Academia.eduAcademia.edu

“Islamic Approaches to Symbolism, أساليب الرّمزية في الإسلام”

2022, “Islamic Approaches to Symbolism, أساليب الرّمزية في الإسلام”

“Islamic Approaches to Symbolism, أساليب الرّمزية في الإسلام” (Arabic translation, by Gamal Hassan). Published online by the Burhán Institute, March 7, 2022. Original English version: “Islamic Approaches to Symbolism.” (Previously unpublished section of the author’s Master’s thesis: Symbolic Quranic Exegesis in Bahá’u’lláh’s Book of Certitude: The Exegetical Creation of the Bahá’í Faith, Chapter 3, “Islamic Approaches to Symbolism,” pp. 69–145. __________ English version: https://www.academia.edu/34170280/_Islamic_Approaches_to_Symbolism_2017_ __________ Islamic Approaches to Symbolism by Christopher Buck ABSTRACT “Islamic Approaches to Symbolism”—Chapter Three of Symbolic Quranic Exegesis (Master’s thesis, University of Calgary, 1991, pp. 69–137)—was supervised by Canada’s renowned Islamicist, the late Andrew Rippin (d. 2016), in whose memory this study is respectfully dedicated. Now published in 2017, “Islamic Approaches to Symbolism” surveys interpretations (tafsīr) of “ambiguous” (mutashābihāt) verses of the Qur’an (Q. 3:7) and offers a five-fold topology: (1) rhetorical exegesis (§ 2.0, infra); (2) theological exegesis (§ 3.0); (3) philosophical exegesis (§ 4.0); (4) mystical exegesis (§ 5.0); and (5) sectarian exegesis (§ 6.0). Fine scholarly monographs notwithstanding, no typology, to the best of the author’s knowledge, has been offered as an overview of Islamic approaches to passages in the Qur’an that are figurative, and possibly symbolic. __________

‫أساليب الرّمزية في اإلسالم‬ ‫‪1‬‬ ‫‪F0‬‬ ‫كريستوفر باك ‪Christopher Buck‬‬ ‫ديباجة‬ ‫تض ّمنت األطروحة التي أعددتُھا عام ‪ 1991‬لنيل درجة الماجستير من جامعة كالجاري‬ ‫الكندية ‪ University of Calgary‬فصال بعنوان "أساليب الرّمزية في اإلسالم ‪Islamic‬‬ ‫‪ "Approaches to Symbolism‬كان ھو الفصل الثالث فيھا )من ص ‪ 69‬حتى ‪ 137‬في‬ ‫األصل اإلنجليزي لھذه الرسالة(‪ ،‬وقد أشرف عليھا باحث اإلسالميات الشھير المرحوم‬ ‫أندرو ريبين ‪) Andrew Rippin‬المتوفي عام ‪ ،(2016‬وأھدي إليه ھذه المقالة بكل إجالل‪.‬‬ ‫وقد نُشرت عام ‪ 2017‬بنفس ذات العنوان‪ ،‬وتستعرض تأويالت اآليات المتشابھات في‬ ‫القرآن الكريم )التي أشارت اليھا سورة البقرة في آياتھا من الثالثة حتى السابعة(‪ ،‬وتتناول‬ ‫خمس مدارس أو مناھج في التأويل ھي‪:‬‬ ‫)‪(1‬‬ ‫)‪(2‬‬ ‫)‪(3‬‬ ‫)‪(4‬‬ ‫)‪(5‬‬ ‫مدرسة التأويل البالغي )أو البياني( – وتتناوله المقالة تحت البند "ثانيا" في‬ ‫ھذه المقالة وما ينضوي عليه ھذا البند من فروع‬ ‫مدرسة التأويل الفقھ ّي )أو الكالم ّي( – تحت البند "ثالثا"‬ ‫مدرسة التأويل الفلسفي – تحت البند "رابعا"‬ ‫مدرسة التأويل الصّوفي )أو الباطن ّي( – تحت البند "خامسا"‬ ‫مدرسة التأويل المذھب ّي – تحت البند "سادسا"‬ ‫وعلى الرّغم من وجود دراسات وابحاث جيّدة جادت بھا قريحة مشاھير الباحثين تندرج‬ ‫تحت ھذه المناھج الخمس‪ ،‬إال أنه ال تم ّدنا أية دراسة منھا باستعراض لألساليب اإلسالمية‬ ‫في تناول المتشابھات في القرآن الكريم أو ما قد يكون رمزيا فيه‪ .‬ومن ھنا تأتي أھمية ما‬ ‫تسعى إليه ھذه المقالة‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫تمھيد‬ ‫سبق للمفكر األمريكي جون وانسبروه ‪ ،John Wansbrough‬المتخصص في ال ّدراسات‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬أن تخيّل احتمال وجود ما أسماه "تحليل لمصطلحات النّص الدين ّي من حيث‬ ‫تط ّور معانيھا عبر ال ّزمن ‪ ،"semasiological analysis of the scriptural lexicon‬إذ كان من‬ ‫رأيه أن "من األھ ّمية بمكان إيجاد تحليل لكل من الصّورة والمجاز في نصوص الديانات‬ ‫التّوحيدية من حيث أنماطھا األ ّولية‪ ،‬أي من حيث قواعدھا ومفاھيمھا األساسية" )حاشية ‪.(2‬‬ ‫وھي مشروع إن لم يتسنّى تولّيه حتى اآلن‪ ،‬فمن شأنه أن ينضوي بالضرورة على تحليل‬ ‫للمعاني اللّغوية في القرآن‪ .‬وقد يكون من المفيد محاولة استبانة شكل من أشكال التعبير‬ ‫القرآني والتعرّف على مضمونه الرّمزي )إن ُوجد(‪ ،‬أوممارسة قدر من "الال أدرية" في‬ ‫األسلوب ‪ ،methodological agnosticism‬وذلك دون أ ّ‬ ‫ي انحياز إلى الموروث من ال ّدين أو‬ ‫المبتدع منه‪ ،‬أو إلى ما يعارض ال ّدين أصال‪ .‬وفي مؤازرة منه للتع ّددية المنھجية في فھم‬ ‫القرآن )دون ضرورة للتخلّي عما يس ّمى "بالفرضية اإللھية" للوحي والتنزيل( يدعو‬ ‫أندرو ريبين ‪ ،Andrew Rippin‬المف ّكر الكندي المتخصص في ال ّدراسات اإلسالمية‪ ،‬إلى‬ ‫منھج أكثر انفتاحا لدراسة النّص الديني يخلو من بھارج "اإلستشراق" وزخارفه‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬ ‫"ومن رأيي إذا أن معظم ھفوات تناول القرآن الكريم كما ّدة أدبية ترجع إلى إخفاق‬ ‫الباحثين في التّسليم بإمكانية وجود تن ّوع في المناھج أو حتى تعددية في األساليب‪ .‬ومن‬ ‫رأيي أنه إذا ما رغبت الناس في صرف أعمارھا في البحث عن مقصد صاحب النّص أو‬ ‫في أن تضرب أخماسا في أسداس حول ما عناه النّص ألول من سمعوه من البشر فال بأس‬ ‫فيما ترغب‪ .‬ذلك ألنه مع كون النتائج النّاجمة عن بحث كھذا ھي ج ّد مثيرة لإلھتمام‪ ،‬بل‬ ‫قد تكون في ح ّد ذاتھا نتائجا ً مفيدة‪ ،‬إال أنني ال أرى فيھا ما يتع ّدى كونھا حلقة أخرى‬ ‫تضاف إلى السلسلة التاريخية في صدى القرآن لدي قارئيه‪ ،‬وھو فھم ال يتّخذ من صدر‬ ‫اإلسالم في القرن السّابع الميالدي زمانا له كما يحلو ألنصار ذلك المنھج أن يصفوه‪ ،‬وإنما‬ ‫ھو فھم يقبع في القرن العشرين من حيث أنه نابع عن زمرة المعاصرين من دارسي‬ ‫التّاريخ‪ .‬فيعيدني ھذا إذاً إلى ما أراه‪ ،‬وھو أنه محاوالت في دراسة القرآن بوصفه نصّ‬ ‫أدبي‪ :‬أي أننى أنظر إليه على أنه‪ ،‬على األرجح‪ ،‬أسلوبا ً يلجأ إلى إعادة تركيب تاريخ أول‬ ‫لقاء للبشر بالنص القرآني‪ ،‬ال لشيء سوى أنه أكثر األساليب فائدة وأش ّدھا إثارة‬ ‫‪).‬حاشية ‪( 3‬‬ ‫لإلھتمام‬ ‫وسنحاول في ھذه المقالة إعادة تركيب تاريخ األيام األولى التي تلقّت فيھا البشرية النص‬ ‫القرآني الشريف‪ ،‬لكن ببعده الرّمزي‪ .‬وستتناول دراستنا ھذه بالتمحيص بعضا من‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪F‬‬ ‫االرتباطات التي سيقت تصريحا وتلميحا بين المجاز والرّمز في التراث اإلسالمي بغرض‬ ‫تكوين سياق عقالني للتفسير االستعار ّ‬ ‫ي في نطاق اإلسالم المعاصر‪ .‬ونستسمح القارئ‬ ‫بأن نثقل عليه بعدد من تعاريف واصطالحات قد يجدھا غامضة نظرا ألن أوجه االختالف‬ ‫والتباين في المصطلحات بين مختلف المذاھب الفكرية اإلسالمية كانت مبھمة غير‬ ‫واضحة في معظمھا‪ .‬فمن الجائز في الماضي أن يكون لنفس المصطلح اإلسالمي الواحد‬ ‫معنى تقنيّا في "علم" إسالم ّي بعينه يختلف تماما عما ھو متعارف عليه في مضمار آخر‪.‬‬ ‫ناھيك عن أن تداخل المعاني واشتباھھا ھو أيضا من األمور غير المستبعدة‪.‬‬ ‫وبعد تناول موجز لألساليب والمناھج الرّمزية في الغرب‪ ،‬سنتطرّق إلى الحديث عن‬ ‫اإلھتمامات والھموم اإلسالمية حول أوجه التشبيه والتجسيد في التنزيل القرآني والحديث‬ ‫الشريف‪ ،‬وھو خالف قائم داخل المذھب السنّي ذاته‪ ،‬وأصبح ھو ال ّدافع األ ّولي الموجّه‬ ‫للتفسير الرّمزي للقرآن الكريم‪ .‬وما سنتناوله بالبحث إجماال ھو خمسة مناھج فكرية‬ ‫إسالمية في المجاز والرّمز القرآن ّي‪ ،‬ينضوى ثالث منھا على أنماط استداللية مح ّددة )ھي‬ ‫الجدلية والقياسية والتشبيھية(‪ ،‬ولھا مبن ًى تركيبي في بعض من األحوال‪ ،‬وھذه المناھج‬ ‫ھي‪:‬‬ ‫أولھا وھو منھج التفسير البالغي الذي يأخذ منحى لغويا بحتا في تناوله للخطاب المجازي‬ ‫الجئا في معرض فھمه لھذا الخطاب إلى تحديد صور كالمية مختلفة‪ .‬وتجدر مالحظة أن‬ ‫بعض مشاھير البلغاء كانوا في نفس الوقت من علماء ال ّدين )أو "المتكلمين" كما أسماھم‬ ‫ابن رشد( ممن كانوا يجولون بأقالمھم في مضمار التفسير التقليد ّ‬ ‫ي السّائد في القرآن‬ ‫والحديث‪ ،‬ومنھم عالم المعتزلة الزمخشر ّ‬ ‫ي )المتوفي عام ‪ 534‬ھجرية ‪ 1144 /‬ميالدية(‬ ‫)حاشية ‪ ،( 4‬والمف ّكر األشعري سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني )المتوفي عام ‪791‬‬ ‫ھجرية ‪ 1322 /‬ميالدية( )حاشية ‪ ..(5‬ويرى البعض أن مفاھيم المجاز البالغ ّي قد اتّخذ منھا‬ ‫علماء ال ّدين المعتزلة أداة لتسھيل شرح اآليات القرآنية التي قد تبدو وكأنھا تشبيھات ّ‬ ‫للذات‬ ‫اإللھية )كما سنأتي على تفصيله فيما بعد(‪ .‬والنّمط الخطاب ّي األساس ّي في ھذا المنھج ھو‬ ‫التحليل اللغوي‪.‬‬ ‫وثانيھا ھو منھج التفسير الفقھ ّي )أو الكالم ّي(‪ ،‬الذي انخرط فيه الفقھاء في خطاب جدل ّي‬ ‫شكل ّي في معرض تناولھم لمسألة تشبيھات الذات اإللھية في نصوص القرآن الكريم‬ ‫واألحاديث النبوية الشريفة وغيرھا من االھتمامات الفقھية ذات الصّلة‪ .‬فالكالم عند أھل‬ ‫ھذا المنھج ھو‪ ،‬كما يقول أندرو ريبين ‪ ،Andrew Rippin‬ھو المق ّدمة التي أورثتھا الفلسفة‬ ‫اإلسالمية في أزھى عصورھا‪ ،‬وھي فلسفة تميّزت "بأسلوب حوار ّ‬ ‫ي تثار فيه‬ ‫‪3‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪3‬‬ ‫االعتراضات المتبوعة باإلجابات" )حاشية ‪ .(6‬والنّمط الخطاب ّي األساس ّي في ھذا المنھج ھو‬ ‫سوق الحجج الجدليّة‪.‬‬ ‫وثالثھا ھو منھج التفسير الفلسف ّي‪ ،‬وھو منھج يكون فيه العقل أداة للتفسير المجاز ّ‬ ‫ي‪ .‬وقد‬ ‫أ ّدى ھذا المنھج في أش ّد نزعاته إلى ظھور "نحلة عقالنية")حاشية ‪ .(7‬وطبقا للمنحى الرّمزي‬ ‫لھذا المنھج فإن أية فكرة ال بد وأن تستخلص من باطن المجاز‪ ،‬تماما كما تستخرج اللؤلؤة‬ ‫من محارتھا‪ ،‬مالم يكن ھناك رابط إلزام ّي بين الفكرة والمعنى الظّاھري للفظ‪ .‬ومن رأي‬ ‫أھل ھذا المنھج أن اللغة الرمزية ھي المعبّرة عن الحقائق للعا ّمة‪ .‬كما أن ھناك عدد قليل‬ ‫من الفالسفة قد أوتوا المقدرة على الغوص في أعماق معاني التّنزيل وأسراره الممتنعة‬ ‫على العوام‪ .‬أما النّمط الحوار ّ‬ ‫ي األساس ّي في ھذا المنھج فھو القياس‪.‬‬ ‫والمنھج الرّابع ھو التفسير الصوف ّي الباطني المنسوب إلى بصيرة المتص ّوفة الذين سنّوا‬ ‫قاعدة في المتقابالت تكون فيھا الحقيقة كامنة في ك ّل من الرّمز والمرجع المقابل على حد‬ ‫سواء‪ .‬وھنا يومئ الرّمز نفسه إلى حقيقة أسمى منه ال يدركھا العقل‪ .‬ولكي يتسنّى سبر‬ ‫غور ھذا الرّمز فعلى العقل أن يتوارى ليفسح المجال للمعرفة الباطنية‪ ،‬إذ أن العقل‬ ‫والمنطق يتھاوى في محضر من يج ّل عن الوصف‪ ،‬كما يقول المتص ّوفة )حاشية ‪ .( 8‬وأسلوب‬ ‫الخطاب األساس ّي ھنا ھو التلميح‪.‬‬ ‫أما خامس ھذه المناھج فھو المنھج المذھب ّي )أو اإلسماعيلي( في التفسير‪ ،‬الذي قد يتض ّمن‬ ‫عناصرا من كافة المناھج التفسيرية التي ذكرناھا آنفا‪ ،‬إال أنه يتميّز من الناحية التاريخية‬ ‫بأصوله المبتدعة ومحاولته شرعنة تلك األصول‪ ،‬بدرجة تطغى فيھا المسائل المتعلّقة‬ ‫بسلطة التفسير – المنوطة بزعماء الشيعة الروحيين وطرقھم ومؤسساتھم – على التفاسير‬ ‫نفسھا في غالبية األحوال‪ .‬ومن رأي أندرو ريبين ‪ Andrew Rippin‬أن "مناصرة الرّأي‬ ‫المخالف لما ھو متّفق عليه في اإلسالم عادة ما كانت تحدث في زمان الحق عندما يسانده‬ ‫التفاسير المجازيّة" )حاشية ‪ .(9‬وأسلوب الخطاب األساس ّي ھنا ھو الجدل‪.‬‬ ‫ودونما أية نزعة منّا إلى زيادة التبسيط أو جنوح إلى الھزل‪ ،‬حاولنا وضع بعض من‬ ‫المقارنات التي تعين القارئ على التمييز بين ھذه المدارس التقليدية الخمس في التفسير‪.‬‬ ‫وھو مجھود يتأسّى في مجمله وبكيفية دائمة بما وصفه المفكر أندرو ريبين في موضع‬ ‫آخر بأنه "النّظم األدب ّي لإلسالم")حاشية ‪.( 10‬‬ ‫المجاز وال ّرمز‬ ‫وقبل أن نتناول أي من ھذه األساليب الرمزيّة في اإلسالم بعينھا‪ ،‬يجمل بنا أن نذكر بعضا‬ ‫من المالحظات العامة عن طبيعة المجاز والرّمز بما سيساعد على أن نضع في الواجھة‬ ‫‪5‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪F‬‬ ‫وبالبنط العريض بعضا ً من المسائل التعريفية المرتبطة بالديناميكية الحادثة بين البالغة‬ ‫والتفاسير‪.‬‬ ‫كانت مسألة المجاز في القرآن ھي ال ّشغل الشاغل عبر القرون لطائفة كبيرة من األدباء‬ ‫والبلغاء والفالسفة والمتص ّوفة وشيعة اإلسالم‪ ،‬ك ّل في تخصصه ومجاله‪ .‬وال عجب في‬ ‫أن المسائل التي أثيرت حول طبيعة التعبيرات المجازية والّرمزية تبرھن على أن الشرق‬ ‫والغرب ليسا على مسافة بعيدة من بعضھما البعض من ھذا المنظور وغيره‪ ،‬كما يغلب‬ ‫ّ‬ ‫الظن‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ولكن المجاز شيء والرّمز شيء‬ ‫وقد يكون كل من تعبيرات المجاز والرّمز مترابطة‬ ‫آخر‪ ،‬ذلك ألن الرّمز قد يفترض أو ال يفترض وجود المجاز‪ .‬ولمزيد من اإليضاح لن‬ ‫ننتقي سوى نخبة معدودة من النّماذج الغربية الھامة التي صيغت للبرھنة على ھذه‬ ‫المسألة‪ ،‬وذلك في سعي منا لتقديم بعض األسس النظريّة المستقلّة عن نطاق الفكر‬ ‫اإلسالمي‪.‬‬ ‫وما يبدو مفيدا قبل ال ّدخول في التفاصيل ھو البدء بتعريف التعبير المجازي‪ ،‬ثم نعرج على‬ ‫تعريف التعبير الرمزي‪ .‬وبعد ذلك نسوق النظريّات الوصفية‪ ،‬مستعرضين اختبارات تمت‬ ‫باستخدام نماذج تجريبية حول التعبيرات المجازية من أجل التأكد من صحة مختلف‬ ‫)حاشية‬ ‫التفاسير الرّمزية ومدى تقبل األجيال المتعاقبة لھا منذ أيام التنزيل األولى حتى اليوم‬ ‫‪ .( 11‬وعموما‪ ،‬فإن التعبير المجازي تعبير غير حرف ّي‪ .‬أما التعبير الرّمز ّ‬ ‫ي فيلزمه التفسير‬ ‫والتأويل‪ .‬وكال التعبيرين ال يجريان في خط مستقيم )حاشية ‪ .(xi‬فالتعبير المجازي ينضوى‬ ‫على المعنى‪ ،‬بينما يكون التعبير الرمز ّ‬ ‫ي متبوعا بال ّداللة أوالمغزي)حاشية ‪ .( 12‬والتأويل أو‬ ‫)حاشية ‪( 13‬‬ ‫الرّمز وعدم إفصاحه عن المعنى المقابل الذي‬ ‫التفسير ھنا )بتأكيده على غموض‬ ‫يضمره( يكون مختلفا عن اإلدراك )ألن اإلدراك يعتمد على ما في معاجم األلفاظ من‬ ‫)حاشية ‪( 14‬‬ ‫معان مترادفة أو ذات صلة(‪.‬‬ ‫ولدينا ما نستطيع سرده من التعاريف الواضحة المباشرة ولو بصفة مؤقّتة في ھذا‬ ‫الموضع من الحديث‪ .‬إذ أن القس وعالم الالھوت البريطاني وليام بولينجر ‪Bullinger‬‬ ‫)الذي عاش في القرن التاسع عشر( يعرّف التعبير المجازي في الحديث بأنه "بكل بساطة‬ ‫ھو عبارة عن كلمة أو جملة تصاغ في ثوب غريب يخالف معناھا أواستخدامھا في أبسط‬ ‫صورھما أو أصلھما‪) ".‬حاشية ‪ ( 15‬ويشرح بولينجر اختالفا ھا ّما بين كل من "الطباق‬ ‫‪) "resemblance‬الذي غالبا ما يكون صريحا دون مواربة( و"التمثيل ‪"representation‬‬ ‫)الذي عادة ما ال يكون حرفي المعنى(‪ .‬فالشبه ھو "تشبيه بالطباق ‪comparison by‬‬ ‫‪ ،"resemblance‬وال َمثَل ‪ parable‬ھو مقابلة ممتدة ‪ extended simile‬أو "تشبيه بطباق مستمرّ‬ ‫‪10‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪)."comparison by continued resemblance‬حاشية ‪ (16‬والتشبيه ‪ metaphor‬ھو "تشبيه بالتمثيل‬ ‫)حاشية ‪( 17‬‬ ‫واالستعارة ‪allegory‬‬ ‫‪ "comparison by representation‬أو "إحالة ‪."transference‬‬ ‫تع ّد تشبيھا ممت ّدا ‪ extended metaphor‬أو "تشبيھا مستم ّ‬ ‫راً بالتمثيل أو التلميح ‪continued‬‬ ‫‪)"comparison by representation or implication‬حاشية ‪ ( 18‬ومن جانب آخر‪ ،‬فإن الرّمز في‬ ‫النّص الدين ّي ‪ scriptural symbol‬ھو "شيء ما ّدي ملموس قيل للكناية عن حقيقة روحية‬ ‫)حاشية ‪( 19‬‬ ‫محسوسة ‪."a material object substituted for a moral or spiritual Truth‬‬ ‫وما نسوقه ھنا م ّما يراه بولينجر ع ّما ھو شائع من المفاھيم الخاطئة في لغة التعبير‬ ‫المجاز ّ‬ ‫ي ھو مھ ّم رغم بساطته‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬ ‫تنتقد الناس اليوم )عام ‪ 1898‬ميالدية( "لغة المجاز" عن جھل بأنھا على الرّغم من‬ ‫اختصارھا للمعنى إال أنھا تعرّي الكلمات عن فاعليّتھا ونفوذھا‪ .‬وبمجرّد أن يستشھد أحد‬ ‫بعبارة من الكتاب المق ّدس تثور اإلعتراضات قائلة "إن ھذا مجاز" – في إيماءة بأن‬ ‫معناھا قد صار ضعيفا في تأثيره أو أن لھا معنى آخر مخالف تماما‪ ،‬أو أنه ال معنى لھا‬ ‫على اإلطالق‪ .‬ولكن العكس ھو الصحيح‪ .‬ألن الصّيغة أو القالب الغير عاد ّ‬ ‫ي ال يستخدم إال‬ ‫إلكساب الحقيقة المنقولة مزيدا من الق ّوة والنّفوذ‪ ،‬وتأكيدا لما بھا من وصف‪ ،‬وزيادة لما‬ ‫في معناھا من عمق‪ .‬وعندما نستعمل ھذا العلم مع كلمات ﷲ والحقائق ال ّربّانية يتراءى لنا‬ ‫على الفور أنه ال يوجد في أي فرع من فروع ال ّدراسات الآلھوتية ما ھو أھم من ذلك‪ ،‬أو‬ ‫)حاشية ‪( 20‬‬ ‫أن يعطي وعدا أكبر بنتيجة لھا وزنھا‪.‬‬ ‫وقد اقترح أدباء الغرب بعضا من المعايير التي يمكن بھا وصف الحوار المجازي‪ .‬ويجب‬ ‫أن يؤخذ في الحسبان أن ما يلي من معايير ليست على سبيل الحصر ويمكن التغاضي عن‬ ‫بعضھا كما ساق سادوك ‪ Sadock‬األدلّة على ذلك‪ .‬غير أنه في غياب أي مجموعة حصرية‬ ‫من المعايير‪ ،‬فإن ما ھو مشار إليه فيما يلي من مك ّونات المجاز يمكن أن يقال عنه أنه‬ ‫أفضل ما جادت به قريحة أدباء اللغة المعاصرين من تحليل حتى اآلن‪.‬‬ ‫عشرة معايير لتقييم التعبير المجازي‬ ‫المعيار األول‪ :‬إمكانيّة تقييم أثر التعبير المجازي )أي قابليّته للقياس ‪:(Calculability‬‬ ‫والفيصل في ظل ھذا المعيار ھو أن يكون األثر المجازي للتعبير واضحا ً من خالل‬ ‫المعنى التقليدي الذي يستخدمه‬ ‫المعيار الثاني‪ :‬إعتماد التعبير المجاز ّ‬ ‫ي على سياق النّص ‪ :Context dependence‬بمعنى أن‬ ‫يكون المتح ّدث على علم بالسّياق وھو ما يع ّد عامال حاسما في نجاح التعبير المجازي في‬ ‫اإلفصاح عما يضمره من قصد‬ ‫‪15‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪F‬‬ ‫المعيار الثالث‪ :‬قابلية التعبير المجازي للترجمة ‪ :Translatability‬فغالبا ما تكون ترجمة‬ ‫المجاز اللغو ّ‬ ‫ي إلى اللغات األخرى ناجحة‪ ،‬وذلك على عكس ترجمة المصطلحات‬ ‫المخصوصة بلغة بعينھا فھي غالبا ما تكون ترجمات غير موفّقة‬ ‫المعيار الرابع‪ :‬قابليّة التعبير المجازي إلعادة الصياغة ‪ :Paraphrasability‬فھناك معيار‬ ‫وضعه الفيلسوف البريطاني ھربرت بول جرايس ‪ Herbert Paul Grice‬مفاده أن التعبيرات‬ ‫المجازية في الكالم يمكن إعادة صياغتھا مع اإلحتفاظ بمعناھا )أي ما يشار إليه بالعبارة‬ ‫الآلتينية ‪ ،(salvo sensu‬وال يستقيم ھذا المعيار مع المصطلحات اللغوية بوجه عام‪ ،‬مثلما‬ ‫ھو الحال بالنسبة للمعيار الثالث‬ ‫المعيار الخامس‪ :‬التزام )أو عدم التزام( صاحب التعبير المجازي باالنطباع الذي يحدثه‬ ‫‪ :Commitment‬وقد أعطي الفيلسوف جرايس لھذا المعيار إسما ً آخر ھو )قابلية التعبير‬ ‫لإللغاء ‪ ،(cancellability‬بمعنى أنه معيار يسمح للقائل‪ ،‬إن أراد‪ ،‬التنصّل من أي مغزى‬ ‫ّ‬ ‫يستشف من قوله دون أن يكون في ذلك أ ّ‬ ‫ي استغراب لدى اآلخرين‪.‬‬ ‫مجازي قد‬ ‫المعيار السادس‪ :‬قابلية التعبير المجازي للترديد ‪ ،Re-iterability‬بمعنى أن التعبير المجازي‬ ‫المؤثّر يمكن وضعه في مقابلة لفظ أو بيان آخر ذي محتوى حرف ّي مماثل دون أن يشعر‬ ‫القارئ بوجود أي حشو أو إطناب‬ ‫المعيار السّابع‪ :‬عدم قابلية التعبير المجاز ّ‬ ‫ي للجدل أو التفنيد ‪ ،Incontrovertibility‬ذلك ألن‬ ‫اآلثار التي يحدثھا التعبير المجازي ليست مح ّل جدال‪ .‬فبينما يسھل تفنيد التعبيرات‬ ‫الحرفية والمصطلحات اللغوية واالحتجاج بخطئھا فإن الحديث المجازي يصعب‬ ‫معارضته نظرا لكونه مما تجيش به العاطفة‪.‬‬ ‫المعيار الثّامن‪ :‬مدى تم ّ‬ ‫شي التعبير المجازي مع النّحو والصّرف ‪Interaction with‬‬ ‫‪ :Grammar‬ال تأتي المؤثّرات المجازية عادة بما يخالف قواعد اللغة‪ ،‬وذلك على عكس‬ ‫الحال مع التعبير الحرف ّي المعتاد‪.‬‬ ‫المعيار التاسع‪ :‬مقدار اإلعتياد ‪ Normality‬من جھة والغرابة من جھة أخرى في التعبير‬ ‫المجاز ّ‬ ‫ي‪ :‬فعادة ما ينزع المجاز إلى ما ھو مستغرب في حين أن الحديث الحرفي يخلو من‬ ‫تلك النّزعة‪.‬‬ ‫المعيار العاشر‪ :‬مدى إثارة التعبير المجازي الستجابات االستحسان ‪Appropriate‬‬ ‫‪ :responses‬ذلك ألن البيان المجازي يثير استجابة فورية لمحتواه الحرفي‪ .‬وقد يكون في‬ ‫تطبيق ھذا المعيار تضاربا مع تطبيق المعيار السادس )اعاله( الذي يتطلّب غياب الماللة‬ ‫)حاشية ‪( 21‬‬ ‫عند تكرار التعبير المجازي إذا ما قوبل بلفظ أو بيان آخر مطابق له‪.‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪F‬‬ ‫ومن المناسب ھنا أن نستشھد بقول صائب للفيلسوف األلماني فريدريش شاليارماخار‬ ‫‪ Friedrich Schleiermacher‬ھو‪" :‬إن أوجه القرابة بين البالغة والتفسير تكمن في حقيقة أن‬ ‫كل إدراك أومعرفة ھو مرآة لقول أو بيان بعينه"‪).‬حاشية ‪ ( 22‬أي أن البالغة والتفسير يقفان‬ ‫على طرفي النقيض من عملية التواصل والتفاھم‪ :‬فالبيان يتناول القول سواء كان شفھيا أم‬ ‫مكتوبا‪ ،‬كذلك تتناول التفاسير قوال سماعيا أو مد ّونا‪ .‬كما أن الفيلسوف البلغار ّ‬ ‫الفرنسي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫المعاصر سفيتان تودوروف ‪ Tzvetan Todorov‬صرّح قائال‪" :‬إن غاية التفسير ترقى‬ ‫بالضرورة إلى ضبط الرّوابط ال ّداللية ال إبقائھا بغير ضابط"‪ .‬كما أن من رأيه أنه‪ ،‬من‬ ‫أجل خلق التكافؤ الداللي )أو ما أسماه بالحافز الدالل ّي(‪" ،‬على المرء أن يجد الحجج‬ ‫المبررة لھذا الحافز" سيّما عن طريق "بحث منھج ّي عن باقي عناصر النّص الذي يكون‬ ‫فيه للكلمة – التي نحن بصدد ربطھا ھنا بمعنى جديد – نفس ذات المعنى‪ ،‬وبغير جدال"‪.‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪F‬‬ ‫)حاشية ‪( 23‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪F‬‬ ‫وفيما يتعلّق بالمفسّر‪ ،‬وليس األديب‪ ،‬يمكننا صياغة بعض من ھذه االعتبارات بلغة أكثر‬ ‫تبسيطا‪ .‬ومما يعيننا في ھذه المھمة أن إدوارد بول مايرز ‪ Edward P. Myers‬أستاذ‬ ‫دراسات الدين والكتاب المق ّدس بجامعة ھارفارد األمريكية قد أورد في مقالة له بعنوان‬ ‫"تفسير اللغة المجازية ‪ "Interpreting Figurative Language‬رأي ال يختلف عليه إثنان ھو‬ ‫أن "أحد أھم ما نحتاجه اليوم" من أجل إنجاز "تفسيرات سليمة لنصوص الكتاب المق ّدس"‬ ‫ھو اللّجوء إلى "مبادئ التفسير الصحيحة"‪ ،‬ومن بينھا فھم اللغة‪ .‬كما قال أن المرء يجد‬ ‫من الصّعوبات في النّص الديني‪ ،‬من حيث األعراف اللغوية المختلفة‪ ،‬ما ھو أشد بكثير‬ ‫مما في غيره من نصوص من حيث كثرة اإلرتكان إلى لغة الرّمز والمجاز‪.‬‬ ‫ولمايرز ‪ Myers‬أيضا مقولة قد يكون لھا نفس الحجّية في مجال التفسير القرآني‪" :‬لكي‬ ‫نفھم الكتاب المق ّدس يكون من الجوھري أن نعرف متى تكون اللغة حرفية ومتى تكون‬ ‫مجازية"‪).‬حاشية ‪ (24‬كما يعطي سبعة مؤ ّشرات تدل على حدوث الخطاب المجاز ّ‬ ‫ي‪ .‬وسنرد‬ ‫على سرد كامل لھذه المؤشرات‪ ،‬سيّما وأنه يعطينا عن كل تعبير مثال شارحا‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬ ‫عادة ما يستدل على وجود التعبير المجازي من عدمه من المدلول الذي‬ ‫يفض معناھا الواضح إلى‬ ‫يرمي إليه التعبير‪ .‬فالتعابير تُفھم بحرفيّتھا ما لم‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫يتغن داوود في مزماره الواحد والعشرين قائال‪" :‬الرﱠبﱡ‬ ‫غير ذلك‪ .‬فعندما‬ ‫ضنِي ‪ " ...‬يكون من الواضح‬ ‫اع ُخضْ ٍر يُرْ بِ ُ‬ ‫َرا ِع ﱠ‬ ‫ي فَالَ يُع ِْو ُزنِي َش ْي ٌء‪ .‬في َم َر ٍ‬ ‫أن كلمة "راعي" قد استخدمت مجازيا‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬ ‫يكون التعبير مجازيا عندما يستحيل جواز المعنى الحرفي‪ .‬فعندما يقول السيد‬ ‫المسيح‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬لمن توفّي والده وأراد أن يأذن له بأن ينصرف‬ ‫‪23‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪8‬‬ ‫)‪(3‬‬ ‫)‪(4‬‬ ‫)‪(5‬‬ ‫)‪(6‬‬ ‫)‪(7‬‬ ‫ون َم ْوتَاھُ ْم« )متى ‪ (8:22‬أو يخاطب‬ ‫ع ْال َم ْوتَى يَ ْدفِنُ َ‬ ‫ليدفنه‪» :‬ا ْتبَ ْعنِي‪َ ،‬و َد ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ان« )يوحنا ‪ (5 :15‬يكون قد استخدم‬ ‫تالميذه قائال »أَنَا ْال َكرْ َمةُ َوأَ ْنتُ ُم األَ ْغ َ‬ ‫لغة تنضوي على االستحالة إذا ما أخذت بمعناھا الحرفي‪.‬‬ ‫يكون التعبير مجازيا إذا ما حضّ على أمر مستھجن أو ص ّد عن الصّواب‪.‬‬ ‫فنحن نجافي القصد المجاز ّ‬ ‫ي في بعض توصيّات السّيد المسيح إذا أخذناھا‬ ‫حرفيا‪ ،‬مثل ما ھو وارد في اإلصحاح الثامن عشر من إنجيل متّى‪ ،‬إذ ينصح‬ ‫ك‬ ‫ك أَ ْو ِرجْ لُ َ‬ ‫ك فَا ْقطَ ْعھَا َوأَ ْلقِھَا َع ْن َ‬ ‫ك يَ ُد َ‬ ‫المؤمن الصّادق‪» :‬فَإِ ْن أَ ْعثَ َر ْت َ‬ ‫ك‪َ .‬خ ْي ٌر لَ َ‬ ‫ان أَ ْو‬ ‫ار األَبَ ِديﱠ ِة َولَ َ‬ ‫ك يَ َد ِ‬ ‫أَ ْن تَ ْد ُخ َل ْال َحيَاةَ أَ ْع َر َج أَ ْو أَ ْقطَ َع ِم ْن أَ ْن تُ ْلقَى فِي النﱠ ِ‬ ‫ك أَ ْن تَ ْد ُخ َل ْال َحيَاةَ‬ ‫ك‪َ .‬خ ْي ٌر لَ َ‬ ‫ك فَا ْقلَ ْعھَا َوأَ ْلقِھَا َع ْن َ‬ ‫ك َع ْينُ َ‬ ‫ِرجْ الَ ِن‪َ .‬وإِ ْن أَ ْعثَ َر ْت َ‬ ‫ان‪«.‬‬ ‫ار َولَ َ‬ ‫ك َع ْينَ ِ‬ ‫أَ ْع َو َر ِم ْن أَ ْن تُ ْلقَى فِي َجھَنﱠ ِم النﱠ ِ‬ ‫تكون العبارة مجازية إذا ما تضارب معناھا الحرفي مع عبارة أخرى ال‬ ‫يكون ھناك خالف على معناھا‪ .‬وبذلك ال يكون ھناك تضارب إذا ما أخذنا‬ ‫ان‬ ‫قول السّيد المسيح في اإلصحاح الحادي عشر من إنجيل يوحنا » ُكلﱡ َم ْن َك َ‬ ‫َحيًّا َوآ َم َن بِي فَلَ ْن يَ ُم َ‬ ‫وت إِلَى األَبَ ِد« بمعناھا المجازي ال يكون ھناك تضارب‬ ‫بينھا وبين المعنى الحرف ّي الذي الخالف عليه لقول بولس الرّسول في‬ ‫اإلصحاح الخامس عشر من رسالته األولى ألھل كورنثة »فِي آ َد َم يَ ُم ُ‬ ‫وت‬ ‫ْال َج ِمي ُع«‪.‬‬ ‫ھناك من العبارات ما يستد ّل منھا أو من مضمونھا أنھا مجازية التعبير‪ .‬مثل‬ ‫قول السّيد المسيح في اإلصحاح الثاني من إنجيل يوحنا لليھود الذين طلبوا‬ ‫منه أن يأتي بمعجزة »ا ْنقُضُوا ھ َذا ْالھَ ْي َك َل‪َ ،‬وفِي ثَالَثَ ِة أَي ٍﱠام أُقِي ُمهُ« ثم نقرأ بعد‬ ‫ان يَقُو ُل َع ْن ھَ ْي َك ِل َج َس ِد ِه«‪.‬‬ ‫ھذا القول مباشرة آية تفيد‪َ » :‬وأَ ﱠما ھُ َو فَ َك َ‬ ‫أي بيان يقصد به التوبيخ أو االستھزاء عادة ما يؤخذ بمعناه المجازي‪ .‬فمثال‬ ‫عندما تكلّم السيد المسيح في اإلصحاح الثالث عشر من إنجيل لوقا عن الملك‬ ‫الرّوماني ھيرودس بأنه »ثعلب« لم يكن يقصد ذلك بالحرف‪ ،‬وإنما يشير إلى‬ ‫مكر ھيرودس ودھائه‪.‬‬ ‫أحيانا ما نفھم بالفطرة واإلدراك الشائع مجازيّة اللغة‪ .