﻭﻳﻀﻊ
ﺣﺠﺮﺍً ﻓﻮﻕ ﺣﺠﺮ ﰲ ﻧﺼﺐٍ ﺗﺬﻛﺎﺭﻱّ ،ﻭﻳﻜﺘﺐ ﻛﺘﺒﺎً ﻭﻳﺠﻠﺪ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﰲ ﺧُﻄﺐ ،ﺣﺘﱠﻰ ﺇﺫﺍ
ﻟﻢ ﻳﻌﻤﻞ ﺷﻴﺌﺎً ﺳﻮﻯ ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴﺮ ﻓﺈﻧﱠﻪ ﻳﻘﻠﱢﺺ ﻋﻀﻼﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﰲ ﻫﺪﻭﺀ ﺟﺪّ ﻧﺸﻴﻂ
ﺣﺘﱠﻰ ﻳﺒﺪﻭ ﺍﻟﺘﱠﻘﻠﱡﺺ ﺗﺤﻀﻴﺮﺍً ﻟﻘﻔﺰﺓ ﺟﺮﻳﺌﺔ .ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻻ ﺗﺼﻨﻊ ﺷﻴﺌﺎً ،ﻭﺇﺫﺍ ﻣﺎ
ﺗﺤﺮﻛﺖ ﻳﺪﺍﻫﺎ ﻓﺬﻟﻚ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺃﻛﺜﺮ ﳑﱠﺎ ﻫﻮ ﻋﻤﻞ .ﺇﻧﱠﻨﺎ ﻧﻘﺮﺃ ﻋﻠﻰ ﺿﺮﻳﺢٍ ﰲ ﺭﻭﻣﺎ
ﺍﳉﻤﻬﻮﺭﻳﱠﺔ ﺍﻟﻘﺪﳝﺔ ﺣﻴﺚ ﻳﺮﻗﺪ ﺟﺜﻤﺎﻥ ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﺴﱠﻴﱢﺪﺍﺕ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﻞ ﻭﺍﻟﺪﺓ ﺃﺣﺪ ﺃﺑﻨﺎﺀ
ﺃﻗﻮﻯ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ،ﻧﻘﺮﺃ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﺳﻤﻬﺎ ﻫﺎﺗﲔ ﺍﻟﻜﻠﻤﺘﲔ Domiseda, lanificaﺃﻱ
ﺻﺎﻧﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻭﻏﺰﻟﺖ ﺻﻮﻓﻬﺎ ،ﻭﻻ ﺷﻲﺀ ﺁﺧﺮ .ﻭﻳُﺨﻴﱠﻞ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﺃﻧﱠﻨﺎ ﻧﺮﻯ ﺷﻜﻞ ﺍﳌﺮﺃﺓ
ﺍﻟﻨﱠﺒﻴﻞ ﺍﻟﻬﺎﺩﺉ ﺟﺎﻟﺴﺔ ﰲ ﻋﺘﺒﺔ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻭﺃﺻﺎﺑﻌﻬﺎ ﺍﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﺍﳉﻠﻴﻠﺔ ﻣﺸﺘﺒﻜﺔ ﺑﺠﺰﱠﺓ
ﺍﻟﺼﱡﻮﻑ ﺍﻟﺒﻴﻀﺎﺀ.
ﻭﺇﻥﱠ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻣﺮﺋﻲّ ﻗﻠﻴﻼً ،ﺗﺤﺪﻳﺪﺍً ﻷﻧﱠﻪ ﻣﻨﺘﺸﺮ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭﺍً ﻭﻳﻮﺟﺪ ﰲ ﻛﻞﱢ
ﻣﻜﺎﻥ .ﻓﻬﻮ ﻟﻴﺲ ﻣﻀﻄﺮﺑﺎً ﻛﺘﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻫﻮ ﺳﺎﻛﻦ ،ﻛﺘﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﻐﻼﻑ ﺍﳉﻮﻱ.
ﺇﺫْ ﻳﻮﺟﺪ ﺑﻮﺿﻮﺡٍ ﰲ ﻣﺎﻫﻴﱠﺔ ﺍﻷﻧﺜﻰ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺟﻮﻳﱠﺔ ﺗﻌﻤﻞ ﺑﺒﻂﺀٍ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺍﳌُﻨﺎﺥ .ﻫﺬﺍ
ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﺭﻳﺪ ﺍﻹﻳﺤﺎﺀ ﺑﻪ ﳌﱠﺎ ﺃﻛﱠﺪﺕُ ﺃﻥﱠ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﻤﻠﻪ ﻭﻗﻴﻤﺔ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻣﺎﻫﻴﱠﺘﻬﺎ.
ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻧﻔﻬﻢ ﺃﻥﱠ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻷﻧﺜﻰ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﱠﺔ ﻭﻛﻤﺎﻟﻬﺎ ،ﺗﺴﻠﻚ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻣﺴﺎﺭﺍً ﻣﺨﺘﻠﻔﺎً
ﻋﻦ ﻣﺴﺎﺭ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ .ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻳﻘﻮﻡ ﺗﻘﺪﱡﻡ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮ ﺑﺸﻜﻞٍ ﺭﺋﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﺻﻨﻊ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﺃﻓﻀﻞ –
ﻛﺎﻟﻌﻠﻮﻡ ﻭﺍﻟﻔﻨﻮﻥ ﻭﺍﻟﻘﻮﺍﻧﲔ ﻭﺍﻟﺘﻘﻨﻴﱠﺎﺕ ،-ﻭﺗﻘﺪﱡﻡ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﲡﻌﻞ ﻧﻔﺴﻬﺎ
ﺃﻛﺜﺮ ﻛﻤﺎﻻً ﺧﺎﻟﻘﺔً ﰲ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﳕﻮﺫﺟﺎً ﺟﺪﻳﺪﺍً ﻣﻦ ﺍﻷﻧﻮﺛﺔ ﺃﻛﺜﺮ ﺩﻗﱠﺔ ﻭﺗﻄﻠﱡﺒﺎً.
ﺃﻛﺜﺮ ﺗﻄﻠﱡﺒﺎً! ﰲ ﺭﺃﻳﻲ ﻫﺬﻱ ﻫﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻷﺭﺽ :ﺃﻥ
ﺗﺘﻄﻠﱠﺐ ،ﻭ ﻭﺗﺘﻄﻠﱠﺐ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻟﻠﺮﱠﺟﻞ .ﺇﺫْ ﻳﻘﺘﺮﺏ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮ ﺳﺎﻋﻴﺎً ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ
ﺍﳌﻔﻀﱠﻞ ﻟﺪﻳﻬﺎ؛ ﻭﻳﺤﺎﻭﻝ ﻣﻦ ﺛَﻢﱠ ،ﺗﺤﻘﻴﻘﺎً ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ،ﺃﻥ ﻳﺠﻤﻊ ﰲ ﺣﺰﻣﺔ ﺧﻴﺮ ﻣﺎ ﰲ
ﺷﺨﺼﻪ ﻛﻴﻤﺎ ﻳﻘﺪّﻣﻪ ﻟﻠﺠﻤﺎﻝ ﺍﳊﺎﻛﻢ .ﻭﺇﻥﱠ ﺍﻟﺰﱢﻳﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺰﻳﱢﻦ ﺑﻬﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻫﻤﺎﻻً
ﺟﺴﻤﻪ ﻭﻗﺖ َ ﺍﻟﺘﱠﻄﻠﱡﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﳊﺐّ ،ﻣﺎ ﻫﻲ ﻏﻴﺮ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺧﺎﺭﺟﻲّ ﻭﺳﺎﺫﺝ ﻗﻠﻴﻼً ﻋﻦ
ﺍﻟﻨﱠﻈﺎﻓﺔ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﱠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺜﱡﻨﺎ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻋﻠﻴﻬﺎ .ﺣﻘﱠﺎً ،ﺇﻥﱠ ﻫﺬﺍ ﺍﳋﻴﺎﺭ ﺍﻟﺘﻠﻘﺎﺋﻲّ ﻭﺻﻘﻞ
ﺟﻤﻠﺘﻨﺎ ﺍﳊﻴﻮﻳﱠﺔ ،ﻫﻮ ﺃﻭﱠﻝ ﺩﺍﻓﻊ ﳓﻮ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻧﺪﻳﻦ ﺑﻪ ﻟﻠﻤﺮﺃﺓ .ﺑﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ
ﺫﻟﻚ :ﻳﻘﻒ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﲟﺎ ﻟﺪﻳﻪ ﺇﺯﺍﺀ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻭﻳﻌﺮﺿﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ ﻳﻘﻮﻝ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ﻭﻳﻘﻮﻡ ﺑﺤﺮﻛﺎﺗﻪ
-١٢٤-
ﻣﺜﺒﱢﺘﺎً ﻧﻈﺮﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻬﻬﺎ ﻟﻴﻜﺘﺸﻒ ﺭﺿﺎﻫﺎ ﺃﻭ ﺻﺪﻭﺩﻫﺎ .ﻓﺘُﺴﻘِﻂ ﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ ﻓﻌﻞٍ ﻣﻦ
ﺃﻓﻌﺎﻟﻪ ﺇﺷﺎﺭﺓً ﺧﻔﻴﻔﺔً ﺯﺍﺟﺮﺓ ﺃﻭ ﺑﺴﻤﺔ ﺩﺍﻋﻤﺔ؛ ﻭﺍﻟﻨﱠﺘﻴﺠﺔ ﻫﻲ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﻳﺴﻌﻰ ﺇﺭﺍﺩﻳﱠﺎً
ﺃﻡ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﺇﻟﻐﺎﺀ ﺃﻓﻌﺎﻟﻪ ﺍﳌﻠﻮﻡ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﺗﺤﻀﻴﻨﻬﺎ ،ﻭﻳﺸﺠّﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻈﻰ
ﺑﺎﳌﻮﺍﻓﻘﺔ .ﺣﺘﱠﻰ ﻧﻜﺘﺸﻒ ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻷﻣﺮ ﺃﻧﱠﻨﺎ ﻗﺪ ﺃُﺻﻠﺤﻨﺎ ﻭﺗﻄﻬﱠﺮﻧﺎ ﻃﺒﻘﺎً ﻷﺳﻠﻮﺏٍ
ﻭﳕﻮﺫﺝٍ ﺟﺪﻳﺪ ﰲ ﺍﳊﻴﺎﺓ .ﻓﻘﺪ ﳓﺘﺖ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﻔﺎﺗﻨﺔ ﰲ ﻛﺘﻠﺘﻨﺎ ﺍﳊﻴﻮﻳﱠﺔ ﲤﺜﺎﻻً ﺟﺪﻳﺪﺍً
ﻟﻠﺬﱠﻛﺮ ،ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺗﻌﻤﻞ ﺷﻴﺌﺎً ،ﺑﻞ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﺎﺩﺋﺔ ﻛﺎﻟﻮﺭﺩﺓ ﰲ ﺷﺠﻴﺮﺗﻬﺎ ،ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻏﻠﺐ
ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﻓﻴﺾٍ ﺳﻴﱠﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﳊﺮﻛﺎﺕ ﺍﳋﻔﻴﻔﺔ ﺍﻟﺴﱠﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻤﻞ ﻛﻀﺮﺑﺎﺕٍ
ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻴﱠﺔ ﺗﻀﺮﺏ ﲟﻨﺤﺖٍ ﻏﻴﺮ ﺣﻘﻴﻘﻲّ .ﻭﻳُﺨﻴﱠﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﳌﺮﺀ ﺃﻧﱠﻪ ﺗﻮﺟﺪ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻨﱠﻔﺲ
ﺍﻷﻧﺜﻮﻳﱠﺔ ﺻﻮﺭﺓ ﺧﻴﺎﻟﻴﱠﺔ ﺗﻄﺒﻘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ ﺭﺟﻞ ﻳﻘﺘﺮﺏ .ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺣﺴﺐ ﺃﻥّ َﺍﻷﻣﺮ ﻫﻮ
ﻛﺬﻟﻚ :ﺇﻥﱠ ﻛﻞّ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺗﺤﻤﻞ ﰲ ﺩﺧﻴﻠﺘﻬﺎ ﺻﻮﺭﺓً ﻟﻠﺬﱠﻛﺮ ﻣﺸﻜﱠﻠﺔً ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺳﻮﻯ ﺃﻧﱠﻬﺎ
ﻻﺗﻌﻠﻢ ﺃﻧﱠﻬﺎ ﺗﺤﻤﻠﻬﺎ .ﻓﻘﻮﱠﺓ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻟﻴﺲ ﰲ ﺃﻥ ﺗﻌﺮﻑ ﺑﻞ ﰲ ﺃﻥ ﺗﺸﻌﺮ .ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ
ﻫﻲ ﺍﻣﺘﻼﻙ ﺗﺼﻮﱡﺭﺍﺕ ﻭﺗﻌﺎﺭﻳﻒ ،ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﻋﻤﻞ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮ .ﻭﺍﳌﺮﺃﺓ ﻻ ﺗﻌﺮﻑ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﻄﺮﺍﺯ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻛﻮﺭﺓ ،ﻭﻟﻢ ﺗﺤﺪﱢﺩﻩ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ،ﻟﻜﻦﱠ ﺍﻹﻋﺠﺎﺏ ﻭﺍﻟﻨﻔﻮﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺤﺲّ ﺑﻪ
ﰲ ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻳﺴﺎﻭﻱ ﰲ ﻧﻈﺮﻫﺎ ﺍﻛﺘﺸﺎﻓﻬﺎ ﻋﻤﻠﻴﱠﺎً ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺐﺀَ ﺍﳌﺜﺎﻟﻲ ﺍﻟﺬﻱ
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻤﻠﻪ ﰲ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺗﺨﻤّﻨﻪ .ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻓﻘﻂ ﺗﺘﱠﻀﺢ ﻭﺍﻗﻌﺔ ﺃﻥﱠ ﻛﻞّ ﺣﺐّ
ﺣﻘﻴﻘﻲّ ﻻﺳﻴّﻤﺎ ﺣﺐّ ﺍﳌﺮﺃﺓ ،ﻳﻮﻟﺪ ﰲ ﻣﺜﻞ ﺍﻧﻔﺠﺎﺭ ﺍﻟﺼﱠﺎﻋﻘﺔ coup de foudreﻭﻫﻮ
ﺭﻣﻴﺔ ﺳﻬﻢ .ﻭﺳﻮﻑ ﺃﺩﻉ ﺍﻵﻥ ﺁﻟﻴﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺑﺤﺚ.