‬فمثال عندما تح ّدث‬ ‫السيد المسيح للمرأة التي كانت واقفة بجانب البئر )اإلصحاح الرابع من‬ ‫إنجيل يوحنّا( عن »الماء الح ّي« الذي من يشرب منه لن يعطش إلى اآلبد‪،‬‬ ‫)حاشية ‪( 25‬‬ ‫فلم يكن يقصد ماء ذلك البئر أو أي ماء عنصر ّ‬ ‫ي‪.‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪F‬‬ ‫ومنذ أن ظھرت التفاسير البابويّة ‪ patristic exegesis‬في المسيحية‪ ،‬أعتبر أن لنصوص‬ ‫الكتاب المق ّدس معان ع ّدة‪ .‬وأشھر القواعد التفسيرية في القرون الوسطى تح ّمل التفاسير‬ ‫على أربعة أوجه‪ .‬ففي البداية تعقد مقابلة بين المعنى الحرفي )أو التاريخي( والمعنى‬ ‫ي(‪ .‬ثم يقسّم المعنى الرّوحي إلى فئات ثالث ھي المعنى المجاز ّ‬ ‫الرّوح ّي )أو المجاز ّ‬ ‫ي أو‬ ‫الرّمزي ‪ ،typological‬والمعنى األخالق ّي ‪ ،tropological‬ثم المعنى الباطن ّي ‪.anagogical‬‬ ‫)حاشية ‪ ( 26‬وباالرتكان إلى ھذا التقسيم الثالثي للمعنى الرّوحي ربط الفيلسوف والناقد األدبي‬ ‫تودوروف ‪ Todorov‬كل فئة منھا بالزمن‪ ،‬فأحال المعنى الرّمزي ‪ typological‬إلى‬ ‫الماضي‪ ،‬واألخالقي ‪ tropological‬إلى الحاضر‪ ،‬أما المعنى الباطن ّي فقد نسبه إلى المستقبل‬ ‫)حاشية ‪( 27‬‬ ‫‪.anagogical‬‬ ‫وفي نقلة مش ّوقة من مدرسة التفسير التقليدية للكتاب المق ّدس إلى مثيلتھا في القرآن يعقد‬ ‫المؤرّخ األمريكي وانسبروه ‪ Wansbrough‬مقارنة بين رباعية تفسير الكتاب المق ّدس في‬ ‫قرون المسيحية الوسطى والتفسير القرآني‪ .‬فنجده يضفر األزواج األربعة التالية من‬ ‫)حاشية ‪( 28‬‬ ‫المصطلحات الفنّية المتطابقة في اللغتين العربية واليونانية‪:‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪27‬‬ ‫نوع المعنى التفسيري‬ ‫المصطلح اللغوي في العربية‬ ‫الحرف ّي‬ ‫المجاز ّ‬ ‫ي‬ ‫الوصف ّي‬ ‫الرّوح ّي‬ ‫الظاھر‬ ‫الباطن‬ ‫الح ّد‬ ‫المطلع‬ ‫‪F‬‬ ‫المصطلح اللغوي في اليونانية‬ ‫‪Historia‬‬ ‫‪Allegoria‬‬ ‫‪Tropologia‬‬ ‫‪Anagoge‬‬ ‫وباإلضافة إلى المقارنة التي عقدھا وانسبروه ھنا بين ما شاع من التقسيمات التفسيرية‬ ‫عن نصوص الكتاب المق ّدس في القرون الوسطى‪ ،‬لدي علماء الالھوت المسيحي في‬ ‫أوروبا‪ ،‬ومثيلتھا في اللغة العربية‪) ،‬حاشية ‪ (29‬فھناك أيضا من عقد مقارنة بينھا وبين مثيلتھا‬ ‫في اللغة العبريّة‪) .‬حاشية ‪ ( 30‬كما أن ھناك ما يماثلھا من المقارنات في التفسيرات التوراتية‪.‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫)حاشية ‪( 31‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪F‬‬ ‫وننتقل اآلن إلى خمسة من مجاالت البحث واالستقصاء في السيّاق الفكر ّ‬ ‫ي اإلسالمي عن‬ ‫التفسيرات المجازية في القرآن الكريم وھي‪:‬‬ ‫‪ ‬استكشاف أھل البالغة في اللغة العربية للتشبيه القرآني )وھو ما سنفرد له البند‬ ‫"أوال"(‬ ‫‪10‬‬ ‫‪ ‬اإلختالفات ما بين فقھاء المذھب ال ّسني حول مغزى تشبيھات ّ‬ ‫الذات اإللھية في‬ ‫النّص القرآني )سنتناوله في البند "ثانيا"(‬ ‫‪ ‬كشفيات المتص ّوفة في الرّمزية القرآنية )سنتناوله في البند "ثالثا"(‬ ‫‪ ‬التوفيق الفلسفي ما بين المنطق )أي التعليل البيان ّي المفضي إلى األسلوب الرّمزي(‬ ‫من جھة والتنزيل من جھة أخرى )سنتناوله في البند "رابعا"(‬ ‫‪ ‬التأويل عند الطائفة اإلسماعيلية )سنتناوله في البند "خامسا"(‬ ‫وقد اتبعنا في االستعراض التالي للنظريات اإلسالمية في المجاز والرّمز أسلوبنا‬ ‫ال ّشخصي في تبويب ما ھو متاح من ما ّدة عن ھذا الموضوع‪ .‬وھو تبويب قمنا به في ظ ّل‬ ‫ما يشبه غياب مثل ھذه النظرة العامة‪ .‬وما يع ّ‬ ‫زيني ھو قول البروفيسور مارك جيللر ‪Mark‬‬ ‫‪ ،Geller‬أستاذ دراسات الشرق األوسط بجامعة لندن‪" :‬يمكن أن يقال بوجه عام أن علماء‬ ‫اللغات السّامية لم يلجوا بعد مضمار الرّمز وجوھر المعاني‪ ،‬إذ أنه ما زال أمامھم الكثير‬ ‫)حاشية ‪( 32‬‬ ‫من األعمال اآلساسية لينجزوھا في مجال وضع المعاجم وطبعھا"‪.‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪F‬‬ ‫أوال ‪ -‬استكشاف التشبيه القرآني بالبالغة )بإل ّرجوع إلى أعمال الجرجاني بوجه خاص(‪:‬‬ ‫لطالما كانت ھناك حاجة إلى التفسير‪ .‬فلم يكن أھل اللغة العربية في زمن الرّسول محمد‬ ‫)ص(‪ ،‬بل حتى صحابته‪ ،‬في وضع يسمح لھم بفھم القرآن الكريم‪ .‬فكان أوائل السّامعين‬ ‫لآليات القرآنية عند التنزيل يطلبون من الرّسول )ص( أن يبين لھم ما كان يشكل عليھم‬ ‫منھا‪ .‬ويقصّ علينا أحد األحاديث النّبوية أنه عندما نزلت اآلية التي تحدد وقت بداية الصوم‬ ‫)البقرة‪ ،(187 :‬أن أخذ من يدعى عادي بن الحاتم ھذه اآلية بمعناھا الحرفي‪ ،‬إذ أخفق في‬ ‫)حاشية‬ ‫إدراك ما ترمز إليه عبارة "كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط األبيض من األسود"‪.‬‬ ‫‪ ( 33‬فأخذ عقالين أحدھما أبيض واآلخر أسود وجعل ينظر إليھما بالليل متوقّعا أن يتبيّن له‬ ‫أحدھما من اآلخر إيذانا ببدء الصّوم‪ ،‬فصعب عليه ذلك وعندما استشار ال ّرسول )ص( قال‬ ‫)حاشية ‪( 34‬‬ ‫له أن تلك اآلية ترمز إلى "سواد الليل وبياض النّھار"‪.‬‬ ‫وفي محاولة منه في اآلونة اآلخيرة لتحسين تبويب التفسير عند المؤرّخ وانسبروه‬ ‫‪ Wansbrough‬صرّح أستاذ الدراسات اإلسالمية نورمان كالدر ‪ Norman Calder‬بكل‬ ‫صراحة أن "الرمز والتشبيه غالبا ما تعتبره المدرسة األدبية التقليدية في التفسير القرآني‬ ‫ضربا من علوم البالغة" )حاشية ‪ ( 35‬وفي ھذا التعميم بعض من اإلرباك ألول وھلة إذ أن‬ ‫وانسبروه يتكلّم عن منھجين تفسيريين منفصلين عن بعضھما البعض في األسلوب وھما‬ ‫المنھج البياني والمنھج الرّمزي )رغم وجود شيء من مساحة مشتركة بين المنھجين(‪.‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪F‬‬ ‫)حاشية ‪ ( 36‬إال أن نورمان كالدر في معرض تحسينه النّظري لما قاله وانسبروه ميّز ما بين‬ ‫ما أسماه "الھياكل الفعّالة ‪ "instrumental structures‬و"الھياكل األيديوليجية ‪ideological‬‬ ‫‪ "structures‬في التفسير‪ .‬ومن رأينا أن في ھذا التمييز فائدة‪ .‬إذ أن لدى نورمان مالحظة‬ ‫أخرى ذات صلة وھي "أن القراءات الرمزية والمجازية غالبا ما تتوافق مع معاني‬ ‫المتص ّوفة ولكنھا ال تكون بمثل نفس الدرجة من التوافق مع أي من التفاسير األخرى بما‬ ‫فيھا االستنتاجات الفقھية"‪) .‬حاشية ‪ ( 37‬أي أننا إذا ما أخذنا بمالحظتي نورمان معا ً فإن‬ ‫القراءات الرّمزية )وھي التي أسماھا بالھياكل الفعّالة(‪ ،‬يتم االرتكان إليھا في كل من‬ ‫المناھج البالغية والفلسفية والباطنية في التفسير )التي أسماھا بالھياكل اإليديولوجية(‬ ‫عندما تعالج كل طائفة منھا اھتماماتھا العقائدية‪.‬‬ ‫أما البروفيسور الرّاحل ولفھارت ھنريكس ‪ ،Wolfhart Henrichs‬أستاذ اللغة العربية السابق‬ ‫بجامعة ھارفارد األمريكية والمحرر المساعد آلخر إصدارات دائرة المعارف اإلسالمية‪،‬‬ ‫فقدد عرّف أربعة من المحفّزات التي ساعدت على تطور النظرية األدبية في اللغة العربية‬ ‫وھي )أوالً( اإلھتمامات الثقافية البحتة لعلماء اللغويّات بوصفھم أھم جامعي الشعر القديم‬ ‫وشارحيه )وثانيا ً( اإلھتمام بالتفسير القرآني‪ ،‬وخاصة فيما يتعلّق بمسألة تشبيھات الذات‬ ‫اإللھية في القرآن الكريم والبرھنة على اإلعجاز القرآني )وثالثا ً( التح ّدي الذي فرضه على‬ ‫النّقاد ظھور األسلوب الشعري البديع على يد المتق ّدمين من شعراء العصر العبّاسي‬ ‫)حاشية ‪( 38‬‬ ‫)ورابعا ً( الجھود التي بذلت في الصياغة والعرض المنھج ّي للنظرية األدبية‪.‬‬ ‫والغاية ھنا تبرر الوسيلة إذا ما تناولنا مسألة تجسيدات الذات اإللھية في القرآن الكريم‬ ‫فعبارة "يد ﷲ" يمكن تناولھا من حيث ھي مجاز أو استعارة تبرھن من ناحية على بالغة‬ ‫القرآن )عند أنصار البالغة(‪ ،‬ومن ناحية ثانية على النّأي با عن الخصائص البشريّة‬ ‫)عند الفالسفة(‪ ،‬ومن ناحية ثالثة للتعبير عن قرب ﷲ من اإلنسان )عند المتص ّوفة(‪ .‬ذلك‬ ‫ألن لكل قراءة رمزية في القرآن غاية عقائدية‪ .‬إال أن الغايات العقائدية عند البلغاء لم تكن‬ ‫تتخذ نسقا متجانسا‪ ،‬بل أحيانا ما كانت تتناقض تماما من قطب آلخر‪ .‬ويحضرنا ھنا قطبان‬ ‫من أقطاب علوم اللغة والكالم عاشا في زمان واحد وحصرا اھتمامھما في التعبير‬ ‫المجازي في القرآن الكريم‪ ،‬وإن كان اھتمام آحدھما على النّقيض من اآلخر‪ ،‬وھما أبو‬ ‫الحسن ال ّر ّماني )المتوفي ‪ 384‬ھجرية ‪ 996 /‬ميالدية(‪ ،‬ومعاصره األصغر منه سنّا‬ ‫)القاضي( أبو بكر الباقالني )المتوفي ‪ 403‬ھجرية ‪ 1013 /‬ميالدية(‪ .‬إذ كان أولھما من‬ ‫المعتزلة والثاني من األشاعرة‪ .‬وكان مقصد ال ّر ّماني من مؤلّفه المعنون "النَ َكت في إعجاز‬ ‫القرآن" ذا شقّين‪ :‬أولھما البرھنة على اإلعجاز اللّغوي للقرآن الكريم‪ ،‬وثانيھما اإلتيان‬ ‫‪35‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪F‬‬ ‫بتعبيرات مجازيّة ال كمجرّد مظھر من مظاھر اللغة‪ ،‬وإنما بصفتھا عنصر جوھري فيھا‪.‬‬ ‫)حاشية ‪( 39‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪F‬‬ ‫وقد اعتبر الر ّماني أن استخدام المجاز له من الحجّية ما للحقيقة‪ ،‬وسعى للبرھنة على ذلك‬ ‫من القرآن نفسه‪ .‬وأطلق ھذا المنھج اللغو ّ‬ ‫ي يده في التأويل سيّما في شرحه لآليات التي‬ ‫)حاشية ‪( 40‬‬ ‫ومن أجل‬ ‫بدت وكأنّھا تشبيھات للذات اإللھية إذ أخذھا على محمل المجاز‪.‬‬ ‫البرھنة على صحّة رأيه يستشھد ال ّر ّماني بعدد ال بأس به من األمثلة الشيّقة في المجاز‬ ‫القرآني‪ .‬وفي "باب االستعارة" كان من بين األمثلة القرآنية التي ساقھا ما يلي‪:‬‬ ‫‪" ‬قال ع ّز وج ّل ‘ َوقَ ِد ْمنَا إِلَى َما َع ِملُوا ِم ْن َع َم ٍل فَ َج َع ْلنَاهُ ھَبَا ًء َم ْنثُورًا’ )الفرقان‪،(23 :‬‬ ‫‪ ...‬وأما "ھباء منثوراً" فبيان قد أخرج ما ال تقع عليه حاسة إلى ما تقع عليه حاسة"‪.‬‬ ‫‪" ‬وقال ع ّز وج ّل ‘فَاصْ َد ْع بِ َما تُ ْؤ َم ُر’ )الحجر‪ ،(94 :‬واالستعارة أبلغ من الحقيقة ألن‬ ‫الصّدع باألمر ال ب ّد له من تأثير فيصير بمنزلة ما لم يقل والمعنى الذي يجمعھما‬ ‫اإليصال إال أن اإليصال الذي له تأثير كصدع الزجاجة أبلغ"‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ص ٍر َعاتِيَ ٍة’ )الحاقّة‪ ،(6 :‬حقيقته‬ ‫صرْ َ‬ ‫يح َ‬ ‫‪" ‬وقال ع ّز وج ّل ‘ َوأَ ﱠما َعا ٌد فَأ ْھلِ ُكوا بِ ِر ٍ‬ ‫شديدة والعت ّو أبلغ منه ألن العت ّو شدة فيھا تمرّد"‪.‬‬ ‫ب لَ َد ْينَا’ )ال ّزخرف‪ ،(4 :‬وحقيقته أصل الكتاب وھو‬ ‫‪" ‬وقال تعالى ‘ َوإِنﱠهُ فِي أُ ﱢم ْال ِكتَا ِ‬ ‫أبلغ ألن األ ّم أجمع وأظھر"‪.‬‬ ‫‪" ‬وقال تعالى ‘ َوا ْشتَ َع َل الر ْﱠأسُ َش ْيبًا’ )مريم‪ ،(4 :‬أصل االشتعال للنار وھو في ھذا‬ ‫الموضع أبلغ وحقيقته كثرة شيب الرأس ‪ ...‬كاشتعال النّار"‪.‬‬ ‫‪" ‬وقال ع ّز وج ّل ‘ َع َذابُ يَ ْو ٍم َعقِ ٍيم’ )الحج‪ ،(55 :‬أي ال يُنتج خيراً ومعنى الھالك‬ ‫فيھما"‪.‬‬ ‫ت ال ﱠش ْو َك ِة تَ ُك ُ‬ ‫ون لَ ُك ْم" )األنفال‪ (7 :‬اللفظ ما ھنا‬ ‫‪" ‬وقال تعالى "تَ َو ﱡد َ‬ ‫ون أَ ﱠن َغ ْي َر َذا ِ‬ ‫بال ّشوكة مستعار ‪ ...‬وحقيقته )غير ذات( السّالح"‪.‬‬ ‫س’ )التكوير‪ (18 :‬وحقيقته إذا بدا انتشاره ‪...‬‬ ‫ْح إِ َذا تَنَفﱠ َ‬ ‫‪" ‬وقال تعالى ‘ َوالصﱡ ب ِ‬ ‫والتنفّس أبلغ لما فيه من التز ّوج )أي التر ّوح( عن النّفس"‪.‬‬ ‫ين َخلَ ْوا ِم ْن قَ ْبلِ ُك ْم َم ﱠس ْتھُ ُم ْالبَأْ َسا ُء َوال ﱠ‬ ‫ضرﱠا ُء َو ُز ْل ِزلُوا’ )البقرة‪(214 :‬‬ ‫‪" ‬وقال تعالى ‘الﱠ ِذ َ‬ ‫وزلزلوا أبلغ من كل لفظ كان يعبّر به عن غلظ ما نالھم‪ ،‬ومعنى حركة اإلزعاج‬ ‫فيھما إالّ أن الزلّة أبلغ وأش ّد"‪.‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪F‬‬ ‫ص ْبرًا’ )البقرة‪ (250 :‬وحقيقته افعل بنا صبراّ‬ ‫‪" ‬وقال تعالى ‘ قَالُوا َربﱠنَا أَ ْف ِر ْغ َعلَ ْينَا َ‬ ‫وأفرغ أبلغ منه ألن في أفرغ اتساعا ً مع بيان"‪.‬‬ ‫اس ِم َن ﱡ‬ ‫ور’‬ ‫‪" ‬وقال ع ّز وجل ‘الر ِكتَابٌ أَ ْن َز ْلنَاهُ إِلَي َ‬ ‫ْك لِتُ ْخ ِر َج النﱠ َ‬ ‫الظلُ َما ِ‬ ‫ت إِلَى النﱡ ِ‬ ‫)إبراھيم‪ ... (1 :‬وحقيقته من الجھل إلى العلم"‪.‬‬ ‫‪" ‬وقال تعالي ‘ َو َدا ِعيًا إِلَى ﱠ‬ ‫ﷲِ بِإِ ْذنِ ِه َو ِس َراجًا ُمنِيرًا’ )األحزاب‪ ... (46 :‬وحقيقته مبيّنا‬ ‫"‪.‬‬ ‫وس ِھ ْم’ )األنبياء‪ ... (65 :‬كالواقع على رأسه‬ ‫‪" ‬وقال ع ّز وج ّل ‘ ثُ ﱠم نُ ِكسُوا َعلَى ُر ُء ِ‬ ‫)حاشية ‪( 41‬‬ ‫للحيرة "‪.‬‬ ‫وھناك كم ج ّم من مثل ھذه األمثلة‪ ،‬وبعضھا‪ ،‬كما قال البروفيسور الرّاحل ولفھارت‬ ‫ھنريكس‪" ، Wolfhart Heinrichs‬قد أصبح شائعا ھذه األيّام في الحوارات التي تتناول‬ ‫االستعارة"‪) .‬حاشية ‪ ( 42‬وإذا ما تناولنا بعضا من ھذه األمثلة نجد أن أبو زكريّا الفرّاء‬ ‫)المتوفّي ‪ 207‬ھجرية ‪ 822 /‬ميالدية(‪ ،‬وھو أول من وضع شرحا لغويّا عن القرآن‪ ،‬قد‬ ‫س‬ ‫ساق أمثلته الخاصّة عن لغة المجاز في التنزيل‪ ،‬ومنھا مثل "أَ َح َد َع َش َر َك ْو َكبًا َوال ﱠش ْم َ‬ ‫ين " )يوسف‪ ،(4 :‬ومثل " َوقَالُوا لِ ُجلُو ِد ِھ ْم لِ َم َش ِھ ْدتُ ْم َعلَ ْينَا" )فصّلت‪:‬‬ ‫اج ِد َ‬ ‫َو ْالقَ َم َر ‪ ...‬لِي َس ِ‬ ‫‪ ،(21‬ومثل "قَالَ ْ‬ ‫ت نَ ْملَةٌ يَا أَيﱡھَا النﱠ ْم ُل ا ْد ُخلُوا َم َسا ِكنَ ُك ْم" )النّمل‪) (18 :‬حاشية ‪ ،( 43‬كما حذا‬ ‫حذوه أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي )المتوفي ‪ 209‬ھجرية ‪ 825/‬ميالدية( في مؤلّفه‬ ‫"مجاز القرآن"‪ ،‬إذ ساق المزيد من األمثلة المجازية‪ ،‬ومنھا "ثُ ﱠم ا ْستَ َوى )ﷲ( إِلَى ال ﱠس َما ِء‬ ‫ض اِ ْئتِيَا طَ ْو ًعا" )ف ّ‬ ‫ون"‬ ‫صلت‪ ،(11 :‬كما استشھد باآلية "إِنﱠ ُك ْم أَ ْنتُ ُم الظﱠالِ ُم َ‬ ‫‪ ...‬فَقَا َل لَھَا َولِ ْألَرْ ِ‬ ‫)األنبياء‪ (65 :‬وھو خطاب قوم إبراھيم لألصنام الغير عاقلة بصيغة الجمع بدال من المفرد‬ ‫المؤنّث‪) .‬حاشية ‪ (44‬ومن ھنا يتّضح أن اللّغويّون قد اجمعوا بوجه عام على وجود المجاز في‬ ‫القرآن‪ ،‬ولكن ھذا اإلجماع غاب فيما يتعلّق بالمعاني الرّمزيّة لذلك المجاز‪ .‬أما معاصريھم‬ ‫من المفسّرين فقد انقسموا إلى مدارس تفسيرية مختلفة مثلما اختلفوا ھم فيما بينھم‪ .‬ومن‬ ‫عجيب المفارقات أنھم لم يبذلوا أقل مجھود في شرح التّجسيمات‪ ،‬إذ عمد ال ّر ّماني بكل‬ ‫بساطة إلى وضع نمط نقد ّ‬ ‫ي يتناول بمقتضاه تشبيھات الذات اإللھية على أنھا مجاز قائم‬ ‫على نظريّة نقديّة في اللّغة والنّص القرآني‪.‬‬ ‫ويمكن القول بأن المجاز ھو أكثر وسائل الرّمز شموال )إذ تراوح القصد منه ما بين‬ ‫"تفسير المعنى" إلى "التعبير اإلصطالحي" و "التعبير المجاز ّ‬ ‫ي" )حاشية ‪ (45‬إذ يقول‬ ‫وانسبروه "لقد أصبح المجاز في حقيقة األمر‪ ،‬سيّما فيما يتعلّق بالنّص القرآني‪ ،‬وصفا ً‬ ‫غامضا وعاما لكل الظواھر التي ال تفھم حرفيّا ‪ ...‬ولھذا ظ ّل المجاز الوارد في النّصوص‬ ‫‪40‬‬ ‫‪41‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪F‬‬ ‫المق ّدسة مح ّل خالف في اآلراء ال سبيل إلى حلّه‪) ".‬حاشية ‪ ( 46‬كما بيّن وانسبروه أن ما يس ّمى‬ ‫بالمجاز يشير إلى منھجين مختلفين في التفسير‪ :‬ففي ظل المنھج األول منھما يستخدم‬ ‫المجاز من أجل "جبر" ما خالف قواعد اللغة في التّنزيل جبراً يفيد المعنى ويخدمه‪ ،‬وفي‬ ‫الثاني‪ :‬يعمد إلى المجاز البالغ ّي من أجل اإلشارة إلى غرضه الرّمزي‪ .‬والمنھج األول‬ ‫يحصر مھ ّمته في التفسير دون سواه )إذ يھدف إلى إيضاح النّص من خالل اإلسھاب(‪ ،‬أما‬ ‫الثاني فھو تأويل ّي )أي يعنى بشرح المجاز(‪) .‬حاشية ‪ ( 47‬ويالحظ أن مقاصد أھل التفسير‬ ‫البالغ ّي لم تكن تختلف من شخص آلخر فحسب‪ ،‬بل أن ما أخرجوه من مصطلحات‬ ‫وتحليالت كانت متنافرة بدرجة لم يكن فيھا الخلف يبدأ عمله من حيث انتھى السّلف‪ ،‬وإنما‬ ‫كان يعيد النظر في قسط كبير مما صرف فيه ذلك السّلف عمره وجھده‪ ،‬إال من يشار إليه‬ ‫بالبنان من بين البالغيين من حيث األلمعية والنّبوغ فھو الجرجاني بغير منازع‪ ،‬وھو من‬ ‫سنتناول أعماله فيما يلي‪.‬‬ ‫)أ( القرآن والبالغة عند الجرجاني‬ ‫يع ّد العالّمة ال ّشھير عبد القاھر الجرجاني )المتوفي عام ‪ 471‬ھجرية الموافق عام ‪1079‬‬ ‫للميالد( "أھم ُمنظّري البالغة في ل ّغة الضّاد" )حاشية ‪ (48‬و "مؤسس علمي البيان والبالغة"‬ ‫)حاشية ‪ ( 49‬وإذ اشتھر بمنھجه السيكولوجي في اللغة – الذي يعتبر نظما في الصالت‬ ‫والرّوابط اللغوية – فقد حقق الجرجاني دمجّا نظريّا جديدا بين اللّفظ والمعنى‪ .‬وفي ظل‬ ‫نظريّته عن النّظم يؤخذ النّص بمجمله على أنه شبكة من االرتباطات مبنيّة على التجربة‬ ‫أدبي فارق )حاشية ‪ ،(51‬إذ تبلور ِعلمان جديدان من علوم‬ ‫ذاتھا‪) .‬حاشية ‪ (50‬ولھذه النّظرية ثق ٌل‬ ‫ﱞ‬ ‫البالغة حول إثنين من أھم مؤلّفات الجرجاني‪ :‬فقد نشأ علم المعاني )حاشية ‪ ( 52‬من كتابه‬ ‫"دالئل اإلعجاز"‪ ،‬واستُنبِط علم البيان من مؤلﱠفه "أسرار البالغة" )حاشية ‪.(53‬‬ ‫وكان ھذان ال ِعلمان من بين الفروع الفكريّة الثالث التي انقسم إليھا علم البالغة بعد أن قام‬ ‫العالّمة الفارس ّي ال ّشامل "الس ّكاكي" )المتوفي ‪ 626‬ھجرية الموافق ‪ 1229‬من الميالد(‬ ‫بتبويب أعمال الجرجاني في مؤلّفه الشھير "مفتاح العلوم"‪ ،‬وھو الكتاب الذي عمد‬ ‫القزويني )المتوفّي ‪ 739‬ھجرية الموافق ‪ 1338‬من الميالد( إلى إيجاز باب البالغة منه‬ ‫في مؤلّفه "تلخيص المفتاح"‪ .‬وقد تب ّوأ كتاب التلخيص ھذا مكانته في سائر أنحاء العالم‬ ‫اإلسالم ّي كأقدم مرجع دراس ّي في البالغة‪ .‬وقد توالى وضع المؤلّفات التي تناولت ھذا‬ ‫المرجع بالشرح والتفصيل بالغة ذروتھا على يد التفتازاني )المتوف ّي ‪ 793‬ھجرية الموافق‬ ‫‪ 1390‬من الميالد( في كتابيه "المط ّول" )عام ‪ 748‬ھجرية الموافق ‪ 1347‬ميالدية(‪ ،‬و‬ ‫"المختصر" )عام ‪ 756‬ھجرية الموافق ‪ 1355‬ميالدية(‪) .‬حاشية ‪ .( 54‬إال أنه من الواجب‬ ‫التنويه بأن من تناولوا أعمال الجرجاني بالتبويب "قد كان اھتمامھم على ما يبدو محصورا‬ ‫‪45‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪47‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪52‬‬ ‫‪53‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫)حاشية ‪( 55‬‬ ‫في عرض نظريّات الجرجاني بتلخيص شديد‪".‬‬ ‫وتجد نظريّة الجرجاني في اللغة روافدھا وجذورھا في المبدأ القائل بأن اللغة منظومة من‬ ‫الصّالت والرّوابط‪ .‬وأن قوة اللغة في التعبير نابعة من بنائھا التعبيري ال من المفردات‬ ‫)حاشية ‪( 56‬‬ ‫المك ّونة لھذا البناء‪ .‬وكانت الوحدة األولية للتعبير المجازي عنده ھي "الصورة"‪.‬‬ ‫وقد ابتدع الجرجاني نظرية حول ارتباط‬ ‫المعنى الحرف ّي بالمعنى المجاز ّ‬ ‫ي الذي أسماه "معنى المعنى"‪ .‬وحصر ج ّل ھ ّمه في‬ ‫)حاشية ‪( 57‬‬ ‫اكتشاف سالسل التخيّل في الفكر المجاز ّ‬ ‫ي‪.‬‬ ‫‪ .‬وفي تقدير أستاذ األدب العرب ّي‬ ‫الدكتور كمال أبو ديب أن نظرية التخيّل عند الجرجاني ھي "فريدة في بابھا حتى إذا ما‬ ‫تناولناھا من منظور النّقد المعاصر"‪) .‬حاشية ‪.(58‬‬ ‫وارتكازا إلى طيف واسع من المصطلحات‪ ،‬ولو أن البعض منھا يطفو إلى السّطح من آن‬ ‫آلخر في استخدامات ركيكة )حاشية ‪ ،(59‬قام الجرجاني ببناء ثالثة من صيغ التصوير اُشتقﱠت‬ ‫منھا سائر التعبيرات المجازية اآلخرى وھي‪:‬‬ ‫)‪ (1‬التشبيه‬ ‫)‪ (2‬التمثيل‬ ‫)‪ (3‬اإلستعارة‬ ‫وھي صيغ سيضاف إليھا صيغة رابعة في موضع تال من مقالتنا ھذه وھي‬ ‫)‪ (4‬التخييل‬ ‫نظرا الستقالل صيغة التخييل بوجه كبير عن سابقاتھا الثالث‪ .‬وسنتناول ھذه الصّيغ فيما‬ ‫يلي‪ ،‬مرتبة حسب تناقص مؤ ّشراتھا المجازية‪ ،‬بمعنى ابتداء باكثرھا استنادا إلى مؤشرات‬ ‫التشبيه والتمثيل واالستعارة والتخييل‪ .‬مع مالحظة أن الجرجاني يفرد فصال بكامله‬ ‫)حاشية ‪( 60‬‬ ‫للتخييل‪ ،‬متناوال إياه باسھاب شديد في كتابه "أسرار البالغة"‪.‬‬ ‫وإلقاء الضوء على ھذه الصيغ المجازية اآلربع ھو الغرض من شرح ھذا الكاتب للتسلسل‬ ‫النظر ّ‬ ‫ي عند الجرجاني ابتداء بالتشبيه )البسيط منه والمر ّكب(‪ ،‬مرورا بالتمثيل‪ ،‬وانتھاء‬ ‫بالتخييل‪ .‬ومع أن ھذه القراءة في أعمال الجرجاني قد أع ّدھا الكاتب بصورة انتقائية‪ ،‬إال‬ ‫أنھا ستكون مفيدة في التبويب الجزئي لنظرية المجاز عند ھذا الجامعة البالغ ّي بكيفية لم‬ ‫تتم من قبل بمثل ھذه المنھجية في األعمال األدبية التي تناولت أفكاره‪ .‬وقد ارتكن الكاتب‬ ‫كثيرا في إعداده لما سيلي من طرح على الرأي الثاقب ألستاذ األدب العرب ّي كمال أبو‬ ‫ديب الذي يعتبر أن "التخييل" عند الجرجاني يرقى إلى كل ما في الرّمز من مالمح –‬ ‫‪F‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪58‬‬ ‫‪57‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫)حاشية ‪( 61‬‬ ‫قاصدا بذلك الرّمز في األدب العرب ّي المعاصر ال القديم‪.‬‬ ‫ولكن لنبدأ أوال ببضع مالحظات عن النّظم في ح ّد ذاته‪ .‬فالجرجاني يربط معاني األلفاظ‬ ‫معا من حيث ترتيبھا النّظم ّي‪ .‬وھو ينطلق من فرضية أنه "مادامت األلفاظ ھي حاملة‬ ‫المعاني فيلزم أن يكون ترتيب األلفاظ تابع لترتيب المعاني"‪) .‬حاشية ‪ (62‬وعالوة على ذلك‬ ‫فإن األلفاظ في ح ّد ذاتھا ليست أفكارا مفصلة‪" :‬ليس الغرض بنظم الكالم أن تتوالى ألفاظه‬ ‫)حاشية ‪( 63‬‬ ‫في النّطق بل أن تتناسق داللة األلفاظ‪ ،‬وتتالقي معانيھا‪".‬‬ ‫ويرى كمال أبو ديب أن ھذه الرؤية الرّمزية للتخابر ال ّشفھي تنظر إلى التصنيف ال ّشفھي‬ ‫على أنه نابع من صيغة خبريّة )أي من تصريف خبر ّ‬ ‫ي(‪ ،‬بالكيفية التي تعمل بھا عملية‬ ‫التفكير عبر مبان تفكيرية بدال من تعاملھا مع األلفاظ المجرّدة‪ .‬فالمتاھة ھي أن يتناول‬ ‫المرء أحد األفعال دون أن يراه مرتبطا ً بعنصر آخر في نفس الجملة )مثل الفاعل أو‬ ‫المفعول به( سواء كان االرتباط صريحا أو ضمنيّا‪ .‬وعلى نفس المنوال ال يكون للفظ‬ ‫المجرّد أية خاصّية منفردة تكسبه صفة البالغة أو البالھة‪ .‬فحالما يدخل اللفظ في تركيب‬ ‫)حاشية ‪( 64‬‬ ‫معيّن أو نظم شفھ ّي فيقال عنه عندئذ‪ ،‬وعندئذ فقط‪ ،‬أنه لفظ تعبير ّ‬ ‫ي‪.‬‬ ‫وينبثق مفھوم "صورة المعنى" عند الجرجاني من ھذا اإلطار النظري‪ .‬فالنّظرية تتناول‬ ‫الشكل والمضمون‪ ،‬واللفظ والسّياق‪ ،‬إال أن االھتمام األكبر ينصب على ارتباطاتھا ال‬ ‫تناثرھا وتبعثرھا‪ .‬فھذه االرتباطات تتضافر لتعطي معنى يفوق مجمل ما لھذه األلفاظ من‬ ‫معان نقرأھا في القواميس والمعاجم اللغوية‪ .‬وقد اتفقت آراء النّقاد العرب على أن المعنى‬ ‫ھو أھم محرّك في التعبير ال ّشعري‪ .‬إال أن الجرجاني وسّع النّقد األدب ّي وع ّمقه ألكثر من‬ ‫ذلك‪ ،‬فقد وسّع نظريّته لتشمل "ق ّوة المبنى‪ ،‬وإيماءات الرّمز ووظيفة التخيّل" في المرونة‬ ‫)حاشية ‪( 65‬‬ ‫ال ّشعرية‪.‬‬ ‫كما أن نظرية الجرجاني في صورة المعنى تستدعي أن يعتبر التخيّل ال ّشعر ّ‬ ‫ي مشتمال‬ ‫على قسمين من اإلستدالل )ھما اللغوي والعقلي( يعطيان بدورھما معنيين ھما "المعنى"‬ ‫)أي الخطاب الحرف ّي( و"معنى المعنى" )أي الخطاب المجازي(‪ .‬وھذا التقسيم ھو‬ ‫األساس النظر ّ‬ ‫ي الحتجاج الجرجاني بأن إعجاز القرآن يكمن في النّظم والتأليف الذي‬ ‫)حاشية ‪( 66‬‬ ‫يستلزم طريقة ذھنية في الفھم واإلدراك تتخطّى حيّز اللفظ والحرف‪.‬‬ ‫وكل ما جاء في القرآن من ضرب المجاز نابع من عناصر في بنائه ال تنف ّ‬ ‫ك عن بعضھا‬ ‫البعض‪ ،‬وترتبط دالالتھا بغير انفكاك مع ارتباطاتھا النحوية واإلعرابية المعيّنة‪ .‬وما‬ ‫يع ّدھا الجرجاني أصوال كبيرة تتفرّع منھا محاسن الكالم وترجع إليھا فھي "التشبيه"‬ ‫و"التمثيل" و"االستعارة" فھي "محاور تدور حولھا المعاني في متصّرفاتھا" ومنھا "تفھم‬ ‫‪60‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪61‬‬ ‫‪62‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪63‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪F‬‬ ‫حالوة خطابھا بالفؤاد وتدرك بالعقل ‪ ...‬ال بحاسّة السّمع"‪) .‬حاشية ‪ (67‬وھناك عوامل نفسية‬ ‫ي لما وراء فھم المعنى اللغو ّ‬ ‫تمعن في المعنى المجاز ّ‬ ‫ي "تشعر معھا بنشوة وانطالقة في‬ ‫النّفس" – أي بخيال يحفزه "المعنى ومعنى المعنى"‪ .‬وفي المصطلحات التي خلقھا‬ ‫الجرجاني يشير "المعنى" إلى "التعبير المباشر"‪ ،‬بينما يشير "معنى المعنى" إلى داللة‬ ‫)حاشية ‪( 68‬‬ ‫أبعد من ذلك يقودنا إليھا ذلك التعبير‪.‬‬ ‫أما ما يكمن تحت كل تخيل شعري فھو القيم الشعرية للتشبيه‪ ،‬وقد جعله الجرجاني على‬ ‫ضربين‪ ،‬إ ّما تشبيه بيّن واضح أو تشبيه يلزمه التأويل‪" :‬أولھما أن يكون تشبيه الشيء‬ ‫بالشيء من جھة أمر بيّن ال يحتاج فيه إلى تأويل‪ ،‬وثانيھما تشبيه ال يتم لك إال بتأ ّ ّول‪".‬‬ ‫وينشعب من التشبيه سلسلة متوالية من سالسل المجاز‪ ،‬تنتقل من التشبيه بالتصريح‬ ‫والتشبيه بالتلويح‪ ،‬ثم إلى التمثيل‪ ،‬انتھاء بالرّمز المرسل الذي يعتمد على السياق‪ ،‬ويلزمه‬ ‫)حاشية ‪( 69‬‬ ‫التأويل فضال عن التحليل‪.‬‬ ‫)ب( التشبيه )و ُمف ّعلُهُ التشابه(‬ ‫"زيد كاألسد"‬ ‫يرى الجرجاني أن أساس كل تخيّل ھو التشبيه من حيث المقارنة أو االستعارة وكافة فنون‬ ‫المجاز‪ .‬فتكون حركة التشبيه األساسية ھذه ھي المحرّك المشترك ما بين كل التعابير‬ ‫المجازية‪ .‬ويكون القياس البسيط )ال القياس المجرّد( بمثابة القلب من كافة صنوف التشبيه‬ ‫الصرف أو المجرد‪) .‬حاشية ‪ ( 70‬والتشبيه نفسه ليس مجازا إذا قصدنا معناه الحرفي‪ ،‬إذ أن‬ ‫ِ‬ ‫جنسه محدد وصريح‪ .‬بيد أن اإلستعارة تنبثق من التشبيه‪ ،‬أو كما يقول الجرجاني "التشبيه‬ ‫ھو األصل في اإلستعارة"‪.‬‬ ‫ومن يبنى تشبيھا واضحا ال يحتاج إلى تأويل وال يف ّكر من حيث إحاالت العبارات التي‬ ‫يستخدمھا‪ ،‬إذ أن اإلحالة ھنا غير من حيث ماھيّة المعنى المراد فإذا ما قيل مثال أن "زيد‬ ‫كاألسد" فإنه قول ال ينضوى على أية إحالة لھذا التعبير من حيث المعنى المراد‪ ،‬وإال فإن‬ ‫كل تشبيه يقال يكون في ھذه الحالة مجا ًزا‪ ،‬وھو ممتنع محال حيث أن التشبيه ما ھو إال‬ ‫ضرُب من المعنى"‪ ،‬وله ما يحيل إليه التشبيه من أدوات وأسماء ‪ ...‬فالخطاب )أي‬ ‫" ُ‬ ‫استخدام التشبيه( دائما ما يكون حرفيا تماما كما ھو الحال مع غيره من ضروب المعاني‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪67‬‬ ‫‪68‬‬ ‫‪69‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫)حاشية ‪( 71‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪F‬‬ ‫وبالنسبة للتشبيه‪ ،‬فإن الخيال فيه يتناول شيئين بسيطين يكون إدراك تشابھھما فوريّا نظراّ‬ ‫لوصول معانيھما بكل وضوح‪ .‬فال إحالة ھنا أو دمج بين الشيئين كما يحدث في الخطاب‬ ‫المجاز ّ‬ ‫ي‪ .‬فعادة ما يكون للتشبيه نفس الجملة الخبرية التي نجدھا في معناه اللغويّ‪ ،‬كما‬ ‫‪18‬‬ ‫)حاشية ‪( 72‬‬ ‫نجده مثال في "زيد كاألسد"‪.‬‬ ‫أما األمثلة المضروبة من اآليات القرآنية‪ ،‬وھي أمثلة غزيرة في الكثير من الحاالت‪ ،‬فھي‬ ‫ال تحتاج سوى القليل من ال ّشرح بالنسبة لوضوحھا‪ ،‬وذلك فيما عدا تناولھا بالش ّرح‬ ‫والتحليل من حيث ما بھا من تشبيه‪ .‬فلقد شرح السكاكي‪ ،‬الذي تعھّد مؤلّفات الجرجاني‬ ‫بالتبويب‪ ،‬األمر اإللھي للسماء بأن )تمسك ماءھا( ولألرض )بأن "تبلع" ماء فيضان نوح(‬ ‫في سورة ھود اآلية ‪ ،44‬من حيث أنه تشبيه غير بيّن يحتاج إلى تأ ّول – شرحه قائال‪:‬‬ ‫"إنه )أي ﷲ( عز سلطانه ‪ ...‬بنى الكالم على تشبيه المراد بالمأمور الذي ال يتأتي منه‪،‬‬ ‫لكمال ھيبته‪ ،‬العصيان وتشبيه تكون المراد باألمر الجزم النافذ في تك ّون المقصود‪،‬‬ ‫تصويرا القتداره العظيم‪ ،‬وأن السماوات واألرض‪ ،‬وھذه األجرام العظام تابعة إلرادته‬ ‫إيجادا واعداماً‪ ،‬وولمشيّته فيھا تغييرا وتبديال‪ ،‬كأنھا عقالء مميﱢزون‪ ،‬قد عرفوه حق‬ ‫)حاشية ‪( 73‬‬ ‫معرفته ‪" ...‬‬ ‫ويتناول ھذا التأويل المك ّون اللفظي لألية دون سواه‪ .‬وبمقدور السكاكي أن يستنبط من‬ ‫األفعال ذاتھا ما يكمن فيھا من معني‪ .‬والتشبيه مبن ّي على مقارنة ضمنية تتبعه‪ .‬وطاعة‬ ‫العبد مطلوبة في ظل عالقة العبد بسيّده‪ .‬وھذا ھو المحرّك المجازي في اآلية ‪ 44‬من‬ ‫سورة ھود‪ ،‬وبما أنه ال يمكن التخاطب مع شيء ال حياة فيه فإن الحديث وجھا لوجه مع‬ ‫الجماد )األرض والسّماء في ھذه الحالة( يكون مجازاً‪.‬‬ ‫‪71‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫)ت( التمثيل )و ُمف ّعلُهُ القياس(‬ ‫)حاشية ‪( 74‬‬ ‫ّ‬ ‫وك ّ‬ ‫بينھن ابتداع‬ ‫أن النّجوم بين دجاه ‪ ...‬سنن الح‬ ‫يرسم الجرجاني حدا فاصال بين نوعين أساسيين من التشابه‪ :‬الفعل ّي وال ُمتَخيّل‪ ،‬يكون وجه‬ ‫الشبه في أولھما قريب المأخذ وفي ثانيھما بعيد المأخذ‪ .‬و"التشبيه" ال يستخدم النوع األول‬ ‫أي التشابه الفعلي أما "التمثيل" فيلجأ بالضرورة إلى التشابه المتخيل ألن التأويل يت ّم بملكة‬ ‫التخيّل‪ .‬ويشرح الجرجاني ھذا بقوله "إن االستعارة تكون عند التمثيل كمن يرى صورة‬ ‫بعينھا‪ ،‬ولكنك تراھا تارة في المرآة وتارة في الحقيقة‪ ،‬بينما ترى في التشبيه صورتين‬ ‫كليھما في الحقيقة والواقع"‪) .‬حاشية ‪ (75‬أي ال يلزم أ ّ‬ ‫ي تأ ّول لكي تتذ ّوق االشتراك في الحمرة‬ ‫في مشابھة "الخ ّد للورد"‪ .‬أما التمثيل فتقوى فيه الحاجة إلى التأويل‪ ،‬وھو ما يطلب قدراً‬ ‫من االجتھاد في االستنباط كما ھو الحال عندما نقول "ھم كالحلقة المفرغة‪ :‬ال يُد َرى أين‬ ‫)حاشية ‪( 76‬‬ ‫طرفاھا"‪.‬‬ ‫وكما ھو مبيّن فإن التمثيل أكثر تعقيدا من التشبيه‪ ،‬فالتمثيل يتطلّب تخيال أكثر تعقيدا‪،‬‬ ‫‪73‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪74‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪F‬‬ ‫وغالبا ما يلزمه قدرا كبيرا من التأ ّول‪ .‬فالتمثيل مقارنة مر ّكبة‪ ،‬وھو عبارة عن " َمثَل" في‬ ‫معظم الحاالت‪ .‬فالجوراني يقول أن "التمثيل ھو مقتضى أمور مجموعة ونتيجة ألشياء‬ ‫ألّفت وقرن بعضھا إلى بعض‪ .‬وھو تشابه ال يحصل لك إال من جملة من الكالم أو جملتين‬ ‫أو أكثر‪) ".‬حاشية ‪ ( 77‬ويشحذ التمثيل في أدق صوره قدرة القارئ على القياس المجرّد‪ .‬بل إنه‬ ‫قد يربط بين الض ّدين‪ ،‬أي التشبيھات المقلوبة‪ .‬وھناك ضرب من ضرب التمثيل ھو ال َمثَل‬ ‫)حاشية ‪( 79‬‬ ‫)حاشية ‪ (78‬وھو ما يع ّده النقاد من الرّمز الصريح الواضح‪.‬‬ ‫ويرى الجرجاني أن ضرب المثل له أثر جمالي ونفسي كبير‪ .‬وقد شرح وصف القرآن‬ ‫لنفسه بـ "النور" بأنه تمثيل تم توظيفه كمثل للتعبير عن القرآن الكريم‪) .‬حاشية ‪ (80‬ويكون‬ ‫التداخل في ھذه الحالة – أو االنتقال – فيما بين التفسير البالغ ّي والتفسير المجازي راجع‬ ‫إلى الرّمزية الكامنة في كل مثل جاء في القرآن الكريم‪ .‬والمثل يكون مجازيا ً ورمزيا ً في‬ ‫الوقت نفسه‪ ،‬فھو )‪ (1‬صورة كالمية‪ ،‬كما ھو أيضا )‪ (2‬قيمة رمزية‪ .‬ويكون الحاصل ھنا‬ ‫فيما يتعلق بالمثل القرآني منھجان‪ ،‬أولھما يع ّد المثل )‪ (1‬أداة بالغية‪ ،‬يرى فيھا المثل‬ ‫جاريا ً من منظور لغوي )وھو المنھج التأليف ّي(‪ ،‬والمنھج الثاني يعتبر أن المثل )‪ (2‬براعة‬ ‫)حاشية‬ ‫توضيحية‪ ،‬إذ يعتبر المثل صورة ذات محمل رمز ّ‬ ‫ي واضح )وھو المنھج التحليلي(‪.‬‬ ‫‪76‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪78‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪79‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪( 81‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪F‬‬ ‫ك‬ ‫وقد بنى الجرجاني نظريّته ھذه في المثال باالسترشاد بالقرآن الكريم‪ ،‬مثل اآلية ] َوتِ ْل َ‬ ‫ون[ )سورة العنكبوت‪ .(43 :‬فمن مفھوم المثأل‬ ‫اس َو َما يَ ْع ِقلُھَا إِ ﱠال ْال َعا ِل ُم َ‬ ‫ْاألَ ْمثَا ُل نَضْ ِربُھَا لِلنﱠ ِ‬ ‫القرآني واإليمان بإظھاره للحق والحقيقة تم استنباط "عدد من األساليب في التفسير‬ ‫صممت ال للتعرّف على االستخدام المجاز ّ‬ ‫ي في القرآن والحديث فحسب‪ ،‬وإنما إلظھار‬ ‫)حاشية ‪( 82‬‬ ‫ومن منظور التفسير‪ ،‬فإن‬ ‫حكمة وأسباب تعدد طبقات المعاني الرّمزية فيھا"‬ ‫وانسبروه ‪ Wansbrough‬يرى أن المثال قد يكون رمزيا أو تشبيھيا‪ ،‬إال أنه ال يعوزه التحليل‬ ‫)حاشية ‪( 83‬‬ ‫مثلما ھو الحال مع االستعارة"‪.( .‬‬ ‫وأحيانا ما يكون وضوح الخطاب المجازي‪ ،‬في نھاية المطاف‪ ،‬دليال واضحا على الحاجة‬ ‫إلى الشرح والتوضيح‪ .،‬كما ھو الحال بالنسبة لآلية الخامسة من سورة الجمعة‬ ‫ين‬ ‫ين ُح ﱢملُوا التﱠ ْو َراةَ ثُ ﱠم لَ ْم يَحْ ِملُوھَا َك َمثَ ِل ْال ِح‬ ‫س َمثَ ُل ْالقَ ْو ِم الﱠ ِذ َ‬ ‫" َمثَ ُل الﱠ ِذ َ‬ ‫ار يَحْ ِم ُل أَ ْسفَارًا بِ ْئ َ‬ ‫حاشية َم‪ِ(84‬‬ ‫)‬ ‫ت ﱠ‬ ‫ﷲِ َو ﱠ‬ ‫ين‪".‬‬ ‫ﷲُ َال يَ ْھ ِدي ْالقَ ْو َم الظﱠالِ ِم َ‬ ‫َك ﱠذبُوا بِآَيَا ِ‬ ‫فالشبه ھنا ُمنتزع من أحوال الحمار‪ ،‬وھو أنه يحمل األسفار التي ھي أوعية العلوم‬ ‫ومستودع ثمر العقول‪ ،‬ثم ال يعي ما فيھا‪ ،‬يدرك مضمونھا‪ .‬فالمثال ھنا يحتاج إلى تفسيره‬ ‫بقدر معيّن قبل أن يُفھم فھما كامال‪ .‬ولقد كان االلتجاء إلى التحليل من خالل التمثيل مفيدا‬ ‫‪82‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪83‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫لحل مسألة تشبيھات الذات اإللھية في النص القرآني‪ ،‬كما في اآلية ‪ 37‬من سورة ھود‪:‬‬ ‫ك بِأ َ ْعيُنِنَا"‪ ،‬وھي آية قال عنھا الجرجاني أن ال ّشراح قد حاروا حيالھا‪.‬‬ ‫" َواصْ نَ ِع ْالفُ ْل َ‬ ‫)حاشية‬ ‫‪( 85‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪F‬‬ ‫)ث(‬ ‫االستعارة )و ُمف ّعلُھا التمثيل(‬ ‫ُ‬ ‫رأيت أسداً"‬ ‫"‬ ‫تتسيّد االستعارة كامل طيف المقاالت اإلسالمية في البالغة‪ .‬وال يعطينا استعراض تاريخ‬ ‫ظھور ھذه الكلمة أي تسلسل متّصل‪ ،‬فال نجد لھا سوى استخدامات متقطّعة غير واضحة‬ ‫ال يسير مستخدميھا على منھج واحد‪ .‬ويكفينا أن نذكر مثالين على ذلك للمقارنة وإظھار‬ ‫االختالف‪ .‬أولھما أن ابن قتيبة‪ ،‬وھو من أحد معارضي المعتزلة‪ ،‬في كتابه "تأويل مشكل‬ ‫القرآن"‪ ،‬قصد بـ "االستعارة" ما ھو متعارف عليه‪ ،‬ولكنه استخدم ھذا المصطلح ليشير‬ ‫إلى أي استخدام مجازي للكالم‪.‬‬ ‫ويبدأ ابن قتيبة شرحة لمختلف المجازات بباب عن االستعارة‪ ،‬ذلك ألن معظم صنوف‬ ‫المجاز تقع في االستعارة إذ يقول "فالعرب تستعير الكلمة فتضعھا في مكان الكلمة‪ ،‬إذا‬ ‫كان المس ّمى بھا بسبب من األخرى‪ ،‬أو مجاورا لھا أو مشاكال"‪) ..‬حاشية ‪ ( 86‬ولكي يضرب‬ ‫مثال عن االستعارة يستشھد ابن قتيبة باآلية القرآنية " يَ ْو َم يُ ْك َش ُ‬ ‫ق" )سورة القلم‪:‬‬ ‫ف َع ْن َسا ٍ‬ ‫‪ (42‬ويشرح مدلول السّاق في ھذه اآلية بأنه "عن ش ّدة في األمر ‪ ...‬وأصل ھذا أن الرّجل‬ ‫إذا وقع في في أمر عظيم يحتاج إلى معاناته والجد فيه – ش ّمر عن ساقه‪ ،‬فاستعيرت‬ ‫)السّاق( في موضع الش ّدة " ثم يستشھد ببيتين من ال ّشعر‪ ،‬لدريد بن ال ّ‬ ‫ص ّمة والھُذل ّي )على‬ ‫التوالي( إلثبات صحّة استنتاجه ھذا )حاشية ‪ ،(87‬وھما‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫صبو ٌر على الجالّء طالّع أ ْن ُج ِد‬ ‫نصف ساق ِه‬ ‫اإلزار خار ٌج‬ ‫كميشُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق ِم ْئ َز ِري‬ ‫وكنت إذا جاري دعا لِ َمضُوفــــ َ ٍة‬ ‫أ َش ﱢم ُر حتى يَن ﱢ‬ ‫ف السا َ‬ ‫ص َ‬ ‫صر االستعارة على معناھا المتعارف عليه‬ ‫ثم تاله ال ّرماني )المتوفي ‪ 384‬ھـ ‪ 994 /‬م( فق َ‬ ‫اليوم )حاشية ‪ (88‬إذ عرّف ھذا البالغ ّي المنتمي إلى مذھب المعتزلة االستعارة على أنھا‬ ‫"تعليق العبارة على غير ما وضعت له في أصل اللغة"‪) .‬حاشية ‪ (89‬واتباعا لرأي ال ّر ّماني‬ ‫إلى أن جاء الجرجاني كانت التعاريف البالغية في االستعارة تتضمن ما يدل على أنھا نقل‬ ‫للعبارة أو اللفظ عن أصل إلى فرع للبيان‪ ،‬أي ال بد لھا من ثالثة أشياء‪ ،‬مستعار‪،‬‬ ‫)حاشية ‪( 90‬‬ ‫ومستعار له‪ ،‬ومستعار منه‪.‬‬ ‫وقد استھجن الجرجاني ھذا الرأي في البداية على أنه فساداً‪ ،‬إال أنه قبله بعد ذلك بتحفّظات‬ ‫)حاشية ‪ .( 91‬وبذلك ق ّدم لنا الجرجاني نظريّة في اإلحالة )أي الصّفات( بصياغة جديدة تتميّز‬ ‫‪85‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪87‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪90‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫بالدقّة في وصف مشاعر النّفس‪) .‬حاشية ‪ ( 92‬ويعرّف الجرجاني االستعارة قائالً "إعلم أن‬ ‫ٌ‬ ‫االستعارة في الجملة أن يكون للّفظ أص ُل في الوضع اللغو ّ‬ ‫معروف تد ّل الشواھد على‬ ‫ي‬ ‫)حاشية‬ ‫أنه اختصّ به حين وضع ثم يستعمله ال ّشاعرأو غير ال ّشاعر في غير ذلك األصل"‬ ‫‪ ( 93‬ثم يأتي الجرجاني بتعريف أكثر وضوحا ھو أن االستعارة عموما ھي "نقل غير الزم‬ ‫للفظ لمعنى مغاير لمعناه األصلي‪ ،‬فيكون ھناك كالعارية )أي كالشيء ال ُمعار(‪ .‬ومن ھنا‬ ‫جاءت كلمة االستعارة"‪.‬‬ ‫ويقول الجرجاني أن اآلستعارة "تعتمد على التشبيه والتمثيل" )حاشية ‪ (94‬وعلى الرّغم من‬ ‫ھذا األصل المشترك‪ ،‬تختلف االستعارة اختالفا بيّنا عن الصورتين األخريين )أي التشبيه‬ ‫والتمثيل(‪ .‬والفرق اللغوي الظاھر ّ‬ ‫ي بين االستعارة والتشبيه ھو أن االستعارة تشتمل إحالة‬ ‫ُ‬ ‫رأيت أسدا" تكون‬ ‫متخيّلة‪ ،‬بينما يكون التشبيه مقارنة حرفية )أي صريحة(‪ .‬فإذا ما قلنا "‬ ‫ھذه استعارة مجرّدة‪ .‬فاالستعارة على خالف التمثيل‪ ،‬فھي تعبير ح ّمال لمعنيين أ ّولھما‬ ‫معلوم واآلخر مجاز ّ‬ ‫ي‪ .‬فاالستعارة عند الجرجاني إذن ھي تعبير ذا معنيين كالھما صحيح‬ ‫)حاشية ‪( 95‬‬ ‫لغويّا ومجازيّا‪.‬‬ ‫كما أن لإلستعارة أساليب ثالثة‪ .‬أحدھا‪ :‬أن يكون "المشبّه به" ُمشاھَدا ُمد َركا بالحواس‪،‬‬ ‫معان معقولة مثل تشبيه البيان والحجة بالنّور‪ .‬وثانيھا‪ :‬أن يكون كل من‬ ‫ويكون لـ "المشبّه‬ ‫ٍ‬ ‫"المشبّه به“ والمشبّه محسوسين‪ ،‬بجانب كون وجه ال ّشبه عقلياً‪ ،‬مثل حُسن الظّاھر وفساد‬ ‫الباطن‪ ،‬أو طيب الفرع مع خبث األصل‪ .‬وثالثھا‪ :‬أن يكون المشبّه والمشبه به مما يدركان‬ ‫بالعقل‪ ،‬كما في األمثلة الثالث االتية‪:‬‬ ‫‪ .1‬استخدام أوصاف حسّية للتعبير عن المفاھيم المعقولة‪ ،‬مثل وصف الجھل بأنه ظالم‬ ‫‪ .2‬استخدام صورة حسّية للتعبير عن صورة حسّية أخرى لخلق فكرة معينة‪ ،‬مثل قول‬ ‫"نبات نضر ينمو على كوم من الرّوث" لإلشارة إلى "نساء مظھرھن جميل ومخبرھن‬ ‫س ّيء"‬ ‫)حاشية ‪( 96‬‬ ‫‪ .3‬استخدام فكرة للتعبير عن فكرة أخرى‪ ،‬كان نصف "الجھل" بأنه "موات"‪.‬‬ ‫واالستعارة ھي واحدة من مختلف ضروب المجاز‪ ،‬وكل استعارة ال بد لھا من قرينة تدل‬ ‫على أن الكلمة ال يراد بھا معناھا الحقيقي‪) .‬حاشية ‪ (97‬وھناك تأكيد على أھمية المشابھة في‬ ‫االستعاره‪ ،‬فھي مشابھة تقع في الخيال ما بين لفظ الكلمة ومعناھا االستعاري‪ .‬ففي تعبير‬ ‫ُ‬ ‫رأيت أسدا" يحتج الجرجاني بأنك ال تقوله "إال وغرضك أن تثبت للرجل أنه مساو لألسد‬ ‫"‬ ‫في شجاعته وجرأته وشدة بطشه وإقدامه ‪ ...‬ثم تعلم أن السامع إذا عقل ھذا المعنى‪ ،‬لم‬ ‫يعقله من لفظ ’أسد‘‪ ،‬ولكنّه يعقله من معناه‪ ،‬وھو أنه يعلم أنه ال معنى لجعله ’أسدا‘‪ ،‬مع‬ ‫‪92‬‬ ‫‪91‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪94‬‬ ‫‪93‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪95‬‬ ‫‪96‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫العلم بأنه ’رجل‘‪ ،‬إال أنك أردت أنه بلغ من ش ّدة مشابھته لألسد ومساواته إياه‪ ،‬مبلغا يتوھّم‬ ‫معه أنه أسد بالحقيقة‪ ،‬والسياق وحده ھو الذي يجعل السّامع يدرك أن المقصود ليس أسد‬ ‫حقيقيّا وإنما رجالً"‪ .‬واالستعارة ھنا "تطلق الخيال )أي االنطباع( بأن المقصود ھو رج ٌل‬ ‫والطباع"‪.‬‬ ‫وأس ٌد في آن واحد‪ ،‬من حيث الصّورة‬ ‫ِ‬ ‫وفكرة المشابھة ھذه – أي اعتالج المعاني – ھي قوام كل نظرية الجرجاني في االستعارة‬ ‫بمعنى أنه عندما تعقد استعارة فإنھا تكون تعبيراً عن خصال أو أوصاف جامعة بين‬ ‫)حاشية ‪( 98‬‬ ‫شيئين‪.‬‬ ‫الجبلَة المشتركة عن‬ ‫ومصدر ق ّوة االستعارة عند الجرجاني ھو ما يتع ّدى ِ‬ ‫صفة غالبة‪ .‬إذ يمكن إحالة مجال كامل من الرّوابط‪ .‬وتكون قيمة االستعارة وق ّوتھا في‬ ‫تقوية مفھومنا عن أسديّة الرّجل وتطبع في إحساس المتلقّي )أو تخيّله( حال األسد في‬ ‫)حاشية ‪( 99‬‬ ‫جرأته وإقدامه وبطشه‪ ،‬وسائر الصّفات ّ‬ ‫الذاتية في األسد ال ّدالة على جسارته‪.‬‬ ‫ويحلل الجرجاني المنطق ال ّشعري الكامن أو "اإلحالة" قائال‪" :‬ننسب األسدية إلى الرّجل‬ ‫‪ ...‬ونخلق انطباعا أو اعتقادا بأنه ‪ ...‬من فصيلة األسد قد تغيّرت ھيئته )من أسد( إلى‬ ‫صورة إنسان" )حاشية ‪ (100‬وبمثل ھذا التّحليل يكون ممكنا أن نشرح تشبيھات الذات اإللھية‬ ‫التي يثار حولھا الجدل في القرآن من قبيل اآلية ‪ 67‬من سورة ال ّزمر " َو ْاألَرْ ضُ َج ِميعًا‬ ‫ضتُهُ يَ ْو َم ْالقِيَا َم ِة"‪ .‬وھي آيات يمكن أن نقرأھا على أنھا استعارة سيقت من أجل إدراكات‬ ‫قَ ْب َ‬ ‫)حاشية ‪( 101‬‬ ‫عقلية‪ ،‬بيد أن الجرجاني ّ‬ ‫يحذر من التفسيرات القسريّة التي ال تحمد عقباھا‪".‬‬ ‫)ج( التخييل )ومف ّعله التحويل(‬ ‫)حاشية ‪( 102‬‬ ‫وال رجال قامت تعانقه األُ ْس ُد‬ ‫ولم أر قبلي َمن َم َشى البدر نحوهُ‬ ‫)حاشية ‪( 103‬‬ ‫تاريخيا‪ ،‬استخدمت كلمة تخييل للمرة األولى كضرب معيّن من ضروب الكالم‬ ‫وكان ذلك على يد أبي ھالل‪ ،‬بيد أنه كان من المق ّدر بعد ذلك بعشرات السنين أن يعطيھا‬ ‫الجرجاني معنى آخر وھو حُسن التعليل‪) .‬حاشية ‪ (104‬وطبقا لما قاله الصّفدي )المتوفي عام‬ ‫)حاشية ‪( 105‬‬ ‫‪ 764‬من الھجرة ‪1363 /‬م( فالتخيّل مشتق من الخيال‪ ،‬أو الصّورة المتخيّلة‪.‬‬ ‫ولكن االھتمام بالتخيل فيما تلى من عصور كان ُمنصبّا في المقام األول على تناول‬ ‫الصياغة الشعرية بالتحليل أكثر مما يتعلّق بالنقد الجمالي أو البالغ ّي في صورته التقليدية‪.‬‬ ‫)حاشية ‪ (106‬ولقد عنى الجرجاني بتمييز التخيّل عن االستعارة إذ أنه رأى أن التخيّل تحويل ّي‬ ‫بطبعه أما االستعارة فھي مجازية‪ ،‬كما نطالع ذلك في "أسرار البالغة"‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬ ‫"إعلم أن المجاز ال يدخل في جنس التخييل‪ ،‬ألن من يصوغه ال يقصد تأكيد المعنى‬ ‫الحقيقي للتعبير المستخدم مجازيا‪ ،‬وإنما يشرع في تحقيق شبه موجود ھنالك بكيفية ال‬ ‫‪97‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪98‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪102‬‬ ‫‪103‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪105‬‬ ‫‪104‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫يكون معناه الذاتي غير مناقض لما يسند )للخبر(‪ .‬ومن ذا الذي يشك في أن االستعارة ليس‬ ‫)حاشية ‪( 107‬‬ ‫لھا مكان في ھذا الفن‪ ،‬بما أنھا متكررة في التنزيل بتواتر ال ينكره أحد؟"‪.‬‬ ‫وينصب اھتمام العلماء ھنا بطبيعة الحال على أن القرآن ذاخر باالستعارات‪ ،‬بينما ال يُعد‬ ‫النصّ القرآن ّي شعراً‪) .‬حاشية ‪ ( 108‬فالتخيل في واقع األمر قد ح ّول المجاز إلى رمز ال يستقيم‬ ‫معه محاولة التحقق أو التفنيد‪) .‬حاشية ‪ .( 109‬ويتّفق أبو ديب مع الرأّي القائل بأن استخدام‬ ‫الجرجاني للتخيل مساو الستخدامه للرمز‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬ ‫"أيمكن أن يؤخذ تعريف التخييل على أن مساو لما يراه الجرجاني أنه رمز؟ ومن الممكن‬ ‫أال يكون الجرجاني قد استخدم مصطلح "رمز" لوصف ھذا النّوع من التص ّور إذ كان‬ ‫مصطلحا متعارفا عليه بالفعل آنذاك‪ ،‬بما يفيد شيئا آخر مختلف عما نعنيه ھنا‪ .‬ومن رأي‬ ‫أحد الكتّاب المعاصرين أن الرّمز في أعمال من عاشوا قبل أيام الجرجاني كان ينظر إليه‬ ‫من منظور مصطلحي اإليجاز واإلشارة‪ ،‬كما ھو واضح في أعمال قدامة‪ .‬فاإلشارة‬ ‫بطبيعتھا قد تتضمن عناصرا رمزية إال أن تعريفھا من حيث اختصارھا للتعبير وقدرتھا‬ ‫على اإلفصاح عن معاني كثيرة‪ ،‬بصرف النّظر عما كان يعني ذلك لقدامة‪ ،‬قد جعل منھا‬ ‫أمرا يختلف عن التخييل‪ ،‬وھو ما قد يفسّر تقديم الجرجاني للتخييل مفضال إيّاه على الرّمز‬ ‫)حاشية ‪( 110‬‬ ‫على الرّغم من أن التخييل ھو رمز بطبيعته‪".‬‬ ‫فإذا ما تسنّى قبول تساوي التخيل والرّمز عند الجرجاني‪ ،‬فال يعني ھذا أن تعريفه للتخيل‬ ‫يجب أن يكون موافقا لتعريف الرّمز عند قدامة بن جعفر )المتوفّي عام ‪ 337‬ھـ ‪948 /‬م(‪،‬‬ ‫أو عند غيره من البلغاء‪) .‬وفي عمل نسب زورا إلى قدامة‪ ،‬عرّف اسحق بن وھب‬ ‫)المتوفي في القرن الرابع الھجري ‪ /‬أي العاشر الميالدي( – عرّف الرمز بأنه "معنى‬ ‫غامض مستور( )حاشية ‪ (111‬أما الجرجاني فيتناول التخيل على أنه صورة مختلفة عن‬ ‫الصّور الثالث التي تناولناھا سابقا )أي التشبيه‪ ،‬والتمثيل‪ ،‬واالستعارة(‪ .‬وھناك عدد من‬ ‫ضروب التخيل‪ ،‬إال أن أبرزھا على وجه الخصوص ھو ما يعرّف بـ "تناسي التشبيه"‪.‬‬ ‫‪106‬‬ ‫‪107‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪108‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪109‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫)حاشية ‪( 112‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪F‬‬ ‫وال ّدافع المحرّك في استخدام ھذا الضرب من التخيل ھو ما يجعل الشعراء "وكأن حديث‬ ‫االستعارة والقياس لم يجر منھم على بال ولم يروه وال طيف خيال"‪).‬حاشية ‪ ( 113‬فما ينضوى‬ ‫تحت استعمال ھذا التخيل ھو تناس ّي المجاز‪)،‬حاشية ‪ ( 114‬ويعتبر المجاز في أجمل وأرق‬ ‫الصّور أنه حقيقة‪)،‬حاشية ‪ (115‬كما قال العباس بن األحنف‪:‬‬ ‫فع ّز الفؤاد عزاء جميـــال‬ ‫ھي ال ّشمس مسكنھا في السّماء‬ ‫)حاشية ‪( 116‬‬ ‫ولن تستطيع إليك النزوال‬ ‫فلن تستطيع إليھا الصـــــــعود‬ ‫‪12‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪F‬‬ ‫فما كان مجازا أصبح اآلن شيئا جسّده ھذا الشاعر‪ .‬فنلج ھنا في بعد جديد من الخالّقية‪ .‬إذ‬ ‫"يكون الغرض من ذكر ال ّشمس بيان حال الحبيبة في القرب من وجه والبعد من وجه آخر‬ ‫دون المبالغة في وصفھا بالحسن وإشراق الوجه‪ ،‬ألن الذي يسبق إلى القلوب أن يقصد من‬ ‫نحو قولنا ’ھي كالشمس أو ھي شمس‘"‬ ‫وفي إدراك منھم بخطورة الخلط بين النصّ القرآني وال ّشعر‪ ،‬ابتعد بعض من المعلّقين‬ ‫الذين جاءوا بعد الجرجاني من تناول بعض اآليات التجسيدية بالتحليل كأمثلة على التخيل‪.‬‬ ‫فمثال ساق العالّمة الفارس ّي‪)،‬حاشية ‪ ( 117‬السكاكي )المتوفي ‪ 626‬ھـ ‪1221 /‬م( – في‬ ‫معرض تبويبه لما قاله الجرجاني في المجاز – تناوال بالغيا مسھبا عن اآلية ‪ 44‬من‬ ‫ض َي‬ ‫سورة ھود ونصّھا‪َ " :‬وقِي َل يَا أَرْ ضُ ا ْبلَ ِعي َما َء ِك َويَا َس َما ُء أَ ْقلِ ِعي َو ِغ َ‬ ‫يض ْال َما ُء َوقُ ِ‬ ‫ْاألَ ْم ُر َوا ْستَ َو ْ‬ ‫ين"‬ ‫ت َعلَى ْالجُو ِد ﱢ‬ ‫ي َوقِي َل بُ ْع ًدا لِ ْلقَ ْو ِم الظﱠالِ ِم َ‬ ‫فكان بعض مما قاله السكاك ّي في شرحه لھذه اآلية‪" :‬قال ّ‬ ‫عز وج ّل وعال‪ :‬قيل‪ ،‬على سبيل‬ ‫المجاز عن اإلرادة الواقع بسببھا قول القائل‪ ،‬وجعل قرينة المجاز الخطاب للجماد وھو‪ :‬يا‬ ‫أرض ويا سماء‪ ،‬ثم قال كما ترى‪ :‬يا أرض ويا سماء‪ ،‬مخاطبا لھما على سبيل االستعارة‬ ‫للشبه المذكور"‪).‬حاشية ‪ (118‬وفي قول السّكاكي ھذا مجافاة لحقيقة أن األرض والسّماء نادرا‬ ‫ما تستخدمان كرموز أو أدوات للتخيل‪ .‬أما الزمخشري‪ ،‬فعلى النقيض من ذلك لم يتردد أن‬ ‫يطلق لفظ التخيل على ماجاء من تجسيد في اآلية ‪ 67‬من سورة ال ّزمر " َو َما قَ َدرُوا ﱠ‬ ‫ﷲَ َح ﱠ‬ ‫ق‬ ‫ات َم ْ‬ ‫ط ِوي ٌ‬ ‫ضتُهُ يَ ْو َم ْالقِيَا َم ِة َوالسﱠما َو ُ‬ ‫ﱠات بِيَ ِمينِ ِه"‪ ،‬إذ يشرح ھذا‬ ‫قَ ْد ِر ِه َو ْاألَرْ ضُ َج ِميعًا قَ ْب َ‬ ‫التشبيه قائال‪:‬‬ ‫"والغرض من ھذا الكالم إذا أخذته كما ھو وبجملته ومجموعه تصوير عظمته والتوقيف‬ ‫على كنه جالله ال غير ‪ ...‬وأن األفعال العظام التي تتحير فيھا األفھام واألذھان وال‬ ‫تكتنھھا األوھام ھيّنة عليه ھوانا ً ال يوصل السّامع إلى الوقوف عليه إال إجراء العبادة في‬ ‫مثل ھذه الطّريقة من التخييل‪ ،‬وال ترى بابا في علم البيان أدق وال أرق وال ألطف من ھذا‬ ‫الباب وال أنفع وأعون على تعاطي تأويل المشتبھات )حاشية ‪ ( 119‬من كالم ﷲ تعالى في‬ ‫القرآن وسائر الكتب السّماوية وكالم األنبياء‪ ،‬فإن أكثره وعلّيته تخيالت قد زلّت فيھا‬ ‫)حاشية ‪( 120‬‬ ‫األقدام قديما وما أتي الزالون إال من قلّة عنايتھم بالبحث والتنقيب ‪" ...‬‬ ‫وھذا الشرح ھو أحد األمثلة الشھيرة التي تظھر بالنّص أثر البالغة على التفسير القرآني‪.‬‬ ‫وكما سنوضّحه فيما يلى‪ ،‬فإن وولفھارت ھاينريكز ‪ Wolfhart Heinrichs‬وآخرين غيره‬ ‫الحظوا انفراد المعتزلة واستئثارھم بالنقد البالغي كأداة لحل معضلة تشبيھات الذات‬ ‫اإللھية ويبدو أن كون ھذه العبارة مما يشير إلى الغيبيات ھو أمر عرض ّي‪ .‬فلو لم تكن يد‬ ‫ﷲ في ھذه الدراما األخروية على ھذه الصورة التي تشبه ما كان يس ّمى في مسارح‬ ‫‪17‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪ ،121 "deus‬لمرّت ال معقولية ھذا ال ّشرح من الناحية‬ ‫اإلغريق "إله الرّافعة‬ ‫العلمية م ّر الكرام‪.‬‬ ‫بيد أن ھناك ما ال حضر له أيضا من تشبيھات الذات اإللھية في النّص القرآني مما يعد‬ ‫أيضا من قبيل الغيبيات أو العلوم الكونية المعكوسة )سيّما ما يتعلق باألحداث الكونية التي‬ ‫ينسب دورھا الفاعل الى وقائع ما قبل الخليقة(‪ .‬إذ ذكر وانسبروه ‪ Wansbrough‬بعض آيات‬ ‫أخرى صنّفھا الزمخشري على أنھا تخيّل‪ .‬وقد ساق وانسبروه ھذه األمثلة في نقده‬ ‫للزمخشري إلعطاء أمثلة على المشاكل التي نجمت عن التضارب الواسع فيما وضعه‬ ‫البالغيون من تصنيفات‪ ،‬خاصة أولئك الذين خلطوا ما بين ما في المجاز من تصريفات‬ ‫كالجناس‪ ،‬والتشبيه‪ ،‬والتمثيل‪ ،‬والتخيل‪ ،‬معتبرينھا رمزاً‪ ،‬كما يتضح من الشرح التالي‪:‬‬ ‫إن فكرة "الشبه" الكامنة في ال َمثَل لم ترتكز في ھذه الحالة على عدم االرتياح للمجاز‪،‬‬ ‫وإنما على قبول السّامع لقصد القائل‪ .‬فقد يكون ال َمثل رمزيا‪ ،‬أو حتى استعاريا دون أن‬ ‫يحتاج إلى إعرابه بوصفه مجازاً‪ .‬أما ما يتعلّق باالستخدام الفنّي لل َمثل في التفسير ويثير‬ ‫بعض االلتباس في المصطلحات‪ ،‬فھو وصف بعض صنوف المجاز على أنھا تمثيل‪ .‬وھو‬ ‫نَھَج قد يبرره النزعة الداللية الكامنة في التمثيل‪ ،‬والموجودة في معظم تصريفات اللفظ‬ ‫المجرّد "م – ث – ل"‪ ،‬إن لم تكن فيھا جميعا‪ ،‬ومع ذلك فھي نزعة تثير اللَبس واالرتباك‪.‬‬ ‫أما طبيعة المجاز بوصفه تمثيال فلم يتم تعريفھا بشكل مقبول حتى اآلنز على اعتبار أنه‬ ‫تمثيل فلم يقم أحد بتقديم تعريف مقبول له حتى اآلن‪.‬‬ ‫فقد لجأ الزمخشري‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬في معرض تفسيره لآلية الثانية والسبعين من‬ ‫ال ‪ " ...‬إلى التمييز‬ ‫سورة األحزاب "إِنﱠا َع َرضْ نَا ا ْألَ َمانَةَ َعلَى ال ﱠس َما َوا ِ‬ ‫ض َو ْال ِجبَ ِ‬ ‫ت َو ْاألَرْ ِ‬ ‫بين لونين من "التصوير"‪ :‬أولھما "التمثيل" المأخوذ من المحققات‪ ،‬وثانيھما "التخيل"‬ ‫المستنبط من "المفروضات"‪ ،‬ويعتمد فھم وإسناد كليھما بالقدر نفسه على إعمال التص ّور‪.‬‬ ‫فإذا ما كانت آية سورة األحزاب ھذه تعطينا مثال على صنوف التصوير‪ ،‬كما يرى‬ ‫الزمخشري‪ ،‬لكانت تفاسير غيرھا من اآليات المشابھة تجري على نفس ھذا المنوال‪ .‬فمثال‬ ‫ھناك اآلية الحادية عشرة من سورة فُصّلت‪ ،‬ونصّھا‪" :‬ثُ ﱠم ا ْستَ َوى إِلَى ال ﱠس َما ِء َو ِھ َي ُد َخ ٌ‬ ‫ان‬ ‫ض اِ ْئتِيَا طَ ْو ًعا أَ ْو َكرْ ھًا"‪ ،‬وھي آية انضوت على استعارة قد يراھا‬ ‫فَقَا َل لَھَا َولِ ْألَرْ ِ‬ ‫الزمخشر ّ‬ ‫ي تمثيال أو تخيال‪ .‬وكذلك اآلية الواحدة والعشرين من سورة الحشر ونصّھا‪" :‬لَ ْو‬ ‫ص ﱢد ًعا ِم ْن َخ ْشيَ ِة ﱠ‬ ‫ﷲِ" ويعتبرھا الزمخشر ّ‬ ‫ي‬ ‫أَ ْن َز ْلنَا ھَ َذا ْالقُرْ َ‬ ‫اشعًا ُمتَ َ‬ ‫آن َعلَى َجبَ ٍل لَ َرأَ ْيتَهُ َخ ِ‬ ‫أيضا تمثيال وتخيال في وقت واحد‪ .‬ھذا في حين أنه من الجائز تماما االحتجاج بأن العامل‬ ‫الفارق في ھذه األمثلة الثالث ليس ھو المجاز أبداً‪ ،‬وإنما ھو التجسيد ‪ prosopopoeia‬أو‬ ‫التشخيص ‪ .fictio personae‬مع األخذ في االعتبار أن قبول الصورة المستنبطة افتراضيا‬ ‫‪ex machina‬‬ ‫‪F120‬‬ ‫‪26‬‬ ‫أو تجريبيا لم يكن يمثّل معضلة عند البالغيين على عكس ما ھو حاصل عند أنصار النّقل‬ ‫‪) .‬حاشية ‪( 122‬‬ ‫والحرف العقائدي والتمسك بال َحرفية‬ ‫ومن باب العلم بالش ّيء‪ ،‬ھناك حقيقة ھي أن تعليق وانسبروه عن دور النّقل والحرف‬ ‫العقائدي والتمسك بال َحرفية ھو نوع من عدم االرتياح المنھج ّي الشائع لدي المتخصصين‬ ‫في الدراسات اإلسالمية‪ .‬فبإصرار الزمخشري على مشاركة المعتزلة في االھتمام بسم ّو‬ ‫الذات اإللھية وتنزيھھا‪ ،‬قد يكون شرحه كافيا في ح ّد ذاته من حيث وجاھته المنطقية )وإن‬ ‫كان ممدوحا فقط لدى َمن قَ ِبلوا بإعمال العقل والمنطق في التفسير(‪ .‬ومع ذلك فإنه من‬ ‫المالحظ أن ارتكانه الصّريح إلى النّقد البالغي وامتداح مزاياه في التفسير )بصيغة‬ ‫المبالغة!( قد وقع في معظمه على آذان ص ّماء‪ .‬إذ أنه لم يُفضي إالّ إلى أقل القليل من‬ ‫تح ّول الفقھاء من البالغية إلى التفسير‪ .‬صحيح أنه قد حدث اقتباس متبادل على استحياء ما‬ ‫بين أصحاب المدرستين‪ ،‬أي مدرسة النقد البالغي من جھة ومدرسة التفسير التقليدي من‬ ‫جھة أخرى )وھو ما ألمح إليه وانسببرو عن وجود "مساحة مشتركة" بين مختلف‬ ‫المدارس التفسيرية(‪ ،‬إال أن النّھج البالغي نفسه قد اضمحلّ ت بعد أن عمد شرّاح‬ ‫الجرجاني إلى التعريف الواسع بسيرة أقطابه وتصنيفاتھم لھم بدرجة بعثت على التكرار‬ ‫والملل وأقصتھم عن المرجعية في التأويل‪.‬‬ ‫وليس لدى كاتب ھذه المقالة أي علم باالتجاھات المذھبية للسكاكي أو القزويني‪ ،‬إالّ أن‬ ‫ثالث ھؤالء ال ّشراح البارزين ألعمال الجرجاني‪ ،‬وھو التفتازاني‪ ،‬كان من األشاعرة‪،‬‬ ‫وبذلك يكون قد قلل من فائدة أي ارتكان في فھم تشبيھات الذات اإللھية في القرآن للنقد‬ ‫البالغي‪ ،‬محاكيا بذلك آراء الزمخشري‪ .