ﻭﻗﻠﱠﻤﺎ ﻳُﺮﺍﻫﻦ ﻋﻠﻰ ﺣﺐﱟ ﻳﻮﻟﺪ ﺑﺒﻂﺀ .ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻛﺎﻣﻨﺎً ﻳﻨﺒﺜﻖ ﻓﺠﺄﺓ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﺪّ
ﺗﻠﻘﺎﺋﻲ ﻭﻣﻘﺘﺤﻢ ﺣﺘﱠﻰ ﺃﻥﱠ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺗﻠﺤﻆ ﺃﻭﱠﻝ ﻣﺎ ﺗﻠﺤﻈﻪ ﻣﻨﻪ ﺗﻼﺷﻴﺎً ﺃﺳﻄﻮﺭﻳﱠﺎً ﻻﻳﻘﺎﻭﻡ.
ﻭﻻ ﺗُﻔﻬﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﺘﱠﻄﺎﺑﻖ ﺍﻟﻔﺠﺎﺋﻲ ﺑﲔ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺎﻟﺐ ﺍﳌﺜﺎﻟﻲ ﻭﺭﺟﻞٍ ﻋﺎﺑﺮ.
ﻭﺇﻥﱠ ﺣﺐّ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﳋﻴﺎﻟﻴﱠﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ .ﻭﺇﱠﳕﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺘﻈﺮ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ
ﻣﻼﺋﻤﺔ ﻛﻴﻤﺎ ﺗﻨﻄﻠﻖ.
ﻭﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻷﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﻳﻌﻴﺸﻮﻥ ﻣﻦ ﺟﻤﻞ ﺟﺎﻫﺰﺓ ﻭﻓِﻜَﺮٍ ﻣﺘﻠﻘﱠﺎﺓ ﻭﻣﺸﺎﻋﺮ
ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﱠﺔ ﻭﺃﺟﻨﺒﻴﱠﺔ ﻋﻨﻬﻢ .ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍﳌﺒﺘﺬﻻﺕ ﻳﺤﻤﻠﻦ ﰲ ﺫﻭﺍﺗﻬﻦّ ﻣﺜﺎﻻً ﺃﻋﻠﻰ
ﻣﺒﺘﺬﻻً ﻟﻠﺬﱠﻛﺮ ﻭﳕﻮﺫﺟﺎً ﻣﻦ ﺫﺧﻴﺮﺓٍ ﲡﺪ ﺗﺤﻘﻴﻘﺎً ﻗﺮﻳﺒﺎً ﻟﻬﺎ ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ .ﻟﻜﻦ ،ﻛﻤﺎ
ﻳﻮﺟﺪ ﺭﺟﺎﻝ ﻋﺒﺎﻗﺮﺓ ﻳﺨﺘﺮﻋﻮﻥ ﺃﻓﻜﺎﺭﺍً ﰲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﳉﺪﱠﺓ ،ﻭﻳﺒﺪﻋﻮﻥ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﻓﻨﻴﱠﺔ
-١٢٥-
ﻭﻳﻜﺘﺸﻔﻮﻥ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺟﺪﻳﺪ ،ﺗﻮﺟﺪ ﻛﺬﻟﻚ ﻧﺴﺎﺀ ﻋﺒﺎﻗﺮﺓ ﳝﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﺸﺄ ﻟﺪﻳﻬ ﱠﻦ
ﻣﺜﺎﻝ ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻠﺬﱠﻛﺮ ﻭﻏﻴﺮ ﻣﻌﺮﻭﻑ ،ﺑﻔﻀﻞِ ﻣﺎﺩﱠﺓ ﻣﺎﻫﻴﺘﻬﻦﱠ ﺍﳌﻤﺘﺎﺯﺓ ﻭﺗﻨﻤﻴﺔ ﺣﺴﺎﺳﻴﺘﻬﻦّ
ﺗﻨﻤﻴﺔً ﻗﻮﻳﱠﺔ .ﻭﺗﺆﺛﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﰲ ﻛﻞﱢ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺑﺠﻌﻠﻬﺎ ﻫﺪﻓﺎً ﺭﺍﻗﻴﺎً ﻣﺜﺎﻟﻴﱠﺎً
ﳕﻮﺫﺟﻴﱠﺎً ،ﺭﺍﻓﻌﺔً ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﳌﺴﺘﻮﻯ ﺍﳋﻠﻘﻲ ﻟﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﺍﳉﺎﺫﺑﻴﺔ
ﺍﻟﺴﺤﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﲤﺎﺭﺳﻬﺎ ﺍﳌﺮﺃﺓ.
ﺇﺫﺍ ً،ﻳﻮﺟﺪ ﰲ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﻨﻮﻋﻴﺔ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﺃﻭ ﻧﻘﺺ ﰲ ﺍﻟﻌﺒﻘﺮﻳﱠﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺗﻮﺟﺪ
ﰲ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺃﻭ ﺍﻟﻔﻦ .ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥﱠ ﺍﻷﻧﻮﺛﺔ ﺍﳋﺎﻟﺼﺔ ﻫﻲ ﺑﻌﺪٌ ﺟﻮﻫﺮﻱّ ﰲ ﺍﻟﺜﱠﻘﺎﻓﺔ؛
ﻭﻳﻌﻨﻲ ﺃﻧﱠﻪ ﺗﻮﺟﺪ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺃﻧﺜﻮﻳﱠﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻧﻮﻋﻲ ﲟﻮﺍﻫﺒﻬﺎ ﻭﻋﺒﻘﺮﻳﱠﺎﺗﻬﺎ ﻭﻣﺤﺎﻭﻻﺗﻬﺎ
ﻭﺇﺧﻔﺎﻗﺎﺗﻬﺎ ﻭﳒﺎﺣﺎﺗﻬﺎ ﺗﺤﻘﻖ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻣﺴﺎﻫﻤﺘﻬﺎ ﺍﻷﺻﻴﻠﺔ ﰲ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺦ.
ﻭﻟﻮ ﺃﻥﱠ ﺑﻀﻊ ﺩﺳﺘﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻣﻦ ﺫﻭﺍﺕ ﺍﳌﻨﺰﻟﺔ ﺍﻟﻬﺎﻣﱠﺔ ﰲ ﺍﺘﻤﻊ ،ﺛﻘﱠﻔﻦَ
ﺷﺨﺼﻬﻦﱠ ﻭﻫﺬﱠﺑْﻨَﻪُ ﺣﺘﱠﻰ ﻳﺠﻌﻠﻦَ ﻣﻨﻪ ﻣﻌﻴﺎﺭﺍً ﻛﺎﻣﻼً ﻟﻺﻧﺴﺎﻧﻴﱠﺔ ﻭﺟﻬﺎﺯﺍً ﻟﻠﻀﺒﻂ
ﺍﻟﻌﺎﻃﻔﻲ ﻭﻋﻀﻮﺍً ﺫﺍ ﺣﺴﺎﺳﻴﱠﺔ ﻣﺮﻫﻔﺔ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﳑﻜﻨﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﻓﻀﻞ،
ﳊﻘﱠﻘﻦَ ﺃﻛﺜﺮ ﳑﱠﺎ ﻳﺒﻠﻐﻪ ﺍﳌﺮﺑّﻮﻥ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﱡﻮﻥ ﺟﻤﻴﻌﺎً .ﻭﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﳌﺘﻄﻠّﺒﺔ ﻻ ﺗﺮﺿﻰ
ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺍﳌﺒﺘﺬﻝ ﺍﻟﺬﱠﻛﺮﻱ ،ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻄﻠﱠﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺻﻔﺎﺕٍ ﻧﺎﺩﺭﺓً ،ﺗُﺤﺪﺙ ﺑﺼﺪﱢﻫﺎ
ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﺍﻍ ﰲ ﺍﳌﺴﺘﻮﻳﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﱠﺔ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ؛ ﻭﺇﺫ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻄﱠﺒﻴﻌﺔ "ﺗﺨﺸﻰ"
ﺍﻟﻔﺮﺍﻍ ﻓﺴﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﺳﻮﻑ ﻧﺮﺍﻫﺎ ﲤﺘﻠﺊ ﺑﻮﻗﺎﺋﻊ :ﻓﺘﺒﺪﺃ ﻗﻠﻮﺏ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﺗﻨﺒﺾ ﺑﺈﻳﻘﺎﻉٍ
ﺟﺪﻳﺪ ،ﻭﺗﺴﺘﻴﻘﻆ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﺘﻈﺮﺓ ﰲ ﺍﻟﺮﺅﻭﺱ ،ﻭﺗﺸﻖﱡ ﺍﻷﻓﻀﻴﺔُ ﺍﳊﻴﻮﻳﱠﺔ ﻣﻄﺎﻣﺢ
ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻭﻣﺸﺎﺭﻳﻊ ﻭﺧﻄﻄﺎً ،ﻭﻳﺸﺮﻉ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻛﻠّﻪ ﰲ ﺍﻟﺴﱠﻴﺮ ﺑﺈﻳﻘﺎﻉٍ ﻣﺘﺼﺎﻋﺪٍ ،ﻭﻳﺰﺩﻫﺮ
ﰲ ﺍﻟﺒﻠﺪ ﺍﻟﺴﱠﻌﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻇﻬﺮﺕ ﻓﻴﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻧﻮﺛﺔ ﺭﺑﻴﻊٌ ﺗﺎﺭﻳﺨﻲّ ﻣﻨﺘﺼﺮ ﻭﻏﺎﺯٍ ﻭﺣﻴﺎﺓ
ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻛﺎﻣﻠﺔ .ﺣﻴﺎﺓ ﺟﺪﻳﺪﺓ!! Vita Nuova
ﺍﻧﻈﺮﻱ ،ﻳﺎ ﺳﻴﱢﺪﺗﻲ ،ﻛﻴﻒ ﻋﺪﺕُ ﺑﺈﺧﻼﺹ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻧﻄﻠﻘﺖُ ﻣﻨﻬﺎ
ﺑﻌﺪ ﺟﻮﻟﺔٍ ﻃﻮﻳﻠﺔٍ ﻭﺭﺑﱠﻤﺎ ﻣُﺮﻫﻘﺔ ﻗﻠﻴﻼً .ﻭﻛﻞّ ﻣﺎ ﻗﻠﺘﻪ ﺍﻵﻥ ﺃﺭﺩﺕُ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺗﻌﻠﻴﻘﺎً ﻋﻠﻰ
ﺍﻧﻔﻌﺎﻝ ﺍﻟﺸﱠﺒﺎﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺒﱠﺮ ﻋﻨﻪ ﺩﺍﻧﺘﻲ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﻷﻭﱠﻝ .ﻭﺍﳊﻴﺎﺓ ﺍﳉﺪﻳﺪﺓ ﻫﻲ ﺍﻟﻘﺼﱠﺔ
ﺍﳌﺮﺳﻮﻣﺔ ﺍﳌﻠﻮﱠﻧﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺎﻓﺬﺓ ﺯﺟﺎﺟﻴّﺔ ﻏﻮﻃﻴﱠﺔ góticaﻓﻴﻬﺎ ﺛﻼﺙ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﺃﻭ ﺃﺭﺑﻊ
ﺗﻌﺒّﺮ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻔﺘﺎﺓ ﺍﻟﻔﻠﻮﺭﻧﺴﻴﱠﺔ ﻋﻦ :ﺑﺴﻤﺔٍ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺤﻴﱠﺔ ﻣﺸﺠﱢﻌﺔ ،ﻭﺇﺷﺎﺭﺓٍ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﺯﺩﺭﺍﺀ )ﺃﻭ
ﺻﺪﻭﺩ( ﻏﺎﻣﺾ ،ﻭﻻ ﺷﻲﺀ ﺁﺧﺮ .ﻭﺳﺎﺭﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺑﺪ ﺣﻴﺎﺓ ﺩﺍﻧﺘﻲ ،ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺪﺍﻳﺔ
-١٢٦-
donna ﻋﺼﻮﺭ ﺟﺪﻳﺪﺓ ،ﰲ ﺩﺭﺑﻬﺎ ﻣﻮﺟﱠﻬﺔً ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺒﺴﻤﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺪﺓ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺘﺤﻴﱠﺔ
،della salutoﻛﺎﻟﺴﱡﻔﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﱳ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺗﻌﺮﻑ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ﰲ ﺗﻸﻟﺆ ﳒﻢ ﻣﺮﺗﻌﺶ.