‬وھو أمر كان متوقّعا إذا ما نظرنا إليه بعد مرور‬ ‫مئات السنين ووجدنا أن أصولية فھم النصوص الدينية لدى األشاعرة قد صارت لھا اليد‬ ‫العليا في نھاية المطاف‪ .‬وسنأتي في القسم التالي من ھذه المقالة على رسم بالخطوط الثقيلة‬ ‫لمالمح ما دار من مناظرات بين المعتزلة من جھة واألشاعرة من جھة أخرى‪.‬‬ ‫ولم يكن الزمخشري وحيدا في تناول بعض اآليات القرآنية بوصفھا أمثلة نموذجية للتخيل‪.‬‬ ‫فقد نقل )صالح الدين خليل ابن أيبك( ال ّ‬ ‫صفدي عن بدر الدين )محمد بن يعقوب الحموي‬ ‫الملقّب بـ( إبن النحوية أنه ساق اآلية السابعة والستين من سورة الزمر‪،‬التي أشرنا إليھا‬ ‫آنفا‪ ،‬واآليتين الثانية والستين والثالثة والستين من سورة الصّافات‪ ،‬عن شجرة ال ّزقوم‪،‬‬ ‫كأمثلة على ورود التخيل في النص القرآني‪ ،‬واصفا ھذا التخيل بأنه تصوير لجوھر‬ ‫الشيء بكيفية تجعل المرء يخاله مرئ ّي الھيئة )حاشية ‪ ( 123‬ومع أن االقتصار على ذكر آيتين‬ ‫قد يبدو أمرا ال يع ّول عليه‪ ،‬إال أن إضافته لتأكيد مفاده أن معظم اآليات المبھمة في القرآن‬ ‫ھي من ھذه ال ّشاكلة كان له أصداء تفسيرية بعيدة المدى‪ .‬وبما أن ما في مثل ھذه اآليات‬ ‫‪12‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪F‬‬ ‫من ثراء المعنى يكمن في طيات ال َمشاھد القرآنية عن حياة اآلخرة‪ ،‬فإن ترك باب تأويلھا‬ ‫مفتوحا على مصراعيه يجعل من قدرتھا على اإليحاء بالجديد من المعاني أمرا ال مف ّر‬ ‫منه‪.‬‬ ‫ثانيا – الحوار السنّي حول تشبيھات الذات اإللھية في القرآن‪ :‬التقليديون‪ ،‬المعتزلة‪،‬‬ ‫)حاشية ‪( 124‬‬ ‫اآلشاعرة‬ ‫)حاشية ‪( 125‬‬ ‫أھي مجاز ربّاني ‪ theophor‬أم حقيقة حرفية؟‬ ‫‪123‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪124‬‬ ‫‪F‬‬ ‫لطالما ش ّكلت تشبيھات الذات اإللھية في النّصوص الدينية معضلة للمفسّرين‪ .‬وكان الجدل‬ ‫المثار حول ھذه التشبيھات يدور حول التفسير والتأويل بمثلما كان يثار حول علوم الدين‬ ‫نفسھا‪ ،‬وھما في الحقيقة مجاالن يصعب الفصل بينھما‪ .‬ولو أن مسارات ھذه المناظرات‬ ‫شديدة التشابك إال أن بوسعنا رسم مالمحھا الرئيسية‪ .‬وما نعرضه فيما يلي من تقسيم‬ ‫للمدارس التأويلية تم الوصول إليه بعد استقراء أھم المدارس الفكرية التي تعاملت مع ھذه‬ ‫النقط الجدلية‪:‬‬ ‫)أ( عن المذھب التقليدي في التأويل‬ ‫يعتنق التقليديون‪ ،‬أو من يطلق عليھم أھل السّنة‪ ،‬آراء بن حنبل )المتوفي عام ‪855‬‬ ‫ميالدية(‪ .‬وھي مدرسة تفضّل المنقول عن المعقول‪ .‬وقد روي عن ابن حنبل أنه بلور‬ ‫ب‪ ،‬واتباع‬ ‫ان‪َ ،‬وعمل باألركان‪ ،‬واعتقاد بِ ْالقَ ْل ِ‬ ‫عقيدته باإليجاز التالي‪ :‬اإليمان قَول بِاللﱢ َس ِ‬ ‫السنّة‪ .‬واإليمان يزيد وينقص" )حاشية ‪ (126‬ولقد حمل أبو الحسن األشعري )المتوفّي عام‬ ‫‪ 935‬ميالدية( لواء مدرسة النّقل التقليدية من بعد ابن حنبل‪ ،‬واألشعري ھو الذي أفلح في‬ ‫وضع العقالنية في خدمة المدرسة التقليدية‪ ،‬بينما قام العالّمة الغزالي )المتوفي سنة ‪1111‬‬ ‫ميالدية( بعملية مزج مقنعة ومدھشة بين المدرسة التقليدية والمدرسة الصوفية‪ .‬وقد رسم‬ ‫الغزالي‪ ،‬في معرض نقده إلصرار الحنابلة واألشاعرة على التأويل الحرف ّي )والتي كان‬ ‫أحيانا ما يشير إليھا على أنھا ليست تفسيرا على اإلطالق( – رسم بعضا من الحدود‬ ‫اآلساسية الفاصلة في التأويل‪) ،‬كما جاء في الفصل الخامس من كتاب فيصل التفرقة بين‬ ‫اإلسالم والزندقة( إذ يقول‪:‬‬ ‫"فأبعد الناس عن التأويل أحمد بن حنبل رحمة ﷲ عليه‪ ،‬وأبعد التأويالت عن الحقيقة‪،‬‬ ‫والحنبلي‬ ‫وأغربھا‪ ،‬أن تجعل الكالم مجازا أو استعارة ھو الوجود العقلي والوجود الشبھ ّي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫)حاشية ‪( 127‬‬ ‫مضط ّر إليه‪ ،‬وقائل به ‪" ...‬‬ ‫فالفيصل ھنا ليس ھو التأويل بل ھو علم ال ّدين‪ .‬وين ّم تناقض ابن حنبل في تأويالته عن أنه‬ ‫‪126‬‬ ‫‪125‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪28‬‬ ‫لم يكن جاھال تماما بالحقائق المجازية‪ ،‬وإنما عن انقياده التّام للحرفية‪ .‬وتتجلّى ھذه الحقيقة‬ ‫في تأويله آلية النّور الشھيرة‪ ،‬وھي اآلية الخامسة والثالثين من سورة النّور‪ ،‬ومطلعھا‬ ‫"ﷲ نور السموات واألرض"‪ ،‬إذ يأتي ابن حنبل بمنطق مثير ومقنع في آن واحد ھو أنه‬ ‫إذا كان ﷲ في كل مكان وكان أيضا نور كل مكان‪ ،‬فلماذا تضيء ال ّشمعة غرفة بينما‬ ‫يعجز ﷲ عن ذلك؟ )حاشية ‪ (128‬أما الحاالت األخرى لخروج بن حنبل عن منحى االلتزام‬ ‫بالتأويل الحرفي فيمكن القول بأنھا كانت من قبيل "تبرير القاعدة" بمعنى أن علوم ال ّدين‬ ‫التقليدية ھي القاعدة اإلرشادية في التأويل جنبا إلى جنب مع المنھج الحرف ّي‪ .‬وقد قيل أنه‬ ‫كانت ھناك ثالثة أحاديث نبويّة قد ش ّكلت معضلة تأويلية البن حنبل بما اضطره إلى‬ ‫اإلقرار بأن لھا مفھوما مجازيّا‪ ،‬وقد أشار الغزالي إلى ذلك )في نفس الفصل والمرجع‬ ‫اآلنف ذكره( قائال‪:‬‬ ‫"فقد سمعت الثقات من أئ ّمة الحنابلة ببغداد يقولون إن أحمد بن حنبل رحمه ﷲ صرّح‬ ‫بتأويل ثالثة أحاديث فقط‪ .‬أحدھما قوله )صلى ﷲ عليه وسلّم( "الحجر االسود يمين ﷲ في‬ ‫األرض"‪ ،‬والثاني قوله )صلي ﷲ عليه وسل ّم( "قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع‬ ‫بل اليمن"‪.‬‬ ‫الرّحمن"‪ ،‬والثالث قوله )صلّى ﷲ عليه وسلّم( "إني ألجد نفَس الرّحمن من قَ ِ‬ ‫‪127‬‬ ‫‪F‬‬ ‫)حاشية ‪( 129‬‬ ‫‪128‬‬ ‫‪F‬‬ ‫وما دفع ابن حنبل إلى التأويل المجازي ھنا ھو استحالة أن يكون القصد النبويّ من ھذه‬ ‫اآلحاديث الثالثة ھو معانيھا الحرفية‪ .‬إال أنه من الواجب التوضيح أن عقالنية ابن حنبل لم‬ ‫تكن على شاكلة منھج الكالم عن المعتزلة أو كعقالنية الفلسفات اإلسالمية التي ظھرت في‬ ‫العصور الالحقة‪ .‬وھا ھو كالين ‪ Klein‬يصف ابن حنبل بأنه "أصول ّي‪ ،‬غموض ّي‪،‬‬ ‫)حاشية ‪( 130‬‬ ‫متز ّمت"‪.‬‬ ‫وأصدق مثال على تقليدية المذھب الحنبل ّي وحرفيّته في الفھم والتأويل ھو ما نطالعه في‬ ‫أدبيّاته التي ينشرھا ثقاته للتعريف به‪ ،‬ومنھا وصف الرؤية القدسيّة على لسان )الشيخ‬ ‫موفق الدين أحمد( ابن قدامة )المتوفي سنة ‪ 1223‬ميالدية(‪ ،‬الذي كان يتولّى منصب‬ ‫القضاء بجانب تفقّھه في علوم الدين‪) ،‬وذلك في كتابه "لمعة االعتقاد الھادي إلى سبيل‬ ‫الرّشاد(‪:‬‬ ‫"والمؤمنون يرون ربھم في اآلخرة بأبصارھم ويزورونه‪ ،‬ويكلمھم ويكلمونه ‪ ...‬وكل ما‬ ‫جاء في القرآن أو صح عن المصطفى عليه السالم )من( صفات الرّحمن وجب اإليمان‬ ‫به‪ ،‬وتلقيه بالتسليم والقبول ‪ ...‬ونعلم أن ﷲ سبحانه وتعالى ال شبيه له وال نظير "ليس‬ ‫كمثله شيء وھو السميع البصير" )ال ّشورى‪ ... (11 :‬فمما جاء من آيات الصّفات قول ﷲ‬ ‫ع ّز وج ّل "ويبقى وجه ربّك" )الرّحمن‪ ،(27 :‬وقوله سبحانه وتعالي "بل يداه مبسوطتان"‬ ‫‪129‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪29‬‬ ‫)المائدة‪ ... (67 :‬وقوله تعالى "رضي ﷲ عنھم ورضوا عنه" )المائدة‪ ،(119 :‬وقوله‬ ‫تعالى في الكفّار‪" :‬غضب ﷲ عليھم" )الفتح‪ ... (6 :‬فھذا وما أشبھه مما أجمع السّلف‬ ‫)حاشية‬ ‫رحمھم ﷲ على نقله وقبوله ولم يتعرّضوا لر ّده وال تأويله وال تشبيھه وال تمثيله‪".‬‬ ‫‪( 131‬‬ ‫‪130‬‬ ‫‪F‬‬ ‫ولقد ملئت صفحات التأويل بالكثير من التخمينات واالفتراضات تعقيبا على ما جاء في‬ ‫القرآن عن لقاء ﷲ في اآلخرة‪ ،‬وعداً كان أو وعيداً‪) .‬حاشية ‪ ( 132‬فھناك ث ّمة ما يفيد وجود‬ ‫الميل في صدر ال ّدعوة اإلسالمية لإلبقاء على الصورة التشبيھية )حاشية ‪ ( 133‬في النص‬ ‫الدين ّي‪ ،‬ربما من أجل الحفاظ على إمكانية الفوز بالرؤية القدسية‪) .‬حاشية ‪ (134‬ومما الحظه‬ ‫"فان إس ‪ "van Ess‬عن ذلك قوله "في تشبيه الذات اإللھية ضمان الحتمال لقاء ﷲ كحقيقة‬ ‫مرئيّة"‪ ،‬كما يرى "إلدر ‪ "Elder‬أنه من المحتمل أيضا أن تكون الرؤية القدسية "ھي نقطة‬ ‫)حاشية ‪( 135‬‬ ‫البداية التي التقطھا المعتزلة لصياغة نظريّتھم عن كون ﷲ بال نظير أو شبيه"‪.‬‬ ‫وبينما طمأنت الوعود القرآنية التي تعد بال ّجنّة المؤمنين بالفوز في اآلخرة بـ "لقاء ﷲ"‪،‬‬ ‫إال أن من تمسّكوا بحرفية تأويل تشبيھات الذات اإللھية القرآنية أدينوا بإلصاق األوصاف‬ ‫البشرية للذات اإللھية‪ ،‬أي بتشبيه ﷲ باإلنسان‪ .‬ولدى كل من طرفي ھذا النزاع منطقه‬ ‫المؤيد لرأيه‪ ،‬ومن رأينا أنه خالف نابع عما في وجدان كل طرف من دوافع التقوى‬ ‫والورع‪ .‬وألنصار المذھب الحرفي عذرھم فيما جاء في القرآن واألحاديث الشريفة من‬ ‫وصف على أن له وجه وعينان ويدان‪.‬‬ ‫والشك أنه قد صار واضحا اآلن لدى القارئ كيف كانت ال ّدوافع العقائدية ھي المتح ّكمة‬ ‫في التأويل‪ .‬وقد أبرز "سيل" نفس ھذه الحقيقة بقوله أن ارتكان المسلمين إلى المجاز كان‬ ‫من أجل تأويل الصّفات اإللھية بما يليق بجالله‪ ،‬وأن ھذا المنحى "كان ھو الضابط في‬ ‫استخدام المجاز" و "كان ھو الفيصل في اللجوء إلى كل طريقة من الطرائق ومبررھا‬ ‫)حاشية ‪( 136‬‬ ‫األول واألخير"‪.‬‬ ‫بيد أن "حرفيّة" أصحاب المذھب التقليد ّ‬ ‫ي لم تكن بالبساطة وعدم التعقيد بما يجعلھم‬ ‫غافلين عن أن اللغة حتى وإن تم فھمھا حرفيا‪ ،‬لم تكن في أفضل صورھا سوى تعبيرا‬ ‫مجازيا عن صفات ﷲ‪ .‬والدليل على ذلك رأي أحد مشاھير الحنابلة‪ ،‬وھو عون الدين بن‬ ‫ھبيرة‪ ،‬إذ قال ما معناه أنه "ال يصح أن يفھم المرء صفات ﷲ بحرفھا ففي ذلك مراوغة‪،‬‬ ‫أو أن يفھمھا مجازا ففي ذلك بدعة"‪).‬حاشية ‪ ( 137‬وھو رأي ينم بطبيعة الحال عن إيثاره‬ ‫)حاشية ‪( 138‬‬ ‫اتخاذه موقفا وسطا بين النقيضين‪ ،‬وھو موقف تنزيه ﷲ عن كل الصّفات‪.‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪132‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪135‬‬ ‫‪134‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪136‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪137‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫)ب( عن اعتراضات المعتزلة‪:‬‬ ‫كان الفضل )واللوم( للمعتزلة في "أغرقة" اإلسالم )أي تناول النّصوص القرآنية بأسلوب‬ ‫فالسفة اإلغريق من أمثال أفالطون وسقراط وأرسطو(‪ .‬فمما ال شك فيه أن إعمال العقل‬ ‫في فھم ھذه النّصوص قد نال أھ ّمية من جراء ما كان للمعتزلة من نفوذ وتأثير‪ .‬فأخذ‬ ‫النّص القرآني شكالً آخر من منظار العقل‪ ،‬سيّما عندما كانت العقالنية تجزم بأن ﷲ أح ٌد‬ ‫ٌ‬ ‫منصف )كما سيأتي تناوله(‪ .‬وبظھور المعتزلة قويت الفرضيّات‬ ‫فر ٌد مثلما ھو عاد ٌل‬ ‫الفلسفية بوجه عام‪ ،‬وبذلك عمد العلماء والمف ّكرون في أبحاثھم واستنتاجاتھم إلى إعمال‬ ‫المنطق والفلسفة والعقالنية‪.‬‬ ‫وتبرز من بين اآليات القرآنية ھنا تلك اآلية القرآنية الشھيرة "آية الكرس ّي" وھي المائتان‬ ‫وخمسة وخمسون من سورة البقرة‪ .‬وھي آية إذا فھمت بحرفيّتھا قد توحي بأن ﷲ ظاھر‬ ‫للعيان وكأنه جالس على عرش ملوك ّي تصدر منه الفرمانات اإللھية الغالبة‪ .‬وھنا يكون بيد‬ ‫من يأ ّول ھذه اآلية أن يجعل ﷲ في مقام تدركه فيه األبصار أو أن ين ّزھه )سبحانه وتعالي(‬ ‫عن أن تدركه األبصار‪ .‬وھنا يأتي دور التأويل المجاز ّ‬ ‫ي للقرآن لينأى باألفھام عن الزلل‪.‬‬ ‫ھذا وإن كان للمعتزلة ي ٌد طولى في بروز التأويل الغير حرفي للنصّ القرآني‪ ،‬إال أنھم لم‬ ‫يكونوا وحدھم في ھذا المنحى‪ ،‬إذ أن ياروسالف ستيتكيفيتش ‪Jaroslav Stetkevych‬‬ ‫)المستشرق األوكران ّي المولد واالستاذ المتقاعد لألدب العرب ّي بجامعة شيكاغو( قد كتب‬ ‫الوصف التالي لبدايات التأويل في صدر اإلسالم‪:‬‬ ‫كان التأويل من حيث أنه أحد أساليب تفسير القرآن والحديث تح ّديا طبيعيّا ألصولية‬ ‫تحصّنت خلف سياج االلتزام المطلق بحرفية النص‪ .‬وكان اعتناق المعتزلة للتأويل بمثابة‬ ‫مخرج من مأزق تشبيھات الذات اإللھية إذا ما أخذت بعض التعبيرات القرآنية على حرفھا‬ ‫)من قبيل "ي ُد ﷲ فوق أيديھم" أو "ولكن ﷲ رمى"(‪ .‬وكان من المفروض أن يعتبر ھذا‬ ‫المنحى بمثابة التماس العذر ألصولية حرفية دفينة ثبت إفالسھا المنطق ّي‪ .‬أال أن‬ ‫األصوليون رفضوا ذلك وع ّدوه زندقة‪ .‬ولم يكن تناول إخوان الصفا لنھج التأويل العقالن ّي‬ ‫ھذا سوى صفحة ثقافية وتاريخية عابرة‪ .‬أما عند الشيعة فقد بقى ھذا النھج في التأويل في‬ ‫أيديھم كأداة تخييلية وتفتيشية في "المعاني الباطنية واالفتراضية" ال لشيء إال لكي ال يبقى‬ ‫الفكر الشيع ّي سجينا العتقاداته الحرفية‪ .‬وبذلك وجد التأويل معظم حاضنته – التي ط ّورت‬ ‫امكانياته الفكريّة والنظرية بشكل أكمل يخلو من التنازل – في المفاھيم الصّوفية‪ .‬فلقد‬ ‫تخلّصت التأويالت الصوفية من التفاسير الحرفية بكل يسر وسھولة‪ ،‬وبعثت بالحيوية في‬ ‫عروق المعاني المجازية‪ ،‬وھي المعاني التي لم تلق سوى اھتماما محدودا لدى المفسّرين‬ ‫)حاشية ‪( 139‬‬ ‫الشيعة‬ ‫‪138‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪31‬‬ ‫أما من لقّبوا بالمعتزلة – الذي اشتھر واصل بن عطا‪ ،‬ذلك التلميذ الفارس ّي األصل لحسن‬ ‫البصري – بأنه مؤسس فرقتھم – فقد كانوا يفضلون أن تعرفھم الناس على أنھم "أھل‬ ‫العدل والتوحيد"‪ .‬فا عند المعتزلة عادل ال يحكم على عباده بأحكام مسبقة‪ .‬كما أنه يرون‬ ‫أن اإلنسان يتميّز بإرادة حرّة‪ ،‬وأن تصرّفاته ليست بإجبار إلھي‪ .‬وﷲ عندھم أيضا وحدانية‬ ‫صرفة‪ ،‬من ّزھا عن الجوھر والما ّدة والتصادف‪ .‬وقد ج ّر تشديد المعتزلة على وحدانية ﷲ‬ ‫إلى دخولھم إلى نزاع عقائديّ مع السّلفية األصولية حول نقطتين‪ :‬أوالھما أن األصولية‬ ‫تعتبر أن صفات ﷲ متزامنة مع ذاته‪ ،‬وثانيتھما أن اعتقاد السّلفية بأن القرآن "غير حادث‬ ‫أو مخلوق"‪ .‬ومن عرض المعتزلة لألفكار التي تفنّد ھذين المعتقدين عند السلفيين‪ ،‬وھما‬ ‫المعتقدان اللذان اعتبرھما المعتزلة تع ّديا على فردانية ﷲ‪ ،‬ظھر التقسيمان الرئيسيان في‬ ‫أفكار المعتزلة – أال وھما وحدانية ﷲ وعدله‪.‬‬ ‫أما تفنيد المعتزلة لعقائد أھل التقليد التي يعتبرونھا عقائداً بدائية عريّة عن إعمال الفكر‬ ‫والتأ ّمل فھو أن التقليديين يع ّدون نسبة أر ّ‬ ‫ق الصّفات وأرقاھا إلى الذات اإللھية أو مساواتھا‬ ‫بمقامه أمراً يعادل الشرك با ‪ .‬وھو رأي يع ّده المعتزلة نقضا ً باتّا للعرفانيّات اإللھية من‬ ‫وجھة نظرھم إذ يعتقد المعتزلة أنه بينما ليس شريك في أزليّته‪ ،‬يكون مساواة القرآن‬ ‫با في أزليّته ضربا من ال ّزندقة‪ .‬ويجد موقف المعتزلة من القرآن صدى خافتا في اعتقاد‬ ‫موازي له عند اآلريين مفاده أن ﷲ ينفرد عما سواه بكونه غير حادث‪ .‬وقد ساھم فكر‬ ‫المعتزلة ھذا بقدر كبير في ظھور علم الكالم الذي صار جزءاً ال يتج ّزأ من الفكر‬ ‫اإلسالم ّي‪) .‬حاشية ‪ ( 140‬وفي وصف منه لمنحى الجدل عند المعتزلة ولعلم الكالم بوجه عام‬ ‫يقول العالم الكاثوليكي لويس ماسينيون ‪ Massignon‬ما يلي‪:‬‬ ‫"أما عن الطريقة الجدلية عند الفقھاء )من قياس جل ّي وإعالم(‪ ،‬فھي تبدأ بتسلسل إيجاب ّي‬ ‫من حيث األفضلية أو التق ّدم المبني على افتراض مسبق بين المسألتين المطروحتين‪ ،‬وھو‬ ‫تسلسل ينسحب من األصل أو الجذع إلى الفرع ثم يخلص إلى ما ھو أحرى أو أجدى )أي‬ ‫االحتجاج من األدني إلى األعلى ومن األعلى إلى األدني(‪ ،‬وتقود الباحث إلى حل مسألة‬ ‫جديدة تتعلق بالمشكلة العامة التي عوملت بھذه الكيفية‪ ،‬وھي عملية تعرف بر ّد الغائب إلى‬ ‫الشاھد‪ .‬وھو استنتاج يفضي إلى أفضلية أي من الحقيقتين على األخرى‪ ،‬فال يرى الباحث‬ ‫فيھما سوى الرّسم ويستھجن تميّزھما الحقيقي‪ ،‬وال يتطرق إلى ما يتع ّدى النقيض أو‬ ‫االضطراد‪ .‬وال يفضي البحث إال إلى النفي أو اإلثبات‪ ،‬دون الوصول إلى أي نتيجة ثالثة‬ ‫بين ھذين النقيضين"‪.‬‬ ‫وھكذا يكون األسلوب المفضل لدى الجدليين ھو اإلحتجاج باإلبطال‪ ،‬بل والمطالبة بإثبات‬ ‫عكس ذلك إلظھار عدم جواز المقارنة وإبداء المعارضة إلثبات التناقض‪ ،‬أو البرھنة‬ ‫‪139‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪32‬‬ ‫بالدليل‪ ،‬أي التحقيق‪ ،‬إلثبات أحادية المعنى‪ .‬ويستند التسلسل اإليجابي للحقائق‪ ،‬الذي ھو‬ ‫)حاشية ‪( 141‬‬ ‫أس أساس ھذا األسلوب في الجدل‪ ،‬إلى إجازة من سلطة مرجعية‪.‬‬ ‫وللمستشرق فان إس ‪ van Ess‬مالحظة في محلّھا‪ ،‬وھي أن المعتزلة قد حاولوا وضع ح ّد‬ ‫لتشبيھات الذات اإللھية في قرون اإلسالم األولى‪ ،‬إال أنھم كما يقول "فشلوا في ذلك عندما‬ ‫اعترضوا على أزلية القرآن"‪) .‬حاشية ‪ (142‬ولكن ماذا عن تأثير المعتزلة في تفاسير غيرھم‬ ‫للنّص القرآني؟ وھو سؤال حاول ھاينركس ‪ Heinrichs‬اإلجابة عليه بقوله‪:‬‬ ‫أن المعتزلة في معرض توقھم إلى حل معضلة تشبيھات الذات اإللھية في النص القرآني‬ ‫احتاجوا بطبيعة الحال إلى أداة من أدوات علوم ال ّدين للنأي بالمفھوم اإللھي عن كافة‬ ‫ضروب التجسيد‪ ،‬ولھذا استخدموا القاعدة العامة التي تشير إليھا فكرة المجاز عند علماء‬ ‫النّحو‪ :‬وھي فكرة أن النص القرآني ال يمكن تناوله دائما بمعناه الظاھري‪ ،‬وأنه قد يحتاج‬ ‫أحيانا إلى تعزيز النّص بتفسير شارح‪ .‬بل إنھم كانوا يستخدمون مبدأ إيجاد المعنى‬ ‫المقصود المستتر بين طيات المعنى الظاھري حتى في المواضع التي ال لَبس فيھا لغويّا‬ ‫‪ ...‬مثل االستعارات التي ال اعتراض عليھا سوى من منظور مفھومھم الدين ّي‪ .‬وبھذا يمكن‬ ‫القول بأن مضمار المجاز قد تقلّص لينحصر في "أساليب االستعارة"‪ ،‬بعد أن تلقفته‬ ‫)حاشية ‪( 143‬‬ ‫المعتزلة‪.‬‬ ‫وقد ال يكون ھناك َجناح إذا ما قلنا أن تأثير منحى المعتزلة في التفسير قد ظل باقيا ً في‬ ‫العالم اإلسالمي لما كان للزمخشري )المتوفي ‪1144‬م ‪ 537 /‬ھـ ( عالم البالغة والبالغ‬ ‫التأثير من نفوذ نظرا لمكانته الھا ّمة كمفسّر للنص القرآني‪ .‬وكما ھو مبيّن آنفا في معرض‬ ‫شرح مدرسة التفسير البالغي )أو البياني(‪ ،‬كان الزمخشر ّ‬ ‫ي ممن تملّكوا ناصية البيان‪.‬‬ ‫)حاشية ‪ ( 144‬ووضع مھارته ھذه في خدمة التأويل‪ .‬ويخبرنا ابن خلدون أن "غير العرب )أي‬ ‫أھل فارس( الذين يش ّكلون الغالبية العظمي لسكان بالد المشرق انشغلوا بتفسير‬ ‫الزمخشري الذي بن ّي بر ّمته على علم المعاني والبيان‪) .‬حاشية ‪ ( 145‬وتجدر اإلشارة ھنا إلى‬ ‫أن )الفيلسوف الباكستاني المعاصر( فضل الرحمن مالك يشير إلى أن تفسير الزمخشري‬ ‫ھو كل ما بقي لنا اليوم من تأويالت المعتزلة بقوله‪:‬‬ ‫إن التفسير القرآني الوحيد الباقي إلى اليوم من تفاسير المعتزلة ھو "الك ّشاف"‪ ،‬وھو إلى‬ ‫جانب ذلك أنجح ما بذل لتطبيق قواعد علم المعاني والبيان في اللغة العربية على التفاسير‬ ‫القرآنية بغرض دحض االعتقاد باإلعجاز اللغوي للقرآن‬ ‫فقد كان الزمخشري أول من أخرج تأويال لكامل النص القرآني في تاريخ التفاسير القرآنية‬ ‫استنادا إلى قواعد علم المعاني والبيان معرّيا جذور االعتقاد في اإلعجاز اللغو ّ‬ ‫ي للقرآن‪.‬‬ ‫‪140‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪143‬‬ ‫‪142‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫)حاشية ‪ (146‬كما في تفسيره لآلية الحادية عشر من سورة "فصّلت"‪ "،‬ثُ ﱠم ا ْستَ َوى إِلَى ال ﱠس َما ِء‬ ‫َو ِھ َي ُد َخ ٌ‬ ‫ين"‪ ،‬وھو تفسير يُظھر‬ ‫ض اِ ْئتِيَا طَ ْو ًعا أَ ْو َكرْ ھًا قَالَتَا أَتَ ْينَا طَائِ ِع َ‬ ‫ان فَقَا َل لَھَا َولِ ْألَرْ ِ‬ ‫كامل التزامه بقيود المعتزلة الصّارمة وإخضاعه لعلم المعاني كي يخدم فكرة استبعاد أي‬ ‫اعتقاد يشبّه الذات اإللھية بأي أعضاء من جسم اإلنسان‪ ،‬جاء فيه‪:‬‬ ‫"ومعنى أمر السّماء واألرض باإلتيان وامتثالھما أنه أراد تكوينھما فلم يمتنعا عليه‬ ‫ووجدتا كما أرادھما وكانتا في ذلك كالمأمور المطيع إذا ورد عليه فعل األمر المطاع وھو‬ ‫من المجاز الذي يس ّمى بالتمثيل ‪ ...‬والغرض تصوير أثر قدرته في المقدورات الغير‪ ،‬من‬ ‫)حاشية ‪( 147‬‬ ‫غير أن يحقق شيء من الخطاب والجواب"‪.‬‬ ‫ويعلّق وانسبروه بأن "ال ّدافع" في ھذا الموضع "ليس ھو التشبيه واالستعارة بأي شكل من‬ ‫األشكال‪ ،‬وإنما )رغبة الزمخشري في نفي( التجسيد أو التشخيص ‪prosopopoeia/fictio‬‬ ‫‪)." personae‬حاشية ‪ ،(148‬وھو مما يزيد من تعقيد تحليله لھذه اآلية‪ .‬أضف إلى قول‬ ‫الزمخشري في اآلية ‪ 125‬من سورة "النساء" التي تفيد أن ﷲ اتخذ إبراھيم خليال أن ذلك‬ ‫"‪).‬حاشية ‪( 149‬‬ ‫"مجاز عن اصطفاء إبراھيم واختصاصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله‬ ‫حتى عندما تكون بعض مفردات العبارة المطروحة ال تنضوي على أي تجسيد مثل‬ ‫"الختم" على قلوب الكافرين‪ ،‬كما في اآلية الخامسة من سورة البقرة‪ ،‬نجد الزمخشر ّ‬ ‫ي‬ ‫يستحضر ما لديه من بالغة فيقول‪" :‬فإن قلت‪ :‬ما معنى الختم على القلوب واألسماع‬ ‫وتغشية األبصار؟ قلت‪ :‬ال ختم وال تغشية ت ّم على الحقيقة وإنما ھو من باب المجاز‪،‬‬ ‫‪).‬حاشية ‪( 150‬‬ ‫ويحتمل أن يكون من كلي نوعيه وھما االستعارة والتمثيل"‪" .‬‬ ‫وكان ممن عارضوا المعتزلة أحمد بن حنبل‪ ،‬آخر أئمة الفقه األربعة الكبار عند السنّة‪،‬‬ ‫وھم الذين تناولنا منحاھم في التفسير آنفا تحت البند )أ( "المذھب التقليدي في التأويل"‪ ،‬ثم‬ ‫جرت معارضة المعتزلة بعد ذلك على يد أنصار مدرسة التأويل الكالمي عند األشاعرة‪.‬‬ ‫وقد انضوى تحت لواء ھذا المذھب في القرون الالحقة بعض األساطين مثل الغزالي‬ ‫)الذي يعزى إليه الفضل في عل ّو صيت الفكر األشعري في الغرب( و فخر الدين الرازي‪،‬‬ ‫وسعد الدين التفتازاني‪ .‬إال أن األشعر ّ‬ ‫ي نفسه ھو الذي صاغ من البداية الموقف العقائدي‬ ‫لما اشتھر فيما بعد باإلسالم الحنيف‪ .‬وقد كان من جرّاء معارضة األشعر ّ‬ ‫ي الصّلبة‬ ‫للمعتزلة أن تبلورت العقيدة في اإلسالم حول استھجان فكر المعتزلة ومحاربتھم‪ .‬إال أن‬ ‫التفاسير القرآنية التي توالت عبر ما تلى ذلك من قرون قد حافظت على تن ّوعھا واختالف‬ ‫اآلراء فيھا‪.‬‬ ‫‪145‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪147‬‬ ‫‪146‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪148‬‬ ‫‪149‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫)ج( عن استنباطات األشاعرة‬ ‫تتلمذ أبو الحسن علي بن اسماعيل األشعري )المتوفي عم ‪ 935‬م ‪ /‬موافق ‪ 324‬ھـ( على‬ ‫يد مشاھير المعتزلة في زمانه‪ ،‬واقتفى أساليبھم واستنباطاتھم حتى بلغ عامه األربعين‬ ‫عندما كان تلميذا ألشھرھم وھو أبو علي الجبّائي )المتوفي عام ‪ 915‬م ‪ /‬موافق ‪ 303‬ھـ(‪.‬‬ ‫وعندھا حدث تح ّول جذر ّ‬ ‫ي عند األشعري إذ انصرف عن معلّمه المعتزل ّي وتح ّول إلى‬ ‫المذھب التقليدي كما صاغه بن حنبل‪ .‬ومن بعدھا أقسم األشعري أن يعرّي زيف معتقد‬ ‫المعتزلة‪ ،‬واعتنق فكرة أن كل ما اعتبره المعتزلة من المتشابھات من اآليات القرآنية تؤخذ‬ ‫بمعناھا الحرف ّي بدافع اإليمان دون أن يقول المؤمن لِ َم وبِ َم‪ ،‬أو كما قالھا األشعر ّ‬ ‫ي "بال‬ ‫َكيْف"‪.‬‬ ‫ي خالف ابن حنبل الذي لم يكن يطيق أي التجاء للعقالنية في منحاه التقليديّ‬ ‫إال أن األشعر ّ‬ ‫الحرفي‪ ،‬إذ لجأ األشعر ّ‬ ‫ي إلى أساليب المعتزلة في نزاله معھم محاربا ً إيّاھم بأسلحتھم في‬ ‫دفاع منه لمذھب الحنابلة‪ ،‬وبذلك مھّد األشعر ّ‬ ‫ي الطريق لتثقيف الفكر السنّي‪ .‬فما كان من‬ ‫ر ّدة فعله تجاه جنوح المعتزلة إلخضاع مفھومھم في الذات اإللھية للعقل إال أن ساھم في‬ ‫تشكيل الفكر اإلسالم ّي السائد اليوم‪ ،‬أو كما يصف أندرو ريبين ‪ Andrew Rippin‬ذلك‬ ‫بقوله‪" :‬في نفس ر ّدة الفعل ھذه نجد قواعد الفكر السنّي في اإلسالم"‪).‬حاشية ‪ (cl‬أما سعد‬ ‫ال ّدين التفتازاني‪ ،‬عالم ال ّدين والبالغة )المتوفي عام ‪ 1389‬م ‪ /‬موافق ‪ 791‬ھـ( فقد نقل‬ ‫عنه ما يفيد قبوله لتشبيھات الذات اإللھية في القرآن‪ ،‬مالم تكن ھناك أدلّة قطعية لالعتقاد‬ ‫بغير ذلك‪ ،‬إذ قال في كتابه "شرح العقائد النسفية"‪ ،‬ص ‪ ،105‬ما يلي‪:‬‬ ‫"والنصوص من الكتاب والسنة تحمل على ظواھرھا ما لم يصرف عنھا دليل قطعي‪ ،‬كما‬ ‫)حاشية ‪( 151‬‬ ‫في اآليات التي يشعر ظواھرھا بالجھة والجسمية ونحو ذلك‪".‬‬ ‫وما يستشم من قول التفتازاني ھذا أنه قد اتخذ منحى وسطا ما بين التشبيه )أي تشبيه الذات‬ ‫اإللھية باإلنسان(‪ ،‬والتعطيل )أي نفي كافّة الصفات عن ﷲ(‪ ،‬وھو التنزيه )أي تنزيه ﷲ‬ ‫عن الصفات واألمثال(‪ .‬ويرى أيضا أن الحرفية اللغوية ھنا يجب أن يكون لھا اليد العليا‬ ‫إذا أردنا تنزيه صريح الشرع القرآني وأحكامه عن صرفه عن مراده كما يفعل من يأ ّولون‬ ‫التنزيل بغير رابط‪ ،‬إذ يقول )ص ‪ 106‬من نفس المرجع(‪:‬‬ ‫"فالعدول عن الظواھر )أي المعاني الظاھرة( إلى معان يدعيھا أھل الباطن‪ ،‬وھم المالحدة‬ ‫– وسم ّوا الباطنية – إل ّدعائھم أن النصوص ليست على ظواھرھا‪ ،‬بل لھا معان باطنة ال‬ ‫يعرفھا إلى المعلّم‪ ،‬وقصدھم بذلك‪ :‬نفي الشريعة بالكلّية ‪ ...‬وأما ما يذھب إليه بعض‬ ‫المحققين )أي الصّوفية( من أن النصوص محمولة على ظواھرھا‪ ،‬ومع ذلك ففيھا إشارات‬ ‫‪150‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪F‬‬ ‫خفيّة إلى دقائق تنكشف على أرباب السلوك‪ ،‬يمكن التطبيق بينھا وبين الظواھر المرادة‪،‬‬ ‫فھو من كمال اإليمان ومحض العرفان‪) ".‬حاشية ‪(152‬‬ ‫ويالحظ ھنا أن التفتازاني‪ ،‬الذي تعكس آراءه تلك المواءمة التي سادت بعد ظھور الغزالي‬ ‫فيما بين أفكار أنصار التقليد والمتص ّوفة‪ ،‬يستبعد مع ذلك ودون أية مواربة استخدام‬ ‫العقالنية في مضمار التفاسير التي يرتكن إليھا‪ .‬فھو يرى أن "الدليل القطعي" قد يجُبّ‬ ‫فھما معيّنا لنص من النّصوص‪ ،‬ولكنه يعود فيقول أن اإلقرار بھذا الفھم من "كمال اإليمان‬ ‫ومحض العرفان"‪ .‬وقد ع ّول التقليديون كثيرا على أمل رؤية ﷲ في الجنّة‪ .‬وھاھو الغزالي‬ ‫)حاشية‬ ‫يعلّق بأن األشاعرة يحتجّون بأنه ليس ھناك دليل قاطع باستحالة رؤية ﷲ بالعين‪.‬‬ ‫‪ ( 153‬بينما ينتقد الغزالي‪ ،‬على النقيض من ذلك‪ ،‬إنكار المعتزلة الستحالة الرّؤية البصريّة‬ ‫)حاشية ‪( 154‬‬ ‫للذات اإللھية بأنه بدعة وليس كفرا‪.‬‬ ‫ولألشاعرة عذرھم في ذلك‪ ،‬فا الذي ال يُرى يكون شديد التجريد فال يقبله اعتقاد العموم‪،‬‬ ‫والذات التي ال يحس بھا العابد بشخصه ويشعر بھا بحواسّه ال تشبع تش ّوق اعتقاد‬ ‫البسطاء‪ ،‬ومن ھنا كان اعتقاد األشاعرة ھذا تعزيزا لھذه الرّؤية المبھجة عن ﷲ تعالى‪،‬‬ ‫وھو اعتقاد ل ّخصه عبد الرّحمن الجامي في "الدرّة الفاخرة"‪ ،‬في باب "صفات ﷲ"‪ ،‬إذ‬ ‫قال‪" :‬ذھبت األشاعرة إلى أن تعالى صفات موجودة قديمة زائدة على ذاته‪ ،‬فھو عالم‬ ‫بعلم‪ ،‬قادر بقدرة‪ ،‬مريد بإرادة‪ ،‬وعلى ھذا القياس"‪).‬حاشية ‪ ( 155‬كما أن األشعر ّ‬ ‫ي نفسه في‬ ‫كتابه "اإلبانة عن أصول ال ّديانة"‪ ،‬يفرد بابه األول لمسألة "الكالم في إثبات رؤية ﷲ‬ ‫سبحانه باألبصار في اآلخرة"‪) .‬حاشية ‪ (156‬وفي نھاية المطاف صارت الغلبة لفكر األشعر ّ‬ ‫ي‬ ‫ھذا‪ ،‬ويعلّق فان إس ‪ Van Ess‬على تلك الحقيقة بقوله‪:‬‬ ‫ال يمكن لتشبيھات الذات اإللھية بمعنى أو بآخر أن تنتھي‪ ،‬بل إنھا لم تنته في حقيقة األمر‪،‬‬ ‫فما زال االعتقاد برؤية ﷲ رأي العين في الجنة سائدا ‪ ...‬وما زال اإلقرار الحرفي‬ ‫بالتفاسير المنقولة التي ذكرتھا آنفا غالباً‪ ،‬وإن كان ذلك مقرونا في بعض األحيان بالعبارة‬ ‫المھ ّدئة "بال كيف" بمعنى أن كيفية ھذه الرؤية غير معلومة‪ .‬ولكن يبقى على عاتق ھؤالء‬ ‫المفسّرين أن يقرروا بأنفسھم ما إذا كان ھذا المنعطف األجنوستي في علوم ال ّدين يق ّدم‬ ‫)حاشية ‪( 157‬‬ ‫مخرجا ً تأويليا مقبوال من عدمه‪.‬‬ ‫)د( عن إحياء الشيعة لتأويالت المعتزلة‪:‬‬ ‫تلقف المذھب ال ّشيعي بعض العناصر التأويلية الھامة لعلم الكالم لدى المعتزلة‪ ،‬مطيلين‬ ‫بذلك أمدھا إلى اليوم‪ .‬إال أن بعض الخالفات بين أراء كل من المعتزلة والشيعة ظلّت‬ ‫)حاشية‬ ‫باقية‪ ،‬كما يبقى مدى تشرّب الشيعة بفكر المعتزلة وأساليبھم محل الكثير من الجدال‪.‬‬ ‫‪152‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪153‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪154‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪156‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪ ( 158‬ومع أن العالم الشيعي إبن بابويا الق ّمي )المتوفّي ‪ 991‬م ‪ /‬موافق ‪ 381‬ھـ( كان‬ ‫واضح التأثر بفكر المعتزلة في األعوام األخيرة من حياته‪ ،‬إال أن ثالثيا ً من قضاة الشيعة‬ ‫وعلماء أصول الدين فيھا‪ ،‬وفي بغداد‪ ،‬ھو الذي حقق اقتباس الشيعة لعلم الكالم المعتزل ّي‪:‬‬ ‫وھم الشيخ المفيد )المتوفّي ‪ 1022‬م ‪ /‬موافق ‪ 413‬ھـ( والشريف المرتضى )المتوفّي‬ ‫)حاشية ‪( 159‬‬ ‫‪ 1044‬م ‪ /‬موافق ‪ 436‬ھـ( وشيخ الطائفة )المتوفّي ‪ 1067‬م ‪ /‬موافق ‪ 460‬ھـ(‬ ‫ومن ھنا يأتي تلميح ابن تيمية )المتوفي عام ‪ 728‬من الھجرة( إلى ھذه الحقيقة في زمان‬ ‫)حاشية ‪( 160‬‬ ‫الحق بأن الشيخ المفيد كان أول اإلئمة ال ّشيعة في اقتباس معتقدات المعتزلة‪.‬‬ ‫ومع ذلك فقد كانت استنباطات الشيخ المرتضى في علوم الدين‪ ،‬التي ارتكنت إلى مدرسة‬ ‫المعتزلة الفكرية التي سادت في البصرة‪ ،‬ھي ما شكل قواعد علوم الدين الشيعية لما تال‬ ‫)حاشية ‪( 161‬‬ ‫من قرون‪.‬‬ ‫وھاھم الشيّعة وقد تعاملوا مع مسالة تشبيھات الذات اإللھية في النّص القرآني بأسلوب‬ ‫يشبه أسلوب المعتزلة في كثير من األوجه‪ .‬فمثال فسّر ابن بابويا الق ّمي اآلية الخامسة‬ ‫ُ‬ ‫خلقت بيد ﱠ‬ ‫والسبعين من سورة ص " ‪ ...‬لما‬ ‫ي ‪ " ...‬بأّنھا تعني يدي الق ّوة والقدرة اإللھيّتين‪.‬‬ ‫كما أن الشيخ المفيد الذي تتلمذ على يد ابن بابويا ھذا يُأ ّول اإلشارة القرآنية إلى النّفخ‬ ‫ُ‬ ‫ونفخت فيه من روحي‬ ‫الحجْ ر "فإذا س ّويتُه‬ ‫اإللھ ّي في اآلية التاسعة والعشرين من سورة ِ‬ ‫)حاشية ‪( 162‬‬ ‫إضف إلى‬ ‫‪ " ...‬على أنھا إضفاء لل ّشرف على َمن ينفخ ﷲ فيھم "من روحه"‬ ‫ذلك أن الشيخ ابن بابويا الق ّمي قد استبعد احتمال رؤية ﷲ رأي العين إذ نقل عنه مارتن‬ ‫ماكديرموت ‪ Martin J. McDermott‬في معرض شرحه لعلوم الدين عندالشيخ المفيد مايلي‪:‬‬ ‫إن المقصود "بر ّؤية ﷲ" كما جاءت في األحاديث ھو المعرفة ‪ ...‬أي أن آيات ﷲ وثوابه‬ ‫وعقابه يوم القيامة سوف تنكشف للناس جليّة للعيان مزيلة للشكوك حول ذاته وتعلّم الناس‬ ‫)حاشية ‪( 163‬‬ ‫كنه قدرته واقتداره‪.‬‬ ‫وغالبا ما تكون الخالفات في مجال علوم ال ّدين سببا لوضع المعقول في مواجھة المنقول‪،‬‬ ‫والمنطق في مقابلة الحرفية‪ ،‬مع مالحظة أن أدوات االستقصاء تختلف في العلوم األخرى‬ ‫عما ھو في علوم الدين‪ .‬وسنتناول فيما يلي دور الفلسفة في اإلسالم وكيف أن استمالتھا‬ ‫للعقل قد جرت أيضا في مجال تأويل النصوص القرآنية‪ .‬وارتبطت ھذه االستمالة العقلية‬ ‫أيضا ما انطوت عليه من مناحي فالسفة اإلغريق‪ .‬ولم يكن ھناك مناص من اشتعال‬ ‫الخالفات حول تلويث ثقافة اإلسالم بثقافة اإلغريق المستوردة‪ ،‬وقد صاحب ذلك مفارقة‬ ‫أن العقل نفسه‪ ،‬بما له من صلة وثيقة بفلسفات اإلغريق‪ ،‬قد تم التنديد به بوصفه منازعا ً‬ ‫لسلطة الكلمة المنزلة‪ ،‬وصار ينظر إليه على أنه كمحاولة لذئب أن يتظاھر بالوداعة‬ ‫واإلحسان بارتداء ثوب الحمل‪.‬‬ ‫‪157‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪158‬‬ ‫‪160‬‬ ‫‪159‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪162‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫ثالثا‪ :‬الحقيقة الفلسفية بوصفھا قياسات أو دالالت عقلية – فلسفات الفارابي‪ ،‬وابن‬ ‫سينا‪ ،‬وابن رشد‬ ‫قُ ﱢدر للفلسفة اإلسالمية أن تصول طويال في مضمار الدالالت العقلية‪ ،‬وكانت ھذه‬ ‫مساجالت تخطّت علم البيان بمراحل‪ ،‬بل وجادت بالكثير والكثير من األفكار التي قدمت‬ ‫مختلف الّرؤى عن اإلسالم‪ ،‬ومن ھذه المنظور أيضا تكون قد سبقت خطى الفلسفة ألبعد‬ ‫مما َخطى علم الكالم عند األشاعرة‪ .‬ويمكن القول بإن الفلسفة اإلسالمية ھذه قد خاضت‬ ‫بعضا من المعارك التي خاضتھا المعتزلة فيما سبق من قرون‪ ،‬ولكن على ساحة جديدة‪.‬‬ ‫وھي مسألة القت استحسانا عند فضل الرحمن مالك إذ يقول‪" :‬إن الحركة الفلسفية في‬ ‫اإلسالم ‪ ...‬من حيث إضافتھا للكثير إلى المعتقد اإلسالمي‪ ،‬كانت ثمرة لعلم الكالم عند‬ ‫المعتزلة‪) .‬حاشية ‪ ( 164‬وسنعرض في ھذا البند من البحث آلراء ثالثة من أعظم الفالسفة في‬ ‫اإلسالم في مسألة دالالت النص القرآني‪ ،‬أولھم الفارابي )المتوفي ‪ 950‬م ‪ /‬موافق ‪339‬‬ ‫ھـ(‪ ،‬وثانيھم ابن سينا )المتوفي ‪ 1037‬م ‪ 428 /‬ھـ( وآخرھم ابن رشد )المتوفي ‪ 1198‬م ‪/‬‬ ‫‪ 594‬ھـ(‪.‬‬ ‫ولكن بادئ ذي بدء‪ ،‬يلزمنا كلمة عن اسلوبھم الفلسفي في التحاور‪ .‬فعن أسلوب إقامة‬ ‫الحُجج الذي تميّز به فالسفة اإلسالم‪ ،‬يشرح لويس ماسينيون ‪ Massignon‬طريقتھم في‬ ‫البرھنة التي اتسمت باالنضباط الممزوج باألعتداد بالنفس كما يلي‪:‬‬ ‫العملية أو الطريقة البرھانية )من قياس خف ّي‪ ،‬وتمثيل‪ ،‬وتعليل‪ ،‬واستحسان( لدى كل من‬ ‫الحنفية وفالسفة اليونان‪ :‬ھي استخالص تعليل وسط بين حقيقتين ماثلتين للبحث‪ ،‬إحداھما‬ ‫عادة ما تكون الحقيقة الكبرى في ھذا االحتجاج وثانيتھما الصغرى‪ .‬وتخلص إلى شبيه أو‬ ‫نظير لتلك الحقيقتين ولكنّه مستنبط من نفس ھذا التعليل المستخلص ‪ ...‬فھي تصوغ‬ ‫التحليل‪ ،‬وتطرح التعليل )لِ َم(‪ ،‬فال يكون الشبيه ھنا انعكاسا أل ّ‬ ‫ي من الحقيقتين‬ ‫المطروحتين‪ ،‬وإنما يكون قرينة مستخلصة منھما‪ ،‬تتولى مقارنته بھما "من وجه دون‬ ‫وجه" شارحة ماھية كل منھما بضرب األمثلة "ك ِم ْثل"‪ ،‬وھي في ذلك تتنقل من عنصر‬ ‫تشابه إلى غيره‪ ،‬قد يكون موجودا أو غائبا في كل من ھاتين الحقيقتين – أي التنقّل من‬ ‫" َج ْمع" إلى "فَرْ ق"‪ ،‬ومن "قَ ْ‬ ‫طع" إلى " َوصْ ل"‪ ،‬انتھاء بالبرھنة على غياب التطابق بينھما‬ ‫التباساً‪ ،‬ثم الحكم بأنه "ال ھي ھو‪ ،‬وال ھي غيرھا"‪ .‬وعلى ھذا المنوال جرت صيغة‬ ‫التمييز والتفريق "بين ھذا وذاك‪ ،‬أو دون ھذا وذاك"‪ .‬وھكذا كانت تتم البرھنة واالحتجاج‬ ‫)حاشية ‪( 165‬‬ ‫بكل امتياز‪.‬‬ ‫‪163‬‬ ‫‪164‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪38‬‬ ‫)أ( الفارابي )المتوفي ‪ 950‬م ‪ /‬موافق ‪ 339‬ھـ(‬ ‫كان من رأي الفارابي أن الحاسّة التخييلية – التي كان يعتبرھا عضوا روحيا يربط ما بين‬ ‫الحقائق الروحية والما ّدية – يجمل بھا أن تعبّر عن الحقيقة الدينية بلغة الرّمز والمجاز‪،‬‬ ‫وبغير ذلك ال يمكنھا أبدا أن تدرك الحقائق الكونية الغير ما ّدية‪ ،‬نظرا ألنھا ليست سوى‬ ‫حاسة جسمانية‪ .‬ويل ّخص الفيلسوف المعاصر فضل الرحمن مالك ذلك بقوله "إن المجاز‬ ‫والرّمز منوطان بالحاسة التخييلية"‪).‬حاشية ‪ (166‬ومن المفترض أن ينسحب ذلك‪ ،‬بمفھوم‬ ‫الفارابي‪ ،‬إلى محتوى التنزيل أيضا‪ ،‬إذ يقول "إن ھذه التشبيھات موجودة في ذھن منزل‬ ‫ال ّشرائع )سبحانه( ولكن ليس على ھيئة أمثلة أو إيحاءات ‪ ...‬فإنه ھو الذي أبدع ھذه‬ ‫األمثلة واإليحاءات‪ ،‬ال ألن يدرك بنفسه الحقائق العليا بوصفھا دينا‪ ،‬بل إنھا بالنسبة له‬ ‫أمثلة وإيحاءات يق ّدمھا للبشر"‪).‬حاشية ‪ ( 167‬كما أن تعريف الفارابي للدين بأنه ھو ذلك الذي‬ ‫"يضع الفلسفة في قالب من الدالئل واإلشارات"‪ ،‬وبناء على ذلك كان بوسع الفارابي أن‬ ‫"‪).‬حاشية ‪( 168‬‬ ‫يتح ّدث عن "تشبيه الدين للمعقوالت بالمحسوسات‬ ‫وطبقا لھذا األسلوب ھناك من يرى أن األديان تكون في عموميتھا تجسيدا للحقائق‬ ‫السامية‪ ،‬وال يكون ذلك مقصورا على اإلسالم دون غيره من األديان‪ ،‬فھا ھو فضل‬ ‫الرّحمن يستطرد قائال‪:‬‬ ‫"فللمرء أن يدرك بالعقالنية مسائال مثل عناصر الوجود وطبقاتھا‪ ،‬أو الخالص‪ ،‬أو‬ ‫أساليب حكم البالد الناجحة‪ ،‬وله أيضا أن يدركھا بالتشبيه والتمثيل الغير‪ .‬فإدراكھا بالعقل‬ ‫يعني انطباع جواھرھا على النفس المف ّكرة تماما كما ھي‪ .‬أما إدراكھا التخيّلي فمفاده‬ ‫انطباع أمثلتھا ورموزھا على النفس ‪ ...‬وغالبية النفوس عاجزة – سواء بالفطرة أو‬ ‫بالتع ّود – عن إدراك ھذه األمور بالفھم العقالني‪ .‬فيجب أن تعطى لھذه النفوس رموز‬ ‫تخييلية عن عناصر الوجود وسائر تلك المسائل ‪ ...‬ومع أن جواھر تلك األمور واحد )عند‬ ‫سائر األقوام( وال تبديل فيھا‪ ،‬إال أن رموزھا تتع ّدد وتختلف ‪...‬‬ ‫"لذا فأن ما ھو شائع من رموز ھذه الحقائق ودالالتھا عند قوم من اآلقوام يختلف عما ھو‬ ‫شائع لدى قوم آخر‪ ،‬كما أن األديان‪ ،‬حتى تلك التي تؤمن بھا المجتمعات والبالد الصالحة‪،‬‬ ‫يتطرّق إليھا االختالف‪ ،‬وإن تطابقت مفاھيمھا عن الخالص )أو السعادة(‪ ،‬ذلك ألن الدين‬ ‫)حاشية ‪( 169‬‬ ‫ما ھو إال الرّموز التخييلية في أذھان الناس‪.‬‬ ‫ويختتم فضل الرّحمن شرحه لھذه المسألة قائال أن االعتقاد بأن "األنبياء ينقلون الحقيقة‬ ‫بالرمز والمجاز الحسّي" ھو رأي "سائد بكثرة لدي الفالسفة المسلمين"‪).‬حاشية ‪ (170‬وتثير‬ ‫اإلشارة إلى رأي الفارابي – بأن األديان ھي مضمار شاسع للرمزية – تساؤالً عن‬ ‫‪16‬‬ ‫‪165‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪167‬‬ ‫‪168‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪169‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪F‬‬ ‫التّأويل‪ ،‬ذلك ألن الرّمزية يلزمھا ھذا التأويل‪ .‬وھذا كله جميل وفي محلّه‪ ،‬ولكن ماذا عن‬ ‫مناھج التأويل؟ بيد أن ھذا السؤال‪ ،‬بوصفه سؤاال طرحه سقراط من قبل‪ ،‬قد ترفّع الفارابي‬ ‫عن الخوض فيه‪.‬‬ ‫)ب( ابن سينا )المتوفي ‪ 1037‬م ‪ /‬موافق ‪ 428‬ھـ(‬ ‫اختلفت اآلراء حول كون ابن سينا‪ ،‬الفارس ّي المولد‪ ،‬أعظم من جاد بھم اإلسالم من فالسفة‬ ‫في تاريخه‪) .‬حاشية ‪ ( 171‬ولقد أبدى "فيلسوف الوجود" ھذا والمؤيّد للفلسفة الم ّشائية‬ ‫اإلسالمية ولعا ً بالرمزية‪ ،‬بما في ذلك الرمزيّة الباطنية للحروف واألرقام‪) .‬حاشية ‪ ( 172‬إذ‬ ‫كان االعتداد بعلم الرموز واحدا من مطالب الحكمة عند ابن سينا )والحكمة إيضا ھي‬ ‫مطلب لفالسفة اإلسالم(‪ .‬ولقد أدلى ابن سينا بدلوه في مسألة أسلوب الرّمزية في مؤلّفه‬ ‫"اإللھيات"‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬ ‫"فواجب إذن أن يوجد نبي ‪ ...‬ويكون األصل األول فيما يسنه )النب ّي( تعريفه إياھم أن لھم‬ ‫صانعا ً واحداً قادراً‪ ،‬وأنه عالّم بالسر والعالنية‪ ،‬وإن من حقه أن يطاع أمره؛ فإنه يجب أن‬ ‫يكون األمر لمن له الخلق‪ ،‬وأنه قد أعد لمن أطاعه المعاد ال ُمس ِعد‪ ،‬ولمن عصاه المعاد‬ ‫ال ُمشقِي‪ ،‬حتى يتلقى الجمھور رسمه المنزل على لسانه من اإلله والمالئكة بالسمع‬ ‫والطاعة‪ ،‬وال ينبغي أن يشغلھم بشيء من معرفة ﷲ تعالى فوق معرف أنه واحد ال شبيه له‬ ‫‪ ...‬بل يجب أن يعرّفھم جاللة ﷲ تعالى وعظمته برموز وأمثلة من األشياء التي ھي عندھم‬ ‫جليلة وعظيمة‪ ،‬ويلقي إليھم مع ھذا‪ ،‬ھذا القدر‪ ،‬أعني أنه ال نظير له وال شريك له وال شبيه‬ ‫له‪ ،‬وكذلك يجب أن يقرر عندھم أمر المعاد على وجه يتصورون كيفيته‪ ،‬وتسكن إليھم‬ ‫نفوسھم‪ ،‬ويضرب للسعادة والشقاوة أمثاالً مما يفھمونه ويتصورونه ‪.‬وأما الحق في ذلك فال‬ ‫يلوح لھم منه إال أمراً مجمالً‪ ،‬وھو أن ذلك الشيء ال عين رأته وال أذن سمعته‪ ،‬وأن ھناك‬ ‫من اللذة ما ھو ُمل ٌ‬ ‫ك عظيم ومن األلم ما ھو عذابٌ مقيم ‪ ...‬وال بأس أن يشتمل خطابه به‬ ‫)حاشية ‪( 173‬‬ ‫على رموز وإشارات ‪" ...‬‬ ‫وال شك في أن ابن سينا قد اتخذ منحى نخبويّا في المعرفة‪ ،‬فالعا ّمة عنده عاجزة عن سبر‬ ‫غور الحقائق الرّفيعة من نفسھا‪ ،‬ويتساوى عجزھا عن اإلدراك مع عجزھا عن الوفاء بما‬ ‫تتطلبه ھذه الحقائق‪ .‬كما يرى أيضا أن ھناك من الحقائق ما يندر أن يكون العوام مستعدين‬ ‫لتلقّيه‪ .‬وأن الحقائق المغلّفة بالّرموز تسمو على الرّموز نفسھا‪ .‬إال أنه ينظر إلى الرّموز‬ ‫بوصفھا أنجع الوسائط التي اختارھا ﷲ للكشف عن الحقيقة على لسان األنبياء‪ .‬كما أن‬ ‫الرّموز عند من أوتوا القدرة على فھمھا ھي مدعاة للمزيد من البحث واالستقصاء في‬ ‫)حاشية ‪( 174‬‬ ‫الحقيقة بكل ما فيھا من صراحة قويّة شارحة‪.‬‬ ‫‪170‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪172‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪173‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫وطبقا لما كتبه ديميتري جوتاس ‪ ،Dimitri Gutas‬أستاذ اللغة العربية والدراسات اإلسالمية‬ ‫بجامعة ييل األمريكية‪ ،‬فإن األسلوب الرّمزي الذي اتّخذه ابن سينا لنقل الحقيقة تميّز‬ ‫بأربعة مھام – إثنان منھا إيجابيتان وإثنان سلبيّتان‪ ،‬وھذه المھام األربع ھي‪ :‬أوال‪ -‬نقل قدر‬ ‫من المعرفة للعامة )على يد األنبياء وفالسفة القبل( بما ينفعھم في ال ّدنيا واآلخرة‪ ،‬وھي‬ ‫المعرفة با وبالنفس وبالحياة اآلخرة‪ .‬ثانيا – بما أن ھناك أوجه شبه مشتركة بين التنزيل‬ ‫والفلسفة تحتاج إلى البحث فيھا واكتشافھا‪ ،‬فإن الرموز تلتقط من بين العوام أولئك‬ ‫األشخاص الموھوبين الذين يملكون القدرة على شرح لبّ المجاز‪ .‬ثالثا – بما أن العلوم‬ ‫تخدم في الوقت نفسه أغراضا مبھمة مربكة‪ ،‬بمعنى أنھا ليست إلظھار الحقيقة فقط وإنما‬ ‫إلخفائھا أيضا‪ ،‬فإن بعض الحقائق الفوقيّة إن ھي وضعت في متناول الجھالء قد ال تثمر‬ ‫إال األذى‪ .‬رابعا – قد تُوھم بعض الرموز الناس بالشعور بأنه لم يحجب عنھم شيئا من‬ ‫)حاشية‬ ‫الحقيقة‪ ،‬بينما يكون واقع الحال أن ما حجب عنھم من الحقيقة ھو قدر ال يستھان به‪.‬‬ ‫‪ ( 175‬فكيف ينسحب كل ھذا على التأويل القرآني؟ وفي شرح منه لھذا يقول ابن سينا في‬ ‫مؤلّفه الرسالة األضحوية مايلي‪:‬‬ ‫"أما الشرع‪ :‬فينبغي أن يُعْلم فيه قانون واحد‪ :‬وھو أن الشرع والملل اآلتية على لسان نبي‬ ‫من األنبياء يرام بھا خطاب الجمھور كافة‪ .‬ثم من المعلوم الواضح‪ :‬أن التحقيق الذي ينبغي‬ ‫أن يرجع إليه في صحة التوحيد‪ :‬من اإلقرار بالصانع‪ .‬موحّدا مق ّدسا عن‪ :‬الك ّم‪ ،‬والكيف‪،‬‬ ‫واألين‪ ،‬والمتى؛ والوضع‪ .‬والتغيير؛ حتى يصير االعتقاد به‪ :‬أنه ذات واحدة ال يمكن أن‬ ‫يكون لھا شريك في النوع‪ .‬أو يكون لھا جزء وجودي‪ :‬ك ّم ّي‪ ،‬أو معنو ّ‬ ‫ي‪ .‬وال يمكن أن‬ ‫تكون خارجة عن العالم‪ .‬وال داخله‪ ،‬وال بحيث تصح اإلشارة إليه أنھا ھناك ممتنع إلقاؤه‬ ‫إلى الجمھور‪ .‬ولو ألقى ھذا‪ ،‬على ھذه الصورة‪ ،‬إلى العرب العاربة ‪ ...‬لتسارعوا إلى‬ ‫العناد؛ واتفقوا على أن اإليمان المدعو إليه إيمان معدوم أصال‪ .‬ولھذا ورد التوحيد تشبيھا‬ ‫كلّه ‪...‬‬ ‫"ولبعض الناس أن يقولوا‪‘ :‬إن للعرب توسّعا في الكالم‪ ،‬ومجازا وأن ألفاظ التشبيه‪ ،‬مثل‬ ‫اليد والوجه‪ ،‬واإلتيان في ظلل من الغمام‪ ،‬والمجيئ والذھاب والضحك والحياء والغضب؛‬ ‫صحيحة؛ ولكن نحو االستعمال وجھة العبارة؛ يدل على استعمالھا استعارة ومجازا‪.‬‬ ‫"فالمواضع التي يوردونھا حجة في أن العرب تستعمل ھذه المعاني باالستعارة والمجاز‬ ‫على غير معانيھا الظاھرة؛ مواضع في مثلھا تصلح أن تستعمل على ھذا الوجه ‪ ...‬وأما‬ ‫قوله تعالي ’في ظلل من الغمام‘ )البقرة آية ‪ ،(210‬وقوله تعالى ’ھل ينظرون )أي‬ ‫المشركون( إال أن تأتيھم المالئكة‪ ،‬أو يأتي ربّك‪ ،‬أو يأتي بعض آيات ربّك‘ )األنعام آية‬ ‫‪ ،(159‬على التسمية المذكورة؛ وما يجرى مجراه فليس يذھب األوھام فيه البتّة إلى أن‬ ‫‪174‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪41‬‬ ‫العبارة مستعارة أو مجاز ‪ ...‬وأما قوله تعالى‪’ :‬يد ﷲ فوق أيديھم‘ )الفتح آية ‪ ،(10‬وقوله‬ ‫تعالى ’ما فرّطت في جنب ﷲ‘ ) ﱡ‬ ‫الز ُمرْ آية ‪ ،(56‬فھم موضوع االستعارة في المجاز‪،‬‬ ‫والتوسّع في الكالم‪ ،‬وال يش ّ‬ ‫ك في ذلك اثنان من فصحاء العرب ‪...‬‬ ‫ثم ھب أن ‪ ...‬الكتاب العرب ّي )أي القرآن( ھبط جاثيا على لغة العرب وعادة لسانھم من‬ ‫االستعارة والمجاز؛ فما قولھم في الكتاب العبراني )أي التوراة( كلّه من أ ّوله إلى آخره‪،‬‬ ‫)أھو( تشبيه صرف؟! ‪ ...‬فظاھ ٌر من ھذا كلّه أن الشرائع واردة لخطاب الجمھور بما‬ ‫)حاشية ‪( 176‬‬ ‫يفھمون‪ ،‬مقرّبا ما ال يفھمون إلى أفھامھم‪ ،‬بالتشبيه والتمثيل‪.‬‬ ‫ومن ھذا المنظور‪ -‬وھو أن الماھيّة الرّمزية للتنزيل اإللھ ّي ھ ّي من أجل األغراض التي‬ ‫ذكرھا ابن سينا آنفا من أجل تھذيب النفوس – فقد عكف على تأويل القرآن‪ ،‬وقام في‬ ‫معرض ذلك بتحرير ثالثة رسائل مجازية‪) .‬حاشية ‪ (177‬وأصدق مثل على تم ّكن ابن سينا في‬ ‫ھذا المضمار ھو تفسيره آلية النور )وھي اآلية الخامسة والثالثين‪ ،‬من سورة النّور(‪.‬‬ ‫‪175‬‬ ‫‪176‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫)حاشية ‪( 178‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪F‬‬ ‫وطبقا البن سينا فإن ھناك طريقة مماثلة إليصال الحقيقة‪ ،‬وھو "األسلوب الدالل ّي" الذي‬ ‫يعمد إلى اإلشارات‪ .‬وھو يختلف أيضا عن األسلوب ال ّشرح ّي )أو اإليضاح ّي( من حيث‬ ‫أن الحقائق تُ ْك َشف كما لوكانت من خلف حجاب‪ .‬فاألسلوب البياني تصريح ّي بينما‬ ‫األسلوب الدالل ّي تلميح ّي‪ .‬وھذه الصّيغة في كشف الحقيقة تحمي المعرفة كما تفعل‬ ‫الرّمزية‪ ،‬ولكن بدرجة أقل من الغموض‪ .‬وأشھر قدوة في كيفية التعبير عن الحقائق‬ ‫بالتصريح والتلميح ھو الفيلسوف أرسطو طاليس‪ .‬ومن الجل ّي أن منحى أرسطو ھذا في‬ ‫ّ‬ ‫الفن اإلنشائي يطابق وصف الفارابي له‪ ،‬وھا ھو ديميتري جوتاس يرى أن ابن سينا قد‬ ‫عمد إلى "حذف الفرضية الضرورية‪ ،‬وإھمال االستنتاج‪ ،‬كما عرض مشمول الحُجة‬ ‫بتسلسل يختلف عما ھو المعتاد في االستدالل القياس ّي" تماما كما فعل أرسطو من قبله‪.‬‬ ‫)حاشية ‪( 179‬‬ ‫‪178‬‬ ‫‪F‬‬ ‫ولقد قال ابن سينا ما معناه أن َمن ھو أھل لذلك يمكنه أن يستقي من ھذه اإلشارات عمق‬ ‫الرؤى لكي يفھم الترتيب والتسلسل المنطقي الذي بُنِي عليه ھذا الكون‪ .‬ومن ھنا كان‬ ‫ال ّشيخ ابن سينا محقّا في إعطاء آخر ابداعاته الفلسفية عنوانا في الصميم ھو "اإلشارات‬ ‫والتنبيھات"‪ ،‬مستودعا ً إياھا ممارساته الفلسفية في استخالص البديھيات على قاعدة من‬ ‫المبادئ الجوھرية مستعينا في ذلك بكل من الحدس والمنطق‪.‬‬ ‫)ج( ابن رشد )المتوفي ‪ 1198‬م ‪ /‬موافق ‪ 594‬ھـ(‬ ‫من بين سائر مف ّكري اإلسالم‪ ،‬يبدو أن َمن ترك بصماته على فكر الغرب أكثر من غيره‬ ‫‪42‬‬ ‫ھو )أبو الوليد محمد بن أحمد ( ابن رشد‪) .‬حاشية ‪ (180‬ولقد دأب علماء اإلسالم طوال قرون‬ ‫عديدة على مھاجمة الفلسفة‪ ،‬واصمينھا بأنھا أفكار دخيلة تسرّبت من وثنيّة اإلغريق‪ ،‬وأنھا‬ ‫اعتقادات في ﷲ والكون تخالف النّص السّماوي‪ .‬فبعد أن طالع الغزالي أعمال ابن سينا‬ ‫والكندي وترجمات فالسفة اإلغريق‪ ،‬خلص الغزالي‪ ،‬كما كتب المف ّكر الباكستاني‬ ‫المعاصر عبد الرحمن ابراھيم دوي‪" ،‬إلى أنھم لم يبيّنوا العقائد اإلسالمية وإنما‬ ‫أضاعوھا"‪).‬حاشية ‪ ( 181‬ولكن حدث‪ ،‬بعد ما يقرب من ثمانين عام بعد ھجوم الغزالي على‬ ‫ابن سينا ضمن إغارته على الفلسفة‪ ،‬أن أمسك ابن رشد بقلمه ليتص ّدى للغزالي دفاعا عن‬ ‫االستقصاء الفلسفي‪ .‬وفي معالجة منه لمعضلة التوفيق بين التناقضات البادية بين الفلسفة‬ ‫والتنزيل‪ ،‬كتب ابن رشد )في رسالته "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من‬ ‫االتّصال( قائال‪:‬‬ ‫"وإن كانت الشريعة نطقت به‪ ،‬فال يخلو ظاھر النّطق أن يكون موافقا لما أ ّدي إليه البرھان‬ ‫فيه‪ ،‬أو مخالفا‪ .‬فإن كان موافقا فال قول ھنالك‪ ،‬وإن كان مخالفا طلب ھنالك تأويله‪ .‬ومعنى‬ ‫التأويل‪ :‬ھو إخراج داللة اللفظ من الداللة الحقيقية إلى الداللة المجازية‪ ،‬من غير أن يخل‬ ‫قارنه‪،‬‬ ‫ذلك بعادة لسان العرب في التج ّوز‪ ،‬من تسمية الشيء بشبيھه أو بسببه أو الحقه أو‬ ‫‪(ُ 182‬م ِ‬ ‫)حاشية‬ ‫أو غير ذلك من اآلشياء التي ُع ّددت في تعريف أصناف الكالم المجازي"‪.‬‬ ‫وكما يشرح )الدكتور جورج فضلو( الحوراني في تعليقه على ھذه النقطة من الرّسالة‪ ،‬أن‬ ‫قول ابن رشد ھذا يترك مسألة التأويل المجازي من عدمه دون إجابة‪ ،‬ذلك ألن أقصى ما‬ ‫يمكن للقواعد اللغوية فعله ھو رسم الحدود‪ .‬وبالنّسبة لمسألة الحكم على المنھج السّليم في‬ ‫التأويل فإن ابن رشد يق ّر بما فصّله الغزالي إذ حدد خمس مراتب للوجود )وجود جوھري‪،‬‬ ‫وجود حسّي‪ ،‬وجود خيالي‪ ،‬وجود عقلي‪ ،‬وجود شبھي(‪)." .‬حاشية ‪ (183‬وبناء على ذلك يكون‬ ‫التأويل المجاز ّ‬ ‫ي جائزا إذا استحال وقوع المعنى الحرف ّي‪ .‬وتثبت االستحالة عندما‬ ‫تتعارض العبارة تعارضا جليّا مع نص قرآني آخر يع ّد من المحكمات‪ .‬ويجوز في ھذه‬ ‫الحالة تناول العبارة مح ّل التأويل من حيث مغزاھا األعمق بشكل مجاز ّ‬ ‫ي إذا نتج عن ذلك‬ ‫مواءمتھا بما ھو من صريح التنزيل ومحكم الكتاب‪ ،‬ذلك ألن القرآن ال يناقض نفسه‪ .‬إال‬ ‫أن ھذه القاعدة ال تضع القيود إال على ما شطّ وغال من التفاسير‪.‬‬ ‫وھنا تلعب المؤھالت دورا ھاما عند ابن رشد‪ ،‬فھو يرى أن سلطة التأويل يجب أن تستمد‬ ‫من المقدرة عليھا‪ .‬فھو يل ّمح إلى أن الفالسفة أقدر من المتكلمين على تأويل التنزيل‪ ،‬قاصدا‬ ‫بذلك أن كل من المعتزلة واألشاعرة عاجزون عن اإلتيان بالتأويل السليم‪ .‬كما يسوق اآلية‬ ‫السابعة من آل عمران "والراسخون في العلم" على أن لھم سلطة التفسير‪ .‬وطبيعي أن‬ ‫يرى ابن رشد أن القرآن ال يمكن أن يشير إال إلى َمن ثبت امتالكھم لمعرفة ال يرقى إليھا‬ ‫‪180‬‬ ‫‪179‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪182‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫الشك‪ .‬ويقترح ابن رشد معيارا آخر على سبيل التأكد أكثر من سالمة التأويل‪ ،‬وھو ال‬ ‫يخرج عن كونه استخدام معكوس للقاعدة التي وضعھا الغزالي في التناقض‪ :‬إذا كان‬ ‫التفسير سليما فال بد أن يكون له سند مباشر في موقع آخر من التنزيل‪)." .‬حاشية ‪ (184‬فھذه‬ ‫حجة من حيث الجواز ال من حيث االستحالة‪.‬‬ ‫وفي تناوله لآلخرة‪ ،‬يسوق ابن رشد حديثين صحيحين من البخاري من شأنھما أن يفردا‬ ‫مساحة للفكر المجازي‪ ،‬نقل فيھما عن الرسول )ص( قوله‪َ " :‬ما ِم ْن َش ْي ٍء ُك ْن ُ‬ ‫ت لَ ْم أَ َرهُ إِ ﱠال‬ ‫ضةٌ‬ ‫قَ ْد َرأَ ْيتُهُ فِي َمقَا ِمي ھَ َذا‪َ ،‬حتﱠى ال َجنﱠةَ َوالنﱠا َر" وكذلك قوله‪َ " :‬ما بَي َْن بَ ْيتِي َو ِم ْنبَ ِري َر ْو َ‬ ‫ضي"‪ .‬ويخلص ابن رشد من ھذين الحديثين إلى‬ ‫اض ْال َجنﱠ ِة‪َ ،‬و ِم ْنبَ ِري َعلَى َح ْو ِ‬ ‫ِم ْن ِريَ ِ‬ ‫استنتاج مفاده أنه من السھل فھم أنھا أقوال مجازية‪ ،‬لكنه من الصعب معرفة ما ترمز إليه‪.‬‬ ‫)حاشية ‪ (185‬فتكون المھ ّمة العسيرة على َمن يقوم بالتأويل ھو االبتعاد عن نقيضين‪ :‬أن يكون‬ ‫عبدا للحرف أو يقع فريسة لشطحات المجاز‪.‬‬ ‫فمن أي منظور إذن يجب علينا أن نأخذ أراء ھؤالء الفالسفة الجھابذة الثالث )الفارابي‪،‬‬ ‫وابن سينا‪ ،‬وإبن رشد(‪ .‬فھل ھم زادوا كثيرا من فھمنا للقرآن‪ ،‬أو لفھم المسلمين لخالّقية‬ ‫النص القرآني بشكل كبير؟ وللفيلسوف الباكستاني المعاصر فضل الرحمن مالك رأي‬ ‫قاسي على ثالثتھم إذ يقول‪:‬‬ ‫"لم يعترض المفكرون السلفيّون على الرأي الفلسفي في التعبيرات التشبيھية في القرآن‬ ‫عن ﷲ بأال تؤخذ على حرفھا‪ ،‬وإنما كان اعتراضھم الشديد ھو على الجانب الموافق لذلك‬ ‫أال وھو جنوح الفالسفة إلى االعتماد بشكل كبير على االستخدام المجازي للغة بدال من‬ ‫شرح الرّمزية القرآنية‪ .‬إال أن أس أساس المشكلة ھو مفھوم الفالسفة في الدين بكل من‬ ‫شقيه العقائدي والتشريعي على أنھا مجرّد رموز ودالالت ال مفر للعوام منھا‪ .‬ولم يكن ھذا‬ ‫القطع بين المجاز والحقيقة بمثابة فأس يضرب في جذور اإلسالم التقليدي فحسب بل سعى‬ ‫إلى استحداث تمييز ما بين المؤھّلين بالفطرة للتأويل والممنوعين عنه بالفطرة أيضا‬ ‫وتقديمه لمجتمع اعتبر أن المساواة بين الناس ركنا ركينا في اإليمان‪.‬‬ ‫"ولقد كان ذلك التمييز الفلسفي مما يستعصي شفاءه وأشد خطرا من التمييز الصوف ّي ما‬ ‫بين َمن كانت لديھم حياة روحية باطنية‪ ،‬وأولئك الذين كانوا يقنعون باالتباع الظاھريّ‬ ‫للشرع‪ ،‬ذلك ألن التمييز شبه الصّوفي ما بين اإلسالم واإليمان كان مقبوال عند أھل التقليد‬ ‫بوصفه تمييزاً بين فريقين من المؤمنين كالھما داخل إطار واحد‪ ،‬أي بين روح ال ّشرع‬ ‫)حاشية ‪( 186‬‬ ‫ونصّه‪ ،‬وليس فصال كامال بين طائفتين"‪.‬‬ ‫ويبدو أن النخبوية الفلسفية قد أضرّت بنفسھا بدال من أن تنفعھا‪ .‬فحقيقة أن ابن رشد اتھم‬ ‫‪184‬‬ ‫‪183‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪185‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫)حاشية‬ ‫الغزالي بمحاولة االستھانة بالمعنى الغيبي لكل من القرآن الكريم والحديث الشريف‬ ‫‪ ،،( 187‬يكشف تأرجح ابن رشد حيال أسلوب التأويل القرآني الذي يستنبط الحقائق‬ ‫اإليضاحية من النّص ما بين استحسانه أو القول بأنه استھانة بھذا النّص‪ .‬وعلى النقيض‬ ‫من ذلك فإن التفسيرات القرآنية عند الصّوفية قد رفعت االستھانة إلى مصاف المشاعر‬ ‫والعواطف بدال من اللجوء إلى النخبويّة ّ‬ ‫الذھنية‪.‬‬ ‫رابعا – ما اعتبره الصوفيون كشفا في الرمزية القرآنية‪ :‬سھل التستري‪ ،‬ابن عربي‪،‬‬ ‫والغزالي‬ ‫لطالما قيل أنه "كلما أمعن المقال في اإلبطان‪ ،‬كلما قلت اآليات القرآنية التي تحكي عنه"‬ ‫)حاشية ‪ ( 188‬بيد أن بعض األعمال التفسيرية المنسوبة إلى المتص ّوفة‪ ،‬والتي ال يعثر لھا اآلن‬ ‫على أصل‪ ،‬قد تع ّدت إلى ما وراء اإلبطان‪ .‬إذ تناول الحالّج‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬مسألة‬ ‫)حاشية‬ ‫الرّمز والمجال في مقاله المعنون "الكيفية والمجاز"‪ ،‬وھي مقالة ضاع أصلھا اآلن‬ ‫‪ ،( 189‬ولكنھا لو بقيت لما عادت لھا قيمة تذكر عند الباحثين في الوقت الحاضر‪ .‬إال أن‬ ‫عنوان ھذا المقال المفقود مفيد في ح ّد ذاته‪ ،‬فھو ينم عن أن العالقة بين الرّمز واالستعارة‬ ‫كان لھا وجود لدى قطب واحد على األقل من أقطاب التص ّوف‪.