ﻭﻻ ﻳﺘﻮﺟﱠﻪ ﺷﺎﻋﺮ ﺍﻟﻔﺮﺩﻭﺱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓً ،ﺑﻞ ﻳﺤﺴﺐ ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﺫﻟﻚ،
ﺃﻧﱠﻪ ﻳﻠﺘﻘﻂ ﻣﻌﻴﺎﺭﻩ ﻣﻦ ﻭﺟﻪ ﺑﻴﺎﺗﺮﻳﺲ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻳﻘﻮﻝ:
Beatrice tutta nelle eterne rote
Fissa con gli occhi stava; ed io in lei
Le luci fisse, di lassu remote.
"ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻴﺎﺗﺮﻳﺲ ﲤﻌﻦ ﺍﻟﻨﱠﻈﺮ ﰲ ﺍﻟﺴﱠﻤﺎﻭﺍﺕ ﺍﳋﺎﻟﺪﺓ ،ﻭﺃﻧﺎ ﻛﻨﺖُ ﺃﻣﻌﻦ ﻓﻴﻬﺎ
ﻋﻴﻨﻲّ ﻭﻗﺪ ﺣﺪﺕُ ﺑﻬﻤﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﱠﻤﺎﺀ".
ﺇﻧﱠﻪ ﺍﳊﺪﺙ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻀﻄﺮﺏ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺴﱠﻄﺢ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺨﻲّ .ﻭﻗﺪ ﻋﺒﱠﺮ
ﻏﻮﺗﻪ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺑﻜﻠﻤﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺒﻮﻗﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً:
ﺇﻥﱠ ﺍﻷﻧﺜﻮﻱ ﺍﳋﺎﻟﺪ
ﻳﺠﺬﺑﻨﺎ ﳓﻮ ﺍﻟﻌُﻠﻰ.
ﺃﻭ ﻛﻤﺎ ﺗﻘﻮﻝ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ )ﺍﻷﻡّ ﺍﻴﺪﺓ( ﻣﻮﺟّﻬﺔً ﺍﻟﻜﻼﻡ ﳌﺎﺭﻏﺮﻳﺘﺎ.
ﺗﻌﺎﻟﻲ! ﻭﺍﺻﻌﺪﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﱠﻤﺎﻭﺍﺕِ ﺍﻟﻌﻠﻰ
ﻭﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺃﺣﺲﱠ ﺑﺤﻀﻮﺭﻙ ﻓﺴﻮﻑ ﻳﺘﺒﻌﻚِ.
ﻷﻥﱠ ﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﰲ ﺃﺳﺎﺳﻪ ﻻ ﻳﺄﺗﻴﻪ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺗﻘﺪﱡﻣﻪ ﰲ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺃﻭ ﺍﻟﻔﻦّ ﺃﻭ
ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻳﺄﺗﻴﻪ ﻋﺎﺩﺓ ﺑﺎﻟﻨﱠﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻼﻧﻬﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻧﻔﺲ ﺃﻧﺜﻮﻳﱠﺔ ﻭﺷﺒﻪ
ﺑﻠّﻮﺭﻳﱠﺔ ﺗﻨﻌﻜﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﳌُﺜُﻞ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺍﶈﺪﱠﺩﺓ .ﻭﻫﻜﺬﺍ ﲤﻜﱠﻦ ﺷﻴﻠﻲ Schellyﻣﻦ
ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﳊﺒﻴﺒﺘﻪ :ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ! ﺃﻧﺖِ ﺫﺍﺗﻲ ﺍﳌُﺜﻠﻰ.
ﻭﻛﻞّ ﺿﺮﻭﺏ ﺍﻟﺘﱠﻘﺪﱡﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﺮﺯﻫﺎ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺑﻌﻤﻠﻪ ﺟﺰﺋﻴﱠﺔ ﻭﺻﻔﺎﺕ ﲤﺲّ ﻣﺤﻴﻂ
ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﳊﻤﻴﻢ ،ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ،ﻛﻞّ ﺷﻜﻞٍ ﻋﺎﻝٍ ﻣﻦ ﻛﻤﺎﻝٍ ﺃﻧﺜﻮﻱّ ﻫﻮ ﺗﻘﺪﱡﻡ
ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺗﻘﺪﱡﻣﺎً ﺷﺎﻣﻼً ﻭﻳﺸﺒﻪ ﺑﺬﺭﺓ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﱠﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ .ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺍﻟﺮﱠﻏﺒﺔ ﺍﻟﻼﻣﺤﺪﻭﺩﺓ
ﻭﺍﳊﻠﻢ ﺍﳌﻠﺘﻬﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺣﺲّ ﺑﻪ ﺧﻴﺮُ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﳌﱠﺎ ﺍﻋﺘﺮﺿﺖ ﻣﺠﺮﻯ ﻭﺟﻮﺩﻫﻢ ﺍﻣﺮﺃﺓ
ﻫﺎﻣﱠﺔ .ﻭﻟﻮ ﺗﺄﻣﱠﻠﻨﺎ ﺑﺠﻼﺀ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻮﻩ ﻭﻣﺎ ﺭﺳﻤﻮﻩ ﻭﺷﺮﱠﻋﻮﻩ ،ﻻﻛﺘﺸﻔﻨﺎ ﰲ ﻋﻤﻠﻬﻢ ﺍﻟﻔﻨّﻲ
ﺻﻮﺭﺓ ﺭﻗﻴﻘﺔ ﻋﺎﺑﺮﺓ ﻟﺴﻴﺪﺓ ﻟﻄﻴﻔﺔ .ﻭﻟﻴﺲ ﺍﳌﺮﺍﺩ ﺣﻜﺎﻳﺎﺕٍ ﻏﺮﺍﻣﻴﱠﺔً ﻣﺒﺘﺬﻟﺔ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﺗﻠﻚ
-١٢٧-
ﺍﻟﻌﻮﺍﻃﻒ ﺍﻟﺮﺍﻗﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﺮﺣﻬﺎ ﰲ ﺷﻔﻖ ﻣﺎﻧﺘﻴﻨﻴﺎ Mantinea1ﺍﻟﺸﺎﺣﺐ،
ﺍﳊﻜﻴﻤﺔُ ﺍﳌﺮﺗﻌﺸﺔ ﺩﻳﻮﺗﻴﻤﺎ Diotimaﺍﻷﺟﻨﺒﻴﱠﺔ ﻟﺴﻘﺮﺍﻁ ﺍﻹﻟﻬﻲّ .ﺍﳌﺮﺍﺩ ﺗﻄﻠﱡﻊ ﻟﻠﻜﻤﺎﻝ
ﺗﺰﺭﻋﻪ ﰲ ﻧﻔﺲ ﻛﻞّ ﺫﻛﺮ ﻧُﺨﺒﺔٍ ﺣﻮﱠﺍﺀُ ﳕﻮﺫﺟﻴﱠﺔٌ ﻋﻨﺪ ﻣﺮﻭﺭﻫﺎ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺗﻮﻗﱡﻒ.
ﻭﺇﻥﱠ ﻓﺮﺩﺍً ﻛﺸﻌﺐٍ ﻳُﺤﺪﱠﺩ ﲟﺜﻠﻪ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﺑﺸﻜﻞٍ ﺃﺻﺢّ ﳑﱠﺎ ﻳُﺤﺪﱠﺩ ﺑﺎﻟﻮﻗﺎﺋﻊ .ﻭﺇﻥﱠ
ﺣﺼﻮﻟﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺪﻓﻨﺎ ﻣﻘﻴﱢَﺪ ﺑﺤﺴﻦِ ﺣﻈّﻨﺎ؛ ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻄﻤﻮﺡ ﻋﻤﻞ ﻣﺤﺼﻮﺭ ﺑﻘﻠﻮﺑﻨﺎ.
ﻭﺗﺒﻴّﻦ ﳕﺎﺫﺝُ ﺍﻷﻧﻮﺛﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﳌُﺜﻞ ،ﺃُﻓﻖ ﺍﻟﻘﺪﺭﺍﺕ ﺍﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﰲ ﻛﻞﱢ ﺷﻌﺐ.
ﻭﺗﺮﺗﻔﻊ ﰲ ﻛﻞﱢ ﻣﻜﺎﻥ ﻭﺯﻣﺎﻥ ﻇﻼﻝ ﺍﻷﻧﻮﺛﺔ ﺍﳋﺎﻟﺪﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﱠﻤﺎﺀ ﻛﻤﺠﺮﱠﺍﺕٍ ﻣﻘﺮﱢﺭﺓ
ﺑﺸﻜﻞٍ ﻣﺴﺒﻖ ﻣﺼﺎﺋﺮ ﺍﻟﻌﺮﻭﻕ.
ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻟﻲ ﺷﺮﻑ ﻣﻌﺮﻓﺘﻚ ﻳﺎ ﺳﻴﱢﺪﺗﻲ ،ﺃﻧﺖ ﻭﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻚ ،ﻣﻨﺬ ﲦﺎﻧﻴﺔ ﺃﻋﻮﺍﻡ
ﳌﱠﺎ ﻛﻨﺖُ ﻋﻠﻰ ﻭﺷْﻚِ ﺃﻥ ﺃُﻧﻬﻲ ﺇﻗﺎﻣﺘﻲ ﰲ ﺍﻷﺭﺟﻨﺘﲔ .ﻭﻟﻦ ﺃﻧﺴﻰ ﺍﻻﻧﻄﺒﺎﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺛﺎﺭﻩ
ﰲﱠ ﻭﺟﻮﺩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺰﻣﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍﻟﻬﺎﻣﱠﺎﺕ ﺑﺒﺮﻭﺯﻫﻦّ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻔﻴﱠﺔ ﺃﻣﱠﺔ ﺷﺎﺑﱠﺔ .ﻛﺎﻥ
ﻓﻴﻜﻦّ ﺫﻟﻚ ﺍﳊﻤﺎﺱ ﻟﻠﻜﻤﺎﻝ ،ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓُ ﺍﻟﻮﺍﺛﻘﺔ ﺍﻟﺼﱠﺎﺭﻣﺔ ﻭﺍﻟﻐﻴﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﻛﻞﱢ ﻧﻈﺎﻡ
ﺷﺪﻳﺪ .ﺣﺘﱠﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞّ ﻣﺤﺎﺩﺛﺔ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﺩﺛﺎﺗﻨﺎ ﺍﻟﺪﱠﻭﺭﻳﱠﺔ ﺗﺘﺮﻙ ﰲ ﻧﻔﺴﻲ ﺃﻣﺮﺍً
ﺿﺎﻏﻄﺎً ﻛﺄﻧﱠﻪ ﺛﻘﻞ ﺧﻠﻘﻲ ﺑﺎﻻﺗﺰﺍﻥ " "mezuraﻭﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ .ﻭﺇﻥﱠ ﻇﻬﻮﺭ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﻣﻦ
ﺍﻷﻧﻮﺛﺔ ﻟﺪﻯ ﺷﻌﺐٍ ﺫﻱ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻗﺪﳝﺔ ﻣﺰﺩﻫﺮﺓ ،ﺃﻣﺮ ﻣﻔﻬﻮﻡ ،ﻭﺇﻥ ﻳﻜﻦ ﻏﻴﺮ ﺷﺎﺋﻊ .ﻟﻘﺪ
ﻗﺎﻝ ﻧﻴﺘﺸﻪ " :Nietscheﺇﻥﱠ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﳕﻮﺫﺝ ﻣﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﱠﺔ ﺃﺭﻗﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ
ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ،ﻭﻓﻮﻕ ﺫﻟﻚ ﻫﻮ ﺃﻛﺜﺮ ﻧﺪﺭﺓ" .ﺃﻣﱠﺎ ﺃﻥ ﻳﻨﺒﺜﻖ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻓﺠﺄﺓ ﻭﺳﻂ
ﻋﺮﻕ ﺟﺪﻳﺪ ﻭﻣﺎ ﻳﺰﺍﻝ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺸﻜّﻞ ،ﻓﺈﻧﱠﻪ ﻳﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺳﺮّ ﻋﻀﻮﻱّ ﻭﻳﺒﻌﺚ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴﺮ ﻛﺜﻴﺮﺍً .ﺑﺎﻟﻄﱠﺒﻊ ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﻮﺳﻂ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﳊﺎﻝ ﰲ ﺍﳊﻀﺎﺭﺍﺕ
ﺍﻟﻘﺪﳝﺔ .ﻛﻞّ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﲤﺎﻣﺎً .ﻷﻥﱠ ﺍﳊﻴﻮﻳﱠﺔ ﺍﻟﺼﱠﺎﻋﺪﺓ ﻟﻠﻌﺮﻕ ﺍﳉﺪﻳﺪ ﻳﺨﻠﻖ
ﻣﻦ ﺗﺮﻓﻪ ﺍﻟﺪﱠﺍﺧﻠﻲّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩَ ﺍﳌﺨﺘﺎﺭﺓ ﺑﻨﻴّﺔ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﻣﺜﻼً ﻋﻠﻴﺎ .ﺇﻧﱠﻬﺎ ﳕﺎﺫﺝ ﻭﻗﻮﺍﻋﺪ
ﺗﺸﺮﻉ ﰲ ﺗﻜﻤﻴﻞ ﺍﻟﻮﺳﻂ .ﻭﺇﻥﱠ ﻭﺍﻗﻌﺔ ﻇﻬﻮﺭﻛﻦّ ﻟﻲ ﻣﺰﺩﻫﺮﺍﺕٍ ﺳﺎﻋﺔ ﺗﺒﺮﻋﻢ ﺃﻣﱠﺔ
ﻛﺒﻴﺮﺓ ،ﺟﻌﻠﺘﻨﻲ ﺃﺗﺼﻮﱠﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺣﻮﻝ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﰲ ﺍﻟﺘﱠﺎﺭﻳﺦ .ﻭﻛﺎﻥ ﺗﻄﺎﺑﻘﻬﺎ ﻣﻊ
ﻋﻮﺍﻃﻒ ﺩﺍﻧﺘﻲ ﻳﺪﻋﻮﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺃﻋﻴﺪﻫﺎ ﺇﻟﻴﻜﻦّ ﻋﻼﻣﺔَ ﺗﻜﺮﱘ ﻭﻋﺮﻓﺎﻧﺎً ﺑﺎﳉﻤﻴﻞ.
) (١ﺃﻭﻓﺎﻧﺘﺎﺳــﻤﺎﻏﻮﺭﻳﺎ :fantasmagoriaﺳﻠــﺴﻠﺔ ﻣــﻦ ﺍﻷﻭﻫــﺎﻡ ﺗﺘﻌﺎﻗــﺐ ﰲ ﺍﻟــﺬﻫﻦ ﻧﺘﻴﺠــﺔ ﻟﻜــﺎﺑﻮﺱ ﺃﻭ
ﺣﻤﱠﻰ – .ﺍﳌﺘﺮﺟﻢ.
-١٣٠-
ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ،ﻟﻜﻦ ،ﺻﻌﺐ ﺟﺪﱠﺍً ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻧﻬﺎ" .ﻭﺍﳉﺴﻢ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻣﺮﺍً ﻭﺍﺟﺒﺎً ﺑﺎﻹﳒﺎﺯ ﳝﺜُﻞ
ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺮﱡﻭﺡ .ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻗﻮﻝ ،ﻓﻮﻕ ﺫﻟﻚ ،ﺇﻥﱠ ﺍﳉﺴﻢ ﻫﻮ ﻭﺍﻗﻊ )ﺃﻭ ﺣﻘﻴﻘﺔ( ﺍﻟﺮﻭﺡ .ﻭﻣﻦ ﻏﻴﺮ
ﺗﻌﺎﺑﻴﺮ ﻭﺟﻬﻚ ﻳﺎ ﺳﻴﱢﺪﺗﻲ ،ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳُﻌﺮﻑ ﺍﻟﺴّﺮ ﺍﻟﺬﱠﻫﺒﻲّ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻚ.
ﻟﻘﺪ ﺍﻧﻄﻠﻖ ﺍﻟﻨﱠﺎﺱ ﻣﻦ ﲡﺮﻳﺪ ﺯﺍﺋﻒ؛ ﻓﻘﺪ ﻓُﺼﻞ ﺍﳉﺴﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﺮﱡﻭﺡ ﺑﺘﻌﺴﱡﻒ،
ﻭﻛﺄﻧﱠﻬﻤﺎ ﻛﻠﻴﻬﻤﺎ ﻗﺎﺑﻼﻥ ﻟﻼﻧﻔﺼﺎﻝ ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ .ﻟﻜﻦﱠ ﺍﳉﺴﻢ ﺍﳊﻲّ ﻟﻴﺲ ﻛﺎﳌﻌﺪﻥ:
ﻣﺎﺩﱠﺓ ﺑﺤﺘﺔ .ﺍﳉﺴﻢ ﳊﻢ ﻭﺍﻟﻠﺤﻢ ﺣﺴﺎﺳﻴﱠﺔ ﻭﺗﻌﺒﻴﺮ .ﻭﺇﻥﱠ ﻳﺪﺍً ﻭﻭﺟﻨﺔ ﻭﺷﻔﺔ )ﺗﻘﻮﻝ(
ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺷﻴﺌﺎً ﻣﺎ ،ﺇﻧﱠﻬﺎ ﰲ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﻭﻛﺒﺴﻮﻻﺕ ﺭﻭﺣﻴﱠﺔ ﻭﻣﻈﻬﺮ ﺧﺎﺭﺟﻲّ ﻟﻬﺬﺍ
ﺍﻟﺒﺎﻃﻦ ﺍﻟﻬﺎﻡّ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺴﻤّﻴﻪ ﻧﻔﺴﺎً ،psiqueﻭﺍﳉﺴﻤﻴﱠﺔ ﻳﺎ ﺳﻴﱢﺪﺗﻲ ،ﻣﻘﺪﱠﺳﺔ ﻷﻥﱠ ﻟﻬﺎ
ﺭﺳﺎﻟﺔً ﻫﺎﻣﱠﺔ ﰲ ﺃﻥ ﺗﺼﺒﺢ ﺭﻣﺰ ﺍﻟﺮﻭﺡ.
ﻭﻟﻢَ ﺍﺣﺘﻘﺎﺭ ﺍﻷﺭﺽ؟ ﻓﻬﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻨﱠﺎﺳﻚ ﺑﺪﺭﻭﺩﺍﻣﻴﺎﻥ ﻧﻔﺴﻪ ﻻ ﻳﻨﺴﻰ ﻭﻫﻮ ﰲ
ﺍﳉﻨﱠﺔ ،ﺯﻳﺖ ﺍﻟﺼّﻮﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻠﻎ ﺑﻪ ﺍﻟﺴﱠﻤﺎﺀ:
ﺇﻥﱠ ﺇﳝﺎﻧﻲ ﰲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﷲ ﺟﺪّ ﺛﺎﺑﺖ
ﺣﺘﱠﻰ ﻛﻨﺖ ﺃﻛﺘﻔﻲ ﺑﺄﻃﻌﻤﺔ ﺧﻔﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﺯﻳﺖ
ﺍﻟﺰﻳﺘﻮﻥ ﺳﺎﺧﻨﺔ ﻭﺑﺎﺭﺩﺓ
ﻣﺴﺮﻭﺭﺍً ﺑﺎﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺘﱠﺄﻣﱡﻠﻴﱠﺔ
ﻭﺍﻟﺜﱠﺎﺑﺖ ﺃﻥﱠ ﻗﺎﻃﻨﻲّ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻵﺧﺮ ﻳﺘﺰﺍﺣﻤﻮﻥ ﺳﺮﺍﻋﺎً ﺣﻮﻝ ﺩﺍﻧﺘﻲ
ﻛﺤﺸﺮﺍﺕ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻀﱠﻮﺀ ،ﻛﻴﻤﺎ ﻳﺸﺮﺑﻮﺍ ﻋﻨﺪﻩ ﻗﻠﻴﻼً ﻣﻦ ﺍﳊﻴﺎﺓ ،ﻭﻳﺘﻌﺜﱠﺮﻭﻥ
ﻟﻴﺴﺄﻟﻮﻩ ﺃﺧﺒﺎﺭﺍً ﻋﻦ ﺍﻷﺭﺽ.
ﻳﻠﺰﻣﻨﺎ ﻳﺎ ﺳﻴﱢﺪﺗﻲ ،ﺃﻥ ﻧﺴﻤﻊ ﺇﻟﻬﺎﻣﺎً ﺟﺪﻳﺪﺍً ﻟﻚ ﺣﻮﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﻮﺍﺿﻴﻊ
ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ .ﻓﻨﺤﻦ ﰲ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺷﻔﻖ ﻛﻮﻧﻲّ .ﻭﻳﻨﺰﻝ ﻋﺎﻟﻢ ﻛﺎﻣﻞ ﻣُﺤﺘﻀَﺮ ﻣﺤﺎﻃﺎً
ﺑﺤﻔﻠﺔ ﻧﺰْﻋﻪ ﺍﻟﺮﱠﺍﺋﻌﺔ .ﻭﻳﻠﻤﺲ ﺍﻟﻘﺮﺹُ ﺍﳌﻠﺘﻬﺐ ﺧﻂﱠ ﻗﺒﺮﻩ ﺍﻟﺴﱠﺎﻛﻦ ﺍﻟﺒﺎﺭﺩ
ﻭﺍﻷﺧﻀﺮ .ﻭﺗﻈﻞﱡ ﺃﺧﻴﺮﺍً ﺑﻘﻴﱠﺔ ﻣﻦ ﺿﻴﺎﺀ:
ﺍﻟﺸﱠﻤﺲُ ﺗﻐﻴﺐُ ﻭﺍﻟﻠﻴﻞُ ﻳُﻘﺒﻞ
ﻓﻼ ﺗﺘﻮﻗﱠﻔﻮﺍ ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﺍﺑﺤﺜﻮﺍ ﻋﻦ ﻣﺨﺮﺝ
ﻭﳌﱠﺎ ﻳﻐﺮﻕِ ﺍﻟﻐﺮﺏُ ﰲ ﺍﻟﻈﱠﻼﻡ.
-١٣١-
ﺍﳋﻠﻔﻴﺔ ﻣﻨﻈﺮ ﻣﻊ ﻇﺒﻴﺔ
ﻛﺎﻥ ﰲ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﺣﻮﺍﻟﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ ١٧٩٣ﺭﺟﺎﻝ ﻛﺜﻴﺮﻭﻥ .ﻟﻜﻦﱠ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﺭﺟﻮﻟﺔ
ﰲ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﺣﻴﻨﺌﺬٍ ،ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺟﺢ ﻧﻴﻠﺴﻮﻥ .Nelsonﻭﻧﺎﺑﻠﻴﻮﻥ؟ ﻧﺎﺑﻠﻴﻮﻥ ﻛﺎﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ
ﺭﺟﻞ .ﻛﺎﻥ )ﺳﻮﺑﺮ ﻣﺎﻥ( ﺃﻭ ﻧﺼﻒ ﺁﻟﻪ.