‬‬ ‫العجب في أن الرّواسي الكيانية للمجاز من حيث كونه إحدى نظريّات التأويل قد انتقلت‬ ‫بدرجة كبيرة من دوائر البالغيين والفالسفة إلى مجال المنظور الصّوفي الكون ّي‪ .‬فالمجاز‬ ‫من المنظور الباطني الصّوف ّي قد تخطّى مضامينه التأويلية المباشرة ليعبّر عن حقيقة اللغة‬ ‫الظاھريّة‪ .‬فمجرد الحديث عن "الوجود" الكون ّي عند ابن عربي )المتوفي عام ‪ 638‬ھـ ‪/‬‬ ‫موافق ‪ 1240‬م(‪ ،‬إذا اتخذناه مثاال‪ ،‬ال يجوز إال بكيفية نسبية غير مطلقة‪ .‬ذلك ألن‬ ‫"الكون" عنده ال يعدو أن يكون مجازا ال حقيقة‪ ،‬تماما كما ھو الحال مع االنعكاس الذي‬ ‫يمكن اعتباره موجودا إال أن وجوده محصور في المرآة )حاشية ‪ .( 190‬كما أن "العشق‬ ‫الحقيقي" عند السنائي )المتوفي ‪1131‬م( وغيره من المتص ّوفة الذين تلوه‪ ،‬ھو عشق‬ ‫موجّه إلى ّ‬ ‫الذات اإللھية‪ ،‬مميّزين إيّاه عن ض ّده الدنيوي – أي "العشق المجازي" الذي ال‬ ‫يرقى عندھم في أفضل الحاالت ألكثر من كونه بديالً زائفا ّ للمحطّ الحقيقي للعشق في‬ ‫)حاشية ‪( 191‬‬ ‫التص ّوف‪.‬‬ ‫وقد صاغ ھذا التوجّه أسلوب تفسير القرآن عند المتص ّوفة )حاشية ‪ .(192‬وفيما يتعلّق بھذا‬ ‫األسلوب فإن جوالندري ‪ Jullandri‬يميّز ما بين "التفسير اإلشاري‪ ،‬أو الرّمز ّ‬ ‫ي" و‬ ‫"التفسير النّظري" )حاشية ‪ .( 193‬إال أن وانسبروه يرفض ھذا التمييز جملة وتفصيال بدعوى‬ ‫أنه "تمييز سطح ّي مضلل" )حاشية ‪ .( 194‬إال أن ما يقصده جوالندري ھو الصّوفية النّظرية‬ ‫المتأثّرة كثيرا بمذھب األفالطونية المحدثة‪ ،‬في مقابل الطّريقة السّھلة الغير متكلّفة التي‬ ‫‪186‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪187‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪189‬‬ ‫‪190‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪192‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪193‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪45‬‬ ‫‪F‬‬ ‫المتصوفة‪ .‬إال أن ھناك أرضيّة مشتركة بين ما يراه ھنا كل من جوالندري‬ ‫ر ّوجھا أوائل‬ ‫ّ‬ ‫ووانسبروه‪.‬‬ ‫فالتفسير الرمز ّ‬ ‫ي في أبسط صوره ھو نتاج "لقبول التمثيل الواسع" على أنه قوام الرّمزية‪.‬‬ ‫فالحقيقة المجازية ھنا ھي ما يبنى عليه االستعارة‪) .‬حاشية ‪ (195‬وبناء على ذلك يفترض‬ ‫التأويل الرّمزي وجود التعليل البياني‪ ،‬أو ما يقوم مقامه من حيث التص ّور‪ .‬إذ يشرح‬ ‫التستاري )المتوفي ‪ 283‬ھـ ‪ /‬موافق ‪ 896‬م( أن "اللوح المحفوظ" المذكور في اآلية‬ ‫الثانية والعشرين من سورة البروج ماھو إال صدر المؤمن الذي تسكنه الحقيقة وھو ما‬ ‫يوافق تحليل الجوراني للمحتوى الرّمزي للمفردات اللغوية في العربية مثل م اعتباره أن‬ ‫ما يقصده النّص القرآني من "يد ﷲ" ھو "قدرة ﷲ" )حاشية ‪ .(196‬فالمقابلة الرّمزية بوصفھا‬ ‫)حاشية ‪( 197‬‬ ‫تمثيال واسعا ھي "القاعدة الوجوبية في المجاز بأكمله"‪.‬‬ ‫ولو أن وانسبروه يبدو في بعض األحيان أنه يستخدم عبارتي "التأويل الرّمزي"‪،‬‬ ‫و"التأويل المجازي" ليقصد شيئا واحدا )حاشية ‪ ،( 198‬إالّ أنه يميّز بين قطبين من أقطاب‬ ‫التفسير في الصّوفية )حاشية ‪ :(199‬أولھما التأويل الرّمز ّ‬ ‫ي كما ھو الحاصل مع التفسير‬ ‫الباطني عند التستاري )أي أسلوب االستعارة واإلحالة(‪ ،‬وثانيھما ھو التأويل المجازي‪،‬‬ ‫كما في محاورات ابن عربي الغير عادية )أي أسلوب االستعارة التخيّلية‪ ،‬سيّما في تناوله‬ ‫)حاشية ‪( 200‬‬ ‫لسورتي يوسف والكھف(‪.‬‬ ‫ويثار ھنا تساؤل عما إذا كان التفسير الغيبي أو الباطني أو اإللھام ّي أمرا يصادف القبول‪.‬‬ ‫وبتحديد أدق‪ ،‬ھل يطلِق المجاز الحرّية لنفسه في التعامل مع النص أكثر مما ھو حاصل‬ ‫في التفسير الرّمزيّ؟ وھل يكون أحدھما متصنّعا أو تسلّطيا؟ إذ أن كوربين ‪ Corbin‬نفسه‬ ‫عمد إلى التمييز والفصل بين الرّمز والمجاز‪ ،‬معتبرا أن التأويل الباطن ّي مز ّود بطبيعته‬ ‫بسياج يقلل من تسلّطه أو يمنعه تماما‪ ،‬بمعنى أن الرّمز ھو التعبير الوحيد المتاح للمرموز‬ ‫بفضل ما انفردت به التجربة من استعصائھا على التعبير )حاشية ‪ .( 201‬وھو تعليل يوافقه‬ ‫عليه باوساني ‪ ،Bausani‬إذ يقول "من رأيي أن كوربين ‪ Corbin‬قد أصاب كبد الحقيقة‬ ‫عندما قال ’إن وظيفة الرّمز ھي اإلفصاح عن أمر ال يمكن شرحه بطريقة أخرى‪ :‬فھو‬ ‫التعبير الوحيد المتاح الذي يحكي عن المرموز‪ ،‬أما المجاز فھو ال يعدو عن كونه تشبيه‬ ‫)حاشية‬ ‫للعموميات أو المجرّدات التي يتسنّى التعبير عنھا ومعرفتھا جيّدا بأساليب آخرى‘"‪.‬‬ ‫‪ ( 202‬كما أن كوربين ليس الوحيد من بين المتص ّوفة الذي يرى ھذا الرأي‪ ،‬إذ أن الغزالي قد‬ ‫)حاشية‬ ‫عمد فعالَ إلى وضع منوال خارج ّي في التأويل قائم على التجربة الشخصية الباطنية‪.‬‬ ‫‪194‬‬ ‫‪195‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪196‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪197‬‬ ‫‪198‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪201‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪( 203‬‬ ‫‪F‬‬ ‫ولقد اتّخذ المتص ّوفة ألنفسھم لقب "أھل اإلشارة"‪ .‬وھو يعني أن المعرفة الباطنية‬ ‫‪46‬‬ ‫تستعصي على التعبير‪ ،‬وال يمكن اختزالھا لتصبح مجرّد خطاب حرف ّي‪ ،‬كما أنه يندر أن‬ ‫يعبر عنھا بالرّمز‪ .‬فالتجربة الباطنية ال يمكن إال للواصلين أن يل ّمحوا عنھا أو يصلوا إليھا‪.‬‬ ‫والكشفيات الباطنية ال يمكن التعبير عنھا إال بالمقاربة‪) .‬حاشية ‪ (204‬فأھل اإلشارة ھؤالء‬ ‫يتناولون القرآن بوصفه مخزنا لألسرار الغيبية‪ .‬ويتح ّدث الكالباظي )المتوفي ‪ 380‬ھـ ‪/‬‬ ‫‪ 990‬م( عن المتص ّوفة بوصفھم من "نشروا علوم التلميح واإلشارة في الصحف‬ ‫والمباحث"‪) .‬حاشية ‪ ( 205‬فالتأويالت عند الصّوفية‪ ،‬وھي ما يعبر عنھا بـ "علوم التلميح‬ ‫واإلشارة" تنضوى على ما أسماه ماسينيون ‪ Massignon‬باالستدالل التشبيھي‪ ،‬وھو ما‬ ‫وصفه كما يلي‪:‬‬ ‫تنضوي الطريقة الخطابية الشعرية‪ ،‬وھي طريقة محببة إلى قلوب المتص ّوفة‪ ،‬على عملية‬ ‫من االستدالل استحدثھا الغزالي على أنھا تفضي إلى التوصّل إلى الحقيقة‪ ،‬ولكنّھا لم تلق‬ ‫قبوال عند ابن رشد‪ .‬والشك أن ھذه الطريقة‪ ،‬من حيث نقطة بدايتھا الجدلية‪ ،‬تعد من أكثر‬ ‫عمليات االستدالل تواضعا وأش ّدھا استعصاء على الفھم‪ .‬فھي ال تشرع في الجدل باتباع‬ ‫تسلسل منطقي يبدأ بفرضيّة مسبقة مثلما ھو الحال مع الفالسفة الجدليين‪ ،‬أو تضع نصب‬ ‫عينھا البحث عن علّة قياسية مشتركة كما ھو الحال مع النھج القياسي في االستدالل‪ ،‬وإنما‬ ‫تبدأ ھذه الطريقة بما ال يعدو أن يكون نسبة غير محددة لرابطة توافق افتراضية تعقد ما‬ ‫بين الحقيقتين محل البحث‪.‬‬ ‫وتقترح األمثولة الشرح الحقيقي لمعنى مجازيّ‪ ،‬وھو على النّقيض من المجاز‪ ،‬بمعنى أنه‬ ‫صنو للتدبّر‪ ،‬أو قل أنه مالءمة لحظية للفكرة مع الحقيقة‪ ،‬أو أنه إدماج‪ ،‬أو صحوة روحية‪.‬‬ ‫فھو ضرب من التجاوز يقفز بالعبارة من المعنى المجازي إلى المعنى الحرفي‪ ،‬أي من‬ ‫التخيّل إلى التحقق؛ أو أنه يب ّدل ھيئة المفعول ليقلبه إلى فاعل‪ .‬فھي تبدأ من نقطة امتياز‬ ‫)حاشية ‪( 206‬‬ ‫ترى أنھا حقيقة لكي تقترح تماثال أو تطابقا يجب تحقيقه‪.‬‬ ‫وإذا ما كان المتص ّوفة ھم أھل اإلشارة فإن تعريف إبن عربي لإلشارة يثير الحيرة أيضا‪.‬‬ ‫ففي إجابة منه لسؤال "ما ھو الوحي؟"‪ ،‬يرد ھذا المتص ّوف األندلس ّي قائال "ھو الذي يولد‬ ‫فيه اإلشارة التي تأخذ مكان العبارة دون إفصاح عن عبارة‪ .‬ففي العبارة يعبر المرء منھا‬ ‫إلى معناھا المراد‪ ،‬ولذا س ّميت بالعبارة‪ ،‬أما اإلشارة‪ ،‬التي ھي وحي‪ ،‬فھي جوھر ما ھو‬ ‫مشار إليه"‪).‬حاشية ‪ ( 207‬ويبسط الجامي )المتوفي ‪ 898‬ھـ ‪ /‬موافق ‪ 1492‬م( ذلك بقوله "إن‬ ‫مستند النّھج الصّوفي )بالمقارنة بمنحى علم الكالم والفلسفة( ھو الكشف والعيان بدال من‬ ‫)حاشية ‪( 208‬‬ ‫النظر والبرھان"‪.‬‬ ‫ومما يالحظه وانسبروه أن مقال المتص ّوفة‪ ،‬بما في ذلك أقدمھم وھو التﱡسترى‪ ،‬يبدأ‬ ‫‪203‬‬ ‫‪204‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪205‬‬ ‫‪206‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪207‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪47‬‬ ‫‪F‬‬ ‫بتفاسير بسيطة رمزية للرمز والضابط‪ ،‬بينما يكون التفسير المجازي في األساس مجازاً‬ ‫ممتداً ذا قيمة رمزية‪ .‬فأين إذا تلك اإلشارات التي يراھا المتص ّوفة في النص القرآني على‬ ‫أنھا إحاالت إلى المكاشفات الصّوفية؟ وھل ھناك سند في التنزيل )من قرآن وحديث( أليّ‬ ‫من الكشفيات اإللھية لدى المتص ّوفة؟"‬ ‫ولقد كانت الرّؤية المبھجة في الحقيقة‪ ،‬جنبا إلى جنب مع السّمع الرّباني‪ ،‬أسمى غايات‬ ‫التص ّوف‪ .‬وال ب ّد أن "حديث الرّؤية" الشھير الذي يحكي فيه الرّسول مح ّمد )ص( عن‬ ‫إحدى تجاربه الغيبية‪ ،‬قد أثار قدراً كبيرا من التخمين لدى العلماء على اختالف مشاربھم‪،‬‬ ‫إذ يقول ھذا الحديث طبقا إلحدى الرّوايات‪:‬‬ ‫" َرأَي ُ‬ ‫ْت َربﱢي في صورة شاب ذي وفرة‪ ،‬قدماه في الخضرة‪ ،‬عليه نعالن من ذھب‪ ،‬على‬ ‫)حاشية ‪( 209‬‬ ‫وجھه فراش من ذھب"‬ ‫ولو أن التص ّوف ھو طريق النّخبة من نواحي كثيرة‪ ،‬إال أن األتقياء من عا ّمة المسلمين لھم‬ ‫نفس النصيب في ال ّدار اآلخرة مثلما ھو الحال مع الصّفوة الصّوفية‪ .‬فللمتص ّوفة مھ ّمة‬ ‫ورسالة‪ ،‬وھي إيقاظ المؤمنين‪ .‬ومن أكثر األساليب فاعلية في تجديد اإلھتمام بالحياة‬ ‫التأ ّملية ھي جعل مالقاة الذات اإللھية حقيقة واقعة‪ .‬ذلك ألن الوعد بلقاء ﷲ وارد في كل‬ ‫من القرآن والحديث‪ ،‬ولو أن معرفة ماھيّة ھذا اللقاء يلزمھا التأويل‪.‬‬ ‫وحيثما يكون التأويل ال ب ّد أن يثور الخالف مع مختلف محاوالت حل ھذا الخالف‪.‬‬ ‫ولتوضيح المسألة فإن التشبيه في منتھى تصويره عبارة عن ذات إلھية تدركھا األبصار‬ ‫لھا صفات بشرية‪ .‬ولكن ماذا ع ّما يأتي من الطرف المقابل‪ ،‬أي تواصل ﷲ مع البشر؟ ذلك‬ ‫أن ﷲ في رغبة منه ألن يضفي على اإلنسان من صفاته الرّبانية يتجلّى بكيفية يدركھا‬ ‫البشر‪ .‬وھناك ألوان من تجارب حكاھا بعض المتص ّوفة حول ھذه المعاينات اإللھية‪.‬‬ ‫ويدور ھنا تساؤل حول الكيفية التي واءموا بھا ما بين التجربة الفعلية للرؤيا البھيجة‬ ‫ومسألة تمثيل الذات اإللھية التي استعرت حولھا حدة الجدال‪ .‬فلقد تجرّع الحالج كأس‬ ‫ال ّشھادة لمجرد ذكر مسألة وحدته مع الذات اإللھية في غياب سند قرآني يحميه‪ .‬في حين‬ ‫أن التأويالت الصوفية التي تلت ھذه الفاجعة أخرجت تفاسيرا آليات منتقاة من القرآن‪.‬‬ ‫ويمكن القول بحق أن التفاسير الصّوفية وجدت منوالھا األول في أعمال التستري‪ ،‬وكذلك‬ ‫أيضا في كتاب مشكاة األنوار الذي ألّفه الغزالي‪) ،‬حاشية ‪ ( 210‬بينما وجدت التأويالت التأمليّة‬ ‫)حاشية ‪( 211‬‬ ‫عالمتھا المميزة في أعمال ابن عربي‪.‬‬ ‫وفي إشارة منه إلى التُستري يعلّق وانسبروه قائال‪" :‬إن ما يميّز ھذه التأويالت الرّمزية‬ ‫المب ّكرة بالتحديد ھو أسلوبھا المباشر في اإلحالة واإلبدال" كما يستطرد قائال "أن صنعة‬ ‫‪208‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪209‬‬ ‫‪210‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫اإلستعارات الصارخة التي ظھرت في زمن الحق تجد كامل تعبيراتھا في كتابات ابن‬ ‫عربي‪) .‬حاشية ‪ ( 212‬وسيجد القارئ فيما يلي الخط التأويلي لثالثة من أقطاب الصوفية فيما‬ ‫يتعلّق بمسألة الرؤيا اإللھية‪ .‬مع االستشھاد بأسلوب كل من التُستري وابن عربي على‬ ‫سبيل اإلحالة إلى المناقشة النظرية التي تركھا لنا وانسبروه حول التفسير البيان ّي والتفسير‬ ‫المجاز ّ‬ ‫ي‪.‬‬ ‫عن التناقض ما بين الرؤيا المبھجة وتأويالت التمثيل والتجسيد‬ ‫من حيث أنھما من أقطاب مدرسة التأويل الباطن ّي‪ ،‬يكون التستر ّ‬ ‫ي وابن عربي أبرز مثلين‬ ‫في المنھج الصًوفي في التفسير‪ ،‬بينما يكون المثل الثالث – أال وھو الغزالي – أفضل‬ ‫الخيارات بين ھؤالء المتص ّوفة الثالث من المنظور اإلسالمي التقليديّ ‪ .‬وفي بحثه الذي‬ ‫يع ّد امتدادا لكتاب المستشرق ماسينيون ‪ Massignon‬يؤ ّكد نوييا ‪ Nwyia‬أن البالغة الجمالية‬ ‫المس ّماة بالشطح ھي ق ّمة المكاشفات الصوفية قائال‪" :‬في مثل ھذه القمم‪ ،‬من الطبيعي أال‬ ‫نبلغ سوى بضع لحظات نادرة" )حاشية ‪ (213‬إال أن "المكاشفة الربّانية" تطغى عليھا ظاھرة‬ ‫أخرى )حاشية ‪ (214‬تسعى إليھا أوساط الصّوفية ويقرّون بحدوثھا وھي النظر إلى وجه ﷲ‪.‬‬ ‫ومما يثير ال ّدھشة ھو أنه لم يولي اآلكاديميون في الغرب من االھتمام إال أقل القليل لمسألة‬ ‫الرؤيا المبھجة‪ ،‬إذ لم يعط الباحثون منھم في الصوفية للرؤيا المبھجة ما تحظى به حقا من‬ ‫أھمية لدى المتص ّوفة أنفسھم‪ .‬وقد يجد القارئ الغرب ّي بعضا من ھذه الضّالة المنشودة في‬ ‫المؤلّف الفخيم الذي جادت به الكاتبة آن ماري شيميل ‪ ،Annemarie Schimmel‬وأسمته‬ ‫"األبعاد الصّوفية في اإلسالم ‪ "Mystical Dimensions of Islam‬ونشر عام ‪ .1975‬إذ أن‬ ‫ھذه الدراسة الكالسيكية تخفق في إفراد مساحة كافية لمسألة الرؤيا المبھجة بوصفھا بابا‬ ‫قائما بذاته في أوساط المتص ّوفة‪ ،‬فال نطالع عنھا إال نبذة عابرة على الرّغم من استحواذھا‬ ‫لقدر كبير من اھتمام الطرق الصّوفية‪ .‬إال أن ھذه الكاتبة تقر بما يلي‪" :‬إن أسمى ما يصبو‬ ‫إليه المتصوفة من مكاشفة عندما يتدبّرون مسألة الجنة ھو الرؤيا المبھجة طبقا لمفھومھم‬ ‫اض َرةٌ ٭ إِلَى‬ ‫لآليتين الثانية والعشرين والثالثة والعشرين من سورة القيامة ) ُوجُوهٌ يَ ْو َمئِ ٍذ نَ ِ‬ ‫اظ َرةٌ(" )حاشية ‪ ،(215‬بيد أن المتص ّوفة أنفسھم لم ي ّدعوا رؤية ﷲ بالعين‪ ،‬فاألعمال‬ ‫َربﱢھَا نَ ِ‬ ‫الصوفية تثير قدراً من اإلرباك إذ أنھا مفعمة بالنّشوة والمتناقضات والمجاز والمراوغة‪.‬‬ ‫والتأمل فيما يس ّمى بمدرستي "اإلفاقة" و"االنتشاء" لدى المتص ّوفة يعطي إطاراً تحليليا‬ ‫مغريا للتمييز بين من رأى ﷲ من المتصوفة وأولئك النظريين الذين وجدوا خطّا أحمر‬ ‫يمنعھم من مجرد التفكير في ھذه الرؤيا‪ .‬وقد ينضوي ھذا التمييز على نصيب من الحقيقة‪.‬‬ ‫وھناك منھج تحليلي آخر وھو تقسيم ادعاءات حدوث الرؤية المبھجة إلى نوعين من أنواع‬ ‫المكاشفة‪ ،‬أوالھما حالة من "االتحاد المح ّول للنفوس" وثانيتھما حالة "العرفان الوجدان ّي‬ ‫‪F‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪213‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪214‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪49‬‬ ‫الواحد"‪ .‬وأيّا ما كان منظورنا في البحث والتحليل‪ ،‬تبقى كيفية وصف القرآن للذات اإللھية‬ ‫مسألة منوطة بالتأويل‪ .‬ويل ّخص المستشرق جاردت ‪ ،Gardet‬من نطاق إسالمي أشمل‪،‬‬ ‫أبعاد ھذه المسألة الجدلية كما يراھا في علوم الدين على النّحو التالي‪:‬‬ ‫تفھم رؤية ﷲ على أنّھا تتم بالبصر‪ .‬ويق ّر التقليديون التقاة بھذه المسألة إقرارا باتّاً‪ ،‬وعلى‬ ‫ھذا المنوال يأتي تفسيرھم آليتي سورة القيامة المشار إليھما آنفا‪ ،‬مضافا إليھا العديد من‬ ‫اآلحاديث النبوية التي تتكلم عن رؤية ﷲ رُأى العين‪ .‬أما المعتزلة فإنھم ينكرونھا بنفس‬ ‫إصرار التقليديين على صحّتھا‪ ،‬ويفسّرون النّص القرآني بنھج لغوي‪ .‬أما األشاعرة‬ ‫والحنفية فيص ّدقون برؤية ﷲ مع تأكيد أنھا "بال كيف"‪ :‬بمعنى أن كل انسان سيرى ﷲ‬ ‫رأى العين في يوم الحساب‪ ،‬أما األصفياء فسوف يرونه في الجنّة رؤية عابرة‪ ،‬دون أن‬ ‫تكون الرؤية كمن يرى شيئا ساكنا في حيّز محدود‪ ،‬مع استحالة تحديد كيفية تلك الرّوية‪.‬‬ ‫)حاشية ‪( 216‬‬ ‫‪215‬‬ ‫‪F‬‬ ‫ولنستعرض اآلن أقطاب صوفية ثالث‪:‬‬ ‫)أ( سھل التستري )المتوفي ‪ 283‬ھـ ‪ 896 /‬م(‬ ‫يعتبر التأويل الباطني الذي أجراه التستري على ما يقرب من ألف آية قرآنية من أقدم‬ ‫التفاسير الصوفية التي وصلتنا‪ .‬وال شك أن ال ّسلطة التي خ ّولته كتابة ھذا المقال كانت‬ ‫نابعة من مكاشفاته الصّوفية‪ .‬وھناك أيضا عنصرا سلطويّا آخر يدخل في نفس ھذا السياق‬ ‫)حاشية ‪( 217‬‬ ‫أال وھو إدعاء التستر ّ‬ ‫ي نفسه أنه "حجّة ﷲ"‪.‬‬ ‫وكان القرآن إبّان ھذه الفترة المبكرة للمنھج الصّوفي بمثابة منبع الھام انتقائي‪ ،‬إال أن ھذا‬ ‫اإلنتقاء كان يبعدھم عن التمعّن في السياق القرآني بأكمله‪ .‬فلم يكن ارتكانھم إلى القرآن‬ ‫كمنظومة متّصلة‪ ،‬وكانت المتص ّوفة تأول النص القرآني على خمسة أوجه‪ ،‬أو كما قيل‬ ‫على لسان أحد أقطابھا‪:‬‬ ‫إن ﷲ قد أنزل القرآن خمس مرّات في كل مرة منھا خمس آيات‪ ،‬خمس محكمات‪ ،‬وخمس‬ ‫متشابھات‪ ،‬وخمس حالل‪ ،‬وخمس حرام|‪ ،‬وخمس أمثال‪ .‬ولمن أوتي العلم الباطن ّي من‬ ‫المؤمنين يعمل بمقتضى المحكمات‪ ،‬ويؤمن بالمتشابھات‪ ،‬ويقر بجواز المحلالت‪ ،‬وينھى‬ ‫)حاشية ‪( 218‬‬ ‫عن المحرّمات‪ ،‬ويفھم المتشابھات‪.‬‬ ‫وتعد الدراسة التي |أجراھا المستشرق بوارينج ‪ Böwering‬عن تفاسير التستري توسّعا‬ ‫لبحث وانسبروه عن التأويل الرّمزي للقرآن‪) .‬حاشية ‪ ( 219‬فالقَ َسم القرآن ّي بالنّجم في مستھ ّل‬ ‫سوة النجم "والنّجم إذا ھوى" ھو )عند التستري( إشارة للرّسول )ص( حين رجعته من‬ ‫السّماء‪) .‬حاشية ‪ ( 220‬كما أن أسلوب االستعارة ظاھر من تفسير التستري لآلية الخامسة‬ ‫‪216‬‬ ‫‪217‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪219‬‬ ‫‪218‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪F‬‬ ‫والثالثين من سورة النور‪ .‬وعن ھذا التفسير يعد بوارينج‬ ‫التستري من مصطلحات على النّحو التالي‪:‬‬ ‫"المعرفة" ھي سراج المصباح )أو مشكاته( و"الفتيل" ھو الفرائض‪ ،‬و"الدھن" ھو‬ ‫اإلخالص‪ ،‬و"النّور" ھو نور االتصال‪ ،‬ألنه إذا ما ازداد اإلخالص صفا ًء‪ ،‬إزداد‬ ‫ً )حاشية ‪( 221‬‬ ‫المصباح ضياء‪ ،‬وكلما ازدادت الفرائض حقيقة‪ ،‬ازداد السّراج نورا‪.‬‬ ‫أما عن الرّؤيا المبھجة‪ ،‬كما وردت في أھم إشارة قرآنية عنھا – وھي اآلية العشرين من‬ ‫سورة الشورى‪ ،‬فإن التستري يرى أن النظر اإللھ ّي حظّا من ذھن نفس الروح وفھم العقل‬ ‫وفطنة القلب‪) .‬حاشية ‪ (222‬كما يعلّق التستري على نفس ھذه اآلية قائال‪ :‬إن نصيب اإلنسان‬ ‫في اآلخرة ھو رؤية الحق إلى األبد‪) .‬حاشية ‪ ( 223‬وعن اآلية الثالثة والعشرين فإنه يكرر‬ ‫الوعد مستخدما تعبيره "جزاء التوحيد ھو النّظر إلى الح ّ‬ ‫ق"‪) ،‬حاشية ‪ ( 224‬وبوصفھا تجربة‬ ‫وجدانية بقدر ما ھي تجربة يقينية فإن رؤية ﷲ عند التستري بالبصيرة وليست بالبصر‪.‬‬ ‫فمفھومه عن التجلّي يأخذ في االعتبار مشھد الملكوت بدال من رؤية ﷲ على ھذه البسيطة‪.‬‬ ‫)حاشية ‪ (225‬ويستطرد التستري قائال‪:‬‬ ‫أال تعتبر أن اإلنسان ينظر الحق بلطيفة من الحق أرفقھا بقلبه‪ .‬وھي مخصوصة بأوصاف‬ ‫مكونة وال مخلوقة وال ھي موصولة‪ .‬فھي سرﱞ من سرﱟ إلى سرﱟ ‪ ،‬وغيب‬ ‫ربّه وھي ليست ّ‬ ‫)حاشية ‪( 226‬‬ ‫من غيب إلى غيب‪.‬‬ ‫فھا ھو التستري يبدأ من غيب‪ ،‬ولكنّه يبقيه سرّا‪ .‬إال أنه يوضّح أمرا واحدا بعينه‪ ،‬وھو أن‬ ‫القرآن يص ّدق رمزا بعالم الرؤيا‪ .‬ومن حيث اھتمامنا بالتفسير يفصح التستري عن رابط‬ ‫بين إنكار تشبيه أو تمثيل الذات اإللھية والتأويل الرّمزي للنص القرآني )ذلك ألن التستري‬ ‫يصف ﷲ مجازا بأنه نور علو ّ‬ ‫ي(‪.‬‬ ‫)ب( الغزالي )المتوفي ‪ 505‬ھـ ‪ 1111 /‬م(‬ ‫بعد استشھاد الحالج كان من األنسب للمتص ّوفة أال يفصحوا عن العقائد الباطنية التي قد‬ ‫تستفز عامة المسلمين‪ .‬وكانت ھناك العديد من االجتھادات البارزة على يد المف ّكرين منھم‬ ‫للمواءمة ما بين الطريقة وال ّشريعة‪ .‬وكان أكثر ھذه االجتھادات نجاحا ھو ما جاء على يد‬ ‫الغزالي‪.‬‬ ‫ولقد حاول َعلم آخر من أعالم الصوفية في زمن سابق للغزالي‪ ،‬وھو الكالباظي )المتوفي‬ ‫‪ 385‬ھـ ‪ 995 /‬م(‪ ،‬اإلتيان أيضا بصيغة موائمة‪ .‬ففي رسالته المعنونة "كتاب التعرّف"‪،‬‬ ‫سعى ذلك الصّوفي الذي كان يقطن في بخاري "لرأب الصّدع ما بين علوم ال ّدين التقليدية‬ ‫والعقائد الصّوفية‪ ،‬وھو الصّدع ذي فاقمه إعدام الحالج بقدر كبير‪) ".‬حاشية ‪ ( 227‬وكانت‬ ‫‪Böwering‬‬ ‫قائمة بما استخدمه‬ ‫‪20‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪F‬‬ ‫رسالته ھذه بمثابة تعريف جيّد بالمعضلة التي تعيّن على الغزالي حلّھا‪ ،‬إذ قام الكالباظي‬ ‫بتلخيص النّھج الصوفي في التأويل حول أكثر المسائل إثارة للجدل وھي مسألة الرؤيا‬ ‫المبھجة‪ .‬وكما سبق لي أن ذكرت‪ ،‬كان ذلك محل جدل واسع في أوساط العلماء والعامة‬ ‫على ح ّد سواء‪.‬‬ ‫فالصوفية يؤمنون بجواز رؤية ﷲ استنادا إلى اآلية ‪ 143‬من سورة األعراف التي‬ ‫اشترطت استجابة طلب سيّدنا موسى في الطّور أن يكون وفيّا بالوعد‪ .‬رغم أن الجبل لم‬ ‫يحتمل التجلّي اإللھ ّي‪ .‬وتلقي ھذه اآلية ش ّكا في مقدرة اإلنسان على احتمال ذلك‪ .‬إال أن من‬ ‫رأي المتص ّوفة أن جواز ھذا االحتمال ينقلب إلى حقيقة في حق األتقياء وھم في الجنّة‪ ،‬اذ‬ ‫أنھم الموعودون بما نصّت عليه اآليتين الثانية والعشرين والثالثة والعشرين من سورة‬ ‫اظ َرةٌ"‪.‬‬ ‫اض َرةٌ ٭ إِلَى َربﱢھَا نَ ِ‬ ‫القيامة " ُوجُوهٌ يَ ْو َمئِ ٍذ نَ ِ‬ ‫وعلى الوجه اآلخر للعملة‪ ،‬كان ھناك متص ّوفة فسّروا "إلى ربّھا ناظرة" على أنھا "إلى‬ ‫ثواب من ربّھا ناظرة"‪ ،‬على أساس أن الثواب اإللھي ھو بالضرورة مختلف عن الذات‬ ‫اإللھية‪ .‬ويعتبر من ينكرون تمثيل وتشبيه ّ‬ ‫الذات اإللھية أن رغبة سيّدنا موسى في رؤية ﷲ‬ ‫كما ھو منصوص عليه في اآلية ‪ 141‬من سورة األعراف بمثابة التماس آلية ممنوعة‬ ‫صا ُر َوھُ َو يُ ْد ِر ُ‬ ‫صا َر"‬ ‫ك ْاألَ ْب َ‬ ‫ممتنعة‪ .‬إذ يفسّرون اآلية ‪ 103‬من سورة اآلنعام " َال تُ ْد ِر ُكهُ ْاألَ ْب َ‬ ‫على أنھا تفيد أن رؤية ﷲ مستحيلة في كل من الدنيا واآلخرة‪ .‬ويرون أنه حتى ولو كانت‬ ‫الرؤيا ممكنة في الحياة ال ّدنيا فإن من متطلّباتھا البديھية وجود كامل التسليم الخالص‬ ‫)حاشية ‪( 228‬‬ ‫بالضرورة‪.‬‬ ‫ونجد في تأويالت الغزالي تسلسال نظريّا واضحا من المجاز إلى الحقيقة فيما يتعلق‬ ‫بوصف الذات اإللھية في القرآن بأنھا نور على نور )بنصّ سورة النور(‪ .‬فھو يشرح‬ ‫النّور فائال‪" :‬ﷲ ھو النّور الحق‪ ،‬ولفظ ’النور‘ بخالف ذلك ال يؤخذ إال على محمل‬ ‫مجازي‪ ،‬وال معنى له في حقيقة األمر‪) ".‬حاشية ‪ ( 229‬وعن النّور بمحمله المجازي‪ ،‬يقول‬ ‫الغزالي‪:‬‬ ‫"بل أقول وال أبالي‪ :‬إن اسم النور على غير النور األول مجاز محض ‪ ...‬ونسبة المستعار‬ ‫إلى المستعير مجاز محض‪ .‬أفَتَرى أن من استعار ثيابا وفرسا ومركبا وسراجا‪ ،‬وركبه في‬ ‫الوقت الذي أركبه المعير‪ ،‬وعلى الحد الذي رسمه لنا‪ ،‬غن ّي بالحقيقة أو بالمجاز؟ ‪ ...‬وإنما‬ ‫الغن ّي ھو المعير ‪ ...‬من ھا ھنا ترقّى العارفون من حضيض المجاز إلى يفاع )أي بداية(‬ ‫)حاشية ‪( 230‬‬ ‫الحقيقة‪".‬‬ ‫ولكن ليس كل شيء يمكن اإلفصاح عنه بالرّجوع إلى مجازات النورانية‪ .‬فھناك ما ال‬ ‫‪F‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪52‬‬ ‫‪F‬‬ ‫حصر له من مجازات ورموز أخرى مما يمكن االرتكان إليه‪ .‬وأشد ما يسوقه الغزالي‬ ‫إقناعا في إسناد منه للرمز القرآني ھو الرّمز الرّؤيويّ‪ ،‬وھو رمز جاذب للكثير من‬ ‫االھتمام عند عامة المسلمين‪.‬‬ ‫"ولنرجع إلى األنموذج فأقول‪ :‬علم التعبير يعرّفك منھاج ضرب المثال‪ ،‬ألن الرؤيا جزء‬ ‫من النب ّوة‪ .‬أما ترى أن الشمس في الرؤيا تعبيرھا السلطان‪ ،‬ولذلك لما بينھما من المشاركة‬ ‫والمماثلة ‪...‬‬ ‫"والقمر تعبيره الوزير إلفاضة الشمس نورھا بواسطة القمر على العالم عند غيبتھا ‪...‬‬ ‫مؤذن ّ‬ ‫وأن من يرى أنه في يده خاتم يختم به أفواه الرّجال وفروج النساء فتعبيره أنه ّ‬ ‫يؤذن‬ ‫قبل الصبح في رمضان‪ .‬وأن من رأى أنه يصبّ ال ّزيت في )شجرة( الزيتون فتعبيره أن‬ ‫تحته جارية ھي أ ّمه وھو ال يَعْرف‪.‬‬ ‫"كما أن في الموجودات العالية الرّوحانية ما مثاله الشمس والقمر والكواكب‪ ،‬فكذلك فيھا‬ ‫)حاشية ‪( 231‬‬ ‫ما له أمثله أخرى أذا اعتبرت منه أوصاف أخرى سوى النّورانيّة‪".‬‬ ‫وھناك خطر في أخذ المجاز حرفيا أو تجسيده غيبيا‪ .‬ولھذا عمد الغزالي إلى محاولة‬ ‫معارضة ھذا الشطط التأويلي من خالل نقده لمن أسماھم "الغالة"‪ ،‬إذ قال‪:‬‬ ‫"ال تظن من ھذا األنموذج في طريق ضرب األمثال رخصة ّ‬ ‫من في رفع الظواھر‬ ‫واعتقادا في إبطالھا ‪ ...‬فإن إبطال الظواھر رأي الباطنية‪ ،‬الذين نظروا بالعين العوراء إلى‬ ‫أحد العال َميْن‪ ،‬ولم يعرفوا الموازنة بين العالمين ‪ ...‬فالذي يجرّد الظاھر حشوي‪ ،‬والذي‬ ‫)حاشية ‪( 232‬‬ ‫يجرّد الباطن باطني‪ ،‬والذي يجمع بينھما كامل‪".‬‬ ‫ويعتبر الغزالي إنكار المعتزلة لرؤية ﷲ عيانا في اآلخرة بدعة )حاشية ‪ .(233‬إال أنه ال يحدد‬ ‫كيفية ھذه الرؤية في العالم اآلخر‪ ،‬فيقول‪" :‬ﷲ ھو األحد األزل‪ ،‬وحقيقة وجوده تفھم‬ ‫بالعقل ورؤيته ستكون على ما ھو عليه بفضل موھبة البصيرة التي سيمنحھا لألخيار في‬ ‫دار البقاء حيث سعادتھم كاملة برؤية طلعته البھيّة"‪) .‬حاشية ‪ (234‬كما يضيف قائال في‬ ‫وصف ھذه الحالة‪" :‬ھجم عليھم التجلّي دفعة فأحرقت سبحات وجھه جميع ما يمكن أن‬ ‫)حاشية ‪( 235‬‬ ‫يدركه بصر ح ّس ّي وبصيرة عقلية"‬ ‫وفي معرض حديثه عن الفناء يقول الغزالي عن رؤية ﷲ في الحياة الدنيا ما معناه‪" :‬يكون‬ ‫ھذا االستغراق كنور البرق في البداية‪ ،‬وال يظ ّل سوى برھة‪ ،‬إال أنه يصبح عندئذ اعتيادا‬ ‫وواسطة لعروج الرّوح إلى العالم العلوي‪ ،‬حيث تتجلى لھا الحقيقة الصافية الجوھرية‪،‬‬ ‫وتتوسم بوسام العالم الغيبي‪ ،‬ويتك ّشف لھا جالل الربوبية‪ ،‬وفي النھاية ترى ﷲ وجھا‬ ‫لوجه"‪) .‬حاشية ‪ (236‬كما يضيف أيضا‪" :‬عندما يلج العارف خالص ومطلق وحدانية الواحد‬ ‫‪230‬‬ ‫‪231‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪235‬‬ ‫‪234‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪53‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫ويدخل ملكوت الفرد األحد‪ ،‬فإن مثل ھذا الفاني يكون قد بلغ نھاية عروجه ‪ ...‬فھذه نھاية‬ ‫الواصلين ومنھم من لم يتد ّرج في ھذا الترقّي والعروج على التفصيل الذي ذكرناه ولم‬ ‫يطل عليھم الطريق ‪ ...‬وھجم عليھم التجلّي دفعة فأحرقت سبحات وجھه جميع ما يمكن أن‬ ‫)حاشية ‪( 237‬‬ ‫يدركه بصر ح ّس ّي وبصيرة عقلية‪".‬‬ ‫إال أن الوحي اإللھي ھو س ّر غيبي أيضا‪" .‬سبحان من ھو مخف ّي عن البصر ببريق نوره‪.‬‬ ‫فلوال أنه أخفى نفسه خلف سبعين حجاب من نورألحرقت سبحات وجھه أبصار من‬ ‫يطالعون جماله"‪) .‬حاشية ‪ (238‬والغزالي ھنا يلجأ إلى الحذر إذ يقر بجواز رؤية ﷲ‪ ،‬إال أنه‬ ‫يرى أن ھذه الرؤية محجوبة عن البصر بحجاب النّور‪ .‬ووجه ﷲ عنده ليس الوجه بمعناه‬ ‫الحرفي وإنما بمعنى التوجّه‪ .‬وتواتر اللغة النورانية في معظم كتابات الغزالي العرفانية‬ ‫فھي إما للتسليم ببعض أراء من يؤمنون بالرؤية رأى العين أو لشرح ما يعنيه ھذا حتى‬ ‫يقنع اآلخرين بأن الرؤية تعني أيضا استحالة الرؤية‬ ‫وال تخفق اإلحالة إلى التأويالت القرآنية ھنا في إدھاش القارئ‪ .