ﻟﺌﻦ ﻛﺎﻥ ﻧﻴﻠﺴﻮﻥ ﺭﺟﻼً ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﻛﻠﻲّ ﻭﺿﺨﻢ ،ﻓﻜﺎﻥ ﻳﺒﺪﻭ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﺃﺧﺮﻯ
ﻛﺜﻴﺮﺓ .ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ "ﻣﻘﻴﺎﺱ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻛﻠّﻬﺎ" ﻓﻬﻮ ﻣُﻔﺘﺮﻕ ﻃﺮﻕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻭﻣﻨﻪ
ﺗﻨﻄﻠﻖ ﺍﻟﺪﺭﻭﺏ ﺑﺎﺗﱢﺠﺎﻩ ﺳﺎﺋﺮِ ﻣﺎ ﻋﺪﺍﻩ .ﻭﺇﺫْ ﳝﺪّ ﻣﻼﻣﺤﻪ ﰲ ﺍﺗﱢﺠﺎﻩ ﺃﻭ ﰲ ﺁﺧﺮ ﻓﺈﻧﱠﻪ
ﻳﺼﻞ ﺣﺘﱠﻰ ﺇﻟﻰ ﺻﻮﺭ ﺭﺍﺋﻌﺔ ﻭﻣﺨﻴﻔﺔ .ﻭﺍﳌﺨﻴﱠﻠﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﱠﺔ ﺟﻮّ ﻛﺜﻴﻒ ﺗﺤﺪﺙ ﻓﻴﻪ ﺩﺍﺋﻤﺎً
ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺴﱠﺮﺍﺏ .fata Morganaﻭﻫﻜﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﻧﻴﻠﺴﻮﻥ ﻋﺒﻘﺮﻳﱠﺔ ﺃﻃﻠﺴﻴﱠﺔ ﺁﺧﺬﺓ ﺑﻔﺮﺽ
ﻧﻈﺎﻣﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺤﺎﺭ ﰲ ﻧﻈﺮ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺮﻳﻒ ﺍﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻲ ﺍﳉﺪﻳﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﻦ
ﺃﻣﺜﺎﻟﻪ ﻛﺜﻴﺮﻭﻥ ﰲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺼﺮ ،ﻭﳑﱠﻦ ﻳﻘﺮﺃ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﰲ ﺍﻟﺼﱡﺤﻒ .ﻭﺇﺫﺍ ﻧُﻈﺮَ ﺇﻟﻴﻪ
ﻫﻜﺬﺍ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﻛﺎﻥ ﻧﺒﺘﻮﻥ .ﻭﻛﺎﻥ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺮّﻳﻒ ﻳﻘﺮﺃ ﺍﻟﺼﱠﺤﻴﻔﺔ ﻗﺮﺏ ﺍﳌﺪﻓﺄﺓ ﺍﳉﺪﺍﺭﻳﱠﺔ
ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻀﻊ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺮﻭﻧﺰ؛ ﻭﻛﺎﻥ ﻣﺤﻴﻄﻬﺎ ﺍﻟﻜﺮﻭﻱّ ﻳﻘﺒﻊ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﳊﻀﻦ
ﺍﳌﺴﺘﺪﻳﺮ ﳌﻮﺟﺔ ﻣﻌﺪﻧﻴﱠﺔ ﻳﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻃﺎﻓﻴﺎً ﺇﻟﻪ ﻋﺎﺭٍ ﻳﺤﻤﻞ ﰲ ﻳﺪﻩ ﺭﻣﺤﺎً ﻣﺜﻠﱠﺚ
ﺍﻟﺴّﻨﺎﻥ .ﺇﻧﱠﻪ ﻧﻴﻠﺴﻮﻥ .ﻟﻜﻨﱠﻪ ﺇﺫﺍ ﻧُﻈﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ ﻛﺎﻥ ﺷﻴﺌﺎً ﺁﺧﺮ ،ﻛﺎﻥ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﺃﺧﺮﻯ
ﻛﺜﻴﺮﺓ :ﻛﺎﻥ ﺭﺟﻼً ﺻﻐﻴﺮ ﺍﳊﺠﻢ ،ﻗﺎﺳﻲ ﺍﳌﻼﻣﺢ ﻭﺧﺸﻨﺎً ﻛﻤﺼﺮﺍﻉ ﺻﺪﻓﺔ ﺭﺧﻮﻱ،
ﻭﺫﺍ ﻧﻔﺲ ﻗﺎﲤﺔ ﻭﻋﺎﺻﻔﺔ ﻣﺜﻞ ﺗﺮﻳﺘﻮﻥ 1ﺇﻧﻜﻠﻴﺰﻱّ ،ﺇﻧﱠﻪ ﻛﺎﺋﻦ ﻻ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﻛﻴﻤﺎ ﻳﻌﻴﺶ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﻜﺮﻫﻪ ﻭﻳﺒﻌﺪﻩ ﻋﻨﻪ ﻛﻤﺎ ﻳُﻨﻔﺾ ﻏﺒﺎﺭ ﺍﻟﻄﱠﺮﻳﻖ ﺁﻧﺎﺀ ﺍﻟﻨﱠﻬﺎﺭ ،ﻭﻛﻤﺎ ﺗﺒﻌُﺪ
ﺍﳉﺪﺍﺟﺪ ﺍﻟﺼﺨﱠﺎﺑﺔ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻠﻴﻞ) .ﻭﻛﻞّ ﻣﺎ ﺧﻄﺮ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﻋﻦ ﺇﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﺑﻌﺪ ﻋﻴﺸﻪ
ﰲ ﻧﺎﺑﻮﻟﻲ ﺃﻣﺘﻊ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﺣﻴﺎﺗﻪ -ﺳﺎﻋﺎﺕ ﻣﻦ ﺣﺮﻳﻖ ﻏﺮﺍﻣﻲّ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻜﻬﻮﻟﺔ
ﺍﻟﺘﻲ ﺻﺎﺭﺕ ﻗﺎﺣﻠﺔ ﻗﻠﻴﻼً -ﺇﻧﱠﻬﺎ ﺑﻠﺪ ﻻ ﻳُﻄﺎﻕ ﻣﻦ ﻋﺎﺯﰲ ﺍﻟﻜﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ
) (١ﺃﺣﺪ ﺁﻟﻬﺔ ﺍﻟﺒﺤﺎﺭ ﻋﻨﺪ ﺍﻹﻏﺮﻳﻖ ،ﻧﺼﻔﻪ ﺑﺸﻜﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻭﻧﺼﻔﻪ ﺍﻵﺧﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﺳﻤﻜﺔ – .ﺍﳌﺘﺮﺟﻢ.
-١٣٢-
ﻭﺍﻟﻘﻮّﺍﺩﻳﻦ( .ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﳌﻼﺣﻴﱠﺔ ﺗﺘﻜﻮﱠﻥ ﻣﻦ ﻫﺒﱠﺎﺕٍ ﻋﻨﻴﻔﺔ ﻣﺮﱠﺕ ﻋﻠﻴﻪ ﺁﺧﺬﺓ ﻣﻌﻬﺎ
ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻨﻪ :ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺗﺄﺧﺬ ﻋﻀﻮﺍً ،ﰒﱠ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ،ﻋﻀﻮﺍً ﺁﺧﺮ ،ﺳﻮﺍﺀ ﺃﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺬﺭﺍﻉ! ﺃﻡ
ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﲔ! ﻭﺍﻟﻄﺮﻳﻒ ﺃﻥﱠ ﻛﻞّ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻋﻀﺎﺀ ﺍﳌﺒﺘﻮﺭﺓ ﻭﻏﻴﺎﺑﻬﺎ ﻛﺎﻥ ﻳُﺒﺮﺯ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻳﺒﺮﺯ
ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﰲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺍﻟﺼﱠﻐﻴﺮ ﻣﻦ ﺭﺟﻮﻟﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ .ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺷﺠﺎﻋﺘﻪ ﺗﺘﺮﻛﱠﺰ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ
ﺑﻘﻲ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺃﻋﻀﺎﺀ.
ﻭﺭﺳﺎ ﺫﺍﺕ ﻟﻴﻠﺔ ﺑﻔﺮﻗﺎﻃﺎﺗﻪ ﺍﻟﻀﱠﺨﻤﺔ ﰲ ﺧﻠﻴﺞ ﻧﺎﺑﻮﻟﻲ ﻗﺒﻞ ﻫﺰﳝﺘﻪ ﺃﺳﻄﻮﻝَ
ﺑﻮﻧﺎﺑﺮﺕ ﰲ ﺃﺑﻲ ﻗﻴﺮ .ﻭﺫﻫﺐَ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻔﺎﺭﺓ ﺍﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﱠﺔ ﺣﻴﺚ ﺍﺳﺘﻘﺒﻠﻪ ﺍﻟﺴﱠﻔﻴﺮ ﺍﻟﺴﻴﺮ
ﻭﻳﻠﻴﺎﻡ ﻫﺎﻣﻠﺘﻮﻥ.S.W Hamilton :
ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﱠﺔ ،Humanidadﻣﻔﻬﻮﻡ ﻓﻀﻔﺎﺽ ﺟﺪﱠﺍً ﻭﻛﺮﱘ :ﰲ ﺃﺣﺪ ﻃﺮﻓﻴﻪ
ﳝﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻘﺒﻊ ﺍﻷﻣﻴﺮﺍﻝ ﻧﻴﻠﺴﻮﻥ ،ﻭﰲ ﺍﻟﻄﱠﺮﻑ ﺍﻵﺧﺮ ﻫﺎﻣﻠﺘﻮﻥ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ
ﻳﻌﻴﻘﺎ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ ﺑﻌﻀﺎً .
ﻭﻟﻌﻠﱠﻨﺎ ﻧﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻧﻌﺮﻑ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﱠﻴﱢﺪ ﺍﻷﺧﻴﺮ ،ﻭﻧﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻪ ﻭﻧﻨﻄﻠﻖ ﻣﻌﻪ.
ﻷﻧﱠﻪ ﺭﺟﻞ ﻣﺠﺮّﺏ ،ﻭﻫﺎﻭﻱ ﺟﻤﻊ ﻛﺒﻴﺮ ﻭﺭﻳﺒﻲ ﻛﺒﻴﺮ .ﻭﺍﻟﺮﱠﻳﺒﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺍﻷﺧﺼﺐ
ﺣﻴﺎﺓ ﻭﺍﻷﻏﻨﻰ ﻭﺍﻷﻛﻤﻞ .ﻭﺇﻥﱠ ﻓﻜﺮﺓً ﻏﺒﻴﺔً ﺗﺤﻤﻠﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺰّﻋﻢ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﺮﻳﺒﻲ ﻻ ﻳﺆﻣﻦ
ﺑﺸﻲﺀ .ﺇﻧﱠﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﲤﺎﻣﺎً .ﻓﺎﻟﺮﱠﻳﺒﻲ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺍﻟﺪّﻭﻏﻤﺎﻧﻲّ ﰲ
ﺃﻥﱠ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺸﻲﺀ ﻭﺍﺣﺪ ،ﻭﺍﻷﻭﱠﻝ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺄﺷﻴﺎﺀ ﻛﺜﻴﺮﺓ ،ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻬﺎ ﻛﻠّﻬﺎ
ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً .ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﻌﺪﱡﺩ ﰲ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﺠﻢ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎً ،ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻟﻴّﻨﺔ
ﻋﺬﺑﺔ .ﻭﻛﺎﻥ ﻫﺎﻣﻠﺘﻮﻥ ﻣﻦ ﺃﻭﺍﺋﻞ ﻣﻦ ﺟﻤﻊ ﺃﺷﻴﺎﺀ "ﻛﻼﺳﻴﻜﻴﱠﺔ" ،ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺑﺪﺃ ﺣﻔﺮﻳﱠﺎﺕ
ﺑﻮﻣﺒﻲ .Pompeyaﻭﻣﺠﻤﻮﻋﺘﻪ ﺍﻟﻔﺮﻳﺪﺓ ﺗﺴﺘﻘﺮ ﺍﻟﻴﻮﻡ ،ﻛﻤﺎ ﺃﻋﺘﻘﺪ ،ﰲ ﺍﳌﺘﺤﻒ
ﺍﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲّ .Britich Museum
ﻗُﺪﱢﻡ ﻧﻴﻠﺴﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺯﻭﺟﺔ ﺍﻟﺴﱠﻔﻴﺮ ،ﻓﺄﺣﺲﱠ )ﺍﻟﺘﺮﻳﺘﻮﻥ( ﻷﻭﱠﻝ ﻣﺮﱠﺓ ﺑﻘﻮﱠﺓ ﻏﻴﺮ
ﻣﺤﺪﱠﺩﺓ ﺗﻨﻬﺸﻪ .ﺣﺴﻦ :ﻟﻘﺪ ﺍﺳﺘﻘﺮﱠﺕ ﺍﻷﺳﻄﻮﺭﺓ ،ﺃﺳﻄﻮﺭﺓ ﺟﻮﻫﺮﻳﱠﺔ ﺑﺬﻝ ﺍﻟﻜﺘﱠﺎﺏ
ﻭﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﺟﻬﻮﺩﻫﻢ ﻛﻴﻤﺎ ﻳﺘﺤﺎﺷﻮﻫﺎ .ﻭﺃﻧﺎ ﺗﺤﺎﺷﻴﺘﻬﺎ ﻳﻘﻴﻨﺎً .ﻭﺍﻷﺳﻄﻮﺭﺓ
ﻫﻲ :ﻧﻴﻠﺴﻮﻥ ﻭﻫﺎﻣﻠﺘﻮﻥ ﳕﻮﺫﺟﺎﻥ ﻫﻤﺎ ﺃﺷﺪّ ﳕﺎﺫﺝ ﺍﻟﺬﻛﻮﺭﺓ ﳝﻜﻦ ﺗﺨﻴّﻠﻬﺎ ،ﺗﻌﺎﺭﺿﺎً،
ﻋﺸﻘﺎ ﺍﻟﻠﻴﺪﻱ ﻫﺎﻣﻠﺘﻮﻥ ﺫﺍﺗﻬﺎ .ﺑﺎﻟﻄﱠﺒﻊ ،ﻛﻞّ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻮﺳّﻄﻮﻥ ﻓﻴﻤﺎ
ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺍﻧﻬﺎﺭﻭﺍ ﺃﻳﻀﺎً ﺗﺤﺖ ﻭﻃﺄﺓ ﺳﺤﺮﻫﺎ.
-١٣٣-
ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺍﻷﺳﻄﻮﺭﺓ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻟﻮ ﺃﺟﺒﻨﺎ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﱡﺆﺍﻝ :ﻣﻦ ﻫﻲ ﺍﻟﻠﻴﺪﻱ ﻫﺎﻣﻠﺘﻮﻥ؟
ﺍﻟﻠﻴﺪﻱ ﻫﺎﻣﻠﺘﻮﻥ ﻫﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻴﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﲤﺮﱡ ﺍﻵﻥ ﺑﻘﻨﺰﻋﺔ ﺑﻴﻀﺎﺀ ﺭﺍﻛﺒﺔ ﻓﺮﺳﺎً ﺻﻐﻴﺮﺍً
ﻛﻤﻴﺘﺎً .ﺇﻧﱠﻬﺎ ﺻﺪﻳﻘﺔ ﺣﻤﻴﻤﺔ ﺟﺪﱠﺍً ﳌﻠﻜﺔ ﻧﺎﺑﻮﻟﻲ ﻣﺎﺭﻱ ﻛﺎﺭﻭﻟﻴﻨﺎ ﺃﺧﺖ ﻣﺎﺭﻱ ﺃﻧﻄﻮﺍﻧﻴﺖ،
ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺃﳒﺒﺖ ﲦﺎﻧﻴﺔ ﻋﺸﺮ ﺍﺑﻨﺎً ﻭﻣﺎ ﺗﺰﺍﻝ ﺗﺤﺘﻔﻆ ﺑﺤﺮﺍﺭﺓ ﻟﺘﺤﺐّ ﻫﺬﻩ ﺍﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﱠﺔ .ﺇﻣﱠﺎ
ﻫﺎﻣﻠﺘﻮﻥ Emma Hﻛﺎﻧﺖ ﺃﺟﻤﻞ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﰲ ﺍﳌﻤﻠﻜﺔ ﺍﳌﺘﱠﺤﺪﺓ .ﻭﺟﻤﺎﻟﻬﺎ "ﺟﻤﺎﻝ ﺭﺳﻤﻲّ"
ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻨﱠﺎﺱ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﻛﻤﺎ ﻳُﺸﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﱡﺼﺐ ﺍﻟﺘﺬﻛﺎﺭﻳﱠﺔ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﱠﺔ .ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺗﻐﻨّﻲ
ﺑﺼﻮﺕ ﻋﺬﺏ ،ﻭﺗُﻘﻴﻢ ﰲ ﺍﻟﺴﱠﻬﺮﺍﺕ ﺟﻠﺴﺎﺕ "ﲤﺜﻴﻞ"؛ ﻓﺘﻀﻊ "ﺍﻟﺸﱠﺎﻝ" ﻭﺗﻠﺒﺲ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻬﻴﻠﻴﻨﻴﱠﺔ ،ﻓﺘﻤﺜّﻞ ﻛﻠﻴﺘﻤﻨﺴﺘﺮﺍ ﺃﻭ ﻛﺎﺳﺎﻧﺪﺭﺍ ،ﻓﺘﻘﻄّﺐ ﺣﺎﺟﺒﻬﺎ ﺍﳌﺄﺳﺎﻭﻱ
ﻭﲡﻌﻞ ﻭﺟﻬﻬﺎ ﺍﳉﻤﻴﻞ ﻳﻜﺘﺌﺐ ،ﺟﺎﻋﻠﺔ ﺍﻟﻨﱡﻮﺭ ﺍﳌﻨﻌﻜﺲ ﻳﻨﻜﺴﺮ ﰲ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ﰲ
ﺻﻮﺭ ﻏﻴﺪﻭ ﺭﻳﻨﻲ .Guido Reniﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻨﱠﺠﺎﺡ ﺿﺨﻤﺎً :ﻓﻜﺎﻥ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ
"ﺍﻟﺘﱠﻤﺜﻴﻠﻴﱠﺎﺕ" ﻳﺴﺮﻱ ﰲ ﺃﳓﺎﺀ ﺃﻭﺭﻭﺑّﺎ ﻛﻠّﻬﺎ .ﻭﻻ ﻧﻨﺲَ :ﺃﻧﱠﻨﺎ ﰲ ﺳﺎﻋﺔ ﺍﻟﺘﱠﺤﻀﻴﺮ
ﻟﻠﺮّﻭﻣﺎﻧﺴﻴﱠﺔ .ﻓﻜﺎﻥ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻳﺼﻌﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﱠﺃﺱ ،ﻭﺍﻻﻧﻔﻌﺎﻝ ﻣﻘﺒﻮﻝ ﻛﺎﻟﻜﺤﻮﻝ .ﺇﻧﱠﻪ ﻃﻌﻢ
ﺟﺪﻳﺪ ﻣُﺴْﻜﺮ ،ﻭﺍﻟﻨﱠﺎﺱ ﻳﺒﺤﺜﻮﻥ ﺍﻵﻥ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﱡﻜْﺮ ﺑﺸﻜﻞٍ ﺧﺎﺹّ .ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺗُﺘﱠﺨﺬ
ﻣﻮﺿﻮﻋﺎً ﺃﻭ ﺣﺠﱠﺔ ﻹﻋﻼﺀ ﺷﺄﻥ ﺍﳌﺸﺎﻋﺮ .ﻭﻛﺎﻥ ﻳُﻔﺼﺢ ﻋﻦ ﻧﻐﻤﺔ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﲟﻔﺮﺩﺍﺕ
ﺍﻟﻠﻐﺔ :ﻓﻜﻨﺖ ﺗﺴﻤﻊ ﻛﻞّ ﺁﻥ ":ﺇﻟﻬﻲ"" ،ﺳﺎﻡٍ"" ،ﺟﺬﺑﻲ"" ،ﻣﺸﺆﻭﻡ" ،ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺪﱠﻣﻌﺔ
ﺗﺘﺮﻗﺮﻕ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻠﺆﻟﺆﺓ.
ﻭﺫﻟﻚ ﻛﻠّﻪ ﺇﺫﺍ ﻧُﻈﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ،ﺟﺬﱠﺍﺏ ﻃﺮﻳﻒ .ﻟﻘﺪ ﺫﻫﺐ ﺍﳌﺴﺮﺡ ﺇﻟﻰ
ﺍﳊﻴﺎﺓ ،ﻓﺎﻧﺘﻔﺠﺖْ ﻫﺬﻩ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻭﺍﻧﺘﻔﺨﺖ ﻛﺸﺮﺍﻉ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺮﻳﺢ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻬﺐّ ﻋﻠﻰ ﺧﺸﺒﺔ
ﺍﳌﺴﺮﺡ .ﻻ ﺃﺩﺭﻱ؛ ﻟﻜﻦﱠ ﻣﺴﺮﺣﺔ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﺴّﺮ ﳒﺎﺡ "ﲤﺜﻴﻠﻴﱠﺎﺕ" ﺇﻣﱠﺎ ﻫﺎﻣﻠﺘﻮﻥ،
ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﺴﻲّ ،ﺗﺒﺪﻭ ﻟﻲ ﺃﺟﺪﺭ ﺑﺎﻟﺘﱠﻘﺪﻳﺮ ﻣﻦ ﺍﳌﺒﺪﺃ ﺍﳌﻌﺎﻛﺲ ﺍﻟﻨﺎﻓﺬ ﺑﻌﺪ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎﻡ ﻣﻦ
ﺫﻟﻚ ﳌﱠﺎ ﺍﻧﺸﻐﻞ ﺍﳌﺴﺮﺡ ﺑﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﳊﻴﺎﺓ.
ﺣﺴﻦ! ﻟﻜﻦﱠ ﺇﻣﱠﺎ ﻫﺬﻩ ﺻﺪﻳﻘﺔ ﺍﳌﻠﻜﺔ ﻭﺯﻭﺟﺔ ﺍﻟﺴﱠﻔﻴﺮ ﺍﻟﻠﻴﺪﻱ ﻫﺎﻣﻠﺘﻮﻥ ،ﻣﺎﺫﺍ
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ؟ ﺇﺫﺍً ،ﻫﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺸﻴﻘﺔ ﺍﺑﻦ ﺃﺥ ﻫﺎﻣﻠﺘﻮﻥ ﺍﻟﻔﺎﺭﺱ ﻏﺮﻓﻴﻞ Greville
ﺍﻟﺬﻱ ﻣﺮﱠﺭﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﻋﻤّﻪ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻟﻘﻴﻬﺎ ﰲ ﺑﻴﺖ ﻣﻌﺎﻟﺞ ﺩﺟﱠﺎﻝ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﻴﺪ ﻗﻮّﺓ ﺍﳊﺮﻛﺔ
ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻀّﻌﻔﺎﺀ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﺍﻻﻫﺘﺰﺍﺯﺍﺕ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﱠﺔ .ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻒ ﺇﺯﺍﺀ ﺳﺮﻳﺮ ﺍﳌﺮﺽ ﺣﻴﺚ
ﻳﺘﻠﻘﱠﻰ ﺍﳌﺮﻳﺾ ﺗﻔﺮﻳﻎ ﺍﻟﺸّﺤﻨﺎﺕ ،ﻣﺜﻞ )ﻫﻴﺨﻴﺎ( ﺁﻟﻬﺔ ﺍﻟﺼﺤﺔ ،ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺘﺎﺓُ ﺍﻷﻋﺠﻮﺑﺔ
-١٣٤-
ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﺎﺩﻣﺔً ﺑﺴﻴﻄﺔ ﺑﻨﺖ ﻃﺒﱠﺎﺧﺔ .ﻭﻫﻲ ﺍﻵﻥ ﺯﻭﺟﺔ ﺳﻔﻴﺮ ﺇﻧﻜﻠﺘﺮﺍ .ﻭﻟﻴﺲ
ﺳﻬﻼً ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ ﺩﻧﻴﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ.
ﻭﻗﺪ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ :ﻻ ﻳﻜﻔﻲ ﺍﳉﻤﺎﻝ ﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺻﻌﻮﺩ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻜﺒﺮ! ﻓﻼ ﺑﺪﱠ ﻟﻬﺬﻩ
ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻣﻦ ﺃﻧﱠﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﲤﺘﻠﻚ ﻣﻮﻫﺒﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ.