‬إذ أن ھناك تأمين قرآني‬ ‫على بعض أشكال الرؤية المبھجة‪ .‬ولكن ﷲ في الوقت نفسه ال تدركه األبصار‪ ..‬فالفيصل‬ ‫ھنا ھو الزاوية التي يؤخذ منھا المعنى المراد‪ ،‬ولكن ھذا ال يجوز إال إذا لم يؤخذ الوعد‬ ‫القرآني برؤية ﷲ بمعناه الحرفي دون أية مرونة‪ .‬وال تختلف وجھات النظر التأويلية في‬ ‫تفاسير الغزالي كثيرا عما ھي عند التستري‪ :‬فالوعد بالرؤيا المبھجة ھو ثواب أكيد بيد أن‬ ‫ﷲ إذ ھو محجوب بحجب النور ال يمكن أن يرى مباشرة‪ .‬وھذا الرأي الذي يتبنّى الرؤية‬ ‫المشروطة ينكر أي تمثيل أو تشبيه للذات اإللھية‪ .‬فھو رأي يؤمن بصورة مجازية لھذه‬ ‫الرؤية‪ ،‬أو على حد قول الغزالي‪" :‬ﷲ عز وجل وحده ال شريك له‪ ،‬وأن سائر األنوار‬ ‫مستعارة‪ ،‬وإنما الحقيقي نوره فقط‪ ،‬وأن الكل نوره‪ ،‬بل ھو الكل‪ ،‬بل ال نورية لغيره إال‬ ‫بالمجاز ‪ . ...‬كما ال إله إال ھو‪ ،‬فال ھو إال ھو‪ ،‬ألن ’ھو‘ عبارة عما إليه إشارة كيفما‬ ‫)حاشية ‪( 239‬‬ ‫كان"‪.‬‬ ‫)ج( إبن عربي )المتوفي ‪ 638‬ھـ ‪ 1240 /‬م(‬ ‫ھناك تفنيد واضح على لسان ابن عربي في كتابه فصوص الحكم يعارض فيه المزاعم‬ ‫الصوفية بنوال الرّؤية المبھجة‪ ،‬إذ يقول )في الفص السابع المعنون ’فص حكمة عليّة في‬ ‫كلمة اسماعيلية‘‪" :‬منع أھل ﷲ التجلّي في األحدية‪ ".‬فھو يرى تميّزا دائما أبدا ما بين‬ ‫الناظر والمنظور‪ ،‬حتى في قمة الحضرة الصوفية‪ .‬ويرى أيضا أن الزعم الصوفي‬ ‫بالتوحّد في ﷲ ھو من قبيل الزيف‪ ،‬ويعطي مثالين على ذلك إذ يقول )في نفس الموضع(‬ ‫"فإنك أن نظرته به )أي أذا نظرت إلى ﷲ بعينه( فھو الناظر نفسه‪ ،‬فما زال ناظرا نفسه‬ ‫بنفسه‪ ،‬وإن نظرته بك )أي نظرت إلى ﷲ بعينك( فزالت األحدية بك‪ ،‬وإن نظرته به وبك‬ ‫‪236‬‬ ‫‪238‬‬ ‫‪237‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪54‬‬ ‫)أي نظرت إلى ﷲ بعينه وبعينك( فزالت األحدية أيضا‪ .‬ألن ضمير التاء في ’نظرته‘ ما‬ ‫ھو عين المنظور‪ ،‬فال بد من وجود نسبة ما اقتضت أمرين ناظرا ومنظورا‪ ،‬فزالت‬ ‫األحدية وإن كان لم ير إال نفسه بنفسه‪ .‬ومعلوم أنه في ھذا الوصف ناظر ومنظور‪.‬‬ ‫فالمرض ّي ال يصح أن يكون مرضيّا مطلقا إال إذا كان جميع ما يظھر به من فعل الراضي‬ ‫)حاشية‬ ‫فيه‪ ".‬فال بد إذن من صفتين متالزمتين ھما الفاعل والمفعول‪ ،‬كما يرى ابن عربي‪.‬‬ ‫‪ ( 240‬إال أن ھذا التمييز ال ينفي امكانية وجود حياة غنية بالحضرات والمكاشفات‪.‬‬ ‫وما يراه العارف ھو إله "اعتقاد ّ‬ ‫ي"‪ ،‬أو ما يعرّفه ابن عربي بقوله "ھو ﷲ كما تص ّوره‬ ‫مختلف العقائد الدينية"‪ .‬إذ يرى الشيخ ابن عربي )في الفص الثاني عشر المعنون ’فص‬ ‫حكمة قلبية في كلمة شعيبية( أن "الحق )أي ﷲ( الذي في المعتقد ھو الذي وسع القلب‬ ‫)حاشية ‪( 241‬‬ ‫صورته‪ ،‬وھو الذي يتجلّى له فيعرفه‪ ،‬فال ترى العين إال الحق االعتقادي‪".‬‬ ‫وللزيادة في شرح ھذه المسألة‪ ،‬يتّخذ ابن عربي مثاال من االعتقاد السائد عن المسلمين‬ ‫)استنادا إلى حديث نبو ّ‬ ‫ي شھير( في أن ﷲ سيتجلّى يوم القيامة في صور مختلفة‪) .‬وإحدى‬ ‫روايات ھذا الحديث ھي‪" :‬فيأتيھم ﷲ تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون‬ ‫فيقول‪ :‬أنا ربكم‪ ،‬فيقولون‪ :‬نعوذ با منك‪ ،‬ھذا مكاننا حتى يأتينا ربنا‪ ،‬فإذا جاء ربنا‬ ‫عرفناه‪ ،‬فيأتيھم ﷲ تعالى في صورته التي يعرفون‪ ،‬فيقول‪ :‬أنا ربكم‪ ،‬فيقولون‪ :‬أنت ربنا‬ ‫‪(" ...‬‬ ‫فيقول ابن عربي )في الفص الثاني والعشرين المعنون ’فص حكمة إيناسية في كلمة‬ ‫إلياسية‘(‪" :‬وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أن الحق عينه يتجلى يوم القيامة في صورة‬ ‫فيعرف‪ ،‬ثم يتحول في صورة فينكر‪ ،‬ثم يتح ّول عنھا في صورة فيعرف‪ ،‬وھو ھو المتجلي‬ ‫– ليس غيره – في كل صورة‪ .‬ومعلوم أن ھذه الصورة ما ھي تلك الصورة األخرى‪".‬‬ ‫‪239‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪240‬‬ ‫‪F‬‬ ‫)حاشية ‪( 242‬‬ ‫‪241‬‬ ‫‪F‬‬ ‫أما عن ادعاء المكاشفة في الحضرات فإلبن عربي رأي أخر إذ ياقول ما معناه‪" :‬الكون‬ ‫عالمان ‪ ...‬عالم الباطن ‪ ...‬وعالم الظاھر‪ .‬ثانيھما يدرك بالبصر بينما يدرك عالم الباطن‬ ‫بالبصيرة"‪ .‬ويقول ﷲ في اآلية ‪ 103‬من سورة األنعام "ال تدركه األبصار" بمعنى إبصار‬ ‫أي عين سواء كانت عين الوجه أم عين الفؤاد‪ .‬فاألفئدة ال تدرك األمور إال بالبصر تماما‬ ‫كعين الوجه التي ال تدرك شيئا إال ما تبصره ‪ ...‬وتماما كما أن اآلعين ال تدركه سبحانه‬ ‫)حاشية ‪( 243‬‬ ‫وتعالي ببصرھا‪ ،‬فإن البصائر ھي األخرى تعجز عن رؤيته بعين الباطن‪".‬‬ ‫وفي شرح من المتصوف محمود بن علي بن محمد القاشاني )المتوفي ‪ 735‬ھـ ‪1335 /‬‬ ‫م( لما يعنيه ابن عربي بقوله "في كل مرّة يتجلّى المطلق للعين في صورة محسوسة فإن‬ ‫العقل ينكر ھذه الصورة" يقول ما معناه "تماما كما ين ّزه العقل التجلّي عن اإلدراك على‬ ‫‪24‬‬ ‫‪55‬‬ ‫‪F‬‬ ‫ھيئة أمر محسوس‪ ،‬فإن المطلق من ّزه عما ين ّزھه العقل منه‪ ،‬كي ال يكون المطلق محدوداً‬ ‫)حاشية ‪( 244‬‬ ‫بالعقل بأي حال من األحوال‪".‬‬ ‫ورؤية ﷲ‪ ،‬إن صدقت‪ ،‬كما يرى ابن عربي‪ ،‬ال تكون من ﷲ إال في ھيئة تجلّي يفھمه‬ ‫المؤمن‪ .‬والحضرات من ھذا النوع يقال أنھا تتمثل في عالم روحي يشار له بعالم المثال‪.‬‬ ‫ولو أن ابن عربي لم يكن من أنصار تشبيھات الذات اإللھية )أي ممن ينسب األحوال‬ ‫البشرية للذات اإللھية(‪ ،‬فإنه لم يكن أيضا من أنصار التمثيل )أي ممن يفسّر الرؤى‬ ‫واألشباح على أنھا رموز أو إشارات(‪) .‬حاشية ‪ (245‬والعارف المؤمن إن كان منضبطا في‬ ‫مسلكه ومباركا في عمله فإنه يترقّى من مقام التمثيل بواسطة الرؤيا إلى مقام المشاھدة‬ ‫)حاشية ‪( 246‬‬ ‫بالقلب‪ ،‬التي ھي الرؤية بالبصيرة‪.‬‬ ‫وفي لطيفة مختصرة يبلور )العالم الصوف ّي علي بن عثمان الجالبي( الھجويري )المتوفي‬ ‫‪ 1075‬م( ھذا الجدل بأكمله قائال "ال يعمد أقطاب الصوفية إلى شرح أحوالھم وال يعتنوا‬ ‫)حاشية ‪( 247‬‬ ‫بوصف مكاشفاتھم وحضراتھم"‪.‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪243‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪245‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪246‬‬ ‫خامسا ‪ -‬أشجار كالبشر‪ :‬التأويالت الباطنية عند اإلسماعيلية السجستانية‬ ‫يعطينا المستشرق موجان مؤمن ‪ Mojan Momen‬في مؤلّفه عن مذھب الشيعة االستعراض‬ ‫التالي لتطور النزعة الشيعية في التأويل الرّمزي على مراحل أولھا ھو الطائفة الھاشمية‬ ‫التي تمحورت حول شخص أبو ھاشم )المتوفي ‪ 77‬ھـ ‪717 /‬م( وھي التي يعتقد أنھا أول‬ ‫من لجأ إلى التأويل الرمزي للقرآن الكريم‪ ،‬وثانيھا ھي الطائفة الجناحية‪ ،‬وھم أتباع ذو‬ ‫الجناحين‪ ،‬الذي تز ّعم ثورة عام ‪127‬ھـ ‪744 /‬م‪ ،‬وثالثھا ھي الطائفة المنصورية )أو‬ ‫الكسفية( وھم أتباع أبو منصور الذي ر ّوج عن نفسه أنه ذلك "ال ِكسْف" السّاقط من السماء‬ ‫الذي تتحدث عنه اآلية ‪ 44‬من سورة الطور " َوإِ ْن يَ َر ْوا ِك ْسفًا ِم َن ال ﱠس َما ِء َساقِ ً‬ ‫طا يَقُولُوا‬ ‫َس َحابٌ َمرْ ُكو ٌم"‪ ،‬وينسب إليه أيضا قوله أن لفظ "السماوات" يرمز إلى األئمة و‬ ‫"األرض" كناية عن أتباعھم‪) .‬حاشية ‪ ( 248‬ورابع ھذه المراحل ھي الطائفة الخطّابية‪ ،‬وھم‬ ‫أتباع أبو الخطّاب الذي أعدم في الكوفة عام ‪ 138‬ھـ ‪ 755 /‬م‪ .‬أما المرحلة الخامسة فھي‬ ‫ظھور عموم الطائفة الشيعية‪) .‬حاشية ‪ ( 249‬ويفترض المستشرق ھودجسون ‪ Hodgson‬أن‬ ‫الطائفة الخطّابية ھم أول من أدخل عناصر التأويل الباطني إلى الحركة االسماعيلية‪ ،‬حيث‬ ‫تم تلقّف ھذا النوع من التأويل بالمزيد حتى أصبح طابعا مميزا لتلك الحركة‪) .‬حاشية ‪(250‬‬ ‫ولم تتأثر الشيعية الحديثة بھذا اإلرث الرّمزي فحسب بل إنه صار صفة من صفاتھا التي‬ ‫تعرف بھا‪ ،‬إذا صح ما ذكره الكاتب اللبناني محمود مصطفى أيوب )نقال عن الطباطبائي(‬ ‫وھو‪" :‬إن أھم مبادئ التفسير عند الشيعة في ھذه الحالة ھي أن للقرآن محمل ’ظھر‘‬ ‫‪247‬‬ ‫‪248‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪249‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪F‬‬ ‫ومحمل ’بطن‘‪ ،‬ولمحمل البطن ھو اآلخر سبعة أوجه باطنية مختلفة"‪) .‬حاشية ‪ (251‬وكما‬ ‫يشرح ھودجسون في تناولة لـ "الباطنية" أن الفكر االسماعيلي يرقى بالتأويل‪ ،‬الذي ھو‬ ‫استنباط الباطن من النّص الظاھر‪ ،‬إلى منزلة التنزيل نفسه‪ ،‬وأن كال من التأويل والتنزيل‬ ‫)حاشية ‪( 252‬‬ ‫ھما بتدبير إلھي‪.‬‬ ‫ومن بين المعارك التي اضطر لخوضھا الغزالي‪ ،‬أكبر المدافعين عن المذھب التقليدي في‬ ‫التفسير‪ ،‬ھو تفنيد أسلوب التأويل الرّمزي عند االسماعيلية‪ .‬ففي معارضته لما نقل عن‬ ‫إطالق الشيعة العنان ألنفسھم عند التعامل مع النص القرآني‪ ،‬يذكر الغزالي بعضا من‬ ‫الرموز واإلحاالت الشيعية التي تفضي إلى ما ال نھاية له من المترادفات‪ .‬وبصرف النظر‬ ‫عن استھجانه لھا‪ ،‬إليكم بعضا من "الرموز" التي شاع في زمان الغزالي أن اإلسماعيلية‬ ‫قد استنبطتھا من النص القرآني‪.‬‬ ‫‪250‬‬ ‫‪251‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫أمثلة من التأويل اإلسماعيلي كما ساقھا الغزالي‪:‬‬ ‫‪ ‬في تأويل اآلية الخامسة عشر من سورة محمد‬ ‫ون فِيھَا أَ ْنھَا ٌر ِم ْن َما ٍء َغي ِْر آَ ِس ٍن َوأَ ْنھَا ٌر ِم ْن لَبَ ٍن لَ ْم يَتَ َغيﱠرْ‬ ‫" َمثَ ُل ْال َجنﱠ ِة الﱠتِي ُو ِع َد ْال ُمتﱠقُ َ‬ ‫صفًّى َولَھُ ْم فِيھَا ِم ْن ُكلﱢ‬ ‫اربِ َ‬ ‫ين َوأَ ْنھَا ٌر ِم ْن َع َس ٍل ُم َ‬ ‫طَ ْع ُمهُ َوأَ ْنھَا ٌر ِم ْن َخ ْم ٍر لَ ﱠذ ٍة لِل ﱠش ِ‬ ‫ت َو َم ْغفِ َرةٌ ِم ْن َربﱢ ِھمْ"‬ ‫الثﱠ َم َرا ِ‬ ‫يرى مفسّرو اإلسماعيلية أن المقصود بأنھار اللبن ھو العرفان أي العلم الباطني‪،‬‬ ‫وأنھار الخمر ھو المعرفة‪ ،‬أي العلوم الظاھرية‪ ،‬وبأنھار العسل المصفّى سلسلة‬ ‫اإلمامة الشيعية‪.‬‬ ‫‪ ‬في تأويل اآلية التاسعة والستين من سورة طه عن إلقاء موسى عليه السالم لعصاه‬ ‫في مواجھة سحرة فرعون‪:‬‬ ‫ك )يا موسى( تَ ْلقَ ْ‬ ‫اح ٍر َو َال يُ ْفلِ ُح‬ ‫ق َما فِي يَ ِمينِ َ‬ ‫صنَعُوا إِنﱠ َما َ‬ ‫ف َما َ‬ ‫صنَعُوا َك ْي ُد َس ِ‬ ‫" َوأَ ْل ِ‬ ‫ﱠاح ُر َحي ُ‬ ‫ْث أَتَى"‬ ‫الس ِ‬ ‫تأ ّول العصاة على أنھا ُحجّة موسى في مواجھة حجة السّحرة‬ ‫‪ ‬في تأويل اآلية التاسعة والسبعين من سورة األنبياء‪:‬‬ ‫" َو َس ﱠخرْ نَا َم َع َدا ُوو َد ْال ِجبَا َل يُ َسبﱢحْ َن"‬ ‫تأ ّول الجبال على أنھا العلماء‬ ‫‪57‬‬ ‫‪ ‬في تفسير المقصود بمعجزات المسيح عليه السالم‬ ‫إحياء الموتي كناية عن بعث حياة روحية جديدة‬ ‫شفاء األعمى كناية عن شفاء الناس من عمى الضالل‬ ‫)حاشية ‪( 253‬‬ ‫شفاء األبرص كناية عن إبراء الناس من برص الكفر‬ ‫وقد يثار تساؤل عن مدى صحة ما سرده الغزالي ھنا من أمثلة على رموز التأويل عند‬ ‫اإلسماعيلية‪ .‬وھو شك في محلّه من وجھة النظر البحثية إذ أن َمن يلجأ إلى العنعنة من‬ ‫المدافعين عن المذھب التقليدي يعمد إلى تشويه آراء معارضيه‪ .‬فبالنسبة لما ذكره الغزالي‬ ‫فھو ال ينسب أي من ھذه التأويالت إلى مفسّرين إسماعيليين باإلسم‪ .‬إال أنه بإمكاننا أن‬ ‫ننسبھا إلى أحد أبرز المفسرين اإلسماعيلية سواء كان ھو المقصود من قول الغزالي من‬ ‫عدمه‪ .‬فھذه الشخصية التي تعبّر آراؤھا بشكل كبير عن آراء مفسّرى اإلسماعيلية‪ ،‬ھو‬ ‫ذلك المفسّر الذي يلفت األنظار رغم قلّة األبحاث التي تتناول أعماله – أال وھو أبو يعقوب‬ ‫السجستاني )المتوفي ‪ 360‬ھـ ‪ 971 /‬م(‪ ،‬الذي ينتمي إلى المدرسة الفارسية في الفكر‬ ‫اإلسماعيلي‪ ،‬وجاد بتفاسير لم يسبقه فيھا أحد اعتمدت على العقل والتنزيل بأسلوب الفلسفة‬ ‫األفالطونية المحدثة‪.‬‬ ‫وقد عمد السجستاني إلى استخدام عقالنيته في التفسير ويصطحب القارئ معه في ھذه‬ ‫الرّحلة العقالنية‪ .‬وباستخدامه أسلوب االستبعاد‪ ،‬يخاطب حدس القارئ في عدم جواز الفھم‬ ‫الحرفي لرتبة كاملة من اآليات القرآنية‪ .‬وقد كانت تلك اآليات القابلة للتفسير الرّمزي ھي‬ ‫نفس اآليات التي لم تكن من قبيل اآليات المتشابھات فحسب وإنما كانت أيضا من اآليات‬ ‫المعضالت التي ال يستقيم فھمھا بنصّھا الحرفي‪.‬‬ ‫وإليكم ما ساقه أحد الباحثين عن ھذه المسألة‪" :‬عندما ينصت المستمع إلى اآليات‬ ‫المتشابھات ال توافقه فطنته على أنھا تقصد معناھا الظاھري وتنتابه الحيرة لخروج معناھا‬ ‫عما ھو مقبول من األصول واألعراف‪ ،‬من قبيل تح ّدث النملة إلى سليمان‪ ،‬وقدوم الھدھد‬ ‫له بأنباء ما تسرّه ملكة سبأ في نفسھا من اعتقادات‪ ،‬وصيرورة النّار بردا وسالما على‬ ‫إبراھيم‪ ،‬وانبثاق إثني عشر ينبوعا عندما فلق موسى الصخرة بعصاه‪ ،‬وما إلى ذلك مما‬ ‫روي في الكتاب من قصص األنبياء ‪ ...‬فإذا ما قرئت ھذه اآليات المتشابھات على لبيب ال‬ ‫)حاشية ‪( 254‬‬ ‫يزداد إيمانه يقينا إذ يلفى ھذه القصص محاطة بضرب من ضروب االستحالة‪".‬‬ ‫ويستطرد ھذا الباحث قائال‪" :‬وسرعان ما يجنح االحتجاج بالالمعقولية إلى االعتراض بأن‬ ‫فھم الظواھر الخارقة ھذه ينافي قانون الطبيعة‪ .‬فالخالق الذي وضع ھذه القوانين بإرادته‬ ‫بوصفھا الناموس الطبيعي الحاكم على الكون‪ ،‬قد أوجد ھذه القوانين بمقتضى حكمته‪ .‬فإذا‬ ‫‪25‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪253‬‬ ‫‪58‬‬ ‫‪F‬‬ ‫ما تم إبطال ھذه النواميس يكون ﷲ في حقيقة األمر مبطال لحكمته‪ ،‬وبھذه الكيفية تكون‬ ‫الخليقة نفسھا قد أبطلت‪ ".‬ثم يخلص الباحث إلى الرأي بأن "علم الكون بإمكانه قطعا ً أن‬ ‫يك ّون ضلعا من أضالع التفسير‪ ،‬ولھذا اتخذ التأويل عند اإلسماعيلية منحى يأخذ جنبا إلى‬ ‫جنب بكل من التدرجات الروحية والدينية والما ّدية‪) ".‬حاشية ‪ (255‬كما أضاف السجستاني إلى‬ ‫ھذه القاعدة اعتباره بأن اآليات التي تتناول األشياء الما ّدية ھي أيضا تستدعي التأويل‪.‬‬ ‫ويقدم السجستاني تفسيرا رمزيا آلية بھا عناصر كل من االستحالة والخيال الما ّدي )وكل‬ ‫عنصر ما ّدي جاء فيھا كان على سبيل المثل( وھو تفسير مثير لالھتمام نظرا لمعقوليته‪.‬‬ ‫وھذه اآلية ھي الثانية والثمانين من سورة النمل " َوإِ َذا َوقَ َع ْالقَ ْو ُل َعلَ ْي ِھ ْم أَ ْخ َرجْ نَا لَھُ ْم َدابﱠةً‬ ‫ون"‪ .‬ومن رأي السجساتني أن ال ّدابة‬ ‫اس َكانُوا بِآَيَاتِنَا َال يُوقِنُ َ‬ ‫ض تُ َكلﱢ ُمھُ ْم أَ ﱠن النﱠ َ‬ ‫ِم َن ْاألَرْ ِ‬ ‫المذكورة ھنا كانت مثار جدال بين المفسّرين‪ ،‬دون أن يكون لذلك الجدال أية فائدة تذكر‪.‬‬ ‫كما يرى أن "األرض" في ھذه اآلية كتلة خشنة ال حراك فيھا تترعرع فوقھا الحشائش‬ ‫واألشواك‪ .‬فاألرض ھي إذاً حاضنة المواليد الطبيعية التي التدوم لھا الحياة دون مدد من‬ ‫األرض إذ تم ّدھا بالحياة‪ .‬وبالمثل فإن الروح بل وكل المواليد الروحانية تستم ّد الحياة من‬ ‫العرفان الحقيقي‪ .‬فترمز "األرض" إذن إلى "المعرفة" أي المعارف الما ّدية‪ .‬أما القول‬ ‫الواقع فھو الحجّة أو الحقيقة التي تدين الناس‪ ،‬فيروا زيف ما يعتقدون‪ .‬وبالتماشي مع ھذا‬ ‫التفسير‪ ،‬يأ ّول السجستاني "ال ّدابة" بأنھا زعيم روح ّي قد أوتي العرفان الرّباني ويجلب‬ ‫الھداية للناس لينقلھم من الشك إلى اليقين‪ .‬وھو تفسير مثير لل ّدھشة إذ أن ال ّدابة تشبيه عادة‬ ‫ما يقصد به الحط واإلھانة‪.‬‬ ‫ض َم َد ْدنَاھَا َوأَ ْلقَ ْينَا فِيھَا‬ ‫وھناك مثال آخر وھو تفسير اآلية السابعة من سورة ق " َو ْاألَرْ َ‬ ‫يج"‪ ،‬إذ يشرح السجستاني أن فكرة الم ّد تفترض‬ ‫َر َو ِ‬ ‫ج بَ ِھ ٍ‬ ‫اس َي َوأَ ْنبَ ْتنَا فِيھَا ِم ْن ُكلﱢ َز ْو ٍ‬ ‫االنكماش‪ ،‬وأنه على ما في ھذا الوصف من شاعريّة‪ ،‬إال أن الجبال ال يمكن أن تلقى في‬ ‫األرض‪ ،‬إذ أن ھذا يعني أن الجبال كانت غريبة على األرض ومجعولة من ما ّدة مختلفة‬ ‫عنھا‪ .‬وعمال بحجّة االستحالة يستطرد السجستاني ھذا الشرح قائال‪:‬‬ ‫"لقد ظھرت الجبال من األرض نفسھا ‪ ...‬ويستقيم تأويلھا إذا ما استبدلت كلمة "األرض"‬ ‫بكلمة "المعرفة" أو بعبارة "أصل المعرفة"‪ ،‬فيكون وضع األساس )بمعنى خليفة النب ّي(‬ ‫الذي بدوره يخلفه اإلمام ويكون ترويج اإلمام لھذا التأويل تشبيه يتم ّشى مع تشبيه ’م ّد‬ ‫األرض‘‪ ،‬بينما يكون إلقاء رواسي الجبال مماثال لتعيين أعيان الدين لنشر المعرفة بين‬ ‫المستحقين‪ ،‬بما يكون سببا إلنبات كل زوج بھيج‪ ،‬وھو كناية عن انتشار علم ذي شقّين‪،‬‬ ‫)حاشية ‪( 256‬‬ ‫ق ظاھر شائع وش ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫ق باطن ّي خاص‪.‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪254‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪F‬‬ ‫أما عن اآلية المائة والخمس من سورة األنبياء "يَ ْو َم نَ ْ‬ ‫ب"‪،‬‬ ‫ط ِوى ال ﱠس َما َء َكطَ ﱢي الس ِﱢجلﱢ لِ ْل ُكتُ ِ‬ ‫فھي عند السجستان ّي كناية عن رفع ال ّشريعة وإبطالھا‪ .‬كما أن ھناك آية أخرى ال يستقيم‬ ‫أن تؤخذ بمعناھا الحرفي من نفس سورة األنبياء وھي اآلية التاسعة والسبعين " َو َس ﱠخرْ نَا‬ ‫َم َع َدا ُوو َد ْال ِجبَا َل يُ َسبﱢحْ َن"‪ ،‬وھنا يرى السجستاني أن داوود كان إماما وجبت له الطّاعة‪.‬‬ ‫فالجبال ھي إذن عبارة عن مختلف القادة الرّوحيين المؤتمرين بأمر داوود‪ .‬والجبل أيضا‬ ‫كما ھو المشار إليه في اآلية الواحد والعشرين من سورة الحشر "لَ ْو أَ ْن َز ْلنَا ھَ َذا ْالقُرْ آَ َن َعلَى‬ ‫ص ﱢد ًعا ِم ْن َخ ْشيَ ِة ﱠ‬ ‫ﷲِ" يفسّر على أنه مؤمن عالم وورع يخشى ﷲ‪.‬‬ ‫اشعًا ُمتَ َ‬ ‫َجبَ ٍل لَ َرأَ ْيتَهُ َخ ِ‬ ‫)حاشية ‪ ( 257‬ومن المھم ھنا أن نشير إلى قاعدة اإلحالة التي تبنى عليھا معظم التفاسير‬ ‫المجازية للنّص القرآني‪.‬‬ ‫وماذا بعد؟‬ ‫‪256‬‬ ‫‪F‬‬ ‫في تدبّر من وانسبروه ‪ Wansbrough‬لكل ھذه السّياقات التأويلية فمن رأيه أنه يلزم القيام‬ ‫بالكثير من األبحاث حول أساليب الرّمزية والمجاز‪ ،‬إذ يختم القول قائال‪" :‬وفي النھاية‪،‬‬ ‫وھو أمر أراه في غاية األھمية‪ ،‬يجب أن يكون ھناك بحث وتحليل في المجاز واالستعارة‬ ‫من حيث نماذجھا األصلية‪ ،‬أي القواعد والمفاھيم األساسية المتعلّقة بوحي األديان‬ ‫)حاشية ‪( 258‬‬ ‫التوحيدية‪.‬‬ ‫‪257‬‬ ‫‪F‬‬ ‫ھوامش المقالة‬ ‫‪1‬‬ ‫توضيح من المترجم‪ :‬إعتنى المترجم بتأصيل النصوص التي سيقت في ھذه المقالة بأكبر قدر ممكن أتاحه‬ ‫توفرھا ورقيا وإلكترونيا‪ ،‬مع قيامه بذكر المراجع التي أخذھا عنھا‪ ،‬بينما قام بترجمة ما تبقى منھا عن‬ ‫النص اإلنجليزي مباشرة‪ ،‬مراعيا قدر اإلمكان االقتراب من نسيج النثر العربي القديم‪ .‬ولكنه يستميح القارئ‬ ‫عذرا إذا ما وجد اختالفا بين ماھو مترجم بھذه الكيفية وما قد يتوفّر لديه من أصولھا‪ .‬أما عن ھوامش‬ ‫المقالة فقد آثر المترجم االبقاء على أصلھا اإلنجليزي دون ترجمة‪ ،‬أمال أن تعين المھتمين بالدراسات‬ ‫االسالمية باللغتين االنجليزية والعربية معا ً على التعرّف على ھذا الك ّم الكبير من المراجع اإلنجليزية التي‬ ‫استقى منھا الدكتور كريستوفر باك ما ّدة بحثه المميّزة‪.‬‬ ‫‪John Wansbrough, Quranic Studies: Sources and Methods of Scriptural‬‬ ‫‪Interpretation (Oxford University Press, 1977), pp. 238–239 (edition cited,‬‬ ‫‪passim). See John Wansbrough, Quranic Studies: Sources and Methods of‬‬ ‫‪Scriptural Interpretation, Foreword, Translations, and Expanded Notes by‬‬ ‫‪Andrew Rippin (Amherst, New York: Prometheus Books, 2004).‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪2‬‬ 3 Andrew Rippin. ”The Qur‘an as Literature: Perils, Pitfalls and Prospects,” Bulletin of the British Society of Middle Eastern Studies 10 (1983): pp. 38–47 [p. 44]. 4 Lutfi Ibrahim, ”Az-Zamakhsharī: His Life and Works,” Islamic Studies 19 (1980): pp. 95–110. 5 Wadi Z. Haddad,” Taftāzānī,” in Encyclopedia of Religion, ed. by M. Eliade (New York: Macmillan, 1987), Vol. 14, p. 244; and C. A. Storey, ”Al-Taftāzānī,” The Encyclopaedia of Islam (Leiden, 1913–1934). 6 Andrew Rippin, Muslims: Their Religious Beliefs and Practices. Volume 1: The Formative Period (London: Routledge, 1990), p. 65. 7 Victor Danner, ”The Early Development of Sufism,” Islamic Spirituality: Foundations, ed. by Sayyid Hossein Nasr (New York: Crossroad, 1987), pp. 239–264 (p. 254), with respect to the Neoplatonism of al-Kindī. 8 Alti B. Rodal, ”Response to David R. Blumenthal,” Studies in Jewish Mysticism: Proceedings of Regional Conferences held at the University of California, Los Angeles, and McGill University in April, 1978, ed. by Joseph Dan and Frank Talmage (Cambridge, Mass.: Association for Jewish Studies, 1982), pp. 178– 179. 9 Andrew Rippin, ”Tafsīr,” in Encyclopedia of Religion, ed. Mircea Eliade (New York: Macmillan, 1987), Vol. 14, p. 239. 10 Rippin, Muslims, p. 129. 11 The assertion that symbolism excludes direct methods of empirical investigation, but may undergo anthropological verification as to validity is made by David M. Rasmussen, Symbol and Interpretation (The Hague: Nijhoff, 1974), p. 4. 12 Jon Whitman, Allegory: The Dynamics of an Ancient and Medieval Technique (Cambridge: Harvard University Press, 1987), pp. 266–267. 13 George B. Caird explains: “A language is transparent insofar as its meaning lies open to any intelligent but uninstructed observer, and opaque insofar as it has to be learnt.” See chapter on “Opacity, Vagueness and Ambiguity,” in Caird, The Language and Imagery of the Bible (London: Duckworth, 1980), pp. 85–108 (85). 14 Todorov, Symbolism and Interpretation, p. 98. 61 15 E. W. Bullinger, Figures of Speech Used in the Bible, Explained and Illustrated (Grand Rapids, MI: Baker Book House, 1968 [London: Eyre & Spottiswoode, 1898; New York, E. & J.B. Young & Co., 1898]), pp. 727 and 735. 16 Bullinger, Figures of Speech Used in the Bible, p. 751. 17 Bullinger, Figures of Speech Used in the Bible, p. 769. 18 Bullinger, Figures of Speech Used in the Bible, p. 748. 19 Bullinger, Figures of Speech Used in the Bible, p. 769. 20 Bullinger, Figures of Speech Used in the Bible, p. vi. 21 Summary of parameters for testing for figuration, developed by British linguist, Herbert Paul Grice, et al., given by Jerrold M. Sadock, ”Figurative Speech and Linguistics,” Metaphor and Thought, ed. by Andrew Ortony (Cambridge: Cambridge University Press, 1979; Second Edition, 1993), pp. 42–57 (pp. 51– 53). 22 Cited by Todorov, Symbolism and Interpretation, p. 25. 23 Todorov, Symbolism and Interpretation, p. 106. 24 Edward P. Myers,” Interpreting Figurative Language,” Biblical Interpretation: Principles and Practices: Studies in Honor of Jack Pearl Lewis, ed. by F. Furman Kearley, Edward P. Myers, and Timothy D. Hadley (Grand Rapids: Baker Book House, 1986), pp. 91–100 (pp. 91–92). 25 Myers, ”Interpreting Figurative Language,” pp. 92–93. 26 Todorov, Symbolism and Interpretation, p. 112. 27 Todorov, Symbolism and Interpretation, p. 114. 28 Wansbrough, Quranic Studies, p. 243. 29 Though he does refer, in passing, to pesha (Wansbrough, Quranic Studies, p. 152 and p. 246.) See also R. Loewe, “Jewish Exegesis,” A Dictionary of Biblical Interpretation, ed. by R. J. Coggins and J. L. Houlden. London: SCM Press, 1990), pp. 346–354 (pp. 351–352). 30 For a discussion of remez ‫ الرمز‬alone, see Michael Fishbane, The Garments of Torah: Essays in Biblical Hermeneutics (Bloomington: Indiana University Press, 1989), pp. 116–118. In medieval Jewish exegesis, there were no hard-and-fast boundaries between figuration and symbolism. In the patristic and medieval Christian context, a verse of Scripture could be read and interpreted at one of four levels, or on all four once. 62 31 “The Talmudic application of mashal also included, in addition to parable, allegorical interpretation, e.g. the fables of Jotham (Judges 9: 7–20) and Joseph (2 Kings 14: 8–14).” (Wansbrough, Quranic Studies, p. 242.) The classic Renaissance work on biblical rhetoric is: Judah Messer Leon, The Book of the Honeycomb‘s Flow: Sépher Nópheth Ṣūphīm, tr. and ed. by Isaac Rabinowitz (Ithaca and London: Cornell University Press, 1983). 32 M. J. Geller, “Introduction.” Figurative Language in the Ancient Near East, ed. M. J. Geller, M. Mindlin, and J. Wansbrough (London: School of Oriental and African Studies, 1987), pp. iii–xiii (p. ix). 33 Arberry’s translation. 34 R. Jullandri, ”Qur‘anic Exegesis and Classical Tafsīr,” Islamic Quarterly 12 (1968): pp. 71–119 (p. 76, citing Muslim, Ṣaḥīḥ, chapter on fasting). 35 Norman Calder, ”Tafsīr from Ṭabarī to Ibn Kathīr: Problems in the Description of a Genre, Illustrated with Reference to the Story of Abraham.” Approaches to the Qur‘an, ed. by G. Hawting and A.-K. Shareef (London: Routledge, 1993), pp. 101–140, citing Wansbrough, Quranic Studies, pp. 239–246. 36 Wansbrough, Quranic Studies, p. 119. 37 Calder, ”Tafsīr from Ṭabarī to Ibn Kathīr.” 38 Seeger A. Bonebakker, ”Ibn al-Mu‘tazz and Kitāb al-Badī’,” ’Abbasid BellesLettres, Cambridge History of Arabic Literature, Vol. 1, ed. by J. Ashtiany, et al. (Cambridge: Cambridge University Press, 1990), pp. 404–405. 39 al-Jemaey, Awad Muaiwed, Rummānī‘s ”al-Nukat fī I’jāz al-Qur‘ān”: An Annotated Translation with Introduction, Ph.D. dissertation, Indiana University (University Microfilms International (now ProQuest Dissertations Publishing), 1987), p. 53. Of the Qur’an’s unsurpassed eloquence, Ibn Qutayba (d. 889) had previously argued that the Prophet Muḥammad had come at a time in history to a people for whom eloquence (bayan) was the pinnacle of human ability. 40 al-Jemaey, al-Rummānī‘s ”al-Nukat fī I’jāz al-Qur‘ān,” p. 53. 