ﻭﻫﺬﻱ ﻫﻲ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﳊﺎﺳﻤﺔ ﰲ ﺍﻷﺳﻄﻮﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻋﺘﺪﻧﺎ ﺃﻥ ﻧﺘﺤﺎﺷﺎﻫﺎ
ﺟﻤﻴﻌﺎً .ﻷﻥﱠ ﺍﳊﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ﻫﻲ ﺃﻥﱠ ﺍﻟﻠﻴﺪﻱ ﻫﺎﻣﻠﺘﻮﻥ ﻻ ﲤﺘﻠﻚ ﺃﻳﱠﺔ ﻣﻮﻫﺒﺔ ،ﺣﺘﱠﻰ
ﻭﻻ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺭﻓﻴﻌﺔ ﻭﻻ ﺫﻭﻗﺎً ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ،ﺃﻭ ﺇﺩﺭﺍﻛﺎً ﺳﻠﻴﻤﺎً .ﺇﻧﱠﻬﺎ ﺍﻟﻄّﻴﺶ ﻛﺎﻣﻼً .ﻭﻛﺎﻧﺖ
ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺍﺭﺗﺪﺍﺀ ﺑﺰﱠﺍﺕ ﻭﺧﻠﻊ ﺑﺰﱠﺍﺕ ،ﻭﺍﻟﺬﱠﻫﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﺣﻔﻠﺔ ﺇﺛﺮ ﺣﻔﻠﺔ ﻭﺍﻹﻳﺎﺏ
ﻣﻨﻬﺎ ،ﻭﺗﺒﺬﻳﺮ ﺍﳌﺎﻝ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﱠﻮﻗﱡﻒ ﻭﺍﻟﺮﱠﻗﺺ ﻭﺍﳊﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﺘﱠﺎﻓﻬﺔ ،ﻭﺩﻋﻮﺓُ ﺍﻟﻨﱠﺎﺱ ﻭﻗﺒﻮﻝ
ﺍﻟﺪﱠﻋﻮﺍﺕ .ﺇﻧﱠﻬﺎ ﺍﻟﺘﱠﻔﺎﻫﺔ ﺍﻷﺑﺪﻳﱠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﻨﺎﻫﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﺗﺤﺖ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺳﻢ ﺃﻭ ﺫﺍﻙ،
ﻭﻋﺸﻘﻨﺎﻫﺎ ﺫﺍﺕ ﻣﺮﱠﺓ .ﻟﺬﻟﻚ ﺃﻗﻮﻝ ﺇﻥﱠ ﺍﻷﺳﻄﻮﺭﺓ ﺃﺳﺎﺳﻴﱠﺔ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻣﺠﺮﱠﺩ ﺣﻜﺎﻳﺔ.
ﻟﺬﻟﻚ ﻳﻠﺘﻔﺖ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺭﺍﺀ ﻭﻳﻘﻮﻝ" :ﺭﺑﱠﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻔﺮﻃﺔ ﰲ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ".
ﺃﺟﻞ ،ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻧﱠﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺬﻟﻚ .ﻟﻜﻦﱠ ﺫﻟﻚ ﻻ ﻳﻔﺴﱢﺮ ﺃﻳﻀﺎً ﺃﻥ ﻳﻌﺸﻘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ
ﺟﺬﺭﻱ ﺭﺟﺎﻝ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻧﻴﻠﺴﻮﻥ ﻭﻫﺎﻣﻠﺘﻮﻥ .ﻷﻥﱠ ﺍﳉﻤﺎﻝ ﺍﳌﻔﺮﻁ ﻋﻘﺒﺔ ﻛﻴﻤﺎ ﻳﺸﻌﺮ
ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ﺭﺟﺎﻝ ﺫﻭﻭ ﺷﻌﻮﺭ ﻓﺎﺋﻖ ،ﻣﻨﺠﺬﺑﲔ ﳓﻮ ﺍﻣﺮﺃﺓ .ﻭﻛﻤﺎﻝ ﻭﺟﻪ ﻛﻤﺎﻻً ﻣﻔﺮﻃﺎً
ﻳﺪﻋﻮﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺗﺸﻴﻲﺀ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺬﻱ ﳝﻠﻜﻪ ،ﻭﺍﻻﺑﺘﻌﺎﺩ ﻋﻨﻪ ﻛﻴﻤﺎ ﻧُﻌﺠﺐ ﺑﻪ ﻛﻤﻮﺿﻮﻉ
ﺟﻤﺎﻟﻲّ .ﻭ"ﺿﺮﻭﺏ ﺍﳉﻤﺎﻝ ﺍﻟﺮﱠﺳﻤﻲّ" ﻳﻌﺸﻘﻬﺎ ﺍﳌﻐﻔﱠﻠﻮﻥ ﻭﺻﺒﻴﺎﻥ ﺍﶈﻼﱠﺕ ﻓﺤﺴﺐ.
ﺇﻧﱠﻬﺎ ﻧُﺼﺐ ﻋﺎﻣﱠﺔ ﻭﻃﺮﺍﺋﻒ ﻳﺘﺄﻣّﻠﻬﺎ ﺍﳌﺮﺀ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﻘﻒ ﻋﻨﺪﻫﺎ ،ﻭﻳُﺤﺲﱡ
ﺇﺯﺍﺀﻫﺎ ﺃﻧﱠﻪ ﺳﺎﺋﺢ ﻭﻟﻴﺲ ﻣﺤﺒﱠﺎً.
ﻳﺤﺴﻦُ ﺑﻨﺎ ﺇﺫﺍً ،ﺃﻻﱠ ﻧﻬﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﳌﺴﺄﻟﺔ ﻋﺒﺮ ﻧﺎﻓﺬﺓ ﺍﳉﻤﺎﻝ .ﻓﻤﻦ ﻏﻴﺮ ﺟﺮﻋﺔ
ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺒﻄﻼﻥ ﺍﳌﺨﺘﻠﻔﺎﻥ ﻧﻴﻠﺴﻮﻥ ﻭﻫﺎﻣﻠﺘﻮﻥ ﺃﺣﺒﱠﺎ ﺇﻣﱠﺎ .ﻟﻜﻦﱠ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺠﺬﺑﻬﻤﺎ
ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﱠﺎً ﻛﺎﻥ ﺷﻴﺌﺎً ﺁﺧﺮ .ﻭﺃﻧﺎ ﺁﻣﻞ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻭﻡ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﺍﻹﻏﺮﺍﺀ ﺍﻟﺸﱠﻌﺒﻲ ﺍﳌﺒﺘﺬﻝ ﺍﻟﺬﻱ
ﻳﻔﺘﺮﺽ ﺃﻥﱠ ﺍﳊﺐّ ﻋﻨﺪ ﺭﺟﻞٍ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄّﺮﺍﺯ ﻳﻨﺸﺄ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﱠﻬﻮﺓ ﺍﳉﻨﺴﻴﱠﺔ.
ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻠﻴﺪﻱ ﻫﺎﻣﻠﺘﻮﻥ ﺍﻟﺮﱠﺷﻴﻘﺔ ﺍﳋﻔﻴﻔﺔ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺸﱠﻌﺮ ﺍﻟﻨﱠﺎﻋﻢ ﻭﺍﻟﺮﺃﺱ
ﺍﻟﺼﱠﻐﻴﺮ ﺍﻟﻘﻠِﻖ ﺗﻈﻬﺮ ﰲ ﺧﻠﻔﻴﱠﺔ ﺍﳌﻨﻈﺮ ﻛﺎﻟﻈﱠﺒﻴﺔ .ﺇﻧﱠﻪ ﺍﳌﻨﻈﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳُﻌﻠﱠﻖ ﰲ ﺑﻴﻮﺕ
-١٣٥-
ﺇﻧﻜﻠﺘﺮﺍ ﻛﻠّﻬﺎ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً .ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻠﻴﺪﻱ ﻫﺎﻣﻠﺘﻮﻥ ﻣﻦ ﺳﺪﺍﺩ ﺍﻟﺮﱠﺃﻱ ﺃﻛﺜﺮ ﳑﱠﺎ ﻟﺪﻯ
ﺍﻟﻈﱠﺒﻴﺔ .ﻓﻠِﻢَ ﻳﻌﺸﻘﻬﺎ ﺭﺟﻼﻥ ﻣﺜﻞ ﻧﻴﻠﺴﻮﻥ ﻭﻫﺎﻣﻠﺘﻮﻥ؟
ﺇﻥﱠ ﺣﻞّ ﺍﻟﻠﻐﺰ ﺍﶈﺘﻤﻞ ﻫﺎﻡّ ﺇﻟﻰ ﺣﺪﱟ ﻣﺎ ،ﻭﻻ ﺃﺩﺭﻱ ﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺃﺟﺮﺅ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﻋﺪ
ﺑﻪ ﰲ ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﻘﺎﺩﻡ.
ﻟﻘﺪ ﻟﻘﻴﺖُ ﺃﻭﳌﻴﺪﻭ ،ﻭﻣﻦ ﻫﻮ ﺃﻭﳌﻴﺪﻭ؟ ﰲ ﺭﺃﻳﻲ ،ﻫﻮ ﺭﺟﻞ ﻳﺜﻴﺮ ﺍﻹﻋﺠﺎﺏ .ﺇﻧﱠﻪ
ﺫﻛﻲّ ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻔﻜﱢﺮﺍً .ﻭﺃﺟﻬﻞ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻵﺧﺮﻭﻥ ﺫﻭﻱ ﺣﻆّ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﺣﻈّﻪ .ﻟﻜﻦﱠ ﻣﺎ
ﻭﺿﻌﺘﻪ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﺇﺯﺍﺋﻲ ﻳﻔﺮﺽ ﻋﻠﻲّ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﺍﳌﻐﻴﻈﺔ ﺃﻧﱠﻪ ﻳﻜﺎﺩ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞّ ﰲ
ﺯﻣﺎﻧﻨﺎ ،ﺭﺟﺎﻝ ﺃﺫﻛﻴﺎﺀ ﻏﻴﺮَ ﺍﳌﻔﻜّﺮﻳﻦ .ﻭﺇﺫْ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﳌﻔﻜﱢﺮﻳﻦ ﻏﻴﺮَ ﺃﺫﻛﻴﺎﺀ ﺃﻳﻀﺎً ،ﻓﺈﻥﱠ
ﺍﻟﺬﱠﻛﺎﺀ ﻳﺒﺪﻭ ﺣﺎﺩﺛﺎً ﻃﺎﺭﺋﺎً ﻏﺮﻳﺒﺎً ﺑﺈﻓﺮﺍﻁ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍﻷﺭﺿﻴﱠﺔ .ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ
ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻴﺜﻴﺮ ﻣﻀﻤﻮﻧﻬﺎ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﻋﻦ ﺣﻖّ ،ﻫﻲ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﳌﻦ ﻳﺘﺒﻨﱠﺎﻫﺎ ،ﻣﺮﻫﻘﺔ
ﻭﻣﺨﺠﻠﺔ ﺑﺸﻜﻞٍ ﻛﺒﻴﺮ .ﻭﻷﺳﺒﺎﺏ ﻛﺜﻴﺮﺓ .ﻟﻜﻨﱠﻨﺎ ﺇﺫﺍ ﺍﻧﻄﻠﻘﻨﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ،ﻳﺼﺒﺢ
ﻣﺤﺘﻤﻼً ﺟﺪﱠﺍً ﺃﻻﱠ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﳌﺮﺀ ﺫﺍﺗﻪ ﺫﻛﻴﱠﺎً ﰲ ﺷﻲﺀ ،ﺑﺎﻟﺘﱠﺎﻟﻲ ،ﺗﻜﻮﻥ ﺃﻓﻜﺎﺭﻩ ﻛﻠّﻬﺎ ﺯﺍﺋﻔﺔ،
ﺣﺘﱠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﻌﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺬﱠﻛﺎﺀ .ﻟﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﺃﻣﺮ ﻻ ﻣﺤﻴﺪ
ﻋﻨﻪ .ﻓﻼ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﻘﻔﺰ ﺧﺎﺭﺝ ﻇﻠّﻪ ،ﻭﻻ ﺃﻥ ﳝﺘﻠﻚ ﻗﻨﺎﻋﺎﺕٍ ﻏﻴﺮَ ﻣﺎ ﳝﺘﻠﻜﻪ
ﻣﻨﻬﺎ .ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﻄﻠﺐ ﻣﻦ ﻛﻞّ ﻓﺮﺩ ﺃﻥ ﻳﻐﻨّﻲ ﺃﻏﻨﻴﺘﻪ ﺑﺼﺪﻕ ﻓﻘﻂ .ﻭﺃﻏﻨﻴﺘﻲ
ﳝﻜﻦ ﻟﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮﺍﻥ ﻣﻮﻋﻈﺔ ﻣﺎﺳﻴّﻮﻥ Massillonﺍﳌﺸﻬﻮﺭﺓ :ﺣﻮﻝ ﻗﻠّﺔ ﻋﺪﺩ
ﺍﻟﻨُﺨﺐ .Sur le petit nombre des élus .ﻭﻟﻢ ﻳﺰﺭﻉ ﺷﻲﺀ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺂﺑﺔ ﻛﻠّﻬﺎ ﰲ ﻧﻔﺲ
ﺍﳌﺮﺀ ﻛﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﱠﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﺃﻥﱠ ﻋﺪﺩ ﺍﻷﺫﻛﻴﺎﺀ ﺷﺪﻳﺪ ﺍﻟﻨﺪﺭﺓ.