41 al-Jemaey, al-Rummānī‘s ”al-Nukat fī I’jāz al-Qur‘ān,” pp. 130–148. For other Quranic exemplars of Quranic metaphors, see G. von. Grunebaum, A TenthCentury Document of Arabic Literary Theory and Criticism (Chicago: University of Chicago Press, 1950/1974), pp. 2–114, passim. 42 Wolfhart Heinrichs, ”On the Genesis of the ḥaqīqa-majāz Dichotomy,” Studia Islamica 59 (1984): pp. 111–140 (p. 120). 63 43 Personal communication, Naftali Kinberg, University of Calgary, 22 March 1990. 44 Personal communication, Naftali Kinberg, University of Calgary, 22 March 1990. 45 Heinrichs, ”On the Genesis of the ḥaqīqa-majāz Dichotomy,” pp. 134–135. 46 Wansbrough, Quranic Studies, p. 237. 47 John Wansbrough, ”Majāz al-Qur‘an: Periphrastic Exegesis,” Bulletin of the School of Oriental and African Studies 33 (1970): pp. 247–266 (p. 265). 48 Wansbrough, Quranic Studies, p. 232. 49 Kamal Abu Deeb,” Literary Criticism,” ’Abbasid Belles-Lettres. Cambridge History of Arabic Literature, Vol. 1, ed. by J. Ashtiany, et al. (Cambridge University Press, 1990), p. 381. 50 See further, Abu Deeb, ”Literary Criticism,” pp. 379–387. 51 Ritter, ”Introduction,” al-Jurjānī, Asrār al-Balāgha: The Mysteries of Eloquence, p. 7. 52 So named in the article, S.A. Bonebakker and B. Reinert, “al-Maʿānī wa ‘lBayān,” Encyclopaedia of Islam (Second Edition), edited by: P. Bearman, et al., Vol. V, p. 899. 53 In my opinion, this the most expressive and, generally, most accurate description of the discipline of Quranic rhetoric. See Bonebakker and Reinert, “al-Maʿānī wa ‘l-Bayān, ‫ ” المعاني والبيان‬p. 898. 54 Ritter, ”Introduction,” al-Jurjānī, Asrār al-Balāgha: The Mysteries of Eloquence, p. 7. 55 Bonebakker and Reinert, “al-Maʿānī wa ‘l-Bayān,” p. 900. 56 K. Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery (Warminster: Aris, 1979), p. 53. 57 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 76. 58 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 62–63. 59 To illustrate, while discoursing on the “mysteries” (asrār) of the “alchemic” or evocative power of ṣan‘ah ‫ أسرار الصنعة الشعرية‬poetry, strings together a series of unreferenced terms: “But if an image (ma‘nā ‫ … ) معنى‬is approached through the use of metonymy (kināya ‫) الكناية‬, allusion (ta‘rīḍ ‫) التعريض‬, symbol (ramz ‫) الرمز‬ and suggestion (talwīḥ ‫) التلويح‬, then it will enter … the domain of the special 64 which can be comprehended … only by strenuous effort, cogitation, reflection, and consideration.” Tr. by M. Ajami, The Neckveins of Winter: The Controversy over Natural and Artificial Poetry in Medieval Arabic Literary Criticism (Leiden: Brill, 1984), pp. 57–58. 60 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, pp. 157–164. 61 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 164. 62 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 27. 63 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 40. 64 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 40. 65 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 6, n. 19. 66 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, pp. 58 and 60. 67 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, pp. 66–67. 68 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, pp. 74–75 69 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 105. In a similar vein, Bullinger (Figures of Speech Used in the Bible, p. 735) makes this differentiation: “While, therefore, the word ‘resembles” marks the simile, ‘represents’ is the word that marks the metaphor.” 70 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 67. 71 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, pp. 154–155. 72 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 145. 73 William Earl Smyth, Persian and Arabic Theories of Literature: A Comparative Study of al-Sakkākī‘s Miftāh al-‘Ulūm ‫ مفتاح العلوم‬and Shams-i Qays‘ al-Mu’jam fī Ma’āyīr Ash’ār al-’Ajam ‫( المعجم في معايير أشعار العجم‬Ph.D. dissertation, New York University, 1986; ProQuest Dissertations Publishing, 1986), p. 270. Part of AlJurjānī‘s exegesis of the verse may be found in Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, pp. 41–42. 74 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 147. 75 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 121. 76 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 105. 77 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 155. 78 Ritter, ”Introduction,” al-Jurjānī, Asrār al-Balāgha: The Mysteries of Eloquence, p. 14. 65 79 Wansbrough, Quranic Studies, p. 239. 80 Wansbrough, Quranic Studies, p. 241. 81 Wansbrough, Quranic Studies, p. 246. 82 Wansbrough, Quranic Studies, p. 240. 83 Wansbrough, Quranic Studies, p. 240. 84 Cf. Q. 2:17, 29:41. Wansbrough, Quranic Studies, p. 240. 85 Ritter, ”Introduction,” al-Jurjānī, Asrār al-Balāgha: The Mysteries of Eloquence, p. 11. 86 Heinrichs, ”On the Genesis of the ḥaqīqa-majāz Dichotomy,” p. 131. 87 George J. Kanazi, Studies in the Kitāb aṣ-Ṣinā’atayn ‫ كتاب الصناعتين‬of Abū Hilāl al-’Askarī (Leiden: Brill, 1989), p. 43. 88 Wolfhart Heinrichs, ”Isti’ārah and Badī’ and their Terminological Relationship in Early Arabic Literary Criticism,” Zeitschrift für Geschichte der ArabischIslamischen Wissenschaften 1 (1984): pp. 180–211, states that al-Rummānī “was the first, according to our knowledge, to define isti‘ārah and badī’ ‫اآلستعارة والبديع‬ in terms of their mutual relationship” (p. 186). 89 Kanazi, Studies in the Kitāb aṣ-Ṣinā’atayn of Abū Hilāl al-’Askarī, p. 149. 90 Heinrichs, ”Isti’ārah and Badī’ and their Terminological Relationship,” p. 184. 91 S. A. Bonebakker, ”Isti’āra,” Encyclopaedia of Islam, Second Edition, Vol. 4, pp. 248–52. 92 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 179. 93 Kanazi, Studies in the Kitāb aṣ-Ṣinā’atayn of Abū Hilāl al-’Askarī, p. 149. 94 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 151. 95 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 155. 96 Bonebakker, ”Isti’āra,” Encyclopaedia of Islam, Second Edition, Vol. 4, pp. 250– 251. 97 Bonebakker, ”Isti’āra,” Encyclopaedia of Islam, Second Edition, Vol. 4, pp. 250– 252. 98 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 180. 99 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 187. 100 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 188. 66 101 Bonebakker, ”Isti’āra,” Encyclopaedia of Islam, Second Edition, Vol. 4, p. 251. 102 A verse from the elegist, al-Mutanabbī, cited by al-Jurjānī, in Abu Deeb, AlJurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 160. See Michael Winter, ”Content and Form in the Elegies of al-Mutanabbī,” Studia Orientalia Memoriae D. H. Baneth Dedicata (Jerusalem, 1979), pp. 327–345. 103 A lampoon in the form of praise, or vice versa. 104 Kanazi, Studies in the Kitāb aṣ-Ṣinā’atayn of Abū Hilāl al-’Askarī, p. 188. 105 Seeger A. Bonebakker, Some Early Definitions of the Tawriya (The Hague: Mouton, 1966), p. 78. Vicente Cantarino, Arabic Poetics in the Golden Age (Leiden: Brill, 1975), pp. 80–81, gives a different etymology, based on the lexicographer, Jamāl al-Dīn Manṣūr (d. 1311). 106 Cantarino, Arabic Poetics in the Golden Age, p. 81. 107 Cantarino, Arabic Poetics in the Golden Age, pp. 166–167. 108 Cantarino, Arabic Poetics in the Golden Age, p. 95. 109 Abu Deeb, ”Literary Criticism,” p. 385, gives al-Jurjānī‘s definition of takhyīl ‫ التخييل‬as that in which a poet “affirms something which is not certain at the outset, and makes a claim that cannot be verified.” 110 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 164. 111 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 163, n. 101. 112 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 159. 113 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 160. 114 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 162. 115 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 161. 116 Abu Deeb, Al-Jurjānī‘s Theory of Poetic Imagery, p. 161. 117 Writing, of course, in an Arabic literary tradition. For a representative work in the Persian literary tradition, see Niẓāmī ’Arūḍī, Chahār Maqāla: The Four Discourses, tr. E. G. Browne (London, 1921). But the first true poetics in Persian is Shams-i Qays-i Rāzī, Al-Mu‘jam fi ma‘āyir ash‘ār al-’ajam ‫المعجم في معايير‬ ‫( أشعار العجم‬Compendium on the Rules of Poetry in the Persian East, circa 1258, Iran), ed. Muḥammad Qazvīnī (London: Leiden, 1909). 118 Smyth, Persian and Arabic Theories of Literature, p. 272. 67 119 I think this is an error in transliteration, although I have not yet consulted the Kashhāf. Bonebakker (Some Early Definitions of the Tawriya ‫ التورية‬, pp. 26–27) mentions, in passing, that the term, al-mutashābihāt ‫ المتشابھات‬, was a key word in the text. 120 Zamakhsharī, Kashhāf (Cairo, 1945), Vol. II, pp. 305–306, cited in Bonebakker, Some Early Definitions of the Tawriya, pp. 25–26. ‫ كانت بعض المسرحيّات التي عرضت على مسارح اإلغريق قديما تختتم بإنزال ممثل يحاكي آحد االلھة‬121 (‫على خشبة المسرح بواسطة رافعة تدار ميكانيكيا )المترجم‬ 122 Wansbrough, Quranic Studies, pp. 240–241. 123 Cited by Bonebakker, Some Early Definitions of the Tawriya, pp. 78–79 124 This section will survey the classical kalām controversy over Quranic anthropomorphisms 125 Term used by L. Massignon, The Passion of al-Ḥallāj, Mystic and Martyr of Islam, tr. by H. Mason (Princeton University Press, 1982). 4 vols., vol. III, pp. 78, n. 169. 126 Cited by Rippin, Muslims, p. 63. 127 al-Ghazālī, Freedom and Fulfillment, tr. by R. McCarthy (Boston: Twayne, 1980), p. 155. 128 Morris S. Seale, Muslim Theology: A Study of Origins with Reference to the Church Fathers (London: Luzac, 1980), pp. 55–56. In this study, Scale has translated Ibn Ḥanbal’s Refutation of the Dualists and the Anthropomorphists. 129 al-Ghazālī, Freedom and Fulfillment, pp. 155–156. 130 W. Klein, ”Introduction,” in Abu‘l-Ḥasan ’Alī ibn Ismā‘īl al-Ash’arī‘s Al-Ibānah ’an uṣul ad-diyānah ‫( اإلبانة في اصول الديانة‬The Elucidation of Islām‘s Foundation) (New Haven: American Oriental Society, 1940), p. 1. 131 Andrew Rippin and J. Knappert, editors and translators, Textual Sources for the Study of Islam (Manchester University Press, 1986), pp. 122–123. 132 See al-Ṭabarī on Q. 6:102 f., in H. Gätje, The Qur‘an and its Exegesis: Selected Texts with Classical and Modern Muslim Interpretations, tr. and ed. by A. Welch (Berkeley: University of California Press, 1976), pp. 156–162. 133 J. van Ess, The Youthful God: Anthropomorphism in Early Islam (Tempe: Arizona State University, 1988), p. 9. 134 van Ess, The Youthful God: Anthropomorphism in Early Islam, p. 5. 68 135 Earl Edgar Elder, “Introduction,” in Sa’d al Dīn al-Taftāzānī, A Commentary on the Creed of Islam, tr. by E.E. Elder (New York: Columbia University Press, 1950), p. xiii. 136 Seale, Muslim Theology, p. 54. 137 Massignon, The Passion of al-Ḥallāj, Vol. III, p. 129, n. 33. 138 A. Strothman, ”Tashbīh,” in Encyclopaedia of Islam, First Edition, p. 685. At the other extreme of anthropomorphism is pure negative theology, ta’ṭīl ‫تعطيل‬ (divesting God of all attributes). 139 Jaroslav Stetkevych, ”Arabic Hermeneutical Terminology: Paradox and the Production of Meaning,” Journal of Near Eastern Studies 48 (1989): pp. 81–96 (pp. 92–93). 140 Hasan M. Balyuzi, Muḥammad and the Course of Islām (Oxford: George Ronald, 1976), p. 228, includes Shī‘ī literary thought as part of the analysis. 141 Massignon, The Passion of al-Ḥallāj, Vol. III, pp. 84–85. Cf. M. Cook, ”The Origins of Kalām.” Bulletin of the School of Oriental and African Studies 43 (1980): pp. 32–43, who argues that kalām-style argumentation is not of Muslim origin. 142 van Ess, The Youthful God: Anthropomorphism in Early Islam, p. 13. 143 Heinrichs, ”On the Genesis of the ḥaqīqa-majāz Dichotomy,” p. 139. 144 al-Zamakhsharī extended rhetorical analysis even into lexicography, in which he wrote a lexicon of proper and figurative meanings in his dictionary entries, viz., in his Asās al-balāgha ‫( أساس البالغة‬The Basis of Eloquence). See Bohas, Georges, Jean-Patrick Guillaume, and Djamel Kouloughli, The Arabic Linguistic Tradition (London and New York: Routledge, 1990), p. 118. 145 Ibn Khaldūn, The Muqaddimah: An Introduction to History, tr. by Franz Rosenthal (Princeton: Princeton University Press, 1967), Vol. III, p. 337. (See all pp. 402 ff.) 146 Fazlur Rahman, cited and translated from the Urdu by N. Faruqi, ”Review of Fazlur Rahman, An Analytical Study of al-Zamakhsharī‘s Commentary on the Qur‘an: Al-Kasshāf, ‫ ” الكشاف للزمخشري‬Islamic Culture 63 (1989): pp. 114–116 (p. 115). 147 Gätje, The Qur‘an and its Exegesis, p. 151. 148 Wansbrough, Quranic Studies, p. 241. 69 149 J. Baljon, ”Qur‘anic Anthropomorphisms,” Islamic Studies 27 (1988),: pp. 119– 127 (p. 126). 150 Gätje, The Qur‘an and its Exegesis, p. 221. 151 al-Taftāzānī, A Commentary on the Creed of Islam, p. 158. 152 al-Taftāzānī, Sharḥ al-’Aqā‘id al-Nasafiyyah ‫ شرح العقائد النسفية‬Vol. I, p. 204; tr. by Jullandri, ”Qur‘anic Exegesis and Classical Tafsīr,” p. 158. 153 al-Ghazālī, Freedom and Fulfillment, p. 157. 154 al-Ghazālī, Freedom and Fulfillment, p. 163. 155 al-Jāmī, The Precious Pearl, tr. by N. Heer (Albany: State University of New York Press, 1979), p. 43. 156 al-Ash’arī. Al-Ibānah ’an uṣūl ad-diyānah ‫ اإلبانة عن أصول الديانة‬: The Elucidation of Islam‘s Foundation, tr. by W. Klein (New Haven: American Oriental Society, 1940/1967), pp. 56–65. 157 van Ess, The Youthful God: Anthropomorphism in Early Islam, p. 13. 158 W. Madelung, ”Imāmism and Mu‘tazilite Theology,” in idem, Religious Schools and Sects in Medieval Islam (London: Variorum, 1985), pp. 13–29. 159 Moojan Momen, An Introduction to Shi’i Islam: The History and Doctrines of Twelver Shi’ism (New Haven, CT: Yale University Press, 1985), pp. 76–82. 160 M. McDermott, The Theology of al-Shaykh al-Mufīd (Beirut, 1978), p. 2. 161 Momen, An Introduction to Shi’i Islam, p. 79. Rippin (Muslims, p. 112) calls alMurtaḍā “the Shi‘ite al-Ash‘ari in the sense that his writings became the basis for all later Shi‘ite exposition of theology, being the virtually unquestioned source.” 162 McDermott, The Theology of al-Shaykh al-Mufīd, pp. 339–340. 163 McDermott, The Theology of al-Shaykh al-Mufīd, p. 339. 164 Fazlur Rahman, Islam (Chicago: University of Chicago Press, 1979), p. 94. 165 Massignon, The Passion of al-Ḥallāj, Vol. III, pp. 85–86. 166 Fazlu Rahman, Prophecy in Islam: Philosophy and Orthodoxy (Chicago: University of Chicago Press, 1979), p. 36. 167 Rahman, Prophecy in Islam, p. 44. 168 Rahman, Prophecy in Islam, p. 61. 169 Rahman, Prophecy in Islam, pp. 55–56. 70 170 Rahman, Prophecy in Islam, p. 40. 171 A. Welch,” Islam,” A Handbook of Living Religions, ed. by J. Hinnells (Middlesex: Penguin Books, 1985), p. 152. 172 Sayyid Hossein Nasr, ”The Cosmos and the Natural Order,” Islamic Spirituality: Foundations, ed. by idem (New York: Crossroad, 1987), pp. 352–353. 173 D. Gutas, Avicenna and the Aristotelian Tradition (Leiden: Brill, 1988), pp. 300– 301. 174 See Gutas’s remarks on this passage, Avicenna and the Aristotelian Tradition, pp. 301–302. 175 Gutas, Avicenna and the Aristotelian Tradition, pp. 306–307. 176 Rahman, Prophecy in Islam, pp. 42–44. 177 Gutas, Avicenna and the Aristotelian Tradition, p. 302, not specifying the works to which he refers. 178 Gutas, Avicenna and the Aristotelian Tradition, p. 304. This interpretation is translated on pp. 164–165. 179 Gutas, Avicenna and the Aristotelian Tradition, pp. 308–310. 180 Welch,” Islam,” A Handbook of Living Religions, p. 152. 181 A. Doi, ”Sunnism,” Islamic Spirituality: Foundations, ed. by S. Nasr (New York: Crossroad, 1987), p. 156. 182 Ibn Rushd, Kitāb faṣl al-maqāl, tr. by G. Hourani, Averroes on the Harmony of Religion and Philosophy (London: Luzac, 1961), p. 50. Zzz 183 Hourani, Averroes on the Harmony of Religion and Philosophy, p. 80. 184 Hourani, Averroes on the Harmony of Religion and Philosophy, pp. 23–25. 185 Hourani, Averroes on the Harmony of Religion and Philosophy, p. 80. 186 Rahman, Prophecy in Islam, p. 64. 187 Rahman, Prophecy in Islam, p. 42, citing Averroes, Kitāb faṣl al-maqāl (Cairo: 1317 edn.), pp. 18 and 29. 188 A. Habil, ”Traditional Esoteric Commentaries on the Qur‘an,” Islamic Spirituality: Foundations, ed. by S. Nasr (New York: Crossroad, 1987), p. 41. 189 Massignon, The Passion of al-Ḥallāj, Vol. III, p. 276. 71 190 W. Chittick, ”Microcosm, Macrocosm, and Perfect Man in the View of Ibn al’Arabī,” Islamic Culture 63 (1989), pp. 1–11 (p. 3). 191 J. de Bruijn, ”Madjāz ‫( بند المجاز في األدب الفارسي‬in Persian Literature)” Encyclopaedia of Islam, Second Edition, Vol. 4, p. 1027. 192 Massignon (The Passion of al-Ḥallāj, Vol. II, p. 411, n. 12) refers to a letter by al-Ghazālī on “majāzī Islam,” although he does not elaborate on what this means. 193 Jullandri, ”Qur‘anic Exegesis and Classical Tafsīr,” p. 105. 194 Wansbrough, Quranic Studies, p. 244, n. 8. 195 Wansbrough, Quranic Studies, pp. 244–245. 196 Wansbrough, Quranic Studies, pp. 244 and 236, where the parallelism is drawn by the present writer, rather than by Wansbrough himself. 197 Wansbrough, Quranic Studies, p. 243. 198 Wansbrough, Quranic Studies, p. 245, first and last lines of the second paragraph. 199 Wansbrough, Quranic Studies, p. 240: “The ‘parable’ could be symbolic, even allegorical, but did not require analysis as metaphor.” 200 Wansbrough, Quranic Studies, p. 245 201 Hourani, Averroes on the Harmony of Religion and Philosophy, p. 27. 202 Alessandro Bausani, ”Continuity and Break in the Literary and Cultural Tradition of Iran,” Proceedings of the 26th International Congress of Orientalists (New Delhi, 1968), Vol. 2, p. 187. 203 Hourani, Averroes on the Harmony of Religion and Philosophy, p. 27. 204 Nwyia, ”Ishāra,” Encyclopaedia of Islam, Second Edition, Vol. IV, p. 114. 205 Gerhard Böwering, The Mystical Vision of Existence in Classical Islam: The Qur‘anic Hermeneutics of the Ṣūfī Sahl at-Tustarī (d. 283/896) (Berlin: de Gruyter, 1980), p. 9. 206 Massignon, The Passion of al-Ḥallāj, Vol. III, pp. 87–88. 207 P. Nwyia, ”Ishāra,” Encyclopaedia of Islam, Second Edition, Vol. IV, p. 114. 208 al-Jāmī, The Precious Pearl, tr. by N. Heer, p. 37. 209 Ibn al-’Arabī, in H. Corbin, Creative Imagination in the Ṣūfism of Ibn ’Arabī, p. 272. 210 Jullandri, ”Qur‘anic Exegesis and Classical Tafsīr,” pp. 111–112. 72 211 Jullandri, ”Qur‘anic Exegesis and Classical Tafsīr,” p. 105. 212 Wansbrough, Quranic Studies, p. 245. 213 P. Nwyia, Exégèse Coranique et Language Mystique (Beirut: Dar el-Mashreq, 1970), p. 4 214 Often concomitant with “divine audition.” 215 Annamarie Schimmel, ”Creation and Judgment in the Koran and in MysticoPoetical Interpretation,” We Believe in One God: The Experience of God in Christianity and Islam, ed. by idem, et al. (New York: Seabury, 1979), p. 172. 216 L. Gardet, ”Allāh,” in Encyclopaedia of Islam, Second Edition, Vol. 1, p. 411. 217 Böwering, The Mystical Vision, p. 64. 218 Böwering, The Mystical Vision, p. 138. 219 Böwering, The Mystical Vision, pp. 135–142. 220 Böwering, The Mystical Vision, p. 213. 221 Böwering, The Mystical Vision, p. 218. 222 Böwering, The Mystical Vision, p. 248. 223 Böwering, The Mystical Vision, p. 170. 224 Böwering, The Mystical Vision, p. 170. 225 J. Baldick, Mystical Islam: An Introduction to Sufism (London: Tauris, 1989), p. 38. 226 Böwering, The Mystical Vision, p. 170. 227 A.J. Arberry, ”Kalābādhī,” Shorter Encyclopaedia of Islam, ed. by H. A. R. Gibb and J. H. Kramers (Leiden: Brill, 1953), p. 210. 228 A.J. Arberry, tr., The Doctrine of the Ṣūfīs: Kitāb al-ta’arruf li-madhab ahl altasawwuf ‫ التعرّف لمذھب أھل التص ّوف‬،‫( كتاب أبو بكر الكالباظي‬by Abū Bakr al-Kalābādhī) (Cambridge: Cambridge University Press, 1977), pp. 27–28. 229 al-Ghazālī,” The Niche for Lights (Mishkāt al-Anwār ‫) مشكاة األنوار‬,” Four Sufi Classics, tr. by W. Gairdner (London: Octagon, 1980), p. 107. 230 al-Ghazālī,” The Niche for Lights,” pp. 119–120. 231 al-Ghazālī, ”The Niche for Lights,” pp. 134–135. 232 al-Ghazālī, ”The Niche for Lights,” pp. 138–139. 73 233 I. Bello, The Medieval Islamic Controversy between Philosophy and Orthodoxy: Ijmā ‘and Ta‘wīl in the Conflict between al-Ghazālī and Ibn Rushd (Leiden: Brill, 1989), p. 62, n. 39. 234 M. Smith, Readings from the Mystics of Islām (London: Luzac, 1972), p. 60. 235 al-Ghazālī, ”The Niche for Lights,” p. 158. 236 Smith, Readings from the Mystics of Islām, p. 70. 237 Smith, Readings from the Mystics of Islām, pp. 70–71. 238 Smith, Readings from the Mystics of Islām, p. 67. 239 al-Ghazālī, ”The Niche for Lights,” p. 124. 240 T. Izutsu, Sufism and Taoism: A Comparative Study of Key Philosophical Concepts (Berkeley: University of California Press, 1983), p. 24. 241 Ibn al-’Arabī, in H. Corbin, Creative Imagination in the Ṣūfism of Ibn ’Arabī, trans. by R. Manheim (London: Routledge, 1970), p. 197. 242 Izutsu, Sufism and Taoism, p. 83. 243 W. Chittick, The Sufi Path of Knowledge: Ibn al-’Arabī‘s Metaphysics of Imagination (Albany: State University of New York Press, 1989), p. 223. 244 Izutsu, Sufism and Taoism, p. 51. 245 Corbin, Creative Imagination in the Ṣūfism of Ibn ’Arabī, p. 377. 246 Corbin, Creative Imagination in the Ṣūfism of Ibn ’Arabī, p. 232. 247 Massignon, The Passion of al-Ḥallāj, Vol. III, p. 346. 248 M. Hodgson, ”Bāṭiniyya ‫ ” بند الباطنية‬Encyclopaedia of Islam, Second Edition, Vol. I, p. 1099. 249 Momen, An Introduction to Shi’i Islam, pp. 47–48, 51–53, and 216–217. 250 Hodgson, ”Bāṭiniyya ‫ ”بند الباطنية‬Encyclopaedia of Islam, Second Edition, Vol. I, p. 1099. 251 M. Ayoub, ”The Speaking Qur‘an and the Silent Qur‘an: A Study of the Principles and Development of Imāmī Shī’ī tafsīr,” Approaches to the History of the Interpretation of the Qur‘an, ed. Andrew Rippin (Oxford University Press, 1988), p. 187. 252 M. Hodgson, ”Bāṭiniyya,” Encyclopaedia of Islam, Second Edition, Vol. I, p. 1099. 74 253 al-Ghazālī, Freedom and Fulfillment, pp. 209–210. 254 I. Poonawala, ”Ismā’īlī ta‘wīl of the Qur‘an,” Approaches to the History of the Interpretation of the Qur‘an, ed. by Andrew Rippin (Oxford: Oxford University Press, 1988), pp. 210–211. 255 Poonawala, ”Ismā’īlī ta‘wīl of the Qur‘an,” p. 212. 256 Poonawala, ”Ismā’īlī ta‘wīl of the Qur‘an,” pp. 213–214. 257 Poonawala, ”Ismā’īlī ta‘wīl of the Qur‘an,” pp. 215–216. 258 Wansbrough, Quranic Studies, p. 239. 75