ﻭﻟﻴﺲ ﺍﳌﺮﺍﺩ ﺃﻥ ﻧﻄﻠﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻴﺮ ﻋﺒﻘﺮﻳﱠﺔ .ﻓﺄﻧﺎ ﺃﻓﻬﻢ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺔ ﺫﻛﺎﺀ ﺃﻥ ﻳﺘﻔﺎﻋﻞ
ﺍﻟﺬﻫﻦ ﻣﻊ ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺑﺸﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺪّﻗﱠﺔ ﻭﺍﻟﺘﱠﺤﺪﻳﺪ ﻓﺤﺴْﺐ ،ﻭﺃﻻ ﻳﺴﻲﺀ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺑﺸﻜﻞ
ﺩﺍﺋﻢ ﻭﺃﻻ ﳔﻠﻂ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺑﺒﻌﻀﻬﺎ ،ﺧﺎﺻﱠﺔ ﺃﻥ ﻳﺮﻯ ﺍﳌﺮﺀ ﻣﺎ ﻳﻘﻒ ﺃﻣﺎﻣﻪ ﺑﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ
ﺍﻟﺼّﺤّﺔ ﻭﺍﻟﺪﻗّﺔ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﺒﺪﻝ ﺑﺎﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﳌﺮﺩﱠﺩﺓ ﺁﻟﻴﱠﺎً .ﻟﻜﻦ ،ﻳﺴﺎﻭﺭﻧﺎ
ﺍﻧﻄﺒﺎﻉ ﺃﻧﱠﻨﺎ ﻧﻌﻴﺶ ﰲ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﻭﺳﻂ ﻣُﺴﺮﳕﲔ ﻳﺘﻘﺪﱠﻣﻮﻥ ﰲ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻏﺎﺭﻗﲔ ﰲ ﺣﻠﻢ
-١٣٦-
ﻣُﻄﺒﻖ ﻻ ﳝﻜﻦ ﺃﻥ ﻳُﻮﻗَﻈﻮﺍ ﻣﻨﻪ ﻟﻠﻔﺖ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻬﻢ .ﻭﻳﺮﺟّﺢ ﺃﻥﱠ
ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﱠﺔ ﻗﺪ ﻋﺎﺷﺖ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ﰲ ﻫﺬﻩ ﺍﳊﺎﻟﺔ ﺍﳌﺴﺮﻧَﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻓﻴﻬﺎ
ﻟﻴﺴﺖ ﺭﺩّ ﻓﻌﻞ ﻳﻘﻆ ﻭﻭﺍﻉٍ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻫﻲ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝُ ﺟﻤﻠﺔٍ ﻋﻤﻴﺎﺀ ﻭﺁﻟﻴﺔ ﻣﻦ
ﺍﻟﺼﻴﻎ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻮﺣﻲ ﺑﻬﺎ ﺍﶈﻴﻂ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺮﺩ.
ﻭﻻ ﳝﻜﻨﻨﺎ ﺍﻹﻧﻜﺎﺭ ﺃﻥﱠ ﺟﺎﻧﺒﺎً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻵﺩﺍﺏ ﻳﺘﺸﻜﱠﻞ ﺃﻳﻀﺎً ﰲ ﻣﺮﺣﻠﺔ
ﻣﺴﺮﳕﺔ؛ ﺃﻱ ،ﺷﻜّﻠﺘﻬﺎ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻟﻴﺴﺖ ﺫﻛﻴﱠﺔ ﰲ ﺷﻲﺀ .ﻭﺃﺧﺺّ ﺑﺎﻟﺬّﻛﺮ ﺍﻟﻌﻠﻢ
ﺍﳌﺘﺨﺼّﺺ ﻭﺍﳌُﻤﻨﻬﺞ ﰲ ﺁﻥٍ ﻭﺍﺣﺪ ﰲ ﺯﻣﺎﻧﻨﺎ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻠﻐﺒﻲّ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺜﻤﺮﻩ ،ﻭﻫﻜﺬﺍ
ﻧﺮﻯ ﰲ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﺃﺷﺨﺎﺻﺎً ﻳﻘﻮﻣﻮﻥ ﺑﺄﻋﻤﺎﻝ ﺟﺪﻳﺮﺓ ﺑﺎﻟﺘﱠﻘﺪﻳﺮ ،ﻻ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﻘﺪّﺭﻫﻢ.
ﺇﺫِ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻵﺩﺍﺏ ﻻ ﺗﺴﺘﻠﺰﻡ ﻧﺒﺎﻫﺔ .ﻟﻜﻦﱠ ﳑﺎﺭﺳﺘﻬﻤﺎ ﻫﻲ ﺑﻼ ﺭﻳﺐ ﺣﺎﻓﺰ ﻳﺸﺠّﻊ
ﻳﻘﻈﺔ ﺍﳌﺦّ ﻭﻳﺒﻘﻴﻪ ﰲ ﻫﺬﻩ ﺍﳊﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻻﺳﺘﻨﻔﺎﺭ ﺍﳌﻀﻲﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﻜّﻞ ﺍﻟﺬﱠﻛﺎﺀ.
ﻷﻥﱠ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻌﺪ ﻛﻞّ ﺷﻲﺀ ﺑﲔ ﺍﻟﺬّﻛﻲّ ﻭﺍﻷﺣﻤﻖ ﻳﻜﻤﻦ ﰲ ﺃﻥﱠ ﺍﻷﻭﱠﻝ ﻳﻌﻴﺶ
ﻣﺤﺘﺮﺳﺎً ﻣﻦ ﺣﻤﺎﻗﺎﺗﻪ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻭﻳﺘﻌﺮﱠﻑ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﺇﻥ ﺗﻈﻬﺮ ﻭﻳﺒﺬﻝ ﺟﻬﺪﻩ ﻛﻤﺎ ﻳُﺒﻌﺪﻫﺎ،
ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻷﺣﻤﻖ ﻳﺴﺘﺴﻠﻢ ﻟﻬﺎ ﻣﻔﺘﻮﻧﺎً ﺑﻬﺎ ﻭﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺗﺤﻔﱡﻆ.
ﻭﺑﺴﺒﺐ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﳊﺎﻓﺰ ﺍﻟﺪﱠﺍﺋﻢ ﺗﻮﺟﺪ ﺍﺣﺘﻤﺎﻻﺕ ﺃﻛﺜﺮ ﰲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﳌﻔﻜّﺮ
ﺫﻛﻴﱠﺎً .ﻟﻜﻨّﻲ ﺃﻋﺪّ ﺗﻌﺎﺳﺔ ﺧﻄﻴﺮﺓ ﺃﻥ ﻳﻘﺘﺼﺮ ﺍﻟﺬﱠﻛﺎﺀ ﻋﻤﻠﻴﱠﺎً ﰲ ﻋﺼﺮٍ ﻣﺎ ﺃﻭ ﺃﻣﱠﺔ ﻣﺎ
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﱠﻔﻜﻴﺮ .ﻷﻥﱠ ﺍﻟﺬﱠﻛﺎﺀ ﻳﺘﺠﻠﱠﻰ ﺑﺸﻜﻞٍ ﺧﺎﺹّ ﰲ ﺍﳊﺪﺱ ﺑﺎﳊﻴﺎﺓ ﻭﻟﻴﺲ ﰲ ﺍﻟﻔﻦّ
ﻭﻻ ﰲ ﺍﻟﻌﻠﻢ .ﺇﺫﺍً ،ﺍﳌﻔﻜّﺮ ﻻ ﻳﻌﻴﺶ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ،ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻫﻮ ﰲ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﺭﺟﻞ ﻓﻘﻴﺮ ﺟﺪﱠﺍً
ﺑﺎﳊﺪﻭﺱ ،ﻭﻳﻜﺎﺩ ﻻ ﻳﻨﺸﻂ ﰲ ﺍﻟﺪﱡﻧﻴﺎ ،ﻭﻗﻠﻴﻞ ﺍﳌﻌﺮﻓﺔ ﺑﺎﳌﺮﺃﺓ ﻭﺍﻟﺘّﺠﺎﺭﺓ ﻭﺍﳌﻠﺬﱠﺍﺕ
ﻭﺍﻷﻫﻮﺍﺀ .ﻭﺇﻧﱠﻤﺎ ﻳﺘﺒﻨﱠﻰ ﻭﺟﻮﺩﺍً ﻣﺠﺮﱠﺩﺍً ،ﻭﻗﻠﱠﻤﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳُﻠﻘﻲ ﺑﻘﻄﻌﺔ ﳊﻢ ﺣﻲّ
ﺣﻘﻴﻘﻲّ ﺑﲔ ﺃﻧﻴﺎﺏ ﻓﻜﺮﻩ ﺍﳊﺎﺩّﺓ.
ﻭﺇﻥﱠ ﺫﻛﺎﺀ ﺍﳌﻔﻜّﺮ ﻗﻠﻴﻞ ﺍﻟﻨﱠﻔﻊ ﻟﻨﺎ :ﺇﻧﱠﻪ ﻳﻨﻜﺐّ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ ﻏﻴﺮ
ﻭﺍﻗﻌﻴﱠﺔ ﻭﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﻣﻦ ﻭﻇﻴﻔﺘﻪ ﺫﺍﺗﻬﺎ .ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺬﱠﺓ ﻛﺒﺮﻯ ﻟﻲ ﺃﻥ ﻟﻘﻴﺖُ ﺃﻭﳌﻴﺪﻭ،
ﻭﺭﺃﻳﺘﻪ ﻳُﻘﺒﻞ ﺑﺎﺳﻤﺎً ﻳﺘﻘﺪﱠﻣﻪ ﺳﻴﻒُ ﻧﻈﺮﺗﻪ ﺍﳌﺰﺩﻭﺝ - ،ﻧﻈﺮﺓ ﺛﺎﻗﺒﺔ ﻭﺷﺒﻪ ﻣﺎﺟﻨﺔ ﻳﺒﺪﻭ
ﺃﻧﱠﻬﺎ ﺗﺮﻓﻊ ﺍﻟﻐﻄﺎﺀ 1ﻋﻦ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻛﻠّﻬﺎ ﻟﺘﺮﻯ ﻛﻴﻒ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﱠﺍﺧﻞ -ﻭﺃﻭﳌﻴﺪﻭ ﻣﺼﺮﰲّ
ﻭﻣﺠﺮّﺏ ﻛﺒﻴﺮ .ﻭﳌﱠﺎ ﻋَﺒَﺮ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻭﺟﻮﺩﻱ ﺍﻟﻬﺰﻳﻞ ﻟﻜﻮﻧﻲ ﻣﻔﻜﱢﺮﺍً ﺃﻭﱠﻻً ﻭﺁﺧﺮﺍً ،ﺑﺪﺍ ﻟﻲ
-١٤١-
-١٤٢-
ﺍﻟﻔﻬﺮﺱ
ﺍﻟﺼﻔﺤﺔ
.iﻧﺒﺬﺓ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﻭﺭﺗِﻐﺎ ﺇﻱ ﻏﺎﺳّﻴﺖ ٥ .....................................
.iiﻣﻘﺪﱢﻣﺔ ﺍﻟﻨّﺎﺷﺮﻳﻦ ٧ ......................................................
.iiiﻣﻼﺣﻈﺔ ٨ ...............................................................
.ivﻣﻼﻣﺢ ﺍﳊﺐّ ٩ ..........................................................
.vﳓﻮ ﺳﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﺮﱠﺟﻞ ﺍﳉﺬﱠﺍﺏ ١٧ ......................................
.viﺍﳊﺐّ ﻋﻨﺪ ﺳﺘﻨﺪﺍﻝ ٣٢ ....................................................
.viiﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ ﰲ ﺍﳊﺐّ ٧١ .....................................................
.viiiﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﳊﺐّ ١٠٣ ..................................................
.ixﺧﺎﲤﺔ ﻟﻜﺘﺎﺏ ﻣﻦ "ﻓﺮﻧﺴﻴﺴﻜﺎ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺎﺗﺮﻳﺲ" ١١١ ..........................
.xﻣﻨﻈﺮ ﻣﻊ ﻇﺒﻴﺔ ﰲ ﺍﳋﻠﻔﻴّﺔ ١٣٢ ......................................
-١٤٣-
ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ٢٠١٣ /ﻡ
ﻋﺪﺩ ﺍﻟﻄﺒﻊ ١٠٠٠ﻧﺴﺨﺔ
-١